لا تدع أجنحة العشق تحلق بقلبك في فضاءات الجنون . اطلق موسيقاك حتى لا تفتك بك غيلان الوحشة .. بهذا الاستهلال الرائع تبدأ قصة مريم عسل الجنوب ، وكأني بعثمان حامد يقدم لنا نظرية تصلح أن تصبح منطلقا سيكولوجيا ينقذ كل الذين يعانون من إحباطات العشق . كأنه يقول لنا أن دروب العشق واسعة ، وأنها ممتدة ، وأنها لا تضيق إلا بمن يحبس نفسه داخل قفص حديدي يصنعه بنفسه ... الحرب حالة قائمة في مجتمعنا الإنساني ، نكرهها ، لكنها تفرض نفسها علينا ، وربما يفرضها علينا البعض فلا نستطيع تحاشيها ، ومن السهل جدا أن تنطلق الشرارة الأولى لأي حرب ، لكن تحديد لحظة إسكات الطلقات لن يكون أمرا سهلا ... صعدت إليها بقاطرتي البخارية وعلى عتبات مجلسها العالي جثوت وقدمت لها بيد مرتعشة شطائر محشوة بعصب القلب . إلى أن يقول : هي الياسمين ، وأنا في أغلال جنوني ووحشتي ، تعلقنا معا بخيط من الدهشة . فتحت قصباتي في مهب ريحها العالي وملأت رئتي بحديثها المضمخ بالعطر وبعض الشوق ... لكن الحال يتغير ، فالحرب تؤثر فينا ، كما نؤثر فيها ، فحين جاءه نداء الحرب : فتراجعت فتاتي وقالت إنها ليست لي فلربما أهلك ! تبدلت تقاطيعها وخبا نور جبينها وتلاشت ابتسامتها الوضيئة .. وكما الحرب حالة قائمة ومفروضة علينا ، فإن الخوف من الحرب يهزم الكثير من العلاقات الإنسانية التي تقوم على افتراض السلم الدائم .. وكما هي هشة هذه العلاقات ، فإن القاص لم يتوقف عندها كثيرا ، بل مرّ عليها مرورا خفيفا ، بل قل كان وقوفه عندها هشّا كمثل هشاشتها ... لكن تجاوز هذا الأمر لا يمكن أن يتم هكذا في لحظات دون أن يترك أثرا في النفس البشرية .. يقول القاص : ولما لم أجد هجاء مناسبا سلخت السنوات التي قضيناها معا من قلبي وانطويت على جراحي وأنا أحزم عدتى وعتادي .
ثم يسأل عثمان حامد سؤالا هاما : أين يكمن عذاب نفسك ؟ ويمنح نفسه خيارات لاختيار الإجابة : في ممارسة فتاتك الغاربة للذة الانفصال أم في تلك الكوابيس الموحية التي تدهمك كل ليلة ؟ لكنّ عثمان حامد يترك الإجابة على التساؤل للأيام ، وينطلق بنا عبر النيل موحيا إلينا بأن الحرب تفسد جمال الطبيعة وتشوهها ، فالحرب حرب على الجمال ، والوداعة ، والهدوء ، وطبعا هي حرب على السكينة وهي حرب على العشب والماء والحيوان .. يقول القاص : الباخرة النيلية تنساب متهادية لا يعكر سيرها غير أفراس البحر النافقة بأطرافها الممزقة وعفونتها التي تملأ الجو تكتم الأنفاس ، تلك الرائحة العجيبة التي تلتصق بالمسامات وتسد منافذ النفس .. وأنت لم تصل بعد إلى دائرة الحرب ، لكن آثار الحرب تصلك وأنت هنا بعيدا عنها : الأكف الأخطبوطية التي تتراءى لك متراقصة بأصابعها المعروقة تلقمك نتف اللحم المهترئ ، تصرخ فزعا من نومك مع ارتفاع قرع الطبول وأنت في رقصتك الهياجية لتخليص جسدك من حبائل أعشاب النيل المتشابكة وزهراتها البيضاء والبنفسجية الرقيقة القاطعة كشفرات . ثم يقول : يتصبب منك عرق كثير يفيض من أطرافك ومن جبينك ثم ذلك الصوت الحاد الذي ما فتئ يهتف بك بترداد الصدى العميق المتوحش حتى طلوع الفجر ، كاد أن يهشم مقابض الصداع في رأسك ويصيبك بنوبات متلاحقة من الانهيار والصرع .
03-02-2006, 06:53 AM
Mohamed Abdelgaleel
Mohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 10415
الأستاذ ود قاسم .. الشكر لك وللأخ عثمان حامد سليمان على روعة ما أبدع ..
فالحب والحرب .. هما لب الموضع وشكله .. وقد تشابها فتشاكل الأمر .. والكتابة عنهما وفيهما تتحرك أقوى المشاعر..
ولا يعرف لذة السلام إلا من عاش أهوال الحرب ..
فالحرب تفصل البشر بخلق أسباب الفصل العدائي .. وتفصلهم بالموت والتشريد .. فليس قوياً كقبح الحرب إلا قوة شراهة تجارها الذين لا يطيب عيشهم إلا بخلق أسبابها وإذكاء نارها .. قاتل الله من يضيق واسعاً .. ويقفل باباً للسلم إلا دفعاً لظلم..
والحب ذاته فيه منها فـ: من جرب الحب لا ينسى مواجعه ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا
03-15-2006, 07:00 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
محمد عبد الجليل لك الود نعم أخي إنها الحرب وإنه الحب ، تلك تعني الدمار والخراب ، وهذا يعني الجمال والنماء ... لكن الحرب الحب دائما يتحدى الحرب ، وهو الذي ينتصر ، ربما بتضحية كبيرة ، لكن نصره مؤكد ...
03-02-2006, 02:05 AM
mohmmed said ahmed
mohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 9242
ودقاسم احيك على مبادرتك للكتابة عن القاص المبدع عثمان عندما قرات مريم عسل الجنوب استرعت انتباهى اللغة الحارة المتدفقة لغة تقول فى عنفوان وفى سياق فنى محكم با نحياز للانسانى والخير نصوص عثمان حامد تجعلك تلهث وانت تجارى الصور والعبارات اعود لمكتبتى وانفض الغبار وابحث عن عسل الجنوب وارافقك فى رحلة الاستمتاع بالغوص فى عالم بديع ومدهش
الأستاذ محمد سيد أحمد لك التحية والتقدير حقيقة هو غوص في عالم مدهش ، حيث اختار عثمان شخصيات قصته اختيارا محكما ، تلك التي أسماها الفتاة الغاربة ، راحت سريعا لأنها استحقت ذلك ، فمثلها لا يترك بصمة في مجتمع ، وهي تعبر عن حالة الذين يفضلون دائما أن يعيشوا على هامش الوهم الاجتماعي ... والطيب الأمين ( لاحظ الاسم ) ، هذه المسألة لم تكن اختيارا عشوائيا ، ووالد مريم ذاك الرجل المنحدر من أعماق الجنوب ومن سلاطينه ، كيف قابل صهره بعزة نفس ، ثم استجاب بعد أن تكشفت له إنسانيته وجديته ،،، وكيف خرجت مريم من هذه الزيجة واتجهت شمالا برفقة أمها ، وخالها غبريال أيضا كان هناك ... وحقيقة الأخ عثمان صديقي ، لذا قلت لا بأس ساتعلم القراءة النقدية في كتابات عثمان ، وخفت وأنا في منتصف هذا العمل عندما انتابني إحساس بأني أظلم هذا العمل الرائع بانطباعاتي المحدودة . لكن ما كان يدفعني إلى الأمام أن عثمان لن يغضب مني ، وأنه فقط يمكن أن يقول لي اقرأ القصة مرة ثانية ... وهذا ما سأفعله حتى بدون إشارة من عثمان حامد ...
03-02-2006, 05:22 AM
عبدالله الشقليني
عبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736
لعله انعطاف غير المألوف أن نقرأ كتاباً في القص للكاتب : عثمان حامد سليمان . من اللغـة الباذخة التي تُدخِلك طقس الحدث . في اللغـة و كثافتها وحمولاتها الفكرية . نسيج القص وكبسولات الرؤى . التصوير الدقيق للظواهر والأجساد والنفوس ، و خليط الجميع في صور حياتية رائعة تكاد تُمسِك بها بعينيك التي بهما تقرأ . بدأت قبلاً في قراءة إحدى قصص المجموعة : ( مريم عسل الجنوب ) ، وعبر لقاء صحافي نقله إلينا صديقنا الشاعر : بدري ألياس ..بدأت. قُلت لنفسي أن أقرأ وأكتُب إحساسي بالعمل ، ثم وجدت نفسي في كون مُتمَدد لن تكتَمل قسماته أبداً ، كنـز يُضيء بنفائسه ولا يترُك لك وقتاً للإحاطة به . اللغُـة المُنضدة ، تبدُو بنقشها كسجادة صُنعت للقصور ، تخطت كل الجسور لتكون بيننا ، فقد كتب عن أبطال يُمكنك أن تلمحهم ومن عامة الشعب . غنية هي تصلُح لمادة درس أو تتبُع الفكَر من وراء نسيج القص . شكراً لك أن فتحتَ علينا هذه البوابة ، وأطمح أن تُبحِر أعمق مما تيسَر لنا ، أقول الماء يُجرِّب الغطاس الماهِر . إنها لسانحة لنمُد يدنا نَشُد على يد القاص : عثمان حامد سُليمان ، فقد كانت المجموعة تميمة بدأنا بها صداقة يَعتز بها العُمر .
الأستاذة نادية عثمانتحيات ومودة تابعي ، فأنا أعرف أنك الأديبة الأريبة ، وأن الأمر همّ دائم لديك ،،، كوني معنا ، اقرأي عثمان حامد من خلال قصة مريم عسل الجنوب ، ثم تعالي إلينا برؤاك ..
03-16-2006, 00:32 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
من المؤكد أنني لا أستطيع ، فأنت قدمت للغة عثمان حامد وتصويراته ونسيجه القصصي بلغة لا أملك أمامها إلا أن أفتح فمي وأعيد القراءة مرات ومرات .. ليتك تتصدى لإحدى قصص عثمان حامد ، وتمنحنا المزيد من المكنونات ...
03-02-2006, 12:14 PM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
مرات عديدة قرأت وصف الحرب ، ومرات عديدة استمعت للمراسلين العسكريين وهم يملكون أدوات التصوير ، وأدوات التسجيل الصوتية ، وأفكار الإخراج والمنتجة ... لكنّ وصف الحرب عند عثمان حامد يجئ بلغة ، ومفردات ، تجعلك تقرأ وتعيد القراءة مرات ومرات ، وتدفعك بكلياتك إلى الميدان لتفحصه وتتعرف على تفاصيل قسوته رغما عن رهبته ، وكل شحنة الخوف المسيطرة على دواخلك ... دعوني آتيكم بنصٍ يقيض بمفردات الحرب وتعابيرها عند سليمان حامد : من لتلك الأطراف المحروقة والعيون المفقوءة والأرواح المقتلعة ، بعد أن لفها الصمت الجبان في تلك المناخات الكئيبة الخرساء ! أخرجه صوت النفير من سهومه العميق ورددت الشطآن نعيه للأرواح العائدة من مستقرها الأخير قبل الانشطار . ثم يقول : هي الحرب إذن . مطاردة فرائس الظلام المذعورة . العدو الخفي ، انت أيضا عدو له ، يكمن لك وتكمن له . القصف بأشكاله ، اقتناص حركة ، الحصار وفك الحصار ، حقول الأغام ، الحمى وانتشار الأوبئة .. ثم يعود ليصف الطبيعة وهي تقاوم كل هذا فلا تتوقف : فهذا أوان تناسل الهوام ، الفحيح ، الهسيس والطنين ، البعوض العدو المشترك ... وينتقل إليك وأنت في الحرب ، يصفك بما لا يترك لك مجالا لخوض حرب أخرى : تسلّخ الأقدام من السير لمسافات طويلة ، تقيّح الجروح ، الخبز ألجاف وماء الشراب المتغير اللون والرائحة ، المبيت في العراء والكمون في الخنادق ، الاختباء عند مغيب الشمس والحركة المتوجسة الحذرة مع أول تباشير ضوء الفجر . تنصبّ على رأسك الحمم ، لا ترى أحدا ، فقط تسمع أنين الجرحى ، تغرق في دماء المصابين من عصبتك ، ويناقش عثمان حامد المحركات والدوافع والحالة النفسية للمقاتل وصراعاته الداخلية : النجيمات على كتفيك تدعوك للتماسك والصمود رغم خيارك أن لا تقاتل إلا دفاعا مشروعا عن النفس . تطوي إيمانك هذا في دخيلتك فلا يطّلع عليه أحد ، وتحس أنك تسير معصوب العينين وأنّ هناك من يدفعك لهذا الاتون وأنت أسير مغلول اليدين ، سيصمك بالخيانة .. ثم النتيجة الكلية على المستوى الخاص والعام : يا لهذه البطولات كالفقاعات ، حريق القرى الصغيرة الوادعة ومطاردة الفلول العاجزة المغلوبة ، تفر من وجه النار المجنونة .. تلك التذكارات المجانية البائسة من القتلى الذين أسقطهم جنودك ، حذاء ، صديري ، بطاقة هوية ، قبّعة ، قطعة سلاح ، رتبة عسكرية أو تعويذة ... وملخص هام يضعه عثمان حامد لنقرأه ، ونعيد التفكير فيه آلاف المرات ، عسى أن نقلع عن صناعة الحرب ، وتوليد بذرة العداء من صلب أوهامنا ، يلخصها عثمان في جملة واحدة : تبادل الأدوار بين الصياد والفريسة وتخوم أوهام العداوة والكراهية .
03-02-2006, 01:02 PM
معتصم الطاهر
معتصم الطاهر
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 3995
عندما أهدانيها مؤلفها اضطررت لقراءة صفحات منها مباشرة حتى شعرت بالاحراج كنت أود قراءة سطور منها.. ولكنها أخذتنى ..
عثمان حامد استطاع أن يجذبنا الى عالمه التفصيلى الانسانى .. ويربط اللغة الذاخرة بالحدث .. هو صاحب عبارة غنية لنا عودة للكتابة بتفصيل فهو كاتب لا تكتب كلمات وتنصرف وكتابه لا يمكن أن تقرأه مرة فتقول )وصلت) لا لم اصل بعد ..
03-17-2006, 07:02 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
أستاذنا معتصم الطاهر لك التحية والود ، وشكرا لزيارتك لهذا البوست ، أتفق معك في أنك لا تستطيع أن تقول أنك وصلت ، فالكتابة هنا عميقة جدا ، وهي تسوقنا إلى أعماق إنسانيتنا، فنعود منها ونحن محملين بالكثير ... حقيقة وجدت نفسي أقرا قصص عثمان حامد أكثر من مرة ، وفي كل مرة اكتشف مفردة جديدة أو تعبيرا جديدا ، كما أنني معجب جدا بطريقته في الاستهلال ، وتلخيص النتائج كلها في جملة أو جملتين ، وكأنه يقدم لنا نظرية ...
03-03-2006, 07:38 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
في الجزء الرابع من القصة نقلنا عثمان حامد فيما يشبه الحلم إلى تفاصيل جغرافية المكان ، ليله ، القرية بتفاصيلها ، انثروبولوجيتها ، أدبها ، حكمتها ، وفخارها ، و طقوس الرقص ، وتبادل أدوار التقارب بين المرأة والرجل . لم يحدثنا عثمان حامد بلسان البطل هذه المرة ، بل حدثنا بلسان الراوي ، ويلاحظ أن عثمان يبدّل دور الراوي بدور البطل في القصة في توالٍ فني رائع ينقل من خلاله القارئ من مرحلة إلى مرحلة وكأنه يسعى إلى تجنيب القارئ حالة الملل التي يخشاها الكاتب المتمكن والتي يمكن أن تصيب القارئ جراء اتباع أسلوب سردي مطوّل وممل . ويستهل عثمان هذا الجزء بدفعة قوية نحو الأمل ، وهو ديدن عثمان في قصصه ، يسوقك إلى التعلق بآخر جزئيات هذا الأمل ممهدا لك الطريق لتصنعه بنفسك ، دون أن يتخلى عنك في منتصف بلوغك الأمل .. يقول عثمان حامد : كان يحس أنه سيغادر هذه الوحشة – لا محالة – بقلب جديد ، وأنه سيدثّر جسده المنهوك – في نهاية المطاف – محميا بحوائط مدينة الشمال السمراء الحزينة . وبعد نجاته سيتسقط قطرات الضوء الرمادي ويمد يده حاملا كأسه الفارغة ليملأها من بئر العتمة ، بالشراب المذاب في اللهب ، يتجرع الطعنات والوخزات من كل صوب . ثم يقودنا عثمان إلى فرضية جديدة قديمة ، وهو يعلن لنا أن الإنسان قادر على صنع أحلامه بنفسه ، يحدد موعدها ، ويوجد هو آلياتها ، ثم ينفخ فيها أمانيه ... يقول : كان قد هيأ في نومه المضطرب مساحة للأحلام ومدّ على بساط الراحة القلقة سيقان التذكر وتمنى أن تتفتح أمام عينيه زهرة .. والانسان في كل مكان يتساءل عن بيئة الآخر ويلحظ صعوبتها ، ثم يتهيبها ، لكنه سرعا ن ما يكتشف أن القدرة على التكيف ، واختراع وسائل المقاومة ، كلها تعمل لتجعل الحياة ممكنة . انظر كيف يجعل الناس هنا من أول المساء وقتا ملونأ بالألوان التي تريح مزاجهم ، وتناسب حركة الحياة في وجهها الاجتماعي والاقتصادي : بدأ في أول الليل باستنشاق رائحة الحطب المحروق . الدخان المبلل المتصاعد بصبغ السماء بتلاوينه ، يكتم أنفاس الهوام المتطايرة السابحة في الفضاء المقيد ، دخان روث البهائم .. سرت الحياة في القرية الصغيرة بأكواخها الساحرة كأنها بعض نبات الأرض البري . عاد الرجال من النهر بعد أن جذّفوا بقواربهم الشبيهة ببسط الحصير وقدموا بضائعم البسيطة للمقايضة مع ركاب الباخرة ..
03-04-2006, 00:14 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
وكأن عثمان حامد يمهّد لدعوة القارئ لمتابعة حفل مسائي يبدأ الإعداد له بصفاء الجو المحيط ، وهروب الهوام ، ثم ينقلنا مباشرة إلى المسرح الذي يقام عليه الحفل ، والكل حضور ، رجال ونساء ، شيوخ وأطفال ، يرقصون ويمرحون وكأنهم يمدون لسانهم لتلك الحرب اللعينة التي ظنّ صانعوها أنها ستمكّنهم من إيقاف عجلة الحياة . يقول عثمان حامد : بدأت أمسية الطبول وقد تدافع الفتيان والفتيات ليشكلوا صفوفا متقاربة يشاركهم كبار السن والأطفال . يرقص الفتى الذي يزين عنقه وصدره القوي بالقلائد والعقود المنظومة بتناسق والسلاسل الملونة بزركشات بديعة ، يلفت بها أنظار الفتيات الحسناوات ويدلل بها على استعداده للاقتران . وتبدو لنا بوضوح هنا سوسيولوجية الرقص والزينة ، حيث أنّ هناك معنى سوسيولجيا لكل حبة خرز أو ريشة تعلو الرأس أو حزام حول خصر ... ويستمر عثمان حامد ليدخلنا في تفاصيل أكثر تنقلنا إلى بعد آخر لحلبات الرقص ، ذلكم هو البعد الروحي: تهتز رؤوس الراقصين بأعراف الريش الملون وتنتفض أجسادهم على إيقاع الطبول المجلدة والمزينة بفراء الفهود . يتقدم الحلبة حارس القرية وحافظ سرها وأسرار أسلافها ، قطبها الروحي ، وصمام أمانها من الكوارث والنوائب .
إن كانت الحرب بشعة ، فإنها عند عثمان حامد أبشع ،، الموت ، ونقص في الأنفس ... أرامل المدينة البعيدة ، وأيتامها ، وفي عبثية لا تنتهي تجد أن النفير يتجدد ، والجنود يتناقصون كل صباح . والشمس لا تأبه ، والصباح يتجدد بأسى جديد ، والمساء يمارس حزنه في سكون ...
اقرأ ما كتبه عثمان :
كل صباح تدخل الشمس من نفس النافذة . كل صباح يدخل صوت النفير مع ضوء الشمس من النافذة . كل صباح أخرج من الباب بعد أن أتناول إفطارا جافاً . كل صباح نحصي عدد الجنود فنجد واحداً ناقصاً . عندما تخرج الأخبار من غمدها وتعبر الشاطئ لتدخل في علبة الأثير النقالة ، يصبح الصباح ، فإذا بالمدينة البعيدة أرملة أخرى وحفنة أطفال تيتموا . يأتي المساء بصفوة الظلام والسكون ، وعندما تدخل الشمس من النافذة نفسها يتبعها صوت النفير ويصطف من تبقى من الجنود .
03-03-2006, 11:24 PM
هشام المجمر
هشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533
شكرا لك ود قاسم على فتح هذه النافذة لكى ينساب منها هذا الهواء العليل المضمخ بكشكول من جميل العطور.
لا اريد ان اقطع عليك استرسالك و جريك خلف" مريم عسل الجنوب" لكنى اريد أن ابعث عبر هذا البوست بتحية لكاتبنا صاحب هذه اللغة الباذخة و المضمون الفاتن. صباح جميل لك صديقى عثمان حامد.
سوف اعود لكن لقصة أخرى فى هذه المجموعة الجميلة بعد ان تنتهى من مريم عسل الجنوب يا ود قاسم
03-18-2006, 01:38 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
كتب هشام المجمر : سوف اعود لكن لقصة أخرى في هذه المجموعة الجميلة ليتك تفعل ، وأعتقد أنك خير من يكتب عن قصص عثمان حامد ،،، وقصص عثمان حامد جديرة بالجري واللهاث ، وجديرة بالتمعن والدراسة .. ومن هنا أبعث بتحية صباحية لكاتبنا وصديقنا عثمان حامد .. والتحية لك صديقي هشام ولكل الجميلين في هذا العالم ...
03-03-2006, 11:27 PM
هشام المجمر
هشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533
أبوذر بابكر طاغور المنبر تحية لك تعدل عطاءك الأدبي وجمال روحك ... ليتك تتلمس معنا من خلال هذا البوست هذا الجمال الذي حمله إلينا القاص عثمان حامد سليمان ، ولتحدثنا حديث العارفين عن مفردات عثمان واستخداماته للغة ، وملكة السرد عنده ... اعطنا قليلا من وقتك أباذر وقل لنا إن كان حقا لنا أن نحتفي بمريم وأخوات مريم ..
03-04-2006, 02:48 AM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
الأديب ، الناقد عبد المنعم عجب الفيا لك التحية والمودة ، لا أسكت الله لك حساً ، خاصة بعد أن دخل أناس من أمثالي إلى مجال تخصصكم ، وحقيقة كنت أعلم أنني لن أوفي قصة مريم عسل الجنوب حقها ، إلا أن بعض هدفي كان تحريك حاسة النقد لدى المبدعين والمجودين ، وها هي الطاقة انفتحت كما جاء في قولك ، وهي ( أي الطاقة ) تنتظر نسماتك لتدخل عبرها ، علها تنعشنا ، وتفتح لنا آفاق السياحة في قصص عثمان حامد .. إني أنتظرك ...
03-04-2006, 04:55 AM
أحمد طه
أحمد طه
تاريخ التسجيل: 03-31-2004
مجموع المشاركات: 580
اللغه عند صديقى الاستاذ عثمان حامد مثل نساء الزنج (طيعه) و (رائعه)...كماقال شاعر سودانى متصالح مع نفسه .. قالها ومضى . بتول عثمان حامدتزوره يوميا.. تتخطر أمامه كل يوم بثوب جديد..و me too .. عشاقها كثر .. ولايستدعى ذلك غريزة الغيره لدي عثمان.. يغض البصر ليتيح لهاالمجال لكى تتقطر مزيدا من عسل الجنوب عطية بيضاء من ( صعاليك النحل ).. شكرا عاطف خيرى لوصفه الودود للنحل حين رفع الكلفه ونادى النحل بالصعاليك فأترف فى الوصف .. اللغه عند كليهما .. عثمان وعاطف تتخطى مجال حروف نطقها الى فضاءات يحلو التحليق فيها..
03-19-2006, 01:11 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
Quote: عثمان وعاطف تتخطى مجال حروف نطقها الى فضاءات يحلو التحليق فيها..
الأستاذ أحمد طه التحية لك وعظيم الشكر على المداخلة القيمة ، ووصفك للغة عثمان حامد بليغ ، وكنت قد بحثت عن وصف مشابه لكني لم أعثر عليه إلا في مداخلتك ... وبين عثمان حامد وعاطف خيري الكثير ، وهما اخوة في الإبداع . وليتك تقيم لنا مقاربة بين المبدعين لنستمتع بفخامة إبداعهما ، ولنستكشف المزيد مما هو مشترك ..
03-05-2006, 00:25 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
لو أن عثمان حامد مضى في حربه حاملا سلاحه ، هازما أو مهزوما لقلت أن عثمان لا يعرف الحرب .. كنت سأقول أن عثمان حامد يكتب عن الحرب وهو لم يشهدها ، ولم يتابع أخبارها ، ولا علم له بعلوم الحرب ... لكن عثمان ينقلنا إلى الهدنة ، وهي حالة من حالات الحرب ، لكنها تفرض سلما هشّا ومؤقتا ،،، ينطلق فيه الناس ليشتروا حاجياتهم ، ويعيشون خلالها حياة شبه عادية لكنها مليئة بالتوتر والحذر ... وها هو عثمان حامد ينقل عالمه كله إلى هذه المرحلة وكأنها صبح جديد يطل من خلف سنوات من العتمة :
أعلنت الهدنة فنثرنا على الجراح بعض الثلج وأدخلنا سيوفنا الملتهبة في أنقاض بيوتها ، حبسنا الدمع في غمده المتداعي قلت أخرج لأحاور مويجات النهر وأتتنسم فرحة العشق المتراقص أداعب البراعم المتفتحة ، وألامس الزهرات وأخرجها قليلاً من إنهاكها وحزنها وانشغالها بالفراشات.
وهل في ذلك تمهيد لحدث كبير ؟؟؟ فلننتظر قليلا ..
03-05-2006, 02:13 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
كل الدنيا حول الراوي تتحرك ، الناس يتواصلون ، البريد يعمل ، وتتهيأ الفرصة للرحيل شمالا ، وتبقى عاداتنا هي هي ، كلما وجدنا مسافرا إلى الأهل أودعناه رسائلنا وهدايانا أو جعلنا في رفقته من نخاف عليهم من السفر منفردين .. اقرأ معي هذا : مع إعلان الهدنة قرع بابي من حمل لي رسالة الطيب الأمين وقد قال فيها : ( إنه لن يسرف في الحديث ، لكن زوجته أم جمعه وابنته مريم ستحملان لي جرة عسل ورسالة مطرزة بحروف عجولة وأنه سيدخر لي الثرثرات الحنونة عندما نلتقي بعد أن ينقشع الضباب ... وعلي أن أفسح لهما مكانين متجاورين في سحابة الراحلة شمالاً لنظلل معاً النهر في رحلة هبوطه الطويلة نحو المصب .
وهل كان الرحيل مجرد فكرة ، مجرد خاطرة مرت بالخيال ، فأنتجت كل هذا الجمال ، أم أنه رحيل حقيقي ؟ كيف يضيع الصمت لحظاتنا ؟ هل هي دعوة للحركة ، للحديث ، للصراخ ، أم للرحيل العاجل ... هل هو رحيل الخائف أم أنه رحيل من ينتقل من مهمة إلى مهمة أخرى أكثر إنسانية ؟؟ كيف يكون الرحيل مدخلا لحركة الكون كله ؟ لنرى ما يقوله عثمان حامد : هيأت نفسي للرحيل ـ لم أبدد لحظة واحدة في الصمت . أمسكت بريشتي ورسمت من الذاكرة أعشاش الطير ، عروق النهر وأوردة الماء . مشهد الغابة وأرياح الطين والشجر ، الأشواك المنتصبة والجذور المنسوجة ، الثمر المعلق والمختبئ خلف الأغصان ، اختيال الأيائل ، تقافز الغزلان ، انشغال رعايا مملكة النحل بإفراز الشهد وتشييد العمائر الشمعية ، بيوت النمل بأنفاقها الغامضة المتعرجة وأكوام الأنقاض فوق مداخلها الخبيئة التي نحتتها بدأبِ من أحشاء التربة ، العناكب السوداء الغاضبة ، اليراعات الساهرة ، الجسور المحطمة وهياكل الخراب ... الخراب ، المطر والناس .
يكتب عثمان حامد في الجزء السابع من قصة مريم عسل الجنوب : كنت قد أغلقت أبوابي و أحكمت رتاجات قلبي بعد أن تسربت من كنت أظن أنها حبيبتي ، خلعت قميصها كثعبانِ وتلوت مبتعدةً في حريرها الجديد . أعد القراءة لتستنتج لم جعل عثمان حامد هذا الجزء قصيرا لهذا الحد ... أنظر إلى اللغة والتعابير التي تحمل في طياتها الكثير من التفاصيل ... أغلقتُ أبوابي ،، أحكمتُ رتاجات قلبي ،، تسربَت من كنت أظن أنها حبيبتي ،، خَلَعت قميصها كثعبان ،، تلوّت مبتعدة ،، في حريرها الجديد ،،
03-07-2006, 00:24 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
أنشد العائدون أناشيد الصباح الجريحة وهتفوا من أعماقهم . قربوا رؤوسهم وتعاهدوا على النسيان ، الجراح والأسى والألم ، كتبوا على أنفسهم أن لا تذهب تلك الأرض وأقسموا أن تبقى مشاهدها ما بقي الماء في مآقيهم ثم مهروا كتابهم بدمهم .
جراح الحرب وجراح الحب كلها تجعل من أناشيدنا الصباحية أناشيد جريحة . لكن النسيان والمضي قدما بعزمنا وإصرارنا على عدم قبول الهزيمة هو ما يريده عثمان حامد ...
03-07-2006, 03:04 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
كيف يبدأ الحزن ، ويستمر ؟ وهل يتبدد أم أنه يبقى حزنا دائما ؟ أعتقد أن عثمان حامد قد مهّد طويلا لمبددات الحزن ، وهاهو الصباح يطل بوجه جديد ، فيفرض واقعا جديدا ، إنه صباح اللقاء الأول بمريم ، والذي بدّل كل صباحات الحزن بفيض من الأمل ... لنتابع كيف خرج الأمل من عمق الأزمة ، كيف أن الناس ليسوا أعداء عداء مطلقا ، كيف أن الجنوب والشمال وهم صنعناه وصدقناه ، وكيف أن تشابك أغصاننا ، وجذورنا تقول أننا في الأصل بشر ننتمي إلى وطن واحد ... أنقلكم إلى عثمان حامد واللقاء الأول مع نقاء مريم ، نقاء الإنسان وجماله وصفاء نفسه الذي ينقل الإنسان إلى باحات الفرح ومهرجانات الضياء ...
أرسل الصباح شعاعه الحزين واقترب من وحشتي كنت سأنهض قبل الضحى إلا أن طرقاً خفيفاً بدد تلك النوايا. فتحت بابي فغمرني ضوؤها الباهر ، أصابني ما يشبه الصعقة ، تناثر النسيم ، الرذاذ والوميض ، رفرفت الريح وأطلقت أثوابها الهفهافة . عبق الصفصاف انفتحت أبواب الشجر الأخضر وانداحت الغمامات الزرقاوات . كم كنت وحيداً. وهذه هي مريم البهية في حضورها المنير يسبقها عبقها تمد لي يدها اللدنة لتنتشلني وأنا أتلوى كالغريق يصارع الماء القاتل كأني قد مددت لها ذراعي لتغرز إبرتها في وريدي ليسري دم جديد . توهمت أنني قد غادرت منفاي ، وكأن الحبال التي تحاصر روحي قد أخذت في التفتت ، كأنني ارتميت على سندس الأفق ، هكذا انكشفت مغاليقي على كنز الخرافة وعدوت إلى باحة الشروق . نظرت إليّ أمها بعين عرافة وأنا مأخوذ ، فكأنها تخاطب شهاباً عابراً ، مدت لي يداً صديقةً مصافحةً فأفسحت لهما فدخلتا . كنت ثملاً بعطر مريم وبشعرها القصير وبعينيها القتالتين ووجهها بتقاطيعه المصقولة ، فقد بدت في وقفتها المتحفزة كأنها غزالة وحشية لطيفة هيفاء . تحدثنا فكانت تلتقط خيطاً وتنسج شبكة من حرير تكبل بها قلبي ، ولما بلغ تعبي مداه ولحظت أمها ما أحدثته هذه الفتاة في نفسي قالت : ( فلنسترح قليلاً ) . كانت أمها تدرك أن ما من شيء يمكن أن يفرق بيننا وأنني قد ربطت نفسي برباطِ لن ينحل وأن مريم هي امرأتي التي تخفي قناديل روحي وأن الضياء الذي يغمرني هو قبس من هذا الحب الذي يملأ جوانحي . ولن أتمهل ... فأدعوك يا مريم كي تمضي معي مفتوحة العينين بحديثك الطلي إلى باحة مهرجان الفرح ، لنجد قلبينا منهمكين بالبراعم والثمر ، ونقيم عرسنا ويهدي قلبي قلبك وشاحاً مذهباً ونستظل بعرائش الغابات ، نتحدث بلغة البحر وتعابث أجسادنا امتدادات السهول والبراري ، ونقصّ على شاطئ النهر في أمسيات الصيف حكاياتنا الجذلى ونتفرغ برهة للظل في الحديقة ولعناق الفاكهة .
لا تخلو قصة من قصص سليمان حامد من مثل هذه الخلاصات التي تشبه الدرر .. انظر إليها في سياقها ، ثم أعد قراءتها .. فالرعود امرأة تلد المطر والبروق كاشفات الأشواق انظر كيف بدأ الحوار بين الطيب الأمين ووالد أم مريم ، انظر إلى اللغة المستخدمة في الحوار ، وكيف تجيء الإشارة إلى أنه لا معضلة تقف أمام الحوار ...
هي امرأة بيضاء الدواخل استحمت في بحيرةِ خرافية سوداء ، وانتفضت . نضت عنها حبيبات الماء ففقدت شعيراتها المتطاولة وعندما ركنت إلى شاطئها عادت السكينة إلى الملامح الطيبة وابتسم الوميض بين انفها وشفتيها الممتلئتين ، فتكاد ترى شيئاً كاملاً تشف عنه تلك الدواخل ، فالرعود امرأة تلد المطر والبروق كاشفات الأشواق وجمالها بصيلات دمِ الخشب النابع من روح الشجر . قالت إنها حفيدة أحد السلاطين ما أكثرهم وإنها التقت الطيب الأمين والد مريم ذات مساء وهو يهم بإغلاق محل تجارته ، فدخل معها في ثرثرة طويلة وتكاد تذكر حديثه الآن بعد انقضاء كل هذه السنين ، سارت معه وهي شبه مسحورة وقادها إلى دار أبيها ، فتراطنا طويلاً ، علت الأصوات وكادت أن تبلغ – بين الرجلين – حد الصراخ ثم هبطا إلى مدارج الهمس وضحكا معاً ثم تناولا الشراب وبعد أيام قليلة حملها زوجةً إلى دارة وانضوت تحت جناحه حتى أنجبت له مريم .
03-09-2006, 02:13 AM
محسن خالد
محسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961
محسن خالد تحيات ومحبة تعرف ، أنا مقدر إنك مشغول بتيموليلت وسيندي ، ويلاحظ أن الأولى تنتمي لأقصى نقطة في الشمال الإفريقي ، وأن الثانية تنتمي لأقصى نقطة في الجنوب الإفريقي ،،، وطبعا بينهما نساء عديدات ، لكن مريم أيضا تستحق منك وقفة ، أليست هي عسل الجنوب ؟؟
03-10-2006, 05:59 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
ونقطة التقاء الأحبة هي نقطة الانتظار ، يتحدد طولها أو قصرها بقوة ( دائرة الانجذاب ) .. وعندها يضع المحبون رحال اللهفة تنطلق رحلة اختيارات كثيرة ،، وقودها الشوق المتجدد ، والذي يظل يتبتل في طقوس الحب سنينا ، عمرا ، وإلى أبد الشوق ... اقرأ عثمان حامد : لم يكن بعيداً ذاك اليوم الذي وضعت فيه كفي على كفك بعد أن حومنا معاً على حواف دائرة الانجذاب – علقنا معاً اللهفة على مشجب اللوعة ، وأخذنا في الاحتراق على لظى الأشواق ... يا مريم هنا يأخذ النهر الكبير راحته ، فهل نحني أصابعنا بحنا الطمي المنهوك من الرحلة الطويلة هابطاً من التلال البعيدة قادماً من هضبة مملكة الخصوبة ، هيا مدي أسرة الدم ودثريني بالآهات . كم سنقضي من العمر معاً وتظل شمسنا تتوهج ويتعالى سناها ، فإن حباً مثل حبك هذا لا يطرق باب القلب في العمر مرتين . إن حباً مثل حبك هذا قليل ما يطرق باب القلب ، فدعيني أغمض عيني للمرة الأخيرة فإنهما لم تريا الراحة مذ وقع بصري عليك .
03-11-2006, 00:55 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
يقول عثمان حامد بلسان الراوي ، حبيب مريم ، وعريسها : فتحت باب مخدع مريم فصر صريراً خافتاً كحفيف أغصان الشجر الباذخ ... وهكذا هي كل أبواب الحب ، يكون صريرها خافتا .. وهكذا هي أثداء الحب ، كلها ممدوة بماء الورد ، وهكذا كلها أسرة الحب ينداح عنها الكهرمان .. وصلاة غبريال خال مريم تكمل سجود أم الراوي وابتهالاتها .. وسيرة الطيب الأمين ( أعد قراءة الاسم ) والد مريم تأتي على لسان غبريال ، وأم جمعة والدة مريم يقع عليها الحب وقوعه على مريم ، بنفس السهولة ، بنفس السرعة ، ،، وغبريال نفسه يتجه شمالا ، فيلتقي قرنفلته هناك ، لكن أحدا منهم لا يهجر ثقافته ، ولا لغة قومه ، فيشتبك الجنوب مع الشمال في حالة حب ، تتضاءل معها حالة الحرب ، ويخرج للدنيا جيل لا هو بالجنوبي ولا هو بالشمالي ... إنه جيل خرج من بوتقة الحب ، فيكون عشقه للوطن كله ، افرأ عثمان حامد في هذا الجزء : فتحت باب مخدع مريم فصر صريراً خافتاً كحفيف أغصان الشجر الباذخ ، رأيتها وكأنها تمد ثديها بماء الورد وتتهيأ للولادة ، ينداح عن سريرها الكهرمان . سمعت ابتهالات أمي وهي خاشعة في السجود ودعوات خالها غبريال مطل على حلم الغابة المزينة بالشجر وعيونه قد اغرورقت بالدمع يتلو صلاة العاشقين خافضاً بصرة ، قرع أجراس وطبول ، تتردد أصواتها العالية وتذهب بعيداً إلى مهرجان الرعود ، تطير مع أجنحة أقواس قزح وتلتقط ذيولها بقايا دخان عود الصندل الذي أطلقته أمي . جلست إلى غبريال فحدثني عن سيرة الطيب الأمين والد مريم وكيف أنه قد افتتن بأمها – شقيقة غبريال – حفيدة أحد السلاطين وكيف أنه أخذها من يدها وذهب ليخطبها من أبيها الذي أحتد معه قليلاً ولكنه تبدل عندما رأى علامات لا يخطئها من كان له مثل فراسته ، فقد امتلاء قلبه بالاطمئنان لذلك الفتى الجريء فأعتبره واجداً منا وقبله زوجاً لابنته أم جمعه . قدم الطيب الأمين من الشمال مع بعض ابناء عمومته فعلم لسانه لهجات أهل الغابة ، فرأى ذاته ماثلة بينهم فوجد له مهجعاً وطعاماً وتردد في دواخله صدى ما كانت تمتلئ به نفوسهم واقتاده قلبه إلى تلك المرأة القوية الشكيمة فعبر إليها وتهادت براعمها في ركابه حتى تفتحت أكمام وردة مريم . قال غبريال : أما أنا فقد اقتفيت آثار الطير والنهر فحملني إلى بعض القرى الشمالية وعندما اكتملت لي إشارات النخيل والقمح – وقفت على حصادها حتى تواصل الغناء على أنغام الربابة وضرب الأكف وخطوات رقص الحمام – فلما تبعثرت روحي نشرت قلوعي ماضياً بدراسة العالية لمعالجة علل القمح في المدائن البيضاء البعيدة وقد عبرت لها البحار واخترقت سماوات غابت عنها شمس الحرارة الملتهبة ، في تجوالي سكنت روحي إلى قرنفلة أهديتها قلبي فأنجبت لي فتىً نابهاً جلبت له صغرى شقيقاتي لتلقنه حروف لهجة آبائنا لتمتد جذوره عميقاً وتطل شجرته على الغابة الكبرى .
03-13-2006, 01:50 AM
محمد سنى دفع الله
محمد سنى دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 11025
ودقاسم يصبح الصبح فاذا بالمدينة أرملة أخرى،وحفنة أطفال تيتموا شكرا لك ودقاسم ،خليتنا نعيد القصة بوعي جديد كنا نسمع عن التفرقة العنصرية والموت في جنوب افريقيا ولكن مسرحية واحدة ((سيزوى بانزي قد مات )) جعلت كل من رأى هذا النص ان يعرف المعنى الحقيقي للاضهاد والالم والموت الزائف لتعيش بهوية اخرى لتمارس الحياة وتعول اولادك ببطاقة اخرى واسم اخر لان الانسان مجرد رقم في هذا النظام القاسي وكذالك الناس تعرف معنى الحرب ولكن في قصة الاستاذ عثمان سليمان تعيش مآسيها تنغمس في اللعبة الكريهة يتمزق قلبك وتتمنى ان يعلنوا الهدنة او ايقاف الحرب للتنعم بالامان فاصل ونواصل شكري ودقاسم
03-21-2006, 05:06 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
محمد سني دفع الله شكرا للمداخلة الواعدة من رجل جميل مثلك ... فالحرب كريهة إلى النفس ، والبشر جبلوا على السلم ، ولا سلم إلا بالعدل ، ومن يتسبب في اختلال موازين العدل هو من يعلن الحرب ، لأن الظلم هو الأب الحقيقي للحرب ... وعثمان حامد في كل كلمة من كلمات قصته ( مريم عسل الجنوب ) ينبهنا إلى خطورة الحرب ، وإلى سوءتها وإلى أنها ليست حلا كما أن الذي يتعهدها بالسقيا لن يجني إلا الدمار ، ولن يحقق مكسبا ... آنتظر أن تعود إلينا مرة أخرى ...
03-13-2006, 05:33 AM
عبد الله إبراهيم الطاهر
عبد الله إبراهيم الطاهر
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 616
يا ود قاسم هذا عمل جميل وكما قال المحسن فهو نص في ذاته ... قيّم وجميل ... عثمان حامد شخص عميق وجميل ... وهو متمكن بأسلوب مختلف في اللغة والأسلوب ..... بقدر إستمتاعي يا ود قاسم بمجموعة مريم عسل الجنوب فقد أستمتعت بهذه القراءة الرائعة واصل سيدي ...
يا ود حامد (منتظرين جيتك) ...
مع المحبة
03-22-2006, 00:53 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
الأستاذ عبد الله إبراهيم الطاهر لك التحية والتقدير ، والشكر لك على هذا الدعم ... والقارئ لقصص عثمان حامد يتلمّس فعلا عمق الكتابة ، وجمال اللغة ، والأسلوب المتميز ... كما أن النسيج القصصي لدى عثمان حامد محكم للغاية ، فهو لا يترك قارئه يفلت منه ، أو يدع الكتاب جانبا ، بل يدفعه لمواصلة القراءة ، والمتابعة ...
03-13-2006, 11:48 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
ثم بعد الانتقال شمالا ، كانت الحرب أيضا هناك ، في مرآه ، في مخيلته ، في حسراته ، فيتوزع قلب الراوي ( البطل ) على أطراف الوطن وهي تحترق ، ويعمها الخراب ، والطبيعة كلها ، النهر ، الشجر ، الهواء ، وابتسامات الناس ( الأعياد ) ... اقرأ عثمان هنا : أول المساء والمغيب يضرج مقدمة أقنعة الليل ، الرياح تلامس صفحة ماء النهر ، جلست موزعا قلبي على كل الجهات ، القرى البعيدة وقد حفها الخراب ، الأشجار وقد كمم أفواهها دخان الحرائق ، الأعياد التي انحسرت والعويل الأخرس المكبوت في صدور الأمهات . ثم أن أنهارنا أيضا تتسم بالتنوع ، تتنوع ألوانها ، وتسمياتها ، أزرق ، أبيض ، ويخرج من تنوعها هذا الكائن الخلاسي ( كائن متعدد الأعراق ) ، وعلى الشط أيضا يجلس أناس متعددي الأعراق والألوان ، يحبون بعضهم ، يثرثرون ، ويلهون ، ويضمون بعضهم ، ويشاركون النيل نزهته وفرحه .. ولن أنقل الصورة كما نقلها عثمان حامد : جلست على شاطئ الملتقى والأزرق ينشر سجادته على الملأ – الأبيض يأخذ مداه مدخلاً عناقيده الفضية في الأزرق المثقل بالطمي والصلصال لتتكون مخلوقات الماء الخلاسية – يذهب النيل في نزهة وتزدهي الشطآن . خرجت نشواناً من سهيل مهرتي وانشغلت معها بثرثرة وضم ، كنا شغوفين بالملاعبة واللهو وأكملنا نزهتنا في الأحاديث ولكني خرجت وحيداً فأحاطني حصار كائنات الغابة صارخةً بلهاث وهذيان .
وهنا كتاب يختذله عثمان حامد في جملة : ( نذر الحرب المتجددة والتباسات العداء والخصومة ، الدم المهدور والعدل الضائع المضيع ). ورغم أن هناك من يشعل الحرب ويصب الزيت فوق نارها إلا أن وشائج الدم والقربى ووأشياء عديدة مشتركة تجعل التقارب ممكنا ، والتعايش ممكنا لدرجة الحميمية ، لدرجة العشق ، والهيام ، فسهول الحنين تدعو العاشقين إلى العبور ، واجتياز حواجز الخوف ، والانتصار على الهزيمة التي يسعى إليها الذين أشعلوا الحرب .. اقرأ عثمان هنا : الشرارة الأولى والشرارات اللاحقة ، رسائل الهباء ، الأقنعة البشعة ، والنزوح الجماعي ، للكائنات إلى العراء والمجهول ،الأرض المسيجة ، ظهيرة الجمر ، أمسيات البروق ، أضغاث أحلام المياه وأرض الصقور اليابسة . أنا العاشق استقر تاجاً على قلبها ، ليس وحده الدم يجمعنا فقد أجبت نداء عينيها ، عبرت لها سهول الحنين وأخرجتها من البراعم والسنابل وارتميت على باب دمها الشمالي فتلقفتني وقربتني وغطت وجهي بأهدابها ، تهاوت أنفاسنا ومكثنا لليلتين بغرفةِ مرحه وغمرتني بترف أنوثتها ، فأحكمت حصاري على أزاهيرها الطربه ، رفعت لي فماً كاللبن مضمخاً بعطر أنفاسها في ليلة العرس تلامسنا بالحناء والبخور وارتجفنا من عذوبة العطر . رويت لها حكاية الدم . ألم تقرأ عثمان على لسان الراوي يقول أنه حكى لها حكاية الدم ، وما أدراك ما حكاية الدم ... الدم الخلاسي الذي احتوته مريم ، أم الدم الذي نزف بفعل الحرب وما كان له أن ينزف ، أم أنه دم مريمه العذراء في قمة الاشتهاء ! والحرب ما تزال ممسكة بالخيال وبأشياء الناس ، وبشاعتها ما تزال تتراءى له ، رغما عن أن العرس في أوجه ، انظر إلى مدننا وقرانا ، إلى أطفالنا وشيوخنا وفتياتنا ، كيف ذبحوا وشردوا واستبيحوا وجرحت أحاسيسهم ... ثم الحوار الشهي ومريم رمز الجنوب تعشق الشمال ، والراوي رمز الشمال يعشق الجنوب ، فيؤكد الراوي أن اكتماله - وهو شمال - في جنوبه ، خلق منه روحا وجسدا ، وأنهما قد تكونا من بعضهما ، فكيف كان هناك سمال إن لم يكن هناك جنوب ؟ تمعّن عثمان حامد جيدا هنا ، وهو يرسم رباطنا الوطني الأبدي وخيوط تشابكنا التي لن تنفصم : الخروج من العاصفة بحصاد الجثث ، الرجال الأعزاء الذين يغطون في نومهم الأخير، الصباحات البائسة للنساء المذبوحات بفؤوس الجنون ، هزائم المدن الصغيرة ودموع القرى المسفوحة ، أحاديث الإشارات بالحناجر المجروحة بالبارود ، القرابين المستباحة وأطفال الكهولة والفتيات اللائى أصابتهن شيخوخة الغربة والتشرد . انتشر الليل كظل فوق روحها وتأرجحت عرباته فقالت لي مريم ( أحببتك من رنيين أول طرقة على خشب بابك ) وقلت ( أصابني انبهار وحيرة شاهقة ، فكأن اكتمالي فيك وأنني قد خلقت روحاً وجسداً منك وانك قد تكونت مني وفي ) . تتنفس برئيتي وينطق لسانك من لهاتي وخطواتي من أول خطواتك ، نتوهج معاً في شفافية الضوء وكثافة الظلام ، نتدثر بجوهر الموت والحياة ونرتدي – من النهر العظيم – وشاحات الماء .
03-14-2006, 04:02 PM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
وتطل علينا أنثى لم يكن لها دور من قبل ( إمرأة شهدت بوادر الولادة ) لتروي على مسامع الراوي مشهدا لا يشهده الرجال ، وكان يمكن أن ينقل عثمان حامد خبرالولادة إلينا مباشرة ، وربما نفهم أنّ الراوي لم يشهد الحدث لكنه تابعه من بعد ، لكنه كان أكثر دقة حين جعل المرأة التي شهدت بوادر الولادة تنقل إلينا التفاصيل ... والمرأة تحمل البشرى فأفلت منها ثوبها ، وجاءت إلينا تلهث ، فتصف المكان وكأنه هو نفس المكان الذي شهد الحب ، وشهد مريم وهي تغمر عريسها بأنوثتها ... وهو أيضا نفس المكان الذي شهد الحرب وهي لا تفارق المخيلة ... والصبر هو ديدن الناس هناك في مثل هذه الأمكنة ، والتوجه إلى الله هو الملاذ ... وآلام المخاض ، وكيف تقابلها نساؤنا ، وكيف يرفعن أصواتهن بالأنين ، لكنه عند عثمان حامد هو نشيد ، وترنّم ، وغناء ، لذا فهو يعقبه فرح كبير نعبر عنه في أساليب شتى .. روت امرأة شهدت بوادر الولادة وهي تلهث بأنفاس مبهورة ، أفلت منها ثوبها قالت : ( المكان هو المكان ومريم تحمل بطنها – النسوة ممسكات بصبرهن تملأ قلوبهن ابتهالات ودعوات . نهضت مريم من سريرها وكأنها تنشر قلوعها لتملأها بهبوب الريح والأعاصير ، وأخذت تترنم بأطراف النشيد من مراجعها ، أفردت أجنحتها المتخيلة ، ليرتفع صوتها عالياً ، عالياً بالغناء كأنه العصافير تخرج من النافذة . قالت: ( انفتح قمقم الصلصال وأخرج سره ملأ هواء الغرفة بمئات الفقاعات الحليبية الصغيرة والكبيرة – تطير بريشها الأثيري ، تتفجر هينة وتتساقط قطرات تفجرها بعطر منثور ، كأنه آت من حديقة وسط الحقول فيتعلق شذاها بثياب النساء الحاضرات فيخلعن أقنعة الريش ويشرعن في الغناء والرقص ) .
وكأني بعثمان حامد يقول لنا : كما يموت الناس في الحرب ، وتتبدل العلاقات الاجتماعية ، فإنه أيضا تخرج من الحرب أرواح جديدة ، وعلاقات اجتماعية جديدة ، ودائما الآتي هو الأجمل ...
03-15-2006, 05:36 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
وختامه طفل ، خرج من صلب الحب وترائبه ، يشبه الكائنات الخلاسية المنتمية للنيل ، ينضم إلى أمه وأبيه فيكونّوا مع بعضهم ثلاثيا يصرخ في العالم بالنصر على كل ما هو قبيح ، فيقابل العالم صراخهم بالزغاريد ، والاستغراق في السجود والابتهال ، صلاة يؤديها كل واحد بما يمليهه عليه دينه ، وتتوجه كل هذه الصلوات إلى الرب في تكاملية تجعل الرب يستجيب لدعائنا الكلّي بسلام دائم ... اقرأوا عثمان حامد في الجزء الأخير من قصته مريم عسل الجنوب ..
وقبل أن يهبط إلينا ، أطل برأسه ، أجال بصره بيني وبين مريم فصرخنا معاً بصوت ثلاثي الأبواق كأنه الصهيل . زغردت النسوة واستغرقت أمي في السجود والابتهال وتمتم غبريال بصلاة حارة وهو يأخذ طفلنا بين يديه .
.. ودقاسم،.. أمممم، أيوة بتستحق وقفة وبوسة كمان،.. حتى الطبيعة بين النقطتين القصوتين والحدَّيتين متشابهة،.. ومريم صبيَّة من ذات المناخ والقارّة،.. إلا أنَّها أصيلة أكثر، وبنت القارّة أوفى،.. ومُمثّلة الحكمة من خلق إفريقيا والأبنوس،.. السلام لقراءتك الممهولة والمُحِبَّة، والسلام لصديقي القاص عثمان حامد سليمان،..
...
03-22-2006, 04:00 AM
طلال عفيفي
طلال عفيفي
تاريخ التسجيل: 06-20-2004
مجموع المشاركات: 4380
Quote: هو كاتب ومثقف حقيقي .. أنسان كبير ويهتم بتطوير الآخرين ..
نعم إنه باذخ في إنسانيته ، وهكذا يكون المثقف الحقيقي ... وإنها لمعلومة قيمة أن عثمان حامد يهتم بتطوير الآخرين ، وقد فات علينا جميعا ذكر هذه الخصلة الكريمة عند عثمان حامد ... تخيلوا أن عثمان حامد فعلا يهتم اهتماما كبيرا بتطوير الآخرين ، هو يتابعكم من خلال منبركم هذا ، ويتواصل مع كثيرين من الكتاب ، ومن الأدباء ، وقد ذكرت مرة في حديث عابر لعثمان الكاتب الروائي إبراهيم إسحاق ، فاتضح أنه يعرفه وأنه تواصل معه وأنه يرغب في اتصال ما انقطع بسبب الغربة ... وفي محل إقامته يقيم عثمان حامد علاقات طيبة مع الأدباء من حوله وغيرهم من أبناء بلاده ، وهو الآن يقود عملية تطويرية كبرى في القطاع المصرفي ( مجال تخصصه ) تستهدف تطوير قدرات المصرفيين الشباب في بلادنا.. لك الشكر طلال على هذه الإضافة المتميزة وتنبيهنا إلى ما أغفلناه ...
03-29-2006, 07:23 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
محسن لا أعلم كيف انغرست في داخلي رغبة في أن أطلق عليك ( حطّّاب الصندل ) ... فأينما تذهب ، جسدا أو خيالا تأتينا بالجمال وبالعطر وبالندى .. والقارة من نقطة ابتدائها الأولى إلى نقطة ابتدائها الثانية ممتلئة بالوسامة والنبل ، والنساء ينضحن جمالا ، و( ينقّطن عسل ) ،، والعسل كله حلو ، لكن النكهة هي نكهة الطبيعة والروح ونكهة الدواخل ... خذ فأسك يا صديقي ، لا تدعها ، وفي تجوالك جنوبا وشمالا ، شرقا وغربا ، احتطب لنا ما يعطّر حياتنا ، وانثر فينا ورداً ، بنفسجاً ...
03-23-2006, 00:38 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
صديقي الجميل أبو ذر بابكر تحياتي يا صديق الحرف والجمال
أما من هم أمثالى فلا يملكون سوى ذائقتهم وإنطباعاتهم
ليتني بذائقتك ، ليتني بانطباعاتك . ومن ذا الذي يتمتع بذائقة مثل ذائقة إبي ذر ، فمنذ أن التقيناك هنا وأنت لا تدفق إلا كل جميل .. وأنا أراجع هذا البوست في هذا الصباح ، تذكرت ابنتنا آمنة ، تذكرت اللغة الباذخة التي كتبت بها وأنت تداعب ضفائرها ، وابتسامتها ، وطفولتها ، ووقلت يكفينا لو أن كل أديب في الدنيا كتب عن أمنته ، أو مريمه ، إذن لحصدنا خيرا وفيرا وجمالا لا ينقطع ... وإجمالا، فإن اللغة هى ماعون الجمال دائما فى كل عمل إبداعى، والقاص المبدع عثمان حامد لديه لغة باذخة الجمال حقا ووفيرة الدفق بكب ما هو شهى وعذب
ألم أقل أن أباذر يتمتع بذائقة مميزة ؟ وإذا اكتفينا بالنظر فقط إلى كلمة ماعون واستخدامها هنا في هذه المداخلة ، وإلى كلمة ( كب ) فسنتلمّس جمالا لا يضاهيه جمال في استخدام مفردات عادية تتحول نجوما وسط سماء اللغة ..
الأستاذ ود قاسم .. الشكر لك وللأخ عثمان حامد سليمان على روعة ما أبدع ..
ما زلتم تحبون فى وصف الرائع الاديب بمعنى الكلمة فان حاولت ان اساعدكم فى(القيام من الحباية للتاتى) فاكون قد اتيت بالكثير وكماخوفى ان يحسب ذلك اطراء من محب لعثمان الاخ والصديق والصدوق والمرجع .
لحدى هنا كفاية
04-01-2006, 01:46 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
الأستاذ حيدر عثمان تحيات ومودة عن عثمان حامد قل ن لا تتردد ، فكلنا شوق لثبر أغوار ذلك الفارس ... تعال إلينا في خبر جديد ، في قصة جديدة ، في حكايات عن جلسات أو رفقة أو زمالة ... هات ، ولا تبخل علينا ، فعندما نكتب هنا لا نكتب لعثمان حامد ، إنما نكتب للآخرين ، وهم يتلهفون لمعرفة المزيد عن أحد المبدعين من أبناء الوطن ...
03-27-2006, 01:45 AM
هشام المجمر
هشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533
طلال عفيفى مشكورا نبهنا إلى أحد أهم خصائل المبدع القاص عثمان حامد. عثمان حامد ظل يتتبع ما اكتب فى البورد ويهدينى طول الوقت قراءة رفيعة ونقدا رقيقا و موضيعيامع أقتراح كيفيية التحسين و التجويد.
نعم. دعم الآخرين بصدق و الرغبةالمتحمسة فى رؤيتهم يتطورون هى أحد مناجم هذا الانسان الرائع التى لا تنضب ابدا.
04-04-2006, 00:39 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
هشام تحية وتقدير شكرا لك ، فقد فتحت شهيتنا للتعرف على القراءة النقدية لعثمان حامد لمنبرنا وأدائه ، وإنه لشرف كبير لكتّاب المنبر أن يكون لهم قرّاء يتمتعون بالعقل الناقد ... وليتنا نقرأ بعض آراء عثمان حول بعض ما يكتب هنا ، أو أن يصبح عثمان أحد أعضاء المنبر أو على الأقل يتواصل مع المنبر عبر رسائل إليكترونية إلى بعض الذين يتواصلون معه لنشرها من خلال المنبر ...
04-01-2006, 02:36 AM
mustafa mudathir
mustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553
والله غلبني أقرا وأعدي نحو نومة مابياني ياود قاسم. إنتو أظنكم كان قراب في نهار السبت وأنا بكابس قريب دغشه. ألف تحية لك ولعثمان وللمتداخلين الميامين ولمريم ذاتها وبعدين طلال دا جاب الصورة بتاعت عثمان دي من وين؟ حاجة غريبة خلاص. تناص فوتوغرافي. شوف التعبيرين ديل بتشابهو كيف؟ ولا دي خطرفة مأروق؟ سلام للجميع مصطفى مدثر
04-05-2006, 02:08 AM
Tumadir
Tumadir
تاريخ التسجيل: 05-23-2002
مجموع المشاركات: 14699
والله يا تماضر جبتي التايهة ... حب الزوجة ، احترامها ، تقديرها ، هذه صفات يتصف بها من ارتوى من أعماق الإنسانية ... ومن شهدت له تماضر ( الجندرية ) بذلك فقد ثبت أنه كذلك ... شكرا يا تماضر على نقلك هذه المعلومة التي تؤكد لنا مكوّناً - أحسسناه - من مكونات شخصية كاتبنا عثمان حامد سليمان ،،،
04-05-2006, 01:07 PM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
الأستاذ مصطفى مدثر لك التحية والتقدير ليتك تأخذ اتكاءتك ثم تعود إلينا في نهار سبت آخر ... وأنا أيضا فوجئت بصورة عثمان في البوست ، وفوجئت بأن من أتى بها هو طلال ... إنه تواصل قبلي ، فهما ينتميان إلى قبيلة واحدة ، هي قبيلة الأدباء ...
04-05-2006, 07:37 PM
Yassir Tayfour
Yassir Tayfour
تاريخ التسجيل: 08-18-2005
مجموع المشاركات: 10899
لم احظ بشرف القراءة للانسان عثمان حامد سليمان الا من خلال الشفيف ودقاسم، عشان كدة حا اظل مرابط هنا للتثقيف وللتعرف على جماليات الكتابة عند عثمان من خلالكم.
استوقفتنى مداخلة الجميلة تماضر شيخ الدين وهى تقابله لاول مرة وتجد "حب" عثمان وانسانيته تتدفق من نفس مليئة بالحب والجمال.
Quote: قابلته فى منزل هشام المجمر حين زرت ابوظبى
اهدانى الكتاب مذيل باهداء
وعدته بقراءة الكتاب والمشاركة فى البوست
دعنى اقول لكم عنه شيئا مختلفا
عثمان حامد يحترم زوجته بسخاء مفرط
لفت نظرى الطريقة التى يذكرها بها امامها والطريقة التى يخاطبها بها
هذا نوع نادر من الرجال وانا جندرية املك قرنى استشعار خاصيين لافرق بين الافتعال والتلقائية فى فن معاملة الزوجات
انه رجل جدير بالاحترام
"وحكى لى نكتة كادت ان تودى بمصارينى الى غير رجعة"
له ولزوجته بثينة ..التجلة والاحترام
ولهشام المجمر الذى سخر لنا هذا......
سأعود كما وعدته لاعلق على مريم عسل الجنوب
عثمان حامد يا تماضرنا من مواليد "يوم عيد الحب" 14/2، شفتى الحب ده مغروس فيهو كيف!!!
ولو شفتى عثمان حامد مع اصدقاءه "اولاده" طارق وهديل و.. حاتكتشفى بعد اخر لعثمان.
لكم وله ولاسرته الجميلة الحب.
04-23-2006, 01:10 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
Quote: عثمان حامد يا تماضرنا من مواليد "يوم عيد الحب" 14/2،
وأنا أقول الحاصل شنو يا ربي ! يبدو أننا ما زلنا نواصل رحلتنا الاستكشافية في أعماق هذا الكاتب الجميل عثمان حامد سليمان ... ثم أن عثمان صديق لكثيرين من الذين تداخلوا هنا ، ولابد أن ثروة عثمان هي مجموعة أصدقاء ،،
04-08-2006, 00:46 AM
Mohamed Abdelgaleel
Mohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 10415
أنتظر ردأ من تماضر لمحمد عبد الجليل ،،، ومن محمد أيضا أنتظر كتابة عن قصة مريم عسل الجنوب ، بعد قراءته لها من خلال هذا البوست ، فمحمد أديب وقارئ حصيف ودقيق للغاية ... وتماضر وعدت ، وأعتقد أنها ستفي بعد أن تقرأ الكتاب ...
05-09-2006, 00:55 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
العزيزة عالية تحايا وأشواق صدقاً ، عثمان حامد عسل السودان ... وتشجيعه يذكرني بحديث علي المك للكد وهما يجلسان على شاطئ أبوروف ، فقد حكى الكد أنه جلس يحكي لعلي المك بعض حكايات الحي ، ويحدثه عن بعض شخصياته ... وذكر أن علي المك قال له : يا خي هسة دي لو كتبتها ما قصص عديل كده ... فكان ذلك تشجيعا لصديقه الكد ودفعه للكتابة ... عثمان يستمع إليك ، ويرد عليك وفي الحالين تتلمس الجمال ، والصدق ، والسعي لدفع الأمور إلى الأمام...
05-09-2006, 02:25 AM
احمد العربي
احمد العربي
تاريخ التسجيل: 10-19-2005
مجموع المشاركات: 5829
استاذنا ود قاسم الجميل دوما وسراجنا في هذه الظلمه اسمح لي بهذه الاتكاءه
تحت هذا الظل قضيت اجمل ساعات نسيم يورث الروح الاعتلا المتاح لحقيقة الكيان كان الموعد بالامس وكان اللقاء وعقارب الساعة تنشد الدقه والخروج من المألوف انجرفت في تيار حب اللقاء لهذا الهرم الراكز على قوائم لاتشكو عدم الحضور ولكنها تنضح جمالا
مريم عسل الجنوب يليها غناء في العدم
كان قمه في ترحابه وتواصله الرمز الواضح للانسان (خبرة مكامن الحياة)جميل كضوء القمر هدوء وحرفه في تراص الحروف بين جنباته تتشبس به الروايه وتحاول السيطره عليه وهو يتقن ادخال معاني الجمال بين حروفها تعرفت على قوائم هذا الهرم شفاهة (خالدو طارق وحسام) اما حديقتيه(بثينه وهديل) يذكرانك بما يروى عن جمال الجنه من حدائق وتدفق انهار وسماحة الاشياء الموجوده . حديقة ازهار يفوح منها عطر السودان الذي اعرف واصالة الموروث امتلك الان مريم عسل الجنوب ليس كما الاول وانما ممهورة بتوقيعه ويا لها من سعاده عثمان حامد عسل السودان غادرت منزله وانا احمله معي واردد فيتوريات في حضرة من اهوى عبثت بي الاشواق وقد كان بالفعل الرقص بلا ساق تجالسه لا يعكس لك غير الفرح وفيض من الحب وانا الان مشبع به وحديقتيه واشعر ان سماء بداخلى اذدادت علوا وافق تفتحت لاستيعاب الجمال والغناء
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة