|
|
 الهولندي هوبنك: «طه» أهم مفكر إسلامي حداثي في السودان
|
http://www.al-watan.com/data/20050109/index.asp?content=culture#2
الهولندي هوبنك: «طه» أهم مفكر إسلامي حداثي في السودان
حوار وترجمة ــ أحمد الملك
ميشيل هوبنك باحث هولندي يعمل في جامعة أوتريخت في هولندا‚ قضى عدة سنوات في دراسة الفكر الجمهوري‚ فكر الأستاذ محمود محمد طه‚ زار السودان عدة مرات وتحادث مع كل الرموز الدينية والسياسية هناك‚ التقيته في هولندا لإضاءة جانب من تجربته مع دراسة الفكر الجمهوري‚
- في البداية هل يمكنك إضاءة الظروف التي أدت بك لدراسة الفكر الجمهوري؟
ــ في عام 1982 سافرت داخل السودان لمدة ثلاثة أشهر أنت رأيت صور تلك الرحلة منذ تلك الرحلة كانت لي دائما علاقة خاصة بالسودان لاحقا درست اللغة العربية هنا في جامعة اوتريخت وكتبت رسالة ماجستير عن وجهات نظر الاحزاب السياسية السودانية فيما يتعلق بالحرب في الجنوب في وقت لاحق بدأت في جامعة اوتريخت تحضير بحث لنيل الدكتوراه عن حقل الدراسات الدينية المقارنة في السودان‚ كان هدفي الأساسي أن أكتب عن الحوار السوداني حول الدولة الدينية‚ في عام 1996 قضيت عدة أشهر في الخرطوم أجمع مادة البحث من عدة مجموعات وأشخاص: الترابي والصادق المهدي وتحادثت مع جمهوريين ومفكرين علمانيين‚ بعد ذلك وصلت إلى قناعة أن محمود محمد طه كان هو المفكر الأكثر أهمية وعرفت انه ان كان لي أن أنصف فكره‚ فيجب أن أركز عليه‚ وأسقط الآخرين من حساباتي‚ ذلك ما فعلت وقد شغلني الأستاذ محمود حتى اليوم‚
- من كل المجموعات والأحزاب السودانية ما الذي قادك تحديدا لاختيار محمود محمد طه مجالا لدراستك؟
ــ دون إنكار دور الفكرة العلمانية المحضة‚ كنت دائما أشعر بأن تحديث الدول الإسلامية لا يمكن أن يتم دون تحديث الإسلام نفسه‚ محمود محمد طه من وجهة نظري هو أهم مفكر إسلامي حداثي في السودان يبدو لي كأنه الوحيد الذي يخاطب القضايا التي تحتاج للمخاطبة‚ الحداثة الإسلامية حققت بداية واعدة مع أشخاص أمثال الأفغاني ومحمد عبده‚ لكن معظم ممثليها المعاصرين قد تجمدوا في خطاب تبريري صمم للتعبئة السياسية أكثر منه كمبادرة تهدف لحل المشكلات‚
التيار الرئيسي للحداثيين أمثال الترابي والصادق المهدي نجد أنهما يعدان جمهورهما بالتوفيق بين الإسلام والحداثة يؤكدان لهم ان كل شيء يسير على ما يرام وان الإسلام متطور‚ وانه علمي وديمقراطي‚ وانه في واقع الأمر فإن الديمقراطية والعلوم وحقوق الانسان كلها أشياء لها أصولها في الإسلام‚ لكنه وعد أجوف‚ لأن الأسئلة والقضايا الحقيقية عن الإسلام والحداثة لا تناقش بل يتعامل معها بالإنكار والمداراة‚ اشتهر الترابي بوجهات نظره حول المساواة بين الرجل والمرأة‚ لكنه لا يستطيع الآن ان يذكر حتى ان هناك نصوصا في القرآن تحمل تمييزا واضحا ضد المرأة انه يركز جهده على إصلاح التشريعات لكنه لا يجرؤ على مساءلة النصوص‚ طه ينتمي لقلة من المفكرين المسلمين ممن يمتلكون الشجاعة الفكرية لمواجهة مثل هذه القضايا الحاسمة ويعطي لها إجابات وحلولا‚
- هل لاحظت أي اختلافات في وجهات النظر حول مختلف القضايا بين الترابي والصادق المهدي مثلا حول علاقة الإسلام بالدولة الحديثة أو حول النظام السياسي الأمثل لحكم السودان؟
ــ كلاهما رغم اختلاف خلفياتهما ينتميان لذات التيار الذي أسميه التيار الرئيسي الحداثي المستمد من تعاليم الإمام محمد عبده‚ معظم الخلاف بين الرجلين يتركز حول مسألة قوانين سبتمبر التي صدرت عام 1983‚ الصادق المهدي يجادل ان الحدود يمكن ان تطبق فقط في مجتمع إسلامي حيث تسود قيم العدالة الاجتماعية‚ ليس من الإسلام كما يقول الصادق قطع يد رجل أقدم على السرقة بدافع الجوع‚ الترابي يجادل في كل الأحوال بأن قوانين سبتمبر ربما ليست مثالية! لكنها نقطة مهمة في طريق تطوير وتحسين القوانين الإسلامية في السودان‚
انها واحدة من الأمثلة المشؤومة على براغماتية الترابي الإسلامية‚ سيسعى الصادق لاحقا ليميز نفسه عن الإسلاميين والعلمانيين بنظريته عن الدولة المدنية‚ فكرة اختراق معارضة الإسلاميين للدولة العلمانية نفسها فكرة جديرة بالاهتمام‚ يمكن المجادلة ان محمود محمد طه سعى في نفس الاتجاه‚ لست متأكدا ان كانت الفكرة عند الصادق مجرد إحدى دلالات تمارينه اللفظية أم انه قام بتطويرها وصولا لمرحلة الفكرة الجوهرية‚
- كيف ترى الترابي هل هو مفكر أم سياسي أم رجل دين؟
ــ الترابي سياسي أكثر منه مفكر‚ كخطيب سياسي يمكن ان نصف كتاباته بالرائعة لكن حين يتعلق الأمر بالقضية الرئيسية التي يزعم انه يعالجها وهي محاولة التوفيق بين الإسلام والحداثة فإنه لا يقدم طرحا جديدا أو عميقا في أفضل الاحوال هو ينتمي لتيار الحداثي الرئيسي مثله مثل راشد الغنوشي ومحمد عمارة‚ مساهمته الرئيسية هي مفهومه عن الواقعية العملية ــ فقه الضرورة ــ والذي يمكن تلخيصه في المقولة الشهيرة: الغاية تبرر الوسيلة‚ مفهوم الترابي الإسلامي البراغماتي سمح لحزب الجبهة القومية الإسلامية لتسعى للسلطة حتى وان تطلب ذلك انحرافا لفترة مؤقتة عن قيم الإسلام‚ لأن هذه السلطة السياسية هي التي ستأتي في النهاية بالدولة الإسلامية المثلى‚ يبدو مفهوم الترابي عن الإسلام العملي كأنه مستلهم من الفكر الشيوعي الذي يصور ديكتاتورية البروليتاريا كمرحلة مؤقتة تسبق إنشاء مجتمع خال من الطبقات‚ وكما في التجربة الاشتراكية فإن مرحلة الترابي الانتقالية تبدو وكأنها ستستمر إلى الأبد دون اثر يبدو للعيان عن الخلاص الموعود‚ في النهاية لا يملك المرء إلا أن يتساءل هل ان الترابي بدلا من استخدام السلطة السياسية وسيلة لتحقيق الدولة الإسلامية كانت نيته هي العكس تماما أي استغلال الإسلام سلما للوصول للسلطة السياسية‚ يعلق محمود محمد طه على ذلك بأن أمثال الترابي يشوشون الوسائل والغايات لأن الغاية لا تبرر الوسيلة بل يجب ان تكون الوسيلة من نفس الغاية‚
- في زيارتك للسودان هل لاحظت الدور الذي تلعبه الطرق الصوفية وسط الناس؟ كيف تقوّم ذلك الدور؟ وما تعليقك على قول البعض ان الحركة الإسلامية في السودان خرجت من معطف الطرق الصوفية؟
ــ الطرق الصوفية هي منظمات اجتماعية متنفذة في السودان لكنها عانت مثل غيرها من الفرق الإسلامية في العالم الإسلامي من مشكلة أنها باتت معزولة من مصادرها الفكرية‚ الفلسفة الصوفية الإسلامية كما وجدت مثلا في أعمال ابن عربي تحتوي على عناصر تسامح ديني‚
هناك عدة طرق للتوجه لله عدد أسمائه التي يعتقد الصوفية انها لا يمكن تحديد عددها‚ على مر القرون أصبحت الصوفية حركة دينية شعبية ضخمة تراجع فيها البعد الفكري‚ الحركات الإصلاحية انشغلت بصورة عامة بمحاولة جذب الصوفية إلى حظيرة الفكر التقليدي المحافظ أكثر من انشغالها بإعادة ربطها مع مصادرها الفكرية الأصلية‚ في الوقت الحاضر فإن الكثير من هذه الجماعات الصوفية قد اتجهت لتصبح أكثر يمينية تحت تأثير الأموال السعودية بالنظر إلى كل ذلك لا نستغرب تحالف بعض هذه الطرق الصوفية مع الجبهة القومية الإسلامية‚
- هل ترى فكر الأستاذ محمود محمد طه يمثل مرحلة من مراحل الفكر الصوفي أم انه سعي لتطوير ذلك الفكر؟
ــ أقول بكلا الرأيين طه كان صوفيا مائة بالمائة هو يؤمن أن المتصوفة هم الحراس الحقيقيون للدين على امتداد التاريخ الإسلامي‚ انهم أنصار السنة الحقيقيون داخل الصوفية‚ طه كان مجددا ومصلحا في آن كمصلح صوفي كان يرى في الطرق الصوفية الحالية جسما متفسخا وكان يريد إعادتها لمصادرها الفكرية الأصلية‚ الفكر الصوفي الأصيل يمكن ان نعثر عليه حسب الاستاذ محمود في أعمال المفكرين المتصوفة الرئيسيين أمثال الغزالي وابن عربي‚ في نواح كثيرة يبدو الأستاذ محمود تلميذا مخلصا لابن عربي‚ كثير من انتقاداته لأفكار التقليديين جاءت مباشرة من أعمال الشيخ الكبير‚ حقيقة ان أحدا لم يكتشف ذلك حتى من مناوئيه ذوي الخلفيات الصوفية وربما يكون ذلك دلالة على فقر الفكر الصوفي المعاصر‚ كمجدد حاول طه ان يوفق بين الفكرة الصوفية وعدد من القضايا الرئيسية في الحداثة الغربية تضم بعض قضايا الفكر السياسي مثل الديمقراطية وحقوق الانسان وكذلك قضايا فكرية علمية وفلسفية مثل نظرية التطور لداروين والفيزياء الحديثة‚ معظم الحداثيين يربطون تعريفهم للحداثة بالمذهب العقلي ويبحثون عن الإلهام في تيارات العقلانيين المسلمين مثل المعتزلة والفلاسفة المسلمين‚ الصوفية تعتبر دائما من قبل هؤلاء المفكرين في حالة تفسخ ويرفضونها كمضادة للحداثة‚
الحداثة الغربية تصور نفسها في شكل عقلاني لكن الواقع ان تأثير مذاهب ما قبل عصر الحداثة من مذاهب باطنية روحية عميق جدا على فكرة الحداثة الغربية بأكثر مما يميل الحداثيون الغربيون للاعتراف‚ سبينوزا وهيغل أفضل أمثلة للمفكرين الحداثيين الذين تأثروا بعمق بالمذاهب الدينية الروحية‚ وهذا التأثير منتشر بشدة ولا يتوقف على بضعة مفكرين طه وآخرين مثل محمد إقبال مثلا أيضا ينتمون للمسلمين الحداثيين الذين يدركون هذه الحقيقة ويدرسون الدلالات الحداثية في الفكرة الصوفية الإسلامية‚
- هل لك ان تحدثنا عن تجربتك مع الفكر الجمهوري وهل واجهت أية مشاكل في دراستك؟
ــ حين بدأت دراسة فكر الأستاذ محمود كنت اعتقد انه لن يكون صعبا فهم وتوصيف فلسفته اعترف بأن ذلك كان استخفافا مني‚ أفكار الاستاذ محمود كانت تأليفا متعمقا لمجموعة المؤثرات التي تعرض لها‚ لفهم هذه الأفكار ورؤيتها في سياقها يتطلب ذلك أكثر من مجرد معرفة سطحية بالتيارات الإسلامية والغربية المختلفة‚ في عصري الحداثة وما قبل الحداثة تعين علي تطوير مستوى معارفي في الفكرة الصوفية التقليدية والفلسفة الأوروبية الحديثة وأفكار الحداثة الإسلامية ولم يكن ذلك عقابا في كل الأحوال‚
|
|
 
|
|
|
|
عبدالله عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست