دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
علي عثمان محمد طه .. ترزي افرنجي
|
مرحباً بكم في اللقاء الذي سنبدأ به سلسلة من اللقاءات لطرح أهم ما ورد في اتفاقية السلام لنجيب عن أسئلة الرأي العام حول هذه الاتفاقية التي ستكون مرحلة جديدة في تطور نظام السودان وأحواله الدستورية والسياسية، وانطباعياً مرحلة تفضي الى تعزيز الوحدة الوطنية والى استقرار البلاد وتمتينها ونهضتها، مرحلة نأمل فيها أن يتوقف صوت إطلاق النار ليحل محله صوت الحوار وصوت البناء والعقل والتعاون البناء على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي وكما تعلمون فإن هذه المفاوضات التي انتهت في الحادي والثلاثين من ديسمبر المنصرم قد بدأت في يوليو العام 2002 في كينيا واثمرت البروتوكول الأول (مشاكوس) الذي عالج بعض القضايا التي كانت موضع النظر والتفاوض وحصرت جانباً مهماً من القضايا التي مهدت الطريق من بعد لإكمال البروتوكولات الأخرى وكما تعلمون فإن بروتوكول مشاكوس قد عالج قضية الوحدة الطوعية وأمن على بناء الوفاق والحل السياسي لقضية الحرب في الجنوب في إطار السودان الموحد الذي يتعزز من خلال تأمين حق تقرير المصير والاستفتاء لمواطني جنوب السودان في نهاية فترة الانتقال، كما أن ذلك البروتوكول تضمن معالجة قضية علاقة الدين بالدولة وأكد على حرية الاعتقاد وعلى حريات الدعوة والتعايش بين الأديان في السودان، ومن بعد جاءت المفاوضات حول مختلف القضايا حتى أثمرت الترتيبات الفنية الأمنية والعسكرية المعروفة
في ديسمبر من العام الماضي وأطلق ترتيب يليه للأوضاع العسكرية بين الجانبين على ما هو معلوم وأسس لنظام يقوم على الاعتراف بوجود الجيش والقوات الحكومية الرسمية الى جانب وجود القوات التابعة للحركة الشعبية ورتب لطبيعة العلاقة بين هاتين القوتين من خلال مجلس للدفاع المشترك تحت إشراف رئاسة الجمهورية ورتب لإنشاء وحدات مشتركة للقوات المسلحة وقوات الحركة تكون نواة لجيش مستقبل الوطن الموحد في حال اختيار الوحدة الطوعية عند إجراء الاستفتاء في الجنوب.
تفصيل الإتفاقات
ومن بعد جرى تسارع واسع حول قضايا السلطة والثروة كما تعلمون أثمر أيضاً اتفاقيات واسعة ومحفزة في هذا الشق لما كان القتال يجري بين الحركة الشعبية وقوات الحكومة في ساحات متعددة في جنوب السودان ومناطق أخرى مثل جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي فقد جرى أيضاً في ذات الشهر تفاوض حول ترتيب أوضاع هذه المناطق عسكرياً وسياسياً في إطار قسمة السلطة والثروة في ما أفضى أيضاً الى توقيع بروتوكولات شملت أوضاع هذه المناطق الثلاث وبجملة هذه الملفات الستة تم التوقيع والإعلان في الخامس من يونيو الماضي في نيروبي بأن برتوكولات السلام الستة قد اكتملت وأن التفاوض قد انتهى وظن كثير من الناس وقتها أن الخطوة التالية هي أن يدخل الناس مباشرة في تنفيذ هذه الاتفاقيات غير أن
التفاوض قد استمر لـ (6) أشهر أخرى انتهت في الحادي والثلاثين من ديسمبر الماضي ولعله من المفيد أن نقول إن هذه الأشهر الستة قد استنفدت في تفصيل ما أُتفق عليه وهو ما جرى التوقيع عليه في نيروبي من العام الماضي لأن ما جرى التوقيع عليه في ذلك الوقت كان مبادئ مجملة لحل القضايا التي عالجتها تلك الملفات ولكنها لم تتضمن التفاصيل العملية لتنفيذ تلك النصوص وهو ماجرى تفصيله في الأشهر الستة الأخيرة حيث أمكن التوصل في نهايتها لما جرى التوقيع عليه في نهايتها في 31/12 في نيفاشا في ملحقين أحدهما خاص بالترتيبات الأمنية العسكرية ويقع في (50) صفحة والآخر خاص ببقية البروتوكولات والترتيبات الأخرى ويقع في (100) صفحة ولكم أن تتصورا هذا الحجم من الاتفاقية إذا كان الملحق الأول والثاني يتكونان من (150) صفحة وهذه الصفحات الـ (150) تتضمن جداول وطرائق لتنفيذ الاتفاق بشكل مفصل يتضمن على سبيل المثال الإشارة الى المنشط أو النص الوارد في الاتفاق بشكل مجمل فيورده جداول كمنشط للتنفيذ ثم بعد ذلك يتناول التوقيت الذي يجري فيه تنفيذ هذا المنشط ثم الجهة التنفيذية المناط بها تنفيذ هذا المنشط ثم تحديد الجهة المسؤولة عن تمويله وإذا كان هذا المنشط يقتضي تشكيلاً معيناً في هيئة أو جهة أو آلية تنفيذ فأيضاً يتضمنها هذا الجدول وكذلك يتضمن الإشارة الى الجهة التي يجرى فيها هذا المنشط وماتعلق منه بميدان القتال ووجود القوات ووجود جهاز مدني أو
دستوري أو سياسي وأيضاً يتضمن جدول التنفيذ تحديد المعايير التي تحكم تنفيذ هذا المنشط حسب ما نص عليه هذا الاتفاق مفصلاً لينتهي بإشارة واضحة الى المرجعية التي يعتمد عليها المنشط المعين في تنفيذه وفق نصوص الاتفاق وهذا يعطي صورة عن التفصيل الذي استغرق هذا الوقت منذ يوليو حتى ديسمبر وبالتالي فإننا قد خرجنا بوثيقة تقلل من فرص الاحتكاك والاختلاف في التفسير وتزيد من فرص سلاسة تنفيذ الاتفاق وتجنب الاختلافات التى تنشأ عادة عند التطبيق وإنزال النصوص الى أرض الواقع وبرغم هذا لا نقول إن كل تفصيل وكل سؤال يمكن أن يطرح في المستقبل قد أُحيط به في هذه الجداول والتفاصيل ولكنها تمثل أرضية صلبة ومناسبة ومستقرة لتدخل إجراءات تنفيذ الاتفاقية الى أرض الواقع كي تزيد من درجة الوضوح لطرفي الاتفاق والشعب السوداني بكل فصائله وتشكيلاته والرأي العام الذي ظل يتابع هذه الاتفاقية وسيتابع معنا تفصيلها وتنزيلها على أرض الواقع وسنسجل مرة أخرى تقديرنا بعد حمد الله سبحانه وتعالى لكل من أسهم في هذا الإنجاز وساعد في تنفيذ هذا الاتفاق ودفعه ليصل الى غاياته، إخواننا في الحركة الشعبية وعلى رأسهم الأخ الدكتور جون قرنق وكذلك نثمن ونقدر دور الوسطاء الذين أسهموا في هذا المناخ الملائم بدفع وحث الأطراف للوصول الى هذا الاتفاق ممثلين في منظمة الإيقاد التي أنابت عنها كينيا والتي قامت بدور كبير فالتحية لدولة كينيا وللرئيس
