|
ديمقراطية اونطة
|
قطبي المهدي ديمقراطية اونطة 4 من 4 تذكرت وأنا أتحدث عن الانتخابات الأمريكية بالأمس كيف أن »المؤسسة« الأمريكية الحاكمة تختار مرشحيها للرئاسة من الحزبين وتضمن لهم الفوز سلفاً في الانتخابات التمهيدية.. تذكرت قصة رواها لي أحد معارفي وكان صديقاً لرجل أعمال ملياردير من غرب السودان. كان ذلك قبيل الإقتراع لإنتخابات عام 1986م التشريعية. إلتقى الراوي بصديقه الملياردير ودار الحديث عن الإنتخابات.. فقال له الملياردير انه ذهب وتبرع للحزب الفلاني بـ»٧«مليون جنيه وللحزب الفلاني الآخر بـ »7« مليون جنيه وللحزب الثالث الآخر بـ »5« مليون جنيه. ثم أردف قائلاً : (هذه هي الأحزاب الكبرى.. هل ستخرج الحكومة إلا من أحد هؤلاء أو من تحالف ثنائي أو ثلاثي من بينها؟؟!!).تذكرت »المؤسسة« حينها.. فنحن إذاً عندنا أيضاً »مؤسسة« وقد كانت حتى حينه محصورة في البيوت الطائفية. إذ أن زعماء الطائفية هم في الحقيقة »الحكومة الخفية السودانية« وكل الأمور تقضى بليل في »السرايات« ثم تخرج غداً في »برلمان الشعب« المسكين ومجلس الوزراء.على أن الزعامة الطائفية لها حلفاؤها من كبار التجار الذين »يدفعون« للحزب مقابل خدمات وزراء الحزب ونوابه. وبعض هؤلاء هم في الوقائع شركاء تجاريون للزعيم. وهذا هو الأمر الذي كشفته للجمهور السوداني المحاكمات التي عقدتها ثورة مايو في عام 1969م.لذلك فالأحزاب الراديكالية عندنا والتي إعتمدت على برامجها السياسية مثل الحزب الشيوعي والحركة الإسلامية كان حظها كحظ رصفائها في أمريكا.. وأصبحت مجرد حركات إحتجاج (Protesl Groups وليست (بأحزاب حكم .. ولم تأتِ للسلطة إلا عن طريق الإنقلاب العسكري.نعود لديمقراطية أمريكا..توجد لاشك أشكال ديمقراطية هناك.. هياكل ومؤسسات ونظم.. فالدستور مثلاً يؤكد على مساواة المواطنين أمام القانون.. ولكن رجل القانون شرطياً كان أم قاضياً ينظر للمواطن أمامه بمعيار مزدوج. هل هو أبيض أم زنجي (nigger أم عربي (camel jakey أم راديكالي أم مسلم أم هسبانك أم آسيوي (Baki . الأمر يختلف في نظره.. فإن كان أبيض اللون فهو مواطن متحضر civil يعامل باحترام لأنه يحترم القانون ويعيش به وفي ظله. أما إن كان من المجموعات الأخرى والتي يصفونها بأنها »ملونة COLOUREd« (ولماذا هم الملونون؟ فإنها تعامل بمعيار آخر. فهؤلاء بطبعهم مجرمون وخطرون على المجتمع لمجرد وجودهم فيه لأنهم »شيء آخر« لا ينتمون للحضارة البيضاء حتى وإن كانوا مسحيين ويحملون الجنسية الامريكية. وهكذا فالمشرعون في المؤسسات النيابية ينظرون فقط لمصالح الطبقة التي جاءت بهم ورجال الإدارة يفعلون نفس الشيء. ويمكن إختبار ذلك بكل بساطة في سلوك هذه المؤسسات خارج أمريكا.فالديمقراطية ثقافة قبل كل شيء. ولا يمكن للإنسان الذي يملك روحاً ديمقراطية وذهنية وعقيدة ديمقراطية أن يتصرف داخل أمريكا بسلوك ديمقراطي ويكون خارجها طاغية معتدي وخارج على كل الشرائع والقوانين الدولية..يتحدث عن التعددية في الداخل ويرفضها في الخارج ولا يعترف بأية حضارة أو ثقافة أو سيادة أخرى ويفرض هيمنته وسلطته الأُحادية على بقية العالم.فهل هذا سلوك ديمقراطي؟وهل الاستعمار واستعباد الشعوب الحرة ونهب ثرواتها لأنها لا تملك جبروت السلاح الذي تملكه الإمبريالية، هل هذا سلوك ديمقراطي؟وهل ما شهده العالم من ممارسات في أبو غريب وبغرام وغوانتانامو والسجون السرية في أوروبا ممارسات قانونية ودستورية وديمقراطية؟؟وهل الضغوط التي مورست في الجزائر وتركيا لقمع إرادة الجماهير الإنتخابية والموقف الآن من حماس سلوك ديمقراطي؟؟ولا نريد أن نتحدث عن فلسطين أو فيتنام أو هيروشيما أو نصب الحكومات الدكتاتورية في العالم الثالث.فالذي يمارس هذه الممارسات بشكل روتيني في الساحة العالمية ويعتمد سياسة (الجزرة والعصا أساساً لعلاقاته الدبلوماسية والسياسية..لا يمكن أن يكون مجتمعاً ديمقراطياً.هنالك أكثر من أبي غريب داخل أمريكا. ولا توجد صحافة حرة أو إعلام حر إنما هي أبواق إعلامية تملكها المؤسسة لتزين ممارساتها الظالمة للجمهور المسكين وتشوه صورة أعدائها في تضليل يعتمد الكذب والتقنية العالية.. وبإمكان المراقب أن يتحقق من ذلك إذا شاهد فضائيات تسمى »مستقلة« مثل CNN أو FOX أو ABC .. ا لخ.ويقارن تغطياتها للأحداث بما نشاهده في »الجزيرة« مثلاً أو ما نعلمه علم اليقين مما يجري أمام أنظارنا في منطقتنا. ثم أنظر لمصير إعلامي بارز مثل بيتر آرنت الذي غطى بكفاءة وفدائية حرب الخليج الثانية وكان المراسل الغربي الوحيد أثناء قصف وتدمير بغداد. وقد شنت عليه »المؤسسة« حرباً شعواء لأنه نقل ما حدث هناك دون تزوير، واتهموه »بالشيوعية« لانه نقل حرب فيتنام في السابق وما إنحاز للعدوان الأمريكي.فكان جزاؤه الطرد من شبكة السي إن إن (CNN وقفلت جميع أبواب الشبكات الأخرى في وجهه أيام حرب العراق الأخيرة.. بل حرص الأمريكان على إصطحاب الإعلاميين في معيتهم وتزويدهم بالمعلومات من مصدرهم هم فقط وعدم السماح لهم بحرية الحركة وأخذ المعلومات من مصادر أخرى.هذه هي مؤهلات أمريكا الديمقراطية.. بعد ذلك يمكنهم أن يأتوا ليعلمونا الإصلاح والتحول الديمقراطي.. كما فعلوا في العراق.
|
|
|
|
|
|