اتفاقية السلام يناير 2005 ومشروع الدستور أبريل 2005 في الميزان (بقلم/ الإمام الصادق المهدي)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 04:17 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-16-2005, 10:37 PM

peace builder
<apeace builder
تاريخ التسجيل: 10-17-2002
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اتفاقية السلام يناير 2005 ومشروع الدستور أبريل 2005 في الميزان (بقلم/ الإمام الصادق المهدي)

    بسم الله الرحمن الرحيم













    المحتويات
    الموضوع الصفحة
    مقدمة
    الفصل الأول: اتفاقية السلام
    1- تلبية الاتفاقية لتطلعات السودانيين
    2- دورنا في بلورة المفاهيم الواردة فيها
    3- الافتقار للشمول
    4- التناقض
    5- الصفقة الثنائية
    6- المناطق الرمادية
    7- قضايا هامة غائبة
    8- نصوص قاصرة
    9- نصوص مجحفة
    10- التدويل
    الفصل الثاني: مشروع الدستور
    عيوب مبدئية
    عيوب هيكلية
    عيوب تفصيلية


    مقدمة
    تأرجح حكم السودان منذ استقلاله بين ثلاثة نظم ديمقراطية أطاح بها:
    • ضعف التكوينات الحزبية وعجزها عن تحقيق أغلبيات مستقرة تدعم الحكومات.
    • العجز عن تحقيق التوازن في إشباع المطالب الدينية , والثقافية, والجهوية, والتنموية.
    • الانفلات النقابي الذي جعل النقابات سلماً لطموحات حزبية.
    • ضغط الحرب الأهلية المو########.
    • الاستعداد الانقلابي لدى بعض الشرائح العسكرية.
    • الجوار الإقليمي الطارد للديمقراطية.
    • الأحزاب السياسية العقائدية قليلة الإيمان بالديمقراطية كبيرة الاستعداد لاختصار الطريق انقلابيا نحو السلطة. هؤلاء المغامرون اغتصبوا السلطة وأطاحت بهم عوامل حللناها في مجال آخر.
    أما بالنسبة لنظام انقلاب " الإنقاذ " فإنه يقف اليوم محاصراً بعدة عوامل هي :
    • الجهاد المدني.
    • المقاومة المسلحة.
    • الانقسام الداخلي.
    • الحصار الإقليمي.
    • الحصار الدولي.
    • سياساته المتردية في دارفور.
    • القرارات الدولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا سيما القرارات 1590 ,1591, 1593.
    آن الأوان لنظام الإنقاذ أن يتدبر أمره ليدرك أنه اتبع سياسات حزبية فرقت كلمة المسلمين، وأكسبت البرنامج الإسلامي سمعة طاردة حتى صرنا لأول مرة في تاريخ السودان الحديث نشهد غلبة المنطق السياسي العلماني، ونسمع بظاهرة ردة مسلمين عن دينهم. كان الإسلام في مناخ التسامح والاعتدال يشهد دائماً وعلى طول تاريخ السودان ظاهرة التمدد والإقبال, ولكن التشدد جاء بنتائج عكسية.
    سياسات النظام نفرت السودانيين من وطنهم حتى شهدنا ظاهرة ازدحامهم في كل أنحاء الأرض يطلبون إعادة التوطين وحق اللجوء. كان السودانيون إذا اغتربوا يغتربون للعلاج أو للدراسة أو للوفاء بعقود عمل, لكن الأكثرية الآن ولأول مرة في تاريخ السودان الحديث تركت السودان لأسباب سياسية أو إعاشية، إن السياسات المتبعة لاسيما في دارفور فككت عرى الولاء الوطني حتى صار كثير من السودانيين يثقون في الأجنبي ولا يثقون في السوداني ويعتبرون الأجنبي هو الذي " أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" !.
    سياسات النظام لطخت سمعة السودان بتهم الاضطهاد الديني والإنساني, والثقافي. وكونت ضده لوبيات عنقودية في كل أنحاء العالم وجعلت السودان لأول مرة في تاريخه منذ الاستقلال في عام 1956م هدفاً لقرارات دولية عقابية أصدرها مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
    أفلح النظام السوداني في التوقيع مع الحركة الشعبية على اتفاقية سلام في يناير 2005. اتفاقية تفاوضا في سبيلها زهاء ثلاثة أعوام وأصدرا بموجبها مشروع دستور للسودان.
    اتفاقية ودستور ما كانا ممكنين لولا الرافع الإقليمي الكيني وأهم منه الرافع الدولي الأمريكي.
    الحرب الأهلية في السودان سبقت نظام " الإنقاذ" في 30 يونيو 1989م ولكن الذي فتح أبواب الجحيم على "الإنقاذ" في شمال السودان، وفي جنوبه، وفي دول الجوار، وفي العالم الواسع أن "الإنقاذ" حاولت فرض برنامج حزبي إقصائي توسعي أحادي على الكافة بمنطق القوة.
    لم يعِ النظام الدرس وهاهو يحاول مع حليفه الجديد فرض برنامج حزبي ثنائي إقصائي على الكافة بمنطق لا يستند في نهاية المطاف إلا على القوة.
    موقفنا..
    نحن نتحدث باسم الأغلبية المغيبة ونرحب بالسلام ونرى أن لبناته مستمدة من مبادراتنا، ولكننا نريده سلاماً عادلاً و شاملاً. كما نرحب بالتحول الديمقراطي ولكننا نريده تحولاً ديمقراطياً حقيقياً. لا نتحفظ على المكاسب التي نالها الجنوب في المساواة في المواطنة، والوحدة الطوعية، والسلطة، والثروة، كما سوف نفصل لاحقاً. لكننا نرى أن استدامة اتفاقية السلام توجب:
     أن تكون المكاسب للجنوب لا لحزب في الجنوب.
     أن يعم الإنصاف كافة الجماعات والجهات.
    لا نسعى لإقصاء المؤتمر الوطني، ولا للتعامل الانتقامي معه. ولكننا لا نقبل تستره باتفاقية السلام لاستمرار فرض اجتهاده الإسلامي الحزبي على أغلبية المسلمين، ولا نقبل اعتباره اتفاقية السلام جواز مرور للتحكم في الشمال حاضراً ومستقبلاً.
    مطالب الشعب الآن
    الشعب السوداني الآن يطالب بأربعة مطالب أساسية مشروعة هي:
     انعقاد مؤتمر قومي دستوري أو ملتقى جامع على نحو مؤتمر الكوديسا في جنوب إفريقيا (1993) وظيفته:
    o توضيح النقاط الرمادية الكثيرة التي ورد بها الاتفاق وتوجب تفسيراً قومياً ملزماً.
    o إلحاق قضايا هامة للسلام سكتت عنها الاتفاقية.
    o تعديل التمكين الثنائي المتعدي على حقوق الآخرين.
    o المصادقة على النقاط الجوهرية الصانعة للوفاق مثل تقرير المصير والفترة الانتقالية , المساواة في المواطنة وغيرها لتحويل الاتفاق من ثنائي إلى قومي ملزم للكافة.
     ضبط برنامج التحول الديمقراطي بإبرام وثيقة حقوق الإنسان وحمايتها من الإفراغ, حراسة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية, التأكد من إجراء التعداد السكاني, ثم إجراء الانتخابات العامة الحرة النزيهة المراقبة دولياً.
     تأكيد أولوية وقومية قضية دارفور وقضايا النزاع الأخرى كشرق السودان واعتبارها بنودا هامة في أجندة المؤتمر القومي.
     التعاون الإيجابي مع الأمم المتحدة والاستعانة بها حتى يؤسس السلام العادل, والتحول الديمقراطي , ومحاسبة الجناة وتعويض الضحايا.
    هذا الكتاب..
    تبيان للحقائق ومناشدة للشعب السوداني التأهب لدعم السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي, والشرعية الدولية واستخلاص حقوقه المشروعة.
    إننا نناشد كافة القوى السياسية السودانية مهما اختلفت أحزابهم ورؤاهم ووسائلهم أن يبرموا ميثاقاً وطنياً جامعاً، ميثاق سوف نعمل بوسائل الجهاد المدني لتحقيق أهدافه التي تمثل تطلعات الشعب السوداني المشروعة. ولا عذر لقاعد فالجميع وبكل وسائله مطالب بالعمل لنجدة الوطن.
    اتفاقية السلام 9/1/2005 :
    مرت حركة السلام في السودان بمراحل مختلفة آخرها الاتفاقية الموقعة بين النظام السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان في 9/1/2005. فقد اجتمع طرفا التفاوض (حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان) "في مفاوضات متواصلة في الفترة من مايو 2002م وديسمبر 2004 في كل من كارن، مشاكوس، نيروبي، ناكورو، نانيوكي ونيفاشا في كينيا". تم الوصول لهذه الاتفاقية عبر عتبات بدأت ببروتكول ميشاكوس في 20 يوليو 2002، ثم اتفاقية الترتيبات الأمنية في 25 سبتمبر 2003، ثم بروتوكول قسمة الثروة في 7 يناير 2004م، ثم بروتوكول قسمة السلطة، وبروتوكول حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان (جبال النوبة) وجنوب النيل الأزرق، وبروتوكول حسم النزاع في منطقة أبيي، وهذه الاتفاقيات الثلاث تم الاتفاق حولها في 26 مايو 2004م. ثم جداول وسائل تنفيذ الاتفاقيات في 31 ديسمبر 2004م. بحيث صارت الاتفاقية تضم حسب نص استهلال الاتفاقية: "نصوص البروتوكولات والاتفاقيات التي تم توقيعها بالفعل، مع هذا الاستهلال، الاتفاق على وقف إطلاق النار الدائم ووسائل تطبيق الترتيبات الأمنية وملاحقه والذي يمثل المرفق 1، وكذلك اتفاق بشأن وسائل التنفيذ وجداول التنفيذ الشامل وملاحقه والذي يمثل المرفق 2". وبذلك تشمل الاتفاقية الفصول الآتية:
     استهلال.
     الفصل الأول: بروتوكول ميشاكوس.
     الفصل الثاني: تقاسم السلطة.
     الفصل الثالث: تقاسم الثروة.
     الفصل الرابع: فصل النزاع في منطقة أبيي.
     الفصل الخامس: حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
     الفصل السادس التريبات الأمنية.
     مرفق1: وقف إطلاق النار الدائم والتريبات الأمنية ووسائل التنفيذ والملاحق.
     مرفق2: وسائل التنفيذ وجدول التنفيذ الشامل وملاحقه.
    الدستور..
    ومر التطور الدستوري في السودان بمراحل عديدة آخرها مشروع الدستور الذي صاغه خبراء واستعرضه فريقان من طرفي الاتفاق (مكون من سبعة أعضاء لكل فريق: 7+7)، ويحتوي على 228 مادة واقعة في ديباجة وستة عشر بابا. وتشاور حوله بدعوة من منظمة العدالة الأفريقية أربعة وعشرون قانونيا وسياسيا سودانيا في نيروبي في الفترة 18 – 21 أبريل 2005م، ودعيت للتداول بشأنه مفوضية مراجعة الدستور المتفق عليها بموجب اتفاقية السلام مكونة من طرفي الاتفاق وبعض الأحزاب السودانية في الخرطوم في 30 أبريل 2005م.
    إن اتفاقية السلام ومشروع الدستور السوداني يتناولان قضايا مصيرية هامة تتعلق بإنهاء الحرب الأهلية, وبناء السلام, وبناء الوطن في ظل التحول الديمقراطي.
    جميع أهل السودان، بل جيران السودان, بل الأسرة الدولية معنيون بهاتين الوثيقتين وهما تمثلان خريطة لسلام عادل وشامل في السودان, وتحول ديمقراطي يحقق الاستقرار في ربوعه، أو بناية هشة فوق الرمال!.


    الفصل الأول
    اتفاقية السلام

    1. تلبية الاتفاقية لتطلعات السودانيين
    انطوت اتفاقية السلام على بنود ومبادئ تلبي تطلعات الشعب السوداني المشروعة هي :
    • وقف الحرب والبشرى بالسلام العادل.
    • تقرير المصير للجنوب أساساً للوحدة الطوعية.
    • تقرير مبدأ المشاركة العادلة في السلطة.
    • تقرير مبدأ المشاركة العادلة في الثروة.
    • كفالة حقوق الإنسان كما نُص عليها في المواثيق الدولية, ومفوضية لحراستها.
    • فترة انتقالية لإرساء تجربة وطن عادل جاذب لانتماء كافة مواطنيه.
    • اعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والجهوية.
    • ترسيخ مبدأ اللامركزية الدستورية والإدارية.
    • تأكيد وكفالة استقلال الهيئة القضائية.
    • انتخابات عامة حرة تديرها هيئة مستقلة وتكون مراقبة دولياً.
    2. دورنا في بلورة المفاهيم الواردة في الاتفاقية
    إننا نرحب بهذه المبادئ والتوجهات ونعتبرها ملبية للتطلعات الوطنية المشروعة كما عبرنا عنها في الماضي مراراً. إن أدبياتنا السياسية تؤكد :
    ‌أ. أننا قدنا فكرة تأسيس الوحدة الطوعية بين الشمال والجنوب على أساس تقرير المصير وأقنعنا بذلك كافة القوى السياسية في الشمال بدءاً من لقاء شقدوم في ديسمبر 1994.
    ‌ب. أننا اقترحنا حل قضية الدين والدولة في مؤتمر نيروبي في أبريل 1993 بموجب جعل المواطنة أساساً للحقوق والواجبات الدستورية وتأكيد حرية الأديان في ظل ذلك.
    ج. أننا اقترحنا في "مؤتمر أسمرا" يونيو 1995 تضمين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في اتفاقية السلام.
    د‌. أننا بموجب اجتهادات إسلامية كانت منكرة ولكن صارت مقنعة في نطاق واسع أوضحنا :
    • أن الله هو رب العالمين طوعاً وكرهاً لكافة الموجودات, وأن تعبير السيادة تعبير سياسي يوجب المشاركة والمساءلة. لذلك النص الصحيح هو أن تكون السيادة للشعب.
    • أن الإيمان مسألة اختيارية لا تقبل الإكراه لذلك لا عقوبة لمن يمارس حقه في حرية الضمير والفكر والدين.
    • أننا اقترحنا أن تكون التشريعات المراد تطبيقها على الكافة خالية من المحتوى الديني بينما تخصص ذات المحتوى الديني في نطاق المؤمنين بها.
    هـ. كما أننا اتخذنا على طول التاريخ موقفاً إيجابيا من إنصاف الجنوب بموجب الخطوات الآتية :
    إعلان أن مسألة الجنوب سياسية ثقافية اقتصادية وليست مجرد قضية أمنية أو عسكرية وينبغي حلها بالتفاوض في مناخ حر وذلك في أبريل 1964.
    مشاركتنا الإيجابية في مؤتمر المائدة المستديرة 1965 وفي لجنة الإثني عشر 1966 وعقدنا للمؤتمر الجامع للأحزاب السياسية 1967. مما أدى للتوصية بإقامة حكم ذاتي إقليمي في الجنوب وحكومات ولائية في الأقاليم الأخرى ضمنت في مشروع الدستور الدائم 1968 المقدم للجمعية التأسيسية وكانت تمثل التحضير الذي استصحبه نظام 25 مايو 1969 وأقام عليه اتفاقية السلام المبرمة بينه وبين القوى السياسية الجنوبية في 1972.
    في مفاوضاتنا مع نظام 25 مايو 1969 وفي أدبياتنا أكدنا باستمرار أن الإنجاز الوحيد الذي حققه ذلك النظام هو اتفاقية السلام التي تأسست على تحضيرات النظام الديمقراطي السابق، وانتقادنا الوحيد كان منصباً على طبيعتها الثنائية وضرورة حمايتها بجعلها قومية.
    مشاركتنا الإيجابية في مؤتمر كوكادام مارس 1986 وموقفنا الإيجابي من مبادرة السلام السودانية نوفمبر 1988 مع التحفظ على ثنائيتها والعمل على جعلها أساساً لوفاق قومي. وقد كان. بموجب برنامج القصر الانتقالي الذي وقع عليه 29 حزباً ونقابة في فبراير 1989 وتبنته حكومة الوحدة الوطنية التي أوشكت على عقد مؤتمر قومي دستوري وافقت على عقده الأطراف الوطنية في السودان في 18/9/1989 ماعدا الجبهة الإسلامية القومية التي اختارت طريقاً حزبياً انقلابيا آخر وأجهضت مشروع السلام كله بانقلاب 30/6/1989.
    ومنذ وقوع الانقلاب وتكوين التجمع الوطني الديمقراطي كآلية للمعارضة حرصنا على عقد اتفاق سلام قبلي بين القبائل المتجاورة على الحدود الشمالية الجنوبية كما حرصنا على ضم الحركة الشعبية للتجمع وقد كان.
    وقدنا فكرة عقد مؤتمر قومي دستوري يحسم قضية الدين والدولة وبصورة تكفل المواطنة المتساوية وتحقق مشاركة عادلة في السلطة والثروة وتعترف بالتعدد الديني والثقافي.