كيباكي ومعاونيه وللجنرال سيمبويو الوسيط الكيني المعين من قبل الرئيس لتنسيق دور دول الإيقاد لرعاية وتيسير أمر المفاوضات، كما نحيي أيضاً جهود شركاء الإيقاد جميعاً الذين سجلوا حضوراً معنا بين الحين والآخر خاصة في الأوقات التي كان فيها شئ من التباين في المواقف وأسهموا في تقريب وجهات النظر، وكذلك نحيي الجهد الدولي الذي تمثل في الاهتمام العالمي الذي أظهره مجلس الأمن والذي سجل حدثاً تاريخياً مميزاً بعقد جلسة خاصة له في نيروبي متعلقة بأوضاع السودان ودفع هذه المفاوضات ونأمل أن يكون الاتفاق فاتحة لعلاقات إيجابية مع هذه الأطراف جميعاً وهذه من أولى الثمرات التي نأمل أن تتحقق على أرض الواقع أن يتغير مناخ العلاقات السياسية إلى علاقات إيجابية أكثر متانة وانفتاحاً وتعاوناً بين السودان وجيرانه وسائر الأقطار الأخرى والمنظمات التي شاركت وأبدت اهتماماً بالأوضاع في السودان وهو ليس أمراً مستغرباً لأهمية السودان إقليمياً ولمركزه الاستراتيجي وأهميته بالنسبة للاستقرار في هذه الرقعة من العالم على المستوى الإقليمي وعلى مستوى القارة وأقول أيضاً إن ترتيبات تنفيذ الاتفاق قد اكتملت ملامحها وجداولها التنفيذية تماماً وتفصيلاً، وستبدأ بإذن الله كما نعلم جميعاً في التاسع من يناير الجاري بحفل مراسيمي يشهده رؤساء وممثلو حكومات كثيرة خاصة الدول التي شاركت في دفع وإنجاح المفاوضات ونأمل أن يكون تظاهرة لتحرير
شهادة ميلاد ودخول الاتفاق لحيز التنفيذ بهذا المناخ الجديد الذي تجرى فيه علاقات السودان الدولية في المرحلة المقبلة.
الدستور المؤقت
في يوم التاسع من يناير بالتوقيع سيكون الاتفاق قد دخل حيز التنفيذ ومن ثم تبدأ الفترة التمهيدية ومدتها (6) أشهر تبدأ في نهايتها فترة الانتقال ومدتها (6) سنوات، وفي التاسع من يناير أيضاً يدخل وقف إطلاق النار الشامل حيز التنفيذ وسيحدد الطرفان وفقاً للجداول التنفيذ الساعة والتوقيت الذي سيبتدئ فيه بإعلان وتنفيذ أحكام وقف إطلاق النار الشامل التي هي قائمة على أرض الواقع من خلال ترتيبات ووقف العدائيات التي استمرت خلال العامين الماضيين وتمديدها بين حين وآخر وبعد التاسع من يناير ستقوم سكرتارية الإيقاد بإحالة وثيقة الاتفاقية في صورتها النهائية بنسختيها العربية والانجليزية الى طرفي التفاوض لاعتمادها بواسطة الهيئات التشريعية لدى الطرفين هذا هو الإجراء الدستوري السياسي الأول وبعد اكتمال هذا الإجراء يجري إفراغ هذه الاتفاقية في شكل دستوري يوائم فيه بين أحكام الاتفاقية وبين الدستور القائم الآن دستور العام 1998 ليستخرج منهما مادة تشكل الدستور المؤقت الذي سيحكم فترة الانتقال حتى نهايتها إن شاء الله، هذا الإجراء يصب في هذه الاتفاقية في إطارها الدستوري ستضطلع به لجنة وطنية ذات تشكيل قومي مفتوحة العضوية لسائر القوى السياسية تحدد لها الاتفاقية زمناً محدداً نأمل أن يكون كافياً لإصدار الدستور المؤقت الذي سيشكل مرحلة جديدة لبناء وتأسيس المؤسسات والأجهزة التي نص عليها الاتفاق وسيحال الدستور المؤقت الى الأجهزة التشريعية لدى الطرفين مرة أخرى لإجازته عندها ستنشأ أجهزة الدولة ويعاد تشكيلها على ضوء الاتفاقية بدءاً برئاسة الجمهورية والمجلس الوطني التشريعي والبرلماني والذي يقوم الى جانبه وفق الاتفاق مجلس خاص بالولايات فهو من المؤسسات الدستورية التشريعية التي تنشأ لأول مرة منذ أحكام الاتفاقية وسيعقب ذلك تأسيس مجلس وزراء لحكومة قاعدة وطنية عريضة تبنى على مشاركة طرفي الاتفاقية والقوى السياسية الأخرى التي ترتضي المشاركة وفق المعادلة التي نصت عليها الاتفاقية بقيام هذه المؤسسات على صعيد المركز تكتمل الصورة مكونة من رئاسة الجمهورية، ومجلس تشريعي بشقين مجلس وطني ومجلس للولايات وقيام مجلس للوزراء أو جهاز تنفيذي يقوم الى جانب ذلك مؤسسات القضاء على رأسها محكمة دستورية حيث اتخذت الاتفاقية تجربة المحكمة الدستورية المستقلة التي عرفها السودان في خلال السنوات الأخيرة وستكون هذه المحكمة من (9) أعضاء بدلاً عن (7) كما في التشكيل الحالي وسيكون لها قانون منفصل وستكون جهازاً منفصلاً عن سائر الجسم القضائي على نحو ما هو قائم الآن وعلى صعيد الجنوب فإن رئاسة الجمهورية
تفوض نائب رئيس الجمهورية الذي سيكون وقتها رئيس الحركة الشعبية في اختيار نائب له في حكومة الجنوب تكون رئاسته لحكومة الجنوب بالتشاور مع رئيسه وسيجري بالتشاور السياسي مع الحكومة اختيار مجلس تشريعي للولايات الجنوبية سيكون مؤقتاً يقوم بمهمة إصدار وتشريع دستور للولايات الجنوبية لمرحلة الانتقال وعند اكتمال مشروع الدستور الخاص بالجنوب واعتماده في المجلس التشريعي سيتم انشاء مؤسسات الحكم في جنوب السودان وفقاً لذلك. وتتأسس عندئذ رئاسة الجهاز التنفيذي وتتأسس الأجهزة القضائية ويعين قضاة الولايات الجنوبية وهكذا.
