معنى الحياة ؟! - د.عمر القراي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 09:27 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2005, 02:48 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
معنى الحياة ؟! - د.عمر القراي


    معنى الحياة ؟!

    تعليق على كتاب عالم الوراثة ثيودوثيس دوبجانسكي[1]



    (1)
    الفصل الاول
    الانسية والإنسانية


    لا بدَّ في البداية، من الاشادة بالجهد الكبير، الذى بذله د. فاروق محمد ابراهيم، في ترجمة هذا الكتاب، الى اللغة العربية. ذلك انه رغم صغر حجمه، كتاب مهم، لانه يناقش أصول الأشياء، وأمهات القضايا، التى اذا اتضحت يمكن لمختلف المشاكل السياسية، والاجتماعية، ان تأتي في إطار معرفي متسق، يفضي بنا الى رؤية متكاملة للحياة، ودورنا فيها، أفراداً وجماعةً، تقطن بيتاً واحداً، هو هذا الكوكب الصغير المسمى الأرض. كما يشكر لمجلة أركماني، نشرها لهذه الترجمة، ودعوة المهتمين لمناقشة مثل هذه المواضيع العلمية العميقة.

    لقد ترجم د. فاروق اسم الكتاب الى (علم الأحياء ومعنى الحياة)، ولعل هذا اسم طموح، قد يوهم القارئ بانه سيعرف معنى الحياة، بعد قراءة هذا الكتيب الصغير.. والحق ان الكتاب وان قرر بعض الحقائق العلمية، وتبنى بعض الرؤى الفلسفية، الا انه لم يدع لنفسه، انه يعرف معنى الحياة.. فاسم الكتاب هو: The Biology of Ultimate Concern وهو اسم يمكن ان يترجم الى (علم أحياء الهم النهائي) أو (علم أحياء الاهتمام المطلق).. والاسم بهذا المعنى يشير الى انه مفهوم لعلم الأحياء، يجعله يسهم في الهم الأساسي، أو القضية الجوهرية، التى يفترض الكتيب انها حياة الإنسان.. ولعلَّ هذا ما حدا بالدكتور الفاضل، ان يورد في ترجمته عبارته الطموحة، التى أشرنا لها. كما ان د. فاروق، قد ترجم عنوان الفصل الأول الى (الحركة الإنسانية والجنس البشري)، وهي ترجمة قريبة للعنوان وهو: Humanism and Humanity وفيه يشير الكاتب الى طبيعة الإنسان، في البحث عن المجهول، وكيف انه استخدم كل طاقته، في سبيل تحقيق هذه الغاية العظمى. فأول ما يبدأ به الكتاب، هو التركيز على الشعور الإنساني الدفين، للتطلع للمجهول، ومحاولة البحث عن اجابات للأسئلة الكونية الكبرى. وهو يرجع هذا الشعور، الذى هو الدافع، وراء كافة الاكتشافات العلمية، التى تنعم البشرية، اليوم، بخيراتها الى حقيقة ان الإنسان، هو الكائن الوحيد، الذى يشعر بالحرية، ويتطلع دوماً لسبر أغوارها..

    يقول الكاتب "الحكمة الإنسانية ثمرة الوعي بالذات : الإنسان يستطيع ان يتجاوز نفسه وان يراها موضوعاً من الموضوعات الأخرى، لقد وصل الى مرتبة الإنسان الوجودي، وصارت لدية تجربة واحساس غامر بالحرية، بالقدرة على تدبير الأفعال وتخطيطها، وعلى تنفيذ خططه أو تعليقها، ان اراد، واكتسب الإنسان بالحرية معرفة الخير والشر. هذه المعرفة عبء ثقيل، أمانة برأت منها الكائنات الأخرى. وتقود الحرية الإنسان لأن يسأل ما أشار إليه برنتون (1953) بالأسئلة الكبرى التى لا يقدر أي حيوان آخر ان يسألها : هل لحياتي، وحياة الناس الآخرين معنى؟ هل للكون الذى رميت فيه بغير اختياري أي معنى؟ ليست هناك اجابات نهائية على هذه الاسئلة الكبرى، وربما لن تكون لها إجابات ابداً، لو كنا نبحث عن قناعات موضوعية دقيقة ومؤكدة. مع ذلك فنحن ملزمون بالبحث عن اجابة ما، لان قدرة الإنسان على البحث عن معنى وجوده عن معنى الكون هى أعظم أمجاد إنسانية الجنس البشري)*.

    أول ما تجدر الاشارة اليه، هو ان الاجابة على التساؤلات الكبرى، ممكنة، بل هى حتمية، ما دامت الحرية هى قدر الإنسان.. ذلك ان الجاهل مضيق عليه بجهله، والحر موسع عليه بعلمه، ومجرد ان تخطر الأسئلة على العقل البشري، فان هذه اشارة لامكانية الاجابة عليها، ذلك ان الوعي بهذه الأسئلة، هو نفسه، طرف من الوعي بالذات، الذى بتحققه تتحقق الحرية.. ولكن ما هي الحرية؟! وكيف تتحقق؟! وهل العقل وحده هو وسيلتنا لتحقيق الحرية؟ وكيف يكون ذلك والعقل نفسه محدود؟! انني ارجو ان اخلص من متابعة هذا الكتاب، الى تقديم اجابات شافية، على هذه التساؤلات، التى هى موضوعه.

    ان غاياتي من التعليق على هذا الكتاب، هى القاء الضوء من خلال الفكرة الجمهورية، التى فصلها الاستاذ محمود محمد طه (1909-1985)، على هذه القضايا الجوهرية، علني بذلك، استطيع ان اسهم باجابات، يمكن ان تعيننا على فهم القضية الأساسية، أو الهم الأساسي كما عبر عنه دوبجانسكي.

    يعتقد دوبجانسكي ان العلم المادي، وحده، لا يستطيع الاجابة على التساؤلات الكبرى، ولا يمكن ان يقدم رؤية كونية شاملة.. فيقول "انه من السذاجة بمكان الاعتقاد بامكانية اشتقاق رؤية كونية متماسكة من العلم وحده، أو بان ما يمكن ان نتعلمه عن التطور يمنحنا القدرة على تقديم اجابات قاطعة لتلك الأسئلة الكبرى"** على ان الكاتب، في نفس السياق، استطاع ان يقرر خطأ الأفكار الدينية، أو التقليدية عموماً، التى كانت سائدة قبل الكشوف العلمية، ولهذا قال "لم يمض وقت طويل على ذلك الزمن الذى كان كل فرد فيه تقريباً يعتقد بان الأرض مسطحة، وان الأمراض تسببها الأرواح الشريرة، الآن فان الأفكار التى تجد قبولاً عاماً تختلف تماماً. الأرض كرة تدور في محورها حول نفسها وحول الشمس، والأمراض تسببها الطفيليات المتنوعة والأسباب البيولوجية الأخرى".. الى ان يقول "ثم صار العالم الفسيح الذى اكتشفه كوبرنيق، وكلبر، وجاليليو، ونيوتن نفسه مختلفاً تماماً عن عالم القدماء والمفكرين القروسطيين المريح. لقد أنزل الإنسان والأرض من مركز الكون الى ذرة تافهه من الغبار الضائع في الفضاء الكوني"***.

    لا شك في ان تطور المفاهيم، والكشوف العلمية، قد صحح كثيراً، من رؤية الإنسان البدائي للحياة، وزاد من معرفته بها. على ان ذلك لا يعني ان الأفكار القديمة، قد كانت بلا أساس من الصحة، كما يظن الكاتب. فانه لحق ان الجراثيم، والطفيليات، التى لم يكن الإنسان القديم يراها، هى السبب في كثير من الأمراض، التى عانى منها.. ولكنه أيضاًُ حق، ان بعض أسباب الأمراض، لا علاقة له بهذه الأجسام الدقيقة.. وانما يتعلق بالحالة النفسية، أو قل بالروح. ومع تطور العلم المادي، أصبحنا نعطي بعض العلاج المادي، لهذه الأمراض النفسية، التى تؤثر حسياً ومعنوياً على الإنسان. ولكن يبقى بعض العلاج، أيضاً، غير مادي، كأن يكون الهدوء، أو الموسيقى، أو الترانيم الدينية، أو الصلاة، أو الشعور الغامر بالطمانينة، الذى يمكن ان ينقله إليك شخص آخر، حقق هذه الطمأنينة في نفسه.. وما دام العلم المادي، لا يستطيع ان ينكر المسائل النفسية، ولا أساليب علاجها، غير المادية، فانه يتفق مع الإنسان البدائي، في ان بعض الأمراض غير مادية، وهذا ما يعني الإنسان البدائي حين يتحدث عن الأرواح.. ورغم ان العلم قد اثبت اليوم، ان الأرض كروية، الا ان رؤية البصر، لا تزال تعطي انها مسطحة.. ولقد كانت الأديان حكيمة كل الحكمة، حين جارت وهم الحواس، التى تعطي هذه الرؤية، ولم تضف الى صعوبة التعاليم الجديدة، حقيقة كروية الأرض.. وعندنا، في الإسلام، فان هذه الصورة واضحة.. قال تعالى (والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون) (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) وقال أيضاً (والى الأرض كيف سطحت)..

