|
الكاتب الكبيرالناقدالباحث والمحاضرعبد الوهاب الأفندي المنصوري يكتب عن سد مروي
|
نقلاً عن جريدة راي الشعب ........... الكاتب الكبير والناقد والباحث والمحاضر عبد الوهاب الافندي المنصوري أماً وأباً.. منصوري الموطن.مع هجرات طفيفة الى خشم القربة وكسلا.. والمملكة المتحدة..تحايانا له عبر هذا المنتدى الجامع.. ............... المشروع موضع ترحيب من معظم قطاعات المجتمع السوداني، بما في ذلك القطاع الاكثر تضررا من قيام المشروع، وهي الفئة التي نزعت اراضيها وهجرت حتي يتسني قيام السد، ولكن هذه الفئة كانت تتوقع من الحكومة اضعف الايمان وهو تقدير تضحياتها وتعويضها تعويضا عادلا عن ممتلكاتها المنزوعة. هناك بالطبع فقد نفسي ومعنوي لا تستطع اموال الدنيا تعويضه، وهو فقد الانسان لموطنه، وتدمير البيئة التي كانت تشكل محور حياته وحياة ابائه. ولهذا السبب اعتبر التطهير العرقي من اكبر الجرائم ضد الانسانية. بل ان القرآن الكريم اعتبر اخراج الناس من ديارهم هو المبرر الاول بالاذن بالقتال، فليس فوق فقدان الاوطان فقد. ولكن اهالي المنطقة تجاوزوا عن هذه التضحية التي لا تقدر بثمن، واقتصرت مطالبهم علي التعويض العادل عما يقدر بثمن من ممتلكاتهم من الارض والمساكن وبساتين النخيل وغيرها. ولكن الحكومة وذراعها المسؤول في المشروع تعاملت مع المتضررين بمزيج من الاحتقار واللامبالاة والبخل البغيض، حيث بخستهم قيمة ممتلكاتهم وسوفت في دفع هذه التعويضات، وماطلت في انفاذ مشاريع اعادة التوطين، وما زال ممثلو المتضررين يواجهون اذانا صماء من الجهات الرسمية. في اجتماعه الاحتفالي يوم الاحد الماضي استمع مجلس الوزراء الي خطب مطولة من اعضائه اشادوا فيها بتضحيات المتضررين، واطنبوا في مدح ما قدموه لرفعة الوطن. ومن جهة اخري فان الاعلام الحكومي اسهب في تفصيل ما زعم انه انجاز حكومي في وضع الدراسات المتعمقة حول اوضاع المتضررين، وانجاز المشاريع الطموحة لتعويضهم واعادة اسكانهم. ولكن يبدو ان هذه الاشادة وهذه الانجازات لا تتعدي حد الكلام، ولا تتجاوز الغرف التي قيلت فيها، او المنابر الاعلامية التي اشاعتها. ففي العام الماضي اجري الصحافي المبدع عثمان ميرغني الذي يكتب في جريدة الرأي العام السودانية سلسلة تحقيقات حول المشروع واوضاع المتضررين، كشف فيها بشجاعة ووضوح هذه الفجوة المخجلة بين القول الرسمي والفعل. واهم ما كشف عنه عثمان ميرغني كان العقلية التي تجمع بين الاستعلاء والغباء، كما تكشفت في تصريحات المسؤولين من ان اهل المنطقة متخلفون مما يدعو الي عدم احداث صدمة حضارية لهم باقامة مساكن حديثة لهم! المسؤولون تصرفوا كما كانت السلطات الاستعمارية تفعل في الماضي، حيث اقاموا لانفسهم مدينة حديثة مزودة بأفضل الخدمات، بينما لم يقدموا للمتضررين الا الحد الادني لما يصلح لبني الانسان. وكما تفعل السلطات الاستعمارية فان الحكومة احضرت مستشرقين من داخل وخارج السودان لاجراء المسوح والدراسات وتخطيط المشاريع، دون ان يخطر لهم ان هناك شخصا واحدا من الاهالي يصلح لان يكون من ضمن فرق الدراسة او عضوا في اللجان الكثيرة التي تخطط وتنفذ. بل لم يخطر لهم حتي ان يطلعوا الاهالي والسكان المحليين علي فحوي هذه الدراسات ومضامينها! وقد تقدم ممثلو اهالي المنطقة للسلطات الاستعمارية الجديدة بمطالب متكررة للاجتماع بهم والتشاور معهم واشراكهم في اتخاذ القرار، ولكن سلطات الراج وممثلو الحاكم العام الجديد لم يخطر لهم ان هذه الطلبات تستحق مجرد التفاتة. اذن الاحتفال الحكومي بهذا الانجاز العظيم هو في غير محله في ظل هذا الوضع المختل، لان هذا الاحتفال بالطاقة الرخيصة ينطلق من اهمال متعمد للثمن الباهظ المفروض علي ضحايا هذا المشروع الكبير، والذي لم يدخل في حساب التكلفة. وقد كان برنامج الامم المتحدة الانمائي قد راعي هذه الناحية حين ادخل في تقاريره السنوية منذ عام 1990 مفهوم التنمية الانسانية، وهو مفهوم يراعي شمول العملية التنموية، وكونها مدخلا لتوسيع الفرص امام البشر قبل كل شيء، وليس مجرد اقامة بنيات ضخمة من البني التحتية والمصانع علي حساب البشر والبيئة والانسان. مفهوم التنمية الانسانية يبدو في الاول مستغربا، لان من المفترض ان تكون كل التنمية انسانية ومن اجل الانسان. ولكن الواقع يقول خلاف ذلك، بل يؤكد ان العكس صحيح. كل الطفرات التنموية الضخمة سواء الثورة الصناعية في الغرب، او برامج الالتحاق بها في دول مثل الاتحاد السوفييتي والصين وكوريا وغيرها، كانت عمليات تنمية لاانسانية بمعني الكلمة، لانها قامت علي النهب الاستعماري والرق والاستغلال البشع للعمالة ومعسكرات الاعتقال و الثورات الثقافية وغيرها من البشاعات التي لا تحصي. وهو امر يتكرر ويتجدد اليوم مع الانفجار الرأسمالي المتوحش الجديد الذي نشرته النيوليبرالية المعولمة، وهو توجه تبنته الحكومة السودانية بحماس تحسد عليه. المشاريع التنموية اللاانسانية في السودان وخاصة المتعلقة ببناء السدود، اثارت في الماضي ردود فعل عنيفة. فقد كانت ثورة 1924 الشعبية ـ العسكرية الدامية رفعت من شعاراتها الاحتجاج علي مصادرة اراضي الجزيرة لإقامة مشروع زراعي ضخم حول خزان سنار، كما كانت جذور انتفاضة عام 1964 ضد الحكم العسكري آنذاك تعود الي احتجاجات اهالي منطقة حلفا ضد ترحيلهم حتي يتم بناء السد العالي في مصر. في الاغنية المشهورة التي كان طلاب الكلية الحربية يرددونها في مظاهرتهم المسلحة ضد الحكم البريطاني عام 1924، ومطلعها يا أم ضفائر قودي الرسن/واهتفي فليحيا الوطن ، كان هناك مقطع محوري حول مشروع الجزيرة جاء فيه: يا جزيرة نيلنا السلام من قلوبا حاباك تمام لها فيك آمالا عظام يا تتم يا يحصل كلام ولعل من الحكمة ان تبدأ الحكومة في الاستماع لشكاوي المتضررين من اهالي المنطقة قبل ان يحدث كلام لا تحمد عقباه. فالمطالب بسيطة ومعقولة، والامر يمكن تداركه قبل ان يحدث ما لا يمكن تداركه، وقد استخفت الحكومة من قبل بأهل دارفور، فاصبح اليوم مصير كبار رجالاتها الشخصي (وليس السياسي فقط) رهنا بارادة من استخفوا بهم بالامس. واذا كان العاقل يتعظ بغيره فان غير ذوي العقل لا يعجزهم الاتعاظ بأنفسهم. ............. نشر البحث قبل سنة تقريباً
|
|
|
|
|
|