|
تداعيات من وحي تاريخ ولاية تسمانيا الأسترالية قبل مائتي عام
|
تاريخهم 00 وتاريخنا المسافة بين حقائق التاريخ وتزويره حتماً هي المسافة بين الحضارة والتخلف، وبين السيادة والتبعية في عالم اليوم هذا ما يكشفه بجلاء تعاطي الحضارة الغربية لتاريخها والذي تتعامل معه كحقائق لا مفر منها ولا يجدي معها الاختباء مهما أطلت من بين ثناياه فصول البشاعة، ولذلك يشكل التاريخ لديهم كم من الإرث الإنساني يتواصل بتواتر إيجابي منتظم في صيرورته الأبدية، مستلهمين منه العبر بمقدار يكشف عنه تطور مجتمعاتهم ونزوعها نحو رفاهية الإنسان والمجتمع بشكل عام0 على الجانب الآخر، نجد التاريخ عند الأمم المتخلفة لا يعدو عن كونه رواية يحق لكاتبها تعديلها بين الحين والآخر مراعاة لظروف بطله وفي أحايين كثيرة يخضع التاريخ لعمليات تجميل واسعة حتى تضيع ملامحه الحقيقية كما هو حادث عندنا، وفي هذه الحالة يأخذ التاريخ مسار متشعب قلق يفضي إلى الارتباك والضبابية0 تكاثفت هذه الخواطر وأنا استمع إلى الأستاذة الأسترالية وهي تسرد جزء من التاريخ الأسترالي قبل أكثر من مائتي عام وتحديداً في ولاية تسمانيا وتصفه بأنه كان قمة في الوحشية والتخلف، مستندة في روايتها إلى قانون الولاية وقتها والذي كان يجيز قتل كل "أبوروجنزي" مقابل دولار واحد - والابوروجنز لمن لا يعرفون هم سكان استراليا الاصليون- كانت تسترسل في وصفها بتلقائية دون لجلجة أو مداراة، وسط ذهولنا وصيحات الدهشة، لم تكن وقتها تتلفت نحو الشبابيك بجزع خوفا من أن يكون أحد عناصر الأمن قد استرق السمع، بل اندهشت لذهولنا، وقالت فيما معناه، ما لكم تستغربون هكذا؟ نعم هذا هو تاريخ استراليا وتلك هي الحقيقة دون مواربة 00 هل علينا أن نخبيها و نجملها؟ أم نسعى لاستلهام دروسها لتلافيها مستقبلاً؟ وأضافت: أعتقد أننا عملنا بالثانية00 وها هي استراليا كما ترونها اليوم إحدى دول العالم الأكثر حرصاً على حرية الإنسان وكرامته، كما أنها اكثر الدول حرصا على التعددية الاثنية والثقافية واحتفاءاً بالآخرين، حتى أن قانونها يجيز أن يحمل أي شخص جوازها دون أن يحمل نفسه مشقة معرفة اللغة الرسمية (الإنجليزية) فيها، بل أكثر من ذلك أن الدولة نفسها وبنص القانون ملزمة بأن توفر بجميع الدوائر الحكومية مترجمين بكل اللغات التي تمثل الهجين الأسترالي لكي تعين مواطنيها على قضاء مهامهم دون عائق 0
وددت للحظة أن أقول لها اللحظة التاريخية عندنا لها أكثر من مائة رواية وشكل، وكل رواية تتباين تبايناً كاملاً عن نظيرتها رؤية ومحتوى، رغم إن المصدر هو ذات اللحظة التاريخية 00 وان ما هو بطل اليوم، خائن غداً 00وان الأجيال عندنا تتقاسم الهم والضياع وتشظي المعرفة دون أن تحظى بلحظة يقين تاريخي تستند عليه، ويشكل لها مرجعية تعينها على تكوين تراكم معرفي يفضي إلى تطور اجتماعي محسوس، ويساهم في خلق نقلة نوعية في القيم والمضامين الاخلاقية0 كل ذلك كان بودي أن أطرحه 00 ولكني آثرت الصمت والاندهاشة 00 ولكن هل هذا كل شيء؟ للأسف لا00 فها أنا أعود إلى منزلي لا سترجع لقاءاً مع أدينا الأسطورة الطيب صالح كان قد بثه التلفزيون السوداني من قبل، وفي أحد فقراته يقول أنه لا يشك في وطنية واخلاص قادة النظام الحالي!! هكذا دفعة واحدة 00 وهو القائل قبل ثلاثة عشر عاماً 00من أين أتى هؤلاء في خطاب يعتبر وثيقة تاريخية دامغة تدين هذا النظام ووحشيته!! 0 سرحت بخاطري لحظات وتخيلت أن يأتي جيلاً بعد ثلاثين عاما من الآن ليقراء هذين التوثيقين المتناقضين لفترة واحدة من تاريخنا، وتصورت مدى الحيرة والقلق الذي سينتابهم وقتها 000 ولكن مالي اسرح بعيداً00 اليس هذا هو واقع أجيال اليوم التي اختلطت عليها الأمور للدرجة التي لم تعد تتيقن إن كان المك نمر بطلاً تاريخياً أم هارباً جباناً؟ أو الزبير باشا تاجر رقيق أم بطل قومي ؟ هل سيهرعون مثلنا إلى تيم نيبلوك وهاورد وسلاطين باشا ويوريكو كوشيتا وغيرهم لكي يعرفوا حقيقة تاريخهم أم يركنون إلى الدهشة المفضية حتماً إلى السلبية واللامبالاة والتي بانت بوادر ملامحها بقوة بين شباب اليوم؟
عبد الخالق السر/ ملبورن 30/4/2003م
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: تداعيات من وحي تاريخ ولاية تسمانيا الأسترالية قبل مائتي عام (Re: atbarawi)
|
الأخ/ عطبراوي
اولئك قوم لا يجدون حرجا في تناول تاريخهم دون زيف او نفاق لأنهم يستمدون احترامهم لذواتهم من احترام حقائق ماضيهم.. يسلمون الامانة لأجيالهم القادمة بيضاء من غير سوء ومعها فوق ذلك مفاتيح المستقبل
ولكن انظر في حالنا: فالتناقضات التي تعج بها مدونات تاريخ السودان التي وضعها السوادنيون والمستشرقون على حد سواء تجعلنا نشكك في كل ما درسنا وتم تلقينه لنا في مراحل التعليم... خذ مثلا مكي شبيكة، يوسف فضل حسن، نعوم شقير ...الخ. تجد ان كلا منهم اتخذ لنفسه منهجا مغايرا في كتابة التاريخ
حتى الفن لم يسلم من التحريف: يغني المغني "يا سقاة الكأس من عهد الرشيد" ثم نقلب صفحات التاريخ ونقرأ: " كان هارون الرشيد يحج عاما ويغزو عاما "
اما عن كلام الطيب صالح فقد خالجني نفسك شعورك وانا اتابع اللقاء.. ولكن الم تشعر من سياق الحديث بحجم اليأس الذي اصاب الرجل من امكانية احداث التغيير المنشود من الداخل او الخارج؟
شكرا يا عطبراوي وسلمت الانامل التي خطت ذلك المقال الجميل والذي يصلح مدخلا لابتدار نقاش مستفيض حول قضايا الهوية والتاريخ بمنهج نظيف لا يستصحب الالم والمرارة التي غلفت نظامنا النفسي الجمعي قرونا طويلة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تداعيات من وحي تاريخ ولاية تسمانيا الأسترالية قبل مائتي عام (Re: atbarawi)
|
العزيز قلندر سلامي وحبي اتفق معك في كثير مما قلته، ولكن في ما يخص موضع الطيب صالح، والله انا مثلك شق علي كثيرا ان اشير لهذا التناقض الفاضح في مواقفه، لأنه عظيما علينا ، ولكنها للاسف الحقيقة التي لا مفر من ذكرها، فهؤلاء هم الباقون في صفحات تاريخنا الى يوم الدين، ومن هنا يأتي عظم ما يكتبونه وام ينطقون به من قول، لأنه يبقى تاريخاً 0 ومن هنا يكمن الاسف، لأن المجاملات الزائدة عن الحد لا تفيد في مثل هذه الممنعطفات المهمة من تاريخنا0 وليس هناك مبررا لما جاء عن لسانه مهما كانت درجة يأسه من الواقع0
| |
|
|
|
|
|
|
|