لاهوتُ البَيْتِ الأَبْيَض! ...كمال الجزولي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 01:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2002م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-24-2003, 08:22 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لاهوتُ البَيْتِ الأَبْيَض! ...كمال الجزولي

    لاهوتُ البَيْتِ الأَبْيَض!
    كمال الجزولى
    [email protected]

    (1)

    (1/1) عبَّر الأب القمص فيلوثاوس فرج ، كاهن كنيسة الشهيدين بالخرطوم ، عن سعادته الغامرة بالفرصة التى أتيحت له لحضور "فطور الصلاة القومى" بواشنطن يوم الخميس 6/2/2003م ، ضمن ثلاثة آلاف شخصية من مائة وأربع وخمسين دولة ، بمشاركة ثلاثة رؤساء، وواحد وعشرين وزيراً ، وحشد من أعضاء برلمانات العالم ، بالاضافة إلى عدد كبير من السناتورات وأعضاء الكونغرس الأمريكى. ووصف أبونا المحترم كيف جلسوا كل عشرة إلى مائدة ، وكيف دخل الرئيس بوش عليهم فى موكب "هادئ" من أعضاء حكومته "العسكرية" ، وكيف تحول اللقاء إلى "كنيسة مؤمنة" تبارى "رجال الدولة الأمريكية" فى إلقاء "مواعظهم الروحية" من على منبرها ، وهم يطلبون من الحاضرين أن "يصلوا" لأجل أمريكا ، فكل "موعظة" تنتهى "بصلاة" ، وبين كل مقطع وآخر فى "الصلاة" تصدح "الأناشيد" و"الترانيم". ولم يفت أبانا المبجل أن يبدى إعجابه الشديد بتلك "الخلفية اللاهوتية" ، ولكنه خص بالاعجاب "موعظة" الرئيس الأمريكى التى استندت إلى "العظة على الجبل" ، ومنها: "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم. ولا تدينوا فلا تدانوا. ولا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم. أغفروا يغفر لكم" (إنجيل لوقا الطبيب ، الاصحاح السادس) وإلى ذلك إعجابه أيضاً "بموعظة" مدير جهاز الأمن الأمريكى التى استند فيها ، بصفته "صاحب أمر ونهى" ، إلى قصة القائد العسكرى وعبده المريض مع السيد المسيح (إنجيل لوقا ، الاصحاح السابع) ، مما جعل البعض يرى فى الكلمة دليل "إيمان قوى" ، وآخرين يرون فيها استعراضاً "لقوة المخابرات" ، ولكن الأب القمص يرى أن "الأمر واضح ، وهو أن الله بيده أمور حياتنا لأنه ضابط الكل". ويختم مقاله بأن الصلاة لم تقتصر على حضور الافطار وحدهم ، بل كان ثمة ، فى الواقع ، "عشرة آلاف فى واشنطن يحنون ركبهم أمام الرب الجالس على عرشه لكى يحفظ أمريكا .. ويعطيها سلامها المنشود ، ويضمِّد جراحات اليوم المشئوم الحادى عشر من سبتمبر ، والله مجيب الدعوات (الأيام 16/3/2003م).

    (1/2) وابتداءً نهنئ أبانا بسلامة الوصول ، ونردد خلفه الدعوات الطيبات بأن يضمِّد الله جراح أمريكا ويمُنَّ عليها بسلامها المفقود وطمأنينتها الضائعة. ولكنا نستميحه العفو أن نتودد إليه بعتاب رقيق ، فبعد ما لا يزيد على الأسبوعين من انفضاض مائدة "اللاهوت" البديعة تلك، وما لا يتجاوز الأربعة أيام على نشر مقالته المشار إليها ، وقعت المأساة التى ظل العالم يتوقعها بقلوب واجفة ، ويسعى لتداركها بالظفر والناب ، حيث انطلق "كرادلة" البيت الأبيض الجدد ، و"كهنته" و"قساوسته" و"شمامسته" ، يفتحون أبواب الجحيم كلها على ملايين الناس فى العراق ، ويصُبُّون فوق رءوسهم نيران أبشع آلة حربية عرفها التاريخ البشرى ، تشوى أجسادهم ، وتسيِّح أمخاخهم ، وتفتت عظامهم ، وتمضغ لحومهم وتثفلها ، بين كلِّ ثانية وأخرى ، على حين لا تكفُّ "أبرشية" الرعب هذه عن ترديد زعمها بأنها إنما تفعل ذلك لإنقاذ هؤلاء الناس بإخراجهم من "نير" الدكتاتورية والقمع إلى "نور" الديموقراطية والسلام! ومع ذلك فقد خلت مقالة أبينا ، تماماً ، من أىِّ توقع ، ولو باهت ، لسيرة هذه الرحمة المُهدرة ، والدم المسفوح ، والأرواح المستباحة ، دع عنك أوهَى إشارة ، ولو عابرة ، لما جرى ويجرى فى بيت المقدس ، وبيت لحم ، وجنين ، وحيفا ، وغزة ، بل وفى "كنيسة القيامة" ذاتها ، بينما "يهوذا" يرفل ، ما يزال ، فى قميص "الناصرىِّ" ، يستقبل ضيوفه ، بهدوء "القديسين" وسكينتهم ووقارهم ، ليعظهم على "فطور الصلاة" بألا "يقضوا" على أحدٍ ، ولا "يدينوا" أحداً ، وأن يكونوا "رحماء" .. مثلما الرب رحيم!

    (1/3) مهما يكن من أمر ، وكى لا ينخدعنَّ منخدع بشكلانية الخطاب الدينى الذى ظل يستخدمه هؤلاء "الأنبياء الكَذَبَة" ، فقد أعلن كاردينال كنيسة روما أن تنفيذ الادارة الأمريكية لقرارها بشن الحرب على العراق لا يعتبر ، فحسب ، خيانة لمبادئ الشرعية الدولية والسلام العالمى ، وإنما أيضاً ، وفوق ذلك ، بل قبل ذلك كله ، خيانة "للانجيل" نفسه (راديو مونتى كارلو ، ظهر20/3/2003م).

    (2)

    (2/1) المأساة ، من هذه الزاوية التى انتبه إليها كاردينال روما على عكس كاهن كنيسة الشهيدين بالخرطوم ، لم تقع بغتة أو على حين غرة. وثمة كتابات الآن في الصحافة الأمريكية تهتم بالأثر الذى يطبعه ، فى الوقت الراهن ، نمط التديُّن الشخصى أو التصوُّر الدينى الخاص، على الدوافع والمحفزات التى تشكل الخلفية الفكرية والأيديولوجية لصانعى القرار السياسى والاقتصادى والعسكرى الأمريكى ، مع التركيز ، بوجه خاص ، على بوش الابن. ولعل أهم هذه المواد الملف الوافى الذى نشرته "نيوزويك" في عددها الصادر بتاريخ 10/3/2003م ، والذى ساهم فى إعداده إثنان من كبار الكتاب المشاركين بالمجلة هما هاوارد فاينمان بمقالته "بوش والرب" ، وكينيث وودوارد بمقالته "البيت الأبيض: إنجيل على نهر البوتوماك" ، بالاضافة إلى القسيس مارتن مارتي ، الأستاذ بجامعة شيكاغو والرئيس السابق للجمعية التاريخية الكاثوليكية الأمريكية ، بمقالته "خطيئة التكبر". كما نشير أيضاً لمقالة القسيس فريتس ريتشس "عن الرب والإنسان في المكتب البيضاوي" والتى نشرتها "واشنطن بوست" بتاريخ 2/3/3003م، وغيرها.

    (2/2) ومن أبرز ما يمكن استخلاصه من جملة ما توفره هذه المواد من وقائع ومعطيات تاريخية أن التديُّن الذى شكل مدخلاً شخصياً لبوش الابن للتخلص من إدمان الكحول الذى كاد يعصف بحياته العائلية قبل العام 1986م ، تاريخ إقلاعه عنه وهو فى الأربعين من عمره ، شكل ، فى ذات الوقت ، أحد أهم مداخله للانخراط فى العمل العام ، أو بالاحرى مداخل بعض المحيطين به من ممثلى القوى الاجتماعية المتحلقة حول اليمين المسيحى الصهيونى فى الولايات المتحدة لتوجيه نمط تديُّنه الشخصى فى الاتجاه الذى يخدم المصالح العليا لتلك الفئات والشرائح ، وذلك بالنظر إلى خصائصه العائلية المائزة التى ظلت تؤهله منذ وقت باكر ، كما فى التقليد الأمريكى ، للعب أدوار مُقدَّرة الأثر والخطر فى الحقل السياسى. وقد كان هو نفسه، بطبيعة الحال ، واعياً بتلك الخصائص العائلية ، على نحو ما ، وبمستوى غذى لديه دائماً الشعور "بالحق فى القيادة". ويتكون هذا التيار الأصولى ، بشكل أساسى ، من خليط من رجال المال والصناعة (النفط بالأخص) والدوائر البنكية ، من البروتستانت ، البيض فى الغالب ، أتباع الكنيسة المعمدانية Babtist أو المنهجية Methodist التي ينتمي إليها بوش ، ودوائر وقوى ضغط صهيونية نافذة فى ذات المجالات الاقتصادية ، وتضع فى رأس أولوياتها إعادة ترسيم المنطقتين العربية والاسلامية ، وتقسيمهما إلى كانتونات صغيرة فى محيط الامبرطورية الاسرائيلية (الرومانية الجديدة) التى تأمل فى إقامتها على رقعة من الأرض لا تحدها ، بالضرورة ، فلسطين المحتلة ، بما فى ذلك الضغة الغربية نفسها. ويلاحظ كثير من الباحثين أن لهذا الفريق اليد العليا فى رسم سياسات هذا التحالف اليمينى المسيحى الصهيونى. أما أتباع الكنيسة الكاثوليكية (قرابة 60 مليون) ، فليس ثمة ما يقرِّب بينهم وبين هذا الحلف لعوامل سياسية ودينية تاريخية.

    (3/2) الثابت أن بوش ، الذى يقف الآن على رأس هذا التحالف ، لم يكن يولى الجانب الدينى، فى مقتبل عمره ، اهتماماً يذكر ، وإن كانت والدته المتديِّنة باربارا قد حاولت ، مؤخراً ، أن تتباهى ، على خلاف الحقيقة ، بأنه كان يميل لقراءة الانجيل فى صباه ، غير أنه، عندما سمع قولها ، علق ، مبتسماً ، بأنه لا يذكر شيئاً من ذلك! ولعل دون إيفانز ، صديق عمره المقرب ووزير التجارة الحالى فى حكومته ، قد لعب دوراً مهماً فى حفز توجهاته الدينية المحددة ، حيث استطاع إقناعه عام 1975م بالانضمام معه إلى حلقة دراسة جماعية للانجيل بواشنطن. وكان البرنامج يقتضى دراسة نص واحد من "العهد الجديد" ، بحيث يتم إكمال فقرة فى كل أسبوع. وبانقضاء عامين من ذلك كان بوش ، مع إيفانز وثمانية زملاء آخرين ، قد أكملوا تدارس "إنجيل لوقا". ويشدد فاينمان ، هنا ، على أمر فى غاية الأهمية ، وهو أثر تلك الفترة على التكوين الثقافى لرئيس الولايات المتحدة القادم. فها هو نتاج التعليم النخبوى العلمانى هذا ، من أندوفر إلى ييل إلى هارفرد ، يطالع باهتمام ، لأول مرة ، كتاباً بأكمله من الغلاف إلى الغلاف هو الانجيل (!) هكذا منحه برنامج الدراسة الجماعية للانجيل رؤية فكرية لم تتح له من قبل ، بالمقارنة مع زملائه الآخرين الذين ربما كانت قد أتيحت لهم مصادر معرفية أخرى فى السابق. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه قد قرأ ، لاحقاً ، ما ظل يعتبره ، منذ ذلك الوقت ، كتابه المفضل الذى لا ينام ليلة دون أن يطالع صفحات منه ، إلى جانب الانجيل (!) وهو كتاب القسيس أوزوالد شامبرز الذي توفى في مصر عام 1917 بينما كان منكباً على "وعظ" الجنود البريطانيين والأستراليين بالزحف على القدس (!) لتكوَّنت لدينا فكرة واضحة عن ثقافة وفكر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وما يعنيه البعض حين يصفونه بأنه ثمرة الانجيل. يتبقى ، بعد ذلك ، أن نتدبر ما إذا كان هذا الوصف قائماً على جوهر حقيقى أم محض رؤية شكلانية للانجيل ولعلاقة الانسان بالرب

    (نواصل)

    شاموق .. وأنا!

    كتب الأستاذ أحمد محمد شاموق فى عموده "بين النقاط والحروف" (20/3/2003م)، معقباً تحت عنوان "كمال الجزولى وجه من وجوه الصراع" على مقالى بعنوان "دارفور: كيلا نمسح الدهن فوق الصوف" ، والذى نشر الأسبوع الماضى فى هذا المكان (17/3/2003م)، وسأتجاوز عما بدا لى غير لائق فى كلمة شاموق من وصف لما ورد فى مقالى "بالغمز واللمز"، رغم أن هذا مما يغضب من كان مثلى يتوكل على الحى الذى لا يموت ويكتب بصريح العبارة.. نعم سأتجاوز لكى أنفذ إلى عرض حال مشكلة قائمة بينى وبين الأستاذ شاموق، وهى أنه "اعتاد" ، فى ما يبدو ، على "اختراع وقائع" عنى لا تمت إلى الحقيقة بصلة. فقد أصدر قبل سنوات طوال كتاباً عن بعض الشخصيات الفكرية والسياسية والثقافية فى السودان ، وفى الجزء الذى خصصه للكتابة عن شخصى المتواضع نسب إلىَّ عائلة ليست عائلتى ، وأولاداً لم أخلفهم فى حياتى ، وكتباً لم تصدر عنى بعد! وبلغ الأمر حداً من الخطر أن وثق البروفيسير عون الشريف قاسم فى الكتاب فنقل منه عنى فى موسوعته للأنساب .. وشرب المقلب! وإذا كنت أشكر للبروفيسير زيارته الكريمة لى للاعتذار والحصول على الحقائق لأغراض الطبعة القادمة ، فإننى أستغرب أن يعود الأستاذ شاموق ليقول بالحرف فى تعقيبه على مقالى: "من إيجابيات المقال إنه قال لنا إن الانقاذ تلعب السياسة بكفاءة عالية ، وإنها تملك القدرة على مراجعة نفسها والتراجع عن ما لزم بعض مراحلها من سلبيات ، وإنها تملك المرونة وهى تنظر هنا وهناك ، وتلتفت أحياناً إلى القادم البعيد لتقدر متى يصلها"!! إنتهى. ويا أخى شاموق (ورب أخ لك لم تلده أمك) أنا لم أقل حرفاً مما "قوَّلتنى"! أنا قلت عكس هذا الكلام حرفاً حرفاً ، فاترك لى كلامى ، ولا تنسب لى غيره مثلما سبق أن نسبت لى أهلاً غير أهلى وعملاً غير عملى .. أرجوك!








                  

03-25-2003, 05:08 AM

ود شاموق
<aود شاموق
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3605

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لاهوتُ البَيْتِ الأَبْيَض! ...كمال الجزولي (Re: أبنوسة)


    Quote: فقد أصدر قبل سنوات طوال كتاباً عن بعض الشخصيات الفكرية والسياسية والثقافية فى السودان ، وفى الجزء الذى خصصه للكتابة عن شخصى المتواضع نسب إلىَّ عائلة ليست عائلتى ، وأولاداً لم أخلفهم فى حياتى ، وكتباً لم تصدر عنى بعد



    والله الكتاب دا : معجم الشخصيات السودانية المعاصرة، بالذات ما كان حقو يدخلو في الموضوع دا لأي سبب كان، جهد بشري قابل للخطأ، وهو أول معجم WHO IS WHO عربي سوداني في التاريخ، ورغم قلة الامكانيات التي كانت متاحة في أوائل الثمانينات وانعدام الدعم من أي جهة كانت، خرج المعجم إلى النور، خصماً على أشياء كثيرة. فما بيقدح فيهو إنو ورد فيهو خطأ في معلومات كمال الجزولي أو أي شخص آخر لأنه ليس كتاباً منزلاً، بل هو جهد بشري قابل للخطأ والنسيان والخلط، ولم يقاضى صاحبه أجراً من المذكروين فيه سواء الأستاذ كمال الجزولي أو من غيره حتى يحاكموه حين يجدون فيه خطأ!! والاخطاء في المعجم كانت كثيرة، ومنها أخطاء تم تنبيهه لها قبل الطبع فاستدركت ومنها مالم يستدرك.

    مع أكيد التقدير لموقف الاستاذ كمال الجزولي، إلا أن الخطأ لم يكن مقصوداً أبداً، وهذا أؤكده بالرغم من كل شيء، أما ما حدث في المقال المعني في الرأي العام، فهذا شيء لا أعلمه، ما أعلمه هو أن المعجم بريء من الخطأ المقصود.

    .

    (عدل بواسطة ود شاموق on 03-25-2003, 05:09 AM)
    (عدل بواسطة ود شاموق on 03-26-2003, 05:55 AM)

                  

04-02-2003, 12:41 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجزء الثاني (Re: ود شاموق)

    لاهوتُ البَيْتِ الأَبْيَض(2)

    كمال الجزولى [email protected]


    (1)
    (1/1) أشرنا ، فى الحلقة الماضية ، إلى التعارض الجوهرى بين رؤية الأب القمص فيلوثاوس فرج ، كاهن كنيسة الشهيدين بالخرطوم ، الذى لا يكاد يحفل بالمحرقة المنصوبة لملايين البشر فى العراق ، فى لجة انبهاره بما أسماه "الخلفية اللاهوتية" لحفل "فطور الصلاة القومى" الذى حضره بواشنطن ، والذى تحوَّل ، كما قال ، إلى "كنيسة مؤمنة" بفضل "مواعظ" الرئيس الأمريكى وكبار أعضاء إدارته التى استندت إلى نصوص عن "الرحمة" فى إنجيل لوقا الطبيب (الأيام ، 16/3/2003م) ، وبين رؤية كاردينال كنيسة روما الذى لم تنطل عليه خديعة هؤلاء "الأنبياء الكَذَبَة" المتسترين وراء شكلانية الخطاب الدينى ، فأعلن أن هذه الحرب لا تعتبر ، فحسب ، خيانة لمبادئ الشرعية الدولية والسلام العالمى ، وإنما خيانة أيضاً .. "للانجيل" نفسه (راديو مونتى كارلو ، ظهر 20/3/ 2003م). وقلنا إن المأساة ، من هذه الزاوية التى انتبه إليها كاردينال روما على عكس كاهن كنيسة الشهيدين بالخرطوم ، لم تقع بغتة أو على حين غرة ، وذلك بالاستناد إلى قدر ضخم من الكتابات والمواد التوثيقية المهمة التى تتوفر ، منذ حين ، فى الصحافة ووسائط المعلومات الأمريكية وغيرها.
    (1/2) ولاحظنا ، من جملة هذه المعطيات ، أن التديُّن ، الذى أنقذ حياة بوش الابن الشخصية من الانهيار بإقلاعه عن إدمان الكحول صيف 1986م ، شكل أيضاً أحد أهم مداخل المحيطين به من ممثلى اليمين المسيحى الصهيونى فى الولايات المتحدة ، بغرض توجيه نمط تديُّنه الشخصى فى خدمة المصالح العليا لفئات وشرائح مكوَّنة ، أساساً ، من خليط من رجال المال والصناعة (النفط بالأخص) والدوائر البنكية ، من البروتستانت ، البيض فى الغالب ، أتباع الكنيسة المعمدانية أو المنهجية ، ودوائر وقوى الضغط الصهيونية النافذة فى ذات المجالات الاقتصادية ، والتى تضع فى رأس أولوياتها إعادة تقسيم المنطقتين العربية والاسلامية إلى كانتونات صغيرة فى محيط الامبرطورية الاسرائيلية المأمولة. أما أتباع الكنيسة الكاثوليكية فليس ثمة ما يقرِّب بينهم وبين هذا الحلف لعدة عوامل سياسية ودينية تاريخية.
    (1/3) وأوردنا أن بوش ، الذى يقف الآن على رأس هذا التحالف ، لم يكن يولى الجانب الدينى ، فى مقتبل عمره ، اهتماماً يذكر. ولعل دون إيفانز ، صديق عمره المقرب ووزير التجارة الحالى فى حكومته ، هو الذى لعب أول الأدوار المهمة فى حفز رؤيته الدينية المحدودة ، حين أقنعه بالانضمام معه إلى حلقة لتدراس الانجيل بواشنطن عام 1975م. وبعد عامين من ذلك أكمل بوش "إنجيل لوقا". وبحسب هاوارد فاينمان ، فقد كان ذلك أول كتاب يكمل بوش قراءته سطراً سطراً (!) وهكذا فقد منحه برنامج الدراسة الجماعية للانجيل أول رؤية فكرية تتيسَّر له فى حياته ، مقارنة بزملائه الذين ربما كانت قد أتيحت لهم مصادر معرفية أخرى فى السابق. ويشدِّد فاينمان ، من ثمَّ ، على الأثر الخاص لتلك الفترة على التكوين الثقافى لرئيس الولايات المتحدة القادم. فإذا أضفنا إلى الكتاب المقدس ، أنه قد اطلع ، لاحقاً ، على ما ظل يعتبره ، منذ ذلك الوقت ، كتابه المفضل الذى لا ينام ليلة دون أن يقرأ صفحات منه (!) وهو كتاب القسيس أوزوالد شامبرز الذي توفى بمصر فى نوفمبر عام 1917 بينما كان منكباً على "وعظ" الجنود البريطانيين والأستراليين بالزحف على القدس (!) لتكوَّنت لدينا ، إذن ، فكرة واضحة عن ثقافة وفكر جورج دبليو بوش ، وما يعنيه ، بالضبط ، من يصفونه بأنه "ثمرة حزام الانجيل". ويتبقى ، بعد ذلك ، أن نتدبر ما إذا كان هذا الوصف قائماً على جوهر حقيقى أم على محض رؤية شكلانية لعلاقة الانسان بالرب.

    (2)
    (2/1) بالاضافة إلى الظروف الموضوعية الداخلية والعالمية التى ظلت تحيط ، منذ أكثر من عقد من الزمن ، بعمليات التطور الاقتصادى السياسى والاجتماعى فى أمريكا ، وزحف اليمين الدينى ، حثيثاً ، إلى سدة الحكم فيها ، على خلفية التحوُّلات التاريخية الهائلة فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق ، ودول ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكى ، والأجندات الجديدة فى أوربا الغربية ووسط وجنوب شرق آسيا والصين واليابان ، والحراك العنيف الجارى ، فكرياً وسياسياً ، فى المنطقتين العربية والاسلامية ، وبالأخص على ساحة الصراع الفلسطينى الاسرائيلى ، فإنه ليس ، بالقطع ، من باب الصدفة البحتة أن يكون الرجل الذى لعب الدور الأكبر فى صياغة وتوجيه نمط التديُّن الشخصى للرئيس الأمريكى القادم من وسط كل هذه الأعاصير ، وتقييده ، نهائياً ، بالأصولية المسيحية الصهيونية ، هو ، بالذات ، القس بيل غراهام ، أبرز وجوه اليمين الدينى الأمريكى الذى اشتهر ، هو وإبنه القس فرانكلين ، بتعصبهما الشديد لإسرائيل ، ومقتهما لكل ما يمت للعرب وللاسلام والمسلمين بصلة. وحين يصف بوش بيل بقوله: "إنه الرجل الذي قادني إلى الرب" ، فإن ذلك لا يعنى ، فى الحقيقة ، وبرغم فخامة العبارة ، سوى القول بأنه الرجل الذى قذف ، فعلياً ، فى عقله ووجدانه وفمه بأقل مناهج التفكـير الغربى عقلانية ، وأكثر مصطلحات اليمين الدينى تطرفاً ، رغم أنه حَرصَ ، من خلال حملته الانتخابية ، على إرسال إشارات لفظية مُخاتِلة بأنه يعتبر السيد المسيح الفيلسوف السياسي المفضل لديه (!) مثلما حَرصَ ، فى وقت لاحق ، على اختيار صلاة دينية عن القوة الروحية للسيد المسيح ، ضمن الخطاب التقليدى الذى ألقاه عن حالة الاتحاد بصفته رئيساً للولايات المتحدة (!)
    (2/2) غير أن بوش لم يكف ، فى ذات الوقت ، قبل انتخابه وبعده ، عن التذكير ، دون كلل أو ملل ، بحكاية افتتاحه ليومه بتلاوة فقـرات من "الكتاب المقدس" الذى يشمل ، كما هو معلوم ، كلاً من الانجيل "العهد الجديد" والتوراة العبرانية "العهد القديم" (!) وكذلك مطالعته اليومية ، التى سلفت الاشارة إليها ، لصفحات من كتاب القس أوزوالد شامبرز الذى لا يكاد الرئيس يخفى إعجابه "بمأثرته" الدينية السياسية ، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة وهو "يعِظ" المسيحيين بانتزاع القدس من المسلمين (!) بالاضافة إلى الدلالة التى تكتسيها ، فى هذا السياق أيضاً ، تلاوة فرانكلين غراهام ، دون سواه ، للصلاة الخاصة بحفل تنصيب سيِّد البيت الأبيض (!)
    (2/3) ورغم أن بعض الكتاب ، كما هاوارد فاينمان (نيوزويك ، 10/3/2003م) ، قد يميلون للعودة ببداية "تديُّن" بوش إلى صيف 1986م ، تاريخ إقلاعه عن معاقرة الخمر وهو فى الأربعين ، رافعاً ، كما صرَّح أحد أصدقاء تلك الأيام ، شعار "وداعاً جاك دانييل .. مرحباً بالمسيح" ، وجاك دانييل صِنفٌ من الويسكى ، إلا أن آخرين يتقدمون بذلك التاريخ سنتين إلى الأمام ، كالقس فريتس ريتشس الذى يؤكد ، فى مقالته المار ذكرها (واشنطن بوست ، 2/3/2003م) ، أن بداية اهتمام بوش بالدين من زاوية الطموح "السياسى" وقعت ، فى الحقيقة ، من خلال توليه مسئولية تعبئة القساوسة للتصويت لصالح والده فى معركة الانتخابات الرئاسية عام 1988م. لقد تفتحت عيناه ، وقتها ، ولأول مرة ، على ثقل اليمين الدينى الصاعد ، بخاصة فى الجنوب الأمريكى ، فاندفع يُبدى تجاهه حماساً تلتبس فيه سذاجة التبسيطات الدينية ببرودة الحسابات المنفعية ، حتى لقد سعى ، بحسب فاينمان ، لإنتاج أشرطة فيديو لمواعظ بيل غراهام بغرض استخدامها فى حملة والده الانتخابية ، لولا أن الوالد رفض ذلك!
    (2/4) ولكن الابن واصل رهانه على تيار اليمين الدينى الذى سرعان ما سيطر ، بالفعل ، على المفاصل الأساسية للحزب الجمهورى ، فكان أن رفعت أمواجه جورج دبليو بوش إلى مكتب الحاكم بولاية تكساس ، ثم ما لبثت أن وضعته ، بعد سنوات أخرى ، داخل المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض ، محاطاً برهط من أكثر ناشطى المسيحية الصهيونية حماساً ، وتعصُّباً ، وطموحاً ، وارتباطاً أيضاً ، كما الرئيس نفسه ، بالمصالح النفطية (نيوزويك ، 10/3/2003م). ولعل أول ما تلتقطه العين فى تركيبة هذا الرهط عوامل التقارب الوثيق بين توجهات أعضائه ومصالحهم ، من كوندوليزا رايس ، عضو مجلس إدارة شيفرون ، وإبنة أحد الوعاظ بكنائس آلاباما ، ومستشارة الرئيس للأمن القومى ، إلى دون جونز ، متسلق الهرم الادارى فى شركة توم براون للنفط قبل انهيارها الدراماتيكى ، والمُحَفز الأول لبوش على قراءة "إنجيل لوقا الطبيب" ، ووزير التجارة الحالى فى الادارة الأمريكية. ويمكنك أن تقيس على ذلك ديك تشينى الذى جمع ثروته من تجارة النفط وعلاقاته باليمين الدينى ، ودونالد رامسفيلد قسيس صلوات "أبرشية" الرعب فى البيت الأبيض ، وأندرو كارد مدير مكتب الرئيس المتزوِّج من قسيسة ، وريتشارد بيرل ، اليهودى الصهيونى المتعصب ، كبير مستشارى البنتاغون ، المنظر الأول لخطة سحق الفلسطينيين تمهيداً لفرض "سلام ميزان القوة" على أرض "الواقع" ، المخطط الأساسى وراء الحرب القذرة على العراق ، والذى اضطر للاستقالة ، الأسبوع الماضى ، تاركاً "حربه" على كفِّ عفريت ، فى واحدة من أندر الوقائع "الشكسبيرية" ، بعد الفضيحة المدوية حول علاقاته المريبة بشركة "قلوبال كروسينق" ، وهلمجرَّا!
    (2/5) وكما لو أن كل هذا الحشد غير كافٍ لزرع الثقة لدى اليمين الدينى بأن مشروعاته وبرامجه تمضى فى الطريق "الصحيح" ، فإن سيلاً من رسائل رموزه وجماعاته لا يكاد ينقطع عن المكتب البيضاوى ، منذ شغله بوش الابن. فخلال أشهر الصيف الماضي وحده تلقي الرئيس الأمريكى رسائل من أربعين شخصية إيفانجيليكية تطالبه بتبني سياسة خارجية صارمة فى شأن القضايا ذات الصلة بالصراع الفلسطينى الاسرائيلى. وكما هو متوقع فإنه لم يصعب على الصحافة ووسائط المعلومات العالمية تقصِّى علاقة معظم أصحاب تلك الرسائل المتحمسة برئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون ، وضلوعهم في دعم النشاط الصهيونى داخل أمريكا (القدس العربى ، 18/3/2003م).

    (3)
    (3/1) فتح القس فريتس نافذة على التراث الدينى للمهاجرين الأوربيين الأوائل إلى قارة أمريكا. وبالاطلال منها يمكننا أن نرى أنه ، فى حقيقته ، تراث قدرى ، تبسيطى ، قائم فى التعصب للمعتقد ، وفى الإيمان الأعمى بأن الموطن الجديد هو عين "صهيون" أو "الأرض الموعودة" ، وبأن مستوطنيه الجدد هم ، قطعاً ، محط "العناية الإلهية" ، وأنه ملتبس ، فى جملته ، بذهنية المغامرة ، ومخاطر القفز فى المجهول ، ومشاق المجابهة لتحديات البقاء. هكذا ، وبموجب "حتمية" أولئك الأسلاف البيض ، "وروحانيتهم" الخاصة التى تسببت فى إبادة ملايين الهنود الحمر من أصحاب الأرض الأصليين ، جرى تأسيس "اللاهوت الأمريكى" الراهن من فوق دعائم الاقتناع ، الذى لا تشوبه شائبة ولا يتطرق إليه شك ، بأن "الله معنا وحدنا"!
    (3/2) ومن جهته سجل الصحفى البريطانى جستين ويب ، بعد فترة معقولة من المعايشة للمجتمع الأمريكى ، إفاداته من منظور شخصي عن أهمية الإيمان والاعتقاد الدينى في الحياة الأمريكية الراهنة ، حيث يشكل الترويج للمعتقدات الدينية ، بوضوح وبصوت عال ، جزءا من لحم هذه الحياة وشحمها. وطبقا لاستطلاعات الرأي فإن 86 % من الأمريكيين يعتقدون في الله وفى الآخرة. وأن ثلاثة من كل أربعة يعتقدون في وجود الشيطان والجحيم. وأن الشيطان يتآمر على الإنسان. وأن الشر موجود في العالم ويجب محاربته. وأن الجزء الأكبر من محاربة الشر إنما يكمن في الصلاة ، فيتحدث الأمريكيون عن الصلاة باعتبارها أكثر الأمور بساطة وعادية في حياتهم (بى بى سى ، 17/3/2003م).
    (3/3) وبرغم الفارق بين هتين الرؤيتين المقتضبتين ، إلا أنهما تمثلان ، حال الجمع بينهما ، نموذجاً للجدل الذى يمكن أن تثيره مقالة كالتى نحن بصددها هنا ، وتوفران ، من ثمَّ ، منطلقاً لطرح السؤال الذى ما ينفكُّ يهشُّ بإلحاح: هل من فراغ وقع صعود التحالف المسيحى الصهيونى فى الحياة السياسية الأمريكية؟!
    (نواصل)


    --------------------------------------------------------------------------------
                  

04-13-2003, 10:38 AM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجزء الثاني (Re: أبنوسة)

    PM

    لاهوتُ البَيْتِ الأَبْيَض (3)

    كمال الجزولى [email protected]

