المــاغوطـ في ذمـة اللــــه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 11:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-03-2006, 11:46 PM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المــاغوطـ في ذمـة اللــــه

    ارتجال وطن
    حلمي القديم:

    وطن محتل أحرره

    أو ضائع أعثر عليه

    حدوده تقصر وتطول حسب مساحته وعدد سكانه وأنهاره ونشاط عصافيره

    والمغتربين من أبنائه

    والعابرين في طرقاته

    والمزوّدين بالوقود في أجوائه

    وطني حيث يشرب المارة

    ويشفى المرضى

    وتزهر الأشجار العارية

    حتى قبل وصول الربيع إليها

    * * *

    يا أمهات الكتب

    أخبروني:

    ماذا حلّ بمؤلفاتي المتواضعة؟

    لقد عانيت طويلاً في كتابتها

    وأريد أن أعرف ما آلت إليه

    على أي رفّ ترقد؟

    الربيع

    كلما كتبت كلمة جديدة...

    تنفتح أمامي نافذة جديدة

    حتى أنتهي في العراء

    والمشكلة أن يدي دائماً على قلبي

    متى توقفت ماتت

    ومات كل شيء

    ولذلك قبل أن أشرب أكتب

    وقبل أن آكل أكتب

    وقبل أن أسافر أكتب

    وقبل أن أصل أكتب

    وقبل أن أبكي أكتب

    وقبل أن أصلّي أكتب

    وليس عندي كلمة غير صالحة للاستعمال

    الكل مطلوب الى الخدمة

    كما في حالات النفير العام

    فأنا مهدد دائماً

    بانتمائي وعروبتي وطفولتي وشبابي

    وقلمي ولساني ولغتي

    ودائماً عندي كلمات جديدة

    في الحب والوطن والحرية وكل شيء

    ولكنني لا أستطيع استعمالها

    لأن شبح بلادي الصحراوي

    لا يسمح لي بكتابة أي شيء

    سوى الرقى والتعاويذ والتمائم

    على بيضة مسلوقة

    لعلاج نكاف الأطفال أو سعالهم

    مثل أي شيخ أميّ في أقاصي الريف البعيد.


    اللهم ارحمه واغـفر لـه واسكـنه جنة عرضها السموات والارض
                  

04-04-2006, 00:03 AM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    Quote: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة
    والشوارع المقفرة
    والستائر المسدلة
    والنوافذ المطفأة
    اما من حل وسط بين الكلمة والسيف
    بين بلاط الشارع وبلاط السجن
    سوى بلاط القبر؟
    أيتها الأمة الكذوبة
    أين اجدادي الصناديد الكماة
    وما الذي يؤخرهم؟
    اشارات المرور؟


                  

04-04-2006, 03:28 AM

محمد بهنس

تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    رحم الله الشاعر والكاتب العظيم محمد الماغوط.
    .. .. .. .. ..
    .. .. .. .. ..
    ... ... ...
    ... ...
    .. ..
    ..
    .
    كان غاضبا من كل وضع.يشتم والناس لا يزيدون ااذانهم سوى محبة اكثر,
    ذلك انهم يدركون انهم امام نبي شاعر,وانسان مستحيل في حساسية اعصابه للقضايا العامه,وانهم يتسمعون نسائم عزيف وادي عبقر.
    انا احبه حتى الكاس الاخير من تراث الانسانيه.
    محبتي تصلك يا فاتح هذا البوست.
                  

04-04-2006, 02:16 PM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: محمد بهنس)

    Quote: انا احبه حتى الكاس الاخير من تراث الانسانيه.
                  

04-05-2006, 01:41 AM

Elmuez

تاريخ التسجيل: 06-18-2005
مجموع المشاركات: 3488

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    يا أبوحميد,

    دعني أشاطرك الأحذان بهذا الروي:
    سمير عطاالله , نقلا عن الشرق الأوسط 5 أبريل 06

    Quote: موت في ضوء القمر

    ذات مرة جاء محمد الماغوط الى باريس. وذهبنا، الزميل شكري نصر الله وانا، لاستقباله في المطار. وقد كان يرتعب من جهله الفرنسية. رافقناه الى الفندق. وملأنا عنه استمارة الغرفة. وقررنا ان نودعه. لكنه استوقف شكري، قائلاً: «ارجوك. اتصلّ بالفندق غداً في العاشرة وقل لهم ان يحملوا الفطور الى غرفتي». وقال له شكري:«ولو، يا محمد، الا تعرف كيف ترفع السماعة وتقول، كافيه؟».
    اجاب الماغوط: «طيب خيّو. رفعنا السماعة وقلنا كافيه. وقرر الموظف ان يخفف دمه ويقول: بونجور مسيو. ايه شو منجاوب؟».

    حوَّل محمد الماغوط كل حزنه الشخصي الى سخرية وكل حزنه القومي الى غضب. كانت التجربة الجدية الوحيدة في حياته، الانضمام الى الحزب السوري القومي. ومع ذلك عندما سئل عن تجربته الحزبية قال:«لقد انضممت الى الحزب لكي آكل في الاجتماعات». وكان انتماؤه الى حركة «شعر» ابرز نشاطاته الجماعية، لكنه قال انه ذهب الى «شعر» لأن العشاء كان اطيب من «الآداب». وعن جهله باللغات قال «انا العربي الوحيد القادر على عدم ادعاء الثقافة وثقل دمها».

    ولد في الحزن. وشبّ في السجن السياسي. وكان اجمل شعره «حزن في ضوء القمر». كان موهبة ادبية بلا حدود، وشخصية انطوائية، متشابكة، خائفة وحذرة بلا حدود. هرب من ضعف البشر ومن ضعفه واتخذ لنفسه كرسياً وطاولة في مقهى شامي بسيط. ومعهما امضى سنواته الاخيرة. ولم يكن الناس يأتون لمجالسته بل للتفرج عليه: نمر نادر في قفص مفتوح يتفرج وحيداً على سنوات الهرم.

    وفي هذا القفص المفتوح كان يطلق شعلة العبقرية والحرية في كل صوب: المخابرات. والسجون. والأنظمة العربية. ولم يكف عن ذلك. فقد كان يعيش ويتصرف ويكتب على اساس ان سجّانه عابر بينما هو مجموعة دواوين في عين الشمس. كان نثره أنيساً وحاداً. وكان شعره حزيناً وانيساً ومؤلماً وفيه دوماً شيء من ضوء القمر ومن قسوة الطفولة المعدمة والحمقاء.

    جرّب الصحافة فأسرته ففك أسره ومضى. وجرّب الهجرة فاضافت الى غربة نفسه غربة المكان، فودّعها وعاد. وكانت سنية زوجته، حبه الوحيد ففقدها، وتحولت غربته الذاتية وسجنه الماضي وفقره الدائم، الى منفى مغلق، تراه الناس من الخارج، وتصغي اليه من الخارج، والنمر داخل القفص المفتوح يرسل مذكرات توقيف واستجواب في حق كوكب الارض. وفي المساء ترجوه اشعة القمر ان يعفو، فيعفو ويغفو مثل طفل حلم طوال حياته بلعبة لم يرها وبسرير لم يسترقده. مات وهو على كرسي يحلم ويصغي الى سورة يوسف: قصة الاخوة والحسد ومكر المرأة العظيم.



    (عدل بواسطة Elmuez on 04-05-2006, 09:59 AM)

                  

04-05-2006, 02:02 AM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Elmuez)

    Quote: ولد في الحزن. وشبّ في السجن السياسي. وكان اجمل شعره «حزن في ضوء القمر». كان موهبة ادبية بلا حدود،


    عزيزي المعز

    أهديك رائعته حزن في ضوء القمر







    حزن في ضوء القمر



    أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها

    أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر

    خذني إليها

    قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر

    فأنا متشرّد وجريح

    أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده

    من أعماق النوم أستيقظ

    لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم

    لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر

    قل لحبيبتي ليلى

    ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين

    أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها

    انني ألمح آثار أقدام على قلبي .

    دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه

    وأنا راقدٌ في غرفتي

    أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره

    من قلب السماء العاليه

    أسمع وجيب لحمك العاري .

    عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده

    والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا

    ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح

    تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ

    ورياحُ البراري الموحشه

    تنقلُ نواحنا

    إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس

    ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ

    نبكي ونرتجف

    وخلف أقدامنا المعقوفه

    تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...

    وافترقنا

    وفي عينيكِ الباردتين

    تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله

    أيتها العشيقةُ المتغضّنة

    ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر

    أنتِ لي

    هذا الحنينُ لك يا حقوده !

    . .

    قبل الرحيل بلحظات

    ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده

    عن الليل والخريف والأمم المقهوره

    وتحت شمس الظهيرة الصفراء

    كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ

    وأترك الدمعه

    تبرق كالصباح كامرأة عاريه

    فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه

    وقربَ الغيوم الصامتة البعيده

    كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره

    تندفع في نهر من الشوك

    وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه

    تحدقُ بي

    بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .

    . .

    يا نظراتِ الحزن الطويله

    يا بقع الدم الصغيرة أفيقي

    إنني أراكِ هنا

    على البيارقِ المنكَّسه

    وفي ثنياتِ الثياب الحريريه

    وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام

    تحت سمائك الصافيه

    أمضي باكياً يا وطني

    أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف

    والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين

    كامرأتين دافئتين

    كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني

    إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول

    تحت أظافري العطريه

    يقبعُ مجدك الطاعن في السن

    في عيون الأطفال

    تسري دقاتُ قلبك الخائر

    لن تلتقي عيوننا بعد الآن

    لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه

    سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده

    كالسحابةِ التي لا وطن لها .

