مقتطفات من سنوات الرعب-مهداة الى المناصير المهجريين الى المناطق نفسها وكانت حلما قبل ربع قرن

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 11:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2005, 11:12 PM

مختار عجوبة

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقتطفات من سنوات الرعب-مهداة الى المناصير المهجريين الى المناطق نفسها وكانت حلما قبل ربع قرن

    والاهداء الى عثمان ميرغني فهل سيتجاوب مع ما كتبناه عن الموضوع نفسه؟

    " العسل المكنون "

    الأربعاء 14/4/1982م

    قال لي طيف سرى ليلاً : للأعزل أن ينام ملء جفنيه… أما من يحمل السلاح فقد كُتِب عليه السهر…
    قال آخر : البقرة الوالدة أخير من البقرة الحامل…!!
    ذهبت إلى خارج المنزل وجدت شجرة "سلم" تحترق بنار كأنما قد أشعلتها أنا... أردت إطفاءها... لم أتمكن من ذلك… كنت أهيل عليها التراب… وكلما أطفأتها من جهة… اشتعلت النار فيها من جهة أخرى… تجمع أناس من داخل المنزل… يحمل أحدهم ماءاً في إناء صغير…
    قلت له : لا تطفئ هذه النار بالماء… الماء لن يطفئها…
    فقال لي : لماذا…؟
    قلت له : هذه نار القرآن… لا يطفئها إنسان…
    كنت في زيارة للشيخ "الهدي"… مررت بجوار الضريح… لا أعتقد أنني زرته بالفعل… المكان عامر بحدائق غناء ومبانٍ حديثة في جوف الصحراء… وأناس ذاهبون وعائدون… يبدو أن بعضهم غرباء على الديار… اشتريت عدداً من الكتب… شقّ علي حملها… أجّرتُ من يحملها… قابلتنا جماعات تتجه نحو النهر وقت القيلولة… اندهشت حين وضع الحمّال حمله من الكتب…
    وقال : لا أستطيع حملها… لن أواصل المشوار… نحن ممنوعون من تخطي الحدود… حدود لا يرتادها إلا أهل البلد…
    قلت له : البلد بعيد… لن أستطيع حملها… ليتني ما اشتريتها… لن أقوى على حملها ولا أستطيع تركها في العراء…
    الناس كانوا حيرى مثلي… لم أجد من يمد لي يد المساعدة… تركتها وذهبت إلى النهر… رميت "سنارتي" لصيد السمك… سمكة ضخمة علقت بالسنارة… النيل فيضان تتدافع مياهه عبر حجارة تعترض مجراه… اجتذب السمكة إلى الشاطئ عندما تهدأ مقاومتها… أرخي لها الخيط عندما تشتد المقاومة… تسحب الخيط إلى أعماق النهر… أسحبها مرة أخرى... فتطاوعني... كأنها تراقصني… عندما يتبين لها الخطر، تندفع نحو الأعماق محدثة جلبة وضوضاء حتى أكاد أيقن بأنها قد أفلتت…
    قال لي أخي عادل : دعني أنزل إلى النهر لأمسك بها وتسحبها أنت.
    قلت له : ما هكذا تُصطاد الأسماك… قد تلحق بك ضرراً… وقد تغرقك… نحن لا ندري أي نوع من الأسماك هي، ربما كانت بردة أو قرموط…
    وأنا أحاور السمكة، جاءني فجأة من يخبرني بأن زوجتي قد أنجبت ولداً، فرحت وبارك لي من كانوا حولي، أرهقتني السمكة… لا أريدها أن تفلت مني… سيغني لي المغنون المتربصون… أخي التيار يجرفه… فيخرج من النهر ويعود إليه… كان التيار عنيفاً وكان هو عنيداً… خشيت عليه من خطر التيار… فالحجارة تعترض مجرى النيل فيتضاعف تياره… فيرغي ويزبد ويزمجر… له خرير كأنه غاضب…
    خرجت من النهر خالي الوفاض، قدت سيارتي مع دكتور "جمال" وفجأة داهمني نعاس غريب… أوقفت السيارة وتركت قيادتها له… فقادها في سرعة أخافتني… كاد أن يصطدم بشاحنة وبسيارات أخرى عدداً من المرات… أوقفنا جماعة… أخذوا يتأملوننا… عرفنا بعضهم.. أخذوا يجهشون بالبكاء…
    قلنا لهم : ما حدث…؟
    قال أحدهم : "حسن" أحرق أمه ليحصل على مالها… كشفت الشرطة بشاعة الجريمة… وهو رهن التحقيق…
    قلنا لهم : ومن هو "حسن"؟
    قدت السيارة وحدي… عند ملتقى امتداد الدرجة الثالثة مع العمارات… فسحات تفصل بينهما… وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام زريبة للمواشي… فيها أبقار مهجنة… يعتقد بعض الناس أنها مزرعة حكومية تجريبية لتربية المواشي… وآخرون يعتقدون أنها مزرعة خاصة في منتصف المدينة… دخلت المزرعة متسللاً… كنت معجباً منذ طفولتي بالأبقار…
    قال لي أحد الرعاة حين اكتشف أمري : أين المفر… البقر حاصرتك وهي شرسة لا تحب الغرباء…
    طاردتني الأبقار ولم يحمني منها غير صبي صغير السن… جاء ثور يتبختر… ناعساً مغمض العينين… كأنما لا يهمه أحد من حوله… عظمته في داخله وخيلاؤه في اكتنازه… نظر إليّ نظرة جانبية بعيون مقلوبة كأن بها حول… عندما رآني ارتجف انصرف عني في خيلاء وازدراء… كدت أضحك… فجرفني التيار… إلى ساقية "وراق" سبحنا… وكانت هناك آلات وحفارات لتوسعة مجرى النيل فرقصنا مع "هدى المرشدي" في مدينة "الرباط" وفرحنا مع دكتور "الرشيد" وشربنا كؤوس نبيذ محلل مستورد… استغفرنا ودخلنا المسجد لنصلي في "الحلة"… أطال الإمام في خطبة الجمعة … ملّه الناس… أخذ يهاجم الصوفية… اندهش بعضنا… فقد أخذهم على حين غرة…
    قالوا : إنه مرتشٍ… من الذي جاء به…؟
    ساد المسجد غلاط وتوتر… انبرى له بعضنا وأمسكوا بتلابيبه… طردوه من المسجد… وتبعته أنا غاضباً… لحقوا بي…
    وقالوا : وما دخلك أنت…!؟ قد يكون موقف الإمام متعمداً وعن قناعة… وقد يكون مدسوساً من قبل الأمن ليجس نبضنا…!؟ أنت... متى أصبحت ترتاد المساجد؟
    لم أجبهم… وبحثت عن حذائي فلم أجده… ربما أخفوه عمداً… سرت للمنزل حافياً… ظن الأطفال في الشوارع أنني مجنون… شرب العسل المكنون…


    " فـاطنة العناق "
    الأربعاء 26/5/1982م
    عند مدخل " السرايا الصفراء "

    قالت لي : ما رأيك في قوم لُقب جدهم بالجعران..؟
    قلت لها : من هم..؟
    قالت لي : ألا تعرف ما المقصود بالجُعل… جدكم؟
    قلت لها : ألسواده…؟
    قالت لي : لا لخصوبته وعمله الدؤوب..!!
    الأرض… الحقول… الشارع الذي يفصل بين البيوت والنيل الأزرق… "شارع النيل"… من عند وزارة "المعارف" إلى "كلية الشرطة" ملأتها الجعارين… تطير… تزحف… إذا سرت وطأتها… إذا توقفت طارت فوق رأسي… أنشها… فلا تنش.. في ليلة خريفية ممطرة… لها بروق ورعود… تضيء الخرطوم… فيضيء "الحوش الأبيض"… هدمه "الأتراك" في غزوتهم… دمروه… خرجت الجعارين من أسفل الجدران… تزحف نحو النيل… بينها وبينه عشق قديم… النيل شاهد بين الجعران والقمر… طلب الجعران يد القمر… فقالت له نظف الأرض من أدرانها… لنقيم حفل زفاف على أرض طاهرة… لا تدنسها "عذرة" إنسان أو روث بهائم… شهدت الأرض على ذلك… شهد النيل إله الخصوبة الأكبر… الجعران طار في الهواء… نزل في الظلام… قبل بشروط القمر… يوماً ما سيعقد قرانهما… في "الحوش الأبيض"…
    قالت لي "اليزابيث مورقان": الجعران إله من أحفاد أمون الإله… ساكن الجبل… جبل البركل… وأهله الأقربين… تطهّر في ماء النيل… انظر إلى هذا الجعران جيداً… سيكشف لك أسرار الدنيا… الدنيا كلها…
    لم أكن أعرفها جيداً … التقيت بها لماماً… وعن بعد… فتحت لها باب "السرايا"… من نافذة سيارتها… مدت لي لفافة… كأنها تناولني مخدراً… أفردت اللفافة… طيات وطيات… وجدت فيها جعراناً منحوتاً… يرقد في أمان… به رسوم… يبدو أنها نقوش... كتابات على ظهره… فوق أجنحته… زوجة عمي "علي بن عوف"… "آمنة بت الحاج"… طلبت منا جمع الجعارين لها… تجففها… وتسحنها… تتناولها "سفوفة" على الريق…أنجبت سبعة من الأولاد… ومثلهم من البنات… ماذا أرادت أن تقول لي عالمة الآثار "اليزابيث مورقان"… ابنتها بالتبني "هَنّا"… لا يزيد عمرها عن أربع سنوات… تلعب مع ابنتي "هيفاء" وأبناء أساتذة آخرين… إذا تأخرت عودة أمها… حفظناها لها… لهجة "هَنّا" لهجة إثيوبية… ظننا أنها أتت بها من "دار الطفل" أو من "أديس أبابا"… لم نسألها ولم تفصح عنها "اليزابيث"… سكتنا منعاً للإحراج.. نتهامس فيما بيننا… اختفت "اليزابيث" لسبعة أيام… "هَنّا" تتناقل بيننا… تبيت مع أطفالنا… تسأل عن أمها… وتصمت… يغالبها النعاس… حرنا في غياب أمها… ظننا أنها ذهبت في رحلة أثرية… وطاب لها المقام… في الليلة السابعة… طرق باب مكتبها طلاب… يترددون عليها من قسم الآثار… وفراشون… الرائحة أزكمت الأنوف… كسروا الباب… وجدوها مكومة على أرضية المكتب… انتحرت "اليزابيث مورقان"… جاءت الشرطة… حملها الطالب "حميدان محمد" بين ذراعيه… كأنها طفلة… و"هَنّا" مع ابنتي تلعب لثلاثة أيام… ما درينا ما يمكن أن نفعله… جاءت الشرطة… شرطة مدنية مع مندوب من السفارة البريطانية… أخذوها… بكت ابنتي "هيفاء" مر البكاء… مثلها بكيت حين قالوا لي بأن "هيكوك" منقب الآثار وعالمها قد مات… صرعته سيارة ليلاً أمام بوابة وزارة "المعارف"… لم يتبينوا أمره إلا ضحى الغد.!؟
    قالت لي "اليزابيث مورقان" : إغتيل "هيكوك" كاد أن يقرأ اللغة المروية…
    قلت لها : من الذي دبر اغتياله..؟!
    هزّت كتفيها… كأنها تستنكر السؤال… علّها تتهمني بالغفلة… نظرت إليها… (معصعصة). شوتها السموم… رياح صحاري السودان وجباله… فاجأتني عندما ذكرت لي بأنه في صحراء "كورتي" في "وادي مقدم" عند "جبل الحوش" بين بئر"أم بر" و"الحزامية" يوجد تمثال في الخلاء… لا يعرفون عنه شيئاً حتى الآن… ملقى على قفاه… كاشفاً عورته في حالة انتصاب… يبدو أنه كان واقفاً… أسقط عمداً… تأتيه النساء من مشارق الأرض ومغاربها... يهاجرن إليه ليلاً… في الخفاء… في الليالي المظلمة يتمسحن به… طلباً للإنجاب… ومن أراد أن يخصب زرعه أخذ الرمال من تحته ونثرها في حقله… تمائم حبال الصوف السوداء التي تلف حول رقاب الأبقار والثيران… مسحوها على جسده… ما كان الزراع يعرفون اسم التمثال… يسمونه "الصنم أو الصنب"…
    أظن "اليزابيث" قد عاشت هناك سبع سنوات… كنا في طريقنا إلى مشروع "الرهد" مع "محمد عثمان السماني"… توقفنا في "الحصاحيصا"… نتناول شاياً في مقاهي… تطل على شارع "مدني"… وعلى النيل تذهب وتأتي "معدية" "رفاعة"… في كرسي مقابل… تراءت لي "هَنّا" أصبت بإغماءة… أخذوني إلى مستشفى "المواساة"… بقيت فيه أياماً… جاء إخوتي… أخذوا سيارتي… كانوا خجلين… لم يسألوني مباشرة… يتحدثون من حين إلى آخر عن عالمة الآثار… وعن الجعران… يلازمني في كل الأوقات… أخرجوه من جيبي عنوة… معهم رجل في جلابيب خضراء وسبحة تتدلى إلى قدميه… حافي القدمين… روائحه مسك وزعفران…كأنه "الرقيق عود السلم" مرر المسبحة على الجعران… تفتت … تناثر… كأنه سفوفة "آمنة بت الحاج عبد المنان"…
    تعجبت… هربت منهم… تسللت إلى الصحراء… في خلاء "كورتي" وجدت بعثة أثرية… وأنا طفل معي "هَنّا" وأطفال القرية… رجال البعثة ونساؤها يعملون في صمت… كأنهم غير موجودين… أجروا بعض الحفارين من الأعراب… معهم كامل مؤنهم من زاد وخيام… يجلبون الماء من النيل ليلاً … نحوم حول أطراف معسكرهم… لا نقترب منهم…
    قال لنا أهلنا : لا تقتربوا من النصارى… ينصرونكم.
    قلنا لهم : ماذا تقصدون…؟
    قالوا لنا : تكفرون… تدخلون النار.
    خفنا… ما كنا نرى طعامهم ولا شرابهم… نجمع بتلهف شديد علب السجاير الفارغة… وأعقاب السجاير… تعجبنا صور الرجل البحار… البنات يصنعن من العلب مراوح يدوية وأشكالاً جمالية أبدعن فيها… ملأت جيبي من العلب الفارغة… طاردني الخواجات… دخلوا منزلنا… معهم "اليزابيث مورقان"… بحثوا عني بين جوالات الذرة ومخازن العلف… أطلقوا حمارة أبي وأبقاره… طاردتني عالمة الآثار إلى نهر النيل… المصورون يجرون وراءنا بآلات تصوير سينمائية… غضب أبي… استرضيته… عرضوا علينا الفيلم بين الحقول…
    قال لي أبي : جعلتني مضحكة بين الخواجات… شكوتكم "لهَنّا"…
    قلت بيني وبين نفسي: من أين عرف "هَنّا"…!؟
    قالت لي أمي:عالم الغيبة والشهادة ما فضلت في العيب فرضا ناقصا...
    قال لي الأطفال:لا تأتي بالفواحش إلي ديارنا...
    أخذني شيخ عبر الضفة الشرقية للنيل إلي الجبال... وديان وكهوف موحشة... وعواء ذئاب وضباع... يشقق الظلام... يثير الرعب... ترتجف الأغنام في حظائر من الشوك تحت سفح الجبل... تتجمع... تلتصق ببعضها... نبيح كلاب الحراسة يطمئنها... من فوق الجبل رأيت- فيما رأيت- بؤرة ضوء "فاطنة العناق"... ترسلها عبر الجبال... تخترق النهر... تتجاوب "فاطنة" مع مقبلين علي الزواج... فقئت عين "فاطنة" اليمنى ركبها جني يوم عرسها... عريسها نزل إلي النهر مع شباب عند الغروب... شربوا من مائه ... غسلوا وجوههم سبع مرات... تطهروا... توضئوا... أفلت "عباس" العريس منهم... عام في النهر مليا... أخفاه الظلام... يئس الشباب... رجعوا... بكت "فاطنة"... عينها تؤلمها... تختفي... تتواري عن الأنظار... من أسماها "فاطنة العناق"؟ لا أحد يدرى… يظن أهلنا أنها من يومها "مبدلة"… بدلتها "فرحين" عمتنا… من ممالك الجان… في ليلة عرسها طلعت الجبل… ببؤرة ضوء خاطف ترسلها من عينها الوحيدة عبر النهر تترصد العرسان… لا تريد لفتاة أن تسعد بعرس بعدها… من رغب في عرس سعيد عليه أن يستأذنها حتى لا يمسه طائف من الجن… من أعوان "العناق" … هذا ما قاله "الفقرا"… قبل عرسه ، يذهب الشاب وحده في ليلة مظلمة إلي غابة "المرن"… يدخل قصر "ود النامليس" قصر مهجور… سكنته الجن… يراهم الناس في أشكال حمير… ومن ساء حظه رآهم في أشكال بيض حسان …فتبعهن… علي الشاب ألا ينشغل بما يتراءى له… وعبر دهاليز القصر الخربة ومدرجاتها… يرتقي إلي الطابق الثاني… يتجه بنظره عبر النهر إلي جبل "ابن عوف"… يصيح بأعلى صوته كأنه يؤذن في الناس: "يا فاطنة العناق... أنا فلان ود فلانة... داير أعرس فلانة بت فلانة... رضيانة ولا ماك رضيانة... ؟"
    عليه أن يردد الصياح … من قمة الجبل سترسل "العناق" بؤرة من الضوء خيطا مستقيما من شعاع يغشي الأبصار… علي العريس ألا يدع الضوء يقع علي عينيه حتى لا يجن ويفقد بصره… عليه أن يجري ويجري إلي أن يصل إلي دومة "الماشرابي" ويؤذن تحتها لصلاة الفجر … عندها سيفرح الأهل … نجى ابنهم… تزغرد النساء… يسلقون بملح وماء صراح بليلة من الذرة … يوزعونها صباحا… ولأربعين ليلة لا يخرج العروسان من خدرهما… لا تقع عليهما أشعة الشمس… ولا يمسان جسديهما بماء… من فعل غير ذلك… سلبت "فاطنة العناق" لبه واستحال طبه… بعض الناس يسمونها "أم الصبيان" … إليزابيث مورقان" تتراءى لي في كل ليلة تتجول بين "السرايا الصفراء " والنيل الأزرق"… بعين واحدة أخشى شعاعها… كأنها "فاطنة العناق"… من يوم انتحارها لم يقر لي قرار… الصمت يقتلني لم أنجز شيئا ذا بال… تبدأ المشاريع مزدهرة … تسلط عليها عينها… تحرقها… فأرى الدخان… تتبخر الآمال… تتراقص حولها"هنا "مع أطفال "السرايا" يحرسهم عمي أحمد "الحلفاوي"… كان لهم جداً... يداعب أحفاده ... لا يملهم ولا يملونه...
    قال لي هاجس فوق النيل عند الغروب:عصارة اللؤم سقيتها دون علمك... كأس آثمة... لم يكن مجراها اليمين... تتجرعها كل صباح... كأس لا تبقي ولا تذر... جوفك يحترق... تصب في عروقك الحمم من الدم ... دمك ينزف كأنه بركان ... طالع الشؤم أضاء لك سبل الضلالة ... تابعت الشيطان... تائه في ردهات الشك خلف الجبال... "فاطنة العناق"تعوي مع الذئاب... تتصيدك... لا أنت بالحي ولا بالميت... يذهب نور اليقين... تحاول الخلاص... كسر الجناح... وصلت إلي نقطة الهلاك... نقطة من غير عودة... علامتها صخرة مضرجة بالدماء... مذابح القرابين الكوشية... في معابد الشمس البعيدة... بموتك لن يبكيك أحد... سيفرح الكوشيون ويهللون... أبناؤك وزوجتك لن يفتقدوك... أصدقاؤك يتربصون بك... كنسور جارحة علي قمم الجبال ... ستشهد الجعارين والنيل مصرعك... تفيض روحك علي شطآنه...
    قال صوت آخر: بكى جيلك... من أجلك... تعال روح عن نفسك في حفل تأبين تقيمه السفارة البريطانية "لمس مورقان".
    قلت للصوت: ما لي وللحياة... هزني شوق... بكى بعضي... علي بعضي... معي... حين لم أجد أحدا يبكيني...
    في طريقنا إلي الحفل... عبرنا كوبري "شمبات" ... هاجمتنا طائرات حربية... اختفينا أسفل الكوبري... خفنا... لعل الكوبري مستهدف... قصفت الإذاعة وسجن "أم درمان"... اشتعلت حرائق ... انعقد دخان فوق رؤوسنا... طائرات غريبة الأشكال... تقوم بحركات بهلوانية استعراضية ... استباحت سماء غفل عنها أهلها... ظنها البعض محاولة انقلابية... وظنها آخرون ليبية ... أظنها روسية أو إثيوبية... لم نكن علي وئام مع كل هذه البلدان...
    قالت فاطنة العناق :طائرات "تليانية" من الحرب العالمية...
    لم أصدقها... "المبدلة"... العنقاء تطاردني في المدن... دخلنا "الفندق الكبير" علمنا أن الطائرات نقلت وفودا من علماء الآثار من كل جامعات العالم... هذا ما قاله لنا "علي عثمان"... نساء بارعات رائعات جمال يتوافدن... بعضهن مسنات... ووزراء وأفندية ... وأطباء وقضاة ومحامون مرموقون وتجار وسماسرة أراض... دبلوماسيون أوربيون وعرب وأفارقة وأمريكان... في بهو الفندق رأيت "هنا" اندفعت نحوي ... حملتها... قبلتها... أنزلتها... ذهبت مع ابنتي "هيفاء" سبحتا في النيل ليلا سويا بين الفندق وجزيرة "توتي"... أمي أعدت العشاء مع نساء الحلة للمدعوين... أهدوني أدوات كتابية... اشتروها من “الحاج عبد الله”... تشاجرت مع الشرطة ... طلبوا مني مفتاح سيارتي لتفتيشها... رفضت ... أخذوه بالقوة... أخرجوا الأدوات الكتابية و"طبقات ود ضيف الله" ... تصفحوها... غضب شيخ القرية مد لي زادا أعدته أمي... تسلطت عليه الجعارين وضوء القمر... هطلت عليه الأمطار... بللته... أفسدته...
    قال لي شيخ القرية: قبل أن تغادروا الديار... خربتموها...
    قلت له: أنا ما خربتها...
    سكت حياء… كدت أن أضيف... "خربانة من كبارها"… يا خال…
    قالت أمي : خلال الشوك… أنت "متين"عرفت أخوالك وأعمامك… ؟
    من بين حضور حفل التأبين اجتذبتني بقوة من يدي اليمني "فاطنة العناق"… صرخت… لم ينجدني رجال الشرطة … شغلوا عني بفحص كتبي… شعاع من نور عينها غشي بصري …
                  

01-06-2005, 07:09 AM

Elmosley
<aElmosley
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 34683

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقتطفات من سنوات الرعب-مهداة الى المناصير المهجريين الى المناطق نفسها وكانت حلما قبل ربع قر (Re: مختار عجوبة)

    مرحبا بك وانت تشدو بهذا الادب الرفيع عل ان يسمع
    من في اذنه صمم
                  

01-06-2005, 09:03 AM

Elnasri Amin

تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 1748

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقتطفات من سنوات الرعب-مهداة الى المناصير المهجريين الى المناطق نفسها وكانت حلما قبل ربع قر (Re: مختار عجوبة)

    اهلا وسهلا بدكتور مختار عجوبه
    مرحب بيك بيننا و حبابك الف
    النصرى امين
                  

01-06-2005, 01:34 PM

Asskouri
<aAsskouri
تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 4734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقتطفات من سنوات الرعب-مهداة الى المناصير المهجريين الى المناطق نفسها وكانت حلما قبل ربع قر (Re: Elnasri Amin)

    شكــرا يا دكتور

    واهلا بيك

    انا لا امثل المناصير وان كنت أمثل المتأثرين بالخزان ، اذ ليس كل المناصير متأثرين بالخزان فبعضهم يعيش في مواقع مختلفه داخل السودان وخارجه. وعلي كل حال اشكرك بالنيابه عنهم، وكما تعلم إن الحال واحد والناس أهل.
    صدمني الاخ عثمان مرغني بكتابته عن التعالي العرقي .. الخ فما اعرفه انا ويعرف غيري ان التمازج والتداخل في شمال السودان ( والشمال هنا تشمل الشرق والغرب) قد اكتمل بين المجموعات تماما وانتهت دعاوي القبليه ومثل هذه الامور ,وانا اعلم ( وانت واحد منهم) ان الجميع يعملون بكل طاقتهم لتحسين ظروف الاندماج مع الاهل في الجنوب حتي تضمد جراح البلد وتتوثق عري روابطها. ولكن صدمني عثمان مرغني بحديثه عن التعالي العرقي بين المناصير والشايقيه، ولا ادري من اين اتي بهذا الحديث!!!!

    مره اخري لك كل الشكر وشرفتنا بهذا الإهداء.

    وسعدت كثيرا بطلتك ومشاركتك في المنبر وكل سنه وانت طيب

    عسكوري
                  

01-07-2005, 01:04 PM

ود محجوب
<aود محجوب
تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 7643

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقتطفات من سنوات الرعب-مهداة الى المناصير المهجريين الى المناطق نفسها وكانت حلما قبل ربع قر (Re: Asskouri)

    اللهم أجعله خير
    خير إنشاء الله

    الحكاية شنو يا بروف تحرق شجرة السلم ويغلبك

    تطفيها . تشترى كتب من ساحة شيخنا(الهدى) ويغلبك تشيلها

    ((أصلو جماعتنا ديل بضاعتم تقيلة )) وكمان يا مختار بالغت البضاعة الزى دى ما بدوها شيال يشيلهه!!!!!!!!

    وبعد داك تعلق السمكة فى سنارتك تخليها فى البحر وتجى

    غايتو الخمسة فوق الإتنين أقول شنو.......
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de