    (1)
    (1/1) عرضنا، فى ما تقدم ، لموقفين متقاطعين تماماً لرجلى دين مسيحيين ينطلق كلاهما من رؤية ثيولوجية خاصة للمدى الذى يتسق فيه تديُّن من يشنون الحرب الآن على العراق ، وبخاصة الأمريكان ، مع القيم الإنجيلية: رؤية الأب القمص فيلوثاوس فرج ، كاهن كنيسة الشهيدين بالخرطوم ، الذى لا يخفى إعجابه برموز الادارة الأمريكية ، ويعتبر محفلهم -كنيسة مؤمنة- ، فيُصدِّق -مواعظهم- ، و-يصلى- لأجلهم ، و-يدعو- لهم (الأيام ، 16/3/2003م) ، ورؤية كاردينال كنيسة روما الذى لا تغرُّه القشرة الخارجية لشكلانية خطاب هؤلاء -الأنبياء الكَذَبَة- فيعتبرهم ،بالجملة ، خَوَنَة -للانجيل- (مونتى كارلو ، 20/3/ 2003م). وحاولنا أن نتلمس سبيلاً للوقوف على جليَّة هذا التعارض ، بالاستناد إلى المعطيات المتوفرة الآن حول تديُّن هذه الرموز ، وبوش الابن بالأخص ، ضمن بعض الكتابات والمواد التوثيقية المهمة فى الصحافة ومحطات الراديو والتلفزة ووسائط المعلومات الأمريكية والعالمية.
    (1/2) لاحظنا ، فى هذا الاطار ، أن نمط التديُّن التبسيطى المحدود والمتحمِّس ، الذى كان قد أنقذ بوش الابن من إدمان الكحول ، والذى يناسب تماماً اليمين المسيحى الصهيونى فى الولايات المتحدة ، هيَّأ أيضاً مداخل هذا اليمين لتوجيهه فى خدمة الطغم المالية والصناعية ، النفطية والحربية بالأخص ، بين أتباع الكنيسة المعمدانية أو المنهجية Bbtist/Methodist ، وقوى الضغط الصهيونية الطامحة لإعادة تقسيم المنطقتين العربية والاسلامية إلى كانتونات صغيرة فى محيط -الامبرطورية
    الإسرائيلية-.
    (1/3) وأشرنا لتأثير دون إيفانز الباكر فى حفز هذا النمط من التديُّن لدى صديقه بوش الابن، بإلحاقه ، عام 1975م ، بحلقة للتدراس الجماعى للانجيل كانت قد أسَّستها بواشنطن نسوة ريفيات (!) وبإكماله قراءة -إنجيل لوقا- ، فى التاسعة والعشرين من عمره ، كان بوش الابن ، فى الحقيقة ، قد أكمل ، لأول مرة فى حياته حسب هاوارد فاينمان ، قراءة كتاب من الغلاف للغلاف (!) فإذا أضفنا إلى ذلك حرصه اللاحق على أن يطالع كل ليلة قبل النوم ، كما قال ، صفحات من كتاب القس أوزوالد شامبرز الذي توفى بمصر فى نوفمبر عام 1917 وهو -يعظ- الجنود البريطانيين
    والأستراليين بالزحف على القدس (!) لأمكننا ، إذن ، أن نمسك بطرف الخيط المفضى إلى المؤثرات الأساسية على فكر الرئيس الأمريكى ، وما إذا كان الذين يصفونه بأنه -ثمرة حزام الانجيل- يعنون جوهراً دينياً حقيقياً أم محض رؤية
    شكلانية لعلاقة الانسان بالرب.
    (1/4) فى هذا السياق ، وبالاضافة إلى الظروف الموضوعية الداخلية والعالمية التى ظلت تحيط ، منذ أكثر من عقد من الزمن ، بعمليات التطور الاقتصادى السياسى والاجتماعى فى أمريكا ، وزحف اليمين الدينى ، حثيثاً ، إلى سدة الحكم ، فقد توقفنا أيضاً عند مؤثرات ذات أهمية خاصة بالنسبة لخيارات الادارة الأمريكية ورئيسها. من بينها الدور الاستثنائى الذى لعبه القس بيل غراهام ، أبرز وجوه اليمين الدينى الأمريكى الذى وصفه بوش بأنه -الرجل الذي قادني إلى الرب- ، والذى اشتهر ، هو وإبنه القس فرانكلين بالتعصب لإسرائيل والكراهية للعرب والمسلمين ، وذلك فى
    تقييد نمط التديُّن الشخصى للرئيس الأمريكى ، نهائياً ، بأقل مناهج التفكير الغربى عقلانية ، وأكثر مصطلحات الأصولية المسيحية الصهيونية تطرفاً. ومنها أيضاً
    إنتباهة بوش الابن ، لأول مرة ، إلى -الدين- من زاوية الطموحات -السياسية- ، من خلال توليه مسئولية تعبئة القساوسة للتصويت لوالده فى الانتخابات الرئاسية عام
    1988م، حيث تفتحت عيناه على ثقل اليمين الدينى الصاعد ، فبقى يراهن عليه ، منذ ذلك الوقت إلى أن سيطر هذا التيار ، بالفعل ، على مفاصل القيادة فى الحزب الجمهورى ، فرفعته أمواجه إلى منصب حاكم تكساس ، ثم ، بعد سنوات
    أخرى ، إلى رئاسة أمريكا كلها ، محاطاً برهط من أكثر ناشطى المسيحية الصهيونية تعصُّباً وارتباطاً بالمصالح النفطية ، كما بوش نفسه ، من شاكلة ديك تشينى الذى أثرى من تجارة النفط ومن علاقاته باليمين الدينى ، وكوندوليزا رايس ، عضو مجلس إدارة شيفرون ، وإبنة -الواعظ الكنسى- بألاباما ، ومستشارة الأمن القومى ، ودون جونز ، الادارى الكبير بشركة توم براون للنفط ، والمُحَفز الأول لبوش
    على قراءة -إنجيل لوقا الطبيب- ، ووزير التجارة الحالى.
    وإلى ذلك دونالد رامسفيلد وريتشارد بيرل وآرى فلايشر ، وحتى أندرو كارد مدير مكتب الرئيس!

    (1/5) وفى باب الاجابة على السؤال المهم عن الخلفيات الثقافية والفكرية لصعود هذا التحالف المسيحى الصهيونى فى السياسة الأمريكية تطرَّقنا للتراث الدينى للمهاجرين الأوربيين الأوائل ، من حيث هو تراث قدرى ، تبسيطى ، ملتبس ، فى جملته ، بذهنية المغامرة ، ومخاطر القفز فى المجهول ، ومشاق المجابهة لتحديات البقاء ، وقائم ، بالكلية ، فى التعصب للمعتقد ، والإيمان الأعمى بأن الموطن الجديد هو -صهيون- أو -الأرض الموعودة- ، حسب القس فريتس (واشنطن بوست ، 2/3/03م) ، وأن مستوطنيه الجدد محط -العناية الإلهية-. وقد جرت ، بموجب تلك
    -الحتمية الروحانية- إبادة ملايين الهنود الحمر ، وتأسيس -اللاهوت الأمريكى- الراهن الذى لا يأتيه الشك فى أن -الله معنا وحدنا-! كما أوردنا إفادة الصحفى البريطانى جستين ويب عن ملامسته الشخصية لأهمية الاعتقاد الدينى في الحياة الأمريكية الراهنة. وطبقا لاستطلاعات الرأي فإن 86 % من الأمريكيين يعتقدون في الله وفى الآخرة ، وأن ثلاثة من كل أربعة يعتقدون في وجود الشيطان والجحيم ،
    وأن الشيطان يتآمر على الإنسان ، وأن الشر موجود في العالم ويجب محاربته ، وأن الجزء الأكبر من محاربة الشر يكمن في الصلاة كأكثر الأمور بساطة وعادية في حياتهم (بى بى سى ، 17/3/2003م).

    (2)
    (2/1) ولئن كانت الأديان هى ملاذات الفطرة الانسانية النازعة إلى الحق والخير والجمال ، النافرة من الزيف والشرِّ والقبح ، وكان الإيمان بالغيب وأداء الصلاة
    أمرين مركزيين فى كل دين وفى كل تديُّن ، فإن الادراك العميق لهذه المعانى والعبادات هو وحده الذى يشكل ضمانة التديُّن المستقيم. أما التبسيط المُخل للقيم فيسخطها إلى معكوساتها تماماً فى العقل والوجدان ، وأما التسطيح الساذج للعبادة فيحيلها إلى مجرِّد طقوس شكلانية تمارس بوعى غائب وأفئدة مستلبة ، فتمسى إما دروشة تامة ، أو شيئاً ، فى أفضل الأحوال ، إلى الدروشة أقرب. وأكثر ما
    يتمظهر ذلك فى انكماش الوعى الدينى إلى محض ثنائيات لفظية غائمة تتقاصر الفهوم عن إدراك دلالاتها القطعية (الدنيا والآخرة ، الخير والشر ، الشيطان والملاك ،
    الصواب والخطأ، الثواب والعقاب ، الجنة والنار .. الخ).
    حينها ، ومن هذا الباب ، بالتحديد ، ينسرب ما يُصطلح عليه -بإساءة- استخدام الدين أو -المتاجرة- به ، مما تختزنه خبرة جميع الأمم ، وتحتشد بصوره ذاكرة التاريخ
    البشرى ، حيث يجرى استبدال الدجل بالدين ، وتقوم للشعوذة سوق تستثمر الفطرة فى عرصاتها لمصادمة الفطرة ، وتستغل أنبل المشاعر الدينية لتمرير كل ما تحرِّمه الأديان!
    (2/2) وكما فى الاسلام ، ففى المسيحية واليهودية أيضاً طبقات وفئات وشرائح إجتماعية ذات توجهات أيديولوجية محافظة بحكم مصالحها ضمن صراع السلطة والثروة ، ولكنها ليست كلها ناشطة ، بالضرورة ، فى استغلال الدين لتحقيق هذه المصالح. غير أن ثمة أقليات بين معتنقى الأديان الثلاثة تتحلق حول أصوليات ناشطة ، فتظهر التعصُّب للمعتقد ، والنزوع لتمكينه وتوسُّعه علي حساب الأديان الأخري ، باستخدام أساليب ووسائل غير مشروعة فى غالبها ، بينما تبطن ، بوعى أو بغيره ، خدمة مصالح طبقية محدَّدة. وتشكل المسيحية الصهيونية الحاكمة فى أمريكا الآن ،
    برئاسة بوش الابن ، نموذجاً لهذه الأقلية الأصولية الناشطة بين الأكثرية الانجيلية المحافظة ، تحت الدفع -الدينى- لقساوسة مثل فرانكلين غراهام وبات روبرتسون
    وجيري فالويل وغيرهم مِمَّن يعتنقون الأيديولوجية الصهيونية ، وعُرفوا بولائهم الصريح لإسرائيل في عقائدهم ومشاعرهم ، بل وانخرط بعضهم عضوياً فى تنظيمات الحركة الصهيونية نفسها. هؤلاء لم يتوانوا فى مظاهرة إسرائيل علناً ، وبحماس فائق ، منذ أيام مناحيم بيغن ، مثلما يظهرون الآن تأييدهم لشارون بذات القدر.
    (2/3) وفى الحقيقة فإن اليمين المسيحي ، الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكى ، يؤمن إيماناً قاطعاً بأن –الحرب المقدسة- هى وحدها التى سوف تفتح الطريق أمام عودة
    المسيح ليحكم العالم ألف عام ، وأن إسرائيل مشروع إلهى ، ومحطة تاريخية لازمة لهذه العودة. وفى حوار معه بمناسبة صدور كتابه (الحرب غير المقدسة ـ The Unholy War) ، يضئ البروفسور جون ايسبوزيتو ، مدير مركز التفاهم الاسلامي
    المسيحي في جامعة جورجتاون الامريكية في واشنطن ،والمسؤول عن كلية والش لتدريب الدبلوماسيين الامريكيين ،ورئيس تحرير قاموس أكسفورد للاسلام وموسوعة أكسفورد حول العالم الاسلامي الحديث ، وأحد أبرز المرجعيات الأمريكية الوثيقة عن الاسلام ومفهوم صراع الحضارات ، يضئ وجهاً مهماً من وجوه الدوافع وراء هذا التقارب المسيحى الصهيونى بإبراز النزعة الايديولوجية الرائجة وسط غالبية
    المحافظين المسيحيين لاستراد بيت المقدس وتوطين اليهود فى فلسطين ، ليس حباً فيهم ، وإنما تمهيداً لعودة المسيح وضمهم إلى المسيحية (!) علاوة ، بالطبع ، على
    كراهيتهم للمسلمين ، بل كراهيتهم حتى للمسيحيين الآخرين الذين لا يشاطرونهم هذه العقيدة الصهيونية (القدس العربى ، 3/8/2002م).

    (3)
    (3/1) ولو كان قد قدر لليمين المسيحى الصهيونى فى أمريكا أن -يخترع- وضعية دينية شعبية يسهل عليه -استثمارها- فى الصعود إلى سدة الحكم ، ومن ثمَّ تمرير سياساته الرامية لاستعادة السيطرة على أوربا واليابان ، بعد زوال -الخطر-
    السوفيتى ، ولتمكين عتاة ضوارى النفط ، بالقوَّة الحربية ، من مخزوناته الغنية فى الخليج والعراق وبحر قزوين وغيرها ، من جهة ، وإنعاش سوق السلاح ، من الجهة الأخرى ، بوضع العالم بأسره تحت الرعب الدائم من تهديدٍ مختلق وخطر متوهَّم ، إضافة إلى تحقيق الحلم القديم بإعادة هندسة المنطقتين العربية والاسلامية لصالح هيمنة -إسرائيل العظمى- ، لو قدر له ذلك لما أمكنه أن يخترع أفضل مما وجد فى الواقع. فليس أكثر ملائمة لهذا التيار من نمط التدين شديد الحماس ، على الطريقة الأمريكية السائدة ، بخصائصه القائمة فى الاستلهامات التبسيطية لثنائيات الخير والشر ، الصواب والخطأ .. الخ ، دون تعمق فى استكناه المدلولات الدينية الحقيقية ، لا المتوهَّمة ، لهذه الثنائيات ، الأمر الذى يسمح لأية سلطة أعلى ، سياسية كانت أو إعلامية أو غيرها ، بالتدخل لاجتراح تلك المدلولات ، حسب المصلحة التى تخدمها ، ولملء الحماسات -الشاغرة- بالمعتقدات -المناسبة- فى هذا المستوى الغالب
    من الوعى الدينى الجمعى!
    (3/2) ذلك هو ، بالتحديد ، ما سارع اليمين المسيحي الصهيونى لإنجازه ، بعد وقبل انتخاب جورج بوش الابن رئيساً ، حيث نشط فى إعادة تشكيل الحماسات الثيولوجيةالشائعة فى المجتمع الأمريكى بصورة سياسية عملية. وفى الحقيقة ، وبحسب القس فريتس ، فإن غاية ما كان يتطلع إليه أتباع هذا التيار ، وهم بعدُ فى مرحلة التهيؤ للصعود ، أن يعثروا على قائد يوحِّد بين طموحهم السياسى ورؤيتهم الدينية ، تماماً على قياسات شخصية -داود- الإنجيلية (!) والآن فإن الدلائل كلها تشير إلى أنهممقتنعون بعثورهم على هذا القائد فى شخص بوش الابن الذى يبدو هو نفسه مقتنعاً بذلك ، أو كما قال!
    (3/3) لكن ، وبصرف النظر عما يرى هذا التيار فى قائده -الانجيلى- ، أو ما يرى هو فى نفسه ، فمن المهم ، فى كل الأحوال ، مقاربة الأسلوب الذى يفكر به رئيس أقوى دولة فى العالم ، ويفكر به طاقمه بالضرورة ، مِمَّا يمكن إجماله فى التخليط الواضح بين النزوع للسياسة -العملية- من جهة ، وادعاء -التجليات الالهية- من جهة أخرى ، علاوة على القفز غير المنتظم من الفكرة إلى نقيضها ، فى التوِّ والحين ، والإيمان المطلق بأن أمريكا على حق وأن الله سينصرها ، وإلى ذلك -تهويم- الخطاب السياسى بين المطلقات والمتقابلات والثنائيات الدينية بلا معنى محدَّد أو
    دلالة قاطعة. وسنكتفى ، فى حيِّز هذه المقالة ، ببعض الشواهد والمجتزءات على النحو الآتى:
    أ/ يورد هاوارد فاينمان ، فى مقالته المار ذكرها ، خبر اجتماع عقده بوش الابن مع لفيف من كبار الأساقفة بمقره كحاكم لتكساس ، عام 1999م ، بينما كان يتهيأ لخوض
    المعركة الانتخابية ، وطلب منهم وضع أيديهم فى يده ، قائلاً ، بألفاظ منتقاة بعناية ، ما معناه أن -المُنادى- قد -ناداه- لأداء -رسالة- سامية ـ he’d been (called) to seek higher office ( نيوزويك ، 10/3/2003م).
    ب/ ويورد فاينمان أيضاً أن الرئيس تحدث ، ذات يوم من فبراير الماضى ، لمحطة إذاعة دينية فى ناشفيل قائلاً:
    -إن الارهابيين يكرهون حقيقة .. أن بمقدورنا عبادة الرب بالطريقة التى نراها ملائمة- ، وأن الولايات المتحدة مكلفة بجلب الحرية ، كهدية من الرب ، إلى -كل إنسان فى العالم- (المصدر). وكان بوش الابن قد تحدث ، قبل ذلك ببضعة أيام ، فى حفل -إفطار الصلاة- (الذى حضره الأب القمص فيلوثاوس وعاد منه ليكتب مقاله بالأيام منبهراً -بمواعظ- الرئيس ورهطه) ، فقال: -إن ثمة تفان وغاية قدَّرهما الرب العادل الرحيم من وراء كل حدث فى الحياة وفى التاريخ- ، وبما أن ذلك كذلك فإن أمريكا لن تهزم! (المصدر). وعقِبَ حديثه فى ناشفيل عقد الرئيس لقاءً خاصاً مع بعض رُعاة الكنائس أقسم فيه أنه لم يكن ليصبح رئيساً لولا إقلاعه عن شرب الخمر بفضل الله قبل سبعة عشر عاماً. وأقرَّ فى ذلك اللقاء بأن احتمال شن الحرب على
    العراق ثقيل على نفسه (!) وأنه يعلم أن كثيراً من الناس ، بمن فيهم بعض الحاضرين ، يرونها حرباً من أجل الاحتلال وغير عادلة. وبالفعل ، فقد علق أحد المشاركين ، تشارلس ستروبل ، عقب انفضاض اللقاء ، قائلاً: -لم أكن لأتخيَّل المسيح يلقى إعلان حرب أمام جمهور منفعل يلوِّح له ، كما فعل الرئيس للتو-! (المصدر). ولكن الرئيس أعلن أنه يتعيَّن على أمريكا أن تعلم أنها إنما - تجابه الشر- فى هيئة صدام حسين ، وأنه ما من خيار أمامها سوى أن تتصدَّى له ، إلى حدِّ الحرب إذا اقتضى الأمر. ثم أردف قائلاً:
    -إذا كان لأحد أن يشعر بالتصالح مع نفسه ، فأنا متصالح معها-! (المصدر).
    ج/ أما الصحفى البريطانى اللمَّاح جستين ويب فيرسم بالكلمات صورة للحياة اليومية فى البيت الأبيض ، حيث ،وبدلاً من تقديم النصح للرئيس فى الشئون السياسية ، يرهف الجميع آذانهم ترقباً لصوت يأتي دائما من أعلى ، وحيث التدين على الطريقة الأمريكية ، بما يحتويه من ثنائيات الخير والشر ، الصواب والخطأ .. الخ ، يبدو مناسبا أكثر لأجواء الحرب ، وحيث العاملون يتراكضون من مكتب لمكتب وبأيديهم الأناجيل ، وحيث الاجتماعات للصلاة تعقد آناء الليل وأطراف النهار ، وحيث الرئيس ، ومن خلفه الجميع ، كانوا ، بلا شك ، يصلون بحرارة لكي تدهس حافلة صدام حسين لكن إذا تعذر وجود حافلة فإنهم سيعتقدون أن لديهم الحق في فعل ما قرروه. وعموماً ، ولأنهم قرروا خوض معركة -الخير- ، فإن الشكوك والمخاوف العقلانية التي تتردد عالميا يمكن أن تنحى جانبا! (بى بى سى، 17/3/2003م).
    د/ وبإمكان المرء أن يضيف أيضاً إلى تقرير جستن ويب ما ظلت تتداوله الصحافة وأجهزة الاعلام العالمية من أحوال الادارة الأمريكية الحالية ، منذ جلوس بوش الابن على كرسىِّ المكتب البيضاوى. فالحرب أمر إلهى يستوجب طاعة المؤمنين للأنبياء الجُدُد (!) والأمم المتحدة لا تهم الرئيس فى شئ لأنه متوكل على الرب (!) والناطق الرسمى آرى فلايشر لا ينفكُّ يروِّج للصلة المفتوحة بين الرئيس والسماء (!) والرئيس يعلن بنفسه أنه يتلقى الوحى من الرب!
    (نواصل)
                  

04-25-2003, 10:01 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجزء الرابع (Re: أبنوسة)

    لاهوتُ البَيْتِ الأَبْيَض (4)

    كمال الجزولى [email protected]

    (1)
    (1/1) تأخرت هذه الحلقة الأخيرة عن موعدها فى الأسبوع الماضى لعلة طارئة ألمت بى ، فمعذرة. وكنا عرضنا ، فى ما سبق ، لما وقع لنا من تبايُن بين رؤيتين متقاطعتين تماماً لرجلى دين مسيحيين حول قضية واحدة ، هى الخطاب الثيولوجى المعتمد لدى الادارة الأمريكية: رؤية كاهن كنيسة الشهيدين بالخرطوم الذى يعجبه "تديُّن" رموز هذه الادارة ، فيعتبرهم ، بالجملة ، "كنيسة مؤمنة" يُصدِّق "مواعظها" ، ورؤية كاردينال كنيسة روما الذى لا ينخدع لحماسة هذا الخطاب الخارجية ، فيدمغ "أنبياءه الكَذَبَة" ، ويعتبرهم ، بالجملة ، "خَوَنَة للانجيل"! ثم حاولنا أن نتلمس بين الرؤيتين سبيلاً يمكننا من استجلاء ما إذا كان هذا الخطاب ينهل ، بالحقِّ ، من جوهر دينىٍّ حقيقى ، أم أنه محض مُخاتلة مُفارقة لما ينبغى أن تقوم عليه علاقة الانسان بربِّه.
    (1/2) أوردنا ، فى هذا الاطار ، بعض الملاحظات حول نمط التديُّن المحدود ، شديد التعصب والانكفاء لجورج دبليو بوش ، والذى تضافرت فى تشكيله عوامل عدة ، أهمها خصائصه وتطلعاته الشخصية ، وميراث التديُّن الأمريكى التبسيطى السائد ، بالاضافة إلى التأثيرات القصدية التى مارسها عليه اليمين المسيحى الصهيونى فى الولايات المتحدة ، والذى تتحالف فيه طغم مالية وصناعية نفطية وحربية من بين بروتستنت الكنيسة المعمدانية أو المنهجية Bbtist/Methodist ، من جهة ، وقوى ضغط صهيونية طامحة لإعادة تقسيم المنطقتين العربية والاسلامية إلى كانتونات صغيرة فى محيط "الامبرطورية الإسرائيلية" ، من الجهة الأخرى. كما أشرنا إلى تمكن هذا التيار من السيطرة على مفاصل الحزب الجمهورى ، الأمر الذى هيأ لبوش الابن أن يصبح حاكماً لتكساس ، ثم رئيساً لأمريكا كلها ، محاطاً برهط من أكثر ناشطى المسيحية الصهيونية تعصُّباً وارتباطاً بالمصالح النفطية.
    (1/3) وقلنا إن هذا اليمين المسيحي يؤمن بأن "الحرب المقدسة" هى وحدها التى سوف تفتح الطريق أمام عودة المسيح ليحكم العالم ألف عام ، وأن إسرائيل مشروع إلهى ، ومحطة تاريخية لازمة لهذه العودة ، كما أبرزنا رؤية البروفسور جون ايسبوزيتو القائمة فى كون استراد بيت المقدس وتوطين اليهود فى فلسطين ، ليس حباً فيهم ، وإنما تمهيداً لعودة المسيح وضمهم إلى المسيحية ، هو الأساس الأيديولوجى لتقارب هذه القوى البروتستنتية الصهيونية ، على خلفية مصالحها المتمثلة فى استعادة سيطرتها على أوربا واليابان ، بعد زوال "الخطر" السوفيتى ، عن طريق تمكينها من مخزونات النفط الغنية فى الخليج والعراق وبحر قزوين وغيرها ، من جهة ، وإنعاش سوق السلاح ، من الجهة الأخرى ، بوضع العالم بأسره تحت الرعب الدائم من تهديدٍ مختلق وخطر متوهَّم ، إضافة إلى تحقيق الحلم القديم بإعادة هندسة المنطقتين العربية والاسلامية لصالح هيمنة "إسرائيل العظمى". وبحسب القس فريتس ، فإن غاية ما كان يتطلع إليه أتباع هذا التيار هو العثور على قائد يوحِّد بين طموحهم السياسى ورؤيتهم الدينية ، تماماً على قياسات شخصية "داود" الإنجيلية (!) وإن الدلائل كلها تشير ، الآن ، إلى أنهم مقتنعون بعثورهم على هذا القائد فى شخص بوش الابن ، كما وأنه هو نفسه مقتنع بذلك!

    (2)
    (2/1) وحاولنا مقاربة الأسلوب الذى يفكر به الرئيس الأمريكى ورموز إدارته ، من حيث هو أسلوب قائم فى التخليط بين السياسة "العملية" وبين تلقى "الوحى" من الرب ، وإغراق الخطاب السياسى فى لجج من المطلقات والمتقابلات والثنائيات الدينية ، والإيمان المطلق بأن أمريكا وحدها على حق ولذلك فإن الله سينصرها دون شك ، وما إلى ذلك. وقد شرعنا ، منذ نهاية الحلقة الماضية ، فى إيراد بعض الشواهد والمجتزءات على النحو الآتى:
    أ/ عرضنا للخبر الذى ساقه هاوارد فاينمان حول اجتماع بوش الابن مع لفيف من كبار الأساقفة بمقره كحاكم لتكساس ، عام 1999م ، بينما كان يتهيأ لخوض المعركة الانتخابية ، حيث طلب منهم دعمه لكون "المُنادى" ، كما قال ، قد "ناداه" لأداء "رسالة" سامية ـ he’d been (called) to seek higher office (نيوزويك ، 10/3/2003م).
    ب/ كما عرضنا أيضاً لقوله ، ذات يوم من فبراير الماضى ، لمحطة إذاعة دينية فى ناشفيل: "إن الارهابيين يكرهون حقيقة .. أن بمقدورنا عبادة الرب بالطريقة التى نراها ملائمة" ، وأن الولايات المتحدة مكلفة بجلب الحرية ، كهدية من الرب ، إلى "كل إنسان فى العالم" (المصدر).
    ج/ وقوله كذلك ، قبلها ببضعة أيام ، فى حفل "إفطار الصلاة" الذى حضره الأب القمص فيلوثاوس وعاد منه منبهراً "بمواعظ" الرئيس ورهطه ، ما معناه أن أمريكا لن تهزم لأن هذا هو ما قدَّره الرب العادل الرحيم (المصدر).
    د/ ثم ، وعقِبَ حديثه فى ناشفيل ، عقد الرئيس لقاءً خاصاً مع بعض رُعاة الكنائس أعلن فيه أنه يتعيَّن على أمريكا أن تعلم أنها إنما "تجابه الشر" فى هيئة صدام حسين ، وأنه ما من خيار أمامها سوى أن تتصدَّى له ، إلى حدِّ الحرب إذا اقتضى الأمر. ثم أردف قائلاً: "إذا كان لأحد أن يشعر بالتصالح مع نفسه ، فأنا متصالح معها"! وقد علق تشارلس ستروبل ، عقب انفضاض اللقاء ، قائلاً: "لم أكن لأتخيَّل المسيح يلقى إعلان حرب أمام جمهور منفعل يلوِّح له كما فعل الرئيس للتو"! (المصدر).
    هـ/ وأوردنا كذلك طرفاً من الصورة التى رسمها جستين ويب للحياة اليومية فى البيت الأبيض ، حيث العاملون يتراكضون من مكتب لمكتب وبأيديهم الأناجيل ، وحيث الجميع يترقبون صوتاً يأتي دائما من أعلى ، وحيث ثنائيات الخير والشر ، الصواب والخطأ .. الخ ، تبدو مناسبة أكثر لأجواء الحرب ، وحيث الرئيس ورهطه كانوا ، بلا شك ، يصلون بحرارة لكي تدهس حافلة صدام حسين ، لكن إذا تعذر وجود حافلة فإنهم سيعتقدون أن لديهم الحق في فعل ما قرروه! وعموماً ، ولأنهم قرروا خوض معركة "الخير" ، فإن الشكوك والمخاوف العقلانية التي تتردد عالميا يمكن أن تنحى جانبا! (بى بى سى ، 17/3/2003م).
    و/ وأضفنا إلى هذا التقرير ما ظلت تتداوله أجهزة الاعلام العالمية عن أحوال الادارة الأمريكية الحالية ، منذ تولى بوش الابن رئاستها. فالحرب أمر إلهى يستوجب طاعة المؤمنين(!) والأمم المتحدة لا تهم الرئيس فى شئ لأنه متوكل على الرب (!) وآرى فلايشر يروِّج للصلة المفتوحة بين الرئيس والسماء (!) والرئيس يعلن بنفسه أنه يتلقى الوحى من الرب!
    (2/2) ومواصلة لهذا السياق فقد كان لافتاً للنظر فى أول خطاب يلقيه الرئيس الأمريكى على شعبه بعد كارثة الحادى عشر من سبتمبر ميله الواضح للتخفى خلف المطلقات والتعبيرات الدينية والأخلاقية التى لا تفصح عن معنى سياسى محدَّد: "لن ينسى أىٌّ منا هذا اليوم ، ومع ذلك فسوف نمضى قدماً فى حماية الحرية وكل ما هو خيِّر وعادل فى هذا العالم"! وقد لوحظ ذلك أيضاً فى كلمته أثناء القداس الخاص الذى أقيم بهذه المناسبة فى مبنى الكتدرائية الأمريكية بحضور شخصيات الادارة ، والرئيسين السابقين بيل كلينتون وجيمى كارتر ، ونائب الرئيس السابق آل قور ، إضافة إلى رموز دينية يبدو أنها جرى انتقاؤها بعناية من مختلف الطوائف ، من بينها حاخام يهودى ، وكاردينال كاثوليكى ، ورجل دين مسلم ، وكان هناك أيضاً ، بطبيعة الحال ، رمز اليمين المسيحى الصهيونى القس بيلى جراهام أو "الرجل الذى قادنى إلى الرب" كما يصفه بوش الابن! قال الرئيس الأمريكى فى تلك الكلمة: "إن مسئوليتنا أمام التاريخ قد أصبحت واضحة الآن: أن نردَّ على هذه الهجمات ونخلص العالم من الشر"! وقد علق بوب وودورد لاحقاً على تلك العبارات بقوله: "لقد طرح الرئيس رسالته ورسالة الأمة التبشيرية فى ضوء التجلى المهيب لإرادة الرب الغالبة" (ب. وودورد ؛ بوش فى حالة حرب ، دار نشر سايمون وشوستر 2002م ، ص 67). وقد عاد الرئيس الأمريكى لاستخدام تلك المطلقات الدينية فى شأن يتصل بالسياسة العملية عند إلقائه لخطاب الاتحاد الدورى فى 29/1/2002م ، حيث وصف العراق وإيران وكوريا الشمالية "بمحور الشر" (!) وأعلن أن الخطر الداهم يكمن فى تمكن الارهابيين أو هذه الدول من أسلحة الدمار الشامل.
    (2/3) وبعد أن استمع وودورد إلى بوش الابن ، فى الحوار الذى أجراه معه فى كراوفورد ، كتب يقول: "ثمة آمال عِراض لدى أغلب الرؤساء ، ولكن البعض منهم ينطوى على رؤى جليلة لما يريد تحقيقه ، وبوش الابن راسخ القدمين فى الفريق الثانى" (المصدر ، ص 339). والواقع أن الرئيس الأمريكى يبدى حرصاً يبلغ أغلب الأحيان حدِّ النفاق الفج على التمسُّح ، بمناسبة وبغير مناسبة ، بأعتاب القيم الدينية ، مما لا يندر أن يثير استغراب حتى أقرب المقرَّبين إليه. وقد روى وودورد كيف أن كونداليزا رايس نفسها دهشت من إثارته ، فجأة ، لموضوع "العون الانسانى" أثناء إنهماكهم فى ترتيبات الحملة العسكرية على أفغانستان ، بما فيها القصف الجوى الكثيف الذى طال المدنيين بصورة واسعة (!) وقد قال بوش لوودورد ، لاحقاً ، إنه لم يكن يريد ذلك (!) وأضاف: "لقد كنت حساساً تجاه فكرة أن تدمغ هذه الحرب بأنها حرب دينية ، أو أن تظهر الولايات المتحدة فيها بمظهر المنتصر ، لقد أردت أن نبدو فى صورة المحرِّرين" (!) ويتبدى النفاق هنا كأوضح ما يكون حين نذكر وصفه بنفسه لتلك الحملة ، ذات خطاب سابق ، "بالحرب الصليبية" ، فى ما سعى أركان إدارته لامتصاص آثاره ، وقتها ، بتسميته "بزلة لسان" (!) وكذلك عودته لاحقاً ، بين يدى حملته على العراق ، ليؤكد ، فى "موعظة إفطار الصلاة" ، التى بهرت الأب القمص فيلوثاوس ، أن أمريكا لن تنهزم لأن هذه هى "إرادة الرب العادل" (!) علاوة على قوله الفصيح الصريح ضمن خطاب إعلان هذه الحرب: "اؤكد لكم أن هذه الحملة لن تكون حملة الاجراءات المجتزأة: لن نقبل بأي نتيجة أخرى غير النصر"!!
    (2/4) وفى مقارنته بين شخصيتى بوش الأب وبوش الابن أشار وودورد إلى أنه كان يعلم أن الأب اعتاد ، فى تصريفه لشئون الرئاسة ، أن يستخف بهاجس "الرؤيا" و"الكشف" و"التجليات الصوفية" وما إليها ، أما بالنسبة للابن "فقد دهشت حين قال لى إن كل شئ يتوقف على هذه الأمور" (المصدر ، ص 341). ولكن أىُّ "رؤيا" وأىُّ "تجليات"؟! جديرة بالنظر هنا ، بوجه خاص ، إنتباهة وودورد لفكرة صدرت عن بوش الابن ، أثناء ذلك الحوار ، بما يؤكد على حالة اللهوجة الفكرية التى يدير بها شئون الحكم والحرب ، أو أنها أفلتت منه ، فى أفضل الأحوال ، من دون قصد. ومفادها أن عدم ميله إلى قصف المدنيين يرجع إلى خشيته من أن يؤدى ذلك إلى "تقوية جانب طالبان" ، على حدِّ تعبيره (!) وهى فكرة تتنافر ، طرداً على عكس ، مع ادعائه العريض بأن ما يحدوه لاستبعاد فكرة القصف هو تجنيب الشعب المزيد من المعاناة (!) ولكن الرئيس الأمريكى لا يتردَّد ، مع ذلك ، فى خوض الحرب بالمزاوجة المستحيلة بين الفكرتين معاً ، أو ما يسميه وودورد "بالاعتبار العملى" و"الاعتبار الأخلاقى" فى ما يتعلق بقصف المدنيين (المصدر ، ص 131).
    (2/5) وعلى الرغم من كون هذا الفكر العسكرى المُلهوج مخلوطاً خلطاً شديداً ، كما هو واضح ، فى عجينة كثيفة من الهواجس والتصورات الغامضة الملتبسة بقشور القيم الدينية والانسانية ، فإنه ليس مما يُعجز كاردينال البيت الأبيض هذا ، حين يحزب الأمر ، أن يفصل فصلاً جراحياً تