بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !!

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 08:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد عكاشة(محمد عكاشة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-14-2009, 09:09 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !!

    ابوداؤؤد فى ذكراه
    ______________
    محمد عكاشة
    _____________
    [email protected]


    هذه الايام تجدنى فى حالة شدو جميل وشجن بمرور ذكرى الفنان عبدالعزيزمحمد داؤؤد وقد منحت اذاعة البيت السودانى اف ام 100 الناس دفقات من تجربة وجمال الراحل الكبير ثم يشجونى بسيرته واغنياته الصديق عمران ابن الفنان ابوداؤؤد وهو يضيء لى كل يوم ناحية فى شخصية أبيه وانسانيته ورحابته واشعاعه على من حوله بروحه الجميله وقفشاته الذكية ...
    ولد ابوداؤؤد فى مدينة بربر عام 1922م وأتم حفظ القرآن الكريم فى خلوة الشيخ الصادق وكان لحذقه ونبوغه وقدرته على الحفظ والاستذكار أن دفع به والده الى المدرسة والتى نبغ بها وأبرز خلالها موهبة فى مجال الخط والرسم وتلحين الاناشيد والمحفوظات المدرسية مما حدا بأساتذته التنبؤ له بمستقبل فى دروب الفنون وكان الى جانب ذلك يغدو عقب اليوم الدراسى الى مقام الطريقة التجانية والسادة الاحمدية يرهف سمعه الى أذكارهم وأماديحهم ثم يترنم بها ليسمعه أقطاب الاحمدية ويدعونه على صغره لتلاوة الاوراد والمديح فى حلق الذكر وحضراتهم ....
    ثم تلمس ابوداؤؤد بحسه وذائقته ورغبته الملحة طريقه الى اغنيات سرور وكرومه وزنقار ليقوم بالغناء ينشغل به حتى تم طرده من المدرسة بسبب ذلك لينتقل الى السكة حديد ليعمل (محولجى ) وبعض وقته يبذله للاهتمام بالغناء وممايحكى عن فرط اهتمامه بالغناء فى ذاك الوقت الباكر ان قطع المسافة بين بربر وعطبرة راجلا لحضور حفل للفنان زنقار حيث بلغه وقد انتهى حفله سوى أن زنقار سمعه وحثه على المضى فى طريق الفن ليفعل ابوداؤؤد ويلمع نجمه شيئا ما حتى انتقل الى العاصمه وقدالتقى قبل دخوله رحاب الاذاعة السودانية الفسيح ..التقى فى مدينة الابيض الموسيقار برعى محمد دفع الله فى تجربة فريدة من الالحان والاغنيات وثنايئة ملحمية وحداء جميل لتستمر المسيرة معه وآخرين لتبلغ عدد اغنياته المسجلة فى الاذاعة (210) اغنية
    ......
    اذاعة البيت السودانى ويوما ما (حاتكتل ليها زول) الاذاعة بكوكبة مبدعيها قدمت احتفاء بذكراه بديعه وخصوصا صديقنا البحاثة..العلامة فى مجال التراث والثقافة والفنون السودانية الاستاذ عوض بابكر بماقدمه من سرد وتحليل وقراءات حول تجربة عبدالعزيز داؤؤد
    شكرا جميلا

    ____________________________________
    الملف الثقافى صحيفة السودانى الجمعه15اغسطس 2009
                  

08-14-2009, 09:32 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)


    25 سنة على رحيل .. عبدالعزيز محمد داؤود

    فى مساء السبت الرابع من اغسطس 1984 رحل عبد العزيز

    مرت 25 سنة على رحيله

    لا استطيع العبور على ذكرى رحيله دون التوقف.. نتوقف لنستعرض سيرة هذا الهرم

    .....

    عبدالعزيز محمد داوؤد”

    ولد عبد العزيز محمد داؤود في مدينة بربر في عام 1922 وتلقي تعليمه في احدي خلاوي بربر.

    ثم انتقل الي المدارس الاولية , توفي والده وتركه صغيرا فعمل بالتجارة ولكن كان الغناء يجري في دمائه منذ نعومة اظافره , فقد كان

    صاحب صوت جميل عزب صقلته تلاوة القرآن فزادته حلاوة وقد لاحظ ذلك شيخه في الخلوة فعلق علي صوته بانه جميل وسوف يكون له شأن كبير غني

    في ذلك الوقت في ختان احد اصدقائه وعندما سمع شيخه بذلك فصله من الخلوة فكانت تلك بدايته حيث انه اتجه الي مجال الفن , كان يستمع

    الي كبار الفنانيين آنذاك مثل كرومة وسرور و الامين برهان و زنقار حتي تأثر بهم .

    ثري الفنان عبد العزيز محمد داؤود الحياة الفنية بروائع اغاني الحقيبة و اغانيه الخاصة وعشقه الكثيرون من ذوي الذوق الرفيع , بني

    عبد العزيز محمد داؤود مجده الغنائي , علي قصائد انشأهن عوض حسن احمد مثل (فينوس) ثم جأت (صغيرتي) ثم (هل انت معي )

    للشاعر المصري محمد علي احمد واسهم عبد المنعم عبد الحي في ذلك العقد المتلالي بقصيده ( لحن العزاري) . وبازرعة ( صبابة) وحسين

    عثمان منصور (اجراس المعبد) ولا بد اننا نؤمن اليوم ان عبد العزيز داؤود قد اجاد الغناء بالعامية و الفصحي كليهما .

    تعامل عبد العزيز مع الكثير من الملحنين و الشعراء الا ان اكثر من ارتبط اسم عبد العزيز به كان الاستاذ المرحوم برعي محمد دفع الله و

    الاستاذ بشير عباس عازفي العود المجيدين.

    رحل ابوداؤود ولم يترك غير هذا التراث الضخم وهذه السيرة العطرة وماتزال قفشات ابوداؤود ونكاته تثير البهجة في نفوس كل السودانيين

    ومازال ابوداؤود يطرب كل من عشق وعرف معني التطريب و مابرحنا نسمعه يقول (مناي في الدنيا قبل الرحيل اخلي العالم طربا يميل) …

    غني ابوداؤود للعديد من عمالقة الشعراء السودانيين نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر : محمد البشير عتيق ..ود الرضي ..محمد علي

    احمد …محمد احمد سرور …صالح عبد السيد (ابو صلاح) .. كرومة ..عمر البنا …ابراهيم العبادي …محمد محمد علي ..خليل فرح ..بازرعة ..علي

    المساح ..عبد المنعم عبد الحي ..سيد عبد العزيز ..عبيد عبد الرحمن ..عوض حسن احمد .. احمد محمد اسماعيل ..حسين عثمان منصور ..احمد

    فلاح ..عبد الرحمن الريح .. الطاهر محمد عثمان .. عبد القادر ابراهيم تلودي .. محمد يوسف موسي .. عثمان محمد داؤود ..علي ابراهيم ..

    مكي السيد .. محمد الزبير رشيد .. الزين عباس عمارة .. فضل الله محمد .. اسحق الحلنقي .. الصادق الياس .. نعمان علي الله .. ايوب

    صديق .. موسي حسن .. حسن محمد حسن .. اسماعيل حسن .. عوض احمد خليفة .. مبارك المغربي .. حسن التني .. احمد عبد المنطلب

    (حدبـــــاي ) .. احمد ابراهيم الطاش عبد الله النجيب ..

    حسب احصائية اذاعة امدرمان يبلغ عدد الاغاني المسجلة رسميا بمكتبه الاذاعة 186 اغنية , منها 31 اغنية من اغاني الحقيبة و 45 لحن

    للموسيقار برعي محمد دفع الله ثم عدد من التسجيلات و الاناشيد و المدائح النبوية و الابتهالات وعددها اكثر من 49 عمل و في مجال الاناشيد

    الوطنية فله اكثر من 35 نشيدا وطنيا و ايضا له اكثر من 20 مقابلة ولقاء اذاعيا مختلفا هذا بالاضافة الي عدة تسجيلات في ترتيل القران

    الكريم .. اكثر شاعر تغني له الراحل هو الشاعر الطاهر محمد عثمان شاعر عطبرة وهي مسقط رأس عبد العزيز محمد داؤود.

    غني اول اعماله للراحل محمد علي عبد الله (الامي) و الحان الراحل برعي محمد دفع الله رائعه ( زرعوك في قلبي ) .


    نواصل
    (عدل بواسطة اسيا ربيع on 06-08-2009, 01:06 ص)
                  

08-14-2009, 09:41 PM

الرشيد ابراهيم احمد
<aالرشيد ابراهيم احمد
تاريخ التسجيل: 02-27-2009
مجموع المشاركات: 845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    أم در وأعودا

    أشوف نعيم دنيتي وسعودا .. إمتى أرجع لأم در وأعودا
    إمتى تلمع بروق رعودا .. وحظوظي تنجز لوعودا
    روحي ضاعت من نار وعودا .. ولي هوّن ربي عودا
    أشوف حبيبتي وأنظر خدودا .. عساها ترحم تكون ودودة
    مسامعي تسكر من ردودا .. بتطفي ناري الفاتت حدودا
    أشواق كتير الدموع شهودا .. وللمنام العيون زهودا
    في الهجر روحي ضاع مجهودا .. ولم تزل حافظة لعهودا
    أبواب لقاها أم خدود موصودة .. نار الغرام في الفؤاد محصودة
    مناي ومنية روحي ومقصودها .. أشوف رشيم يضوي بين فصودا


    ود عكاشه ليك التحيه وانت تخوض في هذا الجمال وللراحله الرحمه
                  

08-14-2009, 10:00 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: الرشيد ابراهيم احمد)

    ياسلاااام
    الرشيدابراهيم
    ابوداؤؤد فنان نسيج وحده
    برجاء قدر المستطاع نشر ماتقدرمن اغنيات
    محبتى
                  

08-15-2009, 05:11 AM

الرشيد ابراهيم احمد
<aالرشيد ابراهيم احمد
تاريخ التسجيل: 02-27-2009
مجموع المشاركات: 845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    سيبوني بس
    سيبوني بس على بلوتي .. لمين أقدم شكوتي
    ما بين صحاي ونشوتي .. وما بين أماني وروعتي
    من العيون الساحرة .. حسن الخدود الناضرة
    شفت الهلاك فيهن قريب .. يوم الوفا كان يوم عجيب
    صدّع عزيمتي وقوتي
    ملكت تصرف ذاكرتي .. وشعري وشعوري وزكرتي
    بيك الجمال سما وأفتخر .. يا رمز السعادة المدخر
    ياما فيك مناظر شيقة .. وآيات محاسن ناطقة
    هويتها بس لمضرتي
                  

08-15-2009, 07:38 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: الرشيد ابراهيم احمد)

    ناذر الخليفة لو رفع لينا اغنية يكون ممتاز
                  

08-15-2009, 10:24 AM

Asaad Alabbasi
<aAsaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    أخي عُكش بقدر إشتياقي لزمان أبوداؤود بقدر ما أنني أشتاق إليك وللشيخ لشمس الدين والشيخ منير وكل السلف الصالح.
                  

08-15-2009, 01:06 PM

ناذر محمد الخليفة
<aناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: Asaad Alabbasi)

    !!!!

    Quote: ناذر الخليفة لو رفع لينا اغنية يكون ممتاز


    والله يا عكاشة إلا أرفعا ليك في ضهرك ..!!

    إنت ما عارف أكواد المنبر معطلة من زمن أخر إجتياح للهكر ؟!!
                  

08-15-2009, 01:33 PM

Asaad Alabbasi
<aAsaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: ناذر محمد الخليفة)

    والله يا ناذر صدقت عندما قلت في بوست سابق: مشيت لمحمد عكاشة عشان يربط لي الكرفتة قال لي: والله أنا برضو عربي ساكت..! تحياتي لك أخي ناذر لقد أعجبني جداً طرحك القوي والجرئ في صحيفة دنيا الحوادث عن إهمال وتقصير إحدى المستشفيات الخاصة وقد كانت لغتك رصينة. حمدلله على سلامة المدام.
                  

08-15-2009, 01:42 PM

ناذر محمد الخليفة
<aناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: Asaad Alabbasi)

    أستاذ أسعد ..

    شكرا لك ولإطرائك .. ما كتبته عني وسام وقلادة على صدري سأحتفظ بهما ما حييت ..!!

    Quote: وللشيخ لشمس الدين والشيخ منير وكل السلف الصالح.


    بالله سلم لي على (السلف الصالح) ديل
                  

08-16-2009, 03:22 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: Asaad Alabbasi)

    مولانا أسعد
    تحيات نواضر من السيد شمس
    ومن منير
    محبتى
                  

08-15-2009, 02:57 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: ناذر محمد الخليفة)

    Quote: والله يا عكاشة إلا أرفعا ليك في ضهرك ..!!

    إنت ما عارف أكواد المنبر معطلة من زمن أخر إجتياح للهكر ؟!!

    عشان تآاامن ..عربى ساى
    شكرا ياودالخليفة وبقية السلف ديييك
    ادينى الو لولقيت فرقه
                  

09-20-2009, 02:50 PM

محمد ابو القاسم
<aمحمد ابو القاسم
تاريخ التسجيل: 03-22-2005
مجموع المشاركات: 690

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: ناذر محمد الخليفة)



    التحية عبدالعزيز محمد داؤود في ذكراه
    وحقيقي انا احبة بوله لدرجة اني اصبحت لا اسمعة حفاظا علي حالتي النفسية

    ولك مني هذا الاغنية يا صديقي عكاشة من مكتبة الاذاعة
    وناذر الاغنية دي من ظهر الاذاعة
    مع ودي وسلامي
    محمد ابوالقاسم
    وتمتد الرؤيا بعد الرؤيا الي الابد
                  

08-15-2009, 02:19 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: Asaad Alabbasi)

    Quote: أخي عُكش بقدر إشتياقي لزمان أبوداؤود بقدر ما أنني أشتاق إليك وللشيخ لشمس الدين والشيخ منير وكل السلف الصالح.

    مولانا أسعد
    التحيات الزاكيات..الناميات
    وبعد
    وماتنسى بقية السلف..كرم وياسر وعمده
    نلتقى
                  

08-15-2009, 03:45 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    كلمة بروفسور على المك منقوله من بوست الاخت اسياربيع
    ______________________
    البروفيسور علي المك ينعي صديقه عبدالعزيز محمد داؤود‎ ‎

    الإهداء‎
    إلى حليمة سليمان أمي‎
    أنها كانت تنشد المديح النبوي‎
    ترانيم في‎ ‎أشغال يومها‎

    والى الشيخ محمد علي المك‎
    أنه أدخلني في‎
    فراديس لغتنا‎ ‎الجميلة‎....

    ثم إلى خالي علي سليمان‎
    فقد تعلمت منه‎
    كيف يكون العيش‎
    في أم درمان صبابة‎...

    مولد زهرة الروض الظليل

    مساء السبت الرابع من أغسطس 1984م مات عبدالعزيز‎ ‎محمد داؤد، كان بدأ رحلته في طريق ‏الأبد مساء الجمعة، وانطلق الموت يلهث إلى قلبه‎ ‎الكبير، فمصير القلب الكبير إلى لهاث، وارتاح ‏الموت حين أسكته، لم اصدق كل ما حصل،‎ ‎وبعضه قد شهدت، ولم اصدق، في يوم الجمعة التي ‏بدأت فيها رحلة الموت كنت مدعواً في‎ ‎بيت أحد الجيران، والدعوة غداء والنهار حار ومضجر، لا ‏اعلم، تباطأت شيئاً، ولكني‎ ‎ذهبت علي كل حال، وجدت خلقاً كثيرين، كان منهم أحد المغنين، ودأبه ‏كان تقليد أداء‎ ‎عبدالعزيز، ولكنه بون شاسع، قال يبدي تظرفاً امقت صنوفه (صاحبك صوته خف) ‏قلت بحدة‎ (‎صاحبي منو؟) قال (عبدالعزيز داؤد) قلت ساخراً (ما هو أنت موجود!) ضحك القوم ‏ضحكاً‎ ‎كثيراً، تشاءمت، أكلت في عجلة، عدت للبيت، وحدي كنت، وفي التلفزيون وجدت ألواناً من‎ ‎مسابقات الأولمبياد في لوس انجيلاس، لم تفد حالتي كثيراً، اعرف الاكتئاب النفسي‎ ‎يقيناً، كنت لا ‏اعلم من أمره، الاكتئاب، كبير شيء، ولكن الأزمنة الصعبة، والتمرس‎ ‎بمقابلة المكاذبين يبدون، ‏أول أمرهم، براءة أطفال، هد من صلابة النفس ونقائها‎ ‎كثيراً. عرفت الاكتئاب إذن. يقيناً. والجمعة ‏‏3 أغسطس كان يومه‏‎.

    وحين بدأت شمس النهار بالإخفاق أبصره حيث كنت في‎ ‎البرندة، سمعت حركة أقدام، ثمة من ‏يصفق، نهضت من موقعي، فتحت الباب، أمامي كان‎ ‎عثمان محمد داؤد، أحييه في حماسة، ثوان ‏وتخال دهوراً، لعله كان يود يختزل مجاملات‎ ‎التحية الطويلات ليقول لي شيئاً أهم كثيرا من ‏مجاملات السلام. توقف السلام، قال‎ (‎صاحبك جه من الأبيض عيان جداً) تركت التلفزيون يحفل ‏بالعدو والملاكمة والسباحة‎ ‎وانطلقت معه نبحث عن طبيب، وعدنا صديق طبيب أن يتبعنا، ذهبنا ‏إلى الخرطوم بحري، ما‎ ‎أنكرنا حي الدناقلة، كان بي حفياً منذ أن جعلته وطن الوجدان يكون في دار ‏عبدالعزيز،‎ ‎ذلك كان في أخريات الخمسين، جسر مطمئن علي الخور يفضي إلى زقاق فيه دار ‏عبدالعزيز،‎ ‎لا اعلم لماذا تفرست في معالم الجسر الصغير في ذاك الموعد من ذاك اليوم ولأول ‏مرة‎! ‎فوقه حصى، وعليه مع الحصى تراب، وكان يضايق السيارة انه علي حافي الجسر تكون ‏دائماً‎ ‎مجموعة صبيان، أقدامهم تزيد ضيق الجسر ضيقاً تخال أحياناً، إن أقدامهم تدعو إطارات‎ ‎السيارات أن تدهسها، تارة ينهضون من مجالسهم برمين، وأحياناً بذوق حسن، في ذاك‎ ‎الموعد ‏من ذاك اليوم لا صبيان ولا أقدام صبيان، ليس هناك من شيء علي الجسر إلا‎ ‎الحصي وإلا التراب، ‏صرنا إلى البيت، ثوان وتخال دهوراً، بعد الباب المضياف، وجه‎ ‎عبدالعزيز، كان جالساً علي ‏كرسي، اسند ظهره علي وسادات، تعبن علي قليل من راحة‎ ‎يحتاجها قلب متعب مجهد، مرهف، ‏أنفاسه تجعل من جلابيته شراعا تعبث به الريح وتنفخ‎ ‎فيه، لا تسعفه الأنفاس المبهورات، لم يتعود ‏هذا الإنسان الرائع أن يصمت، هش لي وبش،‏‎ ‎وضعت اكتئابي بين يديه، دأبي منذ أن عرفته، ‏يعرف ما يضايقني قبل أن أبوح به، نظر‎ ‎إلي، ضحك ضحكاً صافياً هزم به الأنفاس المبهورات قال ‏‏(أنت لسع محافظ علي جلابيتي‎ ‎الجبتها ليك؟) ضحكت بصفاء جعل الاكتئاب المر يتساقط من خيوط ‏الجلابية، يغادر نفسي،‎ ‎جلست انظر إليه، تذكرت لحظتها زماناً في الستين وكنت اعد نفسي للسفر ‏للدراسة في‎ ‎أمريكا. جاءني عبد العزيز وأهداني جلابية زرقاء اللون وفصلتها وحملتها معي، وحين‎ ‎عدت إلى الوطن سألني؟ ماذا أحضرت معك، إن شاء الله جلابيتي رجعت معاك؟) ضحكت، قلت‎ ‎‎(‎والله يا أستاذ كل الجبته معاي اسطوانات وفونوغراف) قال (بس! مرحب الغاب وجاب‎)!

    قبل عصر الجمعة ذاك، بأسبوع أو نحو أسبوع،‎ ‎زرته في البيت، أوان لمنيب، كانت الحمى قد ‏استقرت بجسده، ولحظت تورما في ركبته،‎ ‎جنته، كان يسال ملحفاً عن أغنية الحاج سرور (يجلي ‏النظر يا صاح)، جودت نصها، جعلت‎ ‎أغريه بالترنم، كان علمني شيئاً من مذهبه في الغناء، سنين ‏طويلات، كمفت مثل ظله‎ ‎اتبعه، أغني على استحياء امسك صوته المذهل أغنية سرور، يتحسس ‏مداخلها ومخارجها، كان‎ ‎الأغنية لديه محبوبة يغازلها، ثم تلين، ترق، تتداعى، تكون هو، ثم ‏يكونها صدح (في‎ ‎الضي جبينو النادي والبدر خلان يجمع لطافة ورقة ونفرة الغزلان‎).

    جلست انظر إليه، لم أكن أعلم إني أشهد طرفاً‎ ‎من ساعاته الأخيرات، وهو جالس أمامي، صدره ‏يعلو سريعاً ويهبط سريعاً، أردت أن أقول‎ ‎له إنني لم اكن مقتنعا بسفره للأبيض، لأنه كان مريضاً ‏بحمى وبيلة، عرفت حدتها حين‎ ‎جعلت يدي على جبينه، أصرت عايدة عبدالعزيز ألا أترك أباها ‏يسافر للأبيض، كانت قلقة‎ ‎ليلتئذ وقد زايلها مرح معهود في أسرة ربها واتسم بالمرح، حدثتني ‏ماجدة عبدالعزيز‎ ‎مرة أن والدها قال لها نكتة يبدو انه ألفها في حينه قال يا ماجدة سمعتي بالجدادة‎ ‎الاستضافوها في الإذاعة، قالت ماجدة: (لا) قال (اكمل ليك القصة الجدادة دخلت‎ ‎الأستوديو، ‏وبعدين كالعادة شكرت الإذاعة على إتاحة الفرصة، واتكلمت عن مزارع‎ ‎الدواجن، والأوبئة، وحياة ‏الجداد في البيوت أيام زمان، واتكلمت كويس.. وبعدين‎ ‎المذيع كالعادة قال ليها تحبى تسمعي أغنية ‏شنو؟ الجدادة ما أتلفتت قالت احب استمع‏‎ ‎لأغنية: في الليلة ديك‎ !!).

    ما توقفت لحظة، رفضت رجاء عايدة، لأني كنت‎ ‎أعلم أن عبدالعزيز إن قد قر رأيه على شئ استقر ‏عليه وفعله، إذن فرجائي ألا يسافر‎ ‎مرفوض سلفاً، بحثت في عينيّ لا أمل طأطأت رأسي وخرجت ‏مسرعاً اضرب في الليل لحين أن‎ ‎استدعاني عثمان داؤد عصر الجمعة تلك‎.

    كنت‎ ‎انظر إليه إلى جلابيتي الدمورية، أحاط بها البلى كل جانب تتماسك جميلة في شيخوختها،‎ ‎تكون الدمورية جميلة الشأن رقيقة الملمس حين تدنو من الهلاك، كان كلام عبدالعزيز‎ ‎متقطعاً، ‏رجوته ألا يتكلم. شعرت بثقل المرض الذي احتمل، عاد الاكتئاب إلى نفسي، غمر‎ ‎جيوب الجلابية، ‏تقافز يعود إلى مواقعه. قلت إن الطبيب قادم، هز رأسه، مضيت لحالي‎.

