|
|
 رسالة من الجنوب للشمال
|
رسالة بعث بها ابناء الجنوب إلى صحيفة السودان الجديد في 6 أبريل 1955م العدد 2794 وتحت عنوان السودان الجديد برلمان كل مواطن ذكرت الرسالة »أنكم أخوة الشمال تعلمون أن الاستعمار ركز جهاده في غرس الكراهية بين الشمال والجنوب وضرب بيننا ستاراً حديدياً ليسدنا عن العالم ، ويمسك عنا نور العلم ، ولكن قد زال هذا الستار بفضل جهودكم وكفاحكم من أجل الحرية ، وقد ذهب الاستعمار إلى غير رجعة ، نريد منكم يا من سبقتمونا إلى العلم والنور إلى الرقي والحضارة ، إزاحة هذا الظلام الذي يجثم علينا فارسلوا نور العلم للجنوب ، نريد الطعام ، نريد الكساء نريد نور العلم ليدخل تلك القطاطي لإخراج جيل صالح للحياة ليشد من أزركم نحن معكم وضد الانفصال فأعيدوا لنا الحياة«
هذه الرسالة هي الدليل القاطع على حالة البؤس والشقاء ، الذي مارسه الاستعمار الذي نهب الثروات وجعلهم يعيشون في ظلام دامس وفي تبعية مطلقة ، هي التي جعلت سياسة بنيامين وأخوانه من الجنوبيين يسيرون على نهج أسيادهم في قيادة الجنوب إلى الانفصال بقيادة حزب الأحرار الجنوبي .
هل الشمال مسؤول عن هذا التخلف وفي مذكرة مؤتمر الخريجين للحاكم العام ما يؤكد إهتمام ابناء الشمال بالجنوب .. هل الشمال مسؤول عن الكوارث والفتن والنكبات أم أن سياسة الاستعمار التي حمل جذوتها ابناء الجنوب للعمل على تأخره هل نحن مسؤولون عن هذا التأخر الذي لحق به ؟
لقد نجح الشمال رغم دعاوى يوث ديو في إصدار قرار من الجمعية التشريعية بتدريس اللغة العربية في الجنوب كعامل من عوامل التواصل ، واتفاقية نيفاشا ووزير التعليم في الجنوب أصدر قراره بأن تكون اللغة العربية لغة فرعية، مع الاهتمام باللهجات المحلية وإدخالها كلغات في المعاملات .. ونستقرئ التاريخ ونفتح صفحات الانفصال التي رسمها جيداً اللورد لديد المندوب السامي الذي كتب مذكرته السرية عن السياسة التعليمية مطالباً بإبعاد اللغة العربية وهو ما أخذه مكمايكل السكرتير الإداري وأيده مستر ماثيو سكرتير إدارة التعليم الذي وضع المنهج الجديد عام 1929م بأهمية استخدام لهجات الجنوب فوضعت لغات الباري والاتوكا والشلك والدينكا والنوير وفي عام 1931م تم طبع كتابين بلغة الزاندي ، وأربع بلغة الدينكا وكتاب واحد بكل من لغات النوير والمورو .. هي ذات السياسة الاستعمارية التي يتبعها وزير التعليم في الجنوب الآن وأنتم أخي نافع لا تحركون ساكناً وتسعون لإنفاذ اتفاقية نيفاشا ولغة الحوار التواصل أذيلت من قاموس المنهج التعليمي في الجنوب والسياسة التعليمية تسير على ذات النهج الاستعماري فماذا أنتم قائلون ؟ لقد بذل الشمال الكثير ولم يحدث في تاريخ العالم الحديث والمعاصر أن ارتهن شعب تقدمه من أجل ولاية فيه إلا في السودان ، فماذا أنتم فاعلون مع الذين شربوا من العقيق السام حتى الثمالة .. هل نرهن إرادتنا ومستقبل أجيالنا من أجل الجنوب ، وما الفائدة التي سيجنيها الشمال من وحدة جاذبة كان أكبر استفتاء لها يوم الاثنين الأسود .. وهل أنتم وأنتم تعدون أوراق الاجتماع القادم تؤمنون بأن مستقبل البلاد في الوحدة وقياس الرأي العام في الجنوب يؤكد الانفصال ولو طبق استفتاء في الشمال لكانت النتيجة لا للوحدة .. فماذا أعددتم من أوراق لطرح هذا الرأي في اجتماعاتكم ؟ وعليكم أن تسترشدوا بنتائج لجنة التحقيق في حوادث 1955 م بالرقم 9559 في نهاية أغسطس والذي ركز على الأسباب الرئيسة لذاك التمرد ولعلها إحدى الأسباب التي نترى ضرورة اهتمامكم بها وتعكس من التقرير التالي .
