أخيرا الروائي القاص يوسف العطا يظهر و يكتب :البحث عن الزمن المفقود..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 01:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-26-2005, 11:01 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أخيرا الروائي القاص يوسف العطا يظهر و يكتب :البحث عن الزمن المفقود..


    أخيرا الروائي القاص يوسف العطا يظهر و يكتب :البحث عن الزمن المفقود..

    بعد غياب طويل جدا عن المنابر الاعلامية ظهر الروائي القاص يوسف العطا ليكتب للرأي العام بعض ذكرياته ايام الدراسة الجامعية ، وقد وجدت الجزء الثاني فقط من هذه السلسلة ولم اعثر على الجزء الاول منها .
    وكنت قد تساءلت قبل فترة طويلة عنه هنا بالمنبر
    اين الروائي يوسف العطا؟

    ولم اجد اي اجابة
    ومصادفة جميلة وانا ابحث عن ذلك البوست وجدت بوست آخر للأخ ا لباقر الطاهر ضمنه احدى قصص يوسف العطا فله الشكر .

    بوست الاخ الباقر


    الحلة الجديدة قصة قصيرة للقاص يوسف العطا

    وهذا هو المقال نقلا عن صحيفة الرأي العام - الملف الثقافي


    ==============

    البحث عن الزمن المفقود.. (2)

    اليوم الحار



    بقلم : الروائى والقاص يوسف العطا

    لا أكتم سراً: ما كنت ألوم فيه شيخي وقعت في وحله قبلاً.. مازلت اذكر النجمة تلك تمشي (موضة) ترمي على قفاها بذؤابة من شعر مجدول، ويلفها حزام ثم يجرجر فويق الأرض خلفها، كنا نبعها النظر ننسى انفسنا فينتهرنا زميل لنا بالمرصاد:

    ـ يا ولد: Keep out, military area!. فنلوذ إلى بقر أليف غير تلك المتوحشة! والحق يُقال ما كانت الفتيات كثير في جامعتنا، أوهن على الاقل ليس في مثل كثرة اليوم حتى ليخشى المرء على نفسه منهن: الكثرة تغلب الشجاعة، وجنسنا تناقصت اعداده بالهجرة وبالحرب وربما نحتاج الى محميات تحفظنا في نهاية المطاف فقل يا حافظ!.

    اقول من ذكرت، كن قليلات على ايامنا تلك فكثر عليهن الطلب. ما ان تنتهي محاضرة حتى نسعى للتسكع معهن. نقعد على الكنب المصبوب من الاسمنت او نتكئ على العربات المتناثرة او نفترش النجيل.. واذكرهن في مثل الاعلانات التجارية في شاشات التلفزة هذا الزمان لكسر رتابة الحديث السياسي، على ان جلوسنا معهن أو حضورهن إلينا ظل متوجاً بكثير من الود والاحترام، ولعل ذلك راجع الى اننا لم نتخل قط عن ما تعلمناها في ارياف السودان فجل الطلاب ينحدرون من الاقاليم الى هذا المنهل، وان زلت قدم احدنا عن تقاليد نشأنا عليها فعلى كتاب الله وسنة رسوله يكافئ المرء نفسه بواحدة بعد نيل الاجازة الجامعية، وان زاد الحد مثنى وثلاث ورباع تبرمت النساء، وما كان مثل هذا التعدد يقع كثيراً ولكنه حتماً سيكون من الآثار السالبة للنفط فالرجال (يفعلونها) ـ قاتلهم الله ـ إن تيسر الحال!.

    تيسر لنا ان نصطحب معنا في دفعتنا بنية من الهند. واجزم انه لأول مرة شاهدت هندية خارج الشاشة السينمائية فادركت ان ما تقول به الشاشة غير ما يمشي على الارض. فقد كانت البنية بالابيض والاسود وهي في مثل سن عشوشة وكلاهما بالجامعة معنا. شاهدتها بلا رتوش واصباغ، تصيبها الانفلونزا آنّا بعد آن تكاد تزهق روحها، غير انه ميزها عن صويحباتها ضفيرة من الشعر الطويل ظلت مصدر إلهام وحسد، وكان لي صاحب من (كريمي) لاذع التعليق فسألني وقد مرت البنية امامنا تتبعها ضفيرتها:

    ـ إنت الهنديات ديل بيصرفوا ليهن الشعرة دى؟!

    ـ نجمتها، الله لا يكسبك حسنة! لحقتها ضنب نعجة حمد أمين!

    ـ أي.. أي كتلتها.

    وهممت أقول لها ان تعلق حجاباً في شعرها تميمة من عين حاسد اذا حسد، غير انني عوضاً عن ذلك أوقدت خلسة شيئاً من بخور التيمان في مدرج «102» فعبق به المكان حين دلفنا إليه، شمت عشوشة في صحبة البنية:

    ـ ريحة بخور تيمان!

    فأجابها صاحبي وعينه علي:

    ـ بخور شنو يا عشوشة؟ دي ريحة فيوز قلبي ضارب من أمس الضحى.