    وقدنا فكرة أن مناخ التراضي الوطني يوجب أن تعترف الجماعات السودانية المعنية بواقع الاستعلاء الثقافي في الماضي وضرورة الاعتذار عنه لتنقية الضمائر.
    3. الافتقار للشمول:
    هنالك في منطقة شمال السودان غبائن ومطالب من جنس نوع المطالب الجنوبية متعلقة باللامركزية وبالمشاركة في السلطة والثروة. هذه المطالب تعامل معها النظام الحالي في السودان بصورة غير صحيحة مما حولها إلى قضايا قومية ثم دولية، ومن العبث إبرام اتفاق ينصف الجنوب ويغفلها لأن هذا يلهب مشاعر سكان المناطق المعنية في أنحاء الشمال المختلفة علماً بأن في السودان خمسة جهات ذات هوية تضامنية هي : جنوب – شمال – شرق – غرب – وسط. وفي السودان كذلك خمسة إثنيات مميزة : عرب – زنج – بجة – نوبيون – نوبة. هذا التنوع لم يكن التعامل معه في الماضي متوازناً مما أفرز مطالب متشابهة فيه باستثناء مطلب تقرير المصير للجنوب الذي كان نتيجة مباشرة لسياسة الإقصاء "الجهادي " التي اندفع فيها نظام "الإنقاذ" بموجب أجندته الأيدلوجية الطاردة.
    هنالك مشاكل شمالية/ شمالية، وأخرى جنوبية/ جنوبية. فإن لم تخاطب بالجدية والإحاطة المطلوبة فإنها سوف تواصل تحركاتها الاحتجاجية بكل الوسائل بما في ذلك القتال وسوف تفجر حركات جديدة مقتدية في كل ذلك بما حققته الحركة الشعبية وجيشها.
    إذا اعتبر ما تحقق للجنوب من مكاسب للجنوب كله فإن قوى سياسية ومطلبية جنوبية سوف تتطلع أن تقتسمه بالعدل وإذا اعتبر للحركة الشعبية وحدها فإن تلك القوى سوف تنازعها فيها كذلك الحال في الشمال.. مع تشابه هذه المطالب فإن الاستجابة لها للحركة الشعبية وجيشها لأنها مسلحة دون اعتبار لمطالب الآخرين بالعدل سوف يفتح مغارة "علي بابا" من انتفاضات مسلحة.
    4. التناقض:
    هنالك نصوص صحيحة في الاتفاقية أفرغها التناقض من مضمونها:
    ‌أ. أعلنت الاتفاقية أنها اتفاقية سلام شامل ولكن نصوصها المحددة خالفت هذا المعنى لتؤسس لصفقة ثنائية بين حزبين.
    ‌ب. جاء في الاتفاقية " ويوافق الطرفان على أن الشمول هو جوهر هذه الاتفاقية وإشراك المجموعات المسلحة والقوى السياسية الأخرى لتصبح جزءاً من عمليه السلام ولتقوم بدورها فيها وتساهم في صون الاتفاقية" هذا الهدف السامي يحول دونه أن المتاح للقوى السياسية والعسكرية الأخرى بموجب نصوص الاتفاقية المحددة هو الانخراط في مباركة السلطان الثنائي سياسياً وعسكرياً.
    ‌ج. جاء في نص الاتفاقية 16- 3 بالإشارة للقوات المسلحة في الفترة الانتقالية " تكون القوتان المسلحتان والوحدات المشتركة/ المدمجة قوات مسلحة نظامية, مهنية, وغير حزبية". هذا مع أن تكوينها كله حزبي حسب النصوص المحددة بل القوات المسلحة كما تنص الاتفاقية عبارة عن ائتلاف عسكري بين حزبي الاتفاقية.
    ‌د. نصت الاتفاقية على هدف صحيح هو "لا يكون هناك أي عائق قانوني على التجارة فيما بين الولايات أو على تدفق السلع والخدمات ورأس المال والعمالة بين الولايات " هذا يتناقض مع وجود نظامين مصرفيين مختلفين في البلاد.
    ‌ه. التناقض الأكبر هو أن الاتفاقية طلبت من الأمم المتحدة إرسال بعثة بصلاحيات واسعة تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة ولكن مجلس الأمن بالقرار 1590 قرر إرسال بعثة انتداب للسودان بصلاحيات أوسع مما نصت عليه بنود الاتفاقية وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. الاتفاقية عدلت تعديلاً جوهرياً قبل أن يجف الحبر على أوراقها.
    5. الصفقة الثنائية:
    في تناقض واضح مع الأهداف المعلنة قامت بنود الاتفاقية المحددة على ترسيخ صفقة ثنائية يستحيل على الآخرين قبولها اختيارياً. تفاصيل هذه الصفقة واردة في عشرين بند من البنود كالآتي:
    5-1) تشكيل مفوضية التقويم والتقدير من تمثيل مساو لحكومة السودان والحركة الشعبية والجيش والشعبي وما لا يزيد عن ممثلين اثنين من دول الإيقاد ومن دول الرباعي المراقبة ومن بلدان وهيئات أخرى يتفق عليها [ 2-4-1].
    5-2) فيما يتعلق بتقرير المصير جاء النص كالآتي: " عند نهاية الفترة الانتقالية – ست سنوات – يجري استفتاء لشعب جنوب السودان ويراقب دولياً. ويتم تنظيمه بصورة مشتركة من جانب حكومة السودان والحركة الشعبية وذلك لتأكيد وحدة السودان عن طريق التصويت لاعتماد نظام الحكم الذي تم وضعه بموجب اتفاقية السلام أو الانفصال " [ 2-5] إذن الاستفتاء عملية تخص الثنائي الحاكم وحده.
    5-3) أخطر ما في النص حول تقرير المصير هو تكريس نظام الحكم الثنائي في الفترة الانتقالية وفي المستقبل أيضاً إذا تمت الموافقة على الوحدة.. نظام انتقالي معيب ويراد له أن يكون نظام دائم للسودان.
    5-4) جاء في الاتفاقية "على أي شخص يرشح نفسه في الانتخابات أن يحترم اتفاقية السلام ويلتزم بها وينفذها " [ 1-8-6 ] هذا معناه لا حرية إلا لمن كان مؤيدا للسلطان الثنائي.
    5-5) جاء في الاتفاقية قبل الانتخابات تخصص المقاعد في المجلس الوطني على النحو التالي : [2-5-2].
    {أ} المؤتمر الوطني يمثل بنسبة 52%.
    {ب} الحركة الشعبية 28%.
    {ج} قوى سياسية أخرى من الشمال 14%.
    {د} قوى سياسية أخرى من الجنوب 6%.
    هذا معناه تكريس أغلبية ثنائية 80% تفعل ما تشاء وتجعل حضور الآخرين مجرد زينة.
    5-6) ينتخب الرئيس { رئيس الجمهورية } عن طريق الانتخابات القومية التي تجري في موعد يتفق عليه الطرفان " [ 2-3-7].
    5-7) " قبل إجراء الانتخابات تخصص المقاعد في السلطة التنفيذية القومية على نحو مماثل للنسب في المجلس الوطني " [2-5-5].
    5- المصادقة على الاتفاقية تقوم على أساس ثنائي " يرسل نص منها [الاتفاقية] إلى المجلس الوطني ومجلس التحرير الوطني التابع للحركة الشعبية للموافقة عليه في الصيغة التي ورد عليها " [ 2-12-4-1].
    5-9) الاتفاقية مقدمة على الدستور بالنص الآتي : " وفي حالة حصول تعارض {بين الاتفاقية والدستور } فان أحكام اتفاقية السلام تسود طالما ظل ذلك التعارض قائما " [2-12-5].
    5-10) التصديق على الدستور نفسه ثنائي "على إثر اعتماده من طرف كل من المجلس الوطني [النظام] ومجلس التحرير الوطني التابع للحركة الشعبية يصبح النص الدستوري الدستور القومي الانتقالي للسودان خلال الفترة الانتقالية " [2-12-7].
    5-11) قسمة السلطة التشريعية في جنوب السودان قائمة على أساس تمكين ثنائي كالآتي:[3-5-1].
    ‌أ. الحركة الشعبية لتحرير السودان ممثلة بنسبة 70%
    ‌ب. المؤتمر الوطني 15%.
    ‌ج. القوى السياسية الأخرى من الجنوب 15%.
    5-12) السلطة التنفيذية في الجنوب كذلك قائمة على أساس ثنائي [3-6-4].
    5-13) السلطة الولائية مقسمة على أساس ثنائي مماثل بحيث تعطي المؤتمر الوطني هيمنة على الشمال وتعطي الحركة الشعبية هيمنة على الجنوب. جاء في النص " يكون للمؤتمر الوطني 70% في الولايات الشمالية وللحركة الشعبية 70% في الولايات الجنوبية نسبة 30% الباقية تقسم كالآتي:
    ‌أ. نسبة 10% في الولايات الجنوبية لحزب المؤتمر الوطني.
    ‌ب. نسبة 10% في الولايات الشمالية للحركة الشعبية.
    ‌ج. نسبة 20% في الولايات الشمالية والجنوبية تشغلها القوى السياسية الأخرى الشمالية والجنوبية على التوالي [4-4-2].
    5-14) تكوين المفوضية القومية للبترول في السودان يقوم على أساس تمكين ثنائي من غير حضور للآخرين [3-03].
    5-15) الاطلاع على عقود البترول الراهنة سر محجوب على كافة السودانيين إلا حكومة النظام الحالية والحركة الشعبية [4-01].
    5-16) الأجهزة التنفيذية والتشريعية الانتقالية في ولايتي جنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق مقسمة بين حزبي الاتفاقية بلا حضور لغيرهما.
    5-17) القوات المسلحة السودانية تشكل مناصفة بين الحزبين. جاء النص كالآتي: " تكوين الجيش السوداني في المستقبل والذي سوف يشكل بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان " [ البند الأول في بروتوكول الترتيبات الأمنية ]. كذلك تكوين القوات المسلحة في الفترة الانتقالية تكوين ثنائي صارم.
    5-1 الطرفان سوف يوجهان الصحافة إعلاميا في الفترة الانتقالية. جاء النص " دون الإخلال بحرية الصحافة يوافق الطرفان على تشكيل لجنة إعلامية مشتركة عند التوقيع على اتفاقية السلام الشامل لوضع مبادئ عامة للإعلام والصحافة سعياً إلى تعزيز بيئة تشجع على التنفيذ السلمي لوقف إطلاق النار " [10-4] هذا معناه بتر حرية الصحافة لصالح توجيه ثنائي.
    5-19) القوات المسلحة الأخرى في السودان لا خيار لها بموجب الاتفاقية إلا الانضمام لإحدى القوتين المسلحتين التابعتين للحزبين [11-08].
    5-20) مجلس الدفاع الوطني مكون على أساس ثنائي بحت [17-01].
    6 المناطق الرمادية:
    فجوة الثقة بين طرفي التفاوض كانت واسعة فهما يمثلان طرفي النقيض الفكري في السياسة السودانية. كان الحوار بينهما في الغالب عقيماً. فجوة الثقة هذه أضرت بالمصلحة الوطنية في أمرين الأول: هو أن وصول الحوار لطريق مسدود في كثير من القضايا أوجب تدخل الوسطاء برأي ثالث قبله الطرفان ولكنه يحمل بذرة تناقض في داخله، هذه الحقيقة تركت حوالي عشرين بنداً من بنود الاتفاقية رمادي المعنى قابلاً لأكثر من تفسير. أما الثاني: فهو إيجاب دور كبير للأسرة الدولية في مراقبة ومتابعة وإنفاذ الاتفاقية هذا سوف نفصله لاحقا. أما هنا فإننا نستعرض البنود الرمادية وهي :
    6-1) جاء في الاتفاقية (الفصل الأول: بروتوكول ميشاكوس): يتم تشكيل مفوضية قومية تمثيلية لمراجعة الدستور خلال الفترة قبل الانتقالية تكون مهمتها الأولى صياغة إطار قانوني دستوري يحكم الفترة الانتقالية ويتضمن اتفاقية السلام [3-1-2]. هذا بينما البند (3-1-4) ينص على أنه: "يتم خلال الفترة الانتقالية إجراء عملية مراجعة دستورية شاملة" مما يعني حصر مهمة مفوضية الدستور والدستور الذي ينتج عنها في هذه الفترة على مهمة محددة. الاختلاف حول تفسير هذا البند عطل تكوين هذه المفوضية المحدد له (حسب جدول وسائل تنفيذ بروتوكولي ميشاكوس واقتسام السلطة) أسبوعين إلى 5 شهور. ثم كونت بصورة مبتورة في 30/4/2005، واتخذت لنفسها مهمة كتابة الدستور الدائم بخلاف ما ورد في الاتفاقية.
    6-2) النص [3-2-1] في الفصل الأول: بروتوكول ميشاكوس: "تكون هناك حكومة قومية تمارس المهام وتجيز القوانين كما يجب أن تمارسها بالضرورة على الصعيد القومي دولة ذات سيادة وتأخذ السلطة التشريعية القومية في الحسبان في جميع قوانينها التنوع الديني والثقافي للشعب السوداني. هل هذه حكومة مكونة بصورة قومية كما تدعي أم هي حكومة التمكين الثنائي الذي فصلته الاتفاقية ؟.
    6-3) جاء في بروتوكول قسمة السلطة النص الآتي [1-6-2-16]- (ب): تضمن بالدستور القومي الانتقالي حقوق الإنسان والحريات الأساسية المتجسدة في العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية ولا حيدة عن هذه الحقوق والحريات بموجب الدستور أو العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية إلا وفقا للأحكام الخاصة بهما ويتم ذلك بموافقة فقط من الرئاسة والبرلمان القومي حسبما هو منصوص عليه هنا في القسم 3-14-2.. هل معنى هذا النص على الاتفاقيات الدولية ثم إفراغها من مضمونها الحقوقي؟
    6-4) النص على المصالحة الوطنية غامض وخال من آلية [1-7: الفصل الثاني: تقاسم السلطة].
    6-5) اتفق على مواعيد محددة لإجراء التعداد السكاني والانتخابات العامة، ثم ألغي هذا التحديد بنص فضفاض جاء فيه : قبل ستة أشهر من نهاية الفترتين يجتمع الطرفان لتحديد جدوى الموعدين [1-8-4] و(1-8-5): الفصل الثاني: اقتسام السلطة.
    6-6) النص الخاص بوضع العاصمة مثل كسب الأشعري قابل لأكثر من تفسير لأنه ينص على قوميتها واستحقاق ذلك وخضوعها للشريعة [2-4]: اقتسام السلطة.
    6-7) الإدارة القانونية في العاصمة تركت لترتيبات فضفاضة.[2-4]: اقتسام السلطة.
    6- مفوضية مستقلة قومية للانتخابات ممثلة ومحايدة!.. الغموض يحيط بتكوينها وصلاحياتها.[2-10-1-1]: اقتسام السلطة.
    6-9) مفوضية حقوق الإنسان. كذلك يحيط بها الغموض.[2-10-1-2].
    6-10) كذلك مفوضية الخدمة القضائية [2-10-1-3].
    6-11) كذلك المفوضية القومية للخدمة المدنية [2-10-1-4].
    6-12) كذلك المفوضية القومية المؤقتة لمتابعة الاستفتاء وتضم أيضا خبراء دوليين. [2-10-1-5].
    6-13) وكذلك مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية.[2-10-1-6]: اقتسام السلطة.
    6-14) ملكية الأراضي في السودان على أهميتها البالغة في أمر الثروة القومية علقت بصورة – "يتفق الطرفان على وضع ترتيبات لحل هذه المسألة " وهي مسألة حيوية في أمر الثروة وكان ولا يزال لها أثراً خطيراً على الأمن القومي في البلاد [2-1]: الفصل الثالث: تقاسم الثروة.
    6-15) الاتفاق بشأن مستقبل أبيي مشحون بالنقاط الغامضة [1-1]: الفصل الرابع: حسم نزاع منطقة أبيي.
    6-16) النص على تمثيل قومي لولايتي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وترك التحديد معلقاً [1-1-6]: الفصل الخامس: حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
    6-17) يصوغ الطرفان مبدأ عسكريا مشتركا كأساس للوحدات المشتركة المدمجة وأيضا كأساس لجيش السودان لفترة ما بعد الفترة الانتقالية. كيف يمكن دمج قوتين مرحليا إحداهما تقوم على مبدأ جهادي قتالي والأخرى على مبدأ علماني ؟ وكيف يكون المبدأ قوميا ومؤلفاه حزبان ؟ [الفصل السادس: الترتيبات الأمنية].
    6-1 معالجة وضع القوات المسلحة الأخرى معلقة وقابلة للاختلافات.
    6-19) معالجة وتنظيم الشرطة كذلك.
    6-20) وأجهزة الأمن القومي.
    قضايا هامة غائبة:
    هذه الاتفاقية اهتمت بتفاصيل دقيقة في توزيع مقاعد السلطة وأغفلت مسائل تشكل قنابل موقوتة إذا لم تعالج بصورة وفاقية. هنالك سبع مسائل هامة كانت من أسباب النزاع في السودان ولم تحظ بالمعالجة اللازمة هي :
    ‌أ. قضية الاستعلاء والدونية الثقافية, والحاجة لبروتوكول أو ميثاق مفصل للمسألة الثقافية.
    ‌ب. قضية العلاقات البينية بين الأديان : الإسلام والمسيحية واليهودية والأديان السودانية المحلية هذه الأمور توجب ميثاقا دينيا شاملا.
    ‌ج. الثروة اقتصرت على بترول الجنوب وعلى إيرادات الضرائب وحسب وهذا فهم ضيق وناقص للثروة أغفل الثروات داخل الأراضي الأخرى. وأغفل المياه لا سيما مياه النيل.
    ‌د. هنالك شكوى من أن سياسة السودان الخارجية اهتمت بالبعد العربي وأغفلت ما سواه. وهنالك تباين في موقفي طرفي الاتفاق من العلاقة بأثيوبيا وإرتريا. وكذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية.
    هـ. التكوين والمبدأ القتالي المتفق عليه لتكون للسودان قوات مسلحة قانونية ومأمونة ترك شاغراً.
    و. أهملت الاتفاقية مسألة هامة عالجتها كل اتفاقيات السلام الناجحة وهي الاتفاق على مبادئ وآليات للتعامل مع مظالم الماضي لكي لا تؤثر سلبا على الوفاق والاستقرار.
    ز. الاتفاقية في كثير من بنودها ذكرت الالتزام بالقومية وبالشمول وبالإحاطة ولكنها أغفلت تماما تصميم آلية لتحقيق تلك المقاصد الوطنية السامية.
    7 نصوص قاصرة في الاتفاقية
    هنالك نصوص في الاتفاقية ممعنة في عصبيتها الضيقة ورؤيتها القاصرة ولا تترك للآخرين مجالا إلا الجهر بمعارضتها هي :
    أولاً: النظام المصرفي المزدوج الذي يفرض على الشمال نظاما بآلية سموها إسلامية وهي أكثر استغلالا لحاجة المحتاج من سعر الفائدة.. بالية لأنها تعامل صيغا للتبادل التجاري مثل المرابحة والسلم على أساس أنها صيغ ائتمانية وهي ليست كذلك والرأي السليم هو أن يكون في كل مصارف السودان شباكان أحدهما يعمل بسعر الفائدة والآخر بالسلم والمرابحة والشراكة على أساس أنها كلها جائزة قانونيا [وشرعا] لقد أوضحنا أن سعر الفائدة كتعويض لقيمة العملة واجب شرعا، كما أن سعر الفائدة مهم لتحديد أولويات الاستثمار ومهم لضبط حجم النقود ومهم في التعامل مع البنوك الدولية والضرورة توجبه.
    ثانيا: التكوين الثنائي لمجلس إدارة البنك المركزي كما نصت على ذلك الاتفاقية ظلم للآخرين وينبغي أن ينص على أن يكون مجلس إدارة البنك المركزي مهنياً ومستقلا.
    ثالثا: صرف مبلغ لا يقل عن 80 مليون دولار لإصدار عملة جديدة يمكن ألا يزيد عمرها عن عامين عبث لا طائل منه.
    مسألة العملة تؤجل إلى حين معرفة نتيجة الاستفتاء وإلى حين ذلك تستمر العملات المعمول بها حاليا.
    رابعا: التكوين الثنائي للقوات السودانية المسلحة في الفترة الانتقالية خطأ يهدد مصالح الآخرين ولا يحمي الأمن القومي.
    خامسا: تكوين القوات المسلحة القومية على أساس نواة حزبية ثنائية خطأ جسيم وتفريط في المصالح الوطنية ولا يمكن قبوله.
    سادسا: ترك مواعيد الانتخابات في أيدي السلطان الثنائي غير مقبول لأنهما في آن واحد الخصم والحكم.
    سابعا: صيغة الاستفتاء الحالية خطأ لأنها تبطن استمرارا للهيمنة الثنائية بعد الاستفتاء إذا جاء لصالح الوحدة. الصحيح أن تكون الصيغة المستفتى عليها هي : الوحدة على أساس عادل أو الانفصال وحسن الجوار.
    8 نصوص مجحفة:
    هنالك خمسة بنود مجحفة للغاية لأنها إذا تركت كما وردت في النص تعني تكريس دكتاتورية ثنائية ظالمة الآن وفي المستقبل لذلك ينبغي أن تواجه مواجهة شاملة هي :
    أولا: النص على حرمان الشخص أو الحزب من حقوقه في المواطنة وفي المشاركة الديمقراطية إذا لم يلتزم بالاتفاقية الثنائية. يمكن أن يطالب الجميع بالالتزام بالسلام وبالديمقراطية ووحدة الوطن الطوعية وبالسيادة الوطنية وبحقوق الإنسان وبحرية الأديان وبنبذ العنف باعتبارها ثوابت ملزمة لكل مواطن ولكن هذا لا يشمل اتفاقية عيوبها مكشوفة.
    ثانيا: إقحام ديمومة السلطان الثنائي في صيغة الاستفتاء لتقرير المصير.
    ثالثا: السماح للتلاعب بحقوق الإنسان بقيود يفرضها السلطان الثنائي.
    رابعا: تقديم ائتلاف عسكري ثنائي باعتباره التكوين القومي للقوات المسلحة.
    خامسا: ترك مسألة الانتخابات من حيث قانونها والإشراف عليها وتحديد مواعيدها لحزبين سياسيين دون غيرهما.
    9 التدويل:
    اتفاقية السلام تحت البحث اتفاقية تؤسس لحماية دولية وتمثل درجة أعلى من درجات التراجع عن مفهوم السيادة الوطنية ونحن أهل السودان قلبنا هذا التدويل لضرورات موضوعية هي :
    أولا: فجوة الثقة بين أهل الوطن التي خلقتها سياسات النظام السوداني أوجبت شاهدا ومتابعا وضامنا دوليا.
    ثانيا: عجز النظام السوداني الواضح في القيام بالمهام المعهودة للحكومة الوطنية مثل كفالة المعيشة وحماية أمن المواطنين.
    ثالثا: عدم الثقة الشائع في أوساط كثيرة في السودان مما جعلها تثق في "الدولي" أكثر من ثقتها في "الوطني".
    رابعا: اتباع السياسة الدولية نهجا نحو السودان ملتزما بالسلام العادل وبالتحول الديمقراطي وبحقوق الإنسان وبمحاسبة الجناة وبصورة جعلتها أكثر ضامنا لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية. إن دور الأمم المتحدة المنتظر هو أن تكون " حكما" محايدا بين حزبي الاتفاق وأن تكون "حكما" حقانيا بينهما وبين الكيانات الشعبية والمدنية العريضة التي غيباها.
    بعض المسئولين السودانيين يتحدثون عن السيادة الوطنية كأنها قائمة في السودان بصورتها المعهودة. هذا ليس صحيحا فالشأن السوداني على ضوء اتفاقية السلام صار مدوّلاً بموجب التفاصيل العشرة الآتية:
    10-1 الطرفان سوف يقدمان للأمم المتحدة القوائم المفصلة عن حجم ومواقع قواتهما..إلخ. (8-7).(مرفق1: وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية ووسائل التنفيذ والملاحق).
    10-2 الطرفان زائد مندوب الأمم المتحدة ينظرون في أمر معالجة المجموعات المسلحة الأخرى (11-4): مرفق1.
    10-3 المفوضية السياسية لوقف إطلاق النار بها ممثل للأمين العام للأمم المتحدة (14-2-3): مرفق.
    10-4 كذلك الأمم المتحدة ممثلة في اللجنة العسكرية المشتركة (14-6-4): مرفق1.
    10-5 كذلك الأمم المتحدة ممثلة في اللجنة العسكرية المشتركة للمنطقة (في كل من جوبا، ملكال، واو، كادوقلي، أبيي، الدمازين والكرمك): (14-7-1-1) و(14-7-1-3): مرفق1.
    10-6 طلب الطرفان في الاتفاقية أن تقوم الأمم المتحدة بدور شامل ومفصل لمراقبة ومتابعة، وإنفاذ اتفاقية السلام بموجب الفصل السادس الاختياري من ميثاق الأمم المتحدة. مجلس الأمن استعرض الطلب وتوصيات الأمين العام وقرر زيادة صلاحيات بعثة الأمم المتحدة للسودان وإرسالها بموجب الفصل السابع الإجباري [ القرار 1590].
    10-7 تمويل القوات المسلحة لجنوب السودان سيكون من مصادر خارجية.[21-1]: مرفق1.
    10-8 الشرطة السودانية سوف تخضع لبرامج تدريب وتأهيل دولية [22-5]: مرفق1.
    10-9 وكذلك سيكون نزع سلاح القوات والتسريح وإيجاد بدائل مدنية تحت إشراف دولي [24-3] و [25-2-3]: مرفق1.
    10-10 وسوف تكون عملية التنمية وإعادة التأهيل تحت إدارة دولية بموجب قرارات مؤتمر أوسلو [أبريل 2005].
    هذا كله بالإضافة للدور الدولي في توطين النازحين واللاجئين والإغاثات الإنسانية.
    ولا يخفى أن كافة عمليات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين ومشروعات السلام المختلفة مهام متروكة لجهات إقليمية خارجية أو دولية في منتجعات كينيا وأبوجا والقاهرة وانجمينا وطرابلس.
    إن ما بقي من السيادة الوطنية لأهل السودان قليل جدا.
    ختام:
    هذا ما كان من أمر اتفاقية السلام التي ينبغي أن يلم أهل السودان بما لها وما عليها استعدادا للمرحلة القادمة التي فيها نؤسس على الإيجابيات ونصحح السلبيات في مسيرة بناء السلام وبناء الوطن وبناء الديمقراطية وتحقيق التنمية والعدالة.

    الفصل الثاني

    مشروع الدستور
    المقدم من اللجنة [7 +7] المشتركة بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان

    الدستور هو أساس الحكم الملزم لكافة المواطنين، ولمؤسسات الدولة، ولأجهزة الحكم، وللمعارضة، إنه أبو النظام السياسي وأبو القوانين لذلك لا شرعية لدستور يفرضه حاكم بالقوة. الدستور الشرعي هو الذي تكتبه وتجيزه إرادة الشعب الحرة.
    ومنذ استقلال السودان تطلعت النظم الديمقراطية لكتابة دستور شرعي ولكن المغامرات الانقلابية لم تمهلها.
    النظامان الشموليان اللذان تعاقبا على حكم السودان أصدرا دستورين هما دستور عام 1973، ودستور عام 1998، دستورين عبّرا عن إرادة الحكام لا إرادة الشعب.
    مشروع دستور سبعة زائد سبعة مؤسس على دستور 1998، وعلى اتفاقية سلام ثنائية، إنه مشروع عريق النسب في الفوقية، ومهما اشتركت في مناقشته من قوى سياسية زخرفية فإن حضورها قليل التأثير، والمشروع سوف يجاز بمجلسين يمثلان طرفي التفاوض. مشروع الدستور هذا لا يرقى لمستوى النضج الذي بلغه المجتمع السوداني، ولا لمستوى المعرفة الحقوقية المتوافرة لأهل السودان، بل ولا يرقى لمستوى مؤهلات طرفي التفاوض إنه أشبه بوثيقة صلح "قروي" بين عشيرتين منه بمشروع معني بحسم قضايا مصيرية لبناء السلام والتحول الديمقراطي في بلد يعاني من عشر مواجهات قتالية، متعدد الثقافات، والجهويات، والتطلعات.
    لم ننكر التفاوض الثنائي بشأن الدستور لأنه خطوة أولى ضرورية ولكننا نستنكر الاستعلاء الثنائي الذي أوجب أن يكون ما اتفق عليه اثنان ملزم حتماً للآخرين.
    الثنائية في حد ذاتها إذا توافر الوعي وحسن النوايا مقدمة طيبة لنتائج قومية لذلك سوف نتناول نتائجها بصورة موضوعية لنبرهن كيف تجنبت المصلحة الوطنية ومهدت لاستقطابات جديدة نافية للسلام العادل الشامل وللاستقرار الديمقراطي المنشود.
    فيما يلي نُحصي عيوباً مبدئية وهيكلية وتفصيلية.
    العيوب المبدئية :
    هنالك سبعة عيوب مبدئية في النص الدستوري المقترح هي :
    أولاً: النص يدعي أنه يهدف لسلام شامل وأنه يعبر عن إرادة قومية، ولكن بنوده مع سبق الإصرار والترصد تؤسس لتمكين حزبي ثنائي.
    ثانياً: اتفاقية السلام الموقع عليها في يناير 2005 مقدمة على الدستور وملزمة دون أية مشاورة ولكن الدستور النص الثانوي ستجرى بشأنه مشاورة محدودة، أليس هذا عبثاً؟
    ثالثاً: ما هي قيمة المشاركة في مفوضية الدستور مادامت نسبة المشاركة مرجوحة ويملك طرفا التفاوض أغلبية ميكانيكية.
    رابعاً: الحكومة تعترف أنها لا تمثل كل الشمال، والحركة الشعبية تعترف أنها لا تمثل كل الجنوب ومع ذلك فان اتفاقهما ملزم للكافة.
    خامساً: كان دستور 1998 مؤسساً على مفهوم التوالي الذي وضع قيداً على الحرية السياسية، وبعد نضال أمكن إلغاء التوالي والنص على الحرية. مشروع الدستور الحالي يؤسس لتوال ثنائي جديد يمنع الحرية السياسية إلا لمن امتثل للتمكين الثنائي.
    سادساً: مشروع الدستور المقدم يقنن مقايضة إقصائية بين حزبين أمّنا لنفسيهما تمكيناً حزبياً وهمّشا الآخرين.
    سابعاً: مشروع الدستور الانتقالي مع كل عيوبه يقفز من طابعه الانتقالي ليصبح دستوراً دائماً للسودان إذا صوت الجنوبيون للوحدة، ودستوراً دائماً للشمال إذا صوتوا للانفصال. هذا هو فحوى نص السؤال الذي سوف يطرح للاستفتاء لتقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية.
    العيوب الهيكلية:
    مشروع الدستور المقدم يحوي سبعة عيوب هيكلية فكأنما 7+7 تشير للعيوب المبدئية والهيكلية !
    أولا: أفاض الدستور في عبارات الجماعية من شمول وقومية ولكنه ارتكب مخالفة غير معهودة في الدساتير هي ذكر حقوق ومصالح لحزبين بعينهما.
    ثانياً: اقترح الدستور وثيقة حقوق جامعة مانعة لبيان حقوق الإنسان ولكنه أفرغ الوثيقة من معانيها بشرط الرضوخ للتمكين الثنائي.
    ثالثاً: السودان فيه مظالم متشابهة أهمها : عدم التوازن التنموي والخدمي والشكوى من الاستعلاء الثقافي ومن المركزية ومن قلة المشاركة في القرار السياسي. مشروع الدستور خاطب هذه المظالم في بعض المناطق وأغفلها في مناطق أخرى محرضاً على الاحتجاج.
    رابعاً: اقترح الدستور تكوين مفوضيات قومية استجابة لمطلب القوى السياسية. مفوضيات ذات صلاحية رقابية ولكنه أفرغها من مهامها بإخضاعها للتمكين الثنائي السائد في الأجهزة التنفيذية والتشريعية.
    خامساً: مشروع الدستور يقفز دون مسوغ من دستور انتقالي إلى دستور دائم.
    سادساً: المجالس التشريعية خاضعة تكويناً وتوجيهاً للقيادة التنفيذية للحزبين لذلك لا تصلح لممارسة دور الرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية، ولا مجال فيها لمعارضة دستورية إنها مجرد فضول.
    سابعاً : اتفاقيات السلام تتناول تفاصيل كثيرة لا تتطرق لها الدساتير. هذا الدستور يماثل اتفاقية السلام في كثير من تفاصيلها إنه مجرد تبويب جديد لها.
    عيوب تفصيلية :
    في متن مشروع الدستور المقدم من 7+7 عدد كبير من العيوب التفصيلية أذكر أهمها هنا وعددها عشرون:
    1. البند (21 ) جاء فيه " على الدولة ابتدار عملية شاملة للمصالحة الوطنية وتضميد الجراح من أجل تحقيق الوئام الوطني، والتعايش السلمي بين جميع السودانيين " هذا نص عام متخلف عن ما ابتكرته اتفاقيات السلام الأفريقية الأخرى باتخاذ آلية ذات تكوين مستقل وصلاحيات محددة.
