مفهوم العلمانية للعلمانيين فقط

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 03:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-31-2006, 08:45 AM

ياسر حسن المبارك
<aياسر حسن المبارك
تاريخ التسجيل: 03-07-2005
مجموع المشاركات: 60

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مفهوم العلمانية للعلمانيين فقط

    العلمانية هى المقابل العربى لكلمة Secularism فى الانجليزية او Seculaire فى الفرنسية،وأصول الكلمة تعنى يستولد أو ينتج او يبذر او يستنبت من الاهتمامات الدنيوية الحياتية،ومن هنا فإنها استخدمت كصفة أيضا لأصحاب هذه الاهتمامات الدنيوية،وللكلمة أيضا دلالة زمنية (saeculum)فى اللاتينية بمعنى القرن حيث انها تصف الأحداث التى قد تقع مرة واحدة فى كل قرن،فالدقة الكاملة لترجمتها هى الزمانية ان العلمانية ترتبط بالأمور الزمنية،أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض فى مقابل الأمور الروحانية التى تتعلق اساسا بالعالم الأخر،وقد كان المترجمون الشوام قديما يستعملون لفظ العلمانية كترجمة للكلمة الفرنسية LAIQUE او الانجليزية LAICISM وهى المأخوذة عن اللاتينية LAICUS اى الجماهير العادية او الناس او الشعب الذى لا يحترف الكهانة تمييزاً لهم عن رجال الدين،والمفهوم الثانى وان كان لا يستخدم الآن يؤكد المفهوم الأول ولا ينفيه فاللفظ قد تطور ليعبر عن التحول من حكم الاكليروس (الكهنوتى) إلى السيطرة المدنية (حكم الرجال العاديين) المعنيين بالشئون الدنيوية (الزمانية) هذا عن المعنى اللغوى والذى كما رأينا لا يعنى الالحاد من قريب او بعيد بدليل أن القس الذى لا يخضع لنظام كنسى محدد يطلق عليه Secular priest أى قس عالمانى وليس قسا ملحدا .
    وسيرد المتربصون بالعلمانية ويقولون "هذا هو تعريف الغرب المختلف عنا شكلا ومضمونا فماذا عن تعريفكم أنتم ،واجابة السؤال هو ان تعريفات العلمانيين للعلمانية شأن أى تعريف فى اطار العلوم الانسانية تختلف باختلاف وجهة النظر والمدرسة الفلسفية التى ينتمى اليها صاحب التعريف ولكن فى النهاية تصب كل التعريفات فى مصب واحد..
    وأول هذه الأنواع من التعريفات هو التعريف الذى يستند الى علاقة العلمانية بالدين :
    • "العلمانية ليست هى المقابل للدين ولكنها المقابل للكهانة"
    • العلمانية هى التى تجعل السلطة السياسية من شأن هذاالعالم والسلطة الدينية شأنا من شئون الله).
    • "العلمانية هى فى جوهرها ليست سوى التأويل الحقيقى والفهم العلمى للدين"

    ثانيا تعريف من حيث حقوق المواطنة وأسسها الدستورية
    • العلمانية لا تجعل الدين اساسا للمواطنة وتفتح ابواب الوطن للجميع من مختلف الأديان هذه هى العلمانية دون زيادة او نقصان فهى لم ترادف فى اى زمان او مكان نفى الأديان
    • أسس الدولة العمانية تتمثل فيما يلى :
    أ- أن حق المواطنة هو الأساس فى الانتماء بمعنى اننا جميعا ننتمى الى السودان بصفتنا سودانيين مسلمين كنا او مسيحين او وثنيون اولادينين او اقباطا …
    ب- إن الأساس فى الحكم الدستور الذى يساوى بين جميع المواطنين ويكفل حرية العقيدة دون محاذير أو قيود..
    جـ- أن المصلحة العامة والخاصة هى اساس التشريع..
    د- ان نظام الحكم مدنى يستمد شرعيته من الدستور ويسعى لتحقيق العدل من خلال تطبيق القانون ويلتزم بميثاق حقوق الانسان.
    تأتي كلمة "علمانية" من الكلمة الإنجليزية "Secularism" (سيكيولاريزم) وتعني إقصاء الدين والمعتقدات الدينية عن امور الحياة. وينطبق نفس المفهوم على الكون والأجرام السماوية عندما يُفسّر بصورة مادية بحتة بعيداً عن تدخل الدين في محاولة لإيجاد تفسير للكون ومكوناته. وقد استخدم مصطلح "Secular" (سيكولار) لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا عام 1648م-الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوربا- وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيرًا إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية.
    - العلمانية كما نفهمها هي رؤية واقعية مجردة للمجتمع والمحيط والكون تنطلق من الاحترام لقواعد العلم والمنطق العقلاني والرؤية السليمة وهي تستمد معيارها من منظومة القوانين المدنية التي تقف على مسافة واحدة من كافة شرائح وأطياف المجتمع وتهدف لحماية وتطوير الفرد الانسان وخدمته تحت ظل المواطنة والوطن ,
    - وعملاً بالقاعدة المنطقية التي تؤكد بأن ( لكل نتيجة سبباً ) يجب البحث فيه وإدراكه على حقيقته , لذا فانه في حالة تردي المجتمعات وتخلفها يجب أن يكون السبب أو الأسباب عائدة الى تركيبة النظام الاجتماعي والأسس التي بني عليها خاطئة وغير سليمة بالمطلق من حيث النمطية وعلاقة شرائحه ببعضها البعض أو أن الخطأ يكمن في منهجية تفكير القوى المسيطرة على هذا المجتمع والموجهة له والتي تتحكم بعلاقة هذا المجتمع مع واقعه الحقيقي وهنا نصل الى مجموعة القوانين والأعراف والعادات التي تنظم هذه التركيبة , وكذلك المنظومة الأخلاقية التي يتلقاها وتلقن له فقد تكون سهلة الاختراق لجهة المفاهيم التي تبرر هذه الخروقات , أما في المجتمعات المتطورة فتكون كل هذه الأمور مجتمعة أقرب الى الواقعية والعقلانية لجهة التطبيق والسلوك اعتماداً على العلم والمنطق والقانون المتطور الذي يعتني بأدق التفاصيل بشكل يحصنه من الاختراق .