    وفي تضاحكنا نشرت عمامتي وقد اعتمرتها بعد غيبة لانفض بها الدخان ناحية درة التاج البريطاني فشهقت وسعلت فادركت ان (التيمان) قد انفذا سحرهما وان ذنب الحصان باق مكانه..

    وفي لاحق الزمان اكتشفت حين خالطت البعض من هؤلاء القوم، انه يصرف لهم ايضاً ـ بخاصة الذكور ـ هزة الرأس: يهز الرجل منهم رأسه يمنة ويسرى حين تحدثه مؤمنا على كلامك، وهز الرأس من هذا القبيل عند بقية من خلق الله ـ ونحن بالطبع منهم ـ تعني النفي، فتعلم هذه، قبل سفرك الى بلاد الهند يرعاك الله!.

    اذكرها يوم ذاك قاعدة في مدرج «102» امامي في درس اللغة الانجليزية قبل ان اتخلى عن كليهما، وكان تصميم القاعة كأن تهبط درجا فاتاح لي ذلك ان اتتبع الضفيرة عن كثب، وقمت ادب بعيني من منابت الشعر مثل نملة، ثم بدا لي كأنما خرجت عن مدينة أم درمان وقامت الضفيرة المرمية امامي في مثل خط من الاسفلت في الفلاة. مشيت راجلاً. ولقد مشيت اكثر عمري سعياً، فاتاح لي ذلك معرفة تفاصيل دقيقة ليس ينالها الراكب للسيارة، ولما بلغت وادى النعام انتهى الاسفلت وارتج على، انتهت الضفيرة المرمية في الفلاة، ولا ادري لم تذكرت جلال كوستي واخيلته العجيبة، فقد انشد لما بلغ مثل هذا الموضع:

    ــ هوي يا ليلى هوى!

    وفي حقيقة الامر لم يكن الطريق معبداً في ذلك الزمان إلى هذه الرقعة من البلاد، فليس إلا ضفيرة طويلة بلا انتهاء ملقاة على فستان اخضر مشجر، وانما قام خيالي يكمل الباقي، يدب بالحلم على طول طريق أم درمان ـ دنقلا.

    بعد هذه المقدمة الغزلية جريا على نهج الشعراء ـ ولست منهم ـ اعود لتتبع ممدوحي الطيب، ولقد ظل دوماً بعيداً لا يدرك، سمعته يحدث سهلاً ممتنعاً في مقهى التمتام من راديو أم درمان، يفصّل الآيات يتلوها الشيخ الحافظ صديق أحمد حمدون، استغرقني الأمر حتى كادت الشاحنة تفوتني.

    اقتفيت اثره منذ وقت مبكر شأن من يتمنى لقياه، وكلما احدث نفسي انني وصلت لا اجد سوى آثار خيامه ومواقده وقراطيسه، وعلى الثرى شئ من نعليه، أسأل فيحدثون انه البارحة كان هنا، واين هو الآن؟ صار إلى الجامعة في صحبة امرئ القيس والشنفرة وابي العلاء المعري.

    حين انتهيت إلى الجامعة كان الأمر قد حزب، وقام الهتاف:

    ـ اليوم الحار ما بيندار ود المكي وراه رجال!

    قمنا باحتلال الجامعة ولّما تنقضي بضع شهور على دخولنا فيها، وربما لاننا برالمة ـ prelims ـ فقد عهدوا إلينا ان نحتل مبنى المدير، اما الكبار ـ رأس الأمر ـ فما كان لاحدهم ان يجرؤ برفع رأسه امام الطيب العلامة، هو من اولئك النفر الذين ان دخلت مجلسهم خلعت الحذاءين وكل حلل الكبرياء، واقبلت تقبل منهم الرأس واليدين، ويمنعك تواضعهم ان.. استغفر الله يد رجل.. وانت تجاهد وقد بلغت البحر! تحاول ان تأخذ بطرف من علم تفقهه او رداء تقبله عسى تصيبك عدوى العلم والتعلم.

    قالوا لنا واياديهم تشير: عليكم بمكتب المدير يا برالمة! فانطلقنا من كل اقاليم السودان نحو الجامعة فقراء جهلاء، واطبقنا على المكتب احاطة السوار بالمعصم، فعلنا ما فعلنا وما ندري ما نحن نقول إن خرج علينا الطيب المحبوب، ولحظة طلع علينا اطبق صمت واوشكت حوائطنا المضروبة حوله تنهار، اجال فينا النظر بطريقته المعهودة فطأطأت رأسي لخجلي مما نفعل، ثم سمعت صوته خطيباً فينا فرفعت عيني في حذر، اذكره مثل اليوم بلا مكبر للصوت يحدثنا فسحرنا بيانه:

    ـ ... يا ابنائى وضعكم فريد.. ولست اجد مثله في الجامعات فيما بين الكاب والاسكندرية.. انحنوا للعاصفة تمر.. (أو كما حدّث)..

    وبعد اكثر من عقدين من الزمان انقل إليك ـ شيخي ـ اعتذاري عن ما بدر منا جميعاً. ولقد صدقت نبوءتك، اطاحت العواصف برءوس كثيرة: مضى النميري والجزولي والمهدي والميرغني، ونحن في زمن البشير، جميعهم ثقلت موازينهم بما لهم وبما عليهم ـ يرحمهم الله في الدارين ـ، وسيبقى الوطن من بعدهم باشجاره العالية ينحني للعواصف تمر.

    دخل الطيب مكتبه وبقينا محيطين بالمبنى، اوصونا قبلاً:

    ـ عليكم بمكتب المدير يا برالمة..

    وفي تدافعنا نحوه بدا الأمر كما دراويش المهدي يحيطون بالخرطوم، اوصاهم شيخهم آنذاك:

    ـ إليّ بغردون باشا.

    ـ سمعاً وطاعة يا سيدنا.

    ثم اتوه بعد حين برأس القتيل محولاً من الاذنين كما يحمل اثنان منكم قدر فول من نحاس..

    ـ مه! ما هكذا امرتكم!.

    لكن الأمر قد وقع، قتل الدراويش غردون فجرت مثلاً للأمر الجليل ينجزه الضئيل، كأن يموت الفيل بلسعة بعوضة، رقصت لهم الدنيا لحين واتسعت، ثم اطبقت علينا فليس للخليفة ان يمد رجليه قدر لحافه، بل ليس له ان يمدهما خارج فروته في ام دبيكرات في اقصى الغرب السوداني، وهناك دعا ربه فبورك في ذلك المكان يتدفق منه النفط الآن، غير انه سبق ونزل الغضب فوق الغضب:

    ـ سيدتي، صاحبة الجلالة، هذه رأس المهدي!

    شهقت مليكة الانجليز على كرسيها من فداحة الأمر:

    ـ مه! ما هكذا أمرتكم!

    ترى أيبسم التاريخ لنا كرة اخرى ام ما على الوجه تكشيرة!؟.

    مضى يومان على الاحتلال والعسكر مطبقون علينا من الانحاء جميعاً، يقال إن طلبة كلية العلوم قد لغموا الجامعة بالمتفجرات فضلاً عن التسلح بالسلاح الابيض من عصى وسيخ وسكاكين، كان الطعام في مستهل الأمر لا غبار عليه، ثم بات يأتينا شحيحاً، كنا نتساءل كيف سيؤتي إلينا بالخبز وقد اكتشف امر المركب الصغير ذاهباً آتياً به عبر النيل الأزرق؟

    ولما ظهر في الوجبة تمر ساورنا القلق، همس في اذني بابكر:

    ـ أحسن نتخارج يا زول ما دام الحكاية فيها تمر.

    ـ كلامك صحيح، الكيزان ديل ح يودونا في ستين داهية.

    وفي التو قام كلانا يدور لنجد منفذاً للهرب، دلفنا إلى السور الشرقي، ساعة القيلولة الطلاب ينشدون الظل وليست الحراسة مشددة، وقمنا نصفر، ايدينا في جيوبنا في شئ من التمويه، ثم تسلقنا السور الواحد تلو الآخر، كانت الشوارع خالية حول الجامعة، فقد سد العسكر كل المنافذ، ليس إلا الجنود وعرباتهم المدرعة هنا وهناك، وقد اوصاني صاحبي ان ابدو طبيعياً حين يصادفنا بعض افراد الجيش حتى لا نثير حفيظتهم.

    مر الأمر بمجمله في سلام، بقينا عند اهلينا يوماً او بعض يوم، ثم أُعلن عن رفع الحصار، غير انه بقي شئ في نفسي ضد نفسي وبابكر، بدا لي كأنما الشاعر يعنيني حين انشد:

    لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد..

    تقرب ساكن القصر من الإخوان شبراً، اوصوه: (تركت فيكم ما لو تمسكتم به لن تضلوا ابداً: كتاب الله وسنة رسوله) عليه بالكتاب والسنة ولن يضره شئ باذن الله، لكن ولي الأمر اضاف للوصية الثمينة تميمة من عنده ولازمة: عصاه يتوكأ عليها ويهش بها على الشعب السوداني وله فيها مضارب اخرى.

    مضى كل شئ على ما يرام ما خلا مناوشات هنا وهناك: عربات مصطفة امام محطات الوقود، والسعى منذ الفجر وراء الخبز، وفي استاد الخرطوم كانت المباراة قمة، فريق الرئيس متقدم بهدف، ثم احرز قاقارين اصابة قاتلة في الزمن الضائع في قلب الرئيس، فانشدت بعض جنبات الاستاد.

    ليه يا قاقا تعمل كدة تزعل رئيسنا بالشكل ده!

    وتأجل حسم النزاع لمباراة فاصلة، ودس بعض المشاغبين من الجهة الشمالية في الاستاد، دسوا قطة سوداء، وكل ما فعلت تلك الهرة انها عبرت الملعب من شرق لغرب بعد تردد، فتطيّر الرئيس واطلق اعوانه كلباً مضاداً في اثر السوداء، هو هو وماءت، اذ ذاك تشبث ساكن القصر بعصاه اكثر، واستحال الأمر الى مثل ما يأتي به الصبية، زجاجات فارغة تُرمى، وجمهور يقتحم ارض الملعب، حكم يحتمي بالشرطة، واللاعبون يتعاركون بلا كرة، وقرر الرجل الأول ان يحسم الأمر بنفسه، ان يطفئ الحرائق في السودان بخرطومه، فلبس سروالاً وفانلة ونزل الملعب في ارض محايدة: في استاد مدني، وحاور الدفاع وجميع الرتب واحرز هدفاً جميلاً ما صفقت له الجماهير: زعموا انه من تسلل مكشوف، وكتبت الصحف الموالية للحكومة ان الرئيس يتولى احراز الاهداف، ولعمري أسوأ شئ ان يتولى الرؤساء بانفسهم في الدول النامية احراز الاهداف للأمة، ليتهم يتركون الخبز للخباز.. ولكن اين هو الخبز؟ (تلك هي المسألة) الشكسبيرية..

    المهم غيظ الرجل الأول وهش بعصاه على الجماهير المحتشدة، وخرج من الملعب تحت الحراسة المشددة، كان يعجب لأمر هؤلاء السوقية: يخلصون الحب لكاوندا ودوكة وجكسا وسانتو والشواطين، وهو!! الا يجعلون له في قلوبهم متكأ، وفي انفعاله ذاك اصدر أمراً صعباً، مثل الميكانيكي المبتدئ ينزل مكينة سيارة.. يفككها قطعة قطعة، ثم لا يدرى كيف يعيدها سيرتها الأولى، اوتي للرجل الأول بمايكرفون فنفخ فيه غضبه: لا للهلال، لا للمريخ، نعم للرئىس، نعم للرياضة الجماهيرية، ثم حفر متيم في الجدار حول الملعب المهجور بعد سفر النجوم.


    http://www.rayaam.net/22005/02/21/art/art2.htm
                  

02-26-2005, 11:03 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أخيرا الروائي القاص يوسف العطا يظهر و يكتب :البحث عن الزمن المفقود.. (Re: sympatico)

    الذين يذكرون ملحق الايام الثقافي وصفحتها الثقافية في اوائل الثمانينات لا شك يذكرون مجموعة كبيرة مت المبدعين في الشعر والقصة والرواية والمسرح والنقد
    ومن بين هؤلاء الذين كانوا يكتبون وينشرون أعمالهم المبدع القاص الروائي يوسف العطاالذ نشر بعض اعماله مسلسلة ومنها رواية الخطوة الاولى ورواية اخرى لا اتذكر اسمها كاملا لكن يدخل في اسمها كلمة النخيل( هل من يصححني )

    لاحظت اختفاء المبدع يوسف العطا ربما لأن قنوات النشر التي كانت متاحة في زمن لم تعد متاحة فلم نعد نقرأ ليوسف واغيره من مبدعي تلك الفترة

    ويسعدني هنا ان اقدم الفصل الاخير من روايته " الخطوة الاولى" وآمل ان يكون من بينكم من يخبرنا عن مكان هذا المبدع وان كانت لديه اعمال جديدة




    -============


    الخطوة الأولى

    يوسف العطا

    *********




    بعد إغفاءة طويلة قامت النمال تزحف في قدمي. تدب بالصعود والهبوط حائرة بالدرب أحس بها في نخاع العظام والمفاصل والأطراف. تجيء وتذهب في بطء وبلا انتظام. ذات النمال السابقة التي كانت تنساب في طريق تمسحه لها زينب بالتدليك. والآن أشعر بها ملتصقة الأرجل في بقايا الدهون والشحوم، تنزعها عن اللزوجة فتشد أعصابي في ألم مبرح. ولابد أن هذا جميعه مرجعه إلى الحذاء الجديد في قدمّي. وقبله كنت أسعى طوال عمري الثاني حافياً. فعرفت آثاري المفطحة دروب القرية وميدان أبي قدم في الخرطوم. وقتها لم أجد أبداً نعالاً تناسب قدمي الراجعتين. ضاقتْ عنهما كل الأحذية للتسطح فيهما والتفطح. ولقد حار أطبائي في أمري هذا. ثم كان رأيهم أن تُدرس الظاهرة برمتها في منشئها. وبذا عدت إلى بلدتي الطلحة أعيش فيها حياتي الطبيعية. وفيما بعد لحق بي الأطباء والعلماء يرقبون نموي إلى أسفل. يرصدونني عن كثب كما لو كنت ظاهرة خسوف أو كسوف وشيك. وسبق مجيء هؤلاء حضور مبعوثين من قبل الحكومة: مهندسون وزراعيون وإداريون. وقامت بمقدمهم حركة إصلاح واسعة. يعدون الطلحة بشكل استثنائي لتستقبل العلماء القادمين إليها كفتاة تتزوج. جُلبت معدية حديثة تربط الضفتين، وأنشأ في الدبة مطار صغير. وفي الطلحة بنيت نزل حديثة. قامتْ مستشفى بها ومدرسة جديدة ولما كانت تلك الإنشاءات قد تمت بعد حضوري البلدة أطلق الناس اسمي عليها يتجاهلون أسماءها الرسمية.
    كان أمراً عجباً أن يشهد القرويون الوفود تترى تباعاً على الطلحة. يسمعونهم يرطنون بعديد اللغات ويبصرونهم يتزينون في ثياب مختلفات. يبدون ببشرات سمراء وبيضاء وفاحمة. كانوا في عملهم كما النحل في الخلية. ينكبون فوق آلاتهم وكتبهم. وكنت اختلف إليهم في نزلهم يقومون بفحصي كل يوم. يقعدون في مجلسي مع المرضى والمعوزين والمشلولين. يأكلون طعامنا ويشربون شرابنا. وكان شيئاً عجيباً حقاً أن رأينا في مجاهرهم ما كان خافياً. نبصر هذا العالم الثاني الذي يسقمنا ويقعدنا.
    من جلد بقرة في الطلحة صنع العلماء نعلاً أحتذيه وذلك وفق مواصفات معينة من خامة وعمق وطول وعرض وسعة. كانت قدماي ترفضان كل جسم غريب وجديد كرفضهما المشي إلى الأمام. تقاتل النمال فيهما بضراوة كل حذاء. وفي حيرتهم يحقنني الأطباء بالمسكنات بفمٍ ووريدٍ يسكتون المقاومة. وما إن يزول أثر المفعول حتى تستأنف النمال القتال الضاري. تحطم أعصابي في مشيها في الوحل. وفي ألمي أقذف بالنعال إلى بعيد فتركن في التو جيوش النمل تلك إلى سكون وإغفاء. وبعد تجارب مضنية وأخذٍ وردٍ لم تعد قدماي ترفضان هذا الحذاء الجلدي الرفض كله. أشعر بالغثيان في جوفي والدوار في رأسي حين أنتعله. وأرجع ذلك كله إلى آثار جانبية غير ضارة. وأشار مَنْ حولي أن أحتفظ بالحذاء أرتديه في الوقت المناسب. ولقد اعتبر الأطباء أن ما توصلوا إليه بمثابة إنجاز عظيم.
    أقبل الليل وفي أواخره إرفضَّ السامر عن المجلس. نام مَنْ بقي من الجلوس عندي، رقابهم على الصدور فآويت بنعالي إلى فراشي أتركهما أسفل العنقريب. وهتف في نفسي هاتف أن خذ نعليك فأخذتهما. تحسست جلدهما البقري باليدين. استشعرت ملمسهما فراقتاني. وفي التو جعلتهما في قدمي وذهبتُ في سبات عميق.
    قبيل الفجر استيقظت الطلحة على صراخي وصياح الديوك. كأنَّ النار في قدمّي. وكأنَّ النار في أحشائي فما أدري ما أنا فاعله. ألفيت الجميع حولي وقد تراكضوا إلى داري في حارة أبي قدم. تسابق إليها العلماء والمريدون أحاطوا بمرقدي كالسوار. وبينهم كنت أتلوى بالألم المبرح. يغمر العرق كل جسدي. أنتفض كالعصفور الذبيح. تراءى لي أنها ساعة الصفر التي انتظر وينتظرون. أينجلي كل شيء بعد خسوف وكسوف؟! هذا ما توقعوه وانتظروه مني. ولأجله تقاطر الأطباء بآلاتهم والصحافيون بمصوراتهم. أبصرت حولي شيوخ القرية ونساءها يلبسون للظاهرة لبوسها. ينثرون في ذلك الفجر الآتي حبوب القمح والذرة وقرن الشمس لما يذر والقمر لما ينجلي. يدقون الطبول. يدرءون بالتعاويذ البلاء الماحق.
    كانت رقاب المحبين والضيوف تشرئب كمقامات النخل. تتحلق دائرتهم حولي وتستحكم. تقف أجسامهم على رؤوس الأصابع. والعيون ما تفتأ ترتكز على قدمي بحذاءيهما. وبغتةً احتدم النقاش. شب كالنار في هشيم الطلحة:
    - اخلعوا عنه حذاءكم هذا.
    - والله لا نخلعه أبداً.
    - أنتم به توردونه موارد الهلاك.
    - بل نحن بهذا ندفع به إلى موارد الخير والنماء والشفاء
    ثم قال في الناس قائل بصوت جهير:
    - أيها الناس أتينا بلدتكم هذه من كل فجٍ عميق نلتمس الطريق المستقيم. رجعنا إليكم لنذهب معكم وبكم. وما كنا نعتقد أن نجد ما وجدنا في غياهب هذه الصحراء. ظننا الأمر سراباً. ونأمل ألا نفسد هذا الذي بين أيدينا بالعراك الذي لا طائل من ورائه.
    ورد عليه من أهل الطلحة متحدث شاب:
    - نحن لا ننكر فضلكم أيها السادة فعن طريقكم عرفنا المستشفى والمدرسة والطائرة رغم أننا أسميناها بأسمائنا. ولكنها الحقيقة نقرُّها. ونحمد لكم إنهاضنا بعد القعود، بيد أننا لن نغفر لكم أبداً النيل من أبي قدم.
    - أبوقدم في حدقات عيوننا. نجده باستمرار نصباً وتذكاراً لجندي مجهول. ولكن هل نظل هكذا وقد أسقط في أيدينا؟ لا يا قوم.
    عند هذا أوشكت أن تقوم داحس والغبراء. تقارعت الألسن بباطل وحق. وارتفعت الأيدي بوعد ووعيد. وعنهم غابت بي الذاكرة كأنما بساط انسحب من تحت قدمي. مادت الأرض بي. وغيبي جوف قبر فارغ فلا أسمع الضجة فوقي. أسد أذني عن كل تضرع وحمد. والرايات في خفقاتها تنبئ عن لا شيء في سكون الريح وهبتها. استعدت حلمي الذي ألم بي ليلة البارحة وقد ملأ بالصور كل رأسي. أذكره ضوءاً كاشفاً مشعاً في طيات ذاكرتي.غداً أول أيام العام الدراسي الجديد. وإذ أنتعل الحذاء قامت الرغبة تلح علي أن أذهب إلى المدرسة. في حلمي كان يعذبني أن قدمي لن تذهبا إلا للوراء والمدرسة الجديدة في طرق من القرية. بفتح جفني رأيت المآقي تبكي. والأبصار ترتكز عليَّ. في فَرقِهن تشقق نساء الطلحة الجيوب شقاً. والرجال ترتجف أطرافهم من فرط التأثر. ومن العيون ما كان عالقاً بالعنقريب. يحسبونه يوشك يطير بي من فوق رؤوسهم. من فوق هامات النخل ينطلق إلى البقعة التي اشتهى وما يدرون أهي مقابر الشيخ مسيد، أم مقابر ود شبو، أم ميدان أبي قدم بين النيلين وربما صعيد أبعد. ولكن مرقدي سرير خشبي لن يطير أبداً. وفوقه تماسكت رويداً رويداً. وفي غير ما توقع شعرت بقدمي تستديران كعقربي الساعة في نصف دائرة إلى الأمام تدفعهما مئات النمال كمركب ضخم راسب في الماء الضحل عند شاطئ الطلحة، تدفعه ظهور الرجال إلى مجرى التيار الحي. وظلت رأسي في التفاتتها اليسيرة إلى الوراء كأنها تتكئ على ماضي أيامي. تذكرت لحظتها والناس حولي أن اليوم سبت. مذ أمس باتت تلحُّ علي رغبة في الذهاب للمدرسة بعدما نسيت كل شيء. نزلت عن السرير معافى فهرع مَنْ حولي يمسكون بي لئلا أقع.
    قلت في جمعهم الحائر:
    - أريد الذهاب للمدرسة.
    فنهضوا يحملوني إليها. تتبادلني في الطريق سواعدهم. ومضى بي موكبهم برجاله ونسائه، بسوقته وعلمائه. وفيما هم يمشون بي أحسست بذاكرتي يلفها الخدر. كأنما غفوت بالنعاس في تلك الساعة. لم أعد أميز أي شيء فقد ألفيت نفسي محمولاً بالسواعد. وفي عيني بدا الجميع عائلة كبيرة. أحسست أن كل الرجال آبائي، وكل النساء أمهاتي. وجميعهم تجمهروا في فناء المدرسة الرملي. جعلوني أقف في صف التلاميذ. كنا في انتباه. ولدهشتي الكبرى والجرس يقرع ألفيت قدميَّ في حذاءيهما الجديدين، بعد أن استدارتا إلى الوضع الطبيعي، تخطوان الخطوة الأولى إلى الأمام في جمع من التلاميذ الجدد.

    انتهت
    الطائف : مارس 81 مارس 1982م.


    اين الروائي يوسف العطا؟
                  

02-26-2005, 11:05 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أخيرا الروائي القاص يوسف العطا يظهر و يكتب :البحث عن الزمن المفقود.. (Re: sympatico)


    الحلة الجديدة
    يوسف العطا .....



    غداة وصولنا غرسنا نخلتين أمام دارنا ، وكان قد جاء بهما جدي من بلدتنا يلف جذعيهما بجوال مبلل .. كانتا بعضاً مما آخذناه معنا الي دارنا الجديدة هذه . في نموهما شبتا بالقامة لصق الحوش تظلان بالجريد زريبة بهائمها من بلدتنا في الشمال ، بهائم مولودة علي جدتي غزيرة اللبن تكاد أثدائها لا تجف طوال العام ، ولم يكن لبائع اللبن أن يطرق بابنا كل صباح طرقاته المألوفة في حارتنا . ومما أتينا به أيضاً أن لهجتنا لم تتغير ،فهي مائلة البنيان والتراكيب تنكسر أواخرها في حدة بانزلاقها علي ألسنتنا ،ولم أجد في أمي ولا أخوتي تغييراً كبيراً : ما زالت رءوسهن مضفورة أثوابهن ملفوفة حول القامة يسارعن إليها إن كن بدونها إذا طرق غرفتهن طارق . وإن خلون لانفسهن تركنها الي فساتين طويلة تكاد تغرق أجسادهن . يثرثرن طوال النهار في لغط لا ينتهي في جلوسهن علي ( عناقريب ) خشبية نسيجها الحبال . وما أزال اذكر جدي قبل مماته في أنتقالة معنا الي الحلة الجديدة كان أكثرنا تصلبا وتمسكا واقربنا الي الغضب . يداه في خشونتهما قدمان جلدهما تخين ، والي جانب الرسوم الطبيعية فيهما قامت دروب أخري بأثر المعاول ، امحت عن راحتيهما خطوط بفعل المقابض . وإن نظرت إليهما تكشفان لك في التو انهما لمزارع شقق الماء والبرد أطرافه إلى مجري الدم في جسده ، ولعل مجري التصلب والشدة الي لدي الجدي مرجعه الي رقاده اليوم بطولة في حجرة الاستقبال علي سرير حديدي بملاءة بيضاء . تجده والناس قد انصرفوا الي عملهم يقلب بكفية واصابعة قبضاً وبسطاً ، يحرك الساقين ثنيا ومدا كأنما عنكبوت عظيم شل قدرته . ولقد استحال مرقده شوكاً وقع فيه . وفي هذا الذي يأتيه من الحراك اليائس لغة يفهمها هو ، في حاضرة أضحي العاجز وهو في ماضية مبسوط السلطان علي امتداد رقعة الساقية . في أهلة كان أول من يزرع ، وسابقهم الي الحصاد فأن هبط ناحية النهر بمعوله أدرك قومه أن الموسم الزراعي قد بداء . وأن انتهي الحصاد صعدوا معه الي البيوت بدوابهم وثيرانهم ، وما عاد له من ماضيه إلا مرقد . ماتت أمراته . ذهبت ساقيته . وخلع الأطباء أسنانه أستاصلوا الطوحال منه .
    (2)
    بعد مماته وشيكا لحقت به النخلتان . في سنوات حياته كانتا قد كبرتا بالقامة – وعهد الي انا الصغير وقتها – أن اعني بهما . وازود عنهما القارضات من أغنام وسابلة . بنيت حولهما مهداً من اللبن ظللت هامتيهما بالجوالات المبللة . رويت ظمأهما فضربتا عميقاً في الأرض وعالياً في السماء ، بدنا كمنقطع بهما عن ضفاف النيل ، ومن عجب نشأتا عقيمين . بهما أقيس عمري في الحلة الجديدة أشبه أيامي فطول قامتهما وهيئتهما زمن حياتنا هنا . في ظلهما كان مأتم جدي . عندهما بهائمنا . تجد الظل منهما صباح عند بيوت وبعد الزوال يرتمي الي بيوت الساقان منهما مرمي كنده أطفال . وكم لعبنا بينهما في زمن غابر .
    وذات صباح جاءنا أمر باستئصالهما . في طولهما رأوا تهديداً لتمديدات الكهرباء فوق الجريد . وإذ اجتثا أخذ أبي عوديهما لسقف المنزل حال نجديده . وكان بقاء البهائم رهن بظلهما إذ في يونيو جاء عمال البلدية بمعاولهم يشقون مصرفاً مر من أمام البيوت علي امتداد الشارع أسعداداً لقدوم الخريف . وللصالح العام أمر سكان الحارة بسحب بهائمهم الي داخل البيوت فكان أن انشانا سقيفة الجريد والأعواد في ركن من الحوش تربط الي أوتادها بهائمنا . وبهذا يجد الداخل دارنا بهائم ودجاجاً وحماماً وكلباً وقطاً وأبوي وأخواتي الثلاثة .
    (3)
    في دارنا أن اقبل مساء الصيف اقتسمنا مساحة الحوش نسحب أسرتنا من جوف الغرفتين ، وقد كان مرقدي وجدي أمام حجرة الرجال ، وفي هذا الحيز أيضاً متسع للضيوف إن باتوا عندنا ن وقلما تخلو الدار من رائح أو غاد من مسافرين يمكثون ليلة أو ليلتين قبل ذهابهم الي بلدتنا في الشمال . ومن الأهل من يقدم من تلك الأنحاء لقضاء شأن من الشئون في الخرطوم وما اكثر تلك الشئون . وفي أوقات كثيرة التحف الثري أو أشاطر جدي سريره ليبقي للضيوف متسع . وبعد غياب جدي أخذت مكانه وغطاءه أما ابي فكان وامي في الناحية الخلفية من حجرة الاستقبال فيما تنام اخواتي الثلاث شرق الغرفة الأخرى . ولئلا تقع أبصار الضيوف عليهن قمن بعمل ساتر من العيدان ليفصل الفراغ بين حجرة الاستقبال _ المضيفة كما تسميها أمي وبين حجرة النساء شرقها اخواتي وفي مرقدي يتناهي الي شخير ابي أن كانت نافذة الغرفة مفتوحة ويطفي صوت المذياع طوال الليل وفي ليل الصيف اظماء والسبيل الي إطفاء الظماء يجشمني السعي الي زير الماء عند زاوية من زوايا الحوش حيث يقوم مطبخ صغير واعبر بأخواتي النائمات وأبى وأمي ومذياعهما كما قط صغير وخشية أن يستيقظ من أظنهم نياماً كنت أمشي علي رءوس أصابعي ثم فهت ضمناً ألا اذهب للسقيا في جنح الليل حين تكفلت أمي بتامين كوب من الماء عند مرقدة . ولئن نسيت هي ذلك تعين علي السعي الي صنبور الماء في الحمام استقي منه مباشرةً عوضاً عن تجميع الماء في كفي لئلا يحدث صوتاً وهكذا ارضع الماء النحاسي وكأنما الصنبور في فمي الرضيع ثدي من جسد الحمام .
    وفي دارنا وأن أدركنا ليل الشتاء القارس توارينا الي غرفتين ، ومرقد اخواتي المطبخ تتدثر الكبريان بغطاء ثخين حفظ من شتاء سابق لكل شتاء قادم . أما الصغري فلا تجد باساً من تجميع كل الملابس الباقية من أمي واخوتي الي البالي من جلابيب أبي وتلوذ بالجميع في برد الحلة الجديدة .وفي غياب الضيوف عنا . ونادراً ما يفعلون تنعم اخوتي بمشاطرتي حجرة الاستقبال وطال ما بقي الشتاء يكمن ابواي في الغرفة الاخري في بيات شتوي وبهذا لا يحظر علي السعي أنا شئت ليلاً . وفي هذا اجد الشتاء افضل الفصول عندي .
    (4)
    تتميز أخوتي وأمي بأنهن لا يقضين حوائجهن الطبيعية الا أناء الليل ، وقد اوتين مقدرة عجيبة علي الامساك طوال النهار .و والعلة في امساكهن كرهاً أن الركن الذي نقضي فيه حواتجنا لا يتعدي ساتراً طينياً قصير القامة . اعني دورة المياه رغم أن زواينا هذه لا ماء يدور فيها . هي من لبن وبئر عميق مطلل بقالب خرصاني فيه فتحتان أما الساتر نفسه فلا سقف ومفتوح في جانب منه ولما كان بلا باب يتعين علي الجالس لقضاء حاجته أن ينحنح بالحنجرة أو يطقطق بالاصابع أو يبرز يده بالمد أو له أن يتمخط في حال سماع وقع اقدام أتيه صوبه . وتلك لغة وأمارات حلتنا الجديدة معلومة وقد فضلت النساء الامساك عليها .
    أما الحمام فيفصل الزاوية تلك بباب خشبي جمع من صناديق البضائع وكونه البناء الوحيد في دارنا الذي قوامه الطوب المحروق وسقفة لوح زنك وخلفه تجويففي الارض يفيض بالماء كلما اغتسل غاسل حتي ليمس اساس البناء بالتسرب فتساقط الجير عن باطن غرفة النساء واقرب الغرف اليه وكان الماء السائل والجير المتساقط والغرفة الائلةللسقوط وغيرها من اعراض تثير جميعا حفيظة ابي ويزعق وناسي معه أن الدار قد تسقط وشيكا علي رءؤسنا .
    (5)
    كأن الساعة تقوم في حارتنا اللوريات في يونيو ما تنفك تنقل اليها اطناناً من روث البهائم وتبن القمح والرمال والتراب . ومن هذا الخليط يقوم البناءون في هذا الموسم بكسي الجدران زبالة لزجة سميكة لا يزيلها مطر هتان .
    وفي زمن الخريف ادركنا ان الدار لا تسقط بماء الحمام ولكن بدفقات المطر الذي تجمع علي السطوح فابتل الحصير اثر تحلل الطبقة الروثية علية . فات علينا قيبل الخريف تفقد الكزاريب فقد بنت فيها العصافير اعشاشها فلم تعد ترشح . ولم يكن الخطر الماحق يجي من المطر الذي فاض في المساحة الداخلية وتسلل الي الغرفتين وغوض زاوية الحوش ببئرها ولكن نشاء الضرر عن ما تجمع من ماء بالخارج وغمر الشوارع فقمنا ندفعة باقامة المتاريس وفي ذلك الصباح لم تكن الحلة الجديدة سوي رجال شمروا سراويلهم الي الركبتين وفي ايديهم المعاول ، ونساء حاسرات الرأس بجرادل ومغارف ، وصبية أنصاف عراة يتقاذفون بالطين ويتراشقون بالماء . أضحي الشارع في عيني نهراً ممتلئاً تتزاحم البيوت عند شاطئه وكانت تعكس في مائة خيال مراكب ممسوكة بالوحل والطين . وبدأت تلك المراكب في عين خيالي لا تعبر براكبها من ضفة الي أخرى

    الحلة الجديدة قصة قصيرة للقاص يوسف العطا
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de