|
وقائع متفرقة
|
وقائع متفرقة
في ميدان الأمم المتحدة وسط الخرطوم تماماً عند الشّجرة التي تُحاكُ على ظلها نبوءات الرّمل وتقارير الكرة وونسات اليائسين من شُحِّ المواصلات كتبتُ على المفكرةِ التي أشتريْتُها من محلات كتبِ الأرض فقراتٍ من سيرةِ الليلةِ الفائتة .
كان ذلك بحبرٍ مغشوش وقلم مدبَّبٍ وسميك
1. في الطريق الذي عبّدتهُ الفتياتُ للإحتفال بيومِ الطِّفلِ، أسيرُ بعلبةِ الحلوى واوراق الورد كهدايا لعابرين محتملين . أشربُ الماء من زيرٍ متسخٍ في الرّصيف
ليس من امرٍ يخفِّفُ الحرارة غير هذا الماء الغريب .
2. الشارع الذي يقود الفرقة الموسيقية نحو صالة المكتبة القبطية أغلقتهُ الدّورية خوفاً من مظاهرةٍ تُطيحُ بالأغنياتِ التي فرّخَتْهَا حناجر المنشدين في حضْرةِ الحاكم الوحيد. هذا، حينما طاردَ الليلُ الجديد في السودان أجمل الأغنيات وحوّل الجامعاتِ إلى ثكنات، ظلّ الطلاب العُصَاة يغنون في المسرح المجاور بصحبةِ مطربين خارج رغبةِ النظام .
3. كنّا في إنتظار المغنِّي الجميل . صديقتي التي ضاعت مني منذ سنواتٍ، تُخفي رأسها بين فخذيها، تُصَفِّرُ بأصبعين ناعمين وشفتين جذّابتين . كان رنين الصوتِ أنثوياً عالياً، ذُعِرَ الحاضرون ولم يتَبينُوا صاحبة الصوت النّدي.
هيَ
دون أن تُعدِّلَ جلستها في كرسي الخيزران الذي تشاركني الجلوس عليه، ضَحِكَتْ بنشوةٍ ورفضتْ تعليمي كيف أُصَفِّرْ .
4. إعتذرتُ لصديقتي الأخرى التي هاتفتني هذا الصباح عن مرافقتها لكنيسةِ المدينة، لأن أقمصتي لم تكن لائقة بهذا الحضور الأنيق ذهبتْ وحدها واهدتني وردةً حينما قابلتها في حافلة الطلاب وهي تلوّحُ للعابرين بإبتسامةٍ خضراء .
كانت قد كتبَتْ على تنُّورتها صباح الخير أيها العالم .
5. الذاكرة مُتْعَبَةٌ جداً .
6. بين ليلةٍ ومطرْ . يسكنُ قلبٌ شرختهُ العشيقات بالهروبِ الطويل وأوصدتْ بابهُ إمراةٌ إلتقيتها صدفةً في الاسافير .
7. النّافذة مفتوحة على الشارع والمدينة صارت تُطعمُ العاطلين عن العمل بالسرقةِ من حاراتِ الفقراء .
القميص الذي إشتريتهُ البّارحة أختفى فجاةً من خزانةِ الملابس.
على الطريق آثار أقدامٍ مشوّهة كأنّما رسمَتْهَا ماعزٌ في الليل في أول منعطف ضاعت الآثار في طريق الأسفلت .
8. غداً، سيراني الخفرُ عارياً، والنساء الخجولات يرسلنَ نظراتهن نحو الحائط الاطفال يغنّون بالبهجةِ ذاتها التي يعيشونها عند قدومِ بائع الإيسكريم .
9. هذا القلب المُتْعَب غنّى كالطّيرِ تحت هطول المطرِ السافر ومشى في رملِ الحارات يرسمُ رائحةً لبلادٍ هربتْ من رعدِ الليل .
10. الروحُ تسافر تهجرُ غرفتها في بيتِ الأحزان تسكتُ خائفةً من سربٍ يأكلُ ذاكرةَ الناس .
11. وحدها التفاصيل على قبعةِ الوقت تمضي بكاملِ فوضاها تُريقُ النسيانَ كريشةٍ ضيَّعها النسرُ في السماوات التي طافَ بها في الَمزَارع التي قطفَ العصافير من سنبلاتها
وحدها التفاصيل تعيشُ حيّةً في الذاكرة.
12. الحبرُ لم يعُد كافياً لزحزحةِ الغُبارِ من جهةِ الرّيح التي ترافقُ الكتابةَ عن سيرة الممراتِ والأزقةِ والنوادي والحاناتِ والعراكِ في أبواب الحافلات
كما لم تَفُتْنِي الإشارة كان ذلك بحبرِ مغشوشٍ وقلمٍ مدبًّبٍ وسميك ودفترٍ شربَ الشمس دون رأفةٍ من ظهيرةِ الخرطوم
13. وأنا مشغول بتدوين هذه الحكايات تاخرت على صديقتي التي ضاعت مني منذ سنوات ربما الآن تأكلُ الفُولَ وحَبَّ البطيخِ في حديقةِ الحيوانات بعدما أفرغتها السلطات من سكانها وكنّا على خُضْرًتِهَا نجلس كل صباح
14. لا بأس رُبّما أكتب في المرّة القادمة وقائعَ أكثر تفصيلاً .
نصار الحاج يناير 2006
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: وقائع متفرقة (Re: nassar elhaj)
|
صديقي الجميل نصار
اشواقنا نبتت لها أجنحة فلتحلق في سموات الإنتظار
ليتني أضع رجلي ( مثلما فعلت ) صديقتك واطلق صفارة لأعلن في مزاد المنبر تعااالوا (شوفوا ) نصار بعمل أيه
هذه ليست وقائع ( متفرقة ) بل ( مجمّعة ) كأنها عدسة محدبة تبرز مفاتن الأسرار وخبايا ( ألأشياء ) التي تضيع (و)أرجل الزحام ومصائد التجني
قرأتها بحنية كادت تبكيني ، ولكنك أفرح لا تبكي
تحياتي ..
رحمابي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وقائع متفرقة (Re: nassar elhaj)
|
Quote: كما لم تَفُتْنِي الإشارة كان ذلك بحبرِ مغشوشٍ وقلمٍ مدبًّبٍ وسميك ودفترٍ شربَ الشمس دون رأفةٍ من ظهيرةِ الخرطوم
13. وأنا مشغول بتدوين هذه الحكايات تاخرت على صديقتي التي ضاعت مني منذ سنوات ربما الآن تأكلُ الفُولَ وحَبَّ البطيخِ في حديقةِ الحيوانات بعدما أفرغتها السلطات من سكانها وكنّا على خُضْرًتِهَا نجلس كل صباح
|
شكرا لذاكرة نصار الخربة التى تخرج هذا الجمال.....فنصار الحاج من الادباء المتميزين الذي اتاحت لي الايام ان اعرفه عن .. فهو شاعر وناقد وقاص.. والاهم من ذلك انه اديب مخضرم ملتزم جدا بادبه...فعندما يكتب نصار يجب ان ننتبه لكاتابات ذلك الرائع المتفرد تحية كبيره للنصار ولزمن نصار...وما زلت انتظر نصار ان يكتب كل يوم هنا لاشهد مكتبة نصار بكل المنتديات ليس فقط بسودانيز اون لاين المنتدى الذي يعتبر اب المنتديات السودانية شكرا نصار لمنحى هذا الايقاع في هذه الامسية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وقائع متفرقة (Re: هوارى)
|
كان الزمان متسخا وفقيرا ولكنه ملىء بالتفاصيل العذبة والحريات الجميلة المكتسبة ...
ضاعت التفاصيل والدفاتر ..
حرارة الشمس زادت واختفت بعذ الملذات وتكاثرت الاوراق الصفراء على الارصفة ومازال ماء الزير المتسخ متفردا فى مقدرته على ازالة العطش الغريب..ولا يفلت نبض واحد من قلب الشاعر ..لا تضيع اغنية واحده من نبض الشاعر..ولا يعتليه غبار..
شكرا نصار الحاج على هذا الشعر اللطيف......
تحياتى لصديقتك "المجنونة" و مثل هذا الجنون ....لا يمارسه فى العلن هكذا الا الاذكياء..فى مناخ حر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وقائع متفرقة (Re: ودقاسم)
|
Quote: صديقي الجميل نصار اشواقنا نبتت لها أجنحة فلتحلق في سموات الإنتظار ليتني أضع رجلي ( مثلما فعلت ) صديقتك واطلق صفارة لأعلن في مزاد المنبر تعااالوا (شوفوا ) نصار بعمل أيه هذه ليست وقائع ( متفرقة ) بل ( مجمّعة ) كأنها عدسة محدبة تبرز مفاتن الأسرار وخبايا ( ألأشياء ) التي تضيع (و)أرجل الزحام ومصائد التجني قرأتها بحنية كادت تبكيني ، ولكنك أفرح لا تبكي تحياتي ..
رحمابي |
يا صديقي الأجمل رحمابي شكرا لك دائما وللأبد نعم ربما حالة البكاء أكثر بهاء هنا إذ لم تعد الامكنة هي الامكنة والايام الخضراء لم يعد من امكانية لهامع تبدل الحال في أمكنتنا التي ألفناها التفاصيل التي كانت تزهر في كل شارع ومعبر وحديقة وزحام و... و... أصبحت هي فقط التي تحافظ على الذاكرة حية...
| |
|
|
|
|
|
|
|