    2. البند ( 27) جاء فيه اقتراح وثيقة حقوق: " وثيقة الحقوق هذه هي عهد بين كافة أهل السودان وحكوماته على كل مستوى وميثاق منهم أن يستمسكوا ويحترموا ويعلموا بحقوق الإنسان والحريات الأساسية المودعة في هذا الدستور. وهي حجر الأساس للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية في السودان. وعلى الدولة ضمان واحترام وحماية وتعزيز وإنفاذ الحقوق الواردة في هذه الوثيقة. وتعتبر كل الحقوق المضمنة في الاتفاقيات والعهود والآليات الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءاً لا يتجزأ من هذه الوثيقة. هذا اقتراح جيد، إلا أن الحقوق المذكورة في الوثيقة ناقصة وفيما يلي بيان لنص شامل للحقوق المطلوب النص عليها وهي : حق العقيدة والعبادة - حق الكرامة الإنسانية - حق الحياة - حرية الرأي والتعبير والإعلام وتلقي المعلومات - حرية التجمع والتنظيم الاجتماعي - حرية تكوين الأحزاب السياسية - حرية التنقل - الحق في المحاكمة العادلة - حظر التعذيب - حظر الحجر والاعتقال - حق المساواة - حظر الرق والسُخرة - حق التقاضي - حق التعليم - حق الرعاية الصحية - حق العمل والأجر المتساوي والإضراب - حرمة الخصوصية - الحقوق السياسية - حقوق المجموعات الثقافية - حق الملكية - حق الجنسية - حقوق ذوي الحاجات الخاصة - حق الأسرة - حق المرأة - حق الأم- حق التحرر من الجوع - حقوق الطفل - حق المصابين بمرض عقلي - حق معاملة المتهم والمحكوم - حق البيئة الصالحة - حق الترفيه - حق اللجوء السياسي.
    3. البند (40 ) من مشروع الدستور يشرع لحرية التجمع والتنظيم ولكنه يناقض حرية التجمع والتنظيم الاجتماعي وحرية تكوين الأحزاب السياسية إنه يعيد العمل بمبدأ التوالي المباد وذلك في نص البند [4-2-ب ] : أن يكون لدى الأحزاب برنامج يؤيد اتفاقية السلام الشامل ويتوافق مع الدستور.
    4. البند (218 ) من الدستور يسلب المواطنين الحقوق السياسية لأنه يقول " يجب على كل من يشترك في أي انتخابات أن يحترم ويَمثُل وينفِّذ هذا الدستور واتفاقية السلام الشامل ".
    5. البند (141-2) جاء فيه : تُنشئ رئاسة الجمهورية وفقا لقانون مفوضية حقوق الإنسان مفوضية من 15 عضواً مؤهلين ومحايدين وغير حزبيين وممثلين. هذا النص غامض ومتناقض فكيف يكونون غير حزبيين وممثلين؟ الصحيح أن تُراعي المقاييس الدولية في تكوين هذه المفوضية، كما جاء في قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 20/12/1993م، جاء في هذا القرار في ضوابط تكوين هذه المفوضيات :
    ‌أ. ألا تشارك فيها الحكومة وإن شارك ممثلوها فكمراقبين.
    ‌ب. يجب أن يشمل تكوينها :
    • المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان.
    • التيارات الدينية والفلسفية.
    • الجامعات والخبراء المؤهلين.
    • البرلمان.
    والمطلوب أن تكون مستقلة في إدارتها، وميزانيتها، وقراراتها، وأن تكون مسئولة أمام البرلمان.
    6. البند (129) في مشروع الدستور ينص : تُنشئ الرئاسة هيئة تسمى المفوضية القومية للخدمة القضائية تتولى الإدارة العامة للقضاء القومي ويحدد القانون تكوينها ومهامها. هذه المفوضية ذات مسئولية حساسة جداً وينبغي النص في الدستور على الحيدة والنزاهة والتأهيل لعضوية هذه المفوضية.
    7. ينبغي الاعتراف بأن الهيئة القضائية الحالية قد تعرضت لتدخلات حزبية عزلت مئات من القضاة الأكفاء وعينت عدداً كبيراً من القضاة الحزبيين. لقد اقترح لفيف من القضاة المؤهلين المحالين للمعاش دون وجه حق آلية معقولة للإصلاح القضائي، اقترحوا : " أن تشكل لجنة من القانونيين تشمل السادة القضاة الذين شغلوا منصب قاض بالمحكمة العليا وقاض بمحكمة الاستئناف حتى 30 يونيو 1998م، وعدد مماثل من السادة المحامين والمستشارين القانونيين وأساتذة القانون بحيث لا تقل خبرتهم عن 15 عاما في أي من المجالات المذكورة" [مذكرة القضاة 5/1/2005] هذا إصلاح واجب.
    أما نصوص مشروع الدستور الحالي فلا توجب إصلاحاً قضائياً وتجعل تعيينات رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس القضاء، وجميع أعضاء المحكمة العليا وجميع قضاة المحاكم الأخرى في الشمال والجنوب خاضعة لآليات التحكم الحزبي الثنائي.
    8. نصوص مشروع الدستور المقترح فيها عثرات فنية لا تليق بالمعرفة الحقوقية السودانية :
     حشو لا يجوز في الدستور مثل ذكر أحزاب سياسية معينة وإلزامها بالدعاية للدستور والنص على أسعار البترول. وغيرها من التفاصيل التى لا ينبغي أن تكون في الدستور.
     عدم انضباط في العبارات فحينا يكون القسم الذي يؤديه الشخص المسئول للشورى وحيناً آخر للديمقراطية والمطلوب هو القسم لمعان مطابقة.
     ركاكة الإنشاء في صياغة العبارات.
    9. لا تبرح نصوص الدستور تكرر هدفا حميداً هو: العمل على جعل الوحدة خياراً جاذباً:
    ‌أ. فكرة تقرير المصير لم تدخل الأدب السياسي السوداني الحديث إلا في مطلع التسعينيات عندما أعلن نظام " الإنقاذ" هوية إسلامية عربية.
    ‌ب. اتفاقية السلام ومشروع الدستور الحالي يوجبان إخضاع شمال السودان لبرنامج المؤتمر الوطني الاسم الجديد للجبهة الإسلامية القومية صاحبة البرنامج الحزبي الطارد.
    ‌ج. نعم في السودان فهم متسامح ومستنير للإسلام والثقافة العربية يمثل رأي أغلبية أهل الشمال ويصلح لجعل الوحدة جاذبة ولكنه مصادر ومبعد بنص الدستور.
    10. نصوص كثيرة في الدستور أزالت مظالم جنوبية وكفلت للجنوب حقوقا في : الرئاسة، الوزارة، التشريع، الثروة، الخدمة المدنية، القضاء، المفوضيات المستقلة، الجيش المنفصل، الصلاحيات اللامركزية، العلاقات الخارجية وتقرير المصير. بعض هذه الحقوق مثل تقرير المصير خاص بالجنوب مراعاة لخصوصية موقفه. إنصاف الجنوب مجمع عليه بين القوى السياسية السودانية ومن جانبنا قدنا الدعوة إليه وشاركنا في النص عليه في قرارات مؤتمر أسمرا في يونيو 1995. هذا النهج ينبغي تعميقه عبر المؤتمر الجامع أو المؤتمر الدستوري وفي حضرة الجميع. أما إذا استمر نهج النظام الحالي وهو " مجادعة " كل من يحمل السلاح ومحاولة الوصول معه لاتفاق ثنائي فإن هذا النهج سوف يحرم السودان من الاستقرار ويرهنه نهائياً للمطلبية المسلحة. السلام العادل الشامل يتطلب إنصافاً عادلاً شاملاً، لا سلام بلا عدالة.
    11. المادة (214 ) جاء فيها : يُنشئ رئيس الجمهورية بالتشاور مع مؤسسة الرئاسة مجلساً للإحصاء السكاني. لم توضع أية ضوابط تكفل حيدة ونزاهة هذا المجلس.
    12. المادة (221) الخاصة بتكوين مفوضية التقدير والتقويم نص صحيح، ولكنه يتعلق بخطة مختلة في ذاتها.
    13. لم يرد نص يضبط استقلال ونزاهة المفوضية القومية للانتخابات وهي من أهم آليات البناء الديمقراطي.
    14. البند (144 [2] ) جاء فيه " القوات المسلحة القومية السودانية تضم القوات المسلحة السودانية، الجيش الشعبي لتحرير السودان، الوحدات المشتركة / المدمجة، قوات مسلحة نظامية واحترافية وغير حزبية يتعين عليها احترام سيادة حكم القانون، والحكم المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية وإرادة الشعب."
    ‌أ. منذ بداية عهد الإنقاذ تعرضت القوات المسلحة السودانية لتدخل حزبي سبب كثيرا من المظالم ولا يمكن تجاوز هذه الحقائق بلا معالجة مماثلة لما اقترحنا بشأن القضاء.
    ‌ب. كانت المفاوضات في حقيقتها بين المؤتمر الوطني من ناحية والحركة الشعبية والجيش الشعبي من الناحية الأخرى وغُيبت القوات المسلحة السودانية كطرف في المفاوضات والدليل على هذا التغييب هو عدم أخذ الفوارق الموضوعية بينها وبين الجيش الشعبي. ومهما قيل بشأن القوات المسلحة السودانية فإن افتراض المساواة الموضوعية بينها وبين الجيش الشعبي يجافي الحقائق الموضوعية.
    ‌ج. ينبغي أن يكون للقوات المسلحة السودانية حضور في المؤتمر القومي الدستوري المقترح إلى جانب الجيش الشعبي لتحرير السودان والى جانب القوى السياسية الأخرى.
    ‌د. إن التطلع لقوات مسلحة نظامية واحترافية وغير حزبية هدف صحيح بل ضروري لنجاح النظام الديمقراطي ولكن هذا لا يتحقق تلقائيا بدمج قوتين تمثلان بافتراض اتفاقية السلام جناحين مسلحين لحزبين سياسيين.
    15. المادة (191) من مشروع الدستور تكون المفوضية القومية للبترول. هذه مفوضية خاضعة لحزبي التفاوض ولا شئ في تكوينها يكفل قوميتها المزعومة.
    16. المادة (221 –[2]) جاء فيها " يعمل طرفا اتفاقية السلام الشامل مع المفوضية [ مفوضية التقدير والتقويم ] أثناء الفترة الانتقالية لتحسين المؤسسات والترتيبات التي أحدثت بموجب تلك الاتفاقية لكيما تجعل وحدة السودان الدائمة جذابة لجماهير السودان الجنوبي ". هذا التطلع يناقضه الواقع :
    ‌أ. تكريس رؤى المؤتمر الوطني في الشمال سوف يجعل العلاقة مع الشمال طاردة لكثير من الجنوبيين الذين يشعرون بأن مفاهيم المؤتمر الوطني تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية إنها تدفع بهم دفعا نحو الانفصال.
    ‌ب. تكريس رؤى الحركة الشعبية في الجنوب سوف يجعل العلاقة بالجنوب طاردة لكثير من الشماليين ويعزز آراء الانفصاليين.
    ‌ج. ادعاء اتفاقية السلام أنها اتفاقية سلام شامل دون مراعاة لمطالب الآخرين سوف يفتح حتماً أبواب مواجهات مدنية وأخرى عسكرية على طول البلاد وعرضها.
    17. التكوينات الفدرالية التي نص عليها الدستور للشمال غير متوازنة. والصحيح أن تكون في الشمال ستة كيانات فدرالية بدلاً عن 16 هي : كردفان، دارفور، شرق السودان، الوسط، الشمال، العاصمة القومية.
    18. البند (143 [1] ) جاء فيه : تنشأ هيئة عامة تسمى هيئة المظالم والتعويضات. يُرشح رئيس الجمهورية رئيسها وأعضاءها من ذوي الكفاءة والاستقامة ويعتمدهم المجلس الوطني وتكون الهيئة مسئولة لدى رئيس الجمهورية والمجلس الوطني."
    صلاحيات هذه الهيئة محدودة ولن تستطيع إفراغ ما في النفوس من مرارات شحنتها بها التعديات والمظالم لا في عهد الإنقاذ وحده ولكن منذ استقلال السودان في 1956. وكيف تكون الهيئة مسئولة أمام رئيس الجمهورية والمجلس الوطني معاً ؟ هذا دليل آخر على اضطراب هياكل هذا الدستور ! لقد كانت تجربة جنوب أفريقيا في هذا الصدد تجربة رائدة في التوفيق بين علاج آثام الماضي وآلامه، والحرص على استقرار المستقبل وتوافقه. ومن أهم إنجازات تلك التجربة معرفة حقيقة ما حدث والاعتراف به عزاءً للضحايا وحرصاً على ألا تتكرر التعديات. لذلك حرص كل المصالحين اللاحقين الاقتداء بتجربة جنوب أفريقيا في جماعيتها وفي اعترافاتها ومصالحتها، إلا ثنائي الخرطوم !.
    19. البند (201 [1] ) جاء فيه " يكون بنك السودان المركزي مسئولاً عن وضع وتطبيق السياسة النقدية. وتخضع كل المؤسسات المصرفية للنظم واللوائح التي يضعها "
    [2] " ينشأ نظام مصرفي مزدوج يتكون من نظام إسلامي يُعمَل به في شمال السودان ونظام تقليدي يُعمَل به في جنوب السودان ".
    أقول : النظام الممارس حاليا في شمال السودان مجحف بحق الإسلام لأن وسائله الائتمانية في المرابحة والسلم أكثر استغلالاً لحاجة المحتاج من سعر الفائدة. وسعر الفائدة كعائد تعويضي لتناقص سعر العملة والتضخم واجب إسلامي: (فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلمون): سورة البقرة الآية (279)، ولسعر الفائدة مهام أخرى مثل السحب دون غطاء [ Over draft ] وضبط حجم النقود المتداول، وفي تشجيع الادخار، وفي التعامل مع النظام المصرفي العالمي، وهي ضرورات لا يصلح معها نظام المرابحة والسلم وهما في الأصل آليتا تبادل تجاري للبيع والشراء لا علاقة لهما بالائتمان المطلوب للاستثمار.
    وإذا طبق ما جاء في المادة 201 في السودان وسمح بحرية انتقال الأموال كما ينبغي في بلد واحد فإن الأموال سوف تهجر بنوك الشمال حتماً !.
    20. المادة (207 ) جاء فيها " متى كان ذلك عمليا خلا ل الفترة الانتقالية يصدر بنك السودان المركزي عملة جديدة يعكس تصميمها التنوع الثقافي في السودان. ولحين إصدار العملة الجديدة بناء على توصيات البنك المركزي تظل العملات المتداولة في جنوب السودان عملات معترف بها ".
    الخطأ التاريخي هو إقدام نظام الإنقاذ على إصدار عملة جديدة في 1991 بلا مبرر فالعملات لا تخدم النظم بل هي أدوات تبادل تخدم أية نظام حسب سياساته النقدية. وقد كانت العملة السودانية في عهد الديمقراطية محايدة. لم تكتمل بعد صورة التنوع الثقافي للسودان التي يرضاها كافة أهله وهي عملية مازالت تحت التكوين، وإصدار عملة جديدة مع توقع نتائج في رحم الغيب لتقرير المصير إجراء عبثي وإنفاق للمال فيما لا طائل منه، إذ قدرت تكاليف إصدار عملة جديدة بمبلغ ثمانين مليون دولار في بلد يعج بالجياع !!.
    21. المادة (205 ) تتناول مسألة المراجعة العامة. تقارير الشفافية الدولية صنفت السودان ضمن أكثر ست دول فساداً في العالم وما برحت تقارير المراجع العام في السودان تدون مبالغ كبيرة مختلسة اختلاساً يزداد عاما بعد عام. لذلك ينبغي وضع مقاييس صارمة لاختيار المراجع العام وضبط آليات المراجعة وتحديد آليات للتعامل مع تقارير المراجع العام ومساءلة الفاسدين.
    جرى مؤخرا في السودان تعديل لقانون المحاسبين القانونيين بصورة أخضعت هذا المرفق للحكومة. هذا الإجراء أساء لمهنة المحاسبين القانونيين في السودان وأودى بأهليتها لعضوية مؤسسة المحاسبين القانونيين الدولية. ينبغي النص في الدستور على إصدار قانون يكفل استقلال مهنة المحاسبة القانونية.
    22. البند (222) من الدستور يجعل من دستور الفترة الانتقالية دستورا دائما للسودان في حالة تصويت شعب الجنوب لصالح الوحدة ويجعل منه دستوراً دائماً للشمال في حالة انفصال الجنوب إنه يضع شمال السودان في قبضة المؤتمر الوطني، هذا هو نص المادة المُصادِرة لحرية الشمال والجنوب في حالة الوحدة والمُصادِرة لمصير الشمال في حالة الانفصال!
    تنُص المادة : على جماهير جنوب السودان إما :
    أ‌. تأييد وحدة السودان بالتصويت بإقرار نظام الحكومة المنشأ بموجب اتفاقية السلام الشامل وهذا الدستور. أو
    ب‌. التصويت للانفصال.
    23. المادة (226 [6] ) في مشروع الدستور تنص على استمرار هذا الدستور المعيب في شمال السودان وحده. هذا البند من الدستور يدق المسمار الأخير في نعش العدل، واحترام الحق الدستوري، والعقل السوداني لأنه يفرض وصاية ثنائية على كل أهل السودان إذا صوت الجنوبيون للوحدة، وصاية في الفترة الانتقالية تمتد للمستقبل فإذا اختار الجنوبيون الانفصال فإن على الشمال التسليم لطغيان المؤتمر الوطني وأطروحاته الحزبية الضيقة. والسلام لا يؤسس إلا على العدالة: لا سلام بلا عدالة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de