هاشم شفيق يكتب..لماذا يموت العراء في المنافي؟ عن الحرب والجوع والموت

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 02:34 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2002م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-29-2003, 04:25 PM

هدهد

تاريخ التسجيل: 02-19-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هاشم شفيق يكتب..لماذا يموت العراء في المنافي؟ عن الحرب والجوع والموت



    لماذا يموت العراء في المنافي؟
    عن الحرب والجوع والموت

    هاشم شفيق


    لندن...
    كنتُ صغيراً حين عثرتُ على الحرب والجوع والخوف في العراق. لكأن هذا البلد اختارته الآلهة ليكون بؤرة المفاجآت والتشظيات وعدم الاستقرار.
    كنتُ يافعاً حين شاهدت الرصاص يحصد الجموع، ثم تساق قطعاناً بسبب انتمائها الإيديولوجي إلى الغياب، لتواجه المجهول والمتاهة في قطار أطلق عليه "قطار الموت" ليبقى حاملاً دلالته التاريخية السوداء لكل الأزمان.
    حين شببتُ أكثر واتسعت الرؤيا وانفتح المشهد كله، لتضيق الحياة بالتدريج وتقل فسحة الأمل في الحصول على الرغيف، رأيت العراق يتكوّن من حرب كبيرة أو مجموعة حروب صغيرة.
    كنتُ شاباً في العشرين أيام القفزة النفطية، يوم كنت ممسكاً بصفيحة فارغة في شتاء عراقي قاهر. وأنا انتظر في بلد النفط عربة النفط التي يجرّها إنسان أو حيوان لكي ادرأ بهذا النفط الذي ابحث عنه بين الوحل وتحت الأمطار شتاء الفقراء، وفي الوقت نفسه أيام احتواء الخزينة العراقية إبّان وجود صدام حسين على خمسين ملياراً كنت أتدافع أنا وعائلتي والجيران من اجل الحصول على بيضات دجاج محدودات.
    في ذاك الوقت كانت تترافق مع هذه الإجراءات التراجيدية، لغة حربية مؤللة بالراجمات الكلامية، ليمسي البلد في جميع مرافقه الحياتية والاجتماعية تحت وصاية ثكنة عسكرية يقودها طاغية مهووس بالحروب والعداوات وقلّة الضمير الإنساني. منذ ذاك صارت ميليشيا حزب البعث، "الجيش الشعبي"، تفتك بالحريات الشخصية والمدنية. الأمن العام وعناصره صاروا يفتكون بالأحزاب السياسية. الحرس الخاص أو القوات الخاصة صارت تفتك بالحرس الجمهوري، ليفتك الحرس الجمهوري بالجيش، ومن ثم ليفتك الجيش بالأكراد والثوار في الاهوار، حتى دخل البلد في فوضى حربية. صارت الزوجة عبر تقريرها للحزب تفتك بالزوج، والأب يقتل ابنه لينال نوط الشجاعة لأنه هارب من الحرب. وهكذا رأينا كيف صارت تفتك المخابرات العسكرية بقادة الجيش، وكيف يفتك قادة الجيش بالمواطنين. و"الحزب القائد" الذي كان يفتك بالأحزاب الأخرى، التفت في المآل حين لم يجد أحداً الا نفسه ليقطّع أوصاله وصولاً إلى أسفل السافلين. وحالة حسين كامل وصدام كامل خير شاهد على ذلك! وهنا أنا أتحدث عن حروب الداخل ولم أتعدّ التخوم، حين أمسى لكل بيت عراقي أكثر من قتيل.
    من هنا أرى بعد كل هذا الدمار، وهذه الحروب المجانية، وكل هذه المآسي التي لا تحصى، أرى، كوني إنسانا يهتم بالجماليات، أن يتنحى صدام حسين عن السلطة، ويرحل مع عصابته إلى المنفى، ويجنّب العراق وأهل العراق والمنطقة حرباً باتت حتمية، ليفكر ولمرة أولى على نحو منطقي وعقلاني. ليفكر ولمرة واحدة بهذا العراق الذي أخذ منه كل شيء ولم يعطه طوال حياته وبقائه عنوة في كرسي الحكم أي شيء سوى الظلم. سوى قطع الألسنة وجدع الأنوف وقص الآذان وكيّ الجباه ووسمها بعلامة القهر التي لا توحي الا التسلكات الهمجية. هذا الذي لم يعط سوى الممنوعات والتابوات وطرائق التحريم، وفرض فرمانات الموت التي تطالب بالحكم بالإعدام على كل من اقتنى آلة كاتبة وآلة فاكس وصحن التقاط قناة فضائية أو هاتفاً نقالاً وجهاز كومبيوتر مرتبطاً بالانترنت، حتى الإذاعة التي تعارضه تتلقى تشويشاً عالياً، ليفكر هذا الذي كمّم العراق بأسلحة الإبادة أن يتنازل هذه المرة فقط من اجل هذا الشعب المحروم نسمات الحرية، لكي يتسنّى له أن يكنس بعد غيابه بفرح باذخ صوره وتاريخه ويزيح تماثيله وأنصابه ونرجسيته الخطيرة وينظف العراق من سجونه ومعتقلاته وأدوات قمعه التي كانت تستورد من ألمانيا الشيوعية مثل كراسي الموت الكهربائية والمقاصل الحديثة المتطورة، ذات القطع السريع، تلك التي تقطع عشرين رأساً في الدقيقة، إضافة إلى غرف التعذيب الأكثر حداثة، هذه التي تمّ استيرادها من رومانيا تشاوشيسكو الشيوعي، وغير ذلك الذي جاء من دول اشتراكية أخرى. المحزن في الأمر هنا، أن صدام حسين في هذا الوقت كان يعمل على تقويض الجبهة، الجبهة الوطنية العراقية، التي كانت تضم الشيوعيين، وفور وصوله إلى الحكم كرئيس بعدما كان نائباً، انهارت الجبهة تماماً فامتلأت السجون آنذاك بالشيوعيين وقد تم تصفية الألوف منهم، فانتهكت أعراض نساء ورجال وعوائل، حيث جرى تذويب شخصيات قيادية معروفة في أحواض الأسيد، وقد فقدتُ في هذه الحملة صديقين مقرّبين اليّ هما الشاعر الموهوب خليل المعاضيدي والقاص المتميّز حميد ناصر الجلاوي. أما حكاية صديقي الثالث وهو يقيم الآن في إحدى دول الخليج فقد اعتقلوه ثم اعتدى عليه في السجن جنسياً ثمانية من رجال المخابرات، سبعة فعلوا به ما فعلوا، والثامن انحنى على ذكره وأخذه بفمه. تصوّر هناك جلادون مثليون أيضا. إما البلدان الاشتراكية وفي مقدمها الاتحاد السوفياتي سابقاً، فلا اشارة إدانة ندّت عنهم ولا صوت احتجاج دان. والآن في غمرة انحطاط العراق كلياً ونحن على أبواب حرب ثالثة، سببها صدام، وبعد تشريد أربعة ملايين عراقي ومقتل أكثر من مليون في الحربين الآنفتين، يأتي الزعيم الشيوعي الأممي زيغانوف ليعانق صدام حسين ويسانده.
    ثم يأتي وبدرجة الحماسة نفسها الزعيم اليميني القومي الروسي جيرنوفسكي، بالطريقة إياها معانقاً ومؤازراً صدام حسين. لهذا حين أخلو إلى النفس وأقلب الآن هذا الأمر وأعيد النظر إليه، هو والنظرية، أرى أن شيوعية زيغانوف هي وجه ثان لعملة فاشية واحدة. ها هو ذا حظ العراقيين غالباً، والأنكى، هو عندما تابعت قبل أيام مجموعة من الشعراء الاميركيين، يتقدمهم سام هامل، وهو شاعر معروف، ولديه ثلاث عشرة مجموعة شعرية، وآخر لا يقل شهرة عنه هو وليم مروين حائز جائزة بولتزر ورئيس الأكاديمية للشعر في أميركا. هذان الشاعران ومعهما آخرون يدينون بوش وسياسته في شن حرب على العراق عبر تقديمهم 13 ألف قصيدة تمقت الحرب وتشجبها.
    من هنا، أنا الشاعر العراقي أرفع صوتي وأضمّه إلى جانبهم ضد أي حرب مهما كانت مبرراتها ودوافعها ومنطلقاتها، ولكني أجد من جهة أخرى انه ليس من العدل ألا ترفع هذه القصائد وبالتساوق التام إلى صدام حسين أيضا، لتسائله: لماذا أزهق أرواح الألوف من أرواح الشعب العراقي خلال حربي الخليج الأولى والثانية؟ لماذا استمر في إهدار المليارات من المال العام وهي أموال الشعب العراقي على أسلحة الدمار الشامل وقصوره وجشعه اللامحدود، هو وأخوانه وعائلته وعشيرته ومواصلة النهب المتواتر للثروة العراقية؟ لماذا سحق الألوف من الشعب الكردي بالسلاح الكيميائي في حلبجة والأنفال في شمال العراق وفي مناطق الجنوب العراقي إبان الانتفاضة، مع دكّه بالدبابات مراقد الأئمة؟ وحبذا لو سأل الشعراء الاميركان عن زملائهم الشعراء العراقيين الذين شرّدهم نظام صدام حسين منذ إحتلاله العراق العام 1968 حين سامهم شتى الصنوف البربرية التي فتحت أمامهم السجون وأغلقت في وجوههم الصحافة وحرية الرأي والفكر والتعبير والمعتقد، حيث أحرقت كتبهم تشبهاً بمحارق الكتب النازية ومنعت أسماؤهم من التداول في الكتابات الأدبية والنقدية.
    وكون الشعراء أبناء سلالة واحدة ليتهم سألوه أيضا، لماذا يموت الشعراء أمثال الجواهري وبلند الحيدري ومصطفى جمال الدين وعبد الوهاب البياتي وشريف الربيعي وعزيز السماوي وآدم حاتم وآخرين في المنافي ويدفنون بعيداً عن وطنهم العراق؟ ولماذا تذرع خطى الشعراء العراقيين بمختلف أجيالهم الخمسيني والستيني والسبعيني والثمانيني ومن تلاهم، المغتربات والمنافي الأوروبية والعربية لتقيم هنا وهناك تاركين العراق مهبط الشعر والشعراء ومهبط أول قصيدة كتبت على الأرض؟
    ثمة سؤال أخير ليتهم وجهوه إلى صدام حسين: ماذا عن الغياب الدراماتيكي للشاعر والرسام شفيق الكمالي، عضو القيادة القطرية والقومية ووزير الثقافة والإعلام في سلطة البعث؟ وهل نهايته كانت بقدح من عصير البرتقال ممزوجاً بمادة الثاليوم السامة أم بفنون الإبادة الأخرى؟

    * * *

    منقووول








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de