الموت البطئ لأبناء دارفور في مصر بعيداً عن أنظار العالم

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 10:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة مجزرة اللاجئين السودانيين في القاهرة بتاريخ 30 ديسمبر 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-07-2006, 09:48 AM

ترجمة:حسن موسى دلـدوم


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الموت البطئ لأبناء دارفور في مصر بعيداً عن أنظار العالم

    الموت البطئ لأبناء دارفور في مصر بعيداً عن أنظار العالم

    بقلم: جمال عبد الرحمن آدم ([1]) [email protected]
    و ليبن نيلسون مورو ([2])

    ترجمة:حسن موسى دلـدوم [email protected]

    تقــديم:
    في الخامس والعشرين من شهر أغسطس من العام 2004م إشتبك اللاجئون السودانيون في القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية مع الشرطة المصرية ولعدة ساعات في الشوارع والمنتزهات المجاورة لمباني المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالقاهرة، السبب هو أن هؤلاء اللاجئين أرادوا تسليم مذكرة لهم للمفوضية يطالبونها بضرورة إعادة النظر في قرارها القاضي بتعليق تحديد أحوال لجوئهم.([3])
    بدلاً من أن يتم السماح لهؤلاء اللاجئين بتسليم مذكرتهم تم صدهم من قبل رجال الشرطة المصرية الذين قاموا بإغلاق مدخل المفوضية أمامهم ومن ثم شرعت في إستخدام القوة لإرغامهم على التراجع وبذلك تطورت العملية من تظاهرة السلمية إلى مجابهات مع المتظاهرين مما أدى إلى جرح العديد من اللاجئين وبعض من أفراد الشرطة وإعتقل على أثرها عدد 22 لاجئاً.
    لقد قمنا بإجراء مقابلات ميدانية لعدد 31 لاجئ عقب الحادث ووجدنا أن جميعهم يتهم مسئولي المفوضية بأنها كانت وراء دعوة الشرطة للتدخل لإستخدام القوة ضدهم من أجل ثنيهم عن تقديم ورقة مطالبهم، وبناءً على حديث 14 من هؤلاء اللاجئين فقد ذكرهم الحادث بسلوك نفس المفوضية ضد اللاجئين السودانيين في العام 1994م عندما قامت الشرطة المصرية وبإيعاز منها بتعذيب النساء والأطفال بسبب إعتراضهم على مواقف المفوضية السالبة تجاههم في القاهرة.
    شكلياً قامت المفوضية بإلقاء اللوم على الحراس لإستخدامهم العنف مع المتظاهرين لكنها ألقت باللوم الأكبر على منظمات المجتمع المدني في مصر متهمة إياها بأنها وراء تحريض اللاجئين على العنف، ولم تبدء المفوضية بعد ذلك أي إستعداد لتعديل قرارها بشأنهم وبذلك خاب أمل المتظاهرين وفشل اللقاء على أية حال. ([4]) عكس ما ظل ينتظره هؤلاء اللاجئون ترى المفوضية أن على اللاجئين السودانيين النظر في أمر العودة إلى الوطن بدلاً من توطينهم في دول أخرى.
    هذه الورقة تناقش في الأساس إستياء اللاجئين السودانيين عن الأوضاع المأساوية التي يعيشونها في مصر كما تتطرق إلى نأي المفوضية السامية لشئون اللاجئين عن هموم اللاجئ وذلك من خلال تقديمها لنمازج من شكاوى وتظلمات هؤلاء اللاجئين، أيضاً نشير إلى أن معدي الورقة تتطرقوا إلى كل ذلك من واقع تجربتهم الشخصية في اللجوء بمصر وما أجروه من بحث متعمق عن ظاهرة اللجوء واللاجئين السودانيين في مدينة القاهرة.

    الفرار من الإبادة الجماعيـة:
    إن كارثة التسونامي صنعة الإنسان في دارفور قد تم وصفها خلال العام 2004م بالإبادة الجماعية من قبل وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة الأمريكية وعلى أنها تصفية عرقية كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة وبأنها أسوأ كارثة إنسانية حسب وصف منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في السودان.([5])
    في الحقيقة المذابح الإنسانية في دارفور لم تكن وليدة الثلاث أعوام الماضية بل ظلت مستمرة منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي لكن العالم لم يتنبه لذلك إلا بعد أن قامت منظمات شئون لاجئي دارفور في كل من مصر وبعض الدول الغربية إضافة إلى المجهودات الجبارة التي قام بها العديد من الأكاديميين السودانيين وبعض الناشطين (منهم كتّاب هذه الورقة) لإقناع المجتمع الدولي بأن عمليات الإبادة ظلت ماثلة في دارفور منذ وقت طويل كما أشرنا.([6])
    في دارفور هنالك حوالي 3 مليون شخص شردوا من قراهم ومناطقهم ليصبحوا إما نازحين داخل بلدهم حيث عاني معظمهم خلالها صنوفاً من التعذيب والإهانة وإما أنهم أجبروا على اللجوء إلى دول الجوار سيما تشاد وليبيا ومصر الذي يعيش فيها وحدها حوالي 8000 لأجي من دارفور ظل معظمهم منسياً من أنظار المجتمع الدولي.
    المفوضية السامية في مصر قامت بإعطاء البعض من هؤلاء المهاجرين صفة لاجئين وهو ما ساعد نسبة ضئيلة منهم ليتم إعادة توطينهم في بعض الدول كالولايات التمحدة وأستراليا وكندا أما الغالبية فقد تم توطينهم محلياً أي في جمهورية مصر مع إحتمال إندماجهم في المجتمع المصري أو الإنتظار حالما يتمكنوا من العودة إلى وطنهم.
    على العموم فإن قرار المفوضية بشأن اللاجئين السوانيين الذين تم توطينهم محلياً لهو دليل واضح على أنها لم تجر أية دراسات ميدانية متكاملة على اللاجئين من أجل معرفة الحقائق حول تجاربهم وظروف حياتهم اليومية، فعلى ما يبدو بنت المفوضية قراراتها بشأنهم مستندة على نتائج اللقاءات الفردية التي دارت مع بعض المسئولين الحكوميين المصريين أمثال السيدة منى خشابة سفيرة مصر بأوكرانيا والتي أوضحت بفخر ذات يوم في العام 2001م ما يلي:

    " لقد ظل المصريون وعلى مر التاريخ يستقبلون اللاجئين بكل ترحاب وود، فمنذ أيام سيدنا يوسف وإخوانه وحتى فترة الأسرة المقدسة عرفت مصر بأنها الملاذ الآمن للقادمين إليها بإعتبارها الدولة التي يجد فيها لاجئي المجاعات والحروب وعدم الإستقرار السياسي الأمن والغذاء كما أن القرآن الكريم قد أمر المسلمين دخول مصر بأمان ودون خوف".([7])

    هنا نذكر بأن السيدة خشابة كانت المسئولة عن شئون اللاجئين بوزارة الشئون الخارجية المصرية لعدة سنوات قبل أن يتم تعيينها سفيرة لبلادها في كييف،فقد عملت السيدة خشابة عن قرب مع العديد من المنظمات الدولية سيما في مصر بما فيها المفوضية السامية لشئون اللاجئين.
    ولأن مصر هي الدولة التي ظلت تستقبل اللاجئين "منذ القدم" فإنها ضمن الدول التي وقعت على إتفاقية جينيف لعام 1969م، لذلك وفيما يتعلق باللاجئين السودانيين في مصر إستخدمت السلطات المصرية ببراعة كل تلك الإتفاقيات والمعاهدات التي وقعوها مع نظرائهم السودانيين للتأكيد على أن مصر هي الوطن الثاني للسودانيين وهو ما جعل الكثير من المهتمين بشئون اللجوء واللاجئين الذين لم يكن لديهم إتصالات مباشرة بمسألة اللاجئين السودانيين في مصر الإقتناع والتصديق بأن هؤلاء اللاجئين يعاملون بالفعل كمواطنين في مصر.([8])
    إن إدعاءات كرم الضيافة تلك تجاه اللاجئين السودانيين ولاجئي دارفور على وجه الخصوص لا تعدو كونها نفاق سياسي لا تمت للواقع بصلة حيث لا أحد من الـ 31 لاجئاً من الذين تحدثنا معهم تحصل حتى على تصريح عمل في مصر، فقد وجدنا أن 17 لاجئ منهم دخل السجن لمرة واحدة على الأقل 11 منهم بسبب بيعهم بضائع على الأرصفة وعدد 6 منهم خلال إعتقالات عنصرية، كذلك فإن عدد 16 لاجئاً فقط تسلم ولمرة واحدة إعانة نقدية ضئيلة تراوحت ما بين 180 إلى 300 جنيه مصري للفرد دفعت لهم إما لأنهم كبار سن أو أن لديهم أطفال وقد وجدنا أن عدد 3 لاجئين هم من الذين تم إعادة توطينهم محلياً وتم تحديدهم رسمياً كلاجئين منذ أكثر من عامين خلت ومع ذلك تلك هي مجمل المبالغ التي تحصلوا عليها.
    كل الذين تم مقابلتهم يعيشون في شقق سكنية يبلغ الإيجار الشهري لكلٍ منها ما بين 300 إلى 700 جنيه مصري (هذا بدون الخدمات) ويلزم دفعها إضافة إلى مبلغ تأمين الشقة وتأمين الهاتف مقدماً وقبل دخولها، مثال لذلك السيد/ أومـاد 27 سنة الذي إستأجر مع أربعة آخرين شقة بها غرفتين بمبلغ 450 جنيه في الشهر ( في فبراير 2004م) حيث دفعوا مبلغ 1.120 جنية قبل إستلام الشقة.
    إن وصف السيد/ يوسف هلال وزملائه لشقق هؤلاء الذين يعيرونهم دائماً بالأفارقة لهو صحيح وفي مكانه([9]) إن هؤلاء الأفارقة هم سودانيون من ذووا البشرة السوداء من ضمنهم أبناء دارفور الذين دائماً ما يسكنون مزدحمين في شقق قديمة فقيرة الأثاث.
    على العموم فإن مراسلي مجلة روز اليوسف قد قدموا إجابة واحدة فقط على السؤال المطروح: ما الذي جعل هؤلاء الأفارقة يسكنون بمثل هذا الإزدحام؟ إجابتهم الوحيدة هي لأنها رخيصة جداً، هذا صحيح من جانب كون هؤلاء السودانيين ليسوا بدبلوماسيين أو رجال أعمال أو سياح، إنهم أناس أتوا يبحثون عن مأمن ومع ذلك يدفعون إيجار تلك الشقق القديمة أكثر من ضعف ما يدفعه المصري في إيجار شقق أمثالها.
    لكن الإجابة المباشرة يجب أن تكون "القانون المصري لا يسمح لهؤلاء اللاجئين بالعمل كما أن المفوضية لا تقدم لهم أكثر من أوراق لا فائدة لها طالما أن الأمن والشرطة المصريين لا تعترفان بها". حتى الذين حاولوا الإعتماد على أنفسهم بالعمل في الطرقات كثيراً ما يتم إستفزازهم من قبل الشرطة المصرية حيناً ومن البلطجية أحياناً أخرى.
    مثال ذلك السيد/ دكــو وهو ضمن اللاجئين المحددين من قبل المفوضية ولأن الأخيرة لا تقدم له أية مساعدة قام بإستدانة مبلغ زهيد من بعض معارفه بدأ به نشاط تجاري بسيط تمثلت في بيع الأحزمة الرجالية وولاعات السجاير وغيرها في إحدى أسواق الجيزة. ذات مساء وهو في إنتظار الأتوبس للعودة إلى مسكنه إقتاده إثنين من رجال الأمن المصري وطلبوا منه بأن يصرح نفسه ( أي أن يرتشيهم ويذهب) لكنه أكد لهم أنه لم يبع شئ في ذلك اليوم ومن ثم أخرج لهم بطاقة المفوضية الزرقاء في إعتقاد منه أن ذلك سيحرره من قبضتهم، لكن في المقابل قام أحدهم بتمزيق البطاقة ودهسها في الأرض قائلاً لا نريد أن نراك هنا ثانيةً. ذهب السيد/ دكــو وأبلغ المفوضية بالأمر حيث قامت بإرسال أحد موظفيها إلى مركز الشرطة المعنية وبعد أن قام الموظف بمناقشة مأمور المركز في الأمر في الوقت الذي ترك فيه دكـو منتظراً بالخارج عاد إليه موظف المفوضية وطلب منه أن يدعي بأن بطاقته ضاعت منه ولم يتم تمزيقها من قبل رجل الأمن!!

    المفوضية السامية ووصول اللاجئين السودانيين:
    منذ العام 2004م منح معظم اللاجئين السودانيين بمن فيهم أبناء دارفور الذين تقدموا بطلبات لجوء منحوا صفة لجوء مؤقتة في مصر وبذلك يكونوا قد إستبعدوا تلقائياً من أي إجراءات أخرى لدراسة حالة لجوئهم والنظر في إعادة توطينهم في دول أخرى كما أن اللاجئين الذين هم تحت حماية مؤقتة قلما يحصلون على أية مساعدات إنسانية من المفوضية سيما وأن دعم المفوضية تذهب في الأساس إلى الأسر المكونة من أعداد من الأطفال والعجزة، وبما أن معظم اللاجئين من أبناء دارفور جاؤا في شكل أفراد فقد أجبروا للبحث عن وسيلة عمل لتدبير أمر معيشتهم بأنفسهم.
    يجدر بالذكر أن العالم تلقت أخبار الإبادة في دارفور كحدث مفاجئ في العام 2003م إلا أن الحقيقة تؤكد بأن تلك الفعلة ظلت تمارس ضد أهل دارفور الأصليين منذ وقت طويل كما أسلفنا، كذلك فأن أهل دارفور كثيراً ما تم إستبعادهم من مراكز القرار والسلطة في الدولة مثلما أن جميع أنشطتهم ظلت تحت الرقابة الأمنية في مختلف أرجاء الوطن، وفي دارفور نفسها قتل رمياً بالرصاص العديد من سكان الإقليم الأصليين في الطرقات والمزارع والبساتين وفي منازلهم بينما غادر معظم الشباب الإقليم إلى وسط السودان ومنها هاجر البعض إلى دول الخليج ومصر بينما عبر آخرون الصحراء شمالاً متوجهين صوب الجماهيرية الليبية.
    ربما يبدو للبعض بأن هؤلاء الشباب هاجروا بسبب الأوضاع الإقتصادية لكن الحقيقة تقول أنهم فروا بحثاً عن الأمن حفاظاً على سلامتهم، فقد وصل العديد من أبناء دارفور إلى مصر في التسعينيات وتقدموا بطلبات لجوء لكن من بين أكثر من 700 شخص تقدموا بطلبات لجوء في الفترة من 1994م ـ 1998م فإن سبعة منهم فقط تم تصنيفهم كلاجئين ثلاث منهم تم توطينهم في الولايات المتحدة الأمريكية.
    هنالك أقاويل وسط اللاجئين السودانيين في القاهرة تقول بأن المعارضة السودانية في مصر ظلت تنقل معلومات خاطئة لمسئولي المفوضية من أجل عدم تقييد أبناء دارفور كلاجئين لدى المفوضية بحجة أن من يحكمون في السودان هم من أبناء دارفور، لكن أياً كانت تلك المزاعم صحيحة أم لا فإن المفوضية باتت تعتقد بأن أبناء دارفور هم الذين يحكمون في السودان، مثال لذلك ما أخبرنا به السيد/ كــولو أحد محدثينا قائلاً:

    " الشخص الذي أجرى لي المقابلة في المفوضية كان ظريفاً للغاية، فبعد أن فرغنا من المقابلة دخل معي في حوار غير رسمي بقوله أن لديهم معلومات بأن أبناء دارفور مهاجرون من أجل المال وكسب الرزق وليسوا بلاجئين سيما وأن الحكومة السودانية تديرها أبناء دارفور. فسألته من هم أبناء دارفور الحكام فقال لي د. على الحاج ومحمد الأمين خليفة والتجاني آدم الطاهر، قلت له صحيح أنهم من دارفور لكنهم ثلاث فقط في الوقت الذي تجد فيه أكثر من 90% من الذين يحكمون في البلاد ينتمون لإثنين أو ثلاث قبائل صغيرة في السودان تقطن على ضفاف نهر النيل شمال الخرطوم".

    نفس الحديث حول كون أبناء دارفور هم من يحكمون في السودان يتكرر في أوساط السودانيين من أبناء شمال البلاد المقيمين في القاهرة، كما أنه وخلال فترة حكم الصادق المهدي الأخير للبلاد في الفترة من 1986م ـ 1989م ظهرت أصوات من شمال السودان تحتج على أن الدولة السودانية باتت تحكمها الغرابة ( أبناء غرب السودان) هذا الموقف إنما يبين كيف أن معظم تلك الأصوات تكره رؤية أياً من أبناء دارفور خاصة في المناصب القيادية العليا في الدولة لدرجة أن وجود واحدا منهم على الأكثر في موقع كتلك يعد بمثابة هيمنة على السلطة في البلاد.
    مثل هذه الكراهية والبغضاء قد تم تعميقه من خلال مفهوم القومية العربية التي ودون شك تأججت بظهور دولة إسرائيل في المنطقة ونتيجة لذلك أصبحت القوميات الأصلية التي تتقاسم المواطنة مع العرب في بعض البلدان تعاني من التصنيف على أنها أيضاً مصدر خطر على مستقبل القوميات العربية يجب تضييق الخناق بها والقضاء عليها ومن هنا جاءت عمليات الإبادة البشرية في دارفور لتفضح تلك الممارسات وتبين للعالم حقيقة مقاصد القوميين العرب وتدحض في ذات الوقت إدعاء الصراع الديني في دارفور.
    وبناءً على ما ذكر عاليه فقد وقفت مصر بجانب الحكومة السودانية من أجل صرف النظر عن المشكلة السودانية في دارفور بإعتبار أنها مشكلة قبلية محلية أكثر من كونها مشكلة عنصرية وعلى غرارها إعتبر اللاجئين من أبناء دارفور ضحايا مشكلة قبلية فحسب، تلك هي رؤية القومية العربية التي ظلت تلعب فيها حكومة السودان دور الوسيط.

    جمع القاذورات في مدينة 6 أكتوبر:
    غالبية المصريين يعيشون في مدن القاهرة والأسكندرية وغيرها من المناطق الحضرية حيث يقيم كذلك معظم اللاجئين من أبناء دارفور، ولتخفيف الضغط على المدن الرئيسية شرعت الحكومة المصرية في بناء مدن ملحقة في كثير من المناطق من بينها مدينة 6 أكتوبر. لقد تحول بعض لاجئي دارفور إلى مدينة 6 أكتوبر بحثاً عن شقق سكنية بأسعار زهيدة إضافة إلى البحث عن أعمال يدوية تعينهم في معيشتهم، إن غالبية الشقق في هذه المدينة في حالة يرثى لها من القدم وضعف الأثاث والخدمات لذلك فإن إيجارها تكون بأسعار أقل من الشقق في القاهرة.
    السيد/ فندور([10]) هو ممرض سابق في دارفور يقول أن أكثر من 1000 سوداني أكثرهم من دارفور يعيشون في هذه المدينة من أجل عمل يحصلون منه على ما يعيشهم حيث يرتاد غالبيتهم ساحات القمامة القذرة بحثاً عن قطع معدنية وأشياء أخرى يبيعونها لمصانع تستخدم مثل تلك المواد الخردة.
    الجدير بالذكر أنه ليس جميع اللاجئين السودانيين في القاهرة يعانون من نفس ظروف العمل إنما العامل المشترك هو أن جميعهم يتعرض لذات المعاملة السيئة والمضايقات المستمرة في العمل بغض النظر عن خلفياتهم في السودان أو عن أوضاع إقامتهم في مصر.
    مركز النفايات في مدينة 6 أكتوبر هو عبارة عن ساحة كبيرة تقوم فوق أرض صحراوية جرداء تحتوي على مواد متصدئة وتالفة تكدست وتكدرت هناك منذ سنين قليلة خلت وما يمكن تمييزه وسط تلك النفايات بيسر مثال أحذية الأطفال وأكياس الكاتشاب والماكدونالد وبقايا بطاريات السيارات والزجاج وقنينات بلاستيكية ..ألخ. هذه النفايات التي تعد مصدر خطر على صحة الإنسان تأتي من المساكن والمطاعم والمستشفيات ومواقع البناء والمصانع وغيرها وقد عبّر اللاجئون العاملين في الموقع عن مخاوفهم من تعرضهم لأمراض فتاكة بفعل التعامل مع مثل تلك القاذورات سيما الأمراض الصدرية.
    السيد/ كيتكي (وهو من أبناء الفور) الذي قادنا إلى مكان القمامة إدعى بأن عدد 13 من اللاجئين العاملين في الموقع بدأوا يشكون من أمراض في الجهاز التنفسي جراء الغبار ومواد أخرى تحتويها تلك القاذورات كما ذكر لنا أن أحد اللاجئين توفي متأثراً بمرض صدري ظهر في الموقع وأن آخرين يعانون من السل الرئوي.
    العائد من العمل في تلك القمامة قليل للغاية بالمقارنة مع المصروفات التي تقابلها، أنهم يقومون بحفر ونبش أكوام القمامة مستخدمين آلات الحفر اليدوية لعمل يومي متواصل يستمر عدة ساعات وحسب حديث السادة/ نوللا وإيري وأمبوشي فإن الدخل لا يساوي الجهد الذي يبذل لكن لا مصادر أخرى متاحة يمكنهم خوضها ثم أضاف السيد/ إيري أنهم يأتون للعمل مبكراً ويعودون عند المساء ومع ذلك ففي أفضل الأيام يمكن للواحد الحصول على 10 كليوجرامات من القطع المعدنية التي تباع بحوالي 10 جنيهات أي أقل من جنية إسترليني واحد يصرف جزء منها في المواصلات بينما يضطرون أحياناً لتقديم رشاوى للغفر المصريين كيما يسمحوا لهم بالدخول إلى موقع القمامة.
    العديد من العملاء يشترون ما يحصلون عليه من القطع المعدنية بشكل منتظم أحدهم من شمال السودان كما ذكر السيد كيتكي مضيفاً بأن مصنع الخردة الذي يتعاملون معه تم إنشائه منذ عام حيث قبل تدشينه كان اللاجئين يعملون في مصانع أخرى غير أن العائد كان ضئيلاً جداً كما أن ظروف عملهم كانت مروعة للغاية.
    وحسب حديث السيد/ موير (وهو عربي من أمدرمان)، فإن العمل في موقع القمامة هو أفضل بكثير من العمل تحت إدارة وإشراف المصريين فهنا الواحد حر في عمله ولا يتعرض لأذى من المصريين مضيفاً العمل في أي مصنع مع المصريين لهو عمل شاق وخطر مدللاً على ذلك بحادثة أحد اللاجئين من جنوب السودان الذي تعرض لإصابة بليغة في قدمه من جراء ضربة متعمدة بقطعة حديدية من قبل أحد المصريين الذين يعمل معهم.
    يقول السيد/ كيتكي أن القطع المعدينة باتت تنفد في موقع القمامة لذلك فإن قليل من اللاجئين مستمر في إرتياد المكان حيث تحول معظم اللاجئين إلى مركز قمامة أخرى حديثة. بالفعل رأينا لاجئين إثنين وهم يقودون دراجاتهم (بسكليت) متوجهين إلى موقع القمامة الجديدة وهم يحملون معهم حقائب محزمة بداخلها أدوات العمل وبعض الماء والطعام سيما وأن الموقع في قلب الصحراء ولا يوجد مكان قريب للماء كما أن طبيعة العمل الشاق نفسه يتطلب تناول مستمر للماء.
    يذكر أنه من الصعب على الأجانب الوصول إلى اللاجئين في مواقع العمل في القمامة لأن الغفر المصريين يسمحوا فقط للسودانيين ولقليل من المصريين بإرتيادها، فهؤلاء اللاجئين السودانيين يكدحون في تلك الصحراء اللهيبة في ظروف صحية بالغة الخطورة بعيداً عن أنظار العالم. يمكن فقط للذين يشبهونهم من إمكانية الدخول في تلك المواقع للتعرف على حقيقة أوضاعهم المأساوية.
    لقد أعتمدنا بشكل كبير على السيد/ كيتكي الذي يعمل هو الآخر في الموقع ليشرح لزملائه الغرض من زيارتنا كما أنه إلتمس منهم التعاون معنا، كما أوضح لنا بأن المصريين لا يسمح لهم للعمل في موقع القمامة لخطورة ذلك على الصحة ولكن هنالك أعداد قليلة منهم يعملون بمنأى عن أماكن عمل السودانيين.
    إن أحد الذين قابلناهم كان من الشخصيات المسئولة في حكومة الخرطوم بدارفور حيث شرح له السيد/ كيتكي أن هذان الزائران أتوا لدراسة المشاكل التي يواجهها اللاجئين السودانيين، وافق الرجل أن يشرح لنا تجربة لجوئه القاسية منذ أن غادر السودان قائلاً أن زوجته توفيت تاركة خلفها 3 أطفال وأنه جاء من السودان منذ أشهر قليلة وأنه تم تضمينه في قيد المفوضية الذي وفّر له حماية مؤقتة لكن بدون مساعدة إنسانية، مضيفاً أن المفوضية فشلت في مساعدته الأمرالذي جعله يشعر بمزيد من الإحباط. نفس هذه الحالة يطبق على كل أبناء دارفور الذين قدموا إلى القاهرة بعد شهر ديسمبر من العام 2003م وهو التاريخ الذي أوقفت فيه المفوضية عملية تصنيف وتحديد السودانيين كلاجئيين بمن فيهم أبناء دارفور، فبدلاً من ذلك شرعت المفوضية وبكل إستهزاء في تحريض اللاجئين على العودة لوطنهم كما أسلفنا. نذكر أن أحدنا قد حضر في ربيع العام 2004م اللقائين اللتين أقامتهما المفوضية السامية لذات الصدد وأوضح لمسئولي المفوضية أنه من السابق لأوانه مطالبة اللاجئين السودانيين بالعودة لوطنهم.
    يذكر أن عدد ثلاث لاجئين من الذين أجرينا معهم المقابلة سمحوا لنا بتصويرهم في موقع القمامة إنهم شبان صغار في السن أكمل جميعهم الدراسة الجامعية وجاؤا إلى القاهرة خلال العام المنصرم حيث فقدوا الإتصال مع أسرهم في دارفور وأكثر ما يقلقهم هو المحافظة على سلامة صحتهم في ظل العمل في القمامة التي لا يملكون بديلاً عنها في كسب عيشهم.
    إن من إلتقينا بهم من أبناء دارفور يأخذون على المفوضية لتجاهلها عن حجم الصعوبات التي يواجهونها ويستغربون في الوقت نفسه عن السبب في دعوتها لهم بالعودة للوطن وأهلهم إما قتل أو شرد.
    بالمثل فإن لاجئاً آخر من أبناء جبال النوبة بدا ممتعضاً جداً بسبب فشل المفوضية على مساعدة اللاجئين لذلك يقول أنه شارك مع آخرين في التظاهرة التي قاده اللاجئين السودانيين أمام مباني المفوضية في القاهرة كما ذكرنا، على أمل أن يفضي ذلك إلى الإستجابة لبعض مطالبهم من قبل مفوضية إتسمت تعاملها بالبرود واللامبالاة.

    خاتمـة:
    إعتماداً على الأدلة التي قدمناها في هذه الدراسة يبدو من المستحيل أن يندمج هؤلاء اللاجئين السودانيين في المجتمع المصري، الدراسة كذلك توصلت إلى أنه من المبكر مطالبة أو دعوة اللاجئين بالعودة ريثما يتم التأكد من أن السلام قد عم جميع ربوع السودان وعليه فإننا نقترح بشأن هؤلاء اللاجئين حلولاً مؤقتة كما يلي:
    1. أن يقيم اللاجئين السودانيين طوعاً في معسكرين مؤقتين تقام على أطراف مدينة القاهرة لأن ذلك من شأنه أن يلفت إنتباه المنظمات الإنسانية الراغبة في تقديم المساعدة كما أنه يسهل لهم القيام بذلك المهمة. أيضاً سيساعد ذلك اللاجئين على متابعة شئونهم الخاصة وسيؤدي في الوقت نفسه إلى تقديم خدمات أفضل لهم. ومن ناحية أخرى يمكن توظيف الأطباء والممرضين والمدرسين ..ألخ من هؤلاء اللاجئين محلياً داخل تلك المعسكرات بمساعدة المنظمات التطوعية المحلية والدولية بدلاً من التغاضي المستمر عن قدراتهم وإمكانياتهم.
    2. يجب تخصيص بعض المبالغ لمساعدة اللاجئين لتأسيس أعمال تجارية صغيرة مثل أعمال النسج والنجارة والخياطة وغيرها بغرض تصدير منتجاتهم إلى أسواق بعض الدول.
    3. اللاجئين من أبناء دارفور يجب أن يتم تصنيفهم تلقائياً كلاجئين طالما أنهم ظلوا هدفاً لقوات أمن نظام الحكومة السودانية أينما كانوا داخل وطنهم، حيث أننا نؤكد بقوة بأن أجهزة أمن الحكومة السودانية ومنذ شهر مارس من العام 2005م قتلت أكثر من 100 دارفوري بمدن دارفور المختلفة وإغتصبت مئات النساء تحت تهديد السلاح.
    4. أن يتم حصر أسماء اللاحئين من أبناء دارفور وتقديمها إلى الدول الراغبة لقبولهم وإعادة توطينهم ويمكن في ذلك لروابط دارفور في الخارج أن تلعب دوراً إنسانياً مهماً.



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] ـ طالب دكتوراة بجامعة يورك ـ كنـدا.
    [2] ـ طالب دكتوراة بجامعة أوكسفورد ـ بريطانيـا.
    [3] ـ أنظر المنظمة السودانية لحقوق الإنسان ـ فرع القاهرة www.shro-cairo.org
    [4] ـ سارعت المفوضية إلى تجديد قرارها الخاص بتعليق تحديد حالة اللاجئين السودانيين بعد إنقضاء فترة الست أشهر.
    [5] ـ في الـ DPA (2004م) توصلت الولايات المتحدة إلى أن الإبادة قد حدثت في دارفور ،10سبتمبر ـ قاريث إيفانز ـ 14
    مايو 2004م في الـ إنترناسيونال تربيون ـ إيرك ريفز في 26 مارس 2003م التصفية العرقية في دارفور، مقال
    إلكتروني.
    [6] ـ أنظر الصفحة الإلكترونية لأبناء المسالية في المنفى www.damanga.org
    [7] ـ أنظر جمال نكروما في جريدة الأهرام المصرية ـ بتاريخ 20 ديسمبر 2001م.
    [8] ـ آخر هذه الإتفاقيات وقعت صيف العام 2004م حيث نصت أن يكون لكل من السودانيين والمصريين حق الحركة
    والتملك والإقامة والعمل في دول بعضهم البعض.
    [9] ـ أنظر مجلة روز اليوسف العدد 3764 للعام 2000م.
    [10] ـ جميع أسماء اللاجئين الواردة في هذه الورقة غير حقيقية.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de