دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
صور اكراهية: بعث نظرية الكيوف الطبيعية
|
صور اكراهية: بعث نظرية الكيوف الطبيعية
إن الصور الإكراهية التي ركبتها الأدبيات الجغرافية والتاريخية والأدبية القديمة للآخر،خلال القرون الوسطى، ما زالت فاعلة في التصور الثقافي العام،ومتحكمة في المخيال الإسلامي،وفي كيفية انتاجه للصور النمطية الخاصة بالشعوب غير الإسلامية.وذلك متصل بالمركزية الإسلامية ونظرتها إلى الآخر.أفرد أبو الفداء بابا في كتابه للحديث عن الزنوج في الجزء الجنوبي من الأرض،وهو ما يعرف بـ"بلاد السودان"(=علما أن الجغرافيين يتحدثون عن الزنج والسودان والأحباش والنوبييّن،وهم موزعون في الجنوب الشرقي لأفريقيا،والمناطق الوسطى والغربية منها،ثم السواحل الشرقية العليا، وأخيرا ضفاف النيل العليا،وذلك على التوالي)ولكنه منذ اللحظة الأولى يتبنى الأحكام الشائعة، فاعتماداً على ابن سعيد(= الذي يروي عن ابن فاطمة) يرى بأن السودان عراة، وهم مهملون، وأنهم كالبهائم، وعادتهم أنهم يأكلون من وقع إليهم من الناس(40)،وهم كفار،وحينما يواجه بضرورة ذكر التفاصيل، فإنه استناداً إلى ابن سعيد أيضا يجد على سبيل المثال، أن سكان أعالي النيل"مذمومون بين أجناس الحبشة،وقد اشتهر عنهم أنهم يخصون من يقع إلى أيديهم.ويدفعون ذكور الآدميين في صدقاتهم ويفتخرون بذلك" (41) .
وتبدو المعلومات التاريخية والاجتماعية والدينية ضحلة جداً في كتاب أبي الفداء، فيما يخص الآخر، ففي أحاديثه المقتضبة عن جزائر المحيط وبلاد الروم والقسم الشمالي من الأرض والهند والصين، يتجنّب الخوض في المنظومات القيمية والثقافية، ويعنى فقط بالمسافات والأسماء، وكأنّ هذه البلاد خالية من الجنس البشري، ولو انتخبنا مثالاً على ذلك حديثه عن بريطانيا، لوجدناه يعرفها بالصورة الآتية:"من جزائر البحور المتفرعة عن البحر المحيط الغربي جزيرة بريطانية في بحر برديل ،وهو البحر الخارج في شمال الأندلس،وليس بهذه الجزيرة ماء إلا من الأمطار،وعلى ذلك يزرعون، وجزائر بريطانية إحدى عشرة جزيرة،ومن الجزائر المشهورة جزيرة انكلطرة،ويقال انكلترة..وفي هذه الجزيرة مدينة ليندرس(=لندن)..وفي هذه الجزيرة معدن الذهب والفضة والنحاس والقصدير،وليس فيها كروم لشدة الجمد،وأهلها يحملون جواهر هذه المعادن إلى بلاد افرنسة، ويتعوضون به الخمر.فصاحب فرنسة إنما كثر الذهب والفضة عنده من ذلك..وفي شمالي جزيرة انكلترة وبعض شمالي بريطانية جزيرة إرلندة..وهي مشهورة بكثرة الفتن،وكان أهلها مجوساً ثم تنصّروا اتباعاً لجيرانهم"(42).ما الذي سيرتسم في المخيال عن الإنجليز سوى:استبدال الخمرة الخسيسة بالمعادن النفيسة ،والفتن، والعقائد الوثنية التي بالكاد ثلمها التنصّر؟.ولم يكن المسعودي بمنأى عن السقوط في هوة الحكم القيمي بحق الآخر، فأهل الشمال بسبب الأحوال المناخية الباردة "عظمت أجسامهم، وجفت طبائعهم، وتوعّرت أخلاقهم،وتبلدت أفهامهم،وثقلت ألسنتهم،ومَن أوغل إلى أقصى الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاوة والبهائمية. ومَن كان في الإقليم السادس فإنهم في عداد البهائم" (43).
من المعروف أن الجغرافيا الإسلامية قد ورثت عن الإغريق والفرس والهنود فكرة الأقاليم، وفكرة الطبائع، والعلاقة بينهما(44)،وهما في الجغرافية البشرية الإسلامية مترابطتان،فالموقع الجغرافي هو الذي يحدد طبائع البشر وأخلاقهم وعقلياتهم وألوانهم،فالتلازم بينهما تلازم نتيجة بسبب.إذ الظروف المناخية للإقليم حسب اعتقاد القدماء تتدخل مباشرة في تشكيل الطبائع والعادات والأشكال وطرائق التفكير والرغبات.أخذ الجغرافيون بهذه العلاقة وبنوا عليها تصوراتهم وتصنيفاتهم للأجناس البشرية.وقد نقد كراتشوفسكي خضوعها للنظريات العلمية المو######## عن الأوائل(45) وكنّا أشرنا إلى أنها وظّفت معطيات نظرية الكيوف الطبيعيّة في مجال رؤية الأخر، وقد وجِّه نقد إلى جغرافيا الأقاليم وما ترتب عليها؛ لأن التقسيم الذي تعتمد عليه تعسفي لايعطي اعتبارا للعوامل الجغرافية مثل التشابه في الظروف المناخية والثقافية والبشرية وغيرها وقد تضمنت تـكرار بـلاد مختـلفة في أكثر من إقليم (46) .
معروف أن تلك النظرية كانت تتردد منسوبة إلى بطليموس وجالينوس وأبقراط.فالأول عُدّ المرجعية الأساسية لفكرة الأقاليم،أما جالينوس وابقراط فهما الموجهان الأساسيان لفكرة الأعراق والطبائع، وربطت الجغرافية الإسلامية الفكرتين ربطا محكما،وكيّفتهما في نظرتها للذات والأخر،منذ دخول الفكر اليوناني إلى الثقافة العربية الإسلامية في القرن الثالث الهجري،وقد ظهرت لنا في مناقشة " وثيقة عمر" تجليات واضحة للفكرتين المذكورتين"فما تناهى في التشريق فهو مكروه لاحتراقه وناريته وحدته وإحراقه لمن دخل فيه، وما تناهى مغرباً أيضاً أضر سكانه؛ لموازاته ما أوغل في التشريق، وهكذا ما تناهى في الشمال أضّر ببرودته وقرّه وثلوجه وآفاته الأجسام فأورثها الآلام، وما اتصل بالجنوب وأوغل فيه أحرق بناريته ما اتصل به من الحيوان؛ ولذلك صار المسكون من الأرض جزءاً يسيراً،ناسب الاعتدال،وأخذ بحظه من حسن القسمة".ولكن الظاهرة تطورت فيما بعد واصبحت محورا أساسيا في الفكر الجغرافي،ويعنينا الجانب المتصل بالآخر منه، بعد أن رأينا كيف استقامت مركزية دار الإسلام في جانب منها عليه.من المفيد الوقوف على أمثلة دالة على مدى تحكم هذه الفكرة في مجمل الصورة التي أنتجها المسلمون للأجناس البشرية.وعلى الرغم من الترابط الوثيق بين البيئة والطبائع فالملاحظ أن الجغرافيين المسلمين خصّوا البشر باهتمامهم الرئيس .وقد كان أندريه ميكيل مصيبا حينما أكد هذه الحقيقة ،فموضوع بحث الرحالة والجغرافيين كان البشر،ووظيفة الجغرافيا البشرية عند المسلمين هي كشف علاقات دار الإسلام بالبلدان المجاورة، وتصوّر المسلمين عن شعوبها،وتصورهم عن الأرض باجمعها (47).
يربط المسعودي بين البيئة والطبائع البشرية،وينتهي إلى تثبيت نتائج وصفية غير محايدة تترتب عليها أحكام قيمة بالغة القسوة، ويحسن الوقوف على ذلك.فالأرض كما يقول أربعة أقسام عنده ، وهي:
1.شرقي مذكّر، يتصف أهله بـ"طول الأعمار، وطول مدد الملك ،والتذكير، وعزة الأنفس ،وقلة كتمان السر،وإظهار الأمور والمباهاة بها،وما لحق بذلك؛وذلك لطباع الشمس ،وعلمهم الأخبار ،والتواريخ ،والسير ،والسياسات ،والنجوم."
2.غربي مؤنّث ،يتصف أهله بـ"كتمان للسر، وتديّن وتألّه، وكثرة انقياد إلى الآراء والنِحل، وما لحق بهذه المعاني إذ كان من قسم القمر."
3.شمالي غبي ، تأثّر أهله بالبرد فـ"عظمت أجسامهم وجفّت طبائعهم وتوعّرت أخلاقهم وتبلّدت إفهامهم وثقلت ألسنتهم، وابيضّت ألوانهم حتى أفرطت...ولم يكن في مذاهبهم متانة؛ وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة.ومَنْ كان منهم أوغل في الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاء والبهائمية ،وتزايد ذلك فيهم في الأبعد فالأبعد إلى الشمال...وأما مَنْ كان خارجاً عن هذا العرض ...فإنهم في عداد البهائم ." 4.جنوبي متوحش،ضربت الحرارة أهله فـ"اسودّت ألـوانهم،واحمـرّت أعيـنهم ،وتوحّشت نفوسهم ؛وذلك لالتهاب هوائهم، وإفراط الأرحام في نضجهم حتى احترقت ألوانهم، وتفلفلت شعورهم لغلبة البخار الحار اليابس" (4 .
يقوم المسعودي بتنميط البشر حسب الأقاليم،وهو تنميط جنسي وأخلاقي وعقلي وشكلي يراد منه حبس الأجناس في طبائع ثابتة. إنها تقسيمات اختزالية تهدف إلى بسط سلسلة من الانطباعات الشائعة كأحكام نهائية يروم من خلالها إلغاء طرف وتبجل آخر، وليس تقديم وصف،وهي ليست غريبة عن الأفق التاريخي الذي تترتب فيه، كما أنها ليست خاصة بالمسلمين وحدهم،لكنها معهم اتخذت طابعا قيميا واضحا، فقبل ذلك بمدة طويلة كانت الشعوب تشكّل الصور الإكراهية لبعضها، ولم ينج أحد تقريبا من ذلك؛ فأرسطو قبل المسعودي بأكثر من ألف عام كان – في مجال العلاقة بالآخر- قد دشن لذلك بتركيز الصفات الحميدة في اليونان وحدها استنادا إلى الحجة البيئية ، قال" الشعوب التي تقطن الأقطار الباردة حتى في أوربا هم على العموم ملؤهم الشجاعة لكنهم على التحقيق منحطون في الذكاء وفي الصناعة، من أجل ذلك هم يحتفظون بحريتهم لكنهم من الجهة السياسية غير قابلين للنظام، ولم يستطيعوا أن يفتتحوا الأقطار المجاورة. وفي أسيا الأمر على ضد ذلك شعوبها أشد ذكاء وقابلية للفنون، لكن يعوزهم القلب ،ويبقون تحت نير استعباد مؤبّد. أما العنصر الإغريقي الذي هو بحكم الوضع الجغرافي وسط فانه يجمع بين كيوف الفريقين،فيه الذكاء والشجاعة معا. إنه يعرف أن يحتفظ باستقلاله وفي الوقت نفسه يعرف أن يؤلّف حكومات حسنة جدا، وهو جدير إذا اجتمع في دولة واحدة بأن يفتح العالم" (49).كان هذا التصور شائعا ، وقد ظلّ لفترة طويلة بعد ذلك مهيمنا على أفكار الجغرافييّن في العالم ، وانتقل إلى كثير من العلوم الإنسانية، وبخاصة الاجتماع، وقسّمت الشعوب حسب مواقعها من الأقاليم، واعتمده الجغرافيون والمؤرخون الإسلاميون بوصفه حقيقة أبدية.
يمايز المسعودي بين الشعوب على أسس تفترض التضاد المطلق فيما بينها، وهي : الذكورة والأنوثة من جهة، والبوهيمية والوحشية من جهة ثانية.ويلحق بالزوج الأول الشرقييّن والغربييّن، وبالزوج الثاني الشمالييّن والجنوبيبّن،وتوزيعه يقتضي التنافر التام،فالذكورة الحقة تضادّ الأنوثة حسب تصوره،وتضاد بالطبع البوهيمية والوحشية،إنها فحولة التميّز والقوة والتفكير،وعلى النقيض من ذلك تظهر الأنوثة كمنقصة لأنها سلوك معوج يقوم على الغموض والكتمان والتصديق العاطفي السريع، ثم التعلّق بشيء والتخلّي عنه،فتختلط الآراء والمواقف، وتكثر النحل، وهو يرفع من شأن الذكورة إذ يجعلها معيارا للتفوق في الطبع، ويخفض من شان الأنوثة إذ يجعلها معيارا لنقص الطبع.أما نظرته إلى الشماليين والجنوبين،فلاتستحق معاييرا بشرية،ولهذا يستعير عناصرها من عالم الحيوان البوهيمي(= البهيمة)و المتوحش ، وينضّد سلسلة طويلة من الأحكام القاسية بحقهم.
إن المسعودي يضع أمامنا تقسما بشريا وحيوانيا،فأفضل بني البشر،هم الشرقيون لأنهم ذكور في جملة طباعهم، والأسوأ هم الغربيون لأنهم مؤنثون في طباعهم،أما أهل الشمال والجنوب فهم خارج ذلك،إنهم مقيودون بقيود الحيوانات المتوحشة،والتراتب بينهم غائب إذ هم في الدرك الأخير من الحيوانية، لاتمايز عنده بين ذكور الحيوانات وإناثها،ولابين وحشيها وأليفها.مادام التصنيف يقوم على التفاضل فالمهم هو فقط منزلة الفاضل.يسبب هذا التصنيف صدمة، وبخاصة إذ يصدر عن المسعودي الذي سلخ عمره في مخالطة الأغيار،ولكنه كان جزءا جوهريا من ثقافة القرون الوسطى،كما أشرنا، وظل مستبدّا بالتفكير البشري إلى العصر الحديث، وقد وضع الفكر الغربي تمايزا لايقل قسوة عن تقسيم المسعودي بين الشعوب وإلى وقت قريب ، ولكن الفكر الغربي قلب أوصاف المسعودي،وعكس الأحكام تماما، الأقوام الشمالية هم نخبة بني البشر، وبعدهم يبدأ انحطاط الطباع بالتدريج إلى أن ينتهي بالزنوج والهنود الحمر. تفرض المركزيات قوانينها الصارمة والمغلقة على الجنس البشري،وتحجزه ضمن تصنيفات تستند إلى أسس ثقافية ، لكنها تتذرع بحجج العلم. هذه الفكرة كانت مثار اعجاب ابن خلدون-وغيره كثر- فتبناها، وجعلها الركيزة التي تستند إليها فكرته عن العمران البشري.
|
|
|
|
|
|
|
|
صور اكراهية: بعث نظرية الكيوف الطبيعية (Re: Sabri Elshareef)
|
الأخ صبري التحية لك وأنت تتنقل بناما بين أبي الفداء و عابد الجابري وسيد القمني وعبد الله علي وفاطمة المرنيسي و السمؤال محمد الحسن الشريف ذلك المتوقدالذي أعاد ظهوره الحياة لملايين القاهريين والمدنيين بالمنبر حتى لم نجد فرصةً بينهم وأتساءل كيف الحصول على ديوانه (هل) هناك طريقة؟؟؟ هل؟ دمت شمعةًَ تتوقد لتنير الطريق لا تتوقف واصل واصل واصل واصل تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
|