|
مجزرة اللاجئين السودانيين في القاهرة مثالاً...
|
نقلا عن موقع إيلاف الجمعة المشئومة
بلاد العرب أوطاني!! د. عبدالخالق حسين
(بلاد العرب أوطاني.. من الشامي لتطوانِ)، هكذا قال لنا الشعراء العرب الذين أرادونا أن نعتقد أن دولنا الوطنية هي من صنع الاستعمار وأطلقوا عليها (الدول القُطرية). فالوطن اختزل إلى مجرد قطر، وأن الحدود بين البلاد العربية مصطنعة، وعلينا أن نهدمها من أجل وطن أكبر يمتد من المحيط إلى الخليج سموه (الوطن العربي). والويل لمن يتجراً ويقول (العالم العربي) بدلاً من (الوطن العربي) فتنهال عليه تهمة الشعوبية والعمالة للصهيونية والاستعمار أما إذا كان في العراق أيام البعث أو في سوريا الآن، فيدفن حياً على طريقة البعثيين وغيرهم من القوميين العروبيين.
وقد كرس دعاة (الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة) خيرة المغنين من أمثال العندليب الأسمر الراحل عبدالحليم حافظ، لإثارة الجماهير العربية ومخاطبة عواطفها بدلاً من عقولها، فكان العندليب يصدح ليل نهار:
وطني حبيبي.. وطني الأكبر.. يوم وره وره يوم أمجادُه تكبر.. وانتصاراته مليةْ حياتُه.. وطني بيكبر وبيتحرر... وطني وطني.....!
وطني يا أغلى وطن في الدنيا وطني يا قلعة للحرية إنت الباني مع البانين وإنت الهادم للعبودية!!
***********
فهل هناك كذب أكبر من هذه الأكاذيب؟ ليت العندليب الأسمر يشق قبره اليوم ويبعث حياً ليرى كيف تحول هذا الوطن إلى أكبر سجن للعبودية بدلاً من قلعة للحرية. مسكين هذا الوطن الذي صار من أغلى أمنيات شعوبه هي مغادرته والعيش في الدول الغربية "الاستعمارية" بلاد "الكفار". وهل هناك دليل أوضح مما نسمعه بين وقت وآخر، من أخبار عن غرق سفن وعلى ظهرها كذا عدد من العرب الهاربين من بلدانهم طالبين اللجوء في أوربا وقد صاروا طعاماً لقرش البحار؟
مناسبة هذه المقالة هي المجزرة التي ارتكبتها شرطة (جمهورية مصر العربية) بحق المشردين السودانيين في القاهرة صباح هذا اليوم 30/12/2005. وقد فر هؤلاء من ظلم حكامهم في السودان هرباً من جرائم إبادة الجنس فلجئوا إلى مصر "العروبة" وقلبها النابض، ينشدون فيها حق النخوة والدخالة والمروءة والحماية العربية، فما كان من تقاليدنا العربية المجيدة إلا ومقابلتهم بالرصاص وقتل عشرة منهم، وجرح العشرات. وهناك تقارير أخرى تفيد أن عدد القتلى بلغ العشرين، معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال. فهكذا النخوة العربية وإلا فلا... إنها بطولة خارقة، أليست كذلك؟
أسوق هذا الكلام إلى الإعلاميين العرب الذين لم يتوقفوا عن شتمنا ،نحن الليبراليين، ليل نهار، وينعتوننا بأننا من "كتاب المارينز" وعملاء للإمبريالية الأمريكية والصهيونية إلى آخره من الكلام الرخيص، على إنهم الكتاب الأحرار. إنهم أحرار لأنهم اختاروا بملء إرادتهم الوقوف إلى جانب "القائد الضرورة" ورمز شرف الأمة العربية "الرئيس" صدام حسين، غير مبالين بمحنة الشعب العراقي. أحرار وأشراف لأنهم يمجدون الأنظمة المستبدة ويدافعون عن جرائمها. قليلاً من الخجل يا حكام العرب ومن يدافع عنكم من الكتاب المنافقين. وهل أبقيتم أية قيمة للإنسان العربي في وطنه؟
لنرى ما هو موقف الكتاب العرب وفضائياتهم ووسائل إعلامهم من هذه المجزرة بحق البؤساء السودانيين؟ لنتصور ولو لحظة واحدة، أن هذه المذبحة قد حصلت في أمريكا أو أية دولة غربية بحق اللاجئين، فماذا سيكون رد فعل الإعلام العربي؟ تالله لأقاموا الدنيا دون أن يقعدوها. وقد اعتدنا على ما يردده الإعلام العربي ومعه منظمات حقوق الإنسان في الغرب من التهم ضد أمريكا بأنها تسيء معاملة المعتقلين في غوانتنامو. ولكن ما أن قررت أمريكا قبل أشهر ترحيل عدد من المتهمين العرب إلى بلدانهم ليحاسبوا فيها من قبل حكوماتهم حتى تغيرت النغمة فنظموا الاحتجاجات الشديدة خوفاً على المتهمين من قسوة بلدانهم. أليس هذا اعتراف ضمني أيها السادة أن "الوطن العربي" هو أسوأ من معتقل غوانتنامو؟.
أما كان لدى الشرطة المصرية وسيلة أخرى أقل قسوة لإخراج هؤلاء اللاجئين العزل من أماكنهم بدلاً من الرصاص وقتل الأبرياء؟ ما هو موقف الحكومات العربية "الديمقراطية جداً" من هذه المجزرة؟ وما هو موقف منظمات حقوق الإنسان والأحزاب القومية العربية والإسلامية واليسار الأوربي من هذه الجريمة؟ فهل نتوقع منهم مظاهرات احتجاجية على هذه الفعلة الشنيعة التي يندى لها جبين الإنسانية أم دورهم ينحصر فقط في التظاهر على الديمقراطية في العراق كما عمل اليساريون في مدريد مثلاً في العام الماضي احتجاجاً على إجراء الانتخابات في العراق؟ لنتصور أن الشرطة الأمريكية أطلقت الرصاص على المعتقلين في غواناتمو، فماذا سيكون رد فعل هؤلاء؟ حقاً أننا نعيش في عالم اللامعقول.
|
|
|
|
|
|