سلاح الاستنساخ الشامل

سلاح الاستنساخ الشامل
جعفر عباس
في عدد "الوطن" ليوم الأحد الماضي تساءلت الكاتبة السعودية، وجيهة الحويدر، ما إذا كانت الحرب الجارية الآن ستؤدي إلى استنساخ العراق، وأجيب على هذا السؤال بنعم، فكما أن حيازة العراق للأسلحة الفتاكة هو الذي عرّضه للحرب - بغض النظر عن صحة الاتهام أو بطلانه- فإن قيام علمائه بممارسة الاستنساخ هو الذي سيقود إلى استنساخ البلد بأكمله، ولو كنت عزيزي القارئ تتمتع بذكاء جعفري لتوصلت إلى نفس النتيجة! خذ مثلا ميناء أم قصر الصغير في جنوب العراق على مرمى حجر من الحدود الكويتية: هذا الميناء سقط في قبضة الأمريكان والبريطانيين عشر مرات خلال أربعة أيام!! ما معنى هذا؟ معناه أنهم يحتلونه صباح السبت مثلا فتظهر نسخة منه في موقع آخر عصر نفس اليوم، ويتم رفع العلم الأمريكي عليه يوم الأحد، ويتضح أن هناك نسخة منه في مكان آخر على الخليج يوم الاثنين، وهذا الميناء المعجزة يفعل ذلك بتغيير اسمه أحيانا فالأمريكان يعلنون عن احتلالهم لأم قصر، ثم يعودون فيقولون إن هناك مقاومة ضارية في أم كسار، بينما يقول قائد بريطاني إن قواته تغازل المقاومة في أم كسر، وكانت وكالة الأنباء الكويتية هي أول من "أسقط" أم قصر بعد ساعتين من بدء العمليات الحربية، ومنذ وقتها تولت بقية الوكالات ومحطات البث "إسقاطها" وما زالت تسقط كل يوم مرتين، حتى خطفت منها البصرة الأضواء فهي أيضا صارت تسقط كل بضع ساعات حتى أعلنت أمريكا أنها صارت تحت سيطرة الحلفاء تماما، (هذه الحرب أدت إلى تجديد اللغة فلأول مرة نجد المثنى بصيغة الجمع فالحرب المعلنة على العراق طرفاها واشنطن ولندن ولكن وبما أنهما تعتبران نفسيهما ممثلتين للكون فقد نسبتا الحرب إلى "الحلفاء")، وكما في أم قصر فإن البصرة سقطت مرة باسمها الأصلي وسقطت مرات باسم "بازرا"،.. الناصرية سيم سيم، احتلها الأمريكان عدة مرات وكان اسمها أحيانا "نازرية"! ثم اكتشفنا أن الأمريكان تكبدوا في الناصرية وحدها قتلى وأسرى يفوق عددهم عدد قتلاهم وأسراهم في حرب تحرير الكويت! الغريب في الأمر أن المتسبب في تلك الخسائر ليس هو الجيش العراقي، بل مليشيات شعبية غير نظامية، فكالعادة قام حزب البعث بسحب الوحدات القتالية النظامية من الجنوب إلى العاصمة لحراسة النظام، ولو بقيت كتائب أو فرق من الحرس الجمهوري الذي يقال إنه عالي التدريب وذو قدرات قتالية عالية في المناطق الجنوبية يضرب ويهرب لتسنى له تدويخ الغزاة وإفقادهم توازنهم، ولكن البركة في الشعب الذي يدافع - ليس عن صدام حسين - ولكن عن شرف الأرض والوطن! وبالتأكيد فإن حكم صدام رايح فيها، لأن الحرب غير متكافئة فخلال الأربعة أيام الأولى منها سقطت على العراق متفجرات تفوق زنتها زنة القنابل والدانات التي سقطت على ألمانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية بأكملها، وأمريكا دخلت الحرب أساسا لأنها تريد تلقين بقية العالم وليس العرب وحدهم درسا مفاده "أنا الكل في الكل"، ولهذا ستقاتل حتى يسقط صدام أو يموت، ولكن أمريكا ونحن معها تعلمنا درسا مهما من هذه الحرب: إرادة الشعوب لا تقهر.. والدليل أهل جنوب العراق الذين ظل الود بينهم وحكم البعث مفقودا ومع هذا يقفون في خط النار الأول دفاعا عن الوطن، وفعلوا ما عجز الجيش العراقي عن فعله في حرب الخليج الأخيرة!
جعفر عباس