    من الواضح أن من أهم أسباب تردي المجتمعات وتخلفها ( سيادة منطق القسر والإلزام وسيطرة الأقوى ) هذا المنطق المنحرف يصل بالنتيجة الى تهميش المجتمع وارغامه على البقاء تحت سيطرة الأقوى ووصايته , هذا الأقوى الذي يتولى تنظيم شؤونه وفق رؤيته الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار مايراه المجتمع مصلحة له وكأنه قاصر . عندها يبتعد المجتمع عن السعي لتطوير نفسه والبحث في أدوات هذا التطوير ليهرب باتجاه الغيبيات بحثاً عن وهم الاطمئنان والأمل بمساعدة غيبية لتبديل هذا الواقع . وعلينا أن نملك الجرأة للاعتراف بأن غالبية مجتمعنا بكافة أطيافه وانتماءاته يحتاج بسبب موروثه القمعي الذي أبعده عن مجاراة تطورات العصر الى فترة زمنية قد تطول أو تقصر وذلك عائد لديناميكية القيادات والأحزاب كي يحسن التعامل مع آليات التطور الحقيقية فالنظرة الى الواقع تختلط لديه بالكثير من الغيبيات والخرافة ونحن مانزال في غالبيتنا ننتظر الحلول لأعقد مشاكلنا من باطن الغيب , ونرفع أيدينا بالدعاء طالبين من الإله أن ينزل غضبه على أعدائنا دون أن ندرس عقليتهم ونضع الاحتمالات لما يخططون له وإنزال الغيث والنهر بجانبنا وإكثار الرزق والأرض بحاجة لمن يعتني بها أو أننا نحجم عن ابتداع أساليب جديدة لتحسين مستوى الدخل أو ندرس بشكل علمي وجدي أسباب البطالة وسبل محاربتها الحقيقية وأسباب الكساد وسوء توزيع الثروة وسوء قوانين جباية الضرائب والشفاء من المرض ولانثق بالطبيب بل ان الثقة تمنح لأحد المشعوذين , ونذهب الى الدجالين للاتصال بالجن للبحث عن المسروقات أو عمن صنع لنا حجاباً للطلاق أو لإيقاعنا بالمشاكل ثم نتهم أحد الجيران أو الأصدقاء ونرفض أدلة برائته . ان هذا مايعيدنا الى رؤيتنا للعلمانية على أنها وكما أشرنا رؤية واقعية عقلانية أو نقل العلم من حالة الفرضيات الى أرض الواقع والتطبيق سواء كان بالاستفادة من تجارب الغير في ظل ظروف ومعطيات متشابهة أو بالاعتماد على المقدرة الذاتية انطلاقاً من رؤية سليمة ودقيقة للواقع تكون قابلة للتجسيد بالأدوات المتوفرة .
    - إن هذه الرؤية تهدف الى استبعاد الخرافة عن مفاهيم المجتمع والتي اختلطت بالمفاهيم الدينية نتيجة عهود طويلة من التخلف والجهل والتجهيل والاستعاضة بالخرافة والمفاهيم المتخلفة المنحرفة عن قواعد العلم في مفهومها للمجتمع ونظامه والعلمانية في واقعيتها هذه ليست في موقع سلبي من المعتقدات والأديان ولكنها على العكس من ذلك فإنها ترى في التثقيف الروحي المستند الى أسس المنظومة الأخلاقية والتي تشكل العمود الفقري لكافة الرسالات السماوية ( الوصايا العشر في التوراة والإنجيل والحكمة في القرآن ) مكملة لها وأداة مساعدة في تطوير المجتمعات , كون المنظومة الأخلاقية توفر الدافع اليقيني للمجتمع في تقصي أسباب وقواعد تطوره ونهضته , فهذه المنظومة المرتكزة على سمو روحي تشكل القاسم المشترك بين الديانات ( كما أسلفنا ) وبهذه الحالة فان الاختلافات والتعددية تصبح عامل إغناء ايجابي تنافسي يضج بالحركة المحرضة للتطور في مناخ العلمانية .
    - ان العلمانية في مجتمع متعدد الأطياف والمذاهب والأثنيات كالمجتمع السودانى , هي الدواء الأنجع الذي يقضي على أسباب التخلف والجمود ويرفع الحالة الوطنية الى سقفها الأعلى , فهي توفر حالة انصهار كاملة في بوتقة الوطنية والوطن مع الحفاظ على المعتقد الديني بوجهه النقي وعموده الفقري ( منظومته الأخلاقية ) والمقصود بالطبع حالة ( السمو الأخلاقي والروحي ) لتشكل عامل تقارب مهم ولحمة أكبر بين لكافة أطياف المجتمع بما توفره العلمانية من احترام شديد لحرية المعتقد ( إضافة لأوجه الحرية الأخرى ) لايكون فيها أي شكل من أشكال القسر والإلزام المادي والمعنوي . لذا فإن العلمانية تعني الانفتاح الرحب على الآخر ضمن كافة أطياف المجتمع واحترام شديد متبادل للمعتقدات والآراء ومشاركة إنسانية متساوية , وترفض رفضاً قاطعاً أن تكون النظرة الأحادية ذات الخلفية الدينية أو المذهبية أو العرقية أو القومية أو من حيث الجنس هي المنطلق والدافع في الحكم على الآخر وتدينها بشدة .
    هذه الأحكام المسبقة التي عانينا منها الأمرين وبشكل تبادلي على مر العصور والقرون تخللتها تصورات مريضة منحرفة ( ساهم فيها الجميع بلا استثناء ) وذهب ضحيتها النخب المتنورة القادرة على تطوير المجتمع وقيادته باتجاه الحضارة .والواقع أن هذه التصورات لاتمت الى ثقافتنا ومعتقداتنا الصحيحة بصلة لكنها حشرت في كل ذلك بحكم واقع التخلف الذي فرض علينا في عهود سابقة أنتجت الجهل واختلاق الافتراءات المتبادلة والتصورات المرضية والروح العدائية بسبب سيطرة عقليات كانت تعمل على تكريس كل ذلك بقصد الحفاظ على مصالحها وسيطرتها المطلقة على المجتمع .
    - ان العلمانية عندما ترفض أي سلطة لرجال الدين أو مشاركة سياسية معنى ذلك أنه لايجوز أن يحكم المجتمع بسلطة مستمدة من خلفية دينية مهما كانت لأنها ستكون منحازة حتما ً وبالتالي قمعية فالسلطة يجب أن تكون على مسافة واحدة من الجميع لتكون حامية للحرية وحارسة للديمقراطية وهي بنفس الوقت الحامية لحرية المعتقد على اعتبار أنها من صلب الديمقراطية لذلك فان دور رجال الدين ينحصر في مجال التوعية والتبشير والالتزام بالمنظومة الأخلاقية ومنع التحريض والزعم باحتكار الحقيقة , وليس معنى ذلك أن العلمانية تقف ضد الدين وليست الحاداً كما يشنع عليها ( كذبا ً وافتراءً المتخلفون والمتشددون أو بعض أصحاب المصالح الخاصة من رجال الدين وحتى بعض الأحزاب الدينية المتعصبة التي تحلم بحكم المجتمع وفق تصوراتها المتخلفة والمنحرفة عن سنة الحياة ) ولكنها تبرز الوجه الصحيح والسليم للأديان كافة, ولنلاحظ معاً أن نسبة لابأس بها من المثقفين العلمانيين في مجتمعاتنا وحتى في المجتمعات الأوربية هم من الملتزمين بالواجبات الدينية وهم لايرون أي تناقض بين علمانيتهم وبين الالتزام بالواجب الديني والمريح في الأمر أنهم الأكثر ميلاً للالتزام بالمنظومة الأخلاقية من خلال فهمهم العلماني لها وهم واضحين جداً في علاقاتهم بالآخر وبالتالي فهم يرون في العلمانية دافعاً أساسياً لنهضة المجتمع وتطوره . وهنا نتساءل : هل كان من الممكن رؤية المساجد ودور العبادة المختلفة في أوربا لولا أنظمتها وقوانينها النابعة من العلمانية ؟!! ونستغرب أن نسمع من البعض من يتهم العلمانية بالإلحاد والكفر ؟؟ وكأن العلماني المتدين يذهب الى دور العبادة خوفاً منهم أو أن أوربا مجرد مستعمرات خاضعة لهم يفعلون فيها مايشاؤون .
    مع ذلك فإننا نختلف مع الكثير من العلماء الغربيين في فهمنا للعلمانية فالكثير من العلماء الغربيين أو رواد التحديث الغربي الذي يقوم على نفي قدرة الإنسان على تجاوز قوانين وحتميات المادة ويرون أن العالم مكتفياً بذاته ويحرك ذاته وعلى ذلك فسروا مفهومهم للإنسان بحيث نظروا اليه نظرة شيئية , ويرون أن حاجاته الأساسية وحواسه هي التي تحدد سلوكه في حين أننا نرى أن الحتمية المادية أو القاعدة العلمية البحته لايمكن أن تنطبق على الإنسان بشكل تام فالإنسان يتمتع بالميزة الأخلاقية النابعة من حالة السمو الروحي التي يتبناها والسلوك القادر على التكيف وفق المستجدات في حين أن المادة لايمكن لها أن تتجاوز حيزها المادي أو قاعدتها العلمية . فعلمانيتنا اذا ً ترتقي بالإنسان الذي هو أهم من كل شيء ونراه يشكل جانبين:
    - الأول الجانب المادي بجسمه كما هو وقدرته على الفعل والتأثير في المحيط .
    - والثاني هو الجانب الروحي المختلط بالمشاعر والأحاسيس الوجدانية التي لايمكن قياسها بأي شكل من الأشكال بالمادة والتي تشكل محرضاً ودافعاً أكبر له فيضيف على الفعل اللمسة الإنسانية ويكتسي إنتاجه بنوع من الحميمية ليرتقي بشكل دائم. بمعنى أنه لايجوز أن يكون الإنسان مجرد أداة .
    إذاً فنحن نمتلك رؤية تحديثية أعلى يكون الإنسان فيها هو القيمة العليا أولا ً وأخيرا ً وان كل ماهو متوفر في الطبيعة وجد أساساً لخدمته ولرفاهيته متحرراً في الوقت عينه من قيود المادة التي أحاطت بها العلوم الطبيعية التي لايمكنها أن تحيط بالإنسان من الجانب الروحي والأخلاقي هذا الجانب الذي لايمكن استيعابه ضمن المعايير العقلانية التكنولوجية .
    - ولما كانت العلمانية كما بينا وحسب مفهومنا هي رؤية ومفهوم واقعي للمجتمع والمحيط وليست أيديولوجيا فان معنى ذلك أنها رؤية خلاقة دائمة التطور والارتقاء لتجاري مستجدات العصر بشكل دائم الحركة بل أنها القاعدة الأساس في عملية التطور لابل أنها تضع التصورات المسبقة لحركة التطور المستقبلية المبنية على تحليل دقيق لحركة التاريخ أما الايدولوجيا فإنها تحشر نفسها في النص ضمن حدود نظريتها ولايمكن لها بالتالي تجاوزها لتصل الى مرحلة من الجمود تعود فيها لتجتر أفكارها دون القدرة على الرؤية السليمة لحركة التطور المجتمعي في كافة جوانبها وخاصة المستقبلية .
    - إن العلمانية في مفهومنا تعني الفصل بين ماهو مقدس وبين ماهو دنيوي ذلك أن هناك الكثير من جوانب الحياة الطارئة بحكم إيقاعات العصر المتسارعة والتطور العلمي المذهل لاتخضع لأية مقاييس دينية فقهية وفق الموروث بحيث أنها لايمكن أن تتطابق مع الاجتهاد السابق , مع ذلك فمن الممكن أن يكون المجتمع بحاجة لفقه متطور يتعامل به ويخرجه رجال دين متطورين فكرياً وثقافياً ( بعيداً عن ثقافة الخرافة والجمود والتحجر والمرويات المختلقة في ظروف سابقة لمصلحة القوى التي كانت تتحكم بالمجتمع ) قادرين على التوفيق مابين النص الحقيقي والعلم والواقع وبشكل لايتعارض إطلاقا مع حركة تطور المجتمع ( وهذا مايحدده المجتمع وفق رغباته بمعزل عن النظام ولكن بشكل لايتعارض مع القانون ).
    من هنا نرى أن من يتصدى للتعاطي بالشأن الديني يجب أن يكون ممسكاً بأطراف مختلفة من العلوم والفلسفة بحيث يصبح قادراً على فهم السياق التاريخي لحركة المجتمع بشكل يؤهله للدفع باتجاه فرز الفعل الإنساني المجرد عبر التاريخ عما هو مقدس وفق الموروث وبالتالي تعرية هذا الكم الهائل من الموروث المشتبه

    بناء على ماسبق فإننا نرى أن (القيم الروحيه الأخلاقية) لايجوز أن تنفصل عن الواقع والواقعية ( العلمانية) والواقع أنه لايمكن لأية نظرية أو آيديولوجية أو رؤية أن تلاقي قبولا ً مالم تكن مستندة الى قاعدة أخلاقية أو مجموعة مفاهيم أخلاقية ) لذا فإننا نختزل كل ذلك في الرموز التالية
    ( الحق – الحقيقة – الحقائق العلمية )
    فالحق : هو قيمة أخلاقية تكون أساس في الأحكام بصوابية السلوك الإنساني والإلتزام الأخلاقي وفق جدول المقاييس الأخلاقية أو( المنظومة) الذي ينعكس على العلاقات الإنسانية ايجابياً , وهو بالتالي الإقرار بصوابية السلوك الأخلاقي الايجابي والالتزام به .
    أما الحقيقة : فهي الواقع المجرد الملموس والمشاهد عيانياً والإقرار به كما هو دون الانحياز الى المشاعر الشخصية والأهواء والعواطف بمعنى أن هذا الإقرار يجب أن يكون محايداً مطابقاً خالياً من أية شائبة .
    الحقائق العلمية : هي مجموعة القوانين والقواعد التي تحكم حركة الطبيعة والكون والمجتمعات والاقتصاد والنتائج التي نجمت عنها جراء العمل بهذه الحقائق أو مخالفتها ويشمل ذلك الفهم التاريخي للواقع الحالي كنتيجة منطقية كما هي حاصلة وتحصل بمعنى أن الواقع هو نتيجة لمقدمات تاريخية مهدت لهذا الواقع , أي أنها لاتخضع للتخمينات والاحتمالات فالحقائق الحاصلة على الأرض هي نتاج أو إجابات لقواعد علمية خولفت أو طبقت عبر التاريخ الخاص بكل مجتمع ولمسناها كنتائج لذلك . من هنا يمكننا أن نبني توقعاتنا المستقبلية بأقرب مايكون الى الدقة إذا راعينا التطورات التي تحصل بالنسبة للمجتمعات وازدياد الكم المعرفي للإنسان حيث أخذ في الاقتراب من الدقة في فهم الحقائق الكونية والمحيط , مع الانتباه الى أنه في حال ظهور مايخالف هذه الحقائق التي اقتربت من المسلمات فان ذلك يعود لسببين رئيسيين :
    الأول : أن الفهم السابق قد يكون منقوصاً أو خاطئاً أو أدخلت عليه مفاهيم مغلوطة بشكل مقصود وهنا تكون القاعدة قد خرجت عن كونها حقيقة مجردة لذا يتوجب إعادة فهمها أو صياغتها بالشكل السليم ولو جاء ذلك متأخراً .
    الثاني : أن القاعدة التي ارتبط بها الحدث أو الواقع ( النتيجة ) قد تكون كما عرفت صحيحة تماماً , إلا أن هناك حالة أو حالات من الشذوذ قد رافقت التطبيق ( الفعل ) أو طرأت عليه ( فانحراف نجم أو نيزك عن مساره لايعني قطعاً أن قوانين الجاذبية خاطئة ) لكنه قد يكون قد تعرض لفعل طارئ أو مؤثر خارجي حرفه عن مساره.
    لذلك نرى أن العلمانية هي كل ذلك ولاترتبط في وعينا أو مفهومنا بجانب دون الآخر بمعنى أنها كل متكامل , أما النظرة المنقوصة أو الفهم المنقوص لها يكون أحادي الجانب يناقضها تماماً كوحدة مفهوم شاملة وهذا الفهم المنقوص يكون مقصوداً غايته الافتراء على العلمانية وتشويهها في وعي المجتمع الذي يتسم القسم الأكبر منه بالتدين ولأن العلمانية تتناقض مع المفاهيم الدينية المغلوطة وتنسجم مع جوانبه الصحيحة (المنطقية العقلانية) فإن هذا يؤدي الى نسف مرتكزات أصحاب النظرة الضيقة المتشددة وتزعزع مصالحهم التي يراهنون على استمرارها باستمرار تخلف وعي المجتمع والحفاظ على هذا التخلف لأطول مدة ممكنة .فمفاهيمها هذه مناقضة تماماً للحرية التي قدستها الرسالات السماوية وبالتالي فان فعل هؤلاء بالنتيجة مخالف تماماً لأصول الدين الذي يزعمون الدفاع عنه وهم في الواقع يقصدون تماماً تشويهه والحفاظ على المفهوم المنحرف للأخلاق والسمو الروحي .
    نخلص الى نتيجة هي : إن نعت العلمانية بالإلحاد هو الحاداً بحد ذاته لأن الإلحاد والكفر لغة ً يعني دفن الحقيقة والتورية عليها وإظهار مايخالفها , فإذا كانت العلمانية كما بينا تشتمل على قيم وقواعد الحق , والحقيقة , والحقائق العلمية والإقرار بكل ذلك فان مجرد اتهامها بالكفر والإلحاد أو حتى استبدال تسميتها يصبح المقصود منه التنكر لهذه القيم والقواعد , فما هو البديل الذي يعرضه هؤلاء المكفرون ؟؟؟ الجواب واضح, فهل بعد ذلك كله يمكن لمن يدفن هذه القيم والقواعد ويتجاوز على الحرية أن يتهم الآخر ( العلماني ) الذي يفهم الدين بوجهه الحقيقي السليم والصحيح بالكفر إذا اتفقنا على معنى الكفر ؟؟!! فهل يعقل أن يقوم الكافر بتكفير الغير .؟؟!!
    فإذا أجاب بأنه لم يكن يعلم بهذه الحقائق ؟ يكون قد أضاف حكماً آخر على نفسه كونه حكم على( الحق والحقيقة والحقائق العلمية) من موقع الجاهل ودون إعمال العقل مايريده الآخرون المشبوهون ( هذا واقع نراه سائداً في مجتمعاتنا بكل أسف ) ويتوجب علينا تكثيف الجهود لتغييره وبإلحاح شديد , وإلا فإننا سنبقى على هامش التاريخ وعلى هامش المساهمة في الفعل الحضاري الإنساني .
    بالنتيجة يمكننا تلخيص شروط العلمانية وفقاً للحقيقة كالتالي :
    1- فصل الدين عن السلطة ( العمل السياسي) : ضماناً لحرية المجتمع , وأن تكون حرية المعتقد أمر خاص بالفرد يمارسه وفق مشيئته وبشكل لايتعارض مع مصالح المجتمع وحرية بقية المعتقدات , بعيداً عن أي شكل من أشكال القسر والإكراه والضغط والإلزام المادي أو المعنوي , ذلك أن هذه الحرية يجب أن تكون مقدسة ومصانة وفقاً لنصوص قانونية عصرية متطورة تراعي أدق التفاصيل , علماً بأن هذه الحرية مصانة ومقدسة وفقاً للرسالات السماوية والكتب المقدسة .
    2- حرية المعتقد والانتماء : وعدم المساس بها كما أوضحنا صيانة لحقوق الأقليات وباقي أطياف المجتمع الأخرى دينية , أثنية , عرقية , لون أو جنس ( نوع ) وضماناً لعدم تجاوز شريحة على أخرى سواء من حيث العدد أو القوة المادية أو المعنوية فالجميع يستقوون بالوطن وتحت سقف المواطنة والوطنية يلتقي كافة أبناء الوطن الواحد
    3- حرية المرأة وضمان حقوقها الكاملة : فإننا نرى حقها في المشاركة التامة في كافة مجالات الحياة التي تعبر عن مقدرتها في خوضها ( اجتماعياً – اقتصادياً – سياسياً ) على قدم المساواة والندية مع الرجل بدءاً من ضمان حقوقها القانونية العادلة ضمن مؤسسة الزواج أسوة بالرجل خاصة وأن القانون لدينا غير عادل على الاطلاق مع المرأة ( لأنه يراعي نظرة الرجل الى المرأة في حالة الخطأ على أنها دفاع عن الشرف ولا يراعي بالمقابل نفس النظرة بالنسبة للمرأة ) وحفظ حقها في العمل والترشيح والانتخاب وفق ماتؤهلها عليه ثقافتها وتحصيلها العلمي والخبرة المكتسبة والمقدرة على تحمل أعباء المسؤولية وفق قرارها وليس وفق تقديرات الآخر .
    4- ان إحساس الفرد بالحرية وممارسته لها وشعوره بأن حقوقه تصله كاملة ولا يستطيع كائنا ما من أن يعرقلها يجعل الالتزام بالواجب لديه ذاتياً يصل الى حدوده العليا لذا فإننا نرى أن هذا الفرد أكثر شراسة في الدفاع عن وطنه ومجتمعه من ذلك الذي تحركه مشاعر عاطفية بحتة تتلاشى تماماً عند اصطدامها بالواقع لذا فان دورنا هنا يتجلى في إعادة صياغة المواطن الحر الواعي الذي ينعم بحقوقه كاملة وتحمي إنسانيته قوانين متكاملة تعاقب بشدة كل من يعتدي على حقوقه أو ينتقص من إنسانيته لنصل الى المواطن الملتزم ذاتياً .

    تعد العلمانية من اكثر الكلمات فى قاموسنا اللغوى تعرضاً للظلم البين والخلط الشديد عن عمد أو عن جهل، وهى قد اصبحت وصمة عار لكل من يتلفظ بها، أما من يجرؤ بأن ينتسب اليها فقد اقتربت رقبته من مقصلة التكفير واصبح هدفاً لحد الرده وكيف لا وهو منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة فى راى دعاة الدولة الدينية!!
    والسبب فى هذا الموقف المعادى للعلمانية هو الخلط بينها وبين الالحاد،اما السبب الأقوى فهو أن العلمانية ستسحب البساط من تحت أقدام المستفيدين من دعوة الدولة الدينية والمنظرين لها فهى تدعو لحوار الأفكار على مائدة العقل وتعريتها من رداء القداسة الذى يغطيها به هؤلاء الدعاة للوصول إلى أهدافهم وهذا كله يجعل من السمألة مسألة بشرية بحتة،فإذا كان حديثهم عن البركة فى الاقتصاد الاسلامى حولته العلمانية لحديث عن محاولة خفض نسبة التضخم وزيادة الدخل القومى، وإذا كان كلامهم عن حكم الله حولته العلمانية الى كلام عن الديمقراطية والدستور لتنظيم العلاقات بين البشر، فالله لا يحكم بذاته ولكن عن طريق بشر أيضا لهم اهواؤهم ومصالحهم التى لابد من تنظيمها، واذا كانت قضيتهم هى قراءة الماضى فقضية العلمانية هى صياغة المستقبل .
                  

01-31-2006, 09:27 AM

charles deng

تاريخ التسجيل: 09-27-2005
مجموع المشاركات: 503

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مفهوم العلمانية للعلمانيين فقط (Re: ياسر حسن المبارك)

    Ustaz Yassir Hassan al-Mubarak
    Thank you for this intellectual and exhaustive definition of "Secularism". However, the Islamists will come back and tell you that a secularist is a person who does not believe in God. My dear, Islamists, a secularist in simple and straightforward definition is a person who does not mix religion with politics. A person who does not believe in God is called atheist. You, Islamists, I hope God has given you some brain at the time he was creating you, such that you can differentiate between Atheism and Secularism.

    (عدل بواسطة charles deng on 01-31-2006, 09:31 AM)

                  

04-01-2006, 11:09 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مفهوم العلمانية للعلمانيين فقط (Re: ياسر حسن المبارك)

    ********8
                  

04-02-2006, 00:42 AM

Mohamed E. Seliaman
<aMohamed E. Seliaman
تاريخ التسجيل: 08-15-2005
مجموع المشاركات: 17863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مفهوم العلمانية للعلمانيين فقط (Re: Sabri Elshareef)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de