بطاقة دعوة :امسية شعرية للشاعر السورى نورى الجراح فى الخرطوم بصحبة الصادق الرضى

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 01:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-05-2006, 09:48 AM

شبشة

تاريخ التسجيل: 06-10-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بطاقة دعوة :امسية شعرية للشاعر السورى نورى الجراح فى الخرطوم بصحبة الصادق الرضى

    الاصدقاء الاعزاء ..تحية بعد طول الغياب ..
    تقيم رابطة الكتاب السودانيين يومى الثامن والتاسع من هذا الشهر -فبراير ورشة عن قصيدة النثر وذلك بمقر اليونسكو بالخرطوم شرق , كماتستضيف الشاعر السورى المبدع نورى الجراح فى امسية شعرية بصحبة شاعرنا المبدع الصادق الرضى وذلك مساء يوم الاربعاء الثامن من فبراير بدار اتحاد طلاب جامهة الخرطوم ..


    ويسرنى ان ادعوكم لمطالعة احد اهم بيانات نورى الجراح حول القصيدة فى الفترة الاخيرة والذى سبق نشره فى موقع جهات الشعر ..وكذلك الحوار الذى اجراه الاستاذ فيصل القاسم فى قناة الجزيرة مع نورى الجراح و الأستاذ الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم الملقب بـ(أبي همام)
    أفكار حول الشاعر والقصيدة
    الهبة الشقية!

    نوري الجراح
    (1)
    يولد الشاعر انتحارياً، ويولد منتحراً، إنه كشاف غوامض، وغواص في وجود يظل مجهولاً وعصياً على الكشف. وهو في غوصه يندفع في مغامرة تأخذ شطر الخطر، وتهدد باللاعودة. وما يتحقق الشاعر إلا في تلك الاندفاعات الشعورية المتطرفة المعبرة عن نفسها في حالات متبدلة ومتغيرة سرعان ما تترجمها إلى شعر مخيلة رهيفة وعلاقة مع الكلمات لا تقر على نظام، ولا تأمن نظاماً.
    لذلك يبدو لي، باستمرار، وبشيء من الإدراك الحسي أن الشاعر إرهابي، لما في علاقته باللغة والأشياء من تطرف وتمرد على رغم ما في مسلكه من علامات لطف، وبالرغم مما يسبغه حضوره في العالم، وعلى الأشياء من لطائف ونباهات.

    إرهابي، بمعنى أن كلماته، صياغاتها، صور مخيلته، دلالاتها، إيقاعاتها، عنف الطاقة التي فيها، عناصر الإدهاش، مصادرها في اللغة، منطقه، سمات التوتر الشعوري الكامنة في الكلمات، حركة الجمال في ظلال لغته، اللحظات المجسدة كأسرار، كل هذا، وغيره أيضا، في أوقات وحالات من حياة الشعر وحياة الشعور، يملك أن يرهب.
    كم مرة قيل لشاعر كلماتك ترهبني؟
    (2)
    يولد الشاعر مراراً. في كل قصيدة له مولد. وفي كل مولد له روح جديدة يهددها الموت. والقصيدة التي لا تختلف عن غيرها من قصائد الشاعر تنذر بموت روح من أرواحه. في دورته الشعورية (نظير دورة الدم) وفي الجينات التي تولد صفاته المائزة يسري طابعه الخاص. لذلك سوف لن تعني الكتابة شيئا مهما لشاعر ما لم تصدر بقوة وطغيان حقيقيين عن تلك المنطقة الأعمق فيه، حيث يسكن كائنه الأحب، شخصه الأول: الطفل النائم، المستيقظ، اللاعب، الدهش، الغاضب، المتفرج، الساهي، المتردد، الخائف، النافر، المستعد، الفوضوي، الأنيق(روحا)، المشاكس.......ولكن، دائما، العاشق النـزق، المتطرف.
    لا تتحقق الكتابة في أبهى حالاتها قبل الوصول إلى هذا الطفل المتواري فينا. وما يتم هذا لكائنات يعوزها نـزوع جامح(متطرف) علامته انحياز مطلق ونهائي نحو الحب، واستلهام للجمال هو في حقيقته شوق إلى الحرية. عند هذه التخوم يولد الخطر، وتتخلق المفارقة المأسوية من صدمة المعاكس والمخالف.
    (3)
    يولد الشاعر وفي روحه تسري محبتان محبة الحب كجوهر لا يموت ومحبة المحبوب كشخص ميت. من ألم الإدراك يتخلق الشعر، ومن علاقات الفاني بالخالد تنسج الموهبة فلكها في الشاعر. من فداحة وإشراق، ومن يأس هو كل ما يملكه مؤمن شكاك يتخلق الشعر. وما الجمال في شعر شاعر إلا لبوساً، أو نظيراً لتطرف الحركة في الشعور وعلامته ما يهز ويخضّ ويسحر. هنا، أيضاً، على هذا الصراط، يلتقي الخصمان الكبيران: الحياة والموت. ومن هذا العلو تهب روح الشاعر، وتتنـزل كلماته. وما يتناقض هذا، بالمعنى الجوهري والعميق للكلمة، مع صورة الشاعر شخصا مقيما أو مسافرا في العام 1995، ورهنية نظم ودول وقوانين وأعراف تصوغ وتثبت أوضاعا ومجريات مجتمعية وإنسانية(لا إنسانية) حديثة، فكلامنا ليس تصويرا لكائن نبوي، بل تصوير للشاعر رائياً ومقتحماً وُجودات وراء وجود مظهري تتكرر ملامحه، فهو-الشاعر- بداهة، كاسر قشرة ومخترق ألباب، شخص حي، يسلك كغيره في الشبكة المرئية، لكنه يتصل بحركة الأعمق والأكثر جوهرية في الكينونة، حيث يكون في وسعه الإنصات إلى الأشياء الهاربة بدءا منها في تجلياتها البسيطة ووقائعياتها الملحوظة (في اليومي وظلاله) وصولاً إلى ما تتيحه اختراقات الحواس من وصول إلى مصادر النعمة حيث يدرك المدرك من المعرفة بالحس وتنكشف الحياة السرية للأشياء. حيث النور ما يزال بصيصا في كنف ظلمة الوجود، وحيث يخفق الماء الأول للمخيلة. هل يبدو هذا التصور رومانطيقياً؟ ربما، إنما في مثل هذا الميل يتبدّى اللاذع مما لا طعم له والفاتر مما يتوهج. برق اللغة دليل إلى نفس تبرق. وفتورها علامة نفس رخوة خامدة. ومن ثم في ضوء كهذا نتبين الشاعر من لص الكلمات.
    (4)
    الشعراء الحقيقيون هم عندي أولئك الذين كتبوا شعرهم وهجست أرواحهم بالموت، وكادت أجسادهم تميل وتذهب بخفة وسعادة، ولم يفصحوا، في أي وقت عن رغبتهم في الانتحار، لكنهم عاشوا صراع الفكرة، بدمويتها القصوى، مع كل كلمة كتبوا.
    هؤلاء المتطرفون هم الشعراء.
    مع كل قصيدة، للشاعر هناك تجربة انتحار، ومشروع خلاص من الموت. فالموت له جاذبية استثنائية لا سيما عندما يرى فيه الشاعر وجها آخر لحياة تختزلها قصيدة تتوق إلى السيطرة على الزمن وإذابته في نسيجهاماضيا) كذكرى.(حاضرا) كذكرى.(مقبلا) كتوقع منذور لأن يتحول إلى ذكرى. هنا، في انشغال الشاعر بالهارب، ربما، يمكن الكشف عما هو عبثي في وجود الكائن بينما هو يقف على الزمن كحدوث متصل يرفعه الإنسان إلى مرتبة القدر في حركة الكلمات يتحول الزمن بكليته إلى حجر. ليكن ألماسا، لكنه حجر يطوح به الشاعر نحو الأقصى من الوجود، ونلمحه في الشعر كشهاب يندفع، ونسميه، من ثم، انخطاف القصيدة نحو جاذبية قوية. لكن الحجر ما يني يرتد عائدا إلى المدار كفلك مضيء مغر.
    هنا مشابهة ليس في أصلها اختلاف جذري مع حالة الصخرة التي يحملها سيزيف من الهاوية ويرتقي بها الجبل إلى القمة، حيث ما أن يضعها حتى تفلت وتعود فتستقر في القاع، وليعاود إلى ما لانهاية النـزول إلى الهاوية والصعود إلى القمة.
    طغيان الجاذبية، وعناد الأشياء يصنعان قدر الإنسان المضاد لحريته، وانفتاح الحرية على الموت.
    (5)
    ثمة بعد قصِيّ في نفس الشاعر. أصوات تهوّم وتناديه، كمثل أصوات حوريات البحر عند هومير اللواتي نادين أوديسيوس ولم يكن في وسعه الفكاك من سحر أصواتهن. وإن كان أوديسيوس أدرك إمكان المضي في المغامرة مع إمكان السيطرة على نفس ترغب أن تطيع إغراء الجمال وتستجيب لسحره، فطلب من رفاقه شد وثاقه إلى صاري السفينة عندما راحوا يقتربون من منطقة تلك الأصوات، فإن الشاعر هو ذاك المغامر الذي يبقى جسده حرا طوع حواسه، وحواسه حرة لتنجذب نحو تلك الجهة الغامضة فيه بكل ما يسكنها ويتحرك فيها من أصوات لا تحقق لشعره دون الوصول إليها، ولا وصول إليها دون الاستعداد للفناء فيها. بل إن شعر الشاعر نفسه هو ضوء ذلك الانغمار في غموض تلك الأصوات وما تمثله من تعدد في شخصية الشاعر إذ يستجيب لإغرائها، ويقد من هذا الإغراء ما يسميه النقاد بـ(سر الشعر) وجماله الغريب. وهذه الاستجابة تحمل المتعة مقرونة بالألم وشقاء الشعور. ومن على هذا المعبر المفتوح على المفاجآت يشارف الشاعر على الانتحار، وتتجاذبه في تلك الوجهة قوتا الحياة والموت على نحو ممزق. ولا فرق جوهريا بين حالتي أوديسيوس والشاعر، لأن أصوات جنيات الأول هي الأصوات التي سمعها هومير في ذروة تحققه في بطل ملحمته.
    فهل يكون، إذن، في مشابهة أخرى، مثل الشاعر في علاقته بنفسه كمثل الشخص المنتظر في الحكاية العجيبة، المنذور لفتح غرفة ظلت مغلقة لأزمان، فما تنكشف أسرارها إلا مع وصول ذلك الشخص استثنائي القدرة.
    وكما أن في أغنى الحالات التي تصوغها الحكايات العجيبة مثال من يدخل غرفة فما يخرج منها أبدا، كذلك في حالة الشاعر وكينونته ذلك التوقع المخيف من أن يحمل العبور بعيدا وعميقا في النفس مصيرا مأسويا. إن مغامرة الاكتشاف عبر النفس قد تقود عالما في الفيزياء إلى السيطرة على الذات ومحيطها معا، لكنها بالنسبة إلى الشاعر تحمل مخاطر الوقوف على نهاية العالم. مخاطر الانتحار.
    إن الشعر للشاعر تجربة قاتلة لمجرد كونه انفتاحا هائلا على العالم واستعدادا للفناء فيه، على اعتبار أن ما من تجربة ذات لهب قدسي ما لم يكن خوضها حدثا غير مسبوق، بكل ما يعنيه ذلك من صدامات وارتطامات للشعور وهو يرهف ويشف حتى ليكاد يذيب صاحبه ويسكبه في كل مرئية من مرئيات الوجود، فما تعود تستحق التجربة اسم المغامرة لو ظل شاعرها دون هذه الحالة. وذا ضرب ساطع من ضروب التطرف.
    (6)
    من هنا أيضاً، من تحول المرئي عن عاديته إلى غموض ينادينا لنكشف سره يتلغز الجمال، ومن هبوب الفراغ، من مغادرته شيئيته ليعبر الحواس ويتحقق كخلاء حي ينذرنا بولادة ما. يولد الشعر مفاجئاً ومدهشاً، ومخيفاً في طاقته وغموض خروجه من عماء الحواس إلى نور الكلمات.
    وما الكلمة، بعد ذلك غير نعمة تهدئ الروع لكونها تضبط ذلك الانفلات المخيف للروح، ذلك السرحان، ذلك التيه والهيام حد التلاشي في الأشياء، ومن ثم التحول فيها، ليس على نحو ما يحدث للدراويش والمتصوفة في انجذابهم نحو المحبوب الذي هو الحق، فما تقر عين الحبيب حتى يقر في محبوبه وقد أفناه الوجد، وإنما على نحو يبعث في الكائن مع كل تجربة روحا جديدا. فالكلمات في شعر هي نظام من العلاقات يمسك الشاعر عن خوض أبعد، فيستعيده إلى الحياة وهو يكاد أن يفلت، فلا تترك له أن يتبدد. فهي نظام له القدرة على إعادة التشكل في حيز من الاستقلال عن الشاعر يتضاءل ويعظم. وللشاعر مكابدته، وصراعه مع هذه القدرة، ولكنهما في حدود غير معينة نظام وتشكيل يصونان حياة الشاعر، يبقيانه في تخوم من الانفصال يمكن للأرض أن تستعيده منها!
    هنا، من تعقيد العلاقة بين الشاعر ومخيلته، والشاعر وقاموس ثقافته، وبين المخيلة والتجربة الإنسانية لصاحبها، في هذه الشبكة المركبة، تكمن الهبة في صورة قصيدة. ومن ثم القصيدة حقل دلالات التحقق والإخفاق معا، وما الرجوع بها غير دليل ناقص على.....الخلاص من الموت.....العودة بسلام.....إلى ماض آخر على صورة مستقبل، هذه المرة، إلى ما بعد القصيدة وقبلها. أيضا إلى ما ينسف وجودها تماما، للبدء من جديد في مغامرة أخرى). القصيدة، إذن هي الهبة الشقية. فأن يبقى الشاعر بعد ولادة القصيدة أن لا يموت بولادتها، أن لا يموت بموتها.. أن يقبض الثمن... أن لا يدفعه أبداً.. أن....أن..إلخ، ذلكم هو المأزق الوجودي الأفدح للشاعر، ودليل، بلا علامات، إلى محن لا تنقطع.
    7
    عند آفاق كهذه نعثر في شعر الشاعر على بذرة الانتحار، حيث تختفي الكلمات وتولد الصور وحيث يتلاشى النحو ويولد الصوت، ويرى، ولكن من جهات لا مرئية، يصعب تحديدها. ننسى الشعر في سطوع الشعور كطغيان نهائي لجاذبية الروح وجمالات تفتحها على العالم. صور تخلب وتصدم، وأصوات تغبط وتقلق. ومن ثم سوف يخيفنا ما يبرق ويوسوس في هذا الذي نسميه الشعر، ثم لا نعثر له على قواعد نشد إليها جسده الزئبقي النافر على سطوح متوترة، ولا على تقاليد تسبق القصيدة كأثر يتيم.

    إن كل شعر يذكرنا بنظير أو يحيلنا على مرجع له، إنما يعتوره خلل فادح فيه مقتله. القصيدة إذن، هي الهبة التي رجع الشاعر بها، وبواسطتها من انتصار على الموت. والغريب أن الشاعر سرعان ما يعرض عن هذه الهبة/المكافأة، ويبدو كما لو كان يتنكر للنعمة، ولمانحها، إذ يتحول انتباهه عنها، ويتهيأ لحدث آخر. لذلك ربما يشعر بعض الشعراء المرهفي الحس والذكاء بمشاعر مركبة ومتناقضة بإزاء قصائدهم. مشاعر تدخل فيها عاطفتا الحب والكره، وكذلك الخوف وربما أحاسيس هي غبطات جسدية هاربة. ولا غرابة في الأمر. أو لم يشبه شعراء ومعهم نقاد، لحظة ولادة القصيدة بذروة النشوة يكسر برقها الصلب. أو تكون القصيدة حقا أثرا مما هو خاطف في لقاء جسدين عاشقين؟
    والسؤال الآن من كان الطرف الثاني في لحظة الشاعر عند ذروة الخلق؟
    أهي امرأة؟
    ذات أخرى؟
    أم هي اللغة. كائنها السري؟
    بعض الشعراء يعرض عن نشر شعره الجديد، فيهمله، ربما خوفا من أن يكون في هذا التشكل للشعر(في نظام هو القصيدة) قتل لأشواق الذات الشاعرة المتطرفة في طلب تحرر أبعد غورا وأنقى، وأكثر اتصالا بالوجود، أو بحث عن كمال فني ما نسبة إلى مثال لا تتضح معالمه، وهو مثال لم تظهر صورته في صورة القصيدة.
    لكن هل إن مثل هذا الطلب المستحيل هو شيء آخر غير طلب الموت!
    قصاصة في شبهة العلاقة بين الشعر والحب
    هنا درجة قصوى متطرفة، هائلة الضوء وظليلة، غريبة الأسرار. العاشق لا يذهب إلى حبه فهو ساكن ومسكون فيه، كذلك هو الشاعر لا يذهب إلى الشعر، كل ما يفعله الشاعر هو البحث عن الكلمات لتحمل عنه الشعر، لتنقذه من شعوره، لتتسع فتمتلئ بالفائض وكذلك بالناقص فيه، لتلطف به وتتلطف بالألم الذي يتركه شعور الشاعر بالامتلاء، بالفراغ والخواء بعدما يصب الشاعر نفسه ويصوغها في كلمات. لا يعوض ألم أن لا يعود لديك شيء، أن تصبح خاويا، إلا هذا المخلوق النابض في حياته المنفصلة عن حياتك، والذي نسميه القصيدة. لكن انفصاله مؤلم. ليس ثمة ما يشبه خروج القصيدة في كل مرة من ألم انفصال جسد القصيدة عن جسده المتخيل. وإذ يعود الشاعر إلى نقصانه بعد ولادة القصيدة، إنما يعود ليواجه حقيقة أنه لم يعد كما كان قبل أن تكون قصيدته. إنه الآن شخص مختلف: بدءا من جسده المتخيل سوف يختلف الشاعر عن جسده المتخيل.
    هل يرأف بنفسه؟ هل يحزن لأجلها، هل يندم؟ وبعد ذلك هل يقسو على نفسه فيدين لولادتها؟
    إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال أو ذاك يحيل بالضرورة على منطقة النرجسية في الشاعر وهي مساحة تتعدد فيها صور حب الذات والهيام بها، صور محبتها وصور الرهبة منها. الصور التي قد تبدو لغيرنا فظة وغريبة، امتيازا يخص الشاعر، بينما هو مصاب وممتحن به.
    هنا، يخيل إليّ أن الشعر صورة قصوى من الصور الأكثر تلغيزاً للوجود، للحب بصفته درجة هائلة من الوجود المتطرف، من التطرف في استقصاء الآخر فينا، البحث عنه في مساحة وجوده وغيابنا، مساحة غيابه وغيابنا، أرض متقلبة لأعمال الشعور، أرض ثراء ظليل، ولامع، وثمار لا تعد ولا تحصى، لا تدرك لها أسماء. والشعر يريد أن يسمي، أن يغامر في أن يسمي.
    لكن الشعر على ما فيه من إفصاح هو الحالة السرية للحب، الحالة الأكثر حقيقية لما يكاد أن يكون وهما. وما الشطح والإشارة والقول وكذلك التصوير الشعري إلا بدائل موهمة وموهمة لأحداث ووقائع أصلية تجري في مكان قصي، سري، يدفع بها الشعور بين الكلمات ووراء الكلمات. إنها أحداث تجري في متاهة هي الذات وعالمها. أحداث هي، من موضعها القصي ذاك، النار المغذية لما نظن أنه هو شيء قائم في ذاته لكنه في حقيقته الخفية بديل من شيء آخر لا أمل في العثور عليه. القصيدة بديل من ضائع.
    وهكذا نأتي لنعرف الأسرار فنضاعف من ألم الجهل بها.
    قصاصة لشاعر
    بالكلمات تهدم شخصا، بالكلمات تستعيده من الموت. بالكلمات تفتح وجودا وتدخل، تغيب في زهرة وتظهر في أخرى، تنهل من الرحيق وتنهل من الموت الذي في الرحيق. ومن ثم تكون قصيدتك عسلا، لكن نهارك يمسي غريبا لأنه خرج إلى قصيدتك وتركك فارغا. لأنك خلو من كل روح، لأنك ميت في حياة القصيدة، ولأن حواسك الهاربة تعيش في الكلمات. الكلمات التي ما تنفصل عنك إلا لتؤكد أنها عدوك. الكلمات التي تخرج منك لتؤكد أنك لم تعد لها. ولم تعد لك، ولم تعد موجودا.
    الكلمات تحملني على التفكير بالشاعر: من الأكثر خطورة الشاعر أم القارئ؟ الشاعر يلعب بدمه والقارئ يتفرج.
    يلعب الشاعر بدمه لا لأنه يستهين بوجوده، ولكن لأن نداء غريبا، مسا غريبا يسري في دمه، ويهمس إليه، فيفتتن حتى ما يعود يطيق حدودا لجريان الروح في الجسد وجريانها في الأشياء. أهو "همس الجنون" ما يجعل الشاعر يلعب بدمه إذ يمسك الكلمات، أم هو منطق من فشل في أن يحرر الكينونة مما يأسر جمالها ويلجم اندفاعاتها. فلم يبق له إلا الكلمات؟ وعندما لا تبقى له حتى الكلمات، عندما لا تعود ممكنة، أو عندما لا تعود تكفيه، من الأخطر، أهو الأكثر ديمومة من الآخر، أم الأكثر خفة في عبوره وانقضائه؟
    بالكلمات يثور القارئ بما يملؤه شعورا وضياء، ويذهب الشاعر إلى فراغه المعتم.
    قصاصة لقارئ
    لأي قارئ سأقول كف عن تذكر اسمي، وانس أنك عرفت هذا الاسم، انس وجودي، لأتمكن، أنا أيضا من نسيانه، اسمي ووجودي اللذين لا يكفان عن تهديدي.
    لا تفكر بي بالطريقة التي فكرت أنها تليق بهذا الشخص. الحقائق هي الأوهام. لقد امتلأت وهما، وملأتك. خدعتك بما خدعت به نفسي، ولم يعد ينقصني إذ أصل وأجد هذا اليوم مسجى في اختصار لا نهاية له. إلا أن أتمدد فيه، وأشبهه، أن أشعر بقوة أنني مريض مثله، أن أكف عن الاعتقاد بنضارة طالما هددني بها وجودي، فأغريت بها نفسي، وأغريتك، أيها القارئ الوهمي، القارئ الذي طالما توهمت، لم يعد يكفيني لأستحق عبور هذا اليوم، إلا أن أخون صورتي، إلا أن أتمادى في خيانة صورتي.
    قصاصة لمدينة
    ماذا نفعل في أوروبا في مدينة لا جبل فيها، وتحت سماء كالحة وواطئة. ماذا نفعل، ماذا نفعل، غير أن نستيقظ ونتحرك وننام، غير أن ننام ونحلم أننا في الجبل، وأننا ننظر جهة الصيف.
    نخرج ونخرج، ونعود، نصعد السلالم ونهبط السلالم. نختفي ويطول اختفاؤنا، ليكون في وسعنا أن نظهر بشوق وراحة ضمير، ننسى الأشياء، لنتذكر أننا نسينا أشياء وعلينا أن نتذكر ليكون لوجودنا مبررات كافية. ننتظر شخصا في الطريق. نترك شخصا ينتظرنا في المحطة. فبتمام السادسة. في السادسة تماما على رصيف المحطة، اتفقنا. لكننا لا نأتي، نتركه هناك في انتظاره الضروري، لنا وله، لتكون هناك قصة، دراما صغيرة، مادة للحوار، قصة يتكلم فيها ونتكلم ويتكلم آخرون، ليكونوا موجودين، وليجري التمييز بين اسم وآخر وبين مزايا وأخرى.
    ماذا نفعل في أوروبا تحت سماء عدوة، سماء ضد كل ما عرفناه من صفات السماء؟ ننتظر وننتظر وننتظر، شخصاً، كان بدوره صرف الزمن وهو ينتظر، ثم ما أن يصل حتى يكتشف أنه ما زال حيث كان. ثم نخرج وندخل، وعندما ننتبه نقلب القاعدة، فندخل ونخرج.
    ماذا نفعل في أوروبا، أي قدر حملنا على الثأر من أعمارنا بهذه الطريقة، أي انتقام من الذات أن نـزحف على هذه الأوروبا المترعة بالظلمة وأن نمشي في ظهراني هؤلاء الأوروبيين الذين ليسوا هنا إلا أن عسكرهم وإدارييهم ومؤرخيهم ما عاد في وسعهم احتمال ضريبة الدم الذي سفكوه في الشرق، والأحلام التي بددوا، ولا ضريبة اليأس من "الآخر"، وإذ نصل إليهم في ديارهم، بعدما رجعوا من قيلولتهم في صيف ديارنا الطويل، إذ نهجر سماءنا ونختار سماءهم، فأي خيار هو خيارنا إن لم يكن خيار الذي يرمي جسده في جسد عدوه، خيار المنتحر.
    نخرج دون أن نخرج، وندخل دون أن ندخل. نقف في المرايا ولا نجد أنفسنا. لا هنا هنا، ولا هناك هناك. وقت لا رجاء هنا ولا رجاء هناك.
    وها نحن لاجئين، وهاربين، نسمع العدو ونرطن بلغته، نحجم عن الولع بها، ليظل للغتنا فينا موقع القلب من الكائن، والنور من العقل. لكننا إذ تملأ بها الورق، نكتشف أننا نقتتل وأنفسنا حتى لا نموت وندفن في الورق. نملأ الورق الزائل بالكلمات الزائلة.
    قصاصة بين داخل وخارج
    هل يمكن القول بوجود نصوص شعرية عربية مهاجرة لها سمات وملامح مختلفة عن تلك التي ينتجها شعراء عرب يقيمون في أوطانهم؟عشرات الشعراء العرب يقيمون اليوم في أوروبا، بين لندن وباريس وبرلين وأمستردام وبروكسيل وغيرها.
    ويمكن رد هؤلاء الشعراء مجتمعين إلى خارطة الجماليات الجديدة في شعرية عربية حديثة قدمت انفجارها الكبير مع أواخر الأربعينات.
    ولو سلمنا بمقاييس الأجيال نسبة إلى عقود المعمول بها في النقد العربي فإن المشهد الشعري العربي في أوروبا يغطي كل "أجيال" الشعر الحديث من زملاء السياب ومعاصريه حتى(الجيل التسعيني) مع تحفظي الدائم على مصطلح "الجيل". وهذه الصورة المركبة يصعب تفكيكها، لو استمر الكلام على شعرية حديثة واحدة، فضلا عن أنه يصعب استقراؤها إطلاقا بالأدوات المعرفية والنقدية الدارجة. فنحن مع الشعر العربي الحديث برمته، في الهجرة والإقامة، نحتاج إلى وسائل قرائية جديدة ومبتكرة، وهو لم يحصل حتى الآن. فكيف يكون الأمر بالنسبة إلى ظاهرة مركبة ومعقدة كظاهرة الشعر العربي في أوروبا.
    لا بد إذن من البحث والتنقيب والتأمل بوعي نقدي مركب، ولا بد أيضا من القول بـ(شعريات) بدلا من الاستمرار في توهم وجود شعرية واحدة: شعريات عربية متعددة عبر الجماليات الحديثة أولا، ومن ثم عبر الجغرافيات. وعلى النقد أن يتحرك ويستجلي أطراف الجسد الشعري العربي الذي انفجر وتوزع في مشارق الأرض ومغاربها، بصفته انفجارا يختصر ويلخص انفجار الجسد العربي في برهة تراجوكوميدية، أحداثها أغرب من الخيال، وأحط من المتوقع!
    يبدو لي أن وقتا طويلا سيمر قبل أن يجري استدراك ما استجد في الأدب العربي عن طريق هذه التي يحجم كثيرون عن تسميتها بـ(مهجرية عربية جديدة)!
    على أن السؤال الأكثر إلحاحا بإزاء هذا اللجوء الفكري والأدبي والفني والسياسي والإنساني العربي إلى أوروبا، هو حصرا حول المغزى العميق له. وما إذا كان أسفر(أو هو يسفر) عن إضافات معرفية تعيد تركيب صورة (الآخر)، بعيدا عن تلك الأوهام التي صاغها حول نفسه في الحقبة الكولونيالية، بما يساعد بالتالي، على معرفة أفضل للذات الثقافية والحضارية، على سبيل تحديد موقعها من هذا الآخر الذي لم يعد خرافيا، ولا موهوما.
    على أن السؤال حول وضعية الثقافة العربية، بين هجرة وإقامة، يحيلنا بالضرورة إلى خطورة ظهرت عوارضها في جانب من النقاش الثقافي، عندما طرحت أواخر الثمانينات بين الشعراء والمبدعين فكرة(الداخل) مقابل(الخارج) ورأى بعض أنه بات هناك(مهاجرون) و(أنصار) في ثقافتنا العربية وتقسيم يشبهه بعض بـ(أبناء السيدة) وبعض بـ(أبناء الجارية). وخطورة أن تنشأ معارك مجانية بين المثقفين المهاجرين من جهة، والمثقفين المقيمين من جهة ثانية، قائمة. بما يمكن أن يودي بالجدل إلى السطح، ويحرم من المضي إلى تساؤلات عميقة، تلامس غربة الإنسان العربي مقيما ومهاجرا، وتنفتح بالسؤال على كل ما هو حقيقي وجارح في اللحظة العربية الحاضرة.
    قصاصة في الكلمة والشاعر
    أميل بالخاطف فيَّ، لأنكِ الكلمةُ، ولأنني. لأن جمال التصوير توطئة الخالق لجمال الأعماق. بجسدي وزورقي أميل، ويدي التي لمست الموت ضوّت، لما تلفت، لما عبرت الصور وعبرت الأصوات وصوَّحتْ في الأرجاء عطرك الخاطف. تنبَّهتُ، كنت أميلُ بكِ، بما حملت به ساعة ذهب العبور إلى مصائرهم، ووقفت لقدري، بكتفي، للمرسل من نور العين إلى مشهد الماء وهو يختطف باليد، حفنات ويتفرط ليصير ملائكة. كنت أنت عند الماء في شغف ما برق، لحظة، في النأمة الهامسة كرجاء، في الملتقط من آخر الصوت، وقدمك التي صعدت بلا حس، كانت تصعد في الارتجافة، حتى أن الهواء كان يصل خفيفا، وينهار. وفي الهناءة، في الحيرة، في المدرك منهما عند الأرجوحة، بين هنا وهناك، الهواء كان يرتطم ويتكسر، ويضيء في الحركة، في الهرب والرجوع، في النهضة، في الميل، في وصول النسيان، في الرغبة وألمها، في التشظي، في وهم التكسر، في الرغبة، في ألم المساء، في وعد الساطع من سؤال الشمس، في الحصة الصغيرة، المختطفة، في الوقت، في الهارب، وفي الأقل منه، في كثير سميته الظلمة لأنني لم أجد له اسما آخر. ولأن الكلمة، هي الحيرة، العتبة المنتظرة، العتبة الفارغة، البياض الناظر حتفه في ماء أعمق، الكلمة الناظر أبعد مما يتيح الفم تشكيل السر. وما الخوف، هناك، على الميل الآخر، سوى خوف الخارج من الظلمة إلى النور.
    يدك التي مسّت اللؤلؤة قبضها الليل واستبقاها عند اللؤلؤة.
    قصاصة عن الشاعر والتجربة
    كيف يقرأ الشاعر قصيدته؟ وماذا يجد فيها خلال قراءته، هل يكون مثلنا نحن القراء، أم أن القراءة حياة أخرى لديه.
    عندما يتأمل الشاعر في تجربة كتابة شعرية سابقة له، بقصد التحدث عنها، إنما يفعل بشيء من المكر، بشيء من الوعي الإضافي على وعي ومشاعر سابقين كانا في أساس تلك التجربة، وبالتالي فإن مستوى نضج ملاحظاته وهو يتكلم عن تجربة كتابة قصيدة قديمة له قد تطمس بحذاقة هفوات فنية في شعره. ليس لأنه قد يقول ما ليس في قصيدته، وإنما لأنه سيقول ما في نفسه، لكن لأن في الطيات العميقة من كل قصيدة أسرارا ربما لا تتكشف لنا من القراءة الأولى، ولا تتكشف وحتى للشاعر لمجرد أنه كتب القصيدة.
    مع كل كتابة جديدة له يلاحظ الشاعر بغبطة، مخيفة أحيانا، تحقق شيء من تطلع فني وجمالي ورؤيوي سبق أن صبا إليه وشغله قبلا، إلا أن الأكثر حقيقية في الأثر الفني الجديد أن هذا الأثر يشكل "مقبرة" لتجربة سابقة لنفترض أنها صدرت قبلا في كتاب للشاعر، فبفعل كفاح شعوري بطيء متواصل، وبحث رؤيوي مستمر يتمكن الشاعر من قتل ما تؤسسه التجربة السابقة في مشاعره وفكره، ودفن ما جرى قتله في طبقة غير مرئية في الأثر الجديد، بل إن الشاعر يمكن أن يحس في أوقات ما عندما يمسك كتاباً يجمع قصائده الجديدة بكاء كتيماً وبعيداً للمشاعر والرغبات والتأملات الأولى البريئة التي كانت في كتابه الأول، فإذا بها تتلامح هنا في كتابه الثاني، أو الثالث، لكنها لا تنفصل وتستقل عن مشاعر وخبرات وتأملات ورغبات مرتبطة بالضرورة بقصائده الجديدة. هذه مسألة مخيفة بالنسبة إلى الشعراء، وربما لا يمكن لشخص، شاعرا كان أو قارئا مرهفا، مهما كان قريبا من الشاعر ومتفهما لأحواله، أن يتحسس ما يصيب شاعرا في لحظة اكتشاف كهذه. إنها مسألة تتعلق بصراع غريب من نوعه بين زمان ظنناه انصرم وزمان راهن ينصرم، باستمرار، وزمان سري هو زمن الفن يصل بينهما. إنها لعبة الوقت في علاقة الفنان بتاريخه الشخصي وخبراته الشعرية. وفي هذه اللعبة، فإن الأثر الفني(القصيدة)على قدر نضجه يبدو خصما ضعيفا أو قويا للزمن، وكذلك خصما وصديقا لكل ند(قصيدة أخرى للشاعر) ثم خصما قويا للشاعر نفسه. وهكذا تتحول المسألة إلى صراع ينتقل من جماليته إلى حالة دموية بين القصائد والزمان التي فيها، على سبيل الاستئثار بالزمن الآتي، وحيازة المستقبل.
    من هنا يمكننا الوقوف على فكرة طالما وجدناها غريبة وغامضة، هي فكرة الانتحار. انتحار الشاعر وانتحار الفنان. إن صراع الجمال في الآثار الفنية لفنان ربما يصبح-إذ يعنف ويشتد- العتبة التي تقوده إلى الانتحار.والغريب أن النقاد يفتشون "عادة" عن أسباب خارجية، وقد يكتشفون أسبابا مقنعة لانتحار شاعر. ومن ثم يتأسس على "ما اكتشفوا" واعتقدوا أنه الأسباب المرجحة لحالة انتحار جدل ثرثار حول انتحار الشاعر أقربه إلى الصواب لا يعدو أن يكون عنصرا ثانويا في شبكة الأسباب، وبدهي أن السبب يكمن في كونهم قلما تمكنوا من اختراق التجربة الفنية إلى أعماقها، لأن الغالبية منهم تقرأ في النصوص والتجارب ما تريد أن تقرأ، وترى فيها ما تريد أن ترى، فتبقى خارج النص، في نصوصها هي، أسيرة أولوياتها وضحية مناهجها. والقلة من النقاد هم أولئك الذين يخترقون الجمال الفني، وينفذون إلى عوالمه، ومن هناك يلامسون شيئا من مجهول النفس التي أبدعته ويتعرفون إليها، ومع ذلك فإن هؤلاء الأقرب برؤاهم النقدية من الخلق الفني طالما أبدوا حيرتهم الصادقة من فكرة انتحار الفنان.
    لماذا طرحت، هنا، فكرة الانتحار والموت؟ لأنها تشكل منذ السطور الأولى في شعر شاعر رومانطيقي الموضوعة الأكثر جاذبية وإغراء وإلحاحاً له في توحده بنفسه، وهو (الشاعر) لا يني يلبي هذا الإغراء، ويسلم نفسه إليه فيؤلف حضوره بألوان وأصوات ومناظر وتذكرات ومعاينات وأفعال قد تلفت بعضنا فيها شتى الموضوعات والاهتمامات، ويسحرنا ما فيها من غنى يأخذ إلى مناطق صوتية وصورية بعيدة عن تلك المنطقة: الموت. فنمر عنها، ولا نتنبه إلى حضورها.
    إنما، فجأة، وكما لو كان لغما أرضيا وقدما بلغته، تقع الحادثة المفاجئة ويتضرج الشاعر بدم التجربة، ولسان الشاعر العربي القديم هو لسان حاله في كل العصور:
    وأنا الذي اجتلب المنية طرفه
    فمن المطالب والقتيل القاتل
    هكذا سقط عبد الباسط الصوفي وتيسير سيول، وخليل حاوي وغيرهم من الشعراء العرب. وما الأسباب التي ظننا أنها هي التي قادتهم إلى الانتحار غير ذرائع لنا ولهم، أو هي "الشعرة القاصمة". إنما وراء تلك الشعرة جبال من الغم والأثقال، وأكمات غامضة تهيم وراءها نفوس تقطعت صلاتها بالعالم.



    حوار قناة الجزيرة



    الشعر العربى
    فيصل القاسم:

    تحية طيبة مشاهدي الكرام.

    يرى البعض أن أميركا لم تكتفِ بالسيطرة علينا سياسيا، بل راحت تخرب أدبنا العربي، فقد صرح أحد الشعراء العرب قائلا: إن الشعر العربي الحديث، وعلى رأسه قصيدة النثر هى من صنع وكالة الاستخبارات الأمريكية الـCIA، هل هناك مؤامرة على ديوان العرب فعلا يقودها رواد الحداثة المتسكعون فى العواصم الغربية؟

    ماذا يمكن أن نسمي هؤلاء السفسطائيين الجدد الذين يدعون إلى رفض المرجعية وعدم الاعتراف بالمعايير، ويقولون بموت التاريخ، ويعتبروننا ذرات فوضوية، أليسوا مخربين فعلا؟ ألا يتواطأ هؤلاء الحداثيون فى تدمير المعايير، وإفراغ الأشكال الفنية من معانيها؟ ألم تصبح الحداثة الشعرية نوعا من الإلحاد الثقافي والمعرفي، ودربا من العقوق للتراث؟

    ماذا أنجزت هذه الحداثة شعريا؟

    ألم يكن الشعراء الجدد أول من أدخلوا الغزو الثقافي إلى الثقافة العربية؟

    ألم يخربوا الشعر فعلا؟

    ألم يتآمروا على اللغة العربية المعروفة عالميا بأنها لغة الشعر.

    لماذا أفسدوا موسيقانا وإيقاعاتنا الموسيقية؟

    هل يمكن أن يكون الشعر نثرا؟ أم أن النثر نثر، والشعر شعر، مهما تحايلنا عليهما؟

    لماذا تحول الشعر العربي إلى أحاجي وطلاسم وخزعبلات أدبية؟

    لماذا فقد شعرنا جماهيريته؟ ألم يتحول الشعر إلى بضاعة نخبوية كاسدة معزولة عن قضايا الناس، وهمومهم؟

    لماذا يمارس الشعراء والنقاد الجدد والمشتغلون بالإعلام الأدبي نوعا من الإرهاب ضد الشعر العربي غير الحديث؟

    أليس هناك (شللية) واضحة ومافيات شعرية تتحكم بالنشر والإعلام ترفع من تشاء وتسقط من تشاء؟

    لكن فى المقابل، أليس من التجني اعتبار الفتوحات الشعرية الحديثة نوعا من المؤامرة؟ لماذا هذا التحجر ألم يغد العقل الأدبي العربي عقلا ديكتاتوريًا تماما كالعقل السياسي والديني، ولهذا فهو يقاوم كل فكر حر،

    لماذا يحب العرب الديكتاتورية حتى فى الشعر، ولا يريدون لأحد أن يجرب ويبدع؟

    أليس من حق الشعراء الجدد تفجير اللغة العربية، وتخليصها من تحجرها وتعنتها وسلطويتها؟

    ثم لماذا نطالب الشعراء الحداثويين أن ينظموا أوزانًا وإيقاعات امرئ القيس؟

    هل هناك إيقاع محدد فى حياتنا الآن كما كان الوضع فى الماضي؟ أم أن هناك حالة من التنافر النغمي نعيشها على مستوى الأيدلوجيا والأفكار والمعتقدات، ثم ألم تستق الثقافة العربية أصولها من لغة البدو، وأشكالهم التعبيرية، وهيمن عليها البيان بدلاً من المعقول البرهاني، ولا بد إذن من الخروج على هذا النمط البدائي البدوي.

    هل تراجع الشعر بسبب الشعراء، أم بسبب انتشار الفضائيات والإنترنت؟ هل قَل اهتمام القارئ بالشعر فقط أم بكل الأنواع الأدبية الأخرى؟

    هل هناك أزمة شعر أم أزمة قارئ؟

    لماذا لا نلوم التربية الجمالية العربية الركيكة؟

    لماذا لا يرتقى القارئ إلى الأعلى بدلا من هبوط الشاعر إلى الأسفل؟

    ثم لماذا يريد البعض من الشعر أن يكون ربابة وطنبورا من أجل إطراب الشعب وتمجيد الوطن؟

    لماذا يصر العرب على أن يكونوا ظاهرة صوتية؟

    هل كان لهذا الجدل أن يقوم حول قصيدة النثر مثلا لولا وجودها القوي على الساحة الأدبية؟

    كيف نطالب الشعراء أن يتفاعلوا مع جمهورهم، ومعظمهم مطارد في المنافي؟

    كم من الشعراء العرب قضوا نحبهم منفيين مبعدين عن أوطانهم بسبب الجور السياسي والثقافي؟

    أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة على الأستاذ الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم الملقب بـ(أبي همام) أحد تلامذة الأديب الكبير عباس العقاد، وللدكتور عبد الحليم 6 دواوين شعرية، و10 كتب نقدية، وأخرى في الترجمة.

    وعلى الشاعر (نوري الجراح) صاحب المجلة الشعرية الجديدة "القصيدة" التي بدأت بالصدور من قبرص، وصاحب العديد من الدواوين الشعرية.

    للمشاركة فى البرنامج يرجى الاتصال بالأرقام التالية 888840. 41. 42 ورقم الفاكس 311652 وبإمكانكم مراسلتنا على البريد الإلكترونى.

    [email protected]

    [فاصل إعلاني]

    فيصل القاسم:

    نورى الجراح لماذا خربتم الشعر؟

    نوري الجراح:

    قبل الإجابة على سؤالك، هذا المدخل الذي تقدمه لهذه الحلقة مدخل متفجر، مدخل عناصره أو مكوناته تحتاج إلى 10 ندوات، لأنه يصل الشعر بكل ما عداه فى الحياة العربية وفي التاريخ، في القرون التي مرت، في اللحظة الراهنة، في القرن العشرين الذي فات وانصرم دون أن ينجز فيه العرب الوجود الحضاري كما حلموا على الأقل، مدخلك كبير جدا.

    لماذا خربنا الشعر؟ هذا سؤال يجب أن يطرح على كل الشعراء وكل النقاد، أما عني أنا فإجابتي على هذا السؤال تحتاج إلى…

    فيصل القاسم:

    كشاعر حديث وصاحب مجلة معنية بالشعر، ومن المجلات المهمة على الساحة الآن، خاصة وأن المجلات الشعرية قليلة.

    نوري الجراح:

    أنا في ظني أننا ما خربنا الشعر حقيقة، لكن خربنا المفهوم السابق للشعر، نحن مارسنا الكتابة الشعرية على مدار قرن، وأنا أنتمي إلى حركة شعرية عمرها قرن، من بعد أحمد شوقي إلى اللحظة الراهنة مرورًا بالتفجير الكبير الذي حصل فى العراق، وفى أماكن أخرى على أيدي رواد القصيدة الحديثة من طراز...

    فيصل القاسم:

    السياب

    نوري الجراح:

    (بدر شاكر السياب) و (نازك الملائكة)، وحتى (البياتى)

    فيصل القاسم:

    بلند الحيدري

    نوري الجراح:

    (بلند الحيدري)، وآخرين، وكل من حمل راية الكتابة الجديدة، وكتب القصيدة الحديثة برؤى ومفاهيم وحواس جديدة. نحن خربنا بكتابتنا مفهوم القصيدة، ومفهوم الشعرية، وحتى اليوم لم يتمكن النقاد ولا الشعراء (والشعراء غير مطالبين حقيقة بتغيير مفهومات) من إقامة مفهوم جديد، لأن هذه القصيدة هي قصيدة الحرية، قصيدة البحث عن الذات بطريقة تلائم بحث الإنسان عن ذاته فى هذا العصر، وبالتالي السؤال عن التخريب هو سؤال مزدوج المعاني، ومتعدد المعاني، كريستالي المعاني، فهو حقيقي وغير حقيقي، حقيقي بمفاهيم راقية نقدية وعلمية، وغير حقيقي بالمفهوم العامي.

    فيصل القاسم:

    طيب،

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    سيدي، نحن لا نملك أن نخرب شيئا حقيقيا له قاعدة إنما نحاول أن نبني على قواعد معينة، والوزن في اللغة العربية كما تحدّر إلينا من أصلاب القرون الأولى صالح، وسوف يكون صالحا بعد قرون عديدة أخرى، المهم أنك تستطيع أن تبدع فى هذا الإطار، لأنه لا فن بغير قاعدة، ولا شعر بغير فن، وإن استطعت أن تقول إنني أخرب مفهوم الشعر، فإنني لا أملك هذا على الإطلاق، لأنني أنتسب إلى أمة لا يقول أحد على الإطلاق بأنه يخرب مفهومها، أنا لست متحجرًا، ولا الشعر العربي نفسه متحجر، إنما هو أطر معينة، هذه الأطر المعينة نظلمها إذا قلنا إنها أوزان يعني اقترحها الخليل أو اكتشفها الخليل بن أحمد، لدرجة أن هناك أوزانًا لا تكاد تُحصر، حتى قال بعضهم: من لم يعرف 100 وزن للموشح فلا علم له بالموشح.

    فيصل القاسم:

    سنأتي على هذا الموضوع فى حديثنا عن قصيدة النثر، لكن إذا دخلنا بالمدخل العام يا تُرى…

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا، ليس هناك تحجر لغوى، ولسنا بدوًا إلا بهذا المعنى، ولن تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين، لأن الشعر جزء من كياننا، وإذا كانت الأمم الأخرى تُزهى بالمسرح، وتُزهى بالملاحم، فإننا نُزهى بالكلمة، ونُزهى بالبيان، وهذا البيان يمكن أن يحتمل كل تطورات الحياة، وكل مشاعر متجددة لإنسان فى هذا العصر، وفى العصر الذي يليه.

    ليس الوزن أزياء نغيرها وقتما نشاء، بل هو مبني على لغة كما تفضلت هي لغة شاعرة وليست لغة شعر فقط، هي لغة شاعرة لأنها كلماتها موزونة: كَتَبَ، فَعَلَ، كاتب، مكتوب.

    فيصل القاسم:

    سنأتي على موضوع قصيدة النثر، باختصار يعني هناك من يتحدث عن مؤامرة من قِبَل هؤلاء الشعراء الحداثويين -كما يُسمون أنفسهم- لتخريب الشعر العربي، هل أنت مع هذا الطرح؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    أنا مع.. الذي يخرب أحد رجلين -في تصوري-، إما رجل عنين، عاجز لا يستطيع فضّ أبكار الكلام، وهذا لا مجال له لا في شعر، ولا في نقد، ولا في أدب، ولا في رجولة، هذا فن يقتضي ذكورة وفحولة، الذي يمتلكهما عليه أن يقول، وأما الرجل الآخر فهو رجل لا أستطيع أن أقول ببينة، لأنه لا أملك بينة أمامي، وإنما أملك أن أقول إن مثل هذا الزخم الشديد، وهذا التوجه الشديد لهدم الوزن الشعري، لأقيم مكانه بناء يسمى قصيدة النثر، لا يمكن أن أخليه من سوء نية، هذه السوء النية، أين هي؟ ليس بين يديّ الآن ما أستطيع أن أدلي به منه

    نوري الجراح:

    الحقيقة أن مفهوم الفحولة فى الكتابة بالأساس، أنا ضد هذا المفهوم.

    فيصل القاسم:

    والدكتور أشار إلى أنه..

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    أنا أقصد القدرة الكبرى

    فيصل القاسم:

    إنه يقصد القدرة الكبرى، وبطريقة ما هو يصف الموجة بأكملها.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    المرأة أيضا عندها هذه القدرة.

    نوري الجراح:

    لكنها ليست قدرة الفحولة؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    يا سيدي، لا تأخذ الأشياء، لا تقيد عليَّ لفظي، فإني مثل غيري تكلمي بالمجاز، نحن نقول الآن كلامًا، لأن هذا الكلام نفسه مجاز، فهذه الفحولة التي أقولها الآن إنما هي القدرة، الذي ليس في ذرعه قديرًا عليه أن يبحث له عن عمل آخر دون أن يقول إنني أخرب.

    نوري الجراح:

    أنا لا أظن أن المسألة مسألة قُدرة، حقيقة أن الشعراء الذين كتبوا القصيدة الحديثة، هم شعراء مقتدرون، وبعض، ليس بعض، كثير من شعراء حركة الحداثة العربية، من بدر شاكر السياب وحتى أدونيس كتبوا القصيدة العمودية، أنت تعرف هذا يا أستاذ، ثم انتقلوا إلى قصيدة التفعيلة، التي يسمونها القصيدة الحرة، وأنا أسمي قصيدة النثر القصيدة الحرة، لأن هذه أخذت اسم تلك، وتركت هذه في عراء السؤال عن اسمها، أو انتمائها إلى الشعر، المسألة هي مسألة شعرية، حتى (القرطاجني) عندما حاول أن يقدم تعريفه لمفهوم الشعر لم يستبعد (التخييل) بصفته جزءًا أساسياً من مكون الشعرية، وليس الوزن والقافية وحسب، وهذا موجود مدون.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    يا صديقي، لم يقل أحد على الإطلاق بأن الشعر وزن وتقفية فقط، وإلا أدخلنا النظم، إنما نحن نقول التخييل، ونقول شرائط معينة، فن تعبير جميل عن شعور صادق، هذا الشعور الصادق له قواعد.

    أقول الآن: إن الذين بدأوا هذه القصيدة الحرة كما تفضلت الآن بدر شاكر السياب، وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم، هؤلاء كانت عندهم هذه القدرة بالفعل، لكن خلف من بعدهم…

    نوري الجراح:

    فقدوها فجأة؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لحظة انتظر من فضلك، هؤلاء بدأوا يكتبون هذا الكلام، هذا الكلام يعني ليس فيه هذه القدرة، وأنا متتبع جيد.

    نوري الجراح:

    لماذا في ظنك بدأوا يكتبون هذا الكلام؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لأنهم يتصورون أنهم يعني يريدون أن يجددوا، ويريدون أن يجربوا، ونازك الملائكة قالت بنفسها: سوف ينتهي قريبا نظام الشعر الحر، وهى السادنة الأولى فى هذا الشعر.

    نوري الجراح:

    لا، ليست السادنة الأولى.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    معلهش [عفوًا] لنختلف حول هذا.

    ولكنها من الأسس، لأنها ناقدة، ولأنها مبدعة أيضا، ومع ذلك قالت: سوف يأتي وقت قريب جدا.. وحين تقرأ الآن ما ينظم هؤلاء الشعراء الكبار من قصيدة الشعر الحر، هم ترى فيهم عوارا، لأن الذي يستسهل… ومن يهن يسهل الهوان عليه، هم يستسهلون هذا الضرب من الكلام حين يستسهلونه هذا الضرب الآخر هناك شوط عليه أن يقطعه دون أن يلهث، هذا الشوط من عندي إلى عندك الآن، هذا الشوط يسمى التفاعيل، هذه التفاعيل علي أن أملأها بكلام جيد، وإلا كنت نَظاما، وإلا كنت غير شاعر، من الممكن أن تقول لي إن هذا الشكل أحيانًا يلجئ الشاعر إلى أن يقول كلاما لا ضرورة له لكي يتعكز بعكاز إلى القافية.

    نعم، هذا لا دخل له عندنا، نحن نتحدث عن المقتدرين، أما الذين خلف من بعدهم، هذا الخلف الآخر فهم أتحدى بالفعل، وقد تحديت بعض الذين كتبوا مثل هذا الكلام، أن يقرأوا قصيدة.

    فيصل القاسم:

    دكتور لكي لا نقفز إلى هذا الموضوع، طبعا هذا سيكون محورا مهما فى هذا النقاش، لكن لنركز على الأساسيات أولا، كي لا نضع المشاهد فى الجو العروضي من البداية، يعني أسئلة بسيطة لماذا خفت جماهيرية الشعر فى الثقافة العربية بشكل عام مع العلم كما تعلم أنه ديوان العرب؟

    أبدأ بالأسئلة بسيطة، وانتهى بالأسئلة الأصعب.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    هذا كلام جيد، الشعر ديوان العرب، نعم، لكن حين كان يتفرد وحده فى الساحة، أما الآن فقد زاحمته فنون أخرى، قولية وغير قولية، هذه الفنون زاحمته فزحمته، هناك فرق بين زاحم وزحم، غلبته بالفعل، لأن الناس الآن يقرؤون الرواية، ويستسهلون، والرواية الجيدة فن جيد، القصة القصيرة أيضاً فن جيد، وهم يستسهلون أيضًا أن يروا برنامجاً، وأن يروا أشياء كثيرة، هذه الأشياء زحمت بالفعل، شرائط السينما، هذه الأشياء زحمت بالفعل، هذه حالة عارضة وحالة مرضية، أعترف بصدق أنها حالة مرضية، لكنني لا يمكن أن أتباكى، وأظل أبكي وأقول: إن الشعر الآن فقد جماهيريته، عليّ مرة أخرى أن أعيد إلى هذا الشعر حيويته وعافيته التي افتقدها في هذا الزمن الأسود.

    فيصل القاسم:

    طيب نوري الجراح، أنتم متهمون بتنفير الناس -إذا صح التعبير- من هذا الشعر وإبعادهم عنه بالطريقة التي تكتبون بها، وباللغة التي تكتبون بها، إلى ما هنالك..

    نوري الجراح:

    أنا لدي سؤال قبل أن أجيب عليك، هل زاحمت هذه الأشكال الفنية الأخرى غير الشعر؟ الرواية والقصة، والفنون التشكيلية والسينما زاحمت شكلا معينا في الشعر أم كل أشكاله؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا زاحمت كل الأشكال بشكل كبير جدا.

    نوري الجراح:

    نحن نأتي إلى الجواب عفوا. أنا فى ظني أن الشعر العربي لم يكن باهرا، ولم يكن مهما، ولم يكن قريبا من ذاته كما هو اليوم، الشعر اليوم هو أقرب من اسمه، الشعر حالة فردية، الشعر كلام يكتبه شاعر يتخيله شاعر، الشعر هو عدو المؤسسة، عدو التمأسس أيضاً، عدو الثبات، عدو التوقف عند برهة فى الزمن أو فى الشكل أو فى المعطى.

    من هنا أقول: إن الشعر الحديث اليوم شعر متين جديد بريء قوي، بعيد عن السلطة، وكما قلت الشعراء الآن منفيين في كل مكان، في كل صقع، يعنى يهيمون على وجوههم، ولكن لأسباب أخرى غير الأسباب التي فيها آية الشعراء سورة الشعراء الآن الشعر العربي في طبعته الجديدة هو شعر منفتح، شعر لا ينصاع لشكل واحد، شعر يتكشف عن أشكال عديدة مختلفة، مدرسة التجريد أنتجت إمكانات هائلة للشاعر، وقربته من نفسه كما قلت ليصبح أقدر على أن ينطق باسم ذاته، وليس باسم المؤسسة ولا القبيلة ولا السلطة، من هنا لو نأتي إلى فكرة علاقة الشاعر وهذا هو السبب بالقارئ.

    أنت ما أدراك أن القراء لا يقرؤون الشعر؟ هل لديك استفتاء واحد حتى يؤكد لي أن القراء لا يقرؤون الشعر؟ أنت لا تستطيع فى العالم العربي طولا وعرضا أن تجري استفتاء إلا بالعودة إلى وزارة الداخلية

    فيصل القاسم:

    أو المخابرات.

    نوري الجراح:

    أو المخابرات

    فيصل القاسم:

    وحتى إذا كان هذا الاستفتاء عن أسعار الفجل والخس والبطاطا، في معظم البلدان العربية.

    نوري الجراح:

    أنت لا تستطيع أن تقدم معلومات حقيقية عن الظاهرة القرائية إلا بالعودة إلى الناس.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    عظيم

    نوري الجراح:

    أنا فى رأيي أن هناك ليس قارئ واحد، هناك درجات من القراء مستويات من القراء، مائة سنة من التعليم والمدارس والجامعات وإلى آخره، على الرغم أن المناهج التربوية ضد الشعر الحديث إلى اليوم، تتقنع أحيانا بأن تفسح لهم بعض المجالات، لكنها مؤسسة أكاديمية رجعية فى الدرجة الأولى ما خلا بعض المناطق، مضادة للحديث عمقا وحقيقة.

    ثالثا أنها لم تقدم إمكان تعامل مع هذا الشعر على المستوى الاجتماعي للإنسان الذي يعانى من طواحين، يعني الإنسان العربي تحت طواحين القمع الفقر التخلف، فى أمتنا العربية 65 مليون أمي كلامنا عن القراء…

    [موجز الأخبار]

    فيصل القاسم:

    دكتور، أنت تود أن ترد على نوري، قال كلاما مهما: إن الشعر لم يكن مهما كما هو اليوم.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    هذه فى الحقيقة مغالطة، ومن الأعاجيب التي أعجب كيف نطق بها الأستاذ نوري، وهو ينتسب إلى هذه الأمة، متجاهلا شعراء كثيرين، 16 قرنا، كل شاعر منهم عبر عن ذاته، وعن بيئته، وعن حياته، وعن ثقافة هذه الأمة، بصرف النظر…حتى حين يرفع قصيدته للأمير أو الحاكم، لو كانت القصيدة تهم الأمير أو الحاكم فقط ما بذل فيها درهما، لأنه يقوم الشاعر في ذلك الوقت بوظيفة وزير الإعلام، وزارة الإعلام والثقافة مجتمعة.

    شيء آخر، الشعر، الشعراء المنفيون ليس الشعراء فقط هم المنفيين، شعراء كثيرين، وكتاب منفيين، وليست المسألة قاصرة على الشعراء فقط، ربما تكون مسألة نفي الشعراء هذه محض ومثار تجربة إبداعية أخرى تكون مثيرة وغنية فى نفس الوقت.

    مسألة الاستفتاء هذه، صحيح الأستاذ معه بعض الحق فيها، لكننا نشاهدها عيانا، المجلات، ما الذي يطبع منها؟ أحيانًا يطبع بالآلاف، ولكنها تعود دون أن يباع منها شيء، الندوات، يسمع بعضهم بعضا، وأنا أحضر ندوات من 30 سنة، كان الناس لا يجدون مكانا، وكنت في (ليما) قريبا في (بيرو) الناس هناك يحضرون وقوفا وجلوسا على الأرض ليستمعوا الشعر، لأنه بالفعل شعر.

    فيصل القاسم:

    طيب لكن دكتور..

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    فاضل [تبقى] كلمة واحدة، الشعر الجديد الذي ينادي به الأستاذ نوري وأتباعه هو الذي أسهم أيضا في انصراف الناس عن الشعر.

    فيصل القاسم:

    طيب لكن هناك من يقول لا يمكن قياس شعبية الشعر بعدد الذين يأتون إلى الأمسيات والمهرجانات، فهؤلاء لا يشكلون إلا مظهرا احتفاليا بسيطا، لماذا نحن نقيس…

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    أنا أرى فيها نوع من الاختبار فقط، حين نقرأ الشعر، وطبعاً الشعر ليس مطلوبا منه أن يكون بين يدي الناس جميعاً، ليس كل شاعر قارئ يستطيع أن يقرأ الشعر كما يقرأ القصة، أو كما يقرأ الصور المتحركة.

    فيصل القاسم:

    أنا أريد أن أسأل فى الاتجاه الآخر، أنت تقول إنه المهرجانات ليست المقياس لقياس -إذا صح التعبير- شعبية الشعر، طيب أنا أريد أن أقول لك إن أمسية لمظفر النواب فى أي قطر عربي كفيلة بأن يحتشد لها من الجمهور ما لا يحتشد لمائة شاعر من جماعة الحداثة، وما بعدها الذي لا تجتمع لأحدهم سوى حفنة من العاطلين عن العمل. صحيح أو لا؟

    نوري الجراح:

    هذا جانب من الموضوع، حقيقة أنا أريد أن أرد على الأستاذ، وعليك أيضا، على مستويين، المستوى الأول حول المفهوم، وما غيروه ليس فى الشعر، وإنما فى أيضا في مفهوم القارئ، وأيضا حول مسألة الشاعر الجماهيري شاعر المنبر جمهور شاعر المنبر متنوع، هناك مستمع لشعره أو قارئ له لجانب منه للقول، للـmassage للرسائل المحمولة فى هذا الشعر، لاحتفالية الحضور الشعري، نحن نعرف نزار مثلا أنت أتيت بمثال لنوّاب، وهذا صحيح، وجمهوره سياسي، أغلبه بالضرورة يعني..

    فيصل القاسم:

    سياسي وغير سياسي.

    نوري الجراح:

    وغير سياسي، ولكن يغلب عليه السياسي، نزار قباني، نزار قباني عندما ذهب إلى تونس أو المغرب..

    فيصل القاسم:

    إلى تونس.

    نوري الجراح:

    خرج له ما لم يخرج لزعماء عرب، وللزعيم التونسي نفسه.

    فيصل القاسم:

    قل لي من هو الشاعر العربي الحديث الذي يخرج له اثنان أو ثلاثة الآن؟

    نوري الجراح:

    يا سيدي نزار قباني هو شاعر عربي حديث، نزار قباني يكتب قصيدة النثر، ويكتب قصيدة التفعيلة ويكتب …

    فيصل القاسم:

    أعتقد أن هناك الكثير من التجني على نزار قباني فى هذا الكلام، أنا أريد أن أسأل، لماذا لا تحذون حذو نزار قباني؟ اللغة التي استخدمها نزار يمكن أن تصل إلى الجميع، أنتم تكتبون (خزعبلات) وطلاسم وأحاجي.

    نوري الجراح:

    هذا كلام غير مسؤول.

    فيصل القاسم:

    لا، هذا كلام مسؤول (أريد أن أسأل سؤالاً) هل يستطيع أحد أن يحفظ بيت شعر واحد لشاعر حديث؟ الجميع يستطيع أن يردد أبيات نزار قباني، وأعطِ لنزار قباني عشر سنوات ومعظم قصائده سوف تتحول إلى أغاني، من غنى لكم؟

    نوري الجراح:

    نزار قباني يا سيدي هو أحد آباء الشعرية العربية الحديثة بامتياز، وما كتب من شعر نزار، والجميع يعلم هذا، ونزار مر بمراحل عديدة بقصيدة العمود إلى قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر، ولكن يعتد بشعره الحر.

    نزار قباني يشكل حالة استثنائية في الشعر العربي، وهو جسر ربط، يعني ليس هناك شاعر في القرن العشرين كله مكانة نزار قباني للاعتبارات التي.. أنزل القصيدة إلى مستوى جمالي، أنزلها إلى الناس، وجعلها تحلق أيضا، يعني جاء بلغة بسيطة، لغة فكهة، لغة ذات طلاوة.

    فيصل القاسم:

    وحدث بموضوعاته الباهرة المضادة منذ "خبز وحشيش وقمر" وحتى (أبو جهل)، وصولاً إلى (المهرولون) قصيدته، لأنه كان شاعر عصره، واستعمل الشعر في القول، فابتعد عن الشعر الصافي، واقترب من الناس تارة، وتارة ذهب في ذاته أعمق فابتعد عن الناس، نزار قباني هو هذا الجسر الكبير الحديث، لا تستطيع أن تقول عنه إنه غير هذا، أما عن الشعراء الجدد الآن، حتى هؤلاء الشعراء مفهوم الشعر بالنسبة لهم لا يستبعد القارئ، ولكن يعتبره قارئاً، وليس مستمعًا لأن مفهوم الإيقاع، مفهوم الوزن، مفهوم الموسيقى، مفهوم الشعرية تغير.

    فيصل القاسم:

    سنأتي على مفهوم الوزن والإيقاع، طيب دكتور في هذا الاتجاه، دقيقة، نحن نتهم الشعراء الحداثويين بأن لا أحد يستطيع أن يحفظ لهم أشعارهم، السؤال المطروح: هناك من يقول إن الناس لا تحفظ الأشعار إلا إذا كانت مفروضة عليها، ونحن حفظنا القصائد، لأنها كانت مفروضة علينا في المدارس، في المحفوظات، وتحولت العملية كلها إلى..

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    هذا غير صحيح.

    فيصل القاسم:

    طيب هذا من جانب، دقيقه، سؤال آخر، المشكلة ليست في الشعراء، لماذا نحمل الشعراء الجدد كل هذه الخطايا؟ المسألة في الوجه التربي، فلأن الشعر كما يقول البعض لا يلقى ما يستحقه في مؤسساتنا التعليمية، فلهذا السبب هناك هذا النوع من الشعر..

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    الشعر الجديد هذا.

    فيصل القاسم:

    الشعر بشكل عام.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا الشعر بشكل عام له أيضا منهجه، وله نصيبه، وأنا متابع لهذه المسألة أيضا على الأقل في مناهج وزارة التربية في مصر، لكن القضية هي أننا حين نختار شعرا حرا لا يفهمه حتى الموجهون، الموجهون الذين هم في الأصل متخرجون من أقسام اللغة العربية، طلبوا بالفعل من الوزير أن يأتي الشعراء الذين اختير لهم شعر للثانوية العامة، ولم يستطيعوا أن يفهموا شيئا.

    فيصل القاسم:

    طيب أنت قلت لي قبل قليل أنه صار لك 30 عامًا في هذا المجال، ولا تستطيع أن تفهم قصيدة واحدة لأدونيس؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    إطلاقاً، انتظر من فضلك، فيما يتصل بنزار قباني هنا، نزار قباني حين يحتشد حوله الناس إنما يحتشدون لشخصه أولا، ولطبيعة موضوعاته ثانيا، ولأنه أيضا شعره قريب من الخطبة.

    نوري الجراح:

    ممتاز ممتاز

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    انتظر ما أنا لسه هأقول لك حاجة تانية أكثر الشعر الآن أنتم تقولون جميعًا إن الشعر يقرأ ولا ينشد.

    نوري الجراح:

    يقرأ وينشد.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    عظيم، الشعر حين يقرأ الآن، وأنا حين أقرؤه بصمت، إنما أتلبس حالة الإنشاد وأنا أقرؤه، فليست المسألة أنني .. ولذلك أفرق حتى في الشعر الأوربي، وأنا أقرأ الشعر الأوروبي الأسباني بالذات، أقرؤه، وأدرك أنني أقرأ كلاما مخالفا للكلام النثري.

    نوري الجراح:

    الشعر يقرأ وينشد، وسيظل ينشد هذه حقيقة كبرى.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    يبقى المسألة مش مسألة القراءة ولا القارئ، القارئ أيضًا سيظل ينشد، وسوف يحتاج إلى الإنشاد، لأن الشعر يأتي من الأذن ويتسلل إلى القلب، هذا شيء طبيعي جدا، كذلك الموسيقى، وهو حين يأتي بالموسيقي في الشعر، إنما يسترد منها ما سلبته منه أولا، الكلمات العربية كلمات موسيقية في الأصل، وحين نقول موسيقية في الأصل معناها أنها كل كلمة لها وزن.

    نوري الجراح:

    لها وزن، وليس لها موقع مقرر سلفا، هذا ما نقوله نحن.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا ما هو مش مسألة مقرر سلفا كيف؟ حين أقول مثلا فعولن مفاعيلن وسأعود إليها فيما بعد، لكن أسبقها بقليل فقط أنا لا أقول فعولن مفاعيلن إنما أملؤها بكلام آخر هو الذي ينفي هذا الرتوب الذي تتصور أنه موجود في فعولن مفاعيلن

    وما العشق إلا غرة وطماعة

    يعرض قلبٌ نفسه فيصاب

    كما يقول المتنبي

    [فاصل إعلاني]

    فيصل القاسم:

    نوري الجراح، سمعت ما قال أنا أعود إلى البديهيات قلنا إن الدكتور له ستة دواوين شعر، وعشرة كتب نقدية، وصار له أكثر من ثلاثين عاما في هذا المجال، يقول لك باختصار إنه لا يستطيع أن يفهم أدونيس.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    وغير أدونيس.

    فيصل القاسم:

    وأنا لا أستطيع أن أفهم أدونيس، وأفهم نوري الجراح عندما يكتب لي ديوانا بعنوان "مجاراة الصوت"

    نزلت من (الباص) وأخذت اللفة اليمين، وبعدين طلعت بره.

    نوري الجراح:

    هو يا سيدي المشكلة أنا أعود بها إلى المفهوم، أخطر ما يجب أن يبحث في مسألة الشعرية، وفهم الشعرية هو المفهوم، لقد تبدل المفهوم، نحن نناقش الشعر الجديد بعيون قديمة، بعقل قديم، برؤى متأخرة، برؤى سابقة، متأخرة بمعنى زمني، برؤى سلفت، يا أخي حتى عندما نزل القرآن الكريم قالت العرب هذا شعر.. ماذا يعني؟

    مع اعتراضنا على الموضوع يعني أن العرب استطاعت أن ترى فيما ليس موزوناً، ومقفى شعرا.

    فيصل القاسم:

    أنا أريد رد سريع على هذا الكلام.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    هذا الشعر هو الروح الشعرية، المفهوم هو معناه أنه منظم لحركة الفكر، المفهوم مصطلح (term) هذا الـ(term) أين هو فقط؟

    فيصل القاسم:

    قال لك نحن ننظر إلى الشعر الحديث بعيون قديمة، وبأفكار قديمة.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    إطلاقا، إطلاقا أنا حين أنظر بهذه العيون، لا أدعي -لا تؤاخذني في هذا الحديث- أنا لست متحجرا، ولا أعرف غير اللغة العربية فقط.

    نوري الجراح:

    لم يتهمك أحد بالتحجر يا سيدي، قلت لا أفهم أدونيس

    أنا لست مسؤولا عن أدونيس.

    فيصل القاسم:

    ولا أفهم، ولا أفهم بقية الشعراء.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لماذا نذهب بعيدا؟ يقول مكان ولادتي 1930 (بالحروف) الشمس قدم طفل عرفت أقل من امرأة، لأنني تزوجت بأكثر من امرأة، عرفت أقل من رجل، لأنني تزوجت بأكثر من رجل، أعلن أو أعلن الله أعلم الزواج غبار، لكن (وحدها وفقط) مثل يرقة تتحول إلى فراشة هكذا يتحول غبار الزواج إلى زهرة من العشق 1933 نبتة تشعل قنديلاً.. إلى آخر هذا الكلام!!

    نوري الجراح:

    بصرف النظر عمن كتب هذا الشعر (عبد الحليم)

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    أنا ما قلتلكش [ما قلت لك] اسم.

    فيصل القاسم:

    هذا نموذج ممتاز يعنى أنت تعرف ستة ناقص تسعة حاصل الأمر ثلاثة، قلت ما الأمر قالوا إنه زمن الحداثة يعنى أنتم بتلفوا، وبتدوروا.

    نوري الجراح:

    تحدثني ولا أفهم عليها كأن كلامها شعر حديث.

    اصطياد الأمثلة من سقطات الشعراء هذا منهج دأب عليه كل من يخالف الآخر، يعني يصطاد سقطاته، الشعر العربي الحديث قالب من الشعر، ليس هذا المقطع، ولا تلك العبارة، الذي تغير مرة أخرى هو المفهوم، أنا عندما صدرت تلك الجملة (القصيدة) يا سيدي، وهى مجلة لكل جديد، لكل ثقافة، كان بيان المجلة عنوانه (الشعر الجيد جديد دائما)، وقلت إن امرؤ القيس مادام يقرأ في مساءات 1999 م في هذه الأيام الأخيرة من القرن، فهو حداثي، فهو جديد، فهو انتزع حقه من الوجود بقدرته. الشعر الحديث وسع وسع من مفهوم الشعر بممارسته، ونحن نناقش الآن ممارسته بمفاهيم ثابتة.

    فيصل القاسم:

    طيب وأنا تأكيدا لهذا، هناك من يقول إنه الأولى أن يكون القارئ أو الباحث في الشعر أو الناقد مطالبا بالسعي إلى الشعر، وإن صورة القارئ البليد الذي ينتظر الشعر من دون استعداد له، وينتظر منه أن يهزه، أو يؤثر به هي الصورة التي باتت شائعة عندنا، أو بالأحرى في أذهان الكثيرين منا، وهذا الوضع هو الذي يجعل مهمة الشاعر وخاصة الحديث صعبة بل مستحيلة في مخاطبة قراء أو متلقين قادرين على التفاعل معه، ومع شعره.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    ده مهمة صعبة ومستحيلة حتى بالنسبة للأدب القديم وللشعر القديم، هذا لا مكان له لا في قراءة، و لا في حياة، و لا في أي شيء، أنا حين أقول القارئ إنما أعني القارئ المثقف الذي يستطيع أن يدرك مرامي الكلام، و إذا قال الأستاذ نوري إننا نتصيد بعض الأشياء، فنحن لا نتصيد، أنا عندي كل المجموعات التي تخطر في بالك وتأتي إليَّ طواعية أو شراء، هذه الأشياء كلها لا أقول فقط إنني أتصيد الأخطاء، ولا أتصيد نماذج رديئة، لكن أشياء كثيرة جدا تثير الغثيان.

    نوري الجراح:

    يا أخي هذا منهج كبير.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    المنهج علينا أن نتفق على المنهج يا صديقي، لا يمكن أن نقول كلاماً في فراغ، لا يمكن أن نقول الإيقاع، مش عارف إيه إنما أقول لك حاجة ما رأيك في محمد الماغوط؟ ماذا يقول؟

    نوري الجراح:

    محمد الماغوط شاعر كبير.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    عظيم يقول "تحاول قلة من الرداحين الفتيان المستحيلة لتحطيم السفينة على الصخور، أو إغراقها فور نزولها مياه البحر لأسباب عديدة، أقلها الحقد على كل ما يمت إلى هذه البلاد وتاريخها المشرف بالظل، يشاركهم جمهور كبير من المتفرجين، ووضع اليد تحت الذقن من أدبائنا الكبار، يقف (يوسف الخال) في مؤتمر بروما يقول: جئتكم من بلاد الرمل تزكم أنفي رائحة الإبل والصحراء، قارن هذه الكلمة يا صديقي لحظة واحدة بما قاله المعتمد بن عباد في الأندلس حين قال له ابنه: هادن ملوك قشتالة، فقال: رعي الإبل في المغرب، ولا رعي الخنازير في قشتالة.

    فيصل القاسم:

    في الاتجاه الآخر يعني هناك من يقول عندما نقرأ هذا الركام الهائل من الشعر في الصحف والمجلات، وحتى في الكثير من الدواوين الشعرية نجد أن القصيدة الحداثية لا تترسخ في الذاكرة، نعود إلى هذا، فهي مثل (ساندويش) تكاد تشبه بعضها البعض، تماما مثل المطربين الشباب، كما قال عنهم الموسيقار عبد الوهاب، إنهم كاليابانيين يشبهون بعضهم بعضا، ومن الصعب التمييز بينهم، وسبب ذلك أن هذه القصيدة مطبوخة بسرعة، لتؤكل أيضا بسرعة، تراوح مكانها، وتلف، وتدور، ثم تنكفئ على نفسها من تلقاء نفسها، قصيدة ساندويشة يعني (القصيدة الحديثة) أو الشعر الحديث ساندويشة مقارنة بالولائم الفاخرة.. وإلى ما هنالك يعني توصيف بسيط.

    نوري الجراح:

    هناك مثل هذا الشعر موجود بالضرورة.

    فيصل القاسم:

    وهو نتاج كل الحدثيين، وأنت متهم منهم.

    نوري الجراح:

    هناك مثل هذا الشعر في كل زمان ومكان، وفي كل عصر وأوان، والآن، في عصر المتنبي كم بقي لنا من عصر المتنبي؟ كان هناك آلاف الشعراء كان هناك على الأقل خمسين طباخًا من مطبخ سيف الدولة يكتبون الشعر، هذا يقودنا إلى خلاصة الشعر طالما كان نخبويا..، نخبويا وأنا أصر على هذه النقطة، وما انتخب منه هو ما نخله الزمن، وما نخله كبار النقاد النزيهين في عصور مختلفة، نعود إلى نقطة أنت تكلمت عن مسألة الزمن، الشعر العربي شهد عصور ازدهار وعصور انحطاط، عندما قلت أنا أن الشعر ليس كما هو، أي لم يكن باهرا كما هو الآن، أنا أقيسه على الفجوة التي أحدثتها عصور الانحطاط عندما شغل الشعراء بقراءة القصيدة من فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق، ومن اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار، وهذه التجريبيات والألاعيب نشطت، وأنت تعرف عنها الكثير.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    وما رأيك الآن فيما يحدث، الآن من عودة إلى عصور الانحطاط هذه، ودواوين كبيرة لأسماء كبيرة.

    نوري الجراح:

    هناك شيء منه.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    وبعدين حين كنا نعود إلى هناك، كنا نحتكم أيضاً إلى مفهوم وإلى قاعدة، إلى أي شيء أحتكم الآن؟

    فيصل القاسم:

    دقيقة واحدة ناخد بعض الـ...، (عبد الفتاح الحايك) من السعودية. تفضل يا سيدي.

    عبد الفتاح الحايك

    السلام عليكم، مساكم الله بالخير، سيدي أنا تعليقاتي بسيطة جدًّا، أولاً: أنا شايف أن أكثر الإخوان ما بيحبوا الشعر الحديث، بيكرهوا كلمة شعر، فممكن نسميه أو يتفق الشعراء على أي اسم قصيدة حرة نثر، إلى آخره، حتى نخلص من هذه المشكلة، الشيء الثاني: أن هناك شعراء كبار وشعراءً تافهين في الشعر الحديث، كما في الشعر العمودي، خد مثلاً (شوقي) في قصائده التي يصف فيها باريس أو الطائرة، وكأنه في بادية الحقيقة، ثم نحن في مدارسنا ننتقي من الشعر العمودي قليلا جدا من الكم الهائل لأننا نخاف على أخلاق أولادنا، فلماذا لا نعتبر الشعراء العموديين السخفاء متآمرين أيضا؟ ثم الشعر القديم بصراحة يحتاج إلى قاموس الآن، يعني أنا لما أعطي ابني قصيدة، ويسألني عن 50 كلمة، الشيء الأخير أن الشعراء الكبار القدماء يكتبون 10 أبيات لوصف ذيل بعير أو ذيل حصان، فهذا ليس شعرا، أنا أقول كلمة وحيدة أنا أقول: اتركوا الناس يكتبون يا أخي ما يشاءون لعل هذه الكتابات تولد فنا جديدا أو علما جديداً إلى آخره، وشكرا.

    فيصل القاسم:

    شكراً جزيلاً.

    الشاعر (خالد أبو خالد) من دمشق تفضل يا سيدي.

    خالد أبو خالد:

    يا أستاذ فيصل مساء الخير، سَلِّم على الأساتذة الموجودين عندك على المنصة، عندي مداخلة بسيطة بقول إن فيه عوامل خربت على الشعر من هذه العوامل تزييف الحداثة، كنا نذكر أنه في الستينات كان هناك حالة استقطاب ما بين مجلتي "الآداب" ومجلة "شعر" في مجلة الآداب كان هناك اتجاه قومي يدعو إلى الالتزام بقضايا الوطن والأمة إلى آخر ما هنالك، وكان في مجلة "شعر" دعوة إلى فصل الأدب عن السياسة، وتحديدا فصل الشعر عن السياسة، هذا قاد إلى نوع من الاستقطاب حتى أن بعض شعراء مجلة "الأدب" انتقلوا إلى مجلة "شعر" وحدث العكس عندما حدثت فضيحة، ما هي الفضيحة التي حدثت؟ الفضيحة التي حدثت أن مجلة "شعر" كما يُكتب الآن، حتى وكما يوثق تليفزيونيا كانت تتلقى معونات من منظمة حرية الثقافة، المنظمة التابعة لوكالة المخابرات المركزية CIA ومش بس هذه المجلة أيضا في جميع أنحاء العالم، كان هناك مؤسسات ثقافية منها مجلة انكونتر أيضا كانت تتلقى هذه المعونة، ماذا فعل جماعة مجلة "شعر" لقد قدموا لنا إصدارات هامة جدا لكثير من الشعراء، وقدموا أيضا طعما للشعراء الذين يحاولون أن يكونوا شعراء عالميين، وعمموا نوع من الكتابة التافهة غير المنطقية، وغير المعقولة، وغير الشعرية، بحيث أنهم شجعوا ذلك.

    وإذا أردنا العودة إلى تلك السنوات نكتشف أن الشاعر (أحمد عبد المعطي حجازي) هو أول واحد تحدث حول هذا الموضوع، وقدم حتى صورة الشك في زمن الستينات أظن قبل منتصف الستينات أو حولها، عندما أغلقت مجلة "شعر" أبوابها، جاء الشاعر (يوسف الخال) وهو شاعر جيد، جاء إلى الكويت، ليجمع تبرعات واشتراكات من أجل إعادة فتح المجلة، كنت أنا أيامها في إذاعة الكويت، وقررت إني أقيم ندوة على يوسف الخال بالاشتراك مع السيدة (سلمى الخضراء الجيوسى) الشاعرة والتي كانت تتعاطف مع جماعة مجلة شعر وتدافع عنهم، وهى الآن موجودة في عمان، ويمكنكم الاتصال بها، وكان أيضا (ناجي علوش) وأقمنا ندوة على 3 حلقات في 3 أسابيع، سألت الأستاذ يوسف الخال في آخر هذه الحلقات يا أستاذ يوسف هل تلقيتم معونة من منظمة حرية الثقافة فعلا؟ فأجاب: نعم، قلت: ألم تكن تعرف أن هذه المنظمة تابعة للمخابرات المركزية؟ قال نحن لم نكن نعرف، قلت إذا كان العبد الفقير لله أنا أعرف أن هذه المنظمة تابعة للمخابرات المركزية، فكيف لا تعرف أنت وأنت تتلقى المعونة؟ السؤال هو: هناك محاولة لتزييف الحداثة، وقد زيف هؤلاء الناس الحداثة، من هنا ضاع القارئ العربي بين الشعر الجيد والشعر الرديء، أو النصوص الرديئة التي تحدث عنها الدكتور عبد الحليم، هذه النصوص الرديئة خدمت ماذا؟

    أنتجت لدينا نوع من النصوص، طبعا هناك عوامل عديدة أيضا خربت الشعر، منها موضوع المؤسسات، أن مؤسسة يمكن أن تعتم على شاعر، ومؤسسة يمكن أن تلمع شاعر هؤلاء الناس

    فيصل القاسم:

    شللية

    خالد أبو خالد:

    أرادوا أن يقدموا أنفسهم كشعراء كونيين، حتى أن أعداد مجلة "شعر" حافلة بالقول، أنت الآن إلى جانب زميلك الشاعر الفلاني من فرنسا، أو من إسبانيا، أو من أميركا، أو من لندن، إلى آخره، وستصبح شاعرا عالميا غدا، أنا شهدت موت بدر شاكر السياب الذي جروه إلى مجلة شعر في الكويت، قال لي بدر شاكر السياب شخصيا: "لقد جرنى هؤلاء، وقالوا لي سنطبع ديوانك "أنشودة المطر"، وقد طبعوا ديواني، وها أنا مريض، ولم يبعثوا لي بقرش واحد، هؤلاء الناس كانوا يتصيدون الشعراء الجيدين من أجل أن يقدموا واجهة لاتجاههم.

    فيصل القاسم:

    شكرا جزيلا، أبو خالد، كلام خطير جدا، ومهم جدا، كيف ترد على هذا الآن؟

    نوري الجراح:

    أنا لا أرد، هذا الكلام معروف، منشور هذا الكلام منذ سنوات طويلة.

    فيصل القاسم:

    كيف ترد عليه الآن.

    نوري الجراح:

    نقلب الآراء.

    فيصل القاسم:

    الكثيرون لم يسمعوا به بالمناسبة، وخاصة من المشاهدين.

    نوري الجراح:

    نعيد الكلام فيه، هو شرح ظروفها بس مسألة مجلة "شعر" و"انكونتر" التي استيفن اسبندر كان طبعها، وحوار مع (توفيق صايغ) وهو حوار في الأساس اللي انكشف أنهم كانوا يتقاضون، وأغلقها ببيان، والبيان موجود عندي، وسأنشره في (القصيدة) لاحقا، هذا موضوع إله [له] علاقة بتاريخ مجلة "شعر" والذي يجب أن يرد على هذا الكلام هو أدونيس وتوفيق صايغ -الله يرحمه-.

    فيصل القاسم:

    لكن أدونيس وجماعته هم الذين يسيطرون على الساحة الحداثوية الآن.

    نوري الجراح:

    من جماعته؟

    فيصل القاسم:

    الكثيرون من جماعته

    نوري الجراح:

    لحظة يا صديقي، بدلاً من أن نقول جماعته، كل شاعر كبير له يعني مريدين، أدونيس يجب أن يرد على هذا الكلام، أما نحن من يسمون جيل الموجة الثانية من شعراء قصيدة النثر، والقصيدة الحرة بأطوارها الجديدة، نحن لسنا مسؤولين عن هذا التاريخ، نحن أبناء القرآن نثرا أبناء (النفّري) أبناء (البسطامي) أبناء.. كل النثر القصصي، والنثر الشعري والنثر الجمالي، وأبناء الشعرية العربية قديمة وحديثة ووسيطة، وحتى بالمماحكات في عصر الانحطاط التي كنا نتكلم عنها في التجريبية، هذا الموضوع يسأل فيه من كان فيه، أما هم.. بدر شاكر السياب كان يتقاضى أموالاً من يوسف الخال ومن أدونيس، وهناك رسائل أنا نشرتها وعلقت عليها، وبشيء من السخرية أيضا حول وضع هذا الشاعر كان يترجم كتب لمؤسسة فرانكلين، وهي المؤسسة النشرية التي كانت ما بين القاهرة وبيروت وسيمون جارد وريمون جارد ويدفعوا مصاري، وتنشر كتابات لها علاقة بالثقافة الغربية الأمريكية.

    فيصل القاسم:

    طيب، دكتور

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    الحقيقة أنني أريد أن أرد على الأستاذ الأخ من السعودية فيما يتصل بالشعر القديم فيه رداءة، نعم، ورداءته أصعب على الشعر الحقيقي من قصيدة النثر، لأنها من الممكن أن تكون خادعة هي وزن وقافية فقط، ونظم فقط، ولا قيمة لها، الأستاذ يقول إنه ابنه يحتاج إلى قاموس، وإلى معجم، كل شعراء في الدنيا يحتاجون إلى قاموس، وحتى الشعر المعاصر الآن يحتاج إلى قاموس.

    فيصل القاسم:

    بقاموس وبدون قاموس لا يفهم على أي حال

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    ده فيه هناك قراءة في أوروبا هي قراءة القواميس، وليس فقط الكشف عن معنى الكلمة، الأستاذ أيضًا يقول لنا: أنتم تحجرون على الشعراء، دعهم يكتبون كما يشاؤون فلأقل له أيضًا: دعنا نقل ما نشاء أيضًا في هذه الحلقة.

    فيصل القاسم:

    لكن هو معه حق أن يقول يكفي أن يكون هناك بضعة شعراء جيدين ليكون الشعر بخير، هذا الكلام لسميح القاسم قبله، فالعبرة بالكيف وليس بالكم فليكتبوا.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    فليكتبوا، نحن لا نملك المصادرة، لكن نملك الحكم، نملك الحكم على الأشياء والتفسير للأشياء.

    فيصل القاسم:

    دقيقة، حول طبيعة الشعر، أبو خالد ذكر، ميز بين النهجين الذين الآداب والشعر، ما العيب أن نسمع أدونيس يقول مثلا إنه الشعر في وعي معظم شعرائنا لا يزال ربابة وطنبورا من أجل إطراب الشعب، وتمجيد الوطن، شاعر آخر يقول هناك تراجع فقط إذا تحدثنا عن تراجع في الشعر هناك تراجع فقط في العلاقة القديمة بين الشعر وجمهور التصفيق والقراءة الأيدلوجية للقصيدة في المقرات الحزبية ومدرجات الجامعة.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا ده كلام فارغ، هذا ليس شعرا، دي منشورات، هذه منشورات، الأيدلوجيات دي منشورات، لكن حين يكون الشعر، قلت لي حضرتك على حاجة عن أدونيس في الأول ماذا اذكرها.

    فيصل القاسم:

    أنه يعتقد ..

    عبداللطيف عبد الحليم:

    الربابة، والكلام من هذا النوع، لا أجد خذلانا أشد من خذلان إنسان يريد أن يجعل شعرنا كالشعر الآخر.

    نحن أمة تطرب وتنغم، فما المانع في هذا لكي يكون شعرنا زي الشعر الإنجليزي والأوروبيين، لا. لا نريد أن يكون شعرنا مثل هذا الشعر؟ ولا هم يريدون أيضًا بالتبعية أن يكون شعرهم مثل شعرنا.

    شعرنا حين كان في عصر حقيقي أثر في جيل 27 الإسباني ومنهم (لوركا) وغيره لأن ترجمة (جارسيا جومس) للشعر الأندلسي، وهو شعر إنساني من الطراز الأول، أثر في هؤلاء الشعراء جميعا، فإذن شعرنا بخير حين كنا نحتكم إلى مفهوم، وحين كنا نحتكم إلى قاعدة، أما حين تختلط هذه الأشياء فأنا لا أستطيع أن أقول إن عندنا شعر

    فيصل القاسم:

    سؤال في نفس الموضوع: طبيعة الشعر، أنت تحدثت عن نوع جديد، مفهوم جديد من الشعر إلى ما هنالك يا أخي السؤال المطروح لنعرِّف الشعر، أليس الشعر وسيلة اتصال بين الشاعر والناس؟ ببساطة حتى بالإنجليزية يقولون means of communication هذه الوسيلة انقطعت تماما، أنا أريد أن أسال، الإنسان العربي.. أنتم تهربون إلى عوالم بعيدة تماما عن الواقع، الإنسان العربي يا أخي ما زال مهموما بقضايا ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية.. إلى ما هنالك من هذا الكلام، وهو بحاجة لشاعر أن يعبر له عن همومه وإخفاقاته، وخيبته، أنتم تهربون في طريق مختلف تماما. وهذا هو السؤال يعني.

    نوري الجراح:

    نحن هنا نحن ندور حول المشكلة في رأيي ضعف الأخذ بالاختلاف، وضعف فكرة التنوع، والإقرار بها هو اللي يخلينا نقف، بدنا نفتش عن مفهوم واحد للشعر، يا أخي الواحدية انكسرت منذ زمن بعيد، نحن آخر شخص مثلا بالسياسة كان يمكن الإجماع عليه هو عبد الناصر رحمه الله.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    ولم يجمع عليه الناس أيضا، دي الناس لم تجمع على من خلقها، وكفروا به.

    نوري الجراح:

    أتكلم عن إجماع نسبي، هل هناك زعيم عربي اليوم يمكن أن يلقى الإجماع الذي لاقاه عبد الناصر عربيا، نحن نتكلم هنا أنا أعطيك مثال، انكسار الواحدية، انكسار المفهوم الواحد للأشياء، وولادة عصر التنوع عصر كل يوم نفاجأ بجديد، أتى بالكثير على كل صعيد، هناك اليوم حساسيات عديدة، هذا الشعر الذي تتكلم عليه له وجوه شعر غنائي، شعر قصصي، شعر نثري، شعر تفعيلة، شعر عمودي، لكل شعر ما دام له متذوق وقارئ ومحب له الحق في الوجود، الشاعر لا يستطيع إلا أن يحب كل أشكال الشعر، وإلا ليس بشاعر.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا، لا من فضلك الشاعر له أن يحكم أيضًا.

    نوري الجراح:

    ينتمي

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    ينتمي ويقرأ فقط، ويقيم، ويقيم، ويقيم، ويرفض أيضًا.

    نوري الجراح:

    ولكن لا يستطيع أن يلغي؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    أنا لا أملك الإلغاء يا أستاذ، لأنني لست سلطة تنفيذية

    نوري الجراح:

    تطالب السلطة التنفيذية كما طالب البعض.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لم يحدث هذا على الإطلاق

    نوري الجراح:

    في العراق يا سيدي (أحمد حسن البكر) رئيس الدولة العراقية الراحل منع الشعر الحديث بالسبعينات بقرار، ومع ذلك ظل الشعراء الحديثون يكتبون الشعر. واضطروا إلى العودة إلى

    فيصل القاسم:

    هذا يقودنا إلى موضوع سنأتي عليه بلا شك فيما بعد، لكن الموضوع هناك محاربة وإرهاب واضح في الصفحات الأدبية والثقافية في المجلات العربية لكل شعر غير حديث، أو شعر غير تقليدي، هل تعتبر أن هناك إرهاب؟

    نوري الجراح:

    هناك تناقض مرير وصراعات وهذا دائما طالما كان يعني (العقاد) -أستاذك يا سيدي- جاء بديوان ذلك الشاعر المسكين (فوزي العنتيل) هو شاعر رومانسي وشاعر ظريف، وأخذ ديوانه، ورماه على لجنة النثر، وقال: هذا ليس بشعر. هذا عمل إحصائي.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    ليس فوزي العنتيل.

    نوري الجراح:

    لا، فوزي العنتيل

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    أحد الشعراء.

    فيصل القاسم:

    هذا عمل إقصائي واستئصالي، دكتور كيف ترد على هذا؟ دقيقة، دقيقة، إذا كان الشعراء الحداثويون يرمونكم الآن بحجارة من خلال المقيلع والنقيفي أو المقيط، سمها ما شئت، فأنتم ترجمونهم بالمنجنيق، أو رجمتوهم بالمنجنيق.

    عبد اللطيف عبد الحليم (ضاحكًا):

    لا، حين يصنع الأستاذ العقاد مثل هذا لا يصنعه بوصفه الأستاذ العقاد، لكن يصنعه بوصفه رئيسًا للجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك، فهو يقابل لجنة، هناك لجنة أخرى، لكن هو..

    نوري الجراح:

    لكن ما بقي لنا منه أنه العقاد المفكر الأديب.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا، انتظرني لا من فضلك، وأنا عضو في بعض هذه اللجان، لا يمكن أن يكون رأي العقاد وحده في هذا، إن الديوان الذي يقدم إلى جائزة الدولة إنما يقدم إلى قراء ثلاثة على الأقل، ويقدمون هذه التقارير، ثم تحكم اللجنة مكتملة.

    نوري الجراح:

    قد اشترك الأديب مع الرقيب.

    فيصل القاسم:

    أنا أريد، يعني نقطة ذكرها نوري الجراح، ولا أريد أن أمر عليها دون التعليق حول تنوع الشعر، واستقلالية الشعر، هناك من يقول إن مهمة الشعر كديوان للعرب قد تفرق على القبائل، بمعنى أن الشعر القديم حينما كان ديوان العرب كان ينهض بمهام المؤسسات التربوية، والإعلامية، والدينية، والأخلاقية، والتاريخية، لكن نشوء المؤسسات في العصور الحديثة، ومنها المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية والسياسية أثر على الشعر بالطبع، ولم يبق للشعر سوى مهمته الأصلية.. الشعر نفسه، والآن يعيش الشعر كما يقول الكثيرون بصحة جيدة، بعد أن تخلص من المهام التي ليست من صلب ماهيته، ولا عيب إذن أن يتقلص جمهوره ونطاقه في ضوء هذا.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لم يحارب الشعر في العصر الحديث فقط، ولم يُزاحم في العصر الحديث فقط، بل زاحمه المقامة والرسالة والوصية والخطبة، إلى درجة أنهم قالوا إن النثر تقدم على الشعر في بعض العصور العباسية، ومع هذا ظل الشعر هو الشعر.

    الشعر هو جوهر الكلام في أي لغة، وخصوصًا في لغتنا العربية، فإذا تقلص دوره بعض الشيء فهذه -كما قلت في البداية- هذه علة مرضية ينبغي أن نبحث لها عن علاج، أما أن نستسلم لها، وأن نقول إننا نعيش الآن في تركة الرجل المريض، كما كانوا يقولون على تركيا، فنحن الآن في أزمة.

    فيصل القاسم:

    طيب دقيقة (أشرف السيد سالم) من السعودية تفضل يا سيد

    أشرف السيد سالم:

    تحية للحضور جميعًا.

    الحقيقة الأستاذ نوري كان قد ذكر بفخر، وزعم انتساب نزار قباني إلى المدرسة الحداثية، والحقيقة نزار قباني أديب كبير قد نتفق حوله أو نختلف، ولكننا نجمع على أمرين، شاعريته المتميزة، وكونه أحد رواد التجديد والتحرر بل والتمرد ولا يمكن اتهامه بحال بالرجعية أو الجمود أو الأصولية ورغم ذلك قال نزار قباني في مقابلة مع مجلة (العربي) عدد أبريل 92 لما سئل لماذا أنت ضد الشعر الحديث أجاب: "أنا ضد الفوضى وضد التخريب، وضد العدمية، فالشعر هو قبل كل شيء نظام وانضباط ومسؤولية، إنني أفتح قلبي لأي شعر جديد يقنعني بأنه شعر، ولكنني لا أستطيع أن أكون مع هذه الهيستريا اللغوية التي يسمونها الحداثة، الشعر نهر يغير أمواجه في كل لحظة، ولكنه يبقى نهرا، وأنا أرفض أي دعوة حداثة تطالب بإلغاء النهر، وشطبه من أطلس الجغرافيا، إن مدينة الشعر تتغير بطلاء جدرانها، وتوسيع ساحاتها، وإضاءة شوارعها، وتجميل حدائقها، أما استعمال البلدوزر لتحديث الشعر العربي فهو عمل إرهابي أرفضه رفضًا قاطعًا "هذه كلمات نزار قباني"، نقول أن لا يملك مثقف مستنير أن يصادر حق الآخر في أن يقول ما يشاء، فهذا شأنه، والساحة الثقافية هي الحكم، بل كل ما نرجوه ألا يفتئت مدعٍ على مصطلحات استقرت مدلولاتها في وجدان الأمة وتراثها الثقافي، فعليهم ألا يسموا الغثاء الحداثى شعرا، ثم فليقولوا تحت لوائه ما شاءوا تاركين الشعر لأربابه، وهذا موطن الخلاف بيننا وبين تلك (الثلة) بيننا كمدافعين عن العربية وعن الفصحى، وبين تلك (الثلة) من الكتاب والنقاد الذين يتبنون الأدب الحداثي، وتفتح لهم الصحافة صفحاتها، ليعرضوه لنا بل ليفرضوه علينا، ثم إن شكل قصيدة الشعر ليس مقدسًا، بل قابل للحوار والاختلاف مع مراعاة القواعد المستقرة التي تكسب الشعر مميزاته حتى يتميز عن النثر، ولكن ما نتكلم عنه ولا يقبل جدلاً فيه هو شاعرية الشعر ورسالته، وهناك أشكال جديدة أدخلها الشعراء على مر العصور كانت مقبولة لأنها حافظت على موسيقى الشعر، ولم تخرج عن الإطار العام لأهدافه الغنائية والملحمية، والأدب الحداثي وافد غربي غريب ليس له جذور في تربتنا العربية الإسلامية، ولولا الدعم الذي قدمته له جهات نقدية وإعلامية لأسباب أيدلوجية، وليست أدبية، لكان منقوضًا من ساحتنا الثقافية منذ زمن، وعلى أية حال فهو صائر إلى زوال في المستقبل القريب، فهو فكر عقيم، لم ينجب وسوف يفنى بفناء رموزه، وهذا أمر مشاهد الآن، فبعد أن أدرك أعداء العربية أن فرس الحداثة قد خسر الرهان فها هم يراهنون على فرس آخر هو الشعر العامي والشعبي، وها هم يفردون له الصفحات، ويخصون له المطبوعات، وينوون استحداث فضائية له، الأدب الحداثي مغرق في الظلم، مبحر في اليأس، متوغل في الغموض حريص على التفلت، كما أن قصيدة الشعر الحديث أشبه ما تكون بمستودع مخلفات، حيث تجد فيه سفنا جانحة، وزهورا ذابلة، وأثواباً ممزقة، وخيولا مسنة، وخليطا عجيبًا من الألفاظ والمشاعر المتناقضة. وهو كلام لا ينتفع به فهل سمعتم قصيدة من هذا النوع أصبحت نشيدا يتغنى به، أو بيتا منها صار مثلا يتداوله الناس، ويستشهد به الخطباء والمتحدثون.

    فيصل القاسم:

    الكثير من النقاط المهمة جدا سيد سالم، أشكرك جزيل الشكر عليها، تريد أن ترد باختصار على موضوع التغني، يعني مثلا قال: لا أحد يستطيع أن يغنى، انظر الفرق بين الحديث، وغير الحديث باختصار.

    نوري الجراح:

    باختصار شديد كلام الأخ مطروق كثيرا وهذه تهم استعرضها حتى حضرتك، لكن دائما كان هناك كثرة تكتب، وقلة تبدع، في كل الأزمنة، وفي كل العصور، هناك الآن تستطيع بجرافات أن تحمل ما يكتب، وترمى به، لكن أنت لا تستطيع أن تفعل كل هذا من دون حركة نقدية حقيقية، من دون علاقة مع الشعر، علاقة حب، علاقة تتيح فرصة حقيقية في القراءة، وعلاقة نقدية دقيقة.

    فيصل القاسم:

    لكن هو يتحدث عن ظاهرة.. يعنى أن لدي فاكس تقريبا في نفس الإطار من الشاعر (ضياء عبد الخالق ثروت) يقول: ببساطة شديدة إن كل ما يلاقيه الشعر العربي من طغيان وعدوان وحرب إبادة وتعذيب وتشويه ما هو إلا مجرد صورة من صور ما يعانيه -يعنى أسلم الموضوع- الإسلام ككل من طوفانه ظلم وجور ومجرد بطش وقمع في عالمنا الآن، لذلك فقد تعددت صور وأشكال ومحاولات تدمير الشعر العربي الأصيل، سواء بالمسميات الدخيلة، أو بالأشخاص الدخلاء الذين يجندهم المستعمر المادي الغربي، هذه نقطه يجب ألا....

    نوري الجراح:

    نحن نتفق مع الأخ أن هناك جور سياسي واجتماعي واقتصادي وإنساني على الإنسان العربي في الواقع.

    فيصل القاسم:

    هو يتحدث عن الجور على الشعر العربي.

    نوري الجراح:

    لا، هو يقول هذا الذي يحصل عمليا بالنسبة إلى الشعر أن هناك انكسار للواحدية، وتعدد في كل شيء في الكتابة وفي مفهومها في الإبداع وفي قراءته، يعنى نحن لا نستطيع أن نعمل استديو ثابت، ونعمل صورا نمطية مسبقة نحاكيها كل هذا الكلام يتطلب فحصا، يتطلب قراءة واعية، يتطلب حوارا، ونحن دائرة الحوار مقطوعة بمجتمعاتنا العربية.

    فيصل القاسم:

    دقيقة، سأعطيك المجال معنا (السيد عبد العزيز بابطين) صاحب الجائزة الشهيرة تفضل سيدي.

    عبد العزيز:

    مساء الخير، في الواقع، في البداية، أشكر معدي ومقدم هذا البرنامج المتميز، والذي وضع الحقيقة الشعر في دائرة الضوء، حتى لا يكون أبو الفنون، هذا التراث العظيم الذي ورثناه منذ قرون تصل إلى 20 قرن - نسيا منسيا، والذي هو لصيق بالشكل التاريخي بجميع مسالكه، كلنا ندرك ونعلم جيدا ما للشعر العربي من أثر كبير في الوجدان العربي، كما نعلم، ونعرف تماما بأن الشعر هو ضمير الأمة الحي، ونفهم أيضا بأن الشعر هو من الأسس الهامة التي صنعت حضارة العرب، والشعر هو ملكة يودعها الله في نفس من يشاء، وهى نعمة كبيرة بالتأكيد، ما ينالها إلا ذو حظ كبير، أحب أن أشير هنا إلى أن ضرورات المرحلة الهامة التي تعيشها الأمة العربية استوجبت مساهمتنا مع مؤسسات زميلة أخرى للنهوض بالشعر والأدب وفروع أخرى من الآداب والعلوم، فجهودنا ليست بمعزل عن جهودات تلك المؤسسات التي ترعى أجناسا أدبية أخرى، أو علوما إنسانية وخلافها، مع اهتمام مؤسستنا مؤسسة (البابطين) للإبداع الشعري بفرع واحد وهو الشعر، ولكن بهدف تحديد الاختصاص، وعدم تكرار الجهود، في الحقيقة عندما لاحظنا بأسف -كما لاحظ غيرنا- انحصار الشعر العربي وتدني مكانته قامت المؤسسة سنة 89 من أجل النهوض بالشعر باعتباره ديوان العرب وسجلهم وسعيًا لإعادته إلى مكانته الرفيعة التي كان يتمتع بها في عصور الازدهار، ربما يكون من أسباب عزوف الناس عن الشعر وتدني الاهتمام به بشكل عام ما يمكن أن نعزوه إلى ذلك الإغراق في التغريب والغموض، حيث بالغ الكثير من الإخوة الشعراء في ذلك، وعكسوه فيما يكتبون من أشعار، مجاراة -ربما- لآداب أمم أخرى تختلف عنا اختلافا كاملا، دون النظر إلى خصوصيات لغتنا ولما يمثله الشعر العربي بحياتنا كأمة صنعت حضارة أضاءت للبشرية دروب الحياة، طبعا معلوم حتى الآن أن الأذن العربية تتذوق الشعر الموزون المقفى وموسيقاه الجميلة، وتقدر الإبداع العالي، ولكن من المؤسف أن نرى بعض الشعراء قد بدأ كتابة الشعر منذ عشرة أو عشرين سنة أو أكثر، وبسب الإغراق والمغالاة في التغريب والغموض والوضع المتردي لتلقي الشعر عند الناس العاديين انتهى هؤلاء الشعراء، وكلنا بنعرف أسماءهم وهم شعراء كبار بدأوا في هذه النوعية من الشعر، ثم رجعوا أيضا ينتقدونها ويقولون الشعر المقفى والموزون، وأولئك لم يعد يسمعهم أحد في الحقيقة، فالشعر يجب ألا يلغى أو ألا يلغي المتلقى لأن الشعر إحدى طرق الخطاب والتواصل، فنحن مع البساطة المحمودة والجميلة، وليس مع التثقيف الساذج الذي لا يمت إلى الإبداع بصلة، فأنا أرى أنه إذا كان هناك من يقول الشعر ويسميه المنثور يجب أن يسميه التسمية الحقيقية ويقول عنه نثرا، طبعا إحنا لسنا ضد الإبداع بأي شكل من أشكاله لكن يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها...

    فيصل القاسم:

    أن نسمي الأمور بمسمياتها، ولنحن لا شك سنأتي فيما بعد على مفهوم قصيدة النثر، على هذه التسميات، أشكرك جزيل الشكر، لم يبق لدي الكثير من الوقت، دكتور تريد أن تعلق

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    الحقيقة أننا نعاني كما هو واضح من الحديث ومن المداخلات التي جرت أننا نعانى غياب المصطلح، لسنا متفقين حتى هذه اللحظة على مصطلح حقيقي، إلا في الشعر الموزون المقفى، الأستاذ أشار إلى مسألة الحركة النقدية، الحركة النقدية يا سيدي أصعب الآن وأغمض من الإبداع نفسه، إذا كان هذا إبداعا، نحن لا نفهم ده واحد كتب –من إخواننا– مقال في إحدى المجلات وهو يتحدث عن ديوان.. والنقد تفسير في أبسط مفاهيمه، وتقييم، إذا صح هذا، ومع ذلك لم يفهم الشاعر صاحب الكلام ما كتبه الناقد، ولم أفهم أنا الذي أمارس وسلخت من عمري سنين عددا لم أفهم ما قاله أخونا هذا.

    مسألة الشعرية التي يقول ........

    فيصل القاسم:

    قبل ذلك أنا أريد أن نتدخل في موضوع النقد أنت تحدثت عن النقد، يعني هناك من يتهم النقاد، وأنا أنقل كلام للناقد المصري محمد عبد المطلب، يقول فيما يتصل بالعلاقة الإشكالية بين الشعر والنقد يقول "إن هذه المغامرة الشعرية -الشعر الحديث طبعا- تحتاج إلى مواجهة صبور عطوف -كما يسميها-، ويبدو أن بعض كبار نقادنا لم يعد عندهم هذا العطف أو ذلك الصبر الذي يقتضي صاحبه ملازمة نص شعري أياما طوالا، حتى تنفك مغاليق النص ويبوح بما يختزنه من خواص جمالية تعطيه شرعية الانتماء للشعرية

    عبد الحليم :

    أنا سوف

    فيصل القاسم:

    كيف ترد على هذا الكلام

    عبد الحليم:

    أنا حاضر جيد سوف أنتهز هذه الفرصة لأن صديقي محمد عبد المطلب فأداعبه، أعتقد أننا سوف نترك له هذه المهمة، لأنني أيضا مع ودي له وتقديري إياه لم أفهم ما يكتبه في كثير من الأحيان عن قصيدة النثر وعن هذه المغامرات...

    فيصل القاسم:

    لا تفهم الشعر ولا تفهم النقد

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    ولا أفهم النقد، وأنا أقولها بوضوح وقلتها له أيضا، فأنا أداعبه الآن وأقول له: عليك أن تصبر وعليك أن تكون عطوفا، ونحن نفتقد هذا الصبر، وهذا التعاطف، لأننا بالفعل أفرغنا طاقات هائلة فيما يتصل ....

    أنا مستعد أن أبذل طاقة شديدة، لكن علي في النهاية أن أجني ثمرة، أما أن أجني القرقف أو الحنظل فماذا أصنع بعد كل هذا؟

    فيصل القاسم:

    طيب نوري جراح ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!

    نــوري:

    المفروض الآن........

    فيصل القاسم:

    نوري جراح سؤال بسيط، فيما يخص أن هذا الشعر الحديث يعبر عن واقع جديد صح أم لا؟ يعبر عن مرآة لواقع جديد

    فيصل القاسم:

    طيب يا أخي نحن نتحدث عن تعقد أو تعقيد الشعور لدى الإنسان وتعقيدات الحياة الجديدة كما لو أننا في الغرب يعنى هناك مسألة بسيطة: أنه يبدو أن الغرب شرب ونحن سكرنا، يعني نتحدث عن تكنولوجيا حديثة وتعقيدات، نحن لم نصل إلى هذه التكنولوجيا الحديثة، ونحن إيقاعاتنا ما زالت تسير ببطء شديد، فالناس يجلسون أمام شاشات التليفزيون في العالم العربي ساعات طوال وما زلنا خارج عصرنا، وخارج التكنولوجيا وخارج كل ذلك، ويأتي شاعر حديث مثل أمجد ناصر أو نوري الجراح يقول لي نحن نعبر عن هذه التعقيدات، وهذه كذا أنت لا علاقة لك بكل هذه التعقيدات خارج هذه اللعبة.

    نوري:

    يا سيدي نحن مأساتنا أولاً أنت تحاول أن تستفزني بطريقة يعنى..... لكن ok ماشى......

    لكن نحن مأساتنا يا صديقى أو يا صديقاي أننا الآن.... ليس الشعر لا نفهمه وأيضا النقد، المأساة في نظري أننا كعرب مستهلكين حداثة بالمعاني الآلة التكنولوجية، بكل المعاني

    عبد الحليم:

    مستوردين.

    نوري الجراح:

    ومستهلكين حداثة، من التليفزيونات إلى الدراجات إلى كل شيء، كل المظاهر كل الكهربائيات كل ما يتأسس عليه..، الأشياء

    فيصل القاسم:

    ما يتأسس عليه حياتنا

    نوري الجراح:

    constraction .. البنية التحتيه، كل هذا مستورد، العرب خرجوا بكل المعاني من الماضي ولم يصلوا إلى مكان، يعنى هم معلقين الآن، من هنا مهمة الشاعر أصعب مرارا

    فيصل القاسم:

    أنه يخليهم معلقين

    نوري الجراح:

    مهمة الشاعر العربي اليوم الجديد، حتى الشاعر الذي يكتب القصيدة العمودية الآن، الشاعر حائر العربي هو ليس..... يعنى هو في القرن العشرين هو تحت مظلة العولمة، تحت مظلة.. مظلات الحداثة، منجزاتها، لكن هو مستهلك فيها، هو لا قرار له فيها أبداً وهو أضعف من أن يقرر فيها، نحن لدينا معضلة حقيقية في فكرنا العربي: أننا ضحية نزاع بين ما نهوى ونريد، وما هو قائم عندنا، والتعبير عن كل هذا أكثر تعقيدا بالمعنى الفني والجمالي والموضوعات وكل شيء، من التعبير أكان بقصيدة العمود التي قلت أنها أنجزت مفهومها هي مفهومة، مفهوم هذه القصيدة مفهوما لأنها أنجزت مفهومها، بينما القصيدة الحديثة لم تنجز مفهومها وإنما في صيرورة تشكيل مفهومها أو مفهوماتها.

    [موجز الأخبار]

    فيصل القاسم:

    دكتور سمعت نوري الجراح، نوري الجراح قال كلاما مهما حول طبيعة الشعر الحديث، وحول الواقع الذي يعبر عنه هذا الشعر، وحول الإيقاع أنا أريد.... يعني نحن لماذا نأخذ على هؤلاء الشعراء كل هذا.. يعني ونسميها فوضى إلى ما هناك.. هناك من يقول كما عبر الشاعر القديم عن هدوء حياته واكتشف إيقاعها تحاول قصيدة النثر، أو الشعر الحديث بشكل عام، أن ينقل صخب العالم وإحباطاته وخيبات البشر فيه، مشكلة الشعر الحديث وقصيدة النثر بشكل خاص إنها تتحدث عن بشر حقيقيين، وعن الخطايا والحياة السرية التي لا نريد أن نعترف بأنها حياتنا مشكلتنا ليست في نثريتها وإنما في أنها مرآة لا تكذب، ولا تضحك على أحد، وإذا كنا الماضي فهو ما زال موجودا بكامله لكننا يجب أن ندرك جيدا أن الآثار والمعابد القديمة والحلي النفيسة للملوك الموتى والتوابيت التي تحوي جثثا عظيمة كلها أشياءٌ جميلة أو أشياء جميلة، لكنها لا تصلح للتعايش معها ونحن نتحدث عن الشعر التقليدي والعمودي الذي لم يعد مناسبا لنا

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    من الأفضل أن تقول وبصدق شديد إن الحياة التي كان يعيشها العربي القديم لم تكن هادئة، إن الحرب القديمة ربما كانت أقطع وأهول من العرب المعاصرة الآن، وإذا كان الشاعر عبر عن كل هذا فالشاعر المعاصر أيضا يجعل من الفوضى نظامًا، إنه حين يعبر عن الفوضى إنما يعبر عنها بنظام لا يعبر عنها بفوضى، وأذكر أن توفيق الحكيم حين نشر أيام ما كانت موضة السيريالزم والكلام هذا نشر (يا طالع الشجرة)، وكنت حاضرًا في مجلس الأستاذ العقاد فسأله أحدهم ما رأيك يا أستاذ في (يا طالع الشجرة)، فقال لهم إن هذا غير معقول، فكيف أتحدث عنه بالمعقول؟ ثم قال ما يلي، وهذه طرفة ربما تخفض من سخونة الحديث الآن قال: "لا تناقش توفيق الحكيم بل اجعل صفين من الناس ومن البشر في ميدان التحرير وتوفيق الحكيم يمر وسط هذين الطابورين كل واحد يعطيه ما يستحقه من الكف" أو كما قال العقاد في ذلك الوقت، نحن لا نعبر عن الفوضى بفوضى وإنما نعبر عن الفوضى بنظام، مسألة النثر....

    فيصل القاسم:

    طيب هذا مهم جدا نعبر عن الفوضى بنظام.. كيف؟

    نوري الجراح:

    هذا كلام صحيح وهو أننا نتكلم عن قصيدة عمودية بنظام....

    فيصل القاسم:

    لا كيف ترد؟ تعبر عن الفوضى بنظام كيف ترد؟

    نوري:

    أي نظام

    نوري:

    القصيدة الحديثة.........

    فيصل القاسم:

    أنتم تتذرعون دائما بأنه الإيقاع... تتساءلون هل هناك إيقاع محدد في حياتنا الآن كما كان الوضع في الماضي أم أن إيقاعنا اختلف إن لم يكن أصبح فوضويا غير منتظم، وبالتالي يجب أن نعبر عنه بطريقه فوضوية وغير منتظمة.

    نوري:

    هاتان مسألتان، الأولى أن القصيدة الحديثة تعبر عن الفوضى بنظام، هي فعلا تعبر عن الفوضى بنظام، هو أصلا عمل الفن أنه يعبر عن الفوضى بنظام، ولكن فوضى نقل الشعر من الشاعر إلى الناس، فوضى وجود الشعر، فوضى تناول الشعر هذا هو الموضوع يعني نحن يجب أن نفرق بين عمل الشاعر، صنيع الشاعر، وبين الترويج لنصه.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    والله تفهمنا الكلام ده

    فيصل القاسم:

    يبدو أن كلامك الآن يبدو كأنه شعر حديث لا يفهم منه أي شيء.

    نوري الجراح:

    الشاعر الحديث أو القديم يعبر ذاته من خلال نظام معين، نظام الكلمات، القصيدة الحديثة ذات نظام لكنه نظام غير سلفي غير مسبق، غير سابق، نظام جديد كله جديد، قصيدة تنتج نظامها الإيقاعي، شكلها.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    حتى القصيدة القديمة، أو حتى القصيدة القديمة من وزن واحد أيضا لها نظامها

    نوري الجراح:

    ولكن القصيدة التي تكتب الآن عموديا تدرج على نظام، بينما القصيدة الحرة تخترع نظاما هو نظامها، وعلى الناقد أن يقرأ ويستكشف هذا النظام، النظام الإيقاعي النظام التشكيلي.

    فيصل القاسم:

    إذن هى مشكلة قلنا نحن قبل قليل مشكلة قاري، ومشكلة ناقد، نأخذ السيدة نزيهة رجيبة من تونس تفضلي

    نزيهة:

    أحييكم جميعا

    فيصل ونوري وعبد الحليم:

    مرحبا يا أهلا

    نزيهة:

    هذه محاولة للإجابة عن سؤال عن آفة الشعر، وهى لا تخص الشعراء المعاصرين جميعا، بل تخص الشعراء الملغزين...، وأرجو أن تدعوني استمر فيها إلى النهاية

    فيصل القاسم:

    تفضلي.

    نزيهــة:

    تبدو لي القضية قابلة لمقاربة نفسية اجتماعية سياسية لا تخلو من الوجاهة في نظري، أقول بدءاً إن القصور عن التعبير الواضح ليس آفة المنتسب إلى الشعر وحده، بل هى آفة شاملة يعاني منها أغلبنا، العربي المعروف بالفصاحة صار اليوم عييا، ما إن يجد نفسه في حاجة إلى مخاطبة غيره، خاصة إذا كان هذا الغير جمهورا، حتى ينتابه الوجل، فهو في فأفأة ومأمأة وتلجلج، أو هو في مداورة ومراوغة يدوخ سامعه مليا يستطيع بعد لأي أن يقول على وجه التقريب ما كان جده الأول يقوله في كلمات معدودات، وليس الأمر براجع إلى ضعف مستوانا اللغوي وحده، بل للمسألة خلفية نفسية، إننا نحتاج إلى القول ونخاف تبعاته لكثرة الأوصياء على ما يقال، والشاعر في نهاية المطاف واحد منا، وهذه المشكلة هى مشكلته أكثر مما هى مشكلتنا، والرقابة عليه أكثر مما هى علينا، خاصة اليوم بعد أن قرر الشاعر ألا يكتفي بكونه ربابة وهذا من حقه. الشاعر اليوم لم يعد مداحا، لأن هذه المهمة أوكلت إلى غيره وصارت من اختصاصات رجال الإعلام.

    فيصل القاسم:

    وسائل الأعلام ووزارت الأعلام العربية بشكل خاص.

    نزيهـة:

    وليس الشاعر متغزلاً لأن الرومانسية ماتت، وليلى لم تعد ليلى، ولا هو فاخر لأن الفخر صار مجلبة للاتهام بالنرجسية وجنون العظمة، ولا هو حكيم لأن الشعر الحكمي ثقيل على الجلساء، أما الوصف فقد اضطلع به الفنان التشكيلي والقصاص والسينمائي وبزوا فيه الشاعر، فماذا بقي للشاعر المصر على البقاء؟

    فيصل القاسم:

    يمكن القول أن مهام الشعر تفرقت على القبيلة كما قلنا قبل قليل وتخلص الشعر من كثير من مهامه التي كانت مناطه به في الماضي

    نزيهــة:

    نعم، ماذا بقي إذن للشاعر المصر على البقاء؟ بقي له التعبير عن وجدانه، وتصوير تفاعله مع الواقع، بقي له في هذا الإطار النضال مثلا من أجل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وأرى أن أغلب الشعر يسير في هذا الاتجاه اليوم، وهذا الاتجاه، وهذه الطريق غير سالكة كما نعلم، ودون المسير فيها دروب من التضييق والمنع والعقاب، فماذا يفعل الشاعر؟

    فيصل القاسم:

    طيب هذا سؤال وجيه للأسف الشديد يجب أن أستغل الوقت، هناك الكثير من الأسئلة المهمة دكتور.

    عبد الحليم:

    أنا أقول في كلمة واحدة.

    فيصل القاسم:

    سنأتي إلى الإيقاع لكن ردا على هذه الكلمة، هل أنت تتحدث عن عملية التفاعل وخاصة أنتم تتحدثون عن عملية التفاعل بين الشاعر وجمهوره، وإلى ما هنالك من هذا الكلام، لكن نحن نتجاهل حقيقة أساسية في واقعنا العربي تحدثنا عنها قبل قليل، معظم شعرائنا ماتوا في بلاد الغربة ملاحقين مطاردين، كيف تتحدث عن تفاعل وعن شعر بين الشاعر وجمهوره وهم مطاردون لا يسمح لهم بأي شيء؟ نوري جراح ذهب لقبرص كي يؤسس مجلة شعرية حتى المجلات الشعرية ممنوعة في بلداننا.

    عبد الحليم:

    أنا أقول إن الشعر أو الفن عموما ماكر، تستطيع أن تقول ما تشاء دون أن يمسّك شيء، وقديما قال المتنبي.. وقديما قال فلان.. وقديما قال فلان وقديما يعني على مساحة الشعر العربي كله الفن ليس أقرب الطرق إليه هي الخط المستقيم، بل هو الخط المنحنى والشديد التعرج، فأنت إذا استطعت أن تصل إلى هذا فأنت تعلو شاعريتك أيضا بقدر ما تعلو بهدفك.

    فيصل القاسم:

    كي لا نبتعد كثيرا، أنت بدأت الهجوم في بداية الحلقة بموضوع أن هذا الشعر الحديث ضرب بموسيقانا وإيقاعاتنا الشعرية عرض الحائط، طيب أنا أريد أن أقرأ لك شئ بسيط لمصطفي لطفي المنفلوطى قاله عام 1912 قال "أما الشعر فأمر وراء الأنغام والأوزان، وما النظم بالإضافة إليه إلا كالحلي في جيد الغانية الحسناء، أو الوشي في ثوب الديباج، فكما أن الغانية لا يحزنها عطل جيدها والديباج لا يصبح سيئًا على أنه غير مُعلم كذلك الشعر لا يذهب بحسنه إنه غير منظوم، ولا موزون" كيف ترد على المنفلوطي؟

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    المنفلوطي يا سيدي ليس كلامه تنزيل من حكيم حميد والمنفلوطى أظنه قال ذلك لأنه لم يستطع أن يكون شاعرا يناهز مكانه الرافعي، أو يناهز مكانه شوقي أو حافظ وأضرابهم، والكلام الذي يقوله أيضًا فيه وجهة نظر، فيه أن النثر فيه أيضا روح شعرية، وليس النثر فقط، فنحن نقول هذه لوحة شعرية وهنا منظر شعري، وهذا فيلم سينمائي شاعري، إلى آخر هذه الأشياء فالشعرية كفِل قائم بين جميع الفنون، وتعلو الفنون دائمًا بمقدار كِفلها من الشاعرية.

    فيصل القاسم:

    خير محمد خير -من كندا- تفضل يا سيد

    خير محمد:

    شكرا جزيلا من أكثر الأعمال الأدبية التي لفتت نظري خلال هذه الفترة حول الحداثة والمعاصرة، تلك الدراسة القيمة التي نشرها الدكتور محيي الدين اللاذقانى الشاعر السوري المعاصر قال اللاذقانى أن الحداثة مصطلح سيئ السمعة، وذلك في تقديري صحيح، لأن الحداثة اليوم لم تزدهر في محيطها الطبيعي، ليه؟ لأنها مغروسة خارج تربتها الجمالية؟ وتعنى بالمستورد والمنقول أكثر من عنايتها بالأفكار النابتة من الجذور التراثية دون اعتبار إلى أن ذلك يا دكتور يشكل اتباعية، ولا يشكل حداثة تنبثق من جذرها التراثي، وتنمو في محيطه الفني الذي يقبل كما قبل في مراحل كثيرة من عمر الثقافة العربية وآدابها الماضية فكرة التلاقح والتبادل بين الثقافات، بشرط ألا تتخلى أي ثقافة عن بصماتها ومكوناتها الوراثية التي تشكلت عبر العصور، مجموعة الحداثة العربية بشقيها الفرانكفوني والأنجلوساكسوني وقعت ضحية للأوهام التي تحكمت بفكر عصر النهضة في لهاث مستميت للتغريب دون النظر إلى المعطيات الحضارية العربية، هنالك أيضًا -لصالح البرنامج- دراسة قيمة جدا للدكتور: محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة نشرها في كتابه "المصطلحات الأدبية الحديثة"، وأهمية هذه الدراسة تنبع من أنها تشير إلى أن الحداثيين استعملوا كلمات مترجمة لا علاقة لها بالمعنى العربي الذي ترجمت إليه، على سبيل المثال كلمة إشكالية وهي مصدر صناعي من نفس كلمة مشكل أو مشكلة.

    فيصل القاسم:

    إشكالية مثلاً، والإسلام يسمونه إسلاماوي والماضي الماضوي والحداثى الحداثوي يغيرون هذه الأسماء ويسمونها، يعنى هذه الحداثة الشعرية والأدبية يعنى Problematiq.

    محمد خير:

    الإشكالية مثلاً ترجمة لكلمة Problematiq أو خذ مثلاً كلمة مقاربة Abbroch في نفس الوقت كان يمكن أن يقول تناول أو معالجة أو منهج. أنا في تقديري أنه القصيدة إذا لم تحدث رعشة أو صدمة أو انتشاء لمتلقيها، سواء كانت مكتوبة عمودية أو تفعيلة أو نثرية، تكون غير جديرة بتجسيد وظيفتها، لكن في نفس هذا الإطار استطاع شعراء كثيرون معاصرون وحداثيون فعل ذلك، مثل السياب ونازك الملائكة وخليل الحاوي، صلاح عبد الصبور، دوريش، شوقي بزيع، سعد يوسف، محمد علي إلى آخرهم قبل يومين فقط كنت اقرأ قصيدة لشوقي يزيع اسمها "قمصان يوسف" حقيقة انتشيت، وتبللت عروقى، وانتشيت بشاعرية استثنائية، وفي نفس الحين كنت باقرأ قصيدة لشاعر حداثي قصيدة نثر، عنوان القصيدة اسمه "الشاعر والكلاب ذات الأرجل القصيرة" بصراحة هذه القصيدة تركت بي أزمة واضطراب نفسي وأوهامه التي لا صلة لها بالخيال المبدع.

    فيصل القاسم:

    أشكرك جزيل الشكر، أشكرك جزيل الشكر، لم يبق لدي الكثير من الوقت كيف ترد تعقيبا، كلام مهم جدا، تحدث عن الترجمة، أنا أريد أن أعقب على كلامه بما قاله سميح القاسم قال "ما يقدمه أولئك القوم -والحديث عن الشعراء الحدثيين- ولا أعتقد سميح القاسم قد يندرج هنا لكن سميح القاسم، محمود درويش، نزار قباني كل هؤلاء أعتقد لا علاقة لهم بهذه الموجة التي تجتاح الآن.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    إلى حد ما

    فيصل القاسم:

    وصفهم سميح القاسم "وصف هؤلاء" بطفيليات شعرية تبدو مترجمة عن اللغات الأجنبية لشدة انفصالها عن كل ما هو حي وشعري أصيل ومتحرك في الحياة العربية. وأنتم متهمون يعني حتى السياب عندما أراد أن يقلد يعني الغربيين وإلى ما هنالك ذهب إلى أساطير غير عربية صح أو لا؟ على عكس إليوت الذي استقى الأساطير التي..

    نوري الجراح:

    استقى من الهند، استقى من الشرق كله..

    فيصل القاسم:

    استقي، يعنى نحن نقلد بشكل أعمى

    نوري الجراح:

    هناك كلام كثير.. يهمني في هذا الكلام كله مسألة المصطلح، الفكر العربي كله يعانى من مشكلة المصطلح، والأستاذ يعرف هذا هذه مسألة لا تخص الشعر، فلننحى هذه المسألة جانبًا، مسألة الفكر العربي كله إنتاج المصطلح أديش [كم] فينا نأخذ من الغرب؟ أديش [كم] فينا نرفض، مثلاً في لغويين عرب مثل العلايلى كانوا ينحتوا كلمات مثلاً الزحف على البطن، زحفطون وهذا موجود في كتابة المرجع يعنى هذه مسألة المصطلح مسألة عويصة وكبيرة، لكن.. فيما يتصل بالشعرية الجيدة نحن ندور في حلقة مفرغة، التعميم يجب ألا يكون واردا في حديثنا، لأن هناك كثرة تكتب شعرا رديئا وقلة تبدع وتكتب شعرا جيدا، وهذا يندرج

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    في كل العصور

    نوري الجراح:

    في كل العصور، وهذا العصر الآن يجب ألا يستثنى من ذلك، علما أن هناك مخاض تجريبي كبير أيضا وهذا..

    فيصل القاسم:

    أنا أريد، لأنه لم يبق لدي وقت، أنا أريد أن أطرح سؤال أخير كى نجمل الحلقة هل تستطيع أن تنفي أن العربي ظاهرة صوتية؟ والإعرابي -أنت بدأت بهذا الكلام ولم تكمله- الإعرابي هو صانع العالم، أي أن الثقافة العربية، أتاحت أصولها من لغة البدو وأشكالهم التعبيرية وهيمن عليها البيان بدل المعقول البرهاني، لهذا لا بد من الخروج على هذا النمط البدائي البدوي.

    عبد اللطيف عبد الحليم:

    لا، ظاهرة صوتية هذه كلمة حق أريد بها باطل، ظاهرة صوتية؟ كل الدنيا ظاهرة صوتية، ولا يمكن أن يكون هناك لغة بدون أصوات، لكن بقيت لي كلمة ضرورية جدا في مثل هذا، وهي تكون الختام فيما يتصل بالنثر وتداخل الأجناس، أنا أخشى أن يأتي يوم لا نفرق فيه بين الكلام المقدس -وأنا لست رجل دين- وبين النثر، القرآن ليش شعرا، لكنه نثر، ولكننا حين نقول إن النثر أصبح الآن شعرا فيأتي واحد فيما بعد -الله أعلم متى- يقول ديوان سورة مريم من القرآن الكريم، أخشى هذا خشية شديدة، وأرجو ألا أعيش إلى هذا اليوم الذي أرى فيه هذا ولا الأحفاد يرونه.

    نوري الجراح:

    هنا نقطة

    فيصل القاسم:

    لم يبق لدي وقت

    نوري الجراح:

    يجب أن نعزل المقدس عن الشعر..

    فيصل القاسم:

    لم يبق لدي وقت

    مشاهدي الكرام لم يبق لنا إلا أن نشكر ضيفينا الشاعر نوري الجراح صاحب المجلة الشعرية الجديدة (القصيدة)، والأستاذ الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم، الناقد والشاعر

    نلتقى مساء الثلاثاء المقبل، فحتى ذلك الحين ها هو فيصل القاسم يحييكم من الدوحة، إلى اللقاء..

    يعطيك العافية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de