سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 08:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-25-2005, 10:58 AM

مختار عجوبة

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها

    رواية-محاولة لشكل جديد




    " طرابيل العنج "
    الثلاثاء 6/4/1982م

    شققنا طريق الزراعة في سيارة متينة متوسطة الحجم… كان الزرع مخضراً… ولوبيا تنمو نمواً غريباً…
    قال لي الرجل : لو أنك اشتريت جوالات بلح وخزنتها…!!
    قلت له : البلح أصابه السوس… أليس هو الذي أعطيتني منه.!؟
    قال لي : لا… هذا نوع مختلف… وأشار إليه… جوالات متراصة إلى جوار حائط…
    أعجبت بشخصيته… طلبت منه أن يزرع أرضاً لي…
    قال لي : عجيب… أتملك أنت أرضاً هنا…؟
    قلت له : نعم…
    سألني : كيف حصلت عليها…؟
    لم أجبه…
    قلت له : يزرعها مزارع منكم…
    قال لي : هل أخل بشرط؟
    قلت له : لا…
    قال لي : لماذا تريدني أن أزرعها…؟
    قلت له : إعجاباً بك…
    قال لي : الزراعة لا إعجاب فيها.
    قلت له : أين البلح…؟
    فتح إحدى الجوالات فوجدناها لوبيا ضخمة السيقان والجذور والأوراق…
    قال طفل يفحصها: هذه لوبيا أفسدت بذورها الأسمدة فتضخمت… أصبحت في حجم "البركاوي".
    جاءت أمي… أخذت تحضنني وتبكي… حييت أبي عن بعد… فبكى... هناك "شمام" شغلت بجمعه لأطفالي عن تحية أمي… كانت تلاحقني وتحييني بتشوق شديد… وتبكي وسيقانها لا تقوى على حملها… رأيتها تتهاوى… أسرعت إليها… حملها كله وقع على ذراعيَّ… كأنها بلا أرجل…
    قالت لي : والدكم لا يهتم بي… يهتم بالزراعة والبهائم أكثر من اهتمامه بي… كأنه ما عاش معي يوماً… أنتم أصبحتم مثله…
    شعرت بحزن عميق…
    قالت لي : لا يوجد شيء نهض قائماً إلا وتهاوى مثلما شيدوه… أرأيت "طرابيل العنج" نحن قاعدتنا راسخة مثلها… نتهاوى فوق بعضنا…
    شغلت عن أمي بمكتب وثير لمدير شركة السهام… دخلت عليه سكرتيرته… فجأة ظهرت بمظهر صارم…
    قالت له : سآخذ إجازة مرضية… مسافرة مع قريبتي... متمرسة في شئون الرجال والفقرا…
    انزاحت الصرامة... ضحكت... كأنما يحرك وجدانها شبق …


    " عبادي يشوف "
    الثلاثاء 7/4/1982م

    هذا "حلبي" لا حياء له… تجمعت حوله النساء والأطفال… كان يعالج المناجل والطواري وحللاً صدئة ويغني…
    شن وداك يا مخروب…
    نعمة تفنقس عبادي يشوف
    عبادي يلحس في "ف…"
    ضحك الأطفال… استحت النساء وأخفين وجوههن بأطراف ثيابهن… والحلبي منهمك في إصلاح الطواجن النحاسية الصدئة… جاءت إعرابية تحمل منجلاً… فاختفت النساء…
    قيل : إنها قتلت ابن عمها بالمنجل حين راودها عن نفسها... ذبحته ذبح الشاة…
    تستروا عليها… كانت عيونها محمرة… يتطاير منها شرر غريب…
    قال العمدة : عرب في عرب… خلوهم… إن شاء الله ما يفضل فيهم نافخ النار من هنا لي "قِمر وعِيلاي"
    طار نافخ الكير، فوجدت نفسي أزور "السرايا الصفراء" على غير علم من أسرتي، كنت أسكنها… جذبني الحنين إليها بعد سنوات… تجولت فيها… حاولت الصعود إلى الشقة التي كنت أسكنها… سمعت صوت "محمد الخير"… طرقت الباب عليهم… لم يخرجوا… كانوا يتناولون طعام الغداء… صعدت إلى الشقة… وجدت السلالم مطلية لتوها بطلاء أبيض من أعلى وأسود من أسفل… جميلة… كانت تطل على النيل وكلية الشرطة… نظرت داخل الشقة… وجدت ثلاثة أطفال… أحدهم من أطفالي وثانٍ للجامعة وثالث للساكن الجديد… جاءني "الخير" وبدلاً من أن يصحبني إلى شقته صحبني إلى أسفل…
    قال لي : لماذا لم تكتب لنا…؟
    قلت له : فضلت ألا أغضب أحداً.
    قال لي : اطلعت على ملفك… أستاذ مثلك في الجامعة… لا يذهب هكذا…
    تركنا "السرايا"… ذهبنا لنادي الأساتذة…
    قيل : هناك سيل جارف… هدم الكباري على النيل،
    جاءني الدكتور "حسان إبراهيم" يطلب معاونته في تحريك سيارته… جاء ثلاثة شبان في زي عسكري… ألوانهم بيضاء…لم يعاونونا...
    قال لنا متسول : هؤلاء ليسوا جنوداً … إنهم موظفون في شركة للسياحة…يحافظون علي أناقتهم ... شركات السياحة والإعلانات امتصت أموال هذا البلد…

    " النعمة "
    الخميس 8/4/1982م

    عندما دعانا صاحب العظمة المبجل… ذهبت له، وقفت أتآنس مع جماعة من أساتذة الجامعات… ومآدب من حولنا… فيها كل ما لذ وطاب… فجأة…
    قال دكتور حسن : لك مكالمة تليفونية…
    ذهبت مسرعاً وجدت صاحب العظمة عند الباب… حياني… دخلت… لا أدري من حادثت… وضعت سماعة التليفون… جرس التليفون يرن مرة أخرى… يريد المتحدث صاحب العظمة، أخطأ لساني…
    قلت له : تليفون يا دكتور … عذراً يا صاحب العظمة…
    قيل لي : خذ طعامك…
    وقفت في الصفوف بين رجال ونساء… كنت أعرف بعضهم والبعض الآخر لا أعرفهم… الطعام تقدمه شابات سودانيات في مقتبل العمر…
    قالت إحداهن لي : أين رأيتك…؟ هل أنت طالب أم أستاذ؟
    قلت لها : أنا طالب وقد امتحنت لك امتحانين… ونجحت في أخذ الطعام منك.
    فضحكنا…
    قالت مرة أخرى وكانت تجلس وتتناول طعامها: أين رأيتك… إنك تشبه شاباً أعرفه في السودان…
    قلت لها : أظنه شاعر الشباب "الحردان ديمة"
    قالت لي : صدقت يا جميل…
    قلت لها : مغازلة تقليدية باردة…
    قالت لي : هل أنت عصري…؟
    طاب لنا الأنس في تلك الليلة لولا عجوز متصابِ أزعج السيدات، وأخذني أبي جانباً ومعي "حبيب الحسن"… وأبي يلوم أهله أمامه… غضبت غاية الغضب…
    قلت لأبي : لا تكره الناس فينا… ولا تكرهنا فيهم… هذا الذي تتحدث أمامه وتسب أهله… فيهم عمه ووالده وخاله وإخوانه… أحرجتنا معه.. "حبيب" أنت جده في الحسبة.
    خشيت أن يعتقد "حبيب" أنني أتملقه… لم يقبل أبي غضبي وغضب هو كذلك ولكنه صمت…
    قال أبي : لماذا تركتم الزراعة… والرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل عن النعمة… قال النعمة في النيل…
    قلت له : هذا الحديث من صنعكم…
    قال لي : شيخنا قال إن هذا الحديث وارد في الصحيحين…
    استغربت من أين عرف أبي بالصحيحين… قطع حديثنا صائح…
    قالوا : كان الحادث مروعاً… راح ضحيته ثلاثة من الأخوة… كان الشارع مزدحماً… حاول السائق أن يتجنب الزحام… مر بسرعة بين عمود الكهرباء والحائط… كان الممر ضيقاً… سقط العمود على الذين يجلسون في الخلف… السيارة كانت مكشوفة، فتهشمت رؤوسهم جميعاً.
    قلت : لماذا جلسوا في الخلف…
    قال أبي : ما فائدة السؤال…؟ لقد ماتوا…


    " الأيادي "
    الجمعة 9/4/1982م

    في مؤتمر للاقتصاديين بقاعة الصداقة بالخرطوم، كانوا يحاولون أن يشخصوا الأسباب التي أدت إلى تردي الاقتصاد السوداني، قدم أحدهم بحثاً… تحدث فيه عن التضخم وعن الهجرة… سألوه فأجابهم… كنت أجلس في الصفوف الخلفية… كنت مرهقاً… ممتعضاً... أشعر بالنعاس… عندما قفلوا باب النقاش رفعت يدي وسألتهم:
    ألا يمكن أن نعزو الخلل إلى نظرية الصفوة…؟
    رُفعت عشرات الأيدي للرد عليَّ… أجمعوا على أنهم لم يفهموا السؤال… شرحته لهم مرة أخرى… أعدت صياغته… فأجمعوا مرة أخرى على أن السؤال غير واضح وأنني زدته غموضاً…
    كاد أحدهم أن يقول لي: …. هذا هذيان… اعتذرت لهم بأنني مصاب برعشة برد شديد… ربما أثر في صوتي وطريقة تفكيري… فضحكوا جميعاً كأنهم موافقون…
    قلت لهم : هذه البنت التي بينكم… أراها في كل يوم هادئة خجولة… يكتشف أهلها أنها حبلى سفاحاً…؟
    أخذني قريب لي يعمل بوزارة المالية… يشغل مركزاً مرموقاً، إلى العيادات الخارجية… تركوني هناك… عدت على ظهر حمارة ماراً بسواقي "الحجر" جدول "الوابور" الزراعي مليء بالماء… اندهشت… متى أصلح هؤلاء الناس "وابوراتهم"… رأيت "الشريف ود عبد السلام" ومعه ابنه "حميدة" يتحدثان… سلمت عليهما… سلما… انصرفا إلى مناقشة شأنهما.. "الشريف" يحمل رطباً من البلح بسبائطه على كتفه… ناضج شهي…
    قلت لهما : ألا تزالون تحصدون تموركم…؟
    قال لي الشريف : نعم…
    قلت له : أخوك همام ظلمك وأخذ نخلك…
    ضحك…
    وقال لي : ولد الأم… لم يظلمني.. تلك أقاويل الناس…
    سكت… شعرت بأنني تدخلت فيما لا يعنيني… سرنا سوياً إلى ساقية "ود الشيخ"… كان الشريف يزرعها مناصفة مع أهلها… ساقية "وراق" كانت قاحلة…
    قالوا : كان "عبد الرحمن ود عثمان" يزرعها… تضايق من أهلكم فتركها…
    قلت لهم : أين أهلنا…
    قال الشريف : انظر…
    فنظرت… رأيت "عادل" أخي…
    أضاف الشريف : أخوك يعمل أجيراً… آخر الزمان…
    قلت لعادل : تعمل أجيراً…؟
    قال لي : نعم… مقابل أربعين جنيهاً في اليوم
    رأيت بعض نقود في جيبه.
    قال لي : الأهل لم يطيقونني.. طردوني… ماذا أفعل…؟
    قال الشريف لنا : نظفت له "كرو" ساقية "وراق" … لكنه رفض زراعتها.. ليته فعل… انظر…
    نظرت فشاهدت بعض أحواض مروية… لكنها غير نظيفة… تقدمت نحو ساقية "الخرساب" فوجدتهم يزرعونها لتوهم… يشتلون شتولاً غريبة… حييت نساء متجمعات… حيينني في حماس شديد… فتر حماسهن حين انطلقت حمارتي فجأة… هاربة… أمسك بها "حسين عبد الرحيم"… كانت بين النساء "حواء عبد الله" تحمل طفلاً "مُخلَّق" وجهه وجه إنسان وجسمه جسم قرد بذيل، أخذت أداعبه… كان عارياً وجسمه طرياً… أحببته… وذهبت… جاءت طائرة مسرعة... هبطت في بيوت "الخرساب"…
    قيل : بها حاكم الإقليم معه "الشيخ عبد العليم عبد الحليم"… يمكن رؤيتهم في الجو…
    طيارة زجاجية… يرى من هو خارجها ما بداخلها… لم تشغلني الطائرة مثلما شغلت أهل "الخرساب" فتجمعوا حولها… اتجهت إلى المنزل… لمست إحدى أسناني فانخلعت وكانت الأخرى مخلخلة تهتز كلما تكلمت…
    سيقول أهلي عني: شروم… ويسألونني… مع من تشاجرت؟
    وجدت عائلتي في حوش كبير… كنا كأننا نعرفه من زمان بعيد…
    قال عمي أحمد حارس السرايا : ألا تعرفها هذه السرايا الصفراء…؟
    لم أجبه… فضلت الصمت.. غسلت يديَّ من بقايا طعام… جففتهما بملابس منشورة لناس "محمد الخير"… غضبت مرة أخرى، كيف أفعل هذا بملابس غيري… هبت رياح عاتية… سقطت الملابس من على الحبال فرفعتها… جاءت "سعيدة" زوجة "محمد الخير"… لم تسلم عليَّ… لم أغضب… اندهشت… شكوتها لدكتور "بشير سلمان" وذهبنا… عند الفجر التقيت بزميلي "عبد الشكور" عند بوابة المستشفى…
    قلت له : أين كنت…
    قال لي : صليت الصبح حاضراً في المسجد…
    ضحكت… ربما ذهب للصلاة من مائدة خضراء… يتجه إلى المساجد ليصلي الفجر مع وزيره أو رئيسنا…القائد الملهم... يحضر ليالي الذكر مع"الرقيق عود السلم"… يخدم شيوخه حافياً… طالباً بركتهم… يحمل الطعام... يغسل أيادي قوم فاجرين… وهم يتجشأون… خرجت من المستشفى حافياً… تبعني رجل مشرد… يرتدي ثوب درويش…ربما من جند الأمن المنتشرين… خفت.. جريت... ابتسم الدرويش... واصل تسبيحه.




    " شواء ومرارة "
    الأحد 11/4/1982م

    مجموعة من شباب القرية التقينا في يوم مطير، تفتقت زهور الحشائش في الخريف، فآثرنا الذهاب لزيارة إخواننا الصغار في المدرسة، لم نجد غير دابة واحدة لم تستطع حملنا… كانت حوافرها تغوص في الرمال…
    قلنا : نركبها بالتناوب.
    ركبها "عوض الله رزق الله"… سخط…
    قال : إنها دابة حرون…
    أطلقها … لم نستطع اللحاق بها… غضبت منه وتشاجرنا… غضب هو وسخط ورجع إلى الديار… من يومها عرفت أنه لكي لا أغضب الأصدقاء فإن عليّ اختيار الوسيلة الجيدة لتحقيق هدفي… بدلاً من الذهاب إلى "كورتي" وجدت نفسي "بمعهد الدراسات " بجامعة الخرطوم… إلى جوار المسجد… عادت كما كانت … وجدت الأستاذ " كامل الحسن" والدكتور "عبيد الله"… وآخرين…
    قالوا : ما الذي أتى بك وقد تركتنا دون استئذان…
    قلت : لا أدري… أتريدونني أن أذهب…
    "عبيد الله" كان يرتجف… حوله طلبة وطالبات… يشكون من عدم انتظام الدراسة ويحملونني المسئولية… كان يتركهم وينظر إليّ نظرة جانبية… تحاشيتها عدداً من المرات… وجدت نفسي في "السرايا الصفراء"… جاءني الدكتور "إبراهيم عز الدين"…
    سألني : متى ستخلي الشقة…؟ أعطيت الشقة لأستاذ يهدد الجامعة بترك العمل إذا لم يعطوه مسكناً…
    جاءني شاب…
    سألني : أين "محمد الحسن الجعلي"…؟
    قلت له: لا أدري… وهل عاد هو من انجلترا…؟
    قال لي : أين الشابة التي تطلبون التأشيرة لها؟
    قلت له : عن أي فتاة تسأل…؟
    قال لي : أنتم حدثتموني عنها… "الجعلي" جاءني في الجوازات…طلب مني ذلك…
    قلت له :لا يوجد هذا الاسم هنا...
    تركته… ذهبت إلى شاطئ النيل الأزرق قبالة "كافوري"…عبرت عمارات شاهقة… تسللت بينها، أبحث عن طبيب عيون… لم أجده… انتهى بي المطاف إلى مقهى صغير… تجمعنا فيه… أعددت أكواباً من الشاي…الماء غلي وتبخر… …
    قلت لصحبي: إن سكرتيرتي عندما كنت أعمل بأثيوبيا…كانت صديقة للرئيس "سيدي الأمين"…. كان رئيساً لمنظمة الأمم الأفريقية… عندما يزور "أديس أبابا" كان يرسل جنوداً لمطاردتي… كنت أتخفى إلى أن يرحل… ومن يومها كرهت مناقشة العسكريين… ووزراء الخارجية…
    تجولت على شاطئ النهر فرأيت امرأة تجري وتحمل على رأسها علفاً…
    قيل : إنها مجنونة…
    دعوني لزاد لم يصبني منه شيء… وعندما اتجهت إلى "السرايا الصفراء" قابلني الأستاذ "يحي عبد الحكيم" يحمل طبقاً به شواء "ومرارة" ودعاني لأخذ قطعة من الشواء… لم آخذ شيئاً... فالذبيحة كانت لي… وقد وزعت لحمها على الجيران كرامة حملتها فوق كتفي مضرجة بدم... من أين أتيت بها ؟ لا أدري… كيف آكل ما وزعت… أجاد الناس طهيها … فاشتهيت لحمها… وذهبت … أتخفى بين المزارع…ما بين الشارع والنيل.


    " محكمة... ؟ "
    الإثنين 12/4/1982م

    "الحوش الأبيض". ذلك حصن دمره الأتراك… سكناه ردحاً من الزمان وعنه ارتحلنا…
    قيل : سكنته الجن من أولاد عمتنا "فرحين" وزوجها "سرحان" الجنون… أعوذ بالله من الشيطان… أولاد "سرحان" ملكوا الدنيا كلها… تركنا لهم ساقية "رميل" بحالها…
    غضب جدي "علي ود ست الديش" وارتحل عن الديار… حفيده قبضه الأعراب من الخلاء… وجاءوا به إلينا… أخذوه للفكي "علي ود خوجلي"… الفكي وجد ولده"المصباح" ميتاً في الخلوة… شقوا رأسه نصفين… ولا قدم إنسان ولا حيوان… أحضروا الخبير "ود حجة"…
    فقال لهم : لا يوجد قدم طير إلى جوار القتيل…
    قال الفكي ود خوجلي : كان المصباح ينظف الخلوة… لن أقدر على جنون الدنيا والعالمين… خذوا ولدكم المجنون… أولاد "سرحان" مسوه…
    قال أحدهم : أولاد "سرحان" مؤمنون… فجأة تركوا "الحوش الأبيض"… هاجروا إلى بلاد "قِمر وعيلاي"… المرأة منهم تترك عجينها فوق الصاج… كانوا على عجلة من أمرهم… أولادهم يلعبون "الطاب" ويتركونه كما هو ولا يعودون… الجامع تركوه بمفارشه لسنوات:
    قيل : إن الأصوات كانت تسمع داخل المسجد… وتهليل وتكبير… وتُرى نار القرآن… ودومة "الماشرابي" تؤذن إذا فات وقت الأذان.
    قالت النسوة : شيخنا "ود خوجلي" إيده لاحقة… أجلى أولاد "سرحان" عن الديار… قتلوا ولده ظلماً وعدواناً… اللهم زدنا من الإيمان.
    عند "حرازة عيدابي" جنوب "الحوش الأبيض" سرت نحو بيت "بشير علوب"… اعترضت طريقي بقايا آثار…
    قال لي الدكتور يوسف حسن عثمان : تجنب السير بين الآثار.
    قلت له : السودان كله آثار… كيف يتعلم الإنسان معرفة الآثار ؟.
    هناك بقايا أبنية تعلوها كثبان رملية… وحجرات تصميمها عجيب… مداخلها مغلقة بحجارة ضخمة… رأيت بيتاً…
    قيل : إنه بيت " ود خوجلي" وعبيده "المبيريك في الدين"…
    تقدمت قليلاً… وجدت زرعاً ناضراً من "عيش الريف"… لكنه غزير… فلم يثمر… ضَمُرت سنابله…
    تساءلت : هل يريدونه علفاً…؟
    نزعت منه ثلاثة "قناديل"… وصلت "ناس بشير علوب"… رجعت دون أن أسلم عليهم… أرجعتني عنهم ضجة… كان "بشير" يعاقب ابنه ويجلده لأنه أساء إلى الزرّاع من الهنود… سُر الهنود لإنصافهم…
    سألني الهنود : من أين أتيت بالقناديل…؟
    لم أجبهم… تساقطت الأغلفة الخضراء عن "القناديل"… وتفسخت… لا حبوب فيها…
    قلت للهنود : زرعكم غزير… لن يثمر… هل رأيتم القناديل بلا حبوب؟
    قالوا : انتظر… ستفاجأ بها… هذه ذرة أمريكية… لم يحن وقت قطافها…
    ذهبت وجاءت سيارة تحمل "خواجات" يعبون استمارات بحث ومعهم سودانيون… متجهون نحو "الجروف"… رجعت "للحوش الأبيض" أبحث عن بيوت أعمامي "صبير" و"عزير" و"محمد" و"عبدالحافظ" و"الترتيل" و"أحمد الحسين"… وجدتهم جميعاً متجمعين يتناقشون في كيفية الاحتفال بالهنود… كان بعض المجتمعين شبه عراة… فاندهشت… كيف يأتي الناس لاجتماع بملابسهم الداخلية…
    قالوا : نقدم للهنود هدية…
    خرجت غاضباً من الاجتماع وسألت أمي عن حذائي المزدوج…
    قالت : نسيته في الطريق…
    أوقفت سيارتي في صفوف "البنزين" وذهبت أتجول في السوق "الأفرنجي" بالخرطوم عند الغروب… المتاجر نصفها مغلق ونصفها مفتوح… وأناس يروحون ويغدون… يبدو أنهم يخرجون من معرض بوزارة الإعلام ويعودون إليه… من المعرض خرجت فتاة مسرعة… كأنها لا تلوي على شيء خلفها… كانت ثيابها رثة… عندما وصلتني تهاوت في منتصف الشارع… أُغمي عليها من الإعياء … لحق بها رجل … حملها بين ذراعيه كطفل وديع… طلب مني أن أبحث عن سيارة… فتشنا الشوارع كلها… لم نجد سيارة واحدة… سيارتي تقف على بعد خطوات… لم استطع أن أخرجها من صفوف "البنزين"… قمت بمحاولات بطولية، فهشمت زجاجها الأمامي وفوانيس الإنارة… تركتها … وقفت أتفرج على أطفال مشردين… كانوا نصف نائمين من استنشاق "البنزين" كانوا يلعبون "طرة ولاّ كتابة؟"…
    قال واحد منهم لهم : اعرفوا لمن هذا الريال؟ وأخرجه من جيبه.
    قال الآخر : الريال لرب كريم…
    قال له صاحب الريال : صدقت…
    وأعطاه لرجل متسول يعبر الطريق… قاموا… أقلعوا عن اللعب… جلسوا على مصاطب… مثل أحدهم دور القاضي وآخر دور المتهم… وثالث دور الشرطي…
    قال القاضي للمتهم : ضع يدك فوق الكتاب… وقل بعدي: والله العظيم… أقول الكذب… ولا شيء غير الكذب…
    ضحكوا وضحكنا … نسينا "البنزين"…
                  

04-07-2005, 04:42 AM

almulaomar
<aalmulaomar
تاريخ التسجيل: 07-08-2002
مجموع المشاركات: 6485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها (Re: مختار عجوبة)

    وأنت تملك كل هذه المقدرات والموهبة لماذا توقفت عن الكتابة في وقت أحوج ما يكون فيه المنبر الحر لأمثالك بعد أن إبتعد الكثير من الأعضاء الرائعين طوعاً أو كرها
                  

04-07-2005, 05:10 AM

نصار
<aنصار
تاريخ التسجيل: 09-17-2002
مجموع المشاركات: 11660

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها (Re: مختار عجوبة)

    العزيز د. مختار عجوبة


    حمدا لله علي سلامة عودتك للمنبر الحر
    و يبدو انك عدت الي مغتربك من زيارتك للوطن
    شكرا علي اطلاعنا علي هذه الكتابة الوضيئة
    كما اتمني أن تسجل لنا انطباعاتك عن زيارة البلد
    فعين المبدع تلتقط الاشياء الدقيقة خاصة عند الرجوع
    للواقع المحلي بعد غياب،،،
                  

04-07-2005, 06:17 AM

صباح حسين

تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 402

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سنوات الرعب العجاف : لكل ليلة أحلامها (Re: نصار)

    حقيقة إستمتعت بالقراءة لكاتبنا الكبير الدكتور مختار عجوبة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de