- نؤمن أن الأشياء المشتركة بين الشماليين والجنوبيين قليلة جداً فمن الناحية الجنسية فالشماليون عرب والجنوبيون زنوج ومن الناحية الدينية الشماليون مسلمون والجنوبيون وثنيون ، ومن ناحية اللغة يتكلم الشماليون العربية ويستعمل الجنوبيون لغات مختلفة تقارب في عددها الثمانين لغة هذا بخلاف الاختلافات الجغرافية والتاريخية والثقافية .
- لأسباب تاريخية يعتبر الجنوبيون الشماليون أعداءهم التقليديين.
- كانت السياسة البريطانية حتى عام 1947 م أن يترك الجنوبيين ليتقدموا على النمط الافريقي الزنجي، وباستخدامهم لقانون المناطق المقفولة وقانون رخص التجارة حالوا دون معرفة السودانيين بعضهم البعض.
- لأسباب سياسية ومالية وجغرافية واقتصادية تقدم السودان الشمالي وتخلف الجنوب وهذا الفرق الواضح في التقدم بين أناس متباينين ينتمون إلى قطر واحد لا مفر من أن يخلق شعوراً حقيقياً أو وهمياً عند القسم المتخلف بأنهم يخدعون ويسيطرون عليهم .
- كل هذه العوامل لم تخلق في الجنوبيين شعوراً بقومية مشتركة مع الشماليين أو حتى شعوراً وطنياً أو حباً للسودان كوطن واحد وظل ولاء الجنوب منحصراً في نطاق قبيلته ؟
هذا التقرير أخي النافع : وضع أمامكم الخطوط الرئيسة لورقة الانفصال العادل ، فاتفاقية نيفاشا رغم جهدكم واجتهادكم لا توجد بين ابناء الوطن فأنتم لا تمثلون السودان بأجمعه ، وأهل الحركة لا يمثلون الجنوب بأجمعه فلماذا تفرضون علينا ما لا نريد ؟ فالفطرة قبل الثقافة والحضارة والفطرة أن المستقيمين لا يلتقيان .
كاتب المقال لا يحمل حقدا على ابناء الجنوب ، ولكننا نريد الكل أن يرتفع إلى مستوى المسئولية والإدراك وأن نستوعب ما يحدث في العالم الآن وأن نستبعد الأخطاء التي عطلت مسيرتنا في الشمال ، فجعلت الشمال أكثر تهميشاً من الجنوب ، فقد حالونا أحزاباً وتكتلات ، وعقدنا المؤتمرات ، وطرحنا من الآراء ما يجعل بلادنا قمة وكل هذا اصطدم بتعنت ابناء الجنوب ومطالباتهم المستمرة منذ الاربعينيات بالتدريش وغيره ، فلماذا نسعى لإراقة ماء الوجه ورئيس الجمهورية صاحب الاتفاقية لم يحسنوا استقباله وأطلق عبارته الشهيرة إن كنتم تريدون انفصال الجنوب فنحن نبارك ذلك!!
فاتفاقية نيفاشا المرسومة في المطابخ الأجنبية والتي فتحت بلادنا للتدخلات من كل جانب حتى أضحت بلادنا مادة دسمة للفضائيات ، أتت أكلها المر وثمارها القميئة، وأماطت اللثام من جديد لحلقة جديدة مرسومة بدقة لخلق الاضطرابات في الوطن حتى لا يستقر وينطلق ، فالمارد الذي حباه الله بهذه الامكانات المهولة سيغير وجه الحياة في افريقيا وهذا ما لا تريده دول الاستعمار الجديد.. فلماذا نرهن ارادتنا من أجل الجنوب؟ ولماذا التخوف من الانفصال ؟ لهم مالنا وعليهم ما علينا في حسن الجوار والاتفاقيات وغيرها كثر من أن يجعل لهم دولة قوية تشد من أزرنا وتكون لهم سنداً قويا يدعمهم في مستقبلهم .
إن طرحكم أخي نافع لورقة انفصال شاملة تستهدي بآراء المجتمع المدني وأحزابه ورؤياهم هو خير دليل وبرهان وصدق نية في أننا ننشد الخير لابناء الجنوب قبل الشمال .. ولعلكم توافقونني الرأي في أن ما يحدث الآن بعد الاتفاقية نذير شؤوم وأجراس إنذار مبكر لإنفصال قادم فلماذا نتحمل السنوات المفروضة علينا في الاتفاقية .. نحن لا نريد لبلادنا أن تتوسد الأحزان من جديد .. ولكننا نفتح أبواب الحوار لكل ابناء السودان ، فالدول من بعدنا تقدمت ، ونحن ما زلنا في محطتنا الأولى تقتلنا الملاريا والكوليرا ونعاني من كل موقع ومكان .. وفي مقام قادم نحدد الأطر الرئيسة لورقة الانفصال.
الانتباهة
|
|
 
|
|
|
|
waleed500
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست