|
** غزوة بدر الكبرى **
|
الاخوة/ات الاعزاء
رمضان كريم
اسمحوا لى أن اقلب معكم فى هذا الشهر الكريم صفحات وضاءة من صفحات التاريخ الاسلامى
المشرقة
غزوة بدر الكبرى
قلة من المؤمنين ساقهم الله تعالى لملاقاة الكثرة من المشركين المتكبرين، حتى إذا وافوهم لم يلبثوا إلا يسيرًا، ثم نصرهم الله بقدرته عليهم، تلك كانت قصة بدر! القصة التى مهما قلبت صفحاتها طالعتك قدرة الله، وتدبيره لعباده، حين تتأمل سبب الغزوة، أو قوة الجيش المسلم وتنظيمه، وإذا صحبتهم فى الطريق إلى بدر أو استمعت إلى النذير فى مكة، أو رأيت تجهز المشركين للغزو، وتحرك جيشهم، وانفلات عيرهم، وانشقاق جيشهم، فى كل ذلك ستجد حتمًا قدرة الله وتدبيره!. إن مشاهد بدر المتتالية تغرس اليقين فى قلب المسلم، وتورثه صدق التوكل على ربه، توكلاً لاينافيه أخذه بالأسباب، إن هذه المعانى تتسارع إلى قلوبنا ونحن نشاهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستشير صحابته قبل الغزوة، ثم حين يقوم بالاستكشاف لمعركته، وتتسارع إلى قلوبنا ونحن نستمع إلى صوت نزول المطر قبيل المعركة، أو ونحن نرى نشر القوات وتهيئة مكان القيادة، ثم حين نستمع إلى صوت القيادة، ثم حين نستمع إلى كلمات المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو يقوم بالتعبئة المعنوية، وكذلك حين نولى وجهنا شطر الجانب الآخر فنلحظ الخلاف وقد تجدد فى صفوف المشركين، لكن الأعجب من ذلك كله، هو دقات قلوبنا التى لا زالت بعد أربعة عشر قرنًا من هذه الحادثة تتلاحق وهى تتابع ترائى الجيشين، وقدوم ساعة الصفر، ثم المبارزة الأولى قبل الهجوم العام، ومناشدة الرسول ربه عز وجل، والهجوم المضاد، وانسحاب إبليس من المعركة، ثم الهزيمة الساحقة، ونهاية المعركة. إن مشاهد هذه الغزوة لا تسأم منها قلوب المؤمنين أبدًا، وإن صورة مكة وهى تتلقى أنباء الهزيمة، والمدينة وهى تتلقى أنباء النصر، ثم تستقبل عودة النبى -صلى الله عليه وسلم- وجيشه إليها لترسم فى مخيلتنا نهاية حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، أما قضية الخلاف فى الغنائم، وقضية الأسرى، فتؤكدان بشرية حملة ذلك الحق، وحاجتهم الدائمة للتربية والتوجيه. سبب الغزوة
كسائر السرايا والغزوات التى سبقت بدرًا، بل كامتداد لإحداها -غزوة ذى العشيرة- كان منشأ هذه الغزوة، علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برحيل عير لقريش. وعير هذه المرة قد بلغ عددها ألفًا، وحملت من الدنانير الذهبية ما لا يقل عن الخمسين ألفًا، أما حرسها فلم يزد على أربعين رجلاً، يرأسهم أبو سفيان بن حرب فى رحلة عودته من الشام إلى مكة، وما عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أحد بالخروج - كشأنه فى سائر السرايا والغزوات السابقة- بل أعلن قائلاً: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها؛ ولذا فإنه لم ينكر على أحد من الصحابة تخلف عنه فى هذه الغزوة. هذا وقد استخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المدينة والصلاة عبدالله بن أم مكتوم، حتى إذا كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر، واستعمله على المدينة وقد كان خروجه -صلى الله عليه وسلم- فى اليوم الثامن أو الثانى عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة. قوة الجيش وتنظيمه
أسرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإدراك العير، فلم يكن معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قد اصطحبوا فرسين لا ثالث لهما، أحدهما للزبير بن العوام والآخر للمقداد بن الأسود الكندى وسبعين بعيرًا يعتقب كل بعير الرجلان والثلاثة، وقد كان رسول الله وعلى ومرثد بن أبى مرثد الغنوى يعتقبون بعيرًا واحدًا، أما لواء الجيش فكان أبيض يحمله مصعب بن عمير العبدرى. وقد قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيشه إلى كتيبتين: إحداهما للمهاجرين، ويحمل علمها على بن أبى طالب، والأخرى للأنصار ويحمل علمها سعد بن معاذ، كما جعل على الميمنة الزبير بن العوام وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، وعلى الساقة قيس بن أبى صعصعة. أما القيادة العامة فكانت فى يده -صلى الله عليه وسلم-. الطريق إلى بدر
سار الجيش على الطريق الرئيسى المؤدى إلى مكة، حتى بلغوا بئر الروحاء، ثم ترك طريق مكة بيسار، وانحرف ذات اليمين على النازية - يريد بدرًا- فسلك فى ناحية منها، حتى قطع واديًا يقال له رحقان، بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر على المضيق، ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، وهنالك بعث بسبس بن عمرو، وعدى بن أبى الزغباء الجهنيين إلى بدر يتجسسان له أخبار العير، وعند وادى ذفران جاءه خبر انفلات العير، وتجهز جيش المشركين وتحركه، فاستشار صحابته فى الرجوع أو القتال، ثم واصل مسيره فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثم هبط إلى بلد تدعى الدبة، وترك كثيبًا عظيمًا يسمى الحنان بيمين، حتى نزل قريبًا من بدر. النذير فى مكة
"يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث"!. كانت هذه هى الصرخة التى شقت سماء مكة، الملتهبة بقيظ نهار رمضان، وقد أسرع أهل مكة نحوها، فوجدوا ضمضم بن عمرو الغفارى، الذى استأجره أبو سفيان؛ ليحذر قريشا، فتنقذ تجارتها التى معه- وجدوه واقفًا على بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، وأخذ يصرخ بصرخته السالفة تجهز المشركين للغزو إن قريشًا التى لم تندمل بعد جراحاتها من سرية نخلة، قد فزعت إلى الحرب مسرعة، وهى تصيح: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمى؟ كلا، والله ليعلمن غير ذلك!، وإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- الذى خرج فى قليل من أصحابه يطلب العير، تعد له الآن قريش جيشًا عرمرمًا، فمن لم يخرج من رجالها بعث مكانه رجلاً، وسوى أبى لهب لم يتخلف أحد من أشرافها، وما تقاعس عنهم بطن من بطون قريش خلا بنى عدى، فلم يخرج منهم أحد، وما مضت إلا سويعات قليلة حتى كان جيش قوامه ألف وثلاثمائة مقاتل، معهم مائة فرس، وستمائة درع، وجمال كثيرة، قد بدأ مسيره، يتقدمه قائده العام أبو جهل بن هشام. لكن قريشًا بعد أن همت بمسيرها، تذكرت حربه مع بنى بكر وخشيت أن تغير على مكة فى غيابها، فتبدى لها إبليس فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم -سيد بنى كنانة- يطمئنهم قائلاً: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشىء تكرهونه. فمضوا، وما علموا أن ما يكرهونه من خلفهم، قادم إليهم من بين أيديهم!.
تحرك جيش المشركين "الآن نقتل محمدًا وصحبه، الآن يمحى من الدنيا وجودهم، وغدًا تعلم العرب من نكون"! يبدو أن هذه الخواطر التى جالت برؤوس قريش الفارغة، وهى تدب بأقدامها الثقيلة فى صحراء الجزيرة، فيعلو فى الآفاق دويها، ويرتفع فى السماء غبارها الكثيف، أما السؤال الذى تردد فى صدور قريش، فتعجبها: أى قوة الآن فى أرض العرب تقوم لنا؟!، تحركت جموع قريش بسرعة فائقة نحو الشمال فى اتجاه بدر، وسلكوا فى طريقهم وادى عسفان ثم قديدًا ثم الجحفة، حيث جاءتهم رسالة جديدة من أبى سفيان تقول كلماتها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم، ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. وقد كانت هذه الرسالة سببًا لوقوع انشقاق فى جيش المشركين
العير تفلت 
|
|
|
|