|
صديقتى السودانية التى غيرت مجرى حياتى
|
فى عام 1980م كنت أسكن حى منفوحة بالرياض ، وكان أول منزل زوجية يضمنى مع أم عيالى وحبى الكبير زوجتى على سنة الله ورسوله ورفيقة دربى (درية) ، وكانت جارتنا فى ذلك الزمان سودانية فاضلة تدعى (نجاة) وزوجها أيضاً رجل فاضل للغاية ويدعى (السر) ، وشقيق نجاة ويدعى حسن ، وحيث أن الغربة صعيبة جداً فى ذلك العهد القديم فقد كان من الطبيعى أن نحافظ على هذا الجوار وهؤلاء الجيران ، فهم صاروا يمثلون لنا الأهل والأصدقاء والأقارب وليس فقط الجيران ، وبالفعل إستمرت عشرتنا مع هذه الأسرة حتى يومنا هذا ،
كانت (نجاة) من نوعية المرأة السودانية العصامية المكافحة ، وقد قامت بمسئوليات فاقت كثيراً ما يقوم به زوجها تجاه ابنائه وأسرته وما زالت تقدم الكثير ، فخرجت (نجاة) لسوق العمل ، فى وقت كان فيه عيبا وعارا خروج المرأة من بيتها فى السعودية ، إلا أنها لم تكترث بالمعتقدات والموروثات ، بل كانت تخرج متحشمة وواثقة من نفسها ، وصارت تعمل وسط الخواجات والسعوديين وبقية خلق الله الموجودين بالمملكة وبكفاءة عالية ،
فى يوم من الأيام إلتقت نجاة سودانيا فاضلا يدعى (محمد عثمان سليمان) من ابناء العالياب ، وهو نموذج للسودانى الجعلى الشجاع الشهم إبن البلد الأصيل ، تخرج محمد عثمان سليمان من معهد البريد والبرق ، ويعرف لغة التلغراف ، وإلتقى وقتها فى الرياض بخواجات يؤسسون شركة جديدة فى الرياض وإسمها AES ، وكانت هذه الإيه إى إس عبارة عن منتجى أجهزة ال word processors ، وهى شركة بريطانية تقوم بعمل ما يعرف اليوم ببرنامج ال word لإعداد وتحرير المراسلات ، أى بديلا الكترونيا للآلة الكاتبة ، ويرفق مع الجهاز (الكونسول) وشاشة وطابعة ، وقد سبقت ظهور ال PC's بكثير ، إذ لم تكن الكمبيوترات الشخصية موجودة وقتها ، وبالتالى كان لهذه الشركة السبق فى إدخال أجهزة الكمبيوتر فى المملكة العربية السعودية
ذكر محمد عثمان سليمان لنجاة أنه تم تعيينه فى هذه الشركة ليكون مديراً لتدريب العملاء الذين يقومون بشراء الأجهزة الجديدة من الشركة ، وطلب منه الخواجات تعيين مدربين سودانيين يتم تدريبهم أولاً من قبل الشركة وبالتالى يكون دورهم تدريب العملاء ، فرشحتنى نجاة لمحمد عثمان دون أن تخبرنى حتى ، فيالها من إمرأة تحب لنا الخير من حيث ندرى ولا ندرى ، فأعطاها محمد عثمان الضوء الأخضر لمقابلتى ، وبالفعل جاءت إلى المنزل تزف إلى البشرى بالوظيفة الجديدة
ذهبت صبيحة اليوم التالى وإلتقيت الأخ محمد عثمان ، وهيأ لى أمر المقابلة مع الخواجات ، وإجتزت المعاينات بنجاح وتم تعيينى مدربا لدى الشركة الإنجليزية ، وهنا تغيرت حياتى تغييراً كبيراً وكان الجميع يشيرون إلى (سعد) زوجتى ورزقها الوفير ، فلم تكن الشركة تبخل علينا بشىء خصوصا وأن مبيعاتها فاقت الملايين فى وقت وجيز ، إذ كان يباع الجهاز الواحد بحوالى عشرون ألف دولار ، وكان هذا المبلغ يعتبر مبلغاً زهيداً فى عالم الشركات فى ذلك الزمان وهو وقت طفرة المملكة العربية السعودية المشهورة ، وقد تم إبتعاثنا لبريطانيا مرتين ، ومرة فى الكويت لحضور التدريب على المنتجات الجديدة ، إذ أن أجهزة الكمبيوتر بدأت فى الظهور وصار التطور ملحوظا وشبه يوميا ولا بد من المواكبة ، وكثرت أسفارنا الداخلية والخارجية فى كرم حاتمى من الشركة وبحبوحة ، لدرجة أننى كنت آخذ معى أسرتى إلى أى مكان أذهبه وعلى حساب الشركة ، فتمتعنا بالفنادق الخمسة النجوم وبركوب الدرجة الأولى فى الطائرات الجامبو وكانت وقتها حديثة عهد فى المملكة ، ولم تكن (الفلوس) تعنى لنا شئياً وقتها ، سوى أنها ورق بنك نوت ، فكثر بالتالى حسادنا ،
بعد التوسع الكبير الذى شهدته الشركة قامت بفتح فروع جديدة فى كل من جدة والظهران ، فكانت جدة من نصيبى ، إذ تم نقلى إلى جدة مديراً للتدريب فى المنطقة الغربية للمملكة ، وتشمل جدة وينبع ورابغ والمدينة المنورة ومكة والطائف وما جاورهما، وأعطتنى الشركة شقة مفروشة مهيأة خصيصا لكبار موظفى الشركة ومعظمهم خواجات كمدير الفرع ومدير التسويق وخدمات العملاء والمدير الإدارى والمدير المالى ...الخ ، وقبلها نزلت مع عائلتى فى فندق كان وقتها يعرف بفندق نوفا بارك ، وهو فندق سويسرى ، فى وسط جدة ، وقد تم تغيير إسمه فيما بعد ليكون فندق الحمراء سوفيتيل ، وهو فندق من فئة الخمسة نجوم ، وقد بقيت فيه لمدة 36 يوماً بلياليها ، وقامت الشركة بسداد كافة المنصرفات بما فى ذلك الأكل والشرب والهاتف ، لأن الشركة وقتها كانت تجهز فى السكن الخاص بها ، ولذلك أستمتعنا بإستقبال جده العظيم لنا وفرحنا بهذه المدينة ايما فرحة ، خصوصا بعدما عشنا فيها فترة ورأيناها تمثل لنا جزء من سوداننا الحبيب ، وذلك بالطبع من واقع قربها الجغرافى من بورتسودان ، وإستقبالها لوفود الحجيج والمعتمرين منذ عهد بعيد فعشقت جدة وصارت معبودتى وحلم حياتى ، ولكل مدينة أسرارها ولكن جدة من نوع المدن التى لا تعطيك أسرارها بسهولة فازددت ولها بها وما زلت أستكشف أسرارها يوما بعد يوم
جدة وبهرجها لم ينسنا يوماً واحدا نجاة وجيرتها الحلوة ولا السر زوجها ولا (حمادة) إبنها ، ذلك الحمادة الآن (بريطانى) يعيش مع أمه (نجاة) التى حصلت هى بدورها على الجنسية البرطانية ، وأشقائه الآخرون ، وحمادة ويقود الآن سيارته وسط شوارع لندن ويتحدث إليك بلكنة تونى بلير ، وقد تخرج مؤخراً من إحدى الجامعات البريطانية العريقة ، وما زال فى منظورى كلما إلتقيه نفس ذلك الحمادة اللزيز
جدة وبهرجها وخواجاتها وفنادقها الخمسة نجوم لم تنسنى أن أزور أصدقائى ومعارفى فى غليل وحى الجامعة ومدائن الفهد والنزلة وحى الشربتلى وحى البوادى وهى من ضمن سلسلة الأحياء الشعبية ، وكل ذلك البهرج لم ينسنى يوماً أكل الكسرة وملاح الويكة والعصيدة والويكاب ، ويا لغرابة من رضع من ثدى السودان ، فحبى للقونقليز والعرديب والنبق لم يخفت يوما واحدا ،
قد يقول قائل ، ماهذا التخلف؟ فأقول تخلف بمحض إرادتنا خير من تخلف متوارث قابع لا يزول ، وحتى هذا التخلف لم يمنعنى أن أقوم بمحاضرة أربعين أو خمسين خواجة يجلسون أمامى كالتلاميذ لأعمل لهم demo على منتج جديد أو أريهم وأدرسهم كيف يستخدمون الأجهزة الآتية من بلادهم ، إذ أن معظم الشركات التى كنا نقوم بتدريب موظفيها هى من الشركات الكبيرة مثل شركة أرامكو وشركة سابيك والخطوط السعودية وغيرها من شركات البترول والغاز الطبيعى والدوائر الحكومية وحتى المنظمات الإقليمية والدولية ، ومعظم هذه الجهات متعاقدة مع الخواجات بكثرة شديدة فتفسحنا فيهم أيما فسحة ، وعلمناهم وتعلمنا منهم ،
إستمر عملى مع الشركة البريطانية زهاء الخمسة سنوات ، حتى حدثت المنافسة الرهيبة ودخلت المملكة العربية السعودية سوق الكمبيوتر بأوسع الأبواب ، وخرجت الشركة البريطانية AES من سوق المملكة بعد أن كسبت مبالغ خرافية ، وتم منحنا نقل كفالة على شركات أخرى ، وفرق الزمان بيننا وبين زملاء وأحباب ما زال صدى حبهم وذكراهم باقية فينا ما بقينا
حدثت معى الكثير من الطرائف ابان عملى مع الشركة البريطانية ، سأقوم بإفراد بعض منها فى بوستات منفصلة ، أما ما دعانى لكتابة هذا البوست اليوم لأريكم كيف يمكن لإمرأة سودانية واحدة تغيير حياة أسرة سودانية لا تمت لها ولو بصلة القرابة فما أعظم نساء السودان وما أعظم إخاءهم ومحبتهم حينما يكون هذا الإخاء نابعا من القلب وتصير العلاقة بينها وبين رجل آخر صداقة حقة لا تشوبها شائبة ولا تحدها حدود
صديقتى هى (نجاة أنور) ، البريطانية الجنسية وتعيش فى بريطانيا مع اسرتها وهى شقيقة الملياردير السودانى (حسن أنور) والمعروف بحسن كابو صاحب مصانع زبادى كابو وأعمال أخرى كثيرة ، ولا يمكن الدخول لقصره فى الخرطوم إلا عن طريق مرورك عبر (السيكيوريتى) ، وقد كان يوما يعيش فى بيتنا المتواضع فى منفوحة بالرياض كأحد اشقائى الصغار ، وما زالت علاقتى به وببقية اسرته الكريمة كما كانت فى سابق عهدها رغم تغير الظروف ، وصديقة سودانية مخلصة كنجاة ، يمكن أن تؤدى إلى تغير أسلوب حياة كامل ، فما أعظم نساء السودان فى وقت يتساقط فيه الرجال.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صديقتى السودانية التى غيرت مجرى حياتى (Re: يازولyazoalيازول)
|
Quote: صديقتى هى (نجاة أنور) ، البريطانية الجنسية وتعيش فى بريطانيا مع اسرتها وهى شقيقة الملياردير السودانى (حسن أنور) والمعروف بحسن كابو صاحب مصانع زبادى كابو وأعمال أخرى كثيرة ، ولا يمكن الدخول لقصره فى الخرطوم إلا عن طريق مرورك عبر (السيكيوريتى) ، وقد كان يوما يعيش فى بيتنا المتواضع فى منفوحة بالرياض كأحد اشقائى الصغار ، وما زالت علاقتى به وببقية اسرته الكريمة كما كانت فى سابق عهدها رغم تغير الظروف ، وصديقة سودانية مخلصة كنجاة ، يمكن أن تؤدى إلى تغير أسلوب حياة كامل |
مثل هذه يا زول أنا أعتبرها أخت لي لم تلدها أمي .. وحقيقة يا زول هي كريمه وأنت تستاهل .. الدنيا فيها ناس دائماً تسعى للخير وتسعد بفعله .. كما فيها العكس من ذلك تماماً .. ولكن وكما أعتقد بأن الفئة الأولى هي الأسعد بلا شك .. دنيا وآخره ...
Quote: فما أعظم نساء السودان فى وقت يتساقط فيه الرجال. |
تذكرت جارتنا الحاليه أم الطيب .. كل يوم قبل موعد خروجي من الدوام تتصل علي حيث أن أسرتي الآن بالسودان قائلة أوعه تتغدا بره .. اليوم عاملين كده .. تخيل يا زول أنا شقيقي هنا بأسرته في الرياض لم أذهب اليه إلا حوالي ثلاثة مرات أما إلحاح هذه الأخت النبيلة وزوجها الكريم عثمان الطيب .. حتى أنه ماخد على خاطره منى .. وهكذا دائماً تجد السودانيات والسودانيين في الغربة تكاتف ومحبة صادقة نابعة من الأصل الطيب والخلق الكريم ..
مقولتك الأخيرة هذه يا صديقي فيها حكمه غريبه .. وأكيد يا زول قد تجد سيدة بعشرة رجال .. وهذه النجاه اعتبرها نموذجاً متفرداً للحب والعطاء والنجاح .. اللهم بارك لها أينما كانت .. وأكثر لنا من أمثالها .. بالمناسبة تذكرت جارة لنا بمدينة بريده السعودية بذات الاسم حيث كنت قد أضطررت مرة أن أسافر للسودان لأمر عاجل وتركت أسرتي .. تخيل كانت نجاه تترك زوجها وأطفالها وتأتي لتبيت مع زوجتي حتى عدت من هذه الإجازة الاضطرارية والتي امتدت لأكثر من ثلاثة أسابيع .. فيالها من أخت ويالها من جاره .. والنماذج كثيره ...
وقديما قالوا لا يحفظ الفضل إلا أهل الفضل ...
شكراً يا زول على هذا البوست الرائع ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صديقتى السودانية التى غيرت مجرى حياتى (Re: إدريس محمد إبراهيم)
|
الحبيب إدريس محمد إبراهيم
شكرا للحضور والمشاركة فى البوست فقد اضفت إليه إضافة حقيقية بذكرك لهؤلاء النساء الكرام الذين عملوا معك بأصلهم النظيف وبطريقة جعلتك تفاخر بهن ، وحق لك التفاخر بمثل هذا الإخاء النادر الذين لا يأتى إلا من أهلنا السودانيين الكرام
تحياتى يا إدريس
| |
|
|
|
|
|
|
|