حسن ابراهيم يروي حكايات ام درمان : موقف نقدي جامح وبنية فنية هشة- د. صلاح فضل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 09:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-13-2005, 10:18 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حسن ابراهيم يروي حكايات ام درمان : موقف نقدي جامح وبنية فنية هشة- د. صلاح فضل

    حسن ابراهيم يروي حكايات ام درمان
    بيت المسكون ·· موقف نقدي جامح وبنية فنية هشة

    دكتور صلاح فضل


    لعل إعلان الخرطوم عاصمة للثقافة العربية هذا العام أن يكون حافزاً للكتاب العرب على إعادة اكتشاف العوالم الإبداعية لأدباء السودان، بعد عقود من الشتات والشقاء والبدد، فما نعرفه عن مشاهد الحياة وصور الفن يكاد يتوقف عند جيل الرواد وبعض الأسماء والأعمال المتناثرة هنا وهناك؛ خاصة بعد أن أصبح الوطن طارداً وليس جاذباً، لا يمنح مساحة الحرية الكافية لتخيل الواقع ونقده والحلم بما يفتقده· من هنا كانت المجموعة القصصية التي نشرها الإعلامي السوداني الجسور حسن إبراهيم حديثاً في القاهرة بعنوان ''حكايات البيت المسكون: مشاهد من أم درمان'' منطلقاً مواتياً لاختبار قدرة السرد على كشف المستور، وتعرية المسكوت عنه في الوجود السوداني المعاصر، من منظور يجمع بين المزاج المحلي المميز، في اعتزازه بالمكنون الروحي للإنسان والرؤية النقدية الصريحة للأوضاع السياسية والثقافية لحكومات عاجزة عن الخروج من دائرة القهر الذي تخضع له وتمارسه بعنف·
    ولابد لنا ان نعتبر هذه الصور من قبيل التمثيل ''الكاريكاتيري'' الذي يجنح دائماً للشطط والمبالغة حتى ينجح في إبراز الخواص الفارقة الجوهرية، خاصة في تجسيد موقف السلطات المتحالفة مع القوى المتأسلمة لتحويل النور الديني إلى ظلام اجتماعي يكرس التخلف ويعادي التقدم والحرية، وسنرى حينئذ أن الخيوط الثلاثة التي تتجمع في هذا النسيج السردي المتراخي قليلاً تتألف من حس صوفي عميق ومتهتك في الآن ذاته، وموقف نقدي جامح، وبنية فنية هشة·
    من بحيرى إلى بشر
    أما الروح السودانية الصوفية، العاشقة للحياة والمتمردة على معطياتها، فتبدو في المقدمة العبثية للمجموعة وتصريحاتها المباشرة، ولأن الكاتب ليس صوتاً قصصياً فإن نواياه الإبداعية لا تنجلي في مثل هذه التصريحات المباشرة بقدر ما يحق لها أن تتجسد في حالات مخلوقاته الورقية ومواقفهم الدقيقة، وعلينا أن نتجاوز عن المقدمات لنمضي إلى الحكايات ذاتها، فنجد الشخصية الأولى طريفة إلى درجة كبيرة، فهو يبعث الصوفي العباسي الشهير بشر الحافي ليرقب امرأة مارة في مدينة أم درمان ويتعقبها، بعد حوار مع بحيرى الراهب دهمه فيه نور حاد، فأغلق بشر عينيه، وسمع الراهب يقول له: ''إنك على صواب يا صاحبي، أنت في عالم ما قبل الرؤية وفوق البرزخ، عليك تابعي وحبيبي واجب قديم؛ فدونك ضفاف النيل لا تبق فيها على ذرة شقاء، لا تجبن واضرب بسيف الحقيقة كل همسات الوهن·· وإذا ببشر يضحك ويقول: أين أنا والنيل يا بحيرى يرحمك الله؟ فيقبل عليه الراهب غاضباً وينتهره: ألا تدري يا بشر؛ يا صاحبي الزاهد·· في النيل كانت البداية، وفيه ستكون النهاية، فيه التقى آدم بحواء، فيه الأرواح تغتسل بماء عذب سلسبيل ألف ألف مرة كل يوم، وتمارس العشق ألف مرة·· النيل يا صاحبي وحبيبي- رغم طفيلياته - وجراثيمه يشفي العليل ويفرح المكروب، إنه عطر السماء ودموع الملائكة''·
    ولكن بشر يضرب في شوارع العاصمة على غير هدى، فيضل وراء امرأة غاوية يبغي لها الهداية، ويرتطم بالواقع التعس للفقر والمرض والهوان والقبح، فينزل من آفاقه الصوفية حتى يدرك أنه في عصر ساقط مجنون، تعمره الكائنات الحديدية، وتحكم قواعد اللعبة فيه قوى تختلف عما كان يدور في بغداد القديمة ''حيث كانت تصدر صيحات غضب من المكلومين - يستجيب لها الحاكم أو يجبره الخوف من غضب لابس الصوف على الاستجابة''·
    ومهما كانت حيلة توحد الفنان بالراهب والمتصوف ناجعة في تمثيل رسالة الإبداع ورصد مفارقات الحياة في العصر الحديث فإن جرعة التهتك المحيطة بشخصية بشر تصبح مدعاة للسخرية بدلاً من ابتعاث القوى الروحية الحقيقية والاستعانة بما فيها في تغيير الواقع الكئيب، ولا تستطيع أنشودة التغني العذب بأسطورة النيل ومنابعه السماوية أن ترقى بهذا المناخ المكتئب إلى أفق الشعرية الصافية·
    نقد المدينة وقصة الشيخ
    إن حسن إبراهيم بحسه الإعلامي المباشر لا يكاد يطيق صبراً على الأشكال المجازية ولا يستمر في صحبة المتصوفة القدامى، بل سرعان ما يفصح عن موقفه النقدي الحاد من الحياة السودانية في أمكنتها وأزمنتها ووجودهـا نفسه· وذلك عبر حكايات مطولة، يقصها راوٍ غير مقيم، مما يعطيه دهشة الملاحظة وصدمة التغيير، فيصب الراوي نقمته النبيلة على بلده وأهله، لأنه لا يرضى لهم ما قنعوا به، بل يمعن إلى أبعد من ذلك في هجاء مدينته بقسوة مريبة، تشف عن ألم حقيقي لعدم أخذها بمظاهر النهضة وأشكال التقدم؛ فهذا الراوية ''كان يكره أم درمان، ولا يأتيها إلا مضطرا في فرح أو ترح، ولا يتذكر إلا أنها مدينة جافة، وأهلها مترابطون بصورة تدعو إلى الريبة في هذا الزمان الأغبر·· رغم ملامح أهلها التي تدل على تزاوج الزنوج بالعرب، فما منهم إلا ويدعي أنه من أحفاد واحد من صحابة النبي، أو من أحفاده عليه الصلاة والسلام مباشرة، وكانوا يحتقرون ويسبون من أتى في الخرطوم بحري، ''لقاط''·· ''حلب''·· ''أولاد ريف''·· ''بقايا التركية'' إلى آخر ما في جعبتهم من أوصاف، كان يتملكهم إحساس بالتفوق على بقية خلق الله في كل شيء، الرجولة والقوة والوطنية والذكاء، ومن أغرب ما يتميز به ''الأمدورمانيون'' هو توهمهم أن مدينتهم التي يسمونها ''البقعة'' هي أجمل بلاد العالم، وربما هي في وجدان بعضهم أكثر قداسة من مكة والمدينة والقدس، حتى إن مسجد الإمام المهدي يسميه أهلها - وخاصة من أنصاره- بالمسجد الرابع بعد مساجد مكة والمدينة والأقصى، ولا أدري من أين يأتي الجمال لمدينة جافة قاحلة في معظم أنحائها، وتمتاز بكمية من الحفر والأزقة الضيقة كأنها برلين بعد انتحار هتلر، أما المنازل فهي متنافرة الألوان، وشوارعها ضيقة، ورائحتها كريهة''·
    على أن هذا اللون من هجاء بعض المدن ومدح بعضها الآخر مألوف في الأدبيات العربية القديمة، ولابد لإحضاره إلى السرديات الحديثة من تقطيره فنيا بحيث يتخلل الوصف ويسري إلى الحوار ويصنع عناقيد من المفارقات المجسدة الطريفة التي تضفي نكهة على الأمكنة والأشخاص، أما أن يتم تعداده هكذا باعتباره من خواطر الراوي وآرائه الخاصة التي يناهض بها فكرة التعصب باعتبارها المسئولة عن ضيق الأفق وبقية الكوارث فهذا يجر القصة إلى منطقة المقال الأدبي المختلفة عن جماليات السرد القصصي بتقنياته الشائقة·
    وكما يحمل الراوي على أم درمان، يحمل بطريقة أحد وأعنف على من يطلق عليهم، أو لعلهم هم الذين أطلقوا على أنفسهم ''أصحاب المشروع الحضاري'' فهم زبانية حولوا الوطن إلى جحيم مقيم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولنقرأ مشهدا واحدا في قصة الشيخ سودان، أحد ضحايا البيت المسكون، واسمه يشير إلى دلالته العامة على كل مواطن، إذ يقول: ''كل جريرتي أني آويت أحد أصدقاء ابني، وهو شهيد واحدة من حفلات الإعدام، ثم بعد فترة، هرب من آويت، وهربت معه ابنتي التي كانت في حالة من الغضب والهياج بعد إعدام أخيها، ذات يوم أتوا إلي بجثتها وأمروني أن أدفنها بليل وأشيع أنها ماتت في حادث مروري، رفضت وأخذت أصرخ حتى تحلق حولنا الجيران ثم الحارة بأجمعها، هربوا·· الجبناء، لكنهم عادوا بعد فترة وأحضروني إلى هذا المكان، ومن يومها وهم يسألونني عن أشياء لا أدري كنهها، عن مؤامرات، واتصالات خارجية بالمعارضة وبقوى الاستكبار، وكلما أنكر يزداد عقابهم وتعذيبهم''· ويستمر الشيخ في حكاية مظاهر التعذيب الوحشي له، وانتهاك رجولته حتى تنكسر عينه وتذل نفسه ويصبح الموت أمنية عزيزة له ولكل من يفد على هذا البيت المشئوم، وكأنه قد أصبح نموذجا مصغرا للوطن الذي تسكنه الأشباح، ولا تفلح ثورة المعذبين ولا هتافاتهم في تخفيف وطأة الزبانية عليهم، لأنهم أصبحوا خطراً على ''هذا المشروع الحضاري المزعوم''·
    لأن تجربة الكتابة القصصية جديدة عند حسن إبراهيم ذي الخبرة الإعلامية في الفضائيات العربية، فهو ينطلق بعفوية بالغة في حكاية ما شاهده عبر ثلاث قطع سردية متوالية، دون ان يلتزم بمنطق القص المحكم وجمالياته الشعرية، فهو يكتب مثلما يحكي شفاهة ودون مراجعة· ويثق إلى درجة كبيرة في مصداقية الأحداث التي يرويها دون أن يجهد نفسه في تحقيق شروط صدقها الفني عبر تجسيد الوقائع وبناء الشخصيات بشكل مقنع ومستقل ومكتمل في حد ذاته· ولعل أبرز مظاهر الهشاشة في بنية هذه الحكايات يأتي من طبيعتها المرنة القابلة للتشكل بأنماط مختلفة، حيث تتضمن كثيرا من الاستطرادات المطولة وتدخلات الراوي كما أشرنا إليه بآرائه وتعليقاته الشخصية، والطابع المباشر للأحكام السياسية والاجتماعية، اعتمادا على ما يشبه التحقيقات الإعلامية من استجوابات وحوارات· مما يجعل السرد مفتقدا الخاصية الجوهرية في التكثيف والترميز وتفجير طاقات الشعرية في المواقف واللحظات المرهفة، الأمر الذي يتطلب دائما إبراز مفارقات الحياة وما تحفل به الأحداث من طوايا الدوافع الإنسانية والاجتماعية·
    وفي تقديري أن اختيار العروق النابضة في كومة الأحداث والتفاصيل اليومية واستخلاص دلالالتها العميقة بذكاء تعبيري مرهف هو الذي يعين على إسقاط الزوائد المتدلية من الكتابة السردية وتخليصها من مبالغات الحكايات الشفوية حتى تمتلك قواما محكما وبنية مكتنزة وتقدم عالما مصغرا يحكي بعلاقاته قوانين العالم الأكبر، ويكشف عن جوهره·· ومع ما يتميز به الهجاء السياسي والاجتماعي من مذاق حار ملتهب فهو لا يكفي كي يمنح العمل الإبداعي قيمة جمالية نابعة من الخبرة الفنية في التمثيل والتصوير، وأحسب أن أدبيات القصة العربية قد بلغت من النضج والثراء في هذه الآونة ما يمثل تراثا يتعين على شباب الكتاب الاتكاء عليه وتجاوزه في مغامراتهم الجديدة، لكن تظل هذه النغمة السودانية المضمخة بعطر الأحباب - كما كان يقول يحيى حقي أحد شيوخ القص العربي الدهاة - جديرة بالحفاوة النقدية والتلقي الأدبي الجميل·


    ------------------

    عن صحيفة الاتحاد
    http://www.alittihad.ae/details.asp?M=4&A=1&ArticleID=1...18&Journal=2/14/2005
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de