    أمسيات عدداً قبل ذلك كان بدأ يتدرب على ما اسميه (برنامج عتيق) وهو يشمل‎ ‎مختارات من ‏أغنيات للشاعر محمد البشير عتيق، وقد الفت حنجرة عبدالعزيز شعر عتيق منذ‎ ‎عهد ليس ‏بالقصير، غنى له (ما بنسى ليلة كنا)، بتفريغ نغمى على لحن كرومة، ثم تناول‎ ‎القصيدة الصعبة ‏‏(قم نرتشف خمر الهوى) وأخضعها لسلطانه، ومن بعد تلك (أول نظرة‎) ‎واذكر يوم كان تسجيلها ‏بالإذاعة، لم نكن نعرف النص تماماً، اتصلت في نحو الظهر‎ ‎بعتيق في المدبغة الحكومية حيث كان ‏يعمل عصرئذ، وعن طريق سيف النصر عمر عثمان عازف‎ ‎الكمان، وجاء صوت عتيق على ‏التليفون، أملى عليّ كلمات قصيدته، جاء صوته يزدان بوقار‎ ‎السنين، يملى دون خطأ، في ثبات، ‏قصيدة كان نظمها في مطالع الأربعين، عاد حين نشر‎ ‎ديوانه في هذا العام (1987) يثبت على ‏صدرها عام نظمها 1942، ويكتب يقول (رأيتها وهى‎ ‎جالسة على سباته العرس بين أترابها فكانت ‏أول نظرة)، صوته جاء عبر التليفون (الحيا‎ ‎والنضرة والتيه والجبره هم مصدر شوقى، ومصيبتى ‏الكبرى، بالحب ابلانى، وكمان خلاني‎)‎،‎ ‎دخل الموسيقيون إلى الاستديو، الساعة الثالثة بعد الظهر، ‏ينتظرون الاشارة كيف‎ ‎لحنها: أول نظرة، بدأ عبدالعزيز يدندن بشىء ليس من تلك الاغنية في ‏شئ، اضطربت‎ ‎شيئاً، جريت الى مكتبة الاذاعة جئت باللحن عل صوت أولاد الموردة، عطا ‏ومحمود‎ ‎عبدالكريم استمعنا اليه مرة واحدة، رسخ في أوتار الكمنجات، التقطه عبدالعزيز، وجعل‎ ‎يستعمره شيئاً فشيئاً وتم التسجيل بالصورة التي تعرفون الآن‎.

    وأنا أنظر إليه: أيمكن أن يخرس المرض هذا‎ ‎الصوت، أو هذا الرجل الذي ما عهدت نفسه صمتاً ‏طوال حياته فهو إما يتكلم أو يغنى،‎ ‎كانت نظراته بعيدا سابحات، والجلابية خلتها شراع مركب ‏تستبد به الريح، تعلو وتهبط‎ ‎مسرعة: الحالتين كلتيهما.. هل يعقل أن يصمت هذا الصوت المذهل ‏عن الغناء لحظة؟‎

    وأنا إليه انظر: كنا نذهب إلى المنطقة الصناعية‎ ‎أي واحدة من المدن الثلاث تكون، بسبب أو بلا ‏سبب، كان الحرفيون والصنايعية صناع‎ ‎الحياة يتجمعون حين يبصرون بسيارة عبدالعزيز، ‏يصيحون به جماعات، على ملابسهم الزيت‎ ‎والشحوم والغبار، وحر الأسقف الزنك يلوذون منه ‏بظلال النيم إذ يبدو انه لا شجر ينبت‎ ‎مواقع الحديد والشدة سوى النيم، تتوقف سيارته وينطلقون ‏إليه وإليها، جماعة تطلب‎ ‎نكتة، وأخري حكاية وثالثة تطلب (زهرة الروض الظليل). ويغنى ويؤلف ‏نكتة على الفور،‎ ‎ويترك في المناطق الصناعية سعادة كبيرة. وما قصة زهرة الروض الظليل؟ في ‏بدايات‎ ‎الستين مات على أبو الجود رحمه الله، وكان الرجل من أساطين الغناء، في عهده (طابق‎) ‎كرومة عهدا ليس باليسير ثم استقل بغنائه، كان له صوت قوى عريض المساحة، وكان له في‎ ‎مجال تشجيع فريق المريخ باع طويل، وقرر معجبوه الأوفياء أن يقيموا له حفل تأبين على‎ ‎مسرح ‏النادي الذي احب. روى الرواة أن على أبو الجود وجماعته كانوا يشهدون مباراة‎ ‎حامية بين فريق ‏المريخ وفريق الشاطئ. جاء فريق الشاطئ قوياً، متحمساً، وبرز من‎ ‎لاعبيه حارس المرمى ‏بصورة. رائعة، وامسك بكل الكرات التي صوبت نحوه. نذكر أبو الجود‎ ‎أن هذا الحارس من اكثر ‏خلق الله حبا لكرومة ولفنه يتبعه أنى ذهب، رجل طربي من‎ ‎الطراز الأول. انتهى شوط المباراة ‏الأول، هتف على أبو الجود بالناس (يا عالم ما في‎ ‎زول في الهاشماب عنده رق)؟ بين الهاشماب ‏ودار الرياضة شارع الموردة لا سواه، كان‎ ‎المريخ مهزوما بثلاث إصابات، انطلق مريخابي ‏كالقذيفة إلى حي الهاشماب واحضر رقا،‎ ‎بدأ الشوط الثاني، مضى أبو الجود وجماعته وجلسوا ‏خلف شباك حارس مرمى الشاطئ، وصدحوا‎ ‎بالغناء (الرشيم الأخضر، زهرة الروض الظليل، نسيم ‏سحرك، جوهر صدر المحافل) الخ هذا‎ ‎الغناء العذب، ثم جعل الرجل يتداعى، يفقد توازنه طربا الله ‏‏! الله ! ورماة المريخ‎ ‎يسجلون، عصمت معنى، طلب مدني، أبو زيد العبد، وانتصر المريخ آخر ‏الأمر. لم يكن‎ ‎عبدالعزيز يعلم شيئاً عن حفل التأبين، كنا نزور صديقنا الحميم حسن يحي الكوارتى ‏في‎ ‎داره بحي العرب، منطقة ونصيبها من الشعر والغناء حق وفير، قلت له بعد أن هبط الظلام‎ (‎يا ‏أستاذ نمشى نادى المريخ لحضور حفل تابين على أبو الجود) وافق على الفور، ذهبنا،‎ ‎ؤ الطريق ‏عجبت لهذا الرجل، دائماً للغناء مستعد، ولإسعاد الآخرين يتأهب، قلت لنفسي‎: ‎من يعزف له؟ ماذا ‏يتوقع أن يكون بانتظاره في نادى المريخ؟ أشرفنا على الموقع، كان‎ ‎محتشداً بالناس، مجموعة من ‏أهل غناء الحقيبة، قدامى ومحدثين، قدموا خير مالديهم في‎ ‎ذكرى زميل وعزيز، جاء دور ‏عبدالعزيز، صعد خفيفاً إلى المسرح، دأبه، صمت الجمهور‎ ‎يحتشد بالأذان، لم يقل إنه سيقدم أغنية ‏بعينها، ولا أغنيات بأعيانهن، أخذ الرق من‎ ‎أحد المغنين بيد، ثلاثة أو أربعة من الكورس وقفوا ‏خلفه، ما درى أولئك إنهم،‎ ‎وللتاريخ، أمسوا على مشارف مولد أغنية لدى عبدالعزيز، ما كان قد ‏حدثنا عنها قط، ما‎ ‎ترنم بها قط، نكون في سيارته نجوب الطرقات، كثير أحيان، بلا هدف ولا هدى، ‏إذ ذاك‎ ‎يكون الغناء والطرب ونكون محاولات التنغيم التي لم يبلغ علياءها من معاصريه أحد‎. ‎الرمية أولاً، طال صمت الأذان تحتشد: هيا (الجرحو نوسر بى، غور في الضمير، فوق قلبي‎ ‎خلف ‏الكى، يا ناس الله لى): صياح مذهل أمطار مثجمة من الطرب يعب منها الجمهور لحين‎ ‎يثمل ‏نشوان، ثم (يا زهرة طيبك جانى ليل، أقلق راحتي حار بى الدليل، زاد وجدي) هناك‎ ‎جاء مولد ‏زهرة الروض الظليل، (كرومة الأصلي) كما يقولون، إحدى أغنياته الخالدات،‎ ‎كرومة الأصلي، كما ‏أتصور مع كلمات صالح عبدالسيد أبو صلاح، وكلمات عمر البنا وأشعار‎ ‎عتيق. خرجنا من الحفل ‏والجمهور المحتشد يصفق لنا في حماسة كأنه يظاهر فريق المريخ،‎ ‎برعى وابراهومة وجقدول‎.

    وأنا انظر إليه: كيف يصمت هذا الصوت الذي هطل‎ ‎سعادة على كل شبر في الوطن على مد بضع ‏وأربعين سنة، مرة كنا في اتحاد الفنانين، في‎ ‎الدار كانوا يحتفلون بثورة أكتوبر، كل الفنانين الكبار ‏اشتركوا في الحفل، جاءنا حيث‎ ‎كنا نجلس آخر الصفوف، عبدالله حامد العربى عازف الكمان ‏المجيد. قال لعبدالعزيز‎ (‎سمعت انك مريض ولن تستطيع الغناء) رد عبدالعزيز (المرض بحمى ‏الغنا؟).. ضحكنا قام‎ ‎قال (سأغنى لكم ثنائي مع الكابي) اتفق المطربان، صعد عبدالعزيز إلى ‏المسرح، كان‎ ‎الزعيم إسماعيل الأزهري يشهد الحفل، كان سعيداً جداً، تقدم عبدالعزيز إلى‏‎ ‎المايكرفون، قال يخاطب الزعيم (حيغني ليكم اثنين من أولاد بحري، ثنائي، الكابي‎ ‎وأنا، بلاك آند ‏وايت)! كان بشير عباس في مقدمة الأوركسترا، والخليل، وتم دور‎ ‎واتدور. وأنا انظر إليه: في ذلك ‏المغيب الكئيب، هل يمنع المرض الغناء؟ والكلام‎ ‎هكذا؟ في مثل هذا الوقت منذ بدايات عام 1984 م ‏كنت اختلف إليه، قررنا أن نعالج‎ ‎قصائد عتيق المشهورة، اختلفنا حول بعضهن، كان عبدالعزيز لا ‏يحب أغنية (كلما اتاملت‎ ‎حسنك يا رشيق) بينما كنت أودها وداً شديداً، وكان يريد أن يغني (بدر لي ‏حسنك سحر‏‎) ‎وكنت لا أودها وأخيراً حذفنا الاثنتين، وكان بدأ يتدرب على أغنية (يا نسيم بالله‎ ‎اشكي له) وجعل يؤديها بصورة مدهشة جداً، وقرر أن يزحف بكنوز عتيق إلى الإذاعة، كان‎ ‎عبدالعزيز لا يفعل ما يفعله كثير من المطربين، لم يكن يطلب أجورا عالية من أجهزة‎ ‎الإعلام، كان ‏يريد أن يغني بما يسعد الناس في هذا البلد الرحيب. ولما سجل مجموعة من‎ ‎أغنيات الحقيبة في ‏مطلع السبعين تقاض عن كل أغنية بضعة وثلاثين جنيها، فاعجب‎ ! ‎ومثلما قال سامي ديفز حين ‏مات نات كنج كول انهم كانوا لا يقربون أغنية غناها، قال‎ ‎ديفز إن كول كان يضع بصمته الفريدة ‏وأداءه. الأسر على كل الأغنيات. قال لي عبدالله‎ ‎عربي انه يظن أن في ظهر عبدالعزيز مكبرات ‏صوت حبته بها الطبيعة، قال صديقي عاشق‎ ‎اللحون معقبا (عينو حارة ود القطينة!!) لم اكن اعلم ‏مدق ما ذهب إليه سامي ديفز إلا‎ ‎حينما اختطف عبدالعزيز أغنية (ذكرتني) من عثمان حسين، ‏وعثمان جالس إليه ينظر في‎ ‎سعادة، ثم جعل يغنيها بما اطرب صاحبها غاية الطرب، و غير هذا‎ ‎كثير‎.

    صباح السبت 4 أغسطس 984ام كان ذاك العام بما‎ ‎فيه وما انقضى منه ثقيلاً بأحداثه، بطوارئه، ‏وقضاة طوارئه، وقد استحال بذلك إلى قرن‎ ‎من الزمان كان حكمه الواحد هو كاليجولا وجنكيزخان، ‏وسوموزا، آه صباح ذاك السبت طرت‎ ‎إلى الخرطوم بحري لحين أن بلغت دار عبدالعزيز كان ‏الطبيب قد عاده في المساء، ووصف‎ ‎له دواء، أفاده شيئاً حين اطل الصباح، لعل أنفاسه هدأت ‏بعض شئ حين رأيته قلت (الحمد‎ ‎لله) ثم عدت إلى طاحونة الحياة اليومية. في العصر أيضاً جلست ‏وحدي أشاهد الألعاب‎ ‎الأولمبية، تتفجر معها ذكريات لوس انجيلاس عهود الصبا، اخفق الضوء ‏الأصيلي فصار إلى‎ ‎ضوء باهت وأطبق المساء عل روحي، هذا اكثر لحظات اليوم كآبة عندي، وقع ‏أقدام،. ثمة‎ ‎من يصفق، وثب قلبي إلى فمي، أهذا طعم الفجيعة؟ جاء إلي.محمد احمد حمد زميل ‏دراستي،‎ ‎وجار عبدالعزيز، أهناك وقت للتحية؟ نظرت في وجهه، لحظ في وجهي، لا ريب، أثر ‏الفجيعة‎ ‎يوشك هو أن يطلق عنانها خبرا. قال إن عبدالعزيز حالته خطيرة، ذهبنا إلى الطبيب ما‎ ‎وجدناه، وقال لي انهم حملوه إلى المستشفي في بحري، قلت له (انطلق بي) حين وصلنا إلى‎ ‎المستشفي لم يكن على أبوابها جمع حاشد، أوقفنا السيارة قبل أن نسأل، سمعنا رجلاً‎ ‎فقيراً ما ستر ‏الليل فقره يحدث بائساً مثله في أول ليل بحري يقول له (أبو داؤود‎ ‎مات) ! انفجرت السيارة، نحن ‏بداخلها، تبكى ! أعدت الطبيعة عدتها، زمجرت الريح في‎ ‎الأشجار مكتئبة الأغصان، تبكي، صعد ‏الغبار يبكى، قالت الطبيعة: إن هذا نصيبي من‎ ‎الحزن، تكون الفجيعة الرؤية مدببة الأطراف وذات ‏أبعاد، انطلق الأسى على شاشة‎ ‎التليفزيون يبلغ الناس الخبر الذي (جل حتى دق فيه الأجل) لقيت ‏عبدالله العربي أمامي‎ ‎جالساً، يتيم الكمان، على الأرض يبكى، والفاتح الهادي يبكى، وجل أهل ‏الموسيقى، برعي‎ ‎دفع الله كان بعيداً عن ليل الفجيعة في تونس، بشير عباس في جدة، وبقيت ‏وحدي. وجاء‎ ‎كل أهل الموسيقى يبكون، وكل الوتريات تبكى، ورق كرومة يبكى، والخرطوم بحري ‏دخلت‎ (‎بيت الحبس). هل يموت عبدالعزيز، سذاجة سمها أو جهالة فلتكن، كنت أظن أنه لن يموت‎ ‎وأنه دائماً هناك كل مساء قبيل إخفاق ضوء الأصيل في داره بالدناقلة في الخرطوم‎ ‎بحري، وأنه ‏بانتظاري، للونسة أو نخرج لمجاملة الأصدقاء، آه لقد ذهب في نفس الوقت من‎ ‎المساء، يلبي نداء ‏ليس يقدر أن يتمرد عليه أحد. نبهنا الطيب محمد الطيب مرة بمقالة‎ ‎في يوميات الأيام كتبها عن ‏عبدالعزبز، كأنه كان يحس أن هبة الله لهذا الوطن توشك أن‎ ‎تعود إلى من وهبها لنا، وما سمعنا ‏كلام الطيب. وقال لي حسن عطية بعدها (هل قرأت‎ ‎كلمة الطيب؟ ما عجبتنى، بصراحة زي الكتب ‏تأبين لعبدالعزيز) ولم نصدق هذا كله، وفي‎ ‎المساء الموعود، مساء السبت الرابع من أغسطس ‏عام 984ام حمل روحه الرائعة وغناءه‎ ‎العذب، ولم‎ ‎ينتظر‎.

    البحث عن نسايم الليل‎

    لم يكن عبدالعزيز داؤد يحدث كثيراً عن حياته،‎ ‎نشأته أو صباه أو مدارسه، ولم اكن كثير علم بذلك ‏وبعض ما عرفت كان من أحاديث سجلها‎ ‎للإذاعة يذكر فيها طفولته في بربر، وبعض مراحل تعليمه ‏ويبدر أنه قد درس في مدرسة‎ ‎الخرطوم الابتدائية وقتاً قصيراً، مدرسة ومكانها في قلب السوق، ‏ذكر عبدالعزيز أن‎ ‎نوافذ الفصل كانت تجلب الضوضاء خارج المدرسة، وضجيج المقاهي وغناؤها ‏ينبعث من‎ ‎الفونوغرافات، قال في خضم الجلبة الهائلة، يأتيه صوت كرومة عذباً صافياً، لكأنه‎ ‎خلاصة الخلاصة من ينابيع الفن، وذكر أن إنصاته لتلك الخلاصة ما ترك له بالاً أو‎ ‎عقلاً، فقد عرف ‏إذن طريقه فليس عنه يحيد، وفي تسجيل للإذاعة يروى انه سار على قدميه‎ ‎مسافة بعيدة ليستمع ‏إلى زنقار، ذكر أن الليل كان مظلماً، وحده، وأخطار الطريق،‎ ‎استأسدت عليه الكلاب، مزقت من ‏ملابسه طرفاً، أتمثل العبادى يقول (شق حشا الطريق‎ ‎اتيا من الحلال زفنوا الكلاب، ما نالن الا ‏علال) كلا فكلاب الطريق نالت من‎ ‎عبدالعزيز! من هنا وهناك تأتى أخبار بداياته، ذكر لي مرة انه ‏غنى (زمانك والهوى‎ ‎أوانك) لعلى المساح في نحو عام 1939م، كان عبدالعزيز شديد إعجاب بهذا ‏الشاعر‎ ‎العبقرى، وكان يبحث عن قصائده ويدونها ويغنيها، غنى له (طول يا ليل على الباسل) ‏وهى‎ ‎من بعد كلمة رائعة، أتذكر خاتمتها (جميع من سمى باسمو، حرام النار على جسمو)، وقد‎ ‎خلق بأدائه (غصن الرياض المايد) ثورة في الأداء تتشرف بها مطالع الستينات، وغنى له‎ (‎بالله يا ‏نسيم الصبا)، ولم يتم تسجيلها للإذاعة، وربما كان هذا هو السبب في أن لم‎ ‎يكتب لها ذيوع كثير ‏ومرة ذهب إلى عطبرة فسمع مطرباً مغموراً يغنى أغنية بهره لحنها‎ ‎لم يتذكر منها سوى قول ‏المطرب (مساء الخير يا أمير) ولكن اللحن استقر في حنجرته فلا‎ ‎يبرحها، وحين لحظ المغنى ‏إنصات عبدالعزيز المركز، شعر أن الرجل بسبيل أن يختطفها‎ ‎ويستعمرها فامسك عن الغناء، ولكن ‏قضي الأمر، استقر اللحن في ذهن عبدالعزيز، بقى‎ ‎النص، ليست هناك مشكلة سافر عبدالعزيز إلى ‏شندي، وحمل قضيته لمؤلف الأغاني على‎ ‎إبراهيم خليل، واسمعه اللحن وكانت الكلمات، بعضها ‏‏(عار الصيد منك عيون، أهدت ليك‎ ‎البانة لون).. مرة جاء من إحدى جولاته الفنية يدندن بلحن ‏فريد، من الحان كرومة،‎ ‎كعادته تعلق صوته الفريد بالمطلع، جن به جنوناً (نسايم الليل زيدينى) ‏قال إنها من‎ ‎كلمات عمر البنا، أين الشيخ عمر؟ قالوا يسكن مدينة الثورة .. وأين؟ ابحثوا عنه،‎ ‎إصرار وفريد، ذاك شأن عبدالعزيز، ذهبنا وصلنا، جلسنا في دار الشيخ، بصر ووهن، وجسد‎ ‎عليه ‏من آثار الأعوام الكثير، بشاشة معهودة فيه، هذا الفارس بالشعر، القوى بالقصيد،‎ ‎الشاب بإحساس ‏القلب الوثاب، الذي شهد النقائض تكون بين شعراء عصره، وكأن العصر‎ ‎الأموي فينا، وكأن ‏الأخطل وجريراً والفرزدق بيننا، ظاهر صالح عبدالسيد، وشارك في‎ ‎المعارك، وظهر الغناء كالذهب ‏النفيس، نحن في حضرة الشيخ الشاعر وهن بصره القوى‎ ‎بالشعر، عمر البنا، لم يمهله عبدالعزيز ‏فيكمل ترحابه لم يلق عليه القصيدة إلقاء، بل‎ ‎غنى ما علق بذاكرته منها غناءً عذباً استبدت بالشيخ ‏القوى بالشعر، هاشمية الطرب،‎ ‎شالته، بسمة رضا، صارت كل وجهه، جعل يهمهم، يدندن بصوت، ‏لا ريب قد عرف الغناء،‎ ‎صباه، بل حياته كلها، أنطقته هاشمية الطرب (آخ يا شافع .. يا سلام عليك ‏يا شافع‎ .. ‎يا شافع) .. نظرت إلى (الشافع)، فإذا هو ذلك الضخم، الطويل، العريض، عبدالعزيز‎ .. ‎فاجأتنا نسايم الليل إذن، انظر يحمل الشاعر سلامه النسيم ليس كمثل غيره من شعراء‎ ‎زمانه، بل ‏هو بمذهب شعراء المدائح ملتزم ومفتون، مثلهم يمزقه الحنين، تختلف الوجهة‎ ‎والمحبوب، لكنه ‏على المذهب مقيم، سلام أولئك الشعراء لا يحصى عدداً، يفوق أعداد‎ ‎الكمون والسمسم، سلام ‏شاعرنا مثل ذاك، لا يقع تحت حصر تأمل: سلامي بعد تجنينى‎.. ‎عليك وليالى سنينى .. في وصفك ‏وعد حنينى.. يغشاك مرفوق مع النسام روحى خلالو‎.. ‎تسلمنا القصيدة، انتشرت على حنجرة ‏الذهب، سخية الوقع والإيقاع واللحون .. ولم يكن‎ ‎عبدالعزيز يتحدث كثيراً عن بداياته الفنية، ذكر ‏مختار عباس - صديق وحميم- انه قبلنا‏‎ ‎جميعاً، استمع إلى صوت عبدالعزيز، كان بهذا يباهى، وبه ‏يفاخر، قلنا كيف؟ قال (كان‎ ‎ذلك في عام 1943. كنا ماشين عرس في القطينة، مجاملة لصديق، ‏أجرنا تاكسى فورد،‎ ‎اتفقنا مع فنان من المشهورين، مشينا ليهو ما لقيناه، قعدنا مسافة ما ظهر، ‏أدانا‎ ‎طبقة زولك، زعلنا جداً اتكسفنا الجماعة هناك منتظرين، العريس والقطينة كلها،‎ ‎وبعدين؟ قام ‏صديقنا عبدالله محمد صالح قال يا جماعة ولا يهمكم، أنا بعرف واحد بغنى‎ ‎كويس، بس ما ‏مشهور، المهم نعدي الحفلة، أنا شخصياً ما كنت مقتنع بي كلامه، لكن‎ ‎قبلت، قلنا ليه يا عبدالله ‏زولك رين؟ قال طوالى بيكون قاعد في قهوة الزيبق، مشينا‎ ‎للقهوة، زولك عبدالله نزل القهوة، جانا ‏راجع معاهو واحد، أزرق زي الكحل، طويل،‎ ‎عريض، لابس طاقية، جلابيتو نص لياقة، ولابس ‏شبشب، ما معقول يكون ده الفنان؟ ما‎ ‎معقول! يا عبدالله، قلت ليه بالراحة .. ده فنان، واللا رباط، ‏المهم زولك ركب معانا‎ ‎ونهضنا على القطينة، ومما ركب كان بغنى، وبغنى أطربني شديد،.قلت ليه ‏يا عبد، الناس‎ ‎حتعرفك بعد عشرين سنة، في السكة يا زول موية العربية خلصت، زولك عبدالعزبز ‏من يومه‎ ‎دمو خفيف، والدنيا صقيعة والبحر بعيد، كنا ماشين بالطريق الفوق، رمال، رمال، مويا‎ ‎مافي وبعدين قلت ليك زولك عبدالعزيز من يومه دمو خفيف، وبحب يعمل مقالب قال: طيب‎ ‎أحسن ‏بدل نتعطل واحد يبول في اللديتر، واحد فينا سمع كلامو، قام البخار سخن من‎ ‎اللديتر والحصل ‏حصل)! وقد عرف الناس عبدالعزيز داؤد بعد ذلك بزمان لا يقل بحال عن‎ ‎عقد كامل من الزمان، ‏وقد بقى مختار عباس في حياة عبدالعزيز مستمعاً مخلصاً وصديقاً‎ ‎وفياً، وكان مختار زهرة ‏القعدات، وله فيها مواقف مشهودة ومشهورة، وكثيراً ما كان‎ ‎يمزق جلابيته طرباً، وكنت أخشى ‏مثل هذا الموقف، يبلغه مختار دائماً حين يبلغ‎ ‎عبدالعزيز في شدوه (خدام جناين يا نديم، لازلت ‏لامن انعدم) من رائعة الشاعر حدباى‎ (‎زهر الرياض في غصونه ماح). وكان عبدالعزيز يحب هذه ‏الجلسات الصغيرة، لأنها تجمع‎ ‎أصدقاءه ومعجبي فنه، وكانت له بعض أفدنة في الحلفاية، زرعها ‏برسيماً، وأقام عليها‎ ‎حارساً، ولكن عبدالعزيز لم يكن يعرف عن الزراعة أو التجارة كبير شيء، ‏وكسدت بضاعته‎ ‎وصارت المزرعة وبالاً بعد ان اقترض من البنك الزراعي مالاً وجعل البنك ‏يطارده،‎ ‎والفوائد تطارده، وأشباح المحاكم والحجز والبيع وهلم جرا، تغفل الحكومات كل أمر،‎ ‎وتستأسد أحيانا وذاك دين واجب السداد، وقد دفع من دمه ومن قوت عياله ما أسكت‎ ‎الأقساط ‏والفوائد حيناً، ولكن إصرار القوم شديد، فكتب عبدالعزيز خطاباً إلى‎ ‎المسؤولين يلتمس أن يشطب ‏ما تبقى من القرض، كان أهم ما فيه (لقد أنشأت هذه المزرعة‎ ‎أمنى نفسي أن أكون عزيز كافورى، ‏فصرت عزيز قوم ذل !).. ولقد اختفي عبدالعزيز بعد‎ ‎أيام ظهوره الأولي عهدا ليس بقصير، ومن ‏الناس من لم يكن يحب سماعه، وهذه سنة‎ ‎الحياة، ولكنه حين عاد للظهور، جاء بثورة في الفن، ‏ولم يسبق لها مثيل، كان‎ ‎عبدالعزيز صديقاً للسيد الدرديرى عمر كروم، كان الدرديرى مثل مختار ‏عباس يعرف ويثق‎ ‎بكل صدق، أن لعبدالعزيز صوتاً رائعاً وأداءً فريداً، وفي بيت الدرديرى في ‏الموردة؟‎ ‎كانت مجموعة من الأصدقاء تجتمع للسمر وسماع غناء عبدالعزيز، مرة كلم الدرديري، ‏برعي‎ ‎محمد دفع الله، أن يشاركهم في الجلسات، قال برعي (كنت بعزف العود كويس وما بفتكر‎ ‎إني كنت متميز خالص في الزمن داك، ما فكرت كثير في التلحين، جيت لي ناس الدرديرى،‎ ‎سمعت ‏عبدالعزيز بغني الأغاني القديمة، عزفت ليه انسجمنا جداً جداً، غناء عبدالعزيز‎ ‎من الزمن داك كان ‏غناء جميل، أداء سليم جداً، استمرت المقابلات، فهمنا بعض كويس‎)... ‎في عام 1950 سافر فريق ‏المريخ إلى مصر، كان من أعضاء الوفد الفنان إبراهيم الكاشف،‎ ‎كان الكاشف يظاهر فريق المريخ ‏في حماسة مشجعي الترسو، وكانت كرة القدم من صيم‎ ‎اهتمامات حياته، وله ولع بهذا الفريق لا ‏يخفيه، وقد عرف به وهو لا ينكر. كنا نعلم‎ ‎كلما سمعنا صوته الرنان نقول الكاشف مريخابي ومثل ‏هذا الصدق فتشجيع فرق كرة القدم‎ ‎أمر لم يألفه الناس من نجوم الأدب والغناء وغيرها، كثير من ‏هؤلاء خشية أن يفقد‎ ‎طرفاً من جماهيره يدعى الحياد، اذكر فناناً سئل مرة عن أي الفرق يظاهر قال ‏انه‎ ‎محايد وذكر انه يشجع اللعبة الحلوة، وقال آخر إنه يشجع الفريق القومي! على كل في‎ ‎قطار ‏المريخ عام 1950 سافر الكاشف إلى مصر، وكان معه برعي دفع الله، وحسن خواض‏‎ ‎وآخرون، ‏توقف القطار يسعى حثيثاً للشمال، في بربر جاء عبدالعزيز داؤد إلى المحطة،‎ ‎كان ساعتئذٍ يمضي ‏وقتاً في مسقط رأسه، بصر بالقوم قال على الفور(أنا مسافر معكم‎) ‎انطلق للبيت، أحضر متاعه، ‏وانطلق مع القطار المريخي إلى مصر، وهناك سجل بعض أغنيات‎ ‎الحقيبة لركن السودان .. برعي ‏والعود في يده ليس آلة. العود عند برعي إنسان يعشقه‎ ‎تحس أن للرجل علاقة مع ابن مدلل هو ‏العود، علاقة مع معشوقة هي العود، وعزف برعي عزف‎ ‎منفرد لا يطاول سماءه أحد، عود برعي ‏عود سوداني مثل اللون السوداني، ومثل العيون‎ ‎العسلية تكون على وجوهنا جميعاً، أن تفرد برعي ‏بأمر من أمور الموسيقى، فلأن الطبيعة‎ ‎قد منحته السر أن يعزف هذا‎ ‎اللون السوداني، وهذه السمة ‏التي لا نستطيع لها تفسيراً‎ ‎إلا أن نقول إنها شيء سوداني، وحين أذاع برعي في الناس معزوفة ‏‏(لحن الحرية)، عرفنا‎ ‎من بعد، إنه أعلن مولد الموسيقى الآلية، وأعلن مولد المعزوفة السودانية ‏المؤلفة‎ ‎تكون بعد المارش الشعبي، واختصت به، كانت، فرق الموسيقى العسكرية ويعبر عنه ‏بآلات‎ ‎النفخ الخشبية والنحاسية ثم ضروب من الإيقاع تؤديها طبول مختلف أحجامها.. نقل برعي‎ ‎دفع الله إلى الأبيض، واصبح باشكاتب مستشفي الأبيض، وللمدينة في تاريخ الموسيقى، آن‎ ‎يذكر، ‏نصيب. وفيها من أهل شعر الغناء محمد عوض الكريم القرشي، ومحمد على عبدالله‎ ‎الأمي، وقد ‏قدر لقصيدته (أحلام الحب) أن تكون أول عمل يلحنه برعي لعبدالعزيز، جاء‎ ‎عبدالعزيز إلى الأبيض ‏يبحث عن برعي ويعد لثورة في الغناء ليس لها من نظير، قلت لكم‎ ‎إصرار ذلك فريد. من بعد تلك ‏الأغنية جاءت (بالله يا أهل الهوى) واستمرت الألحان‎ ‎تتدفق: هل أنت معي، فينوس، لحن العذارى، ‏أجراس المعبد، عذارى الحي، ومحمد على أحمد،‎ ‎عوض حسن أحمد، عبدالمنعم عبدالحي، حسين ‏عثمان منصور وإسماعيل حسن.. وتدرجت المعزوفة‎ ‎على الزمان يرعاها أب حان، فازت (ملتقى ‏النيلين) التي صنفها برعي بالجائزة الأولى‎ ‎في مسابقة نظمتها إذاعة (الترانسفال) .. قال برعي ‏‏(كان عبدالعزيز لا يغني لحناً لا‎ ‎يقتنع به، أو يحس، إنه لا يلائم صوته، كان يعرف قدرته على ‏ضخامتها). أقول، وكنا حين‎ ‎نجلس في القعدات يجود عبدالعزيز ببعض من الغناء الذي ألفت الآذان ‏والأرواح زمان‎ ‎الثلاثين والأربعين، أغنيات يتسلى بها الناس، كانوا، في المجالس، تبرد عليهم ‏لظى‎ ‎الحرب، تدق الأبواب في الشرق، وفي الصحراء الغربية، ومناسبات آخر، وكنا نسمعها‎ ‎فتبرد ‏لنا لظى زماننا ذاك العصيب، أغنيات تكشف الحجاب عن نساء عاشقات، ما نزع‎ ‎المجتمع عنهن، ‏عصرئذٍ، حجابه الغليظ: يوم لاقيتو راكب بسكليتو.. الشاب الظريف القبل‎ ‎الشاطيء بيتو.. اشر لي ‏بريتو، شقانى وما شقيتو.. شفت الحبيب توب الحد رميتو.. العجب‎ ‎حبييى ما رد لي تحية.. بعض ‏إسفاف، قد يقول بذلك بعض المثقفين، من النوع الكامل من‎ ‎المثقفين والإنصاف أيضاً والأرباع، ‏ولكن أين تخبئون الرؤوس من روح ذاك العصر؟ أكلما‎ ‎تغنت امرأة تتمنى حبيبها، تشتاق، قلتم ذاك ‏هو الإسفاف؟؟ وكنا نستشيره فيمن ندعو‎ ‎للقعدات، إذ أن لها طقوساً ولوائح، وهى بعد محرمة على ‏الثقلاء وهؤلاء كالموت يدركون‎ ‎المرء ولو ألجأ نفسه إلى البروج المشيدة، جاء أحدهم إلى حفل ‏يغني فيه عبدالعزيز ولم‎ ‎يكن عبدالعزيز يود الرجل ويستثقله كثيراً ولكنه صبر عليه حتى لا يفسد ‏الحفل ومضى‎ ‎زمان وعبدالعزيز يشدو، قام الثقيل من مجلسه، جاء إلى عبدالعزيز وقال (يا أستاذ،‎ ‎عليك الله غني لي غصن الرياض لأنها بترجعني عشرين سنة لي ورا) رد عبدالعزيز عليه‎ ‎قال ‏‏(أنت عمرك كم سنة؟) رد الرجل (أربعين سنة) قال له عبدالعزيز (أغني ليك غصن‎ ‎الرياض مرتين، ‏عشان ترجع بطن أمك وتريحنا)!! كان عبدالعزيز يخضع للآلات الموسيقية‎ ‎مثل هذه الأغنيات التي ‏ذكرنا من أغنيات الدلوكة، أغنيات التم تم، أغنيات البنات،‎ ‎سمها ما شئت، وكانت حرية القعدات ‏الصافيات تبيح للغناء والحديث حرية مطلقة،‎ ‎وأحياناً لا تشارك ليلنا أي آلة موسيقية، إيقاع ‏الكبريتة وحده، يشعل الليل طرباً،‎ ‎رجل لا يخطئ في أدائه قط، مرة جاء عبدالله عربي يبحث عن ‏عبدالعزيز، كنت جالسا بدار‎ ‎اتحاد الفنانين سألني عربى قلت له إن عبدالعزيز سافر إلى عطبرة، ‏قال عربى (لكن أنا‎ ‎شايف برعي موجود وأكرت وخواض وبشير، وأنا برضو مكلمنى، السافر معاه ‏منو؟) قلت له‎ (‎غير ليكم، قال ما عايز عازفين اشترى كروسة كبريت من دكان اليمانى وسافر)!! ‏من عهد‎ ‎الأربعينات من اكتشاف مختار عباس، إلى اللقاء في بيت الدرديرى عمر كروم، في مطلع‎ ‎الخمسينات من الطريق الفوق يفضى إلى القطينة، ومن أرجاء الموردة ذات الفن والأصالة‎ ‎والجمال، ومن بربر تزفه الكلاب، تمزق أطراف ملابسه، تريد مسامعه تبلغ صوت زنقار،‎ ‎لحين إن ‏صار عبدالعزيز إلى مسامع الوطن كله، وصار جزءاً رائعاً من تراث هذا‎ ‎الوطن.... رأيت عبدالعزيز ‏محمد داؤد، أول مرة، رأى العين، في أخريات الأربعين، أسعى‎ ‎كل يوم من زقاق العصاصير سيراً ‏على الأقدام إلى مدرسة أم درمان الوسطى، وكانوا‎ ‎يسمونها الأميرية، ولا أمير، وكنا نلبس جلاليب ‏الدمورية والصنادل بنية اللون، رأيته‎ ‎ذات صباح باكر، يقف أمام المكان الذي صار إلى سينما ‏أمدرمان الآن، وكان قبلها قد‎ ‎صار دار حزب الأمة، وفي بدايات نشأته كان معروفاً انه بيت تاجر ‏مصري اسمه إبراهيم‎ ‎عامر. لذلك العهد رأيت عبدالعزيز أول مرة، ولم أعرف لحظتئذٍ انه هو، إلا ‏بعد ذلك‎ ‎حين طالعت صورته تلك في صحيفة ما، وتذكرت القبعة التي كانت على رأسه، والتقط بها‎ ‎صورة فريدة تنم عن شباب وفتوة يذكرها أبناء جيلنا، وأهلات ذلك العصر، قبعة وقميص‎ ‎وجاكت ‏سبور، وعلى الفم كدوس، يعتمد آخره على أصابع يده اليمنى، كان واقفاً في‎ ‎الطريق الكبير، شارع ‏الموردة، وحده، يلفت النظر بطوله الفارع، وسواد بشرته النبيل،‎ ‎على أقل تقدير، كان أطول إنسان ‏عرفه ذلك الصباح في ذلك الشارع. في بيتنا راديو‎ ‎كهربائي خشبي، يأتي بالمحطات الإذاعية من ‏قرونها حين عدت إلى أمدرمان من الفاشر،‎ ‎وجدت أن الكهرباء قد دخلت بيتنا في العصاصير، ‏وكان هذا مبعث دهشة ظلت تسيطر عليّ‎ ‎زماناً طويلاً، وكان الراديو مصدر دهشة أكبر، وأول ‏أغنية سمعتها في الإذاعة في حفلة‎ ‎غنائية موسيقية، نقدم لكم أيها السادة أغنية (يا مار عند ‏الأصيل للفنان حسن عطية‎). ‎كانت أيام وادي سيدنا بداية النضوج لأبناء جيلنا، في السياسة، في ‏الرياضة، وغيرها،‎ ‎وكنا نجلس في النادي، الساعات المتاحة لنا بعد الاستذكار نستمع إلى إذاعة أم ‏درمان،‎ ‎راديو ضخم وكهربائي، يستشرف المكان ينظر إلينا، ننظر إليه، يسعدنا، كنا شيعاً نظاهر‎ ‎فناناً أو آخر، أكبر حزبين، حزب احمد المصطفي، وحزب حسن عطية، وعلى بعد يسير جماعة‎ ‎عثمان حسين، وعلى رأس هؤلاء صديقنا ومولانا فيما بعد، الطيب عباس الجيلي، كنت عصرئذ‎ ‎قد ‏صرت، طوعاً، من أنصار عثمان حسين، وعند برنامج ما يطلبه المستمعون كنا نزيد‎ ‎عدداً، ‏ونقوى، كان عبدالحليم عباس، قد فطن إلى صوت عبدالعزيز قبل أن نألفه بزمان‏‎ ‎بعيد، ونبهنا إليه، ‏ما سمعنا كلامه، حين يطل صوت عبدالعزيز من الراديو الكهربائي‎ ‎الضخم، لا يبقى في النادي قريباً ‏من الراديو أحد، إلا عبدالحليم عباس، وكنت أول‎ ‎أمري، أجامله، إذ كنت اسخر من كلمة ‏‏(العرجون) وهى التي تجيء في صدر أغنية أحلام‎ ‎الحب (زرعوك في قلبي يا من كساني شجون، ‏ورووك من دمى يا اللادن العرجون)، أظنها‎ ‎ليست من الشعر في شيء، بعد زمن صرت متعدد ‏الولاء، حينا أكون مع أشياع عثمان حسين،‎ ‎وطوراً أنصت مع عبدالحليم عباس إلى عبدالعزيز ‏محمد داؤد، أحس اليوم أن عبدالحليم‎ ‎كان يعرف أن في الجو بواكير ثورة، يراها هو، تتكشف ‏كنوزها أمامه، دون أن ندرى، ثم‎ ‎زادتنا (هل أنت معي) عدداً كبيراً، وبعد فينوس، كبر حزبنا شيئاً، ‏وعبدالحليم عباس‎ ‎يقوده سراً، ولا يعالن. أما صديقنا محمد توفيق خليل فانه كان ثابتاً على حزب ‏حسن‎ ‎عطية، بل كان يغنى (محبوبي لاقاني) بعذوبة، ورقة لا تنكرها أذن، رغم إنه كان يلعب‎ ‎الكرة ‏بخشونة أفريقية، قبل أن يعلم الناس أمر الخشونة الأفريقية، ولم يكن توفيق‎ ‎خليل يظاهر فريقاً من ‏فرق كرة القدم، ولا يميل لا إلى الهلال ولا إلى المريخ، ولقد‎ ‎سمعت قبل أيام انه صار رئيساً فخرياً ‏لنادى العباسية، والحمد لله انه قد تعصب‎ ‎لفريق. وكان توفيق يضربنا في الدافورى ضرباً شديداً، ‏ثم نستمع إلى غنائه ونغفر له،‎ ‎ثم أن صديقنا حافظ الشاذلى كان على قدر كبير وعظيم من ‏الرومانسية وكثير إعجاب‎ ‎بأغنيات عبدالدافع عثمان. عرفت عبدالعزيز داؤد، أول مرة عام 1958. ‏ذهبنا إلى داره‎ ‎في الدناقلة شمال، عبدالماجد بشير الاحمدى وأنا، كان الوقت عصراً، وفي اتحاد ‏طلاب‎ ‎جامعة الخرطوم حفل في ذات المساء وللرجل كانت سمعة مدوية في (التعليق) وعدم الظهور‎ ‎في الموعد المضروب، قال الاحمدى انه يثق في بلدياته عبدالعزيز وفي كلمته، الاحمدى‎ ‎من ناس ‏بربر، وكان بمدينته وأهلها يفاخر، كنت في شك من الأمر وكبير، اطل عبدالعزيز‏‎ ‎من الباب، رحب ‏بنا، قال سأحضر، وبر بوعده وغنى، ومنذ ذاك المساء توطدت صلتي به،‎ ‎وصادقته بضعاً وعشرين ‏سنة، لم نكن نفترق أثناءها إلا قليلاً، عرفت زوجه وأبناءه‎ ‎وأهله، وكأني بعض أهله، وحين ماتت ‏‏(فلة) وهى كلبة الأسرة، حزنت عليها زوجه حزناً‎ ‎شديداً، خاصة وان فلة قد الفت دار عبدالعزيز ‏جرواً صغيراً لحين أن أسنت وماتت، وكان‎ ‎عبدالعزيز قد أحس بحزن زوجته، فناداها وقد استبدت ‏به روح الدعابة فقال (يا فوزية‎ ‎شدي حيلك أنا شايف الجيران جايين يعزوك!). وكان مدخل كثير ‏من معجبيه إلى فنه غناءه‏‎ ‎أغنيات الحقيبة وخاصة ما كان منها من التراث المتلالىء، الذي كان قد ‏خلفه كرومه‎ ‎لوطنه وأبناء وطنه، ومن هؤلاء من زملائنا المرحوم اسماعيل بخيت عمر، ‏وعبدالسلام‎ ‎صالح (شلب) وفي الرجلين خفة روح ودماثة خلق لا تخفي، وصارا من بعد من ‏أصدقاء‎ ‎عبدالعزيز، واذكر للمهندس عبدالسلام صالح إننا كنا أيام الطلب في الجامعة نسعى‎ ‎لإقامة ‏حفل بدار الاتحاد، وكلفنا أن نتصل بالفنان عطا كوكو، وكان عطا، رحمه الله،‎ ‎يعمل حلاقاً، وله ‏دكان صغير في سوق الموردة، وانطلقنا إلى هناك صباح يوم جمعة،‎ ‎لنخبر عطا بأمر الحفل. حين ‏بلغنا مشارف الدكان. توقف عبدالسلام وقال لي (تعرف يا‎ ‎أبو المك في مشكلة، عشان الراجل دي ‏أول ما يشوفنا حيفتكر إننا زباين! أنا اكتشفت‎ ‎انو شعرنا طويل، وما بنشبه ناس جايين يكلموه في ‏حفلة!). وذات يوم جاء عبدالعزيز إلى‎ ‎الإذاعة، رأى أن سيدتين ضخمتي الجثة تتقدمان نحوه، كانتا ‏مشهورتين بالدعابة ومن‎ ‎المعجبات بفنه، توقف عن السير، ينتظر، بلغت الأولى موقفه، وئيدة ‏الخطى، حيته، كانت‎ ‎الثانية، وهى اضخم جسدا لم تصل إليهما بعد، قالت الأولى (أظنك ما عرفتني ‏يا‎ ‎عبدالعزيز، أنا ما دار النعيم) ثم التفتت كأنها تريد أن تقدم صاحبتها إليه، لم‎ ‎يمهلها عبدالعزيز، ‏قال على الفور (عارف صاحبتك أتذكرتها دى مش دار الرياضة)؟! بعض‎ ‎المشتغلين بقضايا الشعر ‏السوداني يؤرخون له بأحد كتب الاختيار (شعراء السودان) الذي‎ ‎جمع مادته سعد ميخائيل وهو ‏كتاب له فضل الريادة في جمع مختارات من شعر شعراء ذلك‎ ‎العصر. وينسى هؤلاء فضل رجل هو ‏محمود عزت المفتى والذي جمع المختار من شعر شعراء‎ ‎العامية في ذلك العصر، وهو كتاب نادر ‏ندرة أسنان الدجاج (التعبير مأخوذ من الشاعر‎ ‎لانجستون هيوز): ويحوى الكتاب بين دفتيه قصائد ‏لخليل فرح، يوسف حسب الله، وإبراهيم‎ ‎العبادى وأبو صلاح وغير هؤلاء وكان عبدالعزيز يقتني ‏نسخة منه يحرص عليها حرصاً‎ ‎شديداً، كانت هذه النسخة بعضاً من مصادر فنه وينابيعه، ثم انه قد ‏أنشدني طرفاً مما‎ ‎كان انشأ خليل فرح، وبخاصة ما كان يسمى الخمريات، وكان عبدالعزيز هو أول ‏من تنبه‎ ‎إلى قيمة فن هذا الشاعر، وكان أول من غنى (عزة في هواك) بعد ظهور برنامج الحقيبة،‎ ‎ولا اعرف انه قد سجلها للإذاعة أم غير ذلك. وكان ينشد بعض أبيات الخمريات يصطنعها‎ ‎مطالع ‏لأغنيات الحقيبة، بأسلوب حر هو وسط بين إنشاد الشعر كما علمناه، وأداء‎ ‎المدائح المكتوبة باللغة ‏الفصحى، قر بذهني منها قول الخليل: أنا في بساتين الزهور‎ ‎بين الترايب والنحور اشرب معتقه ‏الدهور نداماى عصافير السحور جمدانه وابريقين وكاس‎ ‎ونديم وساقي خدوده ماس وجنينه سايقه ‏نخيل وآس أنا والحبيب ما معانا ناص ولقد أمد‎ ‎شعر الخليل هذا عبدالعزيز باستنباط طريقة في ‏الإنشاد استخدمها من بعد في قصائد ابن‎ ‎الفارض والبرعي وغيرهما مما سجل ولعل اشهرها ‏الميمية المعروفة (شربنا على ذكر‎ ‎الحبيب مدامة، سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم). ولعل هذه ‏القصيدة هي التي جذبت فن‎ ‎الفنان المصور والمخرج السينمائي حسين مأمون شريف إلى فن ‏عبدالعزيز، فجعلها مقدمة‎ ‎لفيلمه التسجيلي الرائع‎ DISLOCATION OF AMBER ‎والذي ‏يحكى قصة الناس والبناء وحركة‎ ‎الحياة في ميناء سواكن، بغموضها وسحرها، وتجارة الرقيق. ‏هي كلمة حق يقولها المخرج‎ ‎باللون والحركة والصوت ثم يخلص حسين من ميمية ابن الفارض ‏في فيلمه إلى (انتم فروض‎ ‎ونفلي، انتم حبيبي وأهلي يا قبلتي في صلاتي، إذا وقفت أصلي، الله ‏الله) سنين بعدها‎ ‎ظل فن حسين السينمائي يطارد صوت عبدالعزيز. والتقيا، جاءني عبدالعزيز يوماً ‏في‎ ‎الجامعة كدأبه، وقال لي انه يريد أن يسجل شريط فيديو يقدم فيه بعض أغنياته، كان ذلك‎ ‎في ‏مطالع عام 1984، قال انه يريد أن يعطى للناس شيئاً لم يألفوه إذ هم قد سئموا أن‎ ‎ينظروا إلى ‏التلفزيون يستمعون إلى مغن تعزف خلفه الأوركسترا دونما تعبير أو حركة أو‎ ‎تغيير، حمدت له ‏حماسته، ثم قلت له أن الشخص الوحيد، الذي يقدر على هذا الأمر هو‎ ‎حسين شريف، كان حسين ‏شريف يود عبدالعزيز وداً كثيراً، وحين مرض حسين مرة مرضاً‎ ‎شديداً ألزمه الفراش زماناً، كان ‏عبدالعزيز يصحبني إليه، ويصعد إلى غرفته ويغنى له‎ ‎كل مرة أغنيته المفضلة (أمتى أرجع لأمدر ‏وأعودا)، ويطرب حسين كل حين يتقافز طربه‎ ‎بين آلامه الموجعة. وتحمس حسين للفكرة كأنه كان ‏بنتظرها، وكلفني أن أعد كلاماً، هو‎ ‎بالأساس رأى عبدالعزيز في أمور الفن والغناء، وجاء دور ‏الكاميرا لتسجل له هذا‎ ‎الكلام، حسين إذن (قد خلف العبء علي وولى). أشركني حسين في هذا ‏المجد، ماذا أقول،‎ ‎ماذا اكتب إذن؟ جاء الإلهام مرة واحدة شيدت كلامي كله الذي كتبته للفيلم ‏الموعود من‎ ‎صلتي بعبدالعزيز التي بلغت آنذاك بضعاً وعشرين سنة، لذلك حين بدأنا التصوير، ‏وكان‎ ‎في بيت أهل حسين في ود نوباوى كان عبدالعزيز يحدث الكاميرا والمايكروفون بكلام هو‎ ‎خلاصة أحاديث رواها لي، قد يكون قد نسيها، ولكنها جعلت إليه تعود كلمة، كلمة بصوته‎ ‎الدافئ ‏في الحديث. كان يحدث الكاميرا يقول (تعرف يا حسين اهلك من يوم ما ولدوك‎ ‎خاتين عينهم عليك، ‏عايزنك تبقى حاجة تقوم تطلع فنان؟، بفتكروا الفن عمل صياع لكن‎ ‎تحت، تحت، بطربوا ويرقصوا. ‏كرومة خلا حياة الناس بهجة، قهاوي السودان كلها تملا‎ ‎وتفضى بى صوتو، السباته في كل بيت ‏عرس مليانة عشان كرومة، الناس كانت تباريه طول‎ ‎الليل من محل لمحل، تعبنا نحن كمان عشان ‏نصل الإذاعة، المنافسة حادة قدامنا كان‎ ‎الكاشف وعبدالحميد يوسف واحمد المصطفي، وحسن ‏عطية والتاج، عثمان حسين والشفيع، عشان‎ ‎تظهر لازم تجتهد، زملاءنا كلهم كافحوا قبلنا كفاح ‏شديد لحد ما وصلوا، مرة كنت عملت‎ ‎فاصل غنائي في الإذاعة القديمة، وأنا طالع في الباب قابلت ‏واحد يشبهنى جداً، اسود‎ ‎زي الكحل عريض سمين، واهم من ده كله اصلع، كان شايل عود وداخل ‏الإذاعة، لما شفتو‎ ‎ضحكت ضحك شديد. قال لي: مالك ؟ قلت ليه: أوعى تكون جاي تغنى، قال ‏طبعاً! قلت ليه‎ (‎اسمع، أنا لما دخلت الإذاعة كان عندي شعر زي أولاد الهنود، قامت لي صلعة من ‏الغنا،‎ ‎هسع إنت داخل الإذاعة بى صلعة جاهزة؟ شيل شيلتك)! كان عبدالعزيز ينتظرنى بعد صلاة‎ ‎الفجر لنذهب إلى التصوير، لعله كان يحس دنو اجله، كان يحثنا على العمل، وسجل‎ ‎الأغنيات، ‏وحين انتهى التصوير، اطمأنت نفسه، وسافر حسين إلى واو وإلى كادوقلى‎ ‎بعدها، يعد فيلماً آخر، ‏وفي أمسية السبت الرابع من أغسطس 1984، والمطر يحيط‎ ‎بكادوقلى، ويضرب على سقف ‏الاستراحة وجدرانها، ما علموا ساعتئذٍ أن قطراته تنبئهم‎ ‎أنها دموع تذرف على العزيز الذي مات. ‏ونواصل‎ ..................

    الكمونية أخت العذارى‎

    كانت اجمل الأغنيات تؤدي في الجلسات أو القعدات‎ ‎تكون في وداع صديق أو استقبال صديق، ‏أغنيات فيها حرية كمثل الحرية في الأمكنة‎ ‎الفساح، بعيداً عن لجان النصوص التي كانت، في أكثر ‏الأحوال، تجتمع وتنفض لترفض كلمة‎ ‎بعينها أو قصيدة كاملة .. وكنت أحضر كثيراً من هذه ‏القعدات بتنظيمها الدقيق، وكأنها‎ ‎ملاذ الفنان عبدالعزيز محمد داؤود، تصير فيه روح الفن ‏الرومانسي فيختلف إلى الغاب‎ ‎من ضجيج المدن والثقلاء ورسميات الأمور، حقا كان عبدالعزيز ‏داؤود، ربما عهد صباه،‎ ‎مولعاً بالطعام، وقد نسج الناس حول هذا الأمر حكايات عدداً، غير أن اكثر ‏هاتيك‎ ‎روايات فيها مبالغة، أو مغالاة، أو إسراف، يقولون انه في قعدة ما في الحتة الفلانية‎ ‎أكل ‏عبدالعزيز خروفاً، اعترف لي مرة، عبدالعزيز، إنه أتى علي صاج كبير من اللحم‎ ‎الشهي في بيت ‏عرس وقد شاركه (بالعزف) علي محتويات الصاج أحد الموسيقيين، هو بالواقع‎ ‎كثير الحديث عن ‏الطعام، يصفه وينتخب أطايبه كل حين يختلف فيه إلى السوق .. وذات يوم‎ ‎وكنا علي أطراف سوق ‏الموردة قطع علينا الطريق قطيع من الخراف، فأوقف السيارة‎ ‎احتراماً للقطيع وأعجبه خروف ‏فتسمرت عليه عيناه وسط القطيع، وكان خروفاً بني اللون،‎ ‎تمعن في ذلك اللون، ونبهني ‏عبدالعزيز إلى انه (خروف كموش)! ضحكت وهو صاحب تشبيهات‏‎ ‎لا تنسى .. اذكرها فيما يخص ‏صنوف الطعام، مثلاً كان يشبه الكستليتة بمضارب البنق‎ ‎بنق، ويقول عن الكمونية (كمونية أخت ‏العذاري)! لا اعلم لم اسماها كذلك، ولم أساله‎ ‎عن ذلك أبدا .. لعلي قد اكتفيت بطرفة التعبير‎!!

    كانت القعدات أيضاً مكان‎ ‎تجارب موسيقية وغنائية مدهشة، اعتاد بشير عباس أن يصاحب بعوده ‏عبدالعزيز في أغنيات‎ ‎لمطربين آخرين .. فما من جلسة حضرها بشير عباس إلا وقدم عبدالعزيز ‏فيها رائعة‎ ‎إبراهيم الكاشف‎
    ‎(‎المقرن في الصباح) لخالد أبو الروس‎ ..
    الروض بسم‎ ‎والطير غرد‎ ..
    والطقس لا حر لا برد‎ ..
    الشمس إبان الشروق‎ ..
    أنا والحبيب‎ ‎نجلس نروق‎ ..
    وسط الزهور العاملة روق‎ ..
    ويشجينا أيضا بأغنية محمد عوض الكريم‎ ‎القرشي وعثمان الشفيع (رب الجمال) وأولها (المالك ‏شعوري، أنا لي فيه آمال، رب‎ ‎الجمال) وكانت رب الجمال هذه ورب السعادة وسائر القرشيات ‏اللائي يسميهن الجمهور‎ ‎عاشق الغناء (الأرباب) قد وجدن من وقف لهن في الإذاعة بالمرصاد ‏فصارت رب الجمال‎ (‎رمز الجمال) وشتان ما بين هذه وتلك، أعلم انه لو عاش هؤلاء القوم في ‏العصر العباسي‎ ‎لقتلوا بشار بن برد انه قال (ربابة ربة البيت) ومن لجان النصوص والمسؤولين ما ‏يقارب‎ ‎أن يشابه محاكم التفتيش‎.

    كان عبدالعزيز صديقا لعباس بشير والد بشير عباس،‎ ‎ولعبدالعزيز حبال صداقة وود مع كثير من ‏أهل حلفاية الملوك، ما تصرمت، وكان كلما‎ ‎سافر إلى بلد في أنحاء السودان وفيها عباس بشير إلا ‏زاره وأقام عنده، وفي 1956 حل‏‎ ‎عبدالعزيز مدينة سنار، وكان عباس بشير يعمل موظفاً بها، ‏وبشير بدأ حياته العملية‎ ‎هناك موظفاً بمصلحة الري، وكان عبدالعزيز قد جاء لحفل يقام في دار ‏السينما، ويعلم‎ ‎أن لبشير بدايات موفقة للعزف علي العود، فطلب إليه عبدالعزيز أن يصاحبه ‏بالعزف،‎ ‎وتلك كانت أول مرة وحدثني بشير عباس فذكر أن أول أغنية عزفها في ذلك الحفل كانت ‏هي‎ (‎سمير الروح) من نظم الشاعر الملهم عبدالرحمن الريح‎..

    ولم تعد مدينة سنار‎ ‎تفي بأغراض بشير عباس الفنية وأشغاله .. فانطلق إلى الإذاعة بعد ذلك بعام ‏أو عامين،‎ ‎ولعل مصاحبته عبدالعزيز علي العود قد كانت إجازة فنية فتحت له أبواب الإذاعة، عين‎ ‎في مطالع يوليو 959ام سكرتيراً لأوركسترا الإذاعة، وفي واقع الأمر فقد كانت أخريات‎ ‎الخمسينات ‏وبدايات الستين تؤذن بعهد جديد في تطور الموسيقي والموسيقيين في السودان،‎ ‎كانت طريقة ‏بشير عباس في العزف علي العود تنبئ عن تأثر بليغ بالموسيقي العربية‎ ‎والمصرية بوجه خاص، ‏ولكن بشير عباس لم يستسلم لذلك الأثر، بل أفاد منه، ولم يجعل‎ ‎نفسه محل استسلام وخضوع لتلك ‏الموسيقي، فخلط ذلك التأثر بتربية فطرية سودانية‎ ‎صميمة، هي التي نسميها دون كثير حذر ‏طريقة بشير عباس، تحسها في‎ ‎موسيقاه وفي لحون‎ ‎الغناء التي صنفها، وكان عهد ظهور بشير ‏هو عهد جيل الموسيقيين من أمثال عازف الكمان‎ ‎محمدية الذي تأثر أو قل تعرض لذات المؤثرات، ‏وبأسلوب عبدالله حامد العربي أولاً، ثم‎ ‎درس في معهد الموسيقي في مصر وأجاد الأسلوب الشرقي ‏ولم يفقده ذلك موروثات الكمان‎ ‎السوداني من لدن السر عبدالله وحسن الخواض وسائر الذين .. ‏منحوا الكمان سيدة الآلات‎ ‎الموسيقية طراً، جنسيتها السودانية‎ ..

    سافر بشير عباس عام 1961م إلى القاهرة‎ ‎بصحبة عبدالعزبز داؤد، كان هناك حسن خواض ‏وبابكر محمد احمد وبرعي محمد دفع الله‎.. ‎ويذكر بشير انه وفي وجود برعي ربما لم تكن هنالك ‏من حاجة كبيرة إلى سفره إلى مصر مع‎ ‎الفرقة، ولكنه يبرر هذا أن عبدالعزيز كان بعيد النظر ولعله ‏عزم علي أن يمنح بشيراً‎ ‎فرصة (للتدريب) علي حد تعبير بشير عباس .. وقال انه حمل معه وعلي ‏استحياء أول لحن‎ ‎له هو أغنية (أشوفك) التي نظمها عبدالله النجيب لتكون بكورة تعاونه مع ‏عبدالعزيز‎.. ‎كان بشير يخشى أن يهمل عبدالعزيز شان أغنيته، ولكن عبدالعزيز تحمس للأغنية ‏وغناها‎ .. ‎ويعتز بشير بذلك كثيراً، إذ كان عبدالعزيز منذ بداياته قد قدم ألحانا رصينة‎ ‎السبك، جليلة ‏الصوغ، مثل هل أنت معي وفينوس وصبابة وغيرهن من ذاك العقد النضيد‎ ‎المتلالىء‎ ..

    في الجلسات حيناً بعد حين، تكون النكتة سيدة الموقف، وقد تاخذ‎ ‎مقاماً قريباً من الغناء، وقد تنبثق ‏فجأة رغم كل شىء، وقد يحكي عبدالعزيز لي ملحة‎ ‎أو نكتة انشأها أو سمعها ويريد أن يسردها ‏علي طريقته الفريدة يأتي إلى مكتبي في‎ ‎الصباح البكر يقول (سيد علي أنا جاييك بي واحدة بت ‏كلب) اقول له (طيب نسمع) ينطلق‎ (‎طبعا انت عارف اليومين دي الرعاة بقي عندهم سوق ‏وبيهاجروا كمان، عشان كدة اسعارهم‎ ‎عالية، المهم في واحد كان عنده خمسة غنمايات، قال احسن ‏يوديهم للراعي، قام مشي ليه‎ ‎وقال يا سيادتك تاخذ كم في الشهر وترعي الغنم ديل؟ صاحبنا ‏الراعي قال ليهو والله‎ ‎انت عارف اليومين الحكاية قرصت معانا شوية، يعني حنأخد منك مية جنيه، ‏كل غنماية بي‎ ‎عشرين جنيه! صاحب الغنم ضحك كدة وقال للراعي: عندى سؤال واحد الكتب علينا ‏ولا عليكم‎ ..

    حين اتجه عزمنا إلى تسجيل أغنيات الحقيبة، كتبت خطاباً حول هذا الموضوع‎ ‎إلى الاستاذ محجوب ‏عثمان، وكان وزيراً للثقافة والاعلام عصرئذ، فوافق علي الفور‎ ‎وأول أغنية سجلها عبدالعزيز فيما ‏اذكر كانت (عروس الروض‎) ..
    سارعي من قبل‎ ‎يشتد الهجير بالنزوح‎
    واسبحي ما بين طيات الاثير مثل روحي‎
    راذا لاح لك الروض‎ ‎النضير فاستريحي‎

    وهي قصيدة للشاعر الياس‎ ‎فرحات، وكان زنقار قد جعلها طرفا من تراث الغناء السوداني ‏فانتشمرت، في زمانه‎ ‎انتشاراً شديداً، وقد كان الفنان الممتاز زنقار من الفنانين الذين يكن ‏عبدالعزيز‎ ‎لهمم وداً شديداً، وكان معجباً به اشد الاعجاب، واذكر انها حين انتشرت بصوت‎ ‎عبدالعزيز وكلما سمعها صديقنا الموسيقي علي ميرغنى، بكي لفرط التأثر بالاداء‎ ‎الجميل، وسجل ‏عبدالعزيز ضمن هذا المشروع أغنيات عدداً، كنا نامل بالطبع أن تزيد‎ ‎ولكن تراكم الاشغال حان ‏دون بلوغنا ما كنا نروم، أما أنا فقد كان من دافعي كمستمع‎ ‎أن ينعم المستمعون كافة بسماعهم ‏غناء عبدالعزيز اغنيةصالح عبدالسيد ابو صلاح وكرومة‎ (‎كم نظرنا هلال) وقد سمعته يغنيها فيما ‏يشبه الاعجاز وكنت كثير الحديث عنها، في‎ ‎واقع الأمر، ما أزال، ويسألني الأصدقاء مداعبين ‏ولماذا كم نظرنا هلال، وانت مفرط في‎ ‎تشجيع المريخ؟ والرد عندي: لله في خلقه شؤون‎ ..

    وطرفة أخري، قال عبدالعزيز‎: ‎انه عاش في زمن ما شاب (درويش) يعتقد الناس أن فيه بركة، ‏وكان اذا قال مثلا (خالي‎) ‎يموت خاله في اليوم التالي، واذا قال (عمتي) تموت عمته في اليوم ‏التالي، وهكذا وكان‎ ‎أهله يخشون هذا كثيراً وفي ذات يوم وأهله كلهم في البيت صاح فيهم (ابوي)! ‏وفي اليوم‎ ‎التالي مات جارهم‎!!

    اللهم قد اخترت عبدالعزيز إلى جوارك، اجل لكل اجل كتاب،‎ ‎اللهم أن كان مسيئاً فتجاوز عن ‏سيئاته، وما كان عبدالعزيز كذلك، اللهم أن كان‎ ‎محسناً فزد في احسانه، وبالمعنى الذي نعلم فقد ‏كان براً بنا؟ عف اللسان، وعلمت من‎ ‎بعد أن مات انه كان يخرج إلى سور جامع ام درمان الكبير ‏عقب صلاة الفجر كل يوم جمعة،‎ ‎ويوزع علي المعدمين الفقراء عند سور الجامع مئات الارغفة .. ‏حدثني بهذا صديقي حسن‎ ‎يحي الكوارتي‎ ..

    كان الغبار مساء السبت الرابع من اغسطس 1984، يشيع معنا‎ ‎اعذب الاصوات في تاريخ هذا ‏الوطن غير مدافع، دونما ضجة، أو ثرثرة في الصحف، هو اعذب‎ ‎الاصوات في تاريخ غناء ‏السودان غير مدافع، اقولها لا ارجو تأييداً من احد، ولا‎ ‎تعضيداً، واري الان بعض اصوات ردىء ‏الغناء تريد لتثري من أغنيات عبدالعزبز، من‎ ‎هؤلاء من حاكي مذهبه في الاداء، يصيبني عمله ذاك ‏بتعاسة غامرة اقول لهذا أن انشاد‎ ‎عبد العزيز‎:
    بهديها روحي تقسما‎
    بدل الزهور في‎ ‎مواسما‎
    مهما النفوس قدرن سما‎
    دي الفي القليب ممضي اسما‎
    والتي ينشدها باسلوب الرميات الحر، مثل ما عهدنا‎ ‎من أيام سيادة غناء الحقيبة لم تصطنع (رمية) ‏قي واقع الأمر وانما هي أغنية لها لحن‎ ‎معروف وتؤدي به وهي أغنية (لي نيه في قمر السما) ‏لسيد عبدالعزيز، وقد تصرف‎ ‎عبدالعزيز في ادائها وجعلها مطلعاُ ينشده بحرية، وهو أمر لا يقدر ‏عليه إلا صاحبه‎ ‎الذي ابتدعه، والله تعالي اعلم، ثم هل يقلد مذهب في الاداء؟ ثم أن بعض اهل الفن‎ ‎الشعبي اسلموا لحونه (لكركبة) الايقاعات المنفرة، تصور لقد سمعت من يغني بتلك‎ ‎الايقاعات ‏المنفرة أغنية لبرعي وعبدالعزيز تعتمد اساساً علي استهلال موسيقي بارع،‎ ‎وعلي لازمات ‏موسيقية صعبة الاداء، تلك هي أغنية صغيرتي. والشيالون يرددون مع مغنيهم‎ (‎الشوق والاحلام ‏ما زالت تؤرق والسنين، هل كنت تعنين الذي ما تدعين، ما زلت اذكر‎ ‎خصلة عربيدة فوق ‏الجبين‎)..

    فوزية محمد حسين زوج الفقيد، خلف العبء، بعضه‎ ‎وهو جله،عليها وولي، عزة وعزام التوأمان ‏يصعدان درج التعليم صعوداً متفوقاً، عمران‎ ‎اكبر الاولاد صار من اهل فنون الطباعة، كان ابوه ‏العظيم طرفاً من حياته، صفيفاً في‎ ‎مطبعة، وداؤد في دبى، وعلاء الدين في شموخه، وعايدة تعمل ‏في الإذاعة، وماجدة تغني‎ ‎لابيها فيما قد علمنا، وشجرة النبق في ذلك البيت تجود بما تقدر عليه، ‏وقد تجادت في‎ ‎صباها بثمر حلو وفير، وقريباً منها غطاء بئر المجاري، وكان المجلس البلدي قد ‏اصدر‎ ‎قراراً بأن تحفر الابار في كل بيت علي نمط هندسة المجاري الحديث، وجاء الحفارون إلى‎ ‎بيت عبدالعزيز وقد استبد بهم الطمع، قالوا له يا استاذ البير بتجيب مويه في البيت‎ ‎ده بعد ما نحفر ‏عمق عشرة رجال، والراجل بكلف ميتين جنيه! ضحك عبدالعزيز ثم قال‎ (‎و..بتحفروه بي كم)؟‎!!

    واني مازلت اذكر والاسي بعضي وجلي وكلي والحزن تلك‎ ‎الليلة الرابعة من شهر اغسطس ‏‏1984م، والغبار ينشر الاسي، والمقبرة ذات الظلام واهل‎ ‎الفن قد تركوا الغناء للبكاء، اذكر أن ‏واحدا من المغنين المعروفين كان يغنى علي بعد‎ ‎خطوات من بيت الاسي في حفل عرس ليلة دخلت ‏الأمة (بيت الحبس) من قال أن الفن غير‎ ‎الاخلاق؟‎.. ______________________________
                  

08-16-2009, 05:52 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    سوف نحكى عن طرائف ابوداؤؤد المشهورة
                  

08-20-2009, 04:32 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    تحية خاصة الى عزة ابوداؤؤد وهى تحي بصوتها ذكرى الراحل كل يوم
                  

08-23-2009, 01:27 PM

Asaad Alabbasi
<aAsaad Alabbasi
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1969

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    Quote:
    Quote: سوف نحكى عن طرائف ابوداؤؤد المشهورة


    ما سمعنا حاجة؟؟!! تحياتي لناذر الخليفة.
                  

08-23-2009, 09:27 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: Asaad Alabbasi)

    طيب ياابوالسعود
    من اروع حكايات ابوداوود..كان معزومين عشا بحضور اب عاج والموسيقار وردى فى المعتقل..الجماعه قالو لى نميرى ده صاحبك كلموا يفك وردى..بعدالعشاء نميرى كان فى حالة صفاء وخش ابوداؤؤد توش..ياريس وردى ده..قبل مايكمل رد نميرى بوجه متجهم..مالوو؟
    رد ابوداؤؤد انتو لسه ماأعدمتو..
                  

08-29-2009, 11:30 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    اف ام 100 فى رمضان حاجه ماتخلص كمان
                  

09-20-2009, 10:07 AM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بالطـريقه دى ..يوم حـاتكتلو ليكـم زول !! (Re: محمد عكاشة)

    عيدمبارك
    محبى ابوداؤؤد
    الى عزة وعمران
    كل المحبة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de