    ولما شعر الإنسان الأول، انه متطور على بقية الحيوانات، التى يعيش معها، أعتقد ان الأرض التى يقطنها، هى مركز الكون.. وجاءت الأديان، تؤيد ذلك، باعتبار ان الأرض محط الأديان، وموضع نظر الله.. وحين أثبت العلم ان الشمس هى مركز الكون، فان هذا لا يعني ان الإنسان البدائي، قد كان مخطئاً تماماً.. ذلك ان الأرض، هى مركز الكون، من الناحية الروحية، وإن لم تكن مركزه من الناحية المادية.. يقول الأستاذ محمود : "ومن الناحية المادية فان مركز الكون الداخلي الشمس، ولكن من الناحية الروحية فان مركزه الأرض، لأن الأرض هي موطن الإنسان.. والإنسان سيد الأكوان. وكان القدامى، السذج، البسطاء، الطيبون يظنون هذا الظن.. فلما تقدم العلم المادي، وجاء الفلكيون، المحدثون اكتشفوا ان مركز الكون الداخلي انما هو الشمس، وما الأرض إلا كوكب سيار، لا نور له من ذاته، وإنما هو يستمد نوره من الشمس.. وهذا صحيح في المرحلة. وعندما يجئ الوقت المعلوم – عندما تتحد المادة والروح – فستظهر الأرض الكبرى، من الشمس وبناتها، ومنها، وأهمها الأرض.. ويومها تنطفئ الشمس، وتبرد، وتنشأ فيها الحياة الأخرى.. وتصبح هذه الأرض الكبرى هى الكون الداخلي، وحولها يدور الكون الخارجي، والجميع يدور حول المطلق حيث لا حول. يومها يتحقق حلم القدامى، السذج، البسطاء، الطيبين، الذين ضحك، من سذاجتهم، الفلكيون، الماديون، المتحذلقون اليوم"+.

    يقرر الكاتب، دون مواربة، بان الشئ المؤكد، هو ان الكون قد مر، ويمر الآن، بمراحل من التطور: "فالكون ليس ثابتاً وليس مكتملاً، وهو قابل للتغيير. ان كل ما في الكون منغمس في سريان التطور وجريان التغيير. ولقد نشأ المجتمع الإنساني والثقافة كما نشأ العالم الحي والكرة الأرضية والمجموعة الشمسية حتى الذرات التى لا تتجزأ من حالات سالفة مختلفة تمام الاختلاف عن حالتها الراهنة، علاوة على ذلك فهذه التغييرات ليست كلها تاريخاً وأحداثاً ماضوية فالعالم لم يتطور في الماضي فحسب وإنما هو في حالة تطور الآن"++..

    وحين يرى دوبجانسكي، ان العلم وحده، غير مؤهل للإجابة، على التساؤلات الكبرى، يظن ان التعاون بين الفلسفة والعلم، يمكن ان يحقق ذلك الدور، أو يقرب منه.. فهو يقول بأن "بناء رؤية كونية وفحصها فحصاً نقدياً يقع تقليدياً في مجال الفلسفة" وهو يتفق مع برتراند رسل في تعريفه للفلسفة فيقول أن من بين التعريفات الكثيرة يثير تعريف برتراند رسل (1945) الانتباه "هنالك أرض غير مملوكة تقع بين الدين والعلم تتعرض للهجوم من الجانبين وهذه الأرض غير المملوكة هى الفلسفة"..

    الفلسفة في أبسط صورها، هى إثارة التساؤلات حول المسلمات.. وهى بهذه الصورة، ليست نسقاً معرفياً متصلاً، ومنسجماً، مثل بقية العلوم.. ولهذا، فإن الذين يدرسون الفلسفة، إنما يدرسون تاريخ النظريات، والاشكاليات الفلسفية.. وبهذا المعنى، بمعنى إثارة التساؤل والبحث عن تفسير للظواهر، فإن الفلسفة قديمة قدم الإنسان. ولقد كانت التساؤلات، التى تزخر بها الروح البشرية الوثابة، هى المحرك الأساسي، الذى يقف وراء معظم الاكتشافات، والاختراعات، التى طورت حياة الكائن الحي، على هذا الكوكب.. فالفلسفة، إذن، ليست أرض تقع بين الدين والعلم، كما قرر رسل، وإنما هى موجودة داخل العلم، وداخل الدين.. على أن بروز الفلسفة، في اطار العلم، قد كان أوضح من بروزها، في اطار الأفكار الدينية، وذلك لأن الأديان درجت على تركيز العقيدة، وحدت من ثم، من تفكير أتباعها، بخلاف العلم، الذى شجع النعرة الفلسفية، وغذاها بالمعلومات الضرورية. ومع ذلك، وجدت الاتجاهات الدينية، التى اعتمدت الفلسفة، وأثارت التساؤلات، داخل الكيانات الدينية، وعانت، لذلك، من عنت المتعصبين..

    لقد نشأ الدين في الأرض، وتطور مع تطور الإنسان، حتى بلغ آخرمراحله، في الأديان التوحيدية الكبرى.. وفي عبارة الأستاذ محمود "الدين نشأ من الأرض وألمت به أسباب السماء فهذبته".. فالإنسان البدائي الأول، وجد نفسه في هذه الأرض، محاطاً بالعداوة، من كل جانب، وشعر بأنه مختلف من بقية الحيوانات، وانها تسعى لافتراسه. وكان عليه أن يصارع، ويقاتل، حتى يحفظ حياته.. فاحتال شتى الحيل، وصنع ما يمكن من سلاح، ليمدد به قدرته على العراك. وبنى بيته في قمم الجبال، وفي قعر الكهوف، حتى لا تلتهمه الحيوانات المفترسه، وهو نائم. على ان أكبر الأخطار التى كانت تواجهه، ليست الحيوانات المفترسة، وليس بني البشر الآخرين، الذين يتنافسون معه على ما تجود به البيئة من الصيد والثمر، وإنما كانت قوى الطبيعة الصماء، التى كانت وكأنها لا تحفل بموته أو حياته. فالحرائق التى تشب في الليل البهيم، فتحرق الشجر، وتقضي على الناس دون رحمة. والفيضانات العاتية، التى تجرف المأوى، وتغرق سكانه.. والرياح، والزلازل، والبراكين، التى تقضي على الآلاف من بني البشر، دون اكتراث.. كل هذه القوى، عجز الإنسان البدائي، عن مواجهتها، ولم تطالها حيلته، أو قوته.. فشعر بانها آلهة جبارة، لا يمكنه مقاومتها.. فاخذ يتملقها، ويحاول ان يكسب رضاها، ويتقرب اليها بالقرابين.. ومن هنا نشأ الدين في صورته البدائية، في أديان التعدد.

    أما الحيوانات، التى كان يستطيع منازلتها، فقد بدأ يتطور سلاحه كل حين، ليكون أقدر على مواجهتها.. ومن هنا نشأ العلم المادي التجريبي، الذى كان غرضه، في كل لحظة، ان يسهل، ويؤمن حياة الإنسان، ويزيد من استمتاعه، ويباعد بينه وبين الموت.. في نفس الوقت، الذى نشأ فيه العلم، نشأ الدين.. وعن تطور الدين من التعدديات الى التوحيد، يحدثنا الأستاذ محمود فيقول "والآن فانا نقرر : ان دين التوحيد قد كان ظاهراً في دين التعدد، منذ نشأة الدين، عند الفرد البشري قبل نشأة المجتمع.. فقد كان لكل فرد في الأسرة إلهه – للأب وللأم وللأبناء البالغين، ولغير البالغين – ولكن آلهتهم جميعاً تخضع لإله الأب، كما يخضعون هم جميعاً له.. ثم ان الأسرة الواحدة قد نشأت منها أسر جماعة، ترجع الى رجل واحد، هو جدها.. ولهذه الأسر العديدة رجل حكيم، يأتمرون بأمره ويذعنون لحكمته، ولإلهه تزعن آلهتهم، كما يذعنون هم له.. وهكذا سار التوحيد.. رجل حكيم، ذكي، يذعن له رجال قبيلته، ونساؤها، ولإلهه تذعن آلهة رجال قبيلته، ونسائها.. ثم ان القبائل تحترب، فيما بينها، فتغلب قبيلة قبيلة، فتذعن القبيلة المغلوبة للقبيلة الغالبة.. وهكذا سار التوحيد.. ثم جاء عهد الملوك فتوجت القبائل شيوخها ملوكاً عليها، ليحموها وليقودوها الى النصر على أعدائها، الذين ينازعونها المرعى، وينازعونها الماء، ويشنون عليها الغارات.. فاذا انتصرت قبيلة بقيادة ملكها، على قبيلة أخرى، بقيادة ملكها، فإن الملك المغلوب يذعن للملك الغالب، وتذعن قبيلته معه، وتذعن آلهته للآلهه الجديدة، ويتوحد الملك بين القبيلتين ويتوحد الدين.. وهكذا يسير التوحيد.. ثم تطور عهد الملوك : من ملوك القبائل، الرحل، الى ملوك المدن المسورة، المحصنة بالقلاع، وتطورت مع تطور الملوك الآلهه.. وتطورت الممالك، من ممالك المدن، الى ممالك الدول الكبيرة.. وتطورت الآلهه أيضاً حتى جاء عهد الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم آلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم أبناء الآلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالاً للآلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالاً لإله واحد.. وهكذا يسير التوحيد.. ولقد جاء دين التوحيد من السماء، باتصال الملك جبريل، بالبشر المرسلين، لتعليم الناس التوحيد، منذ آدم أبو البشر الحاضرين"+++.

    على الرغم من أن عنوان الفصل (الانسية والإنسانية)، فإن الكاتب لم يفصل في الفرق بينهما، وإن تعرض قليلاً الى تطور الإنسان، بصورة عامة. الانسية من الاستئناس، وهى ضد الوحشية.. ولأن الإنسان قد جاء من الحيوان، فانه استأنس عبر طور وئيد، خرج به من الغابة الى المدينة. ولا يتم الاستئناس، تماماً، إلا إذا تخلص الفرد من الشر، ومن العنف، كنتيجة حتمية لخلاصه من الخوف، الذى رسخته البيئة، في اهابنا، كما شرحنا آنفاً. والإنسان هو الفرد البشري، المستأنس، وهذا لم يجئ حتى الآن.. وانما أخذنا نحن اسم الإنسانية، مما سيؤول إليه حالنا، وإلا فان البشر الحاضرين، يحتاجون الى قفزة كبيرة، ليدخلوا مداخل الإنسانية، أكبر من تلك التى قفزها الحيوان، ليدخل الى مرحلة البشر الحاضرين.

    يختم دوبجانسكي حديثه، في هذا الفصل، بما يشبه الاعتذار، عن خوضه في قضايا هي بالأساس فلسفية، رغم انه متخصص في علم الأحياء.. فيقول "وحيث انني متخصص في علم الأحياء لا في الفلسفة أو علم الإنسان فإن المهمة التى نصبت نفسي للاضطلاع بها تبدو طموحة جداً. انني أود فحص بعض المدلولات الفلسفية لبعض النتائج والنظريات البيولوجية والأنثروبولوجية. ان هذا الكتاب الصغير لا يقصد منه ان يكون بحثاً في الفلسفة البيولوجية أو البيولوجيا الفلسفية. انه يتكون من مقالات عن بعض جوانب العلم التى كانت مؤثرة في صياغة رؤيتي الكونية الخاصة. ليس هذا القول استباقاً واسترضاءً للنقاد المحللين لهذه االمقالات، وإنما هو فقط تفسير لما قد يبدو تناولاً عشوائياً للموضوعات التى تشملها الصفحات التالية".

    ان عبارات التواضع، التى ختم بها الكاتب هذا الفصل، تقف شاهداً على عمق تفكيره، وتصوره لمبلغ صعوبة المهة، التى هو مقبل عليها.. وهى أيضاً تدل على انه عالم حقيقي، ينأى بنفسه عن الغرور، والزيف، ويتطلع الى ما هو أفضل مما حقق في مجال البحث.

    ( نواصل)
    د. عمر القراي

    [1] http://arkamani.org/sceince-fundamentalism/dobzhanski/f...mentalism_debate.htm
    * ترجمة الكتاب : أركاماني مجلة الآثار والانثروبولوجيا السودانية على الشبكة العالمية ص3-4.
    ** المصدر السابق ص 3.
    *** المصدر السابق ص 5-6.
    + محمود محمد طه (1984) الديباجة. الأخوان الجمهوريون. الخرطوم ص 52-53
    ++ المصدر السابق
    +++ محمود محمد طه (1984) الديباجة. الأخوان الجمهوريون الخرطوم ص 35-36

                  

04-28-2005, 03:24 PM

Asskouri
<aAsskouri
تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 4734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معنى الحياة ؟! - د.عمر القراي (Re: Yaho_Zato)

    Thanks Yaho-Zato

    regars to Dr. Al Omar Algarai, He excels as usual.


    Askouri
                  

04-28-2005, 06:15 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معنى الحياة ؟! - د.عمر القراي (Re: Asskouri)

    شكرا عزيزي عسكوري..

    وحديث أمهات القضايا دوما ذو شجون

    وتحاياك للأستاذ القراي موصولة
                  

04-29-2005, 03:01 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معنى الحياة ؟! - د.عمر القراي (Re: Yaho_Zato)

    up

    for more readers
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de