مضامين الإتفاقية
ونشير الى أن من مهام لجنة الدستور التي أشرت إليها في مطلع الحديث أن تقوم أيضاً الى جانب إفراغ الاتفاقية مقروءة مع الدستور الحالي في وثيقة الدستور الانتقالي ستضطلع أيضاً بمهمة إعداد الدستور النموذجي للولايات لأن كل ولاية سيكون لها دستور خاص فيه قواسم مشتركة تناسب مستوى الحكم والصلاحيات التي نصت عليها الاتفاقية وهذه الدساتير ستكون منضبطة بالمواءمة والاتساق مع الدستور الانتقالي الشامل وبضمان هذه المواءمة .ووزارة العدل هي الجهة المناط بها الشهادة الدالة على أنها تتفق وتتواءم مع الدستور الانتقالي، بهذه الترتيبات ستدخل مؤسسات الحكم الجديدة كلها على المستوى المركزي وعلى مستوى جنوب
السودان وعلى مستوى الولايات شمالاً وجنوباً، وتتأسس ومن ثم تمتد الأوضاع وتتطور الأمور نحو إنتاج مضامين الاتفاقية في مجالاتها المختلفة ولما كانت هذه الإجراءات تقتضي جانباً من الوقت وتستلزم تشاورات سياسية واجتماعات تنفيذية وتشريعية فإنه تتضح هنا الحكمة من تقسيم الفترة الانتقالية الى تمهيدية وانتقالية، فالتمهيدية ستكون مدتها (6) أشهر تخصص لتأسس هذه البنية الدستورية والتشريعية الجديدة على المستوى المركزي والاتحادي وعلى مستوى الجنوب لتدخل الى مرحلة التنفيذ العملي وتجسيد مضامين الاتفاق والدعوة هنا موجهة الى كل الأطراف السياسية والمواطنين بأن يدفعوا بهذه الترتيبات لتستوفي من أجلها فإن هذه المؤسسات نأمل أن يكون ميلادها يعبر عن التلاحم الوطني وأن تكون لها الفاعلية لتنفيذ بنود الاتفاق، ومن المسائل التي نشير إليها إيضاً هي أن الاتفاقية قد نصت على إنشاء بعض المؤسسات والهيئات التي ستنشأ لأول مرة أو تلك التي تحل محل مؤسسات كانت موجودة، وأجهزة الدولة القائمة الحالية ستكون قائمة على حالها إلا إذا كانت الاتفاقية نصت على قيام هيئة جديدة أو أن تنص الاتفاقية عليها مستقبلاً.
ولكن الهيكل العام للدولة سيظل على حاله الآن الى أن تقوم مثل هذه الهيئات الجديدة التي تنص عليها الاتفاقية لاحقاً وهذه الأجهزة
التي سيشملها التركيز ستكون مفوضيات، واختارت الاتفاقية هذه المفوضيات لتكون هناك فرصة للمشاركة الأوسع في الأطر التي لا تنحصر في كونها أجهزة بروقراطية محدودة ولكن لكونها أجهزة سياسية ذات إطار واحد وعدد من القضايا التي هي محل اهتمام كما تحتاج الى بلورة الرؤية الوطنية الأوسع وقد اختارت الاتفاقية المفوضيات مفوضية للخدمة المدنية ستكون من هيئات الخدمة العامة ترعى أحكامها وتنظم قوانينها وتحدد شروط الإنتماء للخدمة المدنية. وتنشأ كذلك مفوضية لقسمة مراقبة الموارد المالية لتنظيم ومتابعة وتحقيق الشفافية في ما يتعلق بإيرادات الدولة ومواردها المالية وتقسيمها وضمان حصول كل طرف من أطراف السلطة على مستويات الحكم المركزي والاتحادي في كل السودان وليس الجنوب وحده في النصيب المستحق من الموارد المالية. وهناك مفوضية للبترول ستحل محل مجلس البترول الحالي تقوم بذات المهام التي يقوم بها المجلس، وهناك أيضاً مفوضية للأراضي ستعنى بمراجعة القوانين في ما يتعلق بالملكية والحيازة وكل ما يتصل باستغلال الأرض، كمثال لبعض المفوضيات والهيئات التي ستنشأ بموجب أحكام الاتفاقية لتتولى مهام هيئات قائمة الآن أو تنشأ لأول مرة ومنها مفوضية خاصة بتنظيم إجراءات الاستفتاء العام حول تقرير المصير في نهاية فترة الانتقال، وسيتضمن القانون التشريعي الذي سيصدر في هذا الشأن الأحكام التفصيلية المتعلقة بهذه المفوضية، وهذا في مايتعلق
بمسألة المؤسسات الجديدة التي ستنشأ التنفيذية منها والتشريعية، أما في العلاقات الدولية والعلاقات الخارجية فكثير من الناس يتحدثون عن ماهية ضمانات التنفيذ وأن تكون هذه هي الجولة النهائية التي لا تعود بعدها الحرب مرة أخرى في الجنوب، هذا سؤال مشروع كان هاجساً وتحدياً أمام طرفي التفاوض في تفسير أحكام هذا الاتفاق شكلاً ومضموناً وقد جرى تناول واسع لتجارب السودان في علاقة الشمال بالجنوب منذ الاستقلال في الجانب السياسي، وأين كان موضع الضعف فيها ولماذا فشلت وقد وقفنا عند كل تلك المحطات منذ العام 1955 حتى 1997 وحاولنا من خلال نصوص هذه الاتفاقية الإجابة على التساؤلات وسد الثغرات السابقة في حدود اجتهاد البشر، والتجربة حاضرة عندنا من خلال نصوص الاتفاقية للتجاوب مع ما كان موجوداً ومعالجة نقاط الضعف السابقة، وكذلك ركزنا خلال المفاوضات على دور المجتمع الدولي الرقابي الذي سيكون حافزاً في بعض مؤسسات متابعة الاتفاق في دوره الرقابي والتنسيقي العام، وليس لأي من مؤسسات المجتمع الدولي حق مباشر أو سلطة في اتخاذ القرار ولكن يكون دورها بالمشاركة والمراقبة ومحاولة التنفيذ عند التعثر، وليس هناك أية فقرة تنص أو توحي روحاً بإعطاء اية جهة خارج الارادة الوطنية السودانية حق التقليل من شأن اي موضوع يقع حوله الاختلاف والتباين، ولكن الدور الاولي الذي بدأ بالايقاد نفسها التي وفرت مناخ التفاوض ومهدت
للوساطة ويشمل ذلك شركاء الايقاد والامم المتحدة وقد حدد دورها في الاتفاق اين يبدأ واين ينتهي في كل جانب في ما يتعلق بمسألة وقف اطلاق النار والتحقق من التزام الاطراف بترتيباتها واجراءاتها والمراقبون الدوليون يقتصر دورهم على اجراءات وقف اطلاق النار وليس حفظ السلام لان الاخير هو مصطلح قانوني ودستوري يختلف عن مراقبة وقف اطلاق النار التي ستكون على غرار ما جرى في جبال النوبة، وستكون هذه الغرف مشتركة بين الطرفين وبين مراقبين من المجتمع الدولي في مسألة التنفيذ كذلك سيكون المجتمع الدولي حاضراً معنا في قضايا التنمية ومساهماته التي نرجو ان تكون ايجابية في التنمية ومعالجة آثار الحرب مثل الترتيبات الخاصة بازالة الالغام وادماج المحاربين في المجتمع المدني وتوفير سبل كسب العيش لهم وكذلك من خلال المساهمة في مشروعات اعادة الاعمار والخدمات في المناطق التي تأثرت بالحرب وفي هذا الصدد نأمل ان يكون المؤتمر الدولي الذي دعت له النرويج مناسبة ليجد السودان سنداً ودعماً دولياً للمساهمة في ازالة آثار الحرب، وتهيئة فرص الحياة الكريمة لمن كان طرفاً في القتال من الجانبين
إجراء الإنتخابات
وهناك ترتيبات لادارة عدد من المشروعات في هذا الشأن التي تجرى بين الطرفين والمانحين الدوليين كما ان المجتمع الدولي سيكون حاضراً معنا في متابعة اجرءات استفتاء تقريرالمصير في نهاية الفترة
الانتقالية كما سيكون حاضراً في مراقبة ومتابعة التنفيذ بصورة عامة مثل اجراء الانتخابات التي ستجرى في العام القادم وتشمل جميع مستويات الحكم من رئاسة الجمهورية حتى ادنى مستوياته، وكذلك سيشارك معنا المجتمع الدولي في المتابعة المستمرة وهي عملية ديناميكية ولضمان نجاح الاتفاقية فاننا بحاجة الى تعاون دولي مستمر لتحمل الاعباء، وستتركز هذه المتابعة وسيتم تقويمها عبر مفوضية التقييم والمتابعة وهي مفوضة من الطرفين وبعض عناصر المجتمع الدولي والامم المتحدة مهمتها المراجعة الدورية للاطمئنان على مراحل تنفيذ الاتفاقية للوقوف على عقبات التنفيذ التي نأمل ان تنحسر وتقل كثيراً بفضل الروح التي عبر عنها طرفا التفاوض حول انزال الاتفاقية منزلة التطبيق. ونحن لا نتحدث عن طريق ممهد ومفروش بالورود.
إزالة العقبات
ونعرف ان تأسيس مرحلة مابعد السلام لن تقل وطأة مما كان من دمار خلال مرحلة الحرب والصراع. فمثلما كانت هناك زراعة الالغام، لابد ان تكون هناك عملية نزع تلك الالغام حسياً ومعنوياً، ولكن وبتوفيق الله الذي مكننا من بلوغ ماوصلنا اليه فاننا واثقون وعازمون على ازالة العقبات وسيكون الاتفاق ملكاً للرأى العام الوطني ونملكه للتجربة الانسانية في العالم الخارجي، واول خطوة هي ان يكون الاتفاق معلناً ومنشوراً ولذلك فإن أولى
الخطوات هي ترجمة الاتفاق الى اللغة العربية باعتبارها اللغة الاساسية في البلاد ونشر تعميم هذه الاتفاقية باللغتين العربية والانجليزية خلال الايام القادمة ، وستصدر النسخة العربية للاتفاقية من سكرتارية الايقاد في التاسع من يناير وستنشر على الرأى العام الاقليمي والدولي كما ستقوم السكرتارية بوضع نسخة من هذه الترجمة لدى المنظمات والهيئات التي شاركت في مراحل التفاوض، وبالنسبة لنا في الداخل سنودع هذه النسخة لدى الجامعات ومراكز البحوث للتعرف عليها أولاً والاحاطة بها وتحليلها وتبصير الرأى العام بها، وهنا اود ان أؤكد انه ليس هناك حظر ولا حجر على أي رأي ناقد أو متحفظ على أية كلمة أو نص فيها سواء جاء ذلك من جهة اكاديمية أو سياسية أو مواطن عادي، بل اننا سنرحب بمثل هذه الآراء والافكار والدراسات والمقترحات لتعيننا على حسن التطبيق والتنفيذ ان لم يكن حتى تعديل الاتفاقية ذاتها وفق احكامها، فالاتفاقية لسيت نصاً جامداً ولكنها قابلة للتعديل وفق احكامها وهذه دعوة لأهل الاختصاص ولكل من اراد ان يسهم برأيه وفكره لتسليط الضوء على هذا الاتفاق ونحن نرحب بذلك للنظر بجد في ما يمكن ان يفيد أو يعين على تعزيز الاستقرار لأهل السودان لذلك فالحديث عن الذين لم يكونوا طرفاً في الاتفاق هو حديث مشروع نعم لأنه لايمكن ان تقول انك تعالج الشأن الوطني وتقول اننا نتحرى الرؤية مهما كانت الكيفية أو
الصيغة التي انتهت بك لأن تكون الطرف الذي وقع على الاتفاقية.
الإجماع الشامل
وقال النائب الأول إنه يجب العمل على تكوين تيار وطني غالب والسعي الى تعزيز الإجماع الشامل على مضامين ما ورد في هذا الاتفاق وهذا أمر وسيلته الحوار والتفاكر مشيراً الى أن انعقاد مؤتمر أو لقاء لمثل هذا التداول أمر وارد «ولكن الذي نتحفظ عليه هو اختصاصات ومرجعية مثل هذه المؤتمرات». وتابع إن كان المقصود هو أن يعتبر مشروع الاتفاق مسودة تنتظر الإجازة والاعتماد من خلال مؤتمر بعينه فهذا أمر نتحفظ عليه لأن الاتفاقية تطور وتعزز وفق أحكامها وأحكامها قد نصت على مساحة لإشراك القوى الأخرى. ومضى قائلاً: يجب التفريق بين التداول الوطني لحلقات الرأي والدراسة التي تفضي الى تعزيز المفاهيم والقواسم المشتركة وحتى التي تشير الى مواطن الخلل والضعف إن وجد.. ولكن ذلك
يرد ويعالج في إطار الاتفاق ووفق أحكامه. فهذا هو موقفنا وفهمنا للتداول الوطني لإيجاد قاعدة وطنية عريضة. وأضاف قائلاً: أما الدعوة لأن يكون هناك منبر ما يؤسس ليصبح حكماً نهائياً هو الذي يعطي الاتفاقية مشروعيتها أو يملك حق التعديل فيها فذلك ما يناقض أحكام الاتفاقية وينسخها والاتفاقية يجب أن تعدل وتراجع وفق أحكامها.
كفالة الحقوق
وأوضح الأستاذ علي عثمان محمد طه أن الاتفاقية نصت على كفالة الحقوق الأساسية لكل الأفراد والجماعات قائلاً إنها «تناولت حريات التعبير والتجمع والاعتقاد وغيرها مما سيصبح مادة لصياغة مواد الدستور إضافة الى الدستور الساري الآن».
وتابع بالقول: إن الاتفاقية إذاً أقرت مبدأ المواطنة والتداول السلمي للسلطة والاحتكام للشعب ولم تقف عند حد إطلاق الشعارات بل ضمنت هذه المصطلحات بلا أسنان أو أن تكون نصوصاً جامدة لتلهية الناس بل عززت ذلك بآليات التنفيذ فأنشأت لجنة للدستور نصت على أن تنفتح لتكون مستوعبة للطيف السياسي ومن المعادلات، وأتاحت من بعد حكومة ذات قاعدة عريضة وضماناً لمشاركة القوى التي لم تكن طرفاً في الاتفاق. ولايحتج أحد على أن هذه المشاركة رمزية لأن في مراحل الانعطاف التاريخي في المجتمعات لم يقدح في تكوين حكومة ما بعد الانتفاضة أو أكتوبر أنها جاءت رمزية التمثيل للقوى السياسية، فالأوزان والأحجام السياسية محكمتها صناديق الاقتراع التي تضمن الاتفاق وفق أحكامه محطة محددة في الزمان والإجراء.
قانون جديد للانتخابات
وقال النائب الأول: إن قانوناً جيداً للانتخابات سيوضع للتداول في الساحة السياسية وتجمع فيه آراء المواطنين والقوى. ستكون هناك انتخابات وفق القانون بعد الاتفاق عليه، فالحديث عن الأحجام السياسية أمر قد تمت مراعاته والتسليم به، فمن أراد أن يشارك الآن في المشاركة الرمزية التي تقتضيها طبيعة الظرف والاتفاق والتي لا تشكل استثناءً على قاعدة محطات الانعطاف في تاريخ تطورنا السياسي فهذا مكفول له. وإن لم يستطع من خلال هذه المشاركة الرمزية أن يؤسس وأن يقود الرأي باتجاه تقوية القرار فالمؤسسات قد نصت الاتفاقية نصاً وروحاً عليه إجماعاً وليس أغلبية. فإن تعذر فلابد من الأغلبية لضمان استمرار الحياة. لذلك فإن توخي الإجماع روح دافعة لنوايا نصوص الاتفاق بأجمعه. من لم يستطع الآن يحمل الآخرين على رأيه فليقل رأيه ويجعل ذلك جزءاً من برنامحه السياسي الذي يحاكم به الاتفاقية وغيرها عند بداية الانتخابات معلومة الأجل والزمان والمكان.
ومضي النائب للقول ان الحديث عن السعي من جانب الحكومة لتعزيز وتعميق الاجماع الوطني وتوسيع دائرة القبول فهذا امر متفق عليه ، وهذه من المسائل التي يجرى الآن العمل فيها. وستشهد الايام القادمة بيننا الحركة الشعبية والاطراف الاخرى في الساحة السياسية حواراً حولها. وسوف تعمل على توسيع دائرة الحوار الوطني وتوسيع دائرة القبول لهذا الاتفاق ليصبح مادة للاستقرار السياسي.
التفاوض مع التجمع
واضاف: ومن هنا اقول ان مسارات التفاوض التي تجرى مع اطراف الساحة السياسية الاخرى سواء في القاهرة أو غيرها تؤكد هذا المنحى وسنظل ملتزمين باكمال التفاوض مع التجمع الوطني في القاهرة ونسعى الى ان يصدر عن ذلك ما يفيد البلد. وملتزمون ايضا باكمال التفاوض مع التجمع الوطني في القاهرة ونسعى الى ان يصدر عن ذلك ما يفيد البلد. ومتلزمون ايضاً باكمال التفاوض في «أبوجا» مع حملة السلاح في دارفور واللقاء مع كل القوى السياسية في الداخل وادارة حوار معمق معها سوف تشهد الايام القادمة بداياته.
= وعن عودة الطرف الآخر قال الاستاذ علي عثمان محمد طه ان الطرف الآخر سيعود بعد اعتماد الدستور الانتقالي من المؤسستين التشريعيتين لطرفي الاتفاق واشار الى ان المجلس التشريعي لجنوب السودان سوف يكون بعد اجازة الدستور الانتقالي وقيام المؤسسات المركزية ومجئ الطرف الآخر وحدد مهام مجلس تشريع الجنوب والتي تتمثل في اصدار واجازة الدستور الخاص بالجنوب في ذات الوقت الذي تصدر فيه الدساتير الخاصة بالولايات الشمالية ومضى بقوله - ان تطبيق الاتفاقية في الولايات الشمالية ستكون بذات النسق ففي ذات الوقت الذي تؤسس فيه المؤسسات في الجنوب ستؤسس الاجهزة في ولايات الشمال وكل ذلك بعد اجازة الدستورالانتقالي اما عن حالة الطوارئ قال النائب الأول إن الاتفاقية نصت على ان حالة الطوارئ سترفع من كل انحاء السودان عدا المناطق التي تقتضي الظروف الامنية الاستمرار فيها وهذا امر متروك لرئاسة الجمهورية بعد تأسيها للنظر في هذا الامر وان تصدر قراراً برفع حالة الطوارئ في كل البلاد عدا المناطق التي تقتضي الاحوال الاستمرار فيها وعند ذلك الاعلان سيتم اطلاق سراح المعتقلين ان كانوا معتقلين بتلك الصفة وليس هناك مايبرر احتجازهم وفق أي قانون آخر.
الوحدة والإنفصال
وواصل النائب الأول رده على اسئلة الصحافيين وقال إن التساؤلات كلها مشروعة لأنها تؤكد اهتمام قطاع من الناس وقال رداً على سؤال الاستاذ ادريس حسن رئيس التحرير حول الوحدة والانفصال : ان يكون السودان واحداً هذا مانعمل جميعاً لتحقيقه لأن الابقاء على وحدة الوطن اما عبر الطوع أو الحرب. جربنا الحرب وتبقى لنا على الوحدة عن طريق الطوع. وهذا يحتاج الى الحوار والتوافق ويحتاج الى تعزيز الثقة وسعت الاتفاقية الى تأمينه وتعزيزه لأنه بغير ذلك لن يكون امامنا إلا العودة الى الاحتراب مرة اخرى وهذا ما لايريده أحد.
واشار الاستاذ علي عثمان الى ان المفاوضات جرت في اطار محدد وهو وحدة السودان اضافة الى ان كل الترتيبات الآن من شأنها ان تفضي الى وحدة طوعية طالما وجد الاخوة من الجنوب فرصتهم للتمتع بحقوقهم على الصعيد القومي الوطني في بناء السودان الموحد. وتابع بقوله إن الترتيبات هذه لو ان جزءاً كبيراً منها قد كفل للاخوة في الجنوب منذ بدايات الاستقلال في المحطات السابقة لوفر ذلك كثيراً من الدماء والهم والمعاناة التي دفعها اهل وشعب السودان. واكد انه «لاتفريط في وحدة السودان» وقال إنه شخصياً يرى انه يمكن ان تكون الوحدة الخيار الجاذب عند الاستفتاء وقال إنه مطمئن على ان وحدة السودان باقية وحقيقة ولأنه متى مارفعت غلالة الحرب والكراهية والتوتر والشك التي هي لوازم الحرب، فإن الاخاء والتسامح والحرص على المصير المشترك يعود خاصة وان اهل الجنوب يرون انهم شركاء في السودان حتى في امتداداته التاريخية السابقة وليسوا طرفاً غريباً عنه حتى يكون الانفصال امراً يسيراً على انفسهم. وقال إنه إذا كانت جهات اخرى تسعى لتفكيك السودان فهذا ما يجب علينا ان نواجهه بكل ما نملك من امكانات وحرص على تجميع الادارة الوطنية ومن العمل على انجاح فرص تطبيق الاتفاق «وهذا هو التحدي الذي يواجهنا».
الشريعة الإسلامية
أما فيما يختص بقضية الشريعة الاسلامية فقد اكد النائب الأول ان اتفاق مشاكوس قد حسمها. واشار الى ان كل المحاولات السابقة التي جاءت لوقف مسار السلام كانت على اساس تحقيق السلام على حساب الشريعة. وتابع ان الانقاذ هي التي سعت الآن بأن تقول انه من الممكن الجمع بين السلام وحرية الاديان والاعتقاد وبين التزام المسلمين بدينهم وتطبيق الشريعة عليهم كاملة دون تغول على الآخرين أو انتقاص من حقهم في ان يعيشوا كمواطنين كاملي المواطنة في وطن مشترك واضاف ان التحدي الذي ينتظرنا الآن هو كيف يمكن ان نقدم طرحاً لتجسيد احكام الشريعة في ارض الواقع من حيث التعامل مع الآخرين بما يؤمن بقاء السودان موحداً. وقال إنه لا احد يملك بموجب نص الاتفاقية ان يطلب من مسلم التخلي عن تطبيق الشرائع واقامة الشعائر على الصعيد الفردي والجماعي. فاتفاق مشاكوس نص على حق الاغلبية المسلمة في الشمال في تطبيق الشريعة شعيرة وشعائر. وتابع: لهذا لا ارى سبباً للحديث عن انتقاص الشريعة. ومضى قائلاً : نحن كتنظيمات وكمفكرين اسلاميين علينا توظيف المساحة والحق الدستوري الذي كفل لنا بموجب الاتفاقية لنعيش اسلاماً فيه سلام وتسامح وقدوة وقدرة ليروا في الاسلام ما نراه. واكد انه لن يأتي يوم يكون فيه حكم من احكام الشريعة موضع تعطيل. واضاف: كما تكفل الاتفاقية للآخرين ان يكونوا مواطنين كاملي المواطنة دون ان يعني تطبيق الشريعة تغولاً عليهم أو التضييق عليهم في المعاش والمشاركة السياسية.
ومضى النائب الأول قائلاً : إن الاتفاقية تمثل الآن امتحاناً فكرياً وسياسياً ووطنياً وهي ليست ترتيبات ميكانيكية لانشاء مؤسسات ولكن ذات مضمون اكبر من حيث اقتراب الحوار الذاتي الوطني بين ابناء الوطن الواحد لمحطات تتبلور فيها الرؤية بشكل اوضح وتستدعي ان نعمق الحوار من اجل تعزيز الوحدة وان تتبلور هويتنا الثقافية والسياسية القائمة على التنوع والاحترام وليس الاحتراب والاقصاء وفي رده على تفويض الوفد الحكومي قال : إن الوفد المفاوض مسنود، وقد افضى الى خير أهل السودان. وعن قانون سلام السودان قال: هذه واحدة من صور «العصا» وهو محاولة ضغوط امريكية معلنة تقف وراءها مجموعات ضغط معروفة ويعلم الجميع ان هناك توتراً بيننا والولايات المتحدة وهناك عقوبات اصلاً مفروضة على السودان.
وتابع : انه لايمكن ان يقال لنا بأنه قد لوّح لكم بقانون سلام للابقاء على شئ انتم غير قادرين عليه، أو مقتنعين به. ونحن نرى ان النصوص التي وقعنا عليها فيها مصلحة لأهل السودان كله. ومع ذلك فان الادارة الامريكية على المستوى التنفيذي اعلنت الانتقال بالعلاقات بينها والسودان نقلة جديدة وهذا ما نراه في المرحلة المقبلة، فإن حدث ذلك فهذا ما نريده لأننا لانريد ان نعيش في صدام مع الآخرين فهناك نقاط اختلاف والتقاء بيننا والآخرين ونحن نريد ان نعيش احراراً في وطننا، وفي كرامة وعزة وطنية وفق معتقداتنا، وعلى هذا الاساس مصممون على تأسيس علاقات مع العالم الخارجي بهذا الوضوح وهذه القناعات ووفق التعاون المشترك. وزاد بقوله : «لقد جربنا ان نعيش في ظروف تجاوز العقوبات وهذا ليس جديداً علينا».
الإتفاق ملك للشعب
وعن احتمالات حدوث تغييرات في قيادة الحركة قال النائب الأول : «إن الاتفاقية ليست بين اشخاص». وتابع اصحح انها بين اطراف وان بقاء الطرف الذي فاوض ويعرف خلفية المفاوضات. ومضى ربما يكون اكثر حرصاً على الوصول بالاتفاق الى نهاياته ولكننا معاً الطرفان وبكامل ارادتنا السياسية قلنا إن هذا الاتفاق وفور التوقيع
عليه يصبح ملكاً للشعب ونحن اطراف في تنفيذه. ولكن من حيث المضمون هو ملك للشعب السوداني ومضى قائلاً : فإذا اراد الشعب السوداني في محطة ما ان يغير الوكلاء فذلك شأنه لأن الاتفاقية لن نفرضها على الشعب السوداني انما نملكها له ونعمل على تنفيذها برضاء الشعب السوداني وبقناعته بها. واضاف ان بمقدار هذا الرضى يتم التعامل ولكن ارى ان من ينجح في تنفيذ السلام على ارض الواقع من المنطقي ان يجد التفويض والقبول عند الشعب السوداني.
اما عن تمثيل المفوضيات فقال : إن القاعدة العامة للتمثيل متفق عليها في قسمة السلطة وهي تعطي كل الاطراف انصبة محددة «المؤتمر الوطني 52%، والحركة 28%، والقوى الوطنية الشمالية 14%، والقوى الجنوبية 6% هذه النسبة تنطبق على كل المفوضيات حول تمويل الجيش اشار الى ان بعض جيش الحركة سيكون من القوات المسلحة التي ستكون موجودة ويعاد انتشارها في مناطق الاشتباك وهي مجموعة من الوحدات المشتركة وللحركة 20 الفاً» 12 الفاً في الجنوب و 8 آلاف جندي في الشمال في مناطق جبال النوبة وابيي والخرطوم وهذه المجموعات المشتركة ستكون الوعاء الذي تصاغ فيه تجربة الجيش الموحد الذي يصبح جيش السودان بعد الاستفتاء. هذه القوات تتولى الحكومة الاتحادية تغطية مصروفاتها وتدريبها.
وتابع قائلاً: اما بقية قوات الحركة فستكون الحركة مسؤولة عن
تمويلها من ميزانية جنوب السودان وفق ما يقرره المجلس التشريعي لجنوب السودان.
وقال إنه يمكن للحركة ان تطلب دعماً خارجياً لتغطية النقص شريطة ان يكون الدعم بعلم الحكومة الاتحادية وان يكون دعماً غير عسكري. اما عن العناصر الاخرى في الجنوب فقال النائب الأول ان لها مطلق الحرية في ان تختار الانحياز الى جانب الحكومة والحركة وان تقرر ذلك خلال «6» أشهر من توقيع الاتفاق واشار الى ان كل طرف سيكون مسؤولاً عن نشاط المجموعة التابعة له، لكن ترتيب اضاعهم سيتم على مراحل حسب مقتضيات الحال.
إطلاق الحريات
واشار النائب الأول الى ان لجنة مشتركة تعمل حالياً للاعداد لمؤتمر اوسلو «النرويج» للمانحين خاصة المشروعات التنموية ذات الاولوية لطرحها على المانحين في المؤتمر وتابع بقوله: «سنرى حينها مدى الجدية في دعم هذه المشروعات». اما عن اطلاق الحريات فقال النائب الأول : هذا حق مكفول وسوف يتعزز بتطبيق هذه الاتفاقية وقال إن كل الكفاءات التي خرجت من الخدمة المدنية ان كانت تملك القدرة للمساهمة في بناء السودان في مرحلته الجديدة سوف تجد فرصتها في ذلك. وسوف تفتح فرصاً واسعة في الهيئات والنشاط الاستثماري علينا النظر في امكانية الاستفادة من خبراتها. وعن العلاقات مع اريتريا قال الاستاذ علي عثمان إن كل دولة لنا معها شيئ من سوء الفهم فنحن ملتزمون وراغبون في تحسين علاقاتنا مع كل دول الجوار. لكن تحسين العلاقات دائماً يحتاج الى طرفين. وناشد طه الاجهزة الاعلامية بعدم نشر النصوص غير الرسمية الى ان يوقع
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: علي عثمان محمد طه .. ترزي افرنجي (Re: khider)
|
عزيزي خدر،
من المؤكد أن نصوص الاتفاقية ليست هي ما كانت ترجوه الحركة الشعبية.. ولكن أي اتفاق هو في الحقيقة تنازل من الطرفين..
ولكن من الممكن استخدام نفس هذه النصوص لاستكمال حرية الشعب السوداني من هذا النظام الذي سامه الذل والهوان..
المهم أن يستغل المثقفون هذه الفرصة ويواصلوا نضالهم من أجل الحرية.. أول فرصة هي كتابة الدستور الانتقالي.. أهديك هذه الورقة المتميزة للأستاذ خالد الحاج التي كتبها قبل عدة أشهر فهي تحلل المسألة بصورة جيدة: http://alfikra.org/articles/article_150.htm وسأقتطف منها بعض الفقرات نظرا لطول الدراسة "25 صفحة"..
Quote: الإتفاقية والفترة الإنتقالية:-
همي الأساسي، في هذه الورقة، ليس مناقشة بنود الإتفاقية، ونقدها، وتقويمها، وإنما همي هو: كيف نجعل من إتفاقية السلام، بكل إيجابياتها، وسلبياتها، إطاراً لسلام حقيقي ودائم، يبدأ به السودان عهداً جديداً، يتجاوز به كل مشاكل العهود الماضية، وسلبياتها.. ولا سبيل إلى ذلك إلا الحوار، الحُر، الجاد، الأمين، والمتصل، وهو حوار لابد أن يقوده المثقفون، من مختلف مواقعهم، ويستهدف توعية الشعب وتنويره، ليستلم قضيته بنفسه، دون أن تكون عليه وصاية من أحد، فيحكم نفسه بنفسه، عن طريق نظام حكم ديمقراطي تعددي، رشيد، فيه الحريات مكفولة للجميع، دون أي صورة من صور التمييز.. وأن نتعايش، في سلام ووفاق، مهما كانت خلافاتنا الدينية والعرقية، والثقافية، فنبني على ما يجمع بيننا، وليس على ما يفرق.. وما يجمع بيننا كبشر، هو العقول والقلوب، الفكر والشعور.. وهذا أمر ممكن جداً، والشعب السوداني مهيأ له بطبيعته بصورة كبيرة، فعلينا أن نسعى إلى مخض أفضل ما في نفوسنا، وأفضل ما عند شعبنا من قيم، وهو عنده الكثير، والقيَّم جداً، في هذا الصدد، فعلينا إعانة أنفسنا، وإعانة شعبنا، علي إبراز خصائصه الأصلية، وجعلها هي السائدة.
إتفاقية السلام، بطبيعتها، كعمل سياسي، وإتفاق بين طرفين، متنازعين، ومتحاربين، لا يمكن أن تكون إتفاقية كاملة.. ولكن مهما كانت سلبياتها، فإنها تشكل إطاراً مناسباً، للوصول إلي سلام عادل، ودائم، وشامل.. وأهم ما فيها، أنها تنص بوضوح علي قيام نظام حكم ديمقراطي، تعددي، يتم تداول السلطة فيه بصورة سلمية، كما انها تنص بوضوح، مع بعض التفصيل، علي توكيد الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وفق المواثيق الدولية، وهذا وحده يجعلها إطاراً صالحاً لقيام السلام، ولكن العبرة بالتنفيذ، وليس مجرد وجود البنود المتفق عليها..والتنفيذ من المؤكد مواجه بصعوبات جمة، وعقبات حقيقية، وهذه الصعوبات، وهذه العقبات، هي ما ينبغي أن نعمل علي تجاوزه.
ومجرد الوصول إلى الإتفاق، يعتبر إنجازاً عظيماً، ينبغي أن تعرف قيمته.. فمجرد وقف الحرب، يوقف نزيف الدم الرهيب، وتعرض ابنائنا، في الشمال وفي الجنوب للقتل غير المبرر، ويوقف إهدار المال العام، الذي كان يذهب إلي الصرف على الحرب، ويوقف كل صور التخريب التي تؤدي إليها الحرب، ومن أهمها تخريب النفوس، بإيغار الصدور، وتعميق روح العدواة..
ومن أهم إنجازات الإتفاقية، أنها إعلان عالمي رسمي، عن تخلي الإنقاذ عما كانت تعتبره من ثوابتها، وهي دليل عملي حاسم، علي فشل أطروحات جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي، والإسلامي، ودليل صارخ علي أنها ليست أكثر من جماعات سياسية، تستغل الإسلام لأغراضها، السياسية، والدنيوية.. وفي هذا الجانب الإتفاقية، تشكل خدمة عظيمة، لكل دول العالم العربي والإسلامي، المهددة بخطر التطرف الديني، وسعي جماعات الإسلام السياسي للسلطة، فها هو نظامهم الذي أقاموه، ودعموه، لم يؤد، بعد عقد ونصف من الزمان في تجربة الحكم، إلا لفتنة مجتاحة، وكارثة بشرية، استنكرها كل العالم، وفوق ذلك أدى إلى زيادة تشويه الإسلام بصورة منقطعة النظير.. فعلى الجماعات الإسلامية، أن تأخذ العبرة من تجربة السودان.. وعلى الشعوب العربية والإسلامية، أن تعي ما يمكن أن يؤدي إليه الاستخدام الخاطئ للدين، فتجعل من تجربة السودان فداءً لها. |
| |
|
|
|
|
|
|
|