    . .

    وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل

    أيتها الشبابيكُ الارجوانيه

    انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب

    عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..

    جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،

    أودُّ أن أموتَ ملطخاً

    وعيناي مليئتان بالدموع

    لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر

    فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه

    في طفولتي ،

    كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب

    وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه

    أما الآن

    وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح

    انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع

    اشتهي جريمةً واسعه

    وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،

    إلى بلادٍِ بعيده ،

    حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،

    وفتاةٌ خلاسيه ،

    تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .



                  

04-05-2006, 02:10 AM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

                  

04-05-2006, 03:45 AM

محمد بهنس

تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    Quote: ذات مرة جاء محمد الماغوط الى باريس. وذهبنا، الزميل شكري نصر الله وانا، لاستقباله في المطار. وقد كان يرتعب من جهله الفرنسية. رافقناه الى الفندق. وملأنا عنه استمارة الغرفة. وقررنا ان نودعه. لكنه استوقف شكري، قائلاً: «ارجوك. اتصلّ بالفندق غداً في العاشرة وقل لهم ان يحملوا الفطور الى غرفتي». وقال له شكري:«ولو، يا محمد، الا تعرف كيف ترفع السماعة وتقول، كافيه؟».
    اجاب الماغوط: «طيب خيّو. رفعنا السماعة وقلنا كافيه. وقرر الموظف ان يخفف دمه ويقول: بونجور مسيو. ايه شو منجاوب؟».
                  

04-05-2006, 03:47 AM

محمد بهنس

تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: محمد بهنس)

    Quote: ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
                  

04-05-2006, 03:49 AM

محمد بهنس

تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: محمد بهنس)

    Quote: هذا الحنينُ لك يا حقوده !
                  

04-05-2006, 03:51 AM

محمد بهنس

تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: محمد بهنس)

    Quote:
    وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام

    تحت سمائك الصافيه

    أمضي باكياً يا وطني
                  

04-05-2006, 07:57 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: محمد بهنس)

    رحل على أريكته جالساً بين سيجارته وسماعة التلفون
    ابراهيم حميدي الحياة - 04/04/06//



    عندما زارته مساء الأحد في منزله صديقته فاطمة النظامي الآتية من السلميـة مسقط رأسه، بادرها محمد الماغوط بالآية الآتية: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضيـــة» ثم عدد لها أغلى الأشياء في حياته: زوجته سنيـــة الشاعرة الراحلة، ابنته الكبرى شام وقولها «ما في أحلى من بابا»، وابنته الثانية سلافة وقولهــا «ما أسخف من بابا» قبل ان يختتم: «الله يوفق كل اعدائي وأصدقائي».

    سألته فاطمة: «هل تخاف الموت؟»، فأجاب: «لا، لا أخاف الموت، وسأعيش مئة سنة»، قبل ان يستغرب من اين تأتيه هذه القوة.

    قال لها عبارة سعد الله ونوس التي قالها في خطابه في يوم المسرح العالمي: «إننا محكومون بالأمل». ردت فاطمة: «إننا محكومون بالندم»، فكان جوابها ان هز رأسه، لأن «جسمي سينتقم مني لإهمالي له سنوات طويلة».

    عندما استيقظ الماغوط في صباح اليوم التالي، يوم امس. وضع شريط مسجل لشيخ يقرأ القرآن. وراح يستمع. تدخل عليه ام علي وابن اخته الدكتور محمد بدور، الذي لازمه في السنوات الأخيرة. تطعمه قبل ان يتناول الدواء.

    غادر الدكتور محمد الى مكان عمله في المستشفى. ثم غادرت ام علي. وتركا الماغوط يستمع الى تلاوة القرآن، كما جرت عليه العادة في الأشهر الستة الأخيرة.

    اتصل الدكتور محمد بخاله الماغوط في الثانية عشرة ونصف، ليمطئن عليه. فكان جواب الماغوط: «صحتي كويسة».

    كان ابن اخته يشعر بالقلق عليه، حاول الاتصال به مرات عدة بعد ساعة. غير ان الخط الهاتفي كان مشغولاً. وعندما جاء الى المنزل.

    رحل الماغوط جالساً على أريكته. بيده اليسرى سيجارته وفي اليد اليمنى يمسك سماعة التلفون.


    http://www.daralhayat.com/culture/04-2006/Item-20060403...465a9be6c/story.html
                  

04-05-2006, 08:02 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: عبد الحميد البرنس)

    محمد الماغوط الراحل عن 72 سنة... في آخر حديثٍ الى «الحياة» لم يقرأه (1من2) ... السجن جعلني شاعراً والحذاء العسكـري علمنـي الكثير... العالمية لا تعنيني وكنت أتمنى أن أظل فتى أمياً يرعى الغنم


    عبده وازن الحياة - 04/04/06//












    التقيت الشاعر محمد الماغوط في 9 آذار (مارس) في دبي خلال أيام الاحتفال الذي أحيته مؤسسة سلطان العويس لمنح جوائزها للفائزين بها وكان الماغوط واحداً منهم. وعندما ورد نبأ رحيله بعد ظهر أمس كنت أضع اللمسات الأخيرة على الحوار الذي أجريته معه في غرفته في الفندق. لعلها المصادفة القدرية تجعل هذا الحوار آخر حوار يدلي به هذا الشاعر الكبير قبل ثلاثة أسابيع من رحيله. هنا الحوار كما دونته مع المقدمة المفترضة له:


    حمل محمد الماغوط عالمه الخاص الى غرفته في الفندق الذي حلّ فيه ثلاثة أيام، ملبياً دعوة مؤسسة العويس لتسلّم الجائزة التي فاز بها. عالمه نفسه الذي اختلقه في بيته الدمشقي انتقل الى غرفة لا يحتاج فيها الى أن يمشي أكثر من بضع خطوات، هو الذي بات مشيه صعباً، لا سيما خارج الغرفة أو البيت. في ردهة الفندق كان الماغوط يتنقل على كرسيّ متحرّك يقوده طبيبه الشاب محمد بدّور وهو ابن أخته. إنّها اللحظات القليلة التي ظهر فيها خارج الغرفة، ناهيك بحفلة التكريم، حين جلس على المنصّة بعدما سار متوكئاً على عصاه. أصبح الكرسيّ المتحرك والعصا الوسيلتين الوحيدتين اللتين تساعدانه على استعادة العالم في الخارج، عندما يقرّر أن يخرج وهو نادراً ما يخرج.


    لكنّ محمد الماغوط رجل جبّار حقاً. روحه ما زالت في أوج يقظتها، وما برح هو على سخريته وغضبه واحتجاجه وتمرّده وطرافته... جسده الذي خانه وقدماه الثقيلتـــان والقامـة السمينة لم تحل دون مواصلته الحياة التي يحبّها، بحزنها وبقايا رغباتها، بفرحها القليل والذكريــات، الذكريات التي يستعيدها في عزلته الطويلة المتواصلـة ليل نهار. وقد يقطعهــا بضعة أصدقــاء قليليــن يطرقون الباب. في الثانية والسبعين، في وجهه ملامح طفولة عتيقة تمتزج بشآبيب العمر، وفي عينيه تلتمع بروق الحياة التي يصر عليها، على رغم الكآبة التي تحيط به. يصرّ شاعر «حزن في ضوء القمر» على الكتابة، أياً تكن. يدبّج المقالات بيد ترتجف قليلاًَ ويكتب النصوص والقصائد من غير أن يفرّق بينها. وهو سيظل يكتب حتى آخر نفس كما يقول، حتى وان كرّر نفسه. فالكتابة هي نافذته الوحيدة على الحياة وهي حافزه الدائم على الحرية والرفض والاحتجاج وسائر «الثوابت» التي يؤمن بها. لا يخاف الموت بتاتاً وقد عاشه عن كثب. فالموت في نظره هو الانقطاع عن الكتابة.


    في غرفته في الفندق التقيت محمد الماغوط. الانطباع الأول الذي يساور زائره هو أن الشاعر تغيّر ولكن من دون أن يتغيّر مزاجه الذي طالما عرف به، ولا حماسته ولا احساسه العبثي بالزمن والتاريخ... الكأس على مقربة من يده، والسيكارة لا تغادر أصابعه، وعلى الطاولة الصغيرة المجاورة للسرير، بضعة صحون لا تخلو من طعام خفيف. هذا هو «طقس» محمد الماغوط الذي لا يتخلى عنه ولو خرج من بيته. بحّة صوته لا تزال هي نفسها، والكلام المختصر والمختصر جداً في أحيان، ما زال طريقته في التعبير. يضجر قليلاً، ثم يستعيد حماسته، مستعيناً بذاكرته المتوقّدة.


    هذا الشاعر الذي كتب أجمل قصائد النثر بالصدفة، والذي أسس مدرسة شعرية من غير أن يدري، هو شاعر المستقبل بمقدار ما هو شاعر الواقع والحاضر. جاء الشعر من عيشه اياه، من الحياة نفسها، من مرارة العزلة، من الخوف الذي اكتشفه باكراً في السجن، من الشارع الذي تعلّم فيه الكثير. كانت موهبته الكبيرة هي الأساس الذي قامت عليه شعريته، اضافة الى ثقافته المتواضعة، كما يعترف. وموهبة الماغوط تتسم بطابع وحشي وغريزي، فهو يتنفس الشعر تنفّساً من غير أن يسعى الى تقديمه والتنظير له. شاعر كان صوته من الأصوات الأولى التي خرجت على الشعر التقليدي، في أشكاله وقضاياه. شاعر كان همّه أن يحتج ويعترض، مرسخاً قدميه في الأرض، ومصغياً الى ايقاع الحياة اليومية والعابرة. الا أن شعره لم يخلُ لحظة من الحنين الغامض والبعد المأسوّي والهمّ الجمالي واللغوي. وقد استطاع أن يجذب شعراء كثراً أعقبوه، سواء تأثروا به وقلّدوه أم اكتفوا بمقاربة شعريته الكبيرة. ودواوينه، لا سيما الثلاثة الأول، كانت لها رهبتها وما زالت، رهبة الشعر الطالع من عمق التجربة الحية.


    ما أصعب أن تحاور محمد الماغوط. يعترف للفور أنه ملّ الحوارات الصحافية، القليلة أصلاً. ويعتبر أن ما قاله بات كافياً وأن لا جديد لديه. لكنه ما ان يبدأ في الاجابة عن الأسئلة حتى يمعن في قول جمل بديعة وفيها من الجديد ما فيها من الطريف والساخر والمأسويّ. أجوبته مختصره كعادته، فهو لا يحبّ الاطالة. يقطف الكلام قطفاً وعليك أنت الذي تحاوره أن تلتقطها لئلا تضيع في المجهول.




    < ما زلت تكره الحوار الصحافي و «السين والجيم»! كيف يمكننا أن نحاور محمد الماغوط برأيك؟




    - بالعاطفة، السؤال والجواب ما زالا يذكرانني بالأمن ورجاله. ويذكرانني أيضاً بالمدرسة والأساتذة. وأنا أكره المدرسة منذ مراهقتي وقد طفشت منها باكراً.




    > جائزة العويس التي حصلت عليها، ماذا تعني لك؟ ألا تعتقد أنّها تأخرت في الوصول اليك؟




    - فرحت بها. ولا يهمّني إن كانت تأخّرت في الوصول اليّ. فرحت بها كما يفرح الصبي بالطابة.




    > وماذا ستفعل بالمئة وعشرين ألف دولار؟




    - سأصرف الكثير منها على الأدوية.




    > وأمورك الصغيرة أو ملذاتك الصغيرة!




    - لم يبق لديّ أي ملذّات. السيكارة والكأس فقط، وربما الانتظار. هناك أيضاً الأصدقاء القلّة الذين أحبّهم ويحبونني. أعترف لك بأنني مرتاح هكذا ولم يبق لديّ طموح الى أي شيء. حتى جائزة نوبل لا أطمح اليها. وأعتقد أن جائزة العويس أصدق من نوبل في مقوّماتها وأهدافها.




    > ما قصة مسرحية «جلوس قيام» التي عرضت في دمشق والتي قيل انك هاجمت فيها بيروت؟




    - هم أضافوا اليها. أنا لم أكتب كلّ النص. حتى إنني لم أشاهد المسرحية. أنا أعبد بيروت فكيف أهاجمها. كنت في المستشفى عندما أضافوا الى النص. أنا لا أهاجم بيروت مهما حصل.




    > تتحدّث دوماً عن شاعر يدعى سليمان عوّاد وتعتبره الوحيد الذي أثر بك! ما قصّة هذا الشاعر شبه المجهول؟




    - سليمان عواد شاعر سوري درس الفرنسية، كنت أحبّه كثيراً كشخص وأحب بعض أشعاره، وكان صديقي. لكنّه لم يطوّر نفسه. توّفي فقيراً وما زلت أحبّه حتى الآن وأتحدّث عنه بإعجاب.




    > عندما شاركت في «خميس» مجلّة «شعر» للمرة الأولى في بيروت، شبهك بعض الحاضرين بالشاعر الفرنسي رامبو، بعدما استمعوا الى قصائدك بصوت أدونيس! ما رأيك بهذا التشبيه؟




    - لم يعنِ لي هذا التشبيه شيئاً حينذاك. لم أكن أعرف رامبو ولم أكن قرأت له أيّ قصيدة. وأذكر أن شاعراً وناقداً أوسترالياً قال: اذا اخترنا أربعة أو خمسة شعراء كبار في العالم فالماغوط سيكون واحداً منهم. هذا الاوسترالي قرأني بالانكليزية طبعاً. وهناك شاعر اوسترالي أيضاً يدعى جان عصفور، عربي الأصل، يعتبر أن تعريفي بالشعر هو الأجمل. ويقصد الجملة التي وردت في قصيدة لي وتقول: «سئمتك أيها الشعر. أيتها الجيفة الخالدة».




    > ماذا تشعر عندما ترى شعرك مترجماً الى اللغات الأجنبية؟




    - لا يعني لي شيئاً. الشهرة نفسها لا تعنيني أيضاً. وأنا لا أعرف أي لغة أجنبية.




    > لكن الشعراء يسعون دوماً الى العالمية من خلال الترجمة!




    - العالمية لا تعنيني. انها تعني أدونيس مثلاً. ثم أقول إنّ أي لحام يستطيع أن يصبح عالمياً: ليذبح امرأته، هذه طريقة اقترحها سبيلاً الى العالمية.




    > أين أصبحت علاقتك بأدونيس؟




    - تصالحنا أخيراً. اتصل بي عندما كنت في المستشفى. وقال لي: إشرب شعراً واسقنا شعراً. معظم خلافاتي مع أدونيس سببها أنا. رياض الريس كما يعلم الجميع لا يحب أدونيس. ومرّة أخذوا مني في جريدة «المنار»، التي كان يصدرها رياض، حديثاً هاجمت فيه أدونيس بشراسة وكنت ثملاً.




    > وخالدة السعيد، شقيقة زوجتك؟




    - انني أحبها كثيراً. قالت لي مرة: أنت مرصود والعين عليك وهناك أناس يحاولون أن ينالوا منك. وأضافت: أنت أكبر شاعر عربي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.




    > أشعر بأن الكراهية لا تغادرك؟




    - الكراهية أصعب من المحبّة. هذه أمثولتي الشخصية.




    > هل تخفف الكراهية والسخرية من سوداويتك التي تُعرف بها؟




    - لا. السوداوية لا يخففها إلا حضور الحب والمرأة. الاحساس بالحرية كذلك. محبّة الناس لي. عندما كنت أمرّ في الشارع بلباسي العادي كان الناس ينظرون إليّ بإعجاب ومحبة. أياً كان كلامي يسمعني الناس بمحبة. حتى اذا شاهدوني وأنا آكل يُعجبون بي. مرّة أوقفتني امرأة محجبة في الشارع وسألتني عن يدي التي أكتب بها وقبّلتها. مرّة ركع الشاعر طلال حيدر أمامي وراح يمدحني. وابنة شقيقة زوجتي رامة فضة رمت ديواناً لأدونيس مرة وقالت: الماغوط هو إله الشعر. وقال يوسف الخال: هبط الماغوط علينا كإله اغريقي.




    > يبدو أنك تحب المديح!




    - لا أحتمل المديح ولا الاهانة.




    الطفولة البائسة






    > ماذا تذكر من طفولتك البائسة في قرية السلمية؟




    - ولدت في السلمية وعشت فيها مراهقتي. كان حلمي أن أتزوّج من ابنة عمّي أو خالي وأنجب الأطفال. هذا كان حلمي أيام الفتوّة. لكن قدري كان أن أتزوّج سنية.




    > ماذا تذكر من ملامح أمك وأبيك؟




    - أمي كانت قوية مثل الرجال وربّتا هي بنفسها. وأذكر الألم الذي كانت تعانيه في ركبتها التي لم تكن تستطيع أن تطويها، وكانت أصيبت في ركبتها وهي شابة. أمي أثرت بي كثيراً. كانت جميلة وساحرة. أما أبي فكان من أبسط الرجال. رجل مسالم يعمل في الحصاد. وظلّ فقيراً طوال حياته. عاش «مديوناً» ومات «مديوناً». كنا نأكل البطاطا دوماً. نأتي بها من الحقل. أذكر وجه أمي الجميل، أذكر حنانها وقسوتها في الوقت نفسه. زارتني مرة في دمشق. كانت في الثمانين وكانت طلّها تحفظ بعضاً من جمالها القديم. وعندما سجنت في «المزّة» للمرة الأولى، ركبت أمي البوسطة وجاءت تزورني وتراني وراء القضبان.




    > ماذا عن دراستك أنت الذي يكره المدارس؟




    - لعب القدر لعبته، وتحوّلت من قروي فقير الى تلميذ في المدرسة الزراعية في الغوطة. وكان من تلاميذها أديب الشيشكلي وأنور السادات وصدام حسين. تصوّر. هؤلاء درسوا فيها.




    > هل درست علم الزراعة حقاً؟




    - درست القليل. وأذكر كان لدينا أستاذ فلسطيني اسمه رفّول خوّام وكان قاسياً جداً. مرة أعطاني علامة 19/20 من دون أن يسألني أي سؤال. ربما تقديراً لموهبتـي الشخصية. كنت أحبّ ميله الى الصمت. وربما منه تعلمت كيف أصمت. أما رفاقي في الصف فجنّوا حسداً.




    > لكنك لم تكمل الدراسة!




    - هربت من المدرسة سيراً على قدميّ، ولم أكمل الدراسة منذ ذاك الحين.




    > وما قصة السجن الذي دخلته للمرة الأولى؟




    - دخلت السجن عام 1955لأنني انتسبت الى الحزب القومي؟




    > هل كنت حزبياً؟




    - لا، أنا لا أحبّ الأحزاب. أنا شخص منفرد، أميل دوماً الى الوحدة.




    > وماذا عن الحزب القومي؟




    - دخلت الحزب القومي من دون أن أقرأ مبادئه. كنت فتى فقيراً وكانت لديّ حاجة الى أن انضمّ الى جماعة ما. وكانت قريتي السلمية تضج بفكرة الحزبية، وكان هناك حزبان: الحزب القومي والحزب البعثي. وقد اخترت القومي لأنه كان قريباً من المنزل، وفي المركز كانت هناك صوبيا (مدفأة)، أي أن الجوّ كان دافئاً، بينما المركز البعثي بلا صوبيا. لم أقرأ مبادئ الحزب، وفي الاجتماعات كنت أنعس وأتثاءب. وأذكر انهم عندما كانوا يتحدثون عن المناقبية الحزبية كنت أفكر بالمخدّة. عندما كان ينتهي البرد كنت أهرب من الاجتماعات. ومرّة كلفوني بجمع التبرّعات للحزب فجمعت ما يكفي لشراء بنطلون وفررت.




    > أي أنك لم تكن ايديولوجيا؟




    - أبداً. كنت فتى يافعاً. لكنني سُجنت بتهمة الانتماء الى هذا الحزب. لكن هذا لا يعني أنني لم تكن لديّ حماسة ضد الظلم والفقر والعار القومي. إلا أنّ السياسة لم تعنِ لي الكثير وكذلك الأحزاب. أنا شخص فرديّ جداً. لكنني أعترف أنني كنت أحب انطون سعادة وأحترمه. وقد سحقني اعدامه بقوّة.




    > هل كتبت عنه؟




    - لم أكتب عن انطون سعادة مع أن اعدامه سحقني. اعترف أنني لم أقرأ كتبه. انني ضدّ الإعدام. إعدام تروتسكي آلمني كثيراً أيضاً.




    > هل انحزت الى تروتسكي مثل بعض المناضلين العرب؟




    - كنت أحب تروتسكي لكنّني لم أحب الشيوعية.




    > نعود الى السجن! كم مرة سجنت؟




    - مرتين، وأثر السجن لم يغادرني يوماً. صحيح انني لم أمكث في السجن سنوات، لكن الأشهر التي أمضيتها كانت كافية لتغيّر حياتي كلها. في العام 1955 سجنت نحو تسعة أشهر، وفي العام 1961 ثلاثة أشهر. وكان الشهر بطول سنة وأكثر.




    > هل غيّر السجن نظرتك الى الحياة؟




    - كثيراً. كنت في العشرين من عمري، وكنت أظن أن السجن هو للمجرمين والقتلة. وعندما سجنت في المرة الأولى شعرت بأن شيئاً جوهرياً تحطّم في داخلي. كلّ ما كتبته وما أكتبه هو أشبه بعملية ترميم لتلك التجربة المرّة والقاسية. وما زلت أرمم آثار هذه التجربة حتى اليوم. ولا أبالغ ان قلت إن أمل الحياة سقط في السجن. وكذلك الجمال والفرح. كان هناك الكثير من الرعب. قسوة ورعب. كنت ضعيفاً وغير قادر على استيعاب ما يحصل ولا على تحمّل الاذلال والظلم. حذاء الشرطي لا أنساه. كان الشرطي يقطر عرقاً وهو يمارس فعل التعذيب. والفادح في الأمر أنني حتى الآن لم أعرف ما هي التهمة التي قادتني الى السجن، أنا الفتى الفلاح والقروي البسيط، الذي لا يعرف شيئاً عن العالم. وانتمائي الى الحزب القومي كان عابراً ولم أكن حزبياً.




    > ماذا تعلّمت في السجن؟




    - السجن مدرسة تعلّمت فيها الكثير. السوط علّمني. الحذاء العسكري علّمني. لقد أثر السجن فيّ كثيراً في مطلع شبابي. فيه اكتشفت اللون القاتم للحياة. واعتقد أنّ شيئاً في داخلي انكسر ويصعب عليّ تجبيره حتى الآن. في السجن تعرّفت على الخوف وصرت أعرفه. وما زال الخوف يرافقني. الأمان فقدته في السجن وصرت أشعر بأنني أعيش قلقاً بلا أمان أو طمأنينة. ولا أخفيك أنني كنت أبكي في السجن وأصرخ لا سيما خلال التحقيق.




    > قلت مرة أنك تعرّفت الى أدونيس في سجن المزّة!




    - صحيح. لكنه كان في زنزانة أخرى. كان مهجعه قبالة مهجعي.




    > لكن أدونيس استطاع أن يتخطّى هذه التجربة؟




    - صحيح. أدونيس له تركيبته الخاصة. ولا أعرف كيف تخطى هذا الأمر.




    > هل استطعت أن تكتب في السجن؟




    - أجل، كتبت بعض المذكرات واستطعت أن أهرّبها عندما خرجت، بين ملابسي الداخلية.




    > قصيدة «القتل» كتبتها في السجن أيضاً!




    - لم أكن أعرف أنها ستكون قصيدة. نشرتها مثلما كتبتها ولقيت صدى طيّباً.




    > كيف تقرأ هذه القصيدة اليوم؟




    - بألم.




    > لكنها كانت اطلالتك الشعرية الأولى!




    - صحيح. السجن جعلني شاعراً. بل جعلني أيضاً اكتشف معنى الحياة والمرأة والحرية والسماء...




    > ألم تكتب قبل دخولك السجن قصائد أو نصوصاً؟




    - كان لديّ بعض المحاولات. محاولات البدايات. لكن قصيدة «القتل» كانت الباب الذي دخلت منه الى عالم الشعر.




    > كيف كنت تقضي الوقت خلف القضبان؟




    - كنت أدخّن وأحلم على رغم الخوف والقلق. وكنت أقرأ. قرأت كثيراً.




    > كيف كنت تحصل على الكتب؟




    - صديقي العزيز زكريا تامر كان يزورني ويمدّني بالكتب.




    > هل فكرت أن تزور سجن المزّة بعد اقفاله؟




    - لا، هذه ذكرى أليمة.




    > هل تدافع عن سجناء السياسة والفكر؟




    - أجل، إنني معهم جميعاً. أنا ضد سجن السياسيين والمفكّرين أياً كانوا. ومن الظلم حقاً أن يبقى في العالم سجن سياسيّ.




    > هل تحلم بأن يأتي يوم لا يبقى فيه سجن سياسي!؟




    - أجل. السجن شيء بشع وقاتل. تصوّر، هناك سجون ليس فيها مراحيض. أنا كنت أبرد في السجن وكنت أجوع. وأشعر حتى الآن أنني لم أشبع. في حياتي جوع دائم هو أقوى منّي. هذا جوع تاريخيّ.




    > غالباً ما تتحدث عن قناعات ثابتة لديك. ألا تتغيّر القناعات على مرّ الزمن؟




    - القناعات ثابتة ولا تتغيّر مهما حصل. والثوابت هي: الحرية، الكرامة، الرأي، اللقمة الكريمة، الجرأة... أنا واقعي جداً ولا أحبّ أن أفلسف الأمور. أنا شاعر صورة ولست شاعر فكر. لا فكر في شعري، وصورتي الشعرية واضحة ويمكنك أن تراها.




    > ماذا تعني لك فكرة تغيير العالم التي شغلت شعراء كثيراً؟




    - لا تهمّني. ولا يهمّني أن أغيّر العالم. ولم أحاول أن أنخرط في أيّ حركة من أجل تغيير العالم. الكلمة هي الأهم. أنا لا أؤمن بالثورة التي تريق الدم. ولا بالرصاص. أنا شاعر وأكره الدم.




    القصيدة وحدودها






    > لا حدود تفصل لديك بين القصيدة والمقالة! أحياناً يشعر القارئ بأن المقالة أشبه بقصيدة والعكس!




    - صحيح لا حدود بين النصوص التي أكتبها. هذه ليست لعبة ألعبها على نفسي وعلى القارئ. انني أكتب. أحياناً تطلع معي قصيدة وأحياناً مقالة. كل شيء عندي مادة للكتابة. حتى البصقة مادة شعرية. ولكن عليك أن تعرف كيف تبصق وعلى مَن. أي كلمة هي كلمة شعرية شرط أن تحلّ في محلّها.




    > هل خفت يوماً ان تسرق المقالة القصيدة منك؟




    - لا. لم أخف يوماً على القصيدة، لا من المقالة ولا من سواها.




    > السخرية لافتة جداً في مقالاتك!




    - أحب السخرية كثيراً. وكلّ كاتب «جدّي» (جادّ) يلزمه علاج نفسي. لديّ احساس عميق بالسخرية. وأكره السماجة كثيراً. أحبّ خفة الظل.




    > روايتك الوحيدة «الأرجوحة» هل أردتها سيرة ذاتية؟ ألست أنت بطلها «فهد التنبل» و «غيمة» هي سنية صالح زوجتك الشاعرة؟




    - أنا لم أكتب «الأرجوحة» مثلما نُشرت. جاءني رياض الريّس وطلب مني نصوصاً لمجلّة «الناقد» التي كان باشر في اصدارها. أعطيته نصّاً كان عندي، هو سمّاه «الأرجوحة». هذا النصّ بدأت في كتابته أيام السجن. وخبأته عند أمي. عندما قرأته بعد خمس وعشرين سنة وجدت أنّه تغيّر. كنت أكتب ما يشبه الرموز. أعطيتهم النص كما هو ففكوا رموزه،. وطبعوه. وهم اختاروا اسم «غيمة» ليرمزوا به الى سنية زوجتي.




    > لماذا لم تُعد أنت بنفسك كتابة هذا النص الروائي؟




    - لا أستطيع كتابة الرواية. خلقي ضيّق عليها. الرواية تحتاج الى منطق. وأنا أكره المنطق، خصوصاً في الكتابة.




    > تصدر قريباً الأعمال الكاملة لزوجتك الشاعرة سنية صالح! ما انطباعك؟




    - انني في غاية السعادة لصدور هذه الأعمال. سنية شاعرة كبيرة. لقد تأخروا كثيراً في نشر هذه الأعمال. وقصّروا كثيراً في حقها.




    > ألا تعتقد ان اسمك ظلمها شعرياً؟




    - اسمي طغى على اسمها. اسمي ظلمها صحيح. نظرتي اليها لم تتغير لحظة. انها شاعرة كبيرة ويجب أن تنال حقها. ديوانها «ذكر الورد» قمة شعرية وكانت كتبت قصائده وهي على فراش الموت.




    > كيف كانت علاقتكما، كشاعر وشاعرة؟




    - كنت أقرأ لها قصائدي قبل نشرها، لكنني لم أكن أقرأ شعرها قبل أن تنشره. وهي أصلاً لم تكن تطلعني عليه، أدونيس كان يموت فزعاً من رأيها. كان لديها حسّ شعري كبير.




    > وظُلمت سنية كامرأة أيضاً. أليس كذلك؟




    - أجل، ظلمت كامرأة. كانت مثل النسيم العابر.




    > لو قدر لك ان تحيا معها حياة جديدة كيف تتصور هذه الحياة؟




    - ستكون الحياة نفسها. أنا لن أتغير وهي لن تتغير. لم أتزوج بعدها. وأكشف لك أمراً: سنية وشقيقتها خالدة سعيد عانتا الكثير تحت سلطة الخالة. فوالدهما تزوج بعد وفاة زوجته أي أمهما. انني رفضت الزواج لئلا تعيش ابنتانا تحت سلطة الخالة. وعندما كانت سنية تحتضر كانت «تملحس» بيدها على ركبتي قائلة: أنت أنبل رجل في التاريخ.




    > كيف تعرّفت الى سنية؟




    - تعرفت اليها في بيروت، في بيت أدونيس. وكانت مجلة «شعر» حينذاك نشرت لي قصائد. دخلت سنية وأبدت إعجابها بالقصائد. وكان الحب ثم الزواج.




    > هل تشعر بندم ما لأنك لم تكمل التعليم وانطلقت الى الحياة بالقليل مما حصّلت؟




    - أشعر بالندم لأنني تعلّمت أن أقرأ وأكتب. كنت أتمنى أن أظل ذاك الفتى الأميّ الذي يرعى الغنم ويعيش في القرية حياة النوَر والغجر.




    > لكنك أصبحت شاعراً!




    - الشعر متعة. مع انني لم أكن أعرف أن ما كتبته في السجن كان شعراً. كنت أكتب بعفوية تامة. وبعض ما كتبت كان على ورق البافرا، وهو نوع رخيص من الدخان، كنا نحصل عليه في السجن. وقصيدة «القتل» التي جعلتني شاعراً، لم أكن أعتقد انها قصيدة نثر كما صنّفها القراء والنقاد.





    http://www.daralhayat.com/special/dialogues/04-2006/Ite...413dc1395/story.html

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 04-05-2006, 08:44 AM)

                  

04-05-2006, 08:10 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: عبد الحميد البرنس)

    شهادات


    الحياة - 04/04/06//












    هذه القامة، واسمها محمد الماغوط، ليست في حاجة الى شهادة من أحد لأن أعماله الأدبية، تعلمت منها ومن خلال رفقتي الطويلة من عمري وعمره، كيف يكون عشق الوطن. هذه الاعمال كتبها بنبض قلبه وبعشق الوطن والحرية.




    دريد لحام




    > لا أحد مثله يستطيع ان يحكي عن موته، وان يعلق على كونه غادر هذا العالم. اذا كان هو فعل لكان أحلى وأجمل، ولكانت أخذته الابتسامة والمرارة قبل الدمعة، ولكانت الدهشة هي الأقرب الى أي انفعال آخر. وهي الدهشة التي ملأته واحتواها نتاجه الشعري والمسرحي، وأرسلها مرنانة منهكة وجارحة الى العالم العربي، وكان سابقاً أرسلها الينا ونحن في مجلة «شعر» وانتقلنا معه بها الى حالة طرب لا يجيدها إلا هو.


    مضى بجسده الذي خانه وأما نتاجه فشجرة لا أحد يستطيع ان يقطعها، وأما اليباس فلن يأتي عليها، وإنني لأراها خضراء ووارفة الظلال، ومحمد يغرّد فوقها ويقود الاوركسترا كما يشاء.




    شوقي أبي شقرا




    > كان الصديق العزيز المرحوم محمد الماغوط عبقرية شعرية ونثرية ومسرحية. وكان على درجة كبيرة من الأنفة، وقد طلبت منذ يوم أن يأذن بترشيحه لجائزة «العويس» فرفض قائلاً: «هم يعرفون من أنا». وقبل مماته الذي أحزنني وأبكاني نال هذه الجائزة، وهي أقل بكثير من قيمة هذا العبقري الذي فقدناه. الرحمة الواسعة للصديق العزيز الذي فقدناه... وفقده الوطن العربي كله والعالم أيضاً.


    إن هذه العبقرية من النادر أن تكون محدودة بزمن معين فهي تمتد على مدى قرون طوال، وقد شاء الحظ أن نفقد شاعراً كبيراً كان نثره شعراً... هو المرحوم الشاعر نزار قباني. واليوم نفقد شاعراً آخر. ومع أن سورية كانت قديماً وحديثاً منجماً ابداعياً إلا ان العبقريات لا تأتي دورياً.


    رحم الله محمد الماغوط والعزاء لعائلته ووطنه ولشعبه ولأمته العربية.




    حنا مينه




    > محمد الماغوط واحد من أعمدة الحداثة الشعرية العربية وهو الأب الحقيقي لقصيدة النثر بموهبته المتفجرة التي لفتت الأنظار الى تلك القصيدة لقد كانت كتابته لها بعد هزيمة 1967 ابلغ الأثر للتعبير عن مشاعر الغضب التي اجتاحت الأمة العربية من المحيط الى الخليج وظلت قصائده رايات للتمرد على الهزيمة وكل شروط الضرورة التي صيغت لتزويرها، محمد الماغوط نسيج فريد من نواح كثيرة على المستوى الإيقاعي صاغ قصيدة النثر بإيقاعها الخاص التي وضعها في موازاة قصيدة التفعيلة وكان لقدرته على بناء الإيقاع بما يتكامل مع لغته وصوره الجريئة الجسورة كان أول من أسس شعرية النثر في القصيدة العربية ومهما وصلت قصيدة النثر الآن الى حدود بعد ان صارت موضة لدى الشعراء من الجيل الجديد، فإن إنجازاته تظل تؤكد على العبقرية الإبداعية التي تثبِّت ريادته التي حولت قصيدة النثر الى وعي طبيعي في الخيال العربي ذلك الخيال الذي طالما رفض الاعتراف بها.




    جابر عصفور




    > محمد الماغوط في نظري افضل شاعر عربي كتب قصيدة النثر حتى الآن خصوصاً في مجموعته الاولى، واستطاع ان يقنعنا بأن هذا الشكل له شرعية تبرر كتابته وقراءته. لم يكن في قصيدته مدفوعاً بتجريب شكل سبقه اليه الشعراء الغربيون كما نجد الكثيرين ممن كتبوا قصيدة النثر انما كتب ما رأى انه يحتاج لكتابته ووجد شكلاً ربما على نحو عفوي استطاع ان يقول فيه ما يتمنى أي شاعر حقيقي ان يقوله في القصيدة الموزونة ويستطيع، انه تفوق على كثيرين ممن كتبوا هذه القصيدة كان بسيطاً يقدر ما كان عميقاً وصادقاً اعتقد انه لم يكتب الشعر قاصداً، انما كتب كما أحب أن تكون ولا استطيع ان اتحدث عنه كشاعر فقط لكنه كإنسان تعذب في سنوات اقامته في لبنان وكذلك في وطنه سورية، لكن مصير الماغوط الذي عرفه كان مصير معظم المثقفين العرب.




    أحمد عبد المعطي حجازي




    > كنا في مطلع العمر الشعري والحياتي نجتاز الارصفة والشوارع بين شتى العواصم العربية وغير العربية، مسكونين بأطياف الانقلابات والتمردات على كل الاصعدة، وكان طبق محمد الماغوط الشعري هو الاقرب الى ذلك التسكع الحالم والفجر والضيق من العالم السائد.


    كان – رحمه الله – الاقرب الى شعر الحياة اليومية، ببساطته التركيبية الصافية والملثاثة بالهموم الصغيرة التي تنفجر من بؤرتها الهموم الكبرى، في سياق من التشظي يبتكر جماله الخاص.


    كان الاقرب الى خيالنا وذاكرتنا الشعرية وبمحيط الواقع العربي والاحلام المجهضة، بنبرته التهكمية ورؤيته السوداء، يوم كان الكثير من الشعراء الرواد، يحملون نوعاً من نبرة نبوءاتية مبشرين بالمستقبل الذي يمكن ان يكون قريباً.


    كان الماغوط الى جانب خليل حاوي، كل في طريقته التعبيرية، الاكثر حدساً بما سيؤدي اليه الوضع العربي والانساني من تدهور وانجراف الى اقاصي الهاوية والعذاب.


    كان نبوءة الكارثة، الماغوط حمل الحياة الى الشعر، كما حمل الشعر الى الحياة من غير مسبقات معرفية ذات شأن ثقيل، فكانت تلك الدراما الحزينة لاطوار الكائن وهو يتلاشى في مهب الاضمحلال.




    سيف الرحبي




    > كلنا ميتون بلا ريب ومع ذلك يبقى الموت خبراً رهيباً وبخاصة حين يأتي يحمل معه نبأ أكبر عدو للموت... محمد الماغوط.


    سبحان الله يا محمد الماغوط، لقد كنت تسخر دوماً من الذين يخافون الموت، لأن امتلاءك الكبير بالحياة لم يكن يفهمه الكثيرون. وها أنت تفاجئني بهذه الصدفة، فلا أصدق ان محمد الماغوط يموت بهذه البساطة.


    يا إلهي ماذا أصنع مع هؤلاء الراحلين... مع هؤلاء الراحلين الاعزاء، كيف أوقف الموت عند حده ولو بأيام كي اعرف كيف احتفل بحزني عليهم.


    الى لقاء قريب يا محمد... الى لقاء قريب يا محمد.




    شوقي بغدادي




    > لأعترف: لم يصعقني خبر موت الماغوط كما يزعم المنافقون عادة، لأنني كنت أؤمن على الدوام ان الشعراء – اذ يستعيضون عن حياتهم بالحبر – لا يفعلون شيئاً غير كتابة الشعر وحياكة قميص الموت.


    ولأعترف: لم يفاجئني الخبر ايضاً. ذلك انني، قبل اسبوعين لا اكثر، كنت في زيارته.


    كان كالعادة يشرب ويدخن. فيما كان ابن اخته وحارسه «محمد» يشكو من ان الخال، على رغم تدهور صحته، لا يتوقف عن الشراب والتدخين. قلت للشاب: حسناً يفعل، عليه ألا يتوقف عن شيء، اذ ليس من اللائق برجل مثل الماغوط ان يواجه الموت بجثة خاوية، بل عليه، قدر ما يستطيع ان يكون مملوءاً بالحياة التي التهمها.. وأجاد التهامها.


    وأبداً، لم أشعر وأنا اتلقى خبر رحيله حتى بالحزن ولم يخطر لي حتى ان اقول: وا أسفاه!.. أو حتى «رحمة الله عليه»... ذلك لأن شيئاً لن يتغير بالنسبة اليّ، سواء مات الماغوط الآن أو بقي على قيد الحياة مئة سنة اضافية اخرى. ما أحببته فيه سيبقى: «شعره» وبالتالي سأظل قادراً على اشباع غرامي بقراءة شعره.. سواء كنت مضطجعاً على أريكة منزله في «المزرعة» أو ممدداً تحت بلاطة قبر هناك في بلدته السلمية.


    ما أحزنني حقيقة أن ثمة وعداً صغيراً لم استطع الوفاء به، كنت أخبرته انني ذاهب الى مرمريتا قال: اذاً لا تنسَ، احضر لي من هناك بضعة اقراص من الشنكليش.


    لم أقل له ان احداً في مرمريتا لم يعد يربي البهائم ذات الضروع. ولكنني طمأنته: لا تقلق، حال وصولي الى مرمريتا سأبحث عن أول امرأة مرضع لأصنع لك الشنكليش من حليبها. وكانت تلك آخر نكتة.


    بعدها لم أذهب الى مرمريتا للبحث عن النساء المرضعات ولا عدت الى الماغوط لأوفي «نذر الشنكليش» أو لاعتذر عن تأخر ربيع الرعيان. طبعاً، ولا هو اتصل ليسأل لعله نسي ما اوصاني به، حال مغادرتي بيته.


    مات الماغوط؟! وان يكن.


    الأهم انه عاش جيداً: عاش كثيراً وعميقاً.




    نزيه أبو عفش




    > ثمة شيء يصعب تصديقه في موت الماغوط. فهذا الذي حول الحياة الى قلعة محصنة من العناد والبسالة لم يترك للموت فسحة للتسلل او ثغرة للمباغتة. لم يكن الموت ابداً في حسبان ذلك الشاعر الذي خلخل مفاهيم البلاغة السائدة وفتح أمام القصيدة العربية أفقاً غير مسبوق وأرضاً لم تُحرث من قبل. بلا وزن ولا قافية تقدم محمد الماغوط الى حلبة الشعر أعزل الا من شياطين روحه المتوثبة، عارياً الا من الحقيقة ومضرجاً بالأخيلة مثل بطل هوميري أغفلته الملاحم.


    كيف يمكن الموت ان يلم نثار ذلك الاسم الذي لم يعد ينطبق على احد بعينه بل بات رمزاً لكل ما تختزنه أمة بأسرها من احتياط الأمل والكرامة والتوق الى الحرية؟ كيف يمكن جمعه في قصيدة أو صرخة او جثمان لكي يدعي احد ان الطريق الى قبره لا ينقصها سوى المشيعين. ومن الذي يسقط الآن: الشاعر ام الناثر، المسرحي أم كاتب المقالة، المهرج أم الخشبة نفسها؟


    منذ خمسين عاماً ونحن نختلف على معنى الشعر وشكل القصيدة ولا نتفق عليه. فهو، بموهبته النادرة، الذي هيأ لقصيدة النثر ان تنتزع مكانتها المرموقة في جغرافيا الشعر العربي. وهو الذي جعلنا ننحاز الى المغامرة والتجريب على رغم ما يحتملانه من مخاطر. وهو الذي ظلل بعباءته الواسعة مئات التجارب الرديئة والافلام القاصرة وأتاح لغير الموهوبين ان يجعلوا منه المسوغ والدريئة والذريعة.


    لن يموت مع جسده شيء. وباستثناء هذا الجسد سيظل لنا التصاق شعره بالحياة الى حد التماثل. ستظل لنا قوة استعاراته وصوره المباغتة التي أعادت الاعتبار للتشبيه. ستظل لنا قدرته الهائلة على استنفار الحواس. سيظل لنا امتهانه للفرح، على رغم ادعاء العكس، وحزنه الثقيلل في ضوء قمر عربي لم يكتمل ابداً ولم يشاهده أحد سواه.




    شوقي بزيع




    > أنا أخاف الموت ولا أحب أن أتحدث عنه ابداً الا ان موت الماغوط ليس موتاً عادياً انه الموت الثاني لأحد مؤسسي قصيدة النثر بعد موت توفيق الصايغ والثالث انسي الحاج الذي اتمنى له عمراً طويلاً قد صمت عن الشعر، لذا فموت الماغوط موت مؤسف في شكل مضاعف انا اتذكر الآن قصائده «الرجل المائل» و «منزل على البحر» وقصيدته عن «دمشق وبردة» وأتذكر سنية صالح زوجته وقصيدته ايضاً اتذكر بيروت كلها ولا املك كلاماً غير ذلك.




    عبد المنعم رمضان




    > كنت في اليومين السابقين استعد لكتابة كلمة موجزة احيي فيها فوز جائزة العويس بمحمد الماغوط، واحيي فيها قصيدة النثر التي جعلها الماغوط تفوز بأكبر الجوائز على غير ما يهوى العموديون والسلفيون وأهل النقل.


    لكن الماغوط صاحب المعاكسة والمفاجأة عاكسنا وفاجأنا، بآخر ما في جعبته من مخالفة ومباغته.


    الماغوط هو الشاعر العربي الوحيد الذي بدأ حين بدأ بقصيدة النثر، وانتهى بقصيدة النثر، فلم يتسلل اليها كما فعل كثيرون بعد اقامة قصيرة في نص العمود، او بعد اقامة قصيرة في نص التفعيلة، من هنا، فهو عندي واحد من اكثر العشراء مبدئية في تاريخ الشعر العربي الحديث.


    والماغوط هو شاعر النثر الوحيد الذي يستثنيه خصوم قصيدة النثر التقليديون حينما يصبّون طوفان اتهاماتهم الجائرة على شعراء قصيدة النثر: من مثل ركاكة اللغة او التغرّب أو الهروب من القيد او الاستسهال او العجز او انعدام الاصالة.


    في كل هذه التهم (بصرف النظر عن صدقها او كذبها) فإن التقليديين يخرجون الماغوط من دائرة الاتهام، لانه تجربة أصيلة عميقة جارحة، ولأنه «نسيج وحده».


    أعلم، الآن، كم سيحزن دريد لحام، وكم سيحزن ابو حيان التوحيدي (فهو مثله غريب في وطنه)، وكم سيحزن سعد الله ونوس وممدوح عدوان وأمل دنقل (فقط كانوا جارحين مثله)، وكم ستحزن السماء لأن دموع الماغوط لن تكون زرقاء من كثرة ما نظر إليها، وكم سيحزن الحزن لان حاجباً قديماً على بابه لن يغدو واقفاً: «ما دامت كل الكتب والدساتير والأديان / تؤكد انني لن أموت / إلا جائعاً أو سجيناً».




    حلمي سالم




    > يختلف محمد الماغوط عن غيره من الشعراء العرب، انه أنجز نصه باكراً، ثم هجره الى هجاء العالم، كمن ترك قنبلة موقوتة في شارع مزدحم، ولم يقدّر حجم الدمار الذي ستتركه في الأرواح.


    ولعل صاحب «الفرح ليس مهنتي» وجد نفسه أخيراً في فخ لغوي، صنعه بيديه، إذ انتسب الى الأرصفة والتسكع والترحال في نص عصي على التجنيس، ثم غادره الى ضفاف حياتية أخرى، لا تستدعي الألم ذاته، مما أوقع القارئ والشاعر في آن معاً في مواقف ملتبسة، فمحمد الماغوط في سنواته الأخيرة، كان يطلق «مانشيتات» متباينة في أهدافها ومقاصدها، الأمر الذي أربك الجميع. وربما علينا أن نتذكر أن هذا «البدوي الأحمر» ظل مخلصاً لحلم قديم في العودة الى الصحراء، مسقط رأسه، في مدينة «السلمية»، أو معقل القرامطة، كما كان يحب أن يسميها.


    كنت في زياراتي اليه، قبل سنتين، أجده منتشياً في الاستماع الى شريط عتابا بدوية، وكأنه بذلك يلملم أحلامه القديمة المبعثرة بين دمشق والسلمية، منذ أن غادرها حافياً الى أرصفة الصخب.


    بأية حال، لا يمكن لديوان الشعر العربي المعاصر، أن يتجاهل منجز محمد الماغوط، بكل بكارته ودهشته، وصوره المبتكرة. أما سنواته الأخيرة فكانت مزيجاً من التمرد والطمأنينة، من دون أن تخلو من صراخ مباغت.


    كتب مرة يقول: «أخذوا سيفي كمحارب/ وقلمي كشاعر/ وريشتي كرسام/ وقيثارتي كغجري/ وأعادوا لي كل شيء وأنا في الطريق الى المقبرة/ ماذا أقول لهم أكثر مما يقوله الكمان للعاصفة؟»


    هل هو حدس الشاعر؟




    خليل صويلح




    > مبكراً خان محمد الماغوط رعب المفاهيم الإيديولوجية وسلطاتها، خان الوطن حين تحول الى سجن كبير واتخذ شكل هاوية، وخان ناسه حين تحولوا الى سجّانين وهتّافين يمجدون الهراوة وهي تتربع على كل شيء.


    محمد الماغوط هو إعلان مبكر للحزن في جوقة الفرح الرسمية، وهو الشاعر الحياة الذي يعيش القصيدة قبل ان يكتبها، الكتابة بالنسبة إليه حياة أولاً.


    لقد علّمنا ان نسخر من أنفسنا... من كل شيء، ومضى يحرّضنا ان نحيا حياتنا بالمقلوب.


    محمد الماغوط شخصية انقلابية بامتياز في الثقافة العربية إلا انه لم يسمح بأن يكون له شيعة يمجدونه في الصحف والإذاعات والتلفزيونات، ولهذا كان يشكك من نفسه اذا ما امتدحه المهتمون ببناء الدولة وهيبتها.


    ويبدو لي ان تجربة الماغوط الشعرية والمسرحية بحاجة الى إعادة قراءة ومن ثم إعادة الاعتبار لهذا الكاتب الذي مكث في وطنه المجازي مضطراً، ربما. وبقي مع هذا يُجمّل بفوضاه كل شيء بما في ذلك الوطن، كفكرة.


    عزاؤنا في رحيل الماغوط انه كان في كل حياته وممارساته اليومية وفي كتاباته يكافح لخيانة الموت، وإن ظن الأخير انه قد انتصر عليه.




    علي المقري




    > لعل الميزة الأساسية للشاعر الكبير محمد الماغوط، هو ذلك الحضور الذي يلفت الانتباه الى آخر لحظة من عمره، على رغم الحياة المأسوية التي عاشها مدة طويلة وبخاصة بعد وفاة زوجته.


    ومحمد الماغوط يعد حدثاً اساسياً في الشعرية العربية، وذلك بتأسيسه الملامح المهمة لقصيدة النثر، تلك القصيدة التي اخذت مشروعيتها وشرعيتها من خلال هذا الشاعر الكبير، الذي اجمع الفرقاء عليه، من يدافع عن قصيدة النثر، ومن يقف ضدها، كلهم أجمعوا على ان الماغوط هو العلامة الفارقة لقصيدة النثر.


    وعلى المستوى الجماهيري، فالذين لا يعرفون قصيدة النثر، كان الماغوط حاضراً بمسرحياته العظيمة المتتالية، التي أتحفت الجماهير العربية مع النجم دريد لحام.


    في الأخير لا يسعني إلا أن أدعو الله سبحانه وتعالى ان يتغمده بواسع رحمته.




    حسن بافقيه




    > عندما يذهب شاعر مثل محمد الماغوط، سنعرف ان الشعر جاء في ذهابه.


    ولا ننسى قوله مرة: «هذه الموهبة لن تمر من دون عقاب». وكنا، نحن قراءه، على انتظار طويل لمعرفة متى يكون ذلك.


    كثيرة هي اعماله الشعرية التي مستنا في الصميم، وسيبقى دائماً قريباً حتى في قوله «احسد المسمار لأن هناك خشباً يضمه ويحميه». على مستوى تجربتي الشعرية، كان محمد الماغوط واحداً من الذين تعلمنا على يديه. فتنا بالصورة الشعرية التي لديه، لأنه كان من الشعراء المميزين الذين يصنعون صوراً فريدة ومختلفة. كانت حياته شعراً، حتى اشتغاله في الصحافة كان شعراً خالصاً. وكان يفاجئنا بقضايا مهمة، مثل قضية العناوين، وهذا له علاقة بالصحافة، اذ كان صانعاً يتقن نسج الصورة الشعرية وكأنها مشهد يتشكل في اللحظة، وتعرف ان هذه الصورة فريدة من نوعها، ولا يمكن ان تكون لها سابقة.




    احمد الملا




    > «عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح.ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف من يضع رأسه؟!»


    هذه بداية الفيلم الذي سجلته مع محمد الماغوط منذ سبعة أشهر لشركة هوت سبوت فيلم لصالح «قناة الجزيرة» ضمن سلسلة «أدب السجون» حيث روى الماغوط حكايته مع السجن والابعاد في خمسينات القرن الماضي.


    الجمعة الفائت هذا صباحاً، اتصل بي وقال: هالا أريد ان أرى الفيلم الآن. ذهبت الى بيته. وبدأنا الفرجة. حين لمح جبل قاسيون وضجيج الجبل والمنازل المترامية أمامه وشمس دمشق الساحرة وسمع صوته يهدر بأنشودة الحب والتعب هذه. بكى. اهتز جسده كطفل. وبكينا الدكتور محمد بدور وأنا.قال: هذه سورية يا الله... وهذا نحن كما نحن. دخن الكثير من السجائر. ورفض مسح دموعه فتبللنا بالدمع. لم أره في حياتي يبكي ويضحك هكذا. أمنيته كانت: «ألا يبقى على وجه الارض جائع أو سجين».وكان يعرف انها مجرد أمنية لشاعر حر لم تستطع السلطات تدجينه على رغم كل ما أبدته له من حفاوات وعلى رغم كل التكريمات في ارجاء الوطن العربي. كان يقول: «لا اعرف سبب هذا الاهتمام المفاجئ يبدو انهم يساهمون فيّ كمشروع قبر...».


    مات وحيداً في بيته الذي احتضن كآبته اكثر من عشر سنوات. واحتضن دفاتر اشعاره المبعثرة كأعقاب السجائر في كل مكان. تمنى في احدى قصائده ان يلمح يداً او محرمة في هذا الكون تومئ له كشاعر من الشرق في وطنه البعيد ومنفاه البعيد. ستلوح لك آلاف الايدي والمحارم لأجيال وأجيال. أنت تعرف ذلك في قرارة روح شعرك.




    هالا محمد





    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 04-05-2006, 08:30 AM)

                  

04-05-2006, 08:25 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: عبد الحميد البرنس)

    محمد الماغوط...مسرحـي اليأس والغضب


    بيار أبي صعب الحياة - 04/04/06//



    ردّد المسرحي اللبناني المعروف ريمون جبارة على مسمع تلاميذه طويلاً، أن «الممثّل الجيّد، والمسرحي الجيّد، بوسعهما أن يقدّما أي شيء على الخشبة... أي نصّ، أيّة كلمات». وكان يضيف: «بوسعكم أن تمثّلوا... حتّى دليل الهاتف!». معادلة جبارة التي تمجّد دور المخرج أو الممثّل، وتدافع عن أولويّة العرض المشهدي أحياناً على النصّ المكتوب، يكفي أن نعكسها كي نختصر مسرح محمد الماغوط. في كتابات الماغوط كلّ شيء قابل للتمثيل، من دون جهد اخراجي أو تمثيلي كبير... وهذه الميزة لا تقف عند حدود نصوصه المسرحيّة، إذ يرشح من شعره زخم احتفالي وغنائيّة خافتة... ويغافلك في نثره، يأس تراجيدي عذب. عند منعطف كلّ جملة صرخة ينتهر فيها الشاعر العالم أجمع، كما أوديب عند أبواب طيبة، وبروميثيوس في مواجهة الكواسر.


    من منّا لا يقبع على أحد رفوف مكتبته ذلك المجلّد الأحمر من القطع الصغير، الصادر عن «دار العودة» آخر السبعينات، وفيه تتعايش في منتهى الطبيعيّة مجموعات الماغوط الثلاث «حزن في ضوء القمر» (1959) و»غرفة بملايين الجدران» (1960) و»الفرح ليس مهنتي» (1970)، مع مسرحيتي «العصفور الأحدب» (1967) والمهرّج (1972). كأن الانتقال من قصيدة النثر في أصفى تجلياتها، إلى المسرح ذي الشحنة الوجوديّة الكثيفة في عصر التوترات السياسية القصوى، ليس في تلك «الأعمال الكاملة» حينذاك، إلا استئناف للنزهة نفسها في عالم مدهش وحميم، يحمل بصمات شاعر رؤيوي لا يخاف معاشرة اليأس...


    هذا «الكناريّ المسافرُ في ضوء القمر»، كلّ قصيدة من قصائده مناخاتها مسرحيّة، وكل مقالة من مقالاته أيضاً قابلة للمسرحة. مسرح محمد الماغوط يبدأ من اللغة، تلك اللغة العفويّة، اللاذعة، الكاشفة، المتدفّقة ببراءة ريفيّة لم تقوَ أرصفة المدن على ترويضها. مسرح ديكوره مفردات أشبه بثمار وحشيّة، يرصفها الشاعر ويدمجها تبعاً لقوانين غامضة، وكيمياء خاصة. هذا ما تنبّه له في وقت مبكّر المسرحي المغربي عبد الواحد عوزري، إذ قدّم أواسط الثمانينات عملاً بعنوان «حكايات بلا حدود» من بطولة ثريا جبران، صار من معالم الذاكرة المسرحيّة العربيّة. جمع عوزري مقالات صحافيّة وحده صاحب «المهرّج» يملك سرّها... قولبها في احتفال مشهدي، «ماغوطي» بامتياز. وتكررت التجربة في مدن عربيّة عدّة... نصوص «سأخون وطني» (دار رياض نجيب الريّس)، قدّمت مثلاً في أكثر من قراءة مشهديّة. اقتبس عنها وائل رمضان مسرحيّة «لشو الحكي» في دمشق قبل سنوات، ومثله فعل طاهر نجيب في الناصرة «نعم سأخون وطني»، ثم صارت في فلسطين أيضاً «هبوط اضطراري» مع عماد جبارين... ووصلت تلك النصوص الى يافا، في فلسطين المحتلة قبل 1967، حيث تجسّدت مع «مسرح السرايا العربي» في مسرحيّة بعنوان «سيّداتي، سادتي» من اخراج أديب جهشان.


    مثله مثل اللبناني عصام محفوظ الذي انسحب قبله بأسابيع، وقد أضناه اليأس وهدّه المرض هو الآخر، لجأ الماغوط إلى الكتابة المسرحيّة، وقد استنفد الكتابة الشعريّة التي جاءها مصادفة كما كان يحبّ أن يقول. هو الذي اختار الحزب القومي السوري الاجتماعي لأن مركزه كان أقرب إلى منزله وفيه مدفأة، فيما مركز حزب البعث كان بعيداً وبلا مدفأة. وفي حلقات مجلّة «شعر» التي استدرجه إليها أدونيس، في بيت يوسف الخال، كانت لحظات الأكل هي الأهمّ بالنسبة إليه... وكان دخول المطبخ وفتح البراد من طقوسه المحببة. في بيروت السبعينات وضع العالم العربي كلّه في قمامة، في نهاية «المارسييز العربي»... وبعد «المهرّج» و»العصفور الأحدب»... سيسترسل في تلك اللغة الحيّة، الغنية بالصور والتشابيه، الملونة والمباشرة والشعبية.... من خلال الفنان دريد لحّام سيقترب الماغوط أكثر من الناس العاديين الذين يشبهونه، الفقراء والهامشيين والمسكونين بالخوف... وستصل شاعريّته اليائسة إلى أوسع حلقة ممكنة من الجمهور العربي في ثلاثيّة «ضيعة تشرين» (1974) و»غربة» (1980) وطبعاً «كاسك يا وطن» (198... كما طرق باب السينما والتلفزيون في «التقرير» و»الحدود» ومسلسلــــــي «وادي المسك» ووين الغلط».


    أعاب الراحل سعد الله ونّوس على هذا المسرح تحديداً نزعته التنفيسّة، واضعاً «مسرح التفريغ» في مواجهة «مسرح التحريض» الذي دافع عنه صاحب «حفلة سمر من أجل 5 حزيران». لكن الماغوط، اختار وسائل أخرى في التحريض، هو الذي حمل اليأس حتّى الرمق الأخير. والضحكة عنده دائماً محاصرة بغصّة... المرارة هي ذروة المشهد الكوميدي، هكذا هو المهرّج الحزين... يضحكنا فنبكي. «فالطير يرقص مذبوحاً من الألم».


    تبقى في ذاكرتنا واحدة من آخر مسرحيّات هذا «البدويّ الأحمر» (عنوان آخر كتبه) : إنّها مسرحيّة «خارج السرب» التي أعاده من خلالها المخرج والممثل السوري البارز جهاد سعد الى دائرة الضوء. ثم جاءت قبل أشهر آخر مسرحياته «قيام جلوس سكوت» مصدراً لسوء تفاهم مضحك - مبك، على خلفيّة الظروف السياسيّة المتوتّرة بين سورية ولبنان... إنّها السياسة التي طالما تلاعب بها الماغوط تنقلب عليه وهو منها برّاء. فهو شاعر الأمّة اليائس. لن نحفظ منه سوى شعريّة اليأس، وتلك المرارة الكامنة التي جعلت ابن السلميّة - بلدة الخوارج - يعتزل الحياة، بعدما اعتزل الفرح والشعر والعالم.




    http://www.daralhayat.com/culture/04-2006/Item-20060403...474e7870a/story.html
                  

04-05-2006, 08:51 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: عبد الحميد البرنس)

    شكرا لهذا البوست (يا أحمد)
                  

04-05-2006, 10:53 PM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: شكرا لهذا البوست يا أحمد



    بل الشكر لك عزيزي البرنس لأثراءك اللامحدود
    دم في هناء وطيب أنت وزوجكم المصون .....
                  

04-05-2006, 11:23 PM

نادية عثمان

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 13808

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    Quote: ودائماً عندي كلمات جديدة

    في الحب والوطن والحرية وكل شيء

    ولكنني لا أستطيع استعمالها

    لأن شبح بلادي الصحراوي

    لا يسمح لي بكتابة أي شيء

    سوى الرقى والتعاويذ والتمائم

    على بيضة مسلوقة

    لعلاج نكاف الأطفال أو سعالهم

    مثل أي شيخ أميّ في أقاصي الريف البعيد.



    يااله الكون

    ارحم كاتب هذه الاحرف الوضاءة !!

    وشكرا جميلا احمد على لمسة الوفاء لمن يستحق !
                  

04-06-2006, 00:36 AM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: نادية عثمان)

    Quote: وشكرا جميلا احمد على لمسة الوفاء لمن يستحق !


    نادية
    التحية لك وأنت تتحسسين مواضع الجمال
    أمنياتي بوطن معافى إن لم يكن لأجلنا فمن
    أجل أبناءنا

    جاتك العافية
                  

04-06-2006, 01:59 AM

معتصم دفع الله
<aمعتصم دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 12684

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    رحم الله الأديب الكبير محمد الماغوط ..
    فهو كاتب بحجم وطن ..

    والتحية لك أخي أحمد على لمسة الوفاء هذه ..
                  

04-06-2006, 02:58 AM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: معتصم دفع الله)

    Quote: فهو كاتب بحجم وطن ..


    معتصم..
    إزي السعادة
    كل من يعشق وطنه يعشق الماغوط ..
    وأنا أعلم تماما مدى عشقك للوطن..
    مات متكئا على ريكته قبل ان يكمل عشقه

    مطايبة شديدة.... وأهديك هذه

    Quote: وطني .. أيها الجرسُ المعلَّقُ في فمي

    أيها البدويُّ المُشْعثُ الشعر

    هذا الفمُ الذي يصنع الشعر واللذه

    يجب أن يأكلَ يا وطني

    هذه الأصابعُ النحيلة البيضاء

    يجب أن ترتعش

    أن تنسج حبالاً من الخبز والمطر


                  

04-06-2006, 01:32 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    رحم الله ألأديب الماغوط فقد ظل أمينا ووفيا لمبادئه فى كل الأوقات وظل مدافعا عن الحرية عشقه الأزلى فيقى أدبه موسيقى لا تعرف الحدود الجغرافية شاهدت فى الخرطوم فى عام 1991 عام الرمادة مسرحيته المسودنة المهرج والتى أضحكت الحضور لدرجة الهستيريا لإنطباقها على واقعنا يومها والذى للأسف لا ظل نرزح تحت أحذية عسكره!
    الأخ أحمد عبد الله
    شكرا لهذه الإضاءة الحزينة فنهوض الماغو عن مائدة الحياة مسرحه الكبير خسارة ما بعدها خسارة!
    بوست جدير بالحفظ
    شكرا
    جنى
                  

04-06-2006, 02:45 AM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: jini)

    Quote: شكرا لهذه الإضاءة الحزينة فنهوض الماغو عن مائدة الحياة مسرحه الكبير خسارة ما بعدها خسارة!


    الحبيب جني ...

    حقاأن رحيلة خسارة لا تدانيها أخرى
    كل من يقرأ له يجد نفسه

    Quote: نحن الجائعون أمام حقولنا..
    المرتبكين أمام أطفالنا...
    المطأطئين أمام اعلامنا..
    الوافدين أمام سفاارتنا


    قرأت له في مقابلة في إحدى الصحف
    بأنه يعشق السودان رغم كبوته (هكذا قالها)

    ...جني ...
    لك من الود أطيبه
                  

04-06-2006, 03:02 AM

Ahmed Abdallah
<aAhmed Abdallah
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 5193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المــاغوطـ في ذمـة اللــــه (Re: Ahmed Abdallah)

    Quote: الوشم


    الآن

    في الساعة الثالثة من القرن العشرين
    حيث لا شيء
    يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره
    سوى الاسفلت
    سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
    ولن أنهض
    حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
    في العالم
    وتوضع أمامي
    لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
    حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
    من قبضات أصحابها
    وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
    في غاباتها
    أضحك في الظلام
    أبكي في الظلام
    أكتبُ في الظلام
    حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
    كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
    ترتُ أوراقي بيدي
    كبغيٍّ ساعةَ المداهمه
    من أورثني هذا الهلع
    هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
    ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه
    أو قبعةً من فرجة باب
    حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
    ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه
    كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
    طارده من شريان إلى شريان
    آه يا حبيبتي
    عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
    المأساة ليست هنا
    في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
    إنها هناك
    ي المهد.. في الرَّحم
    فأنا قطعاً
    ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه
    بل بحبل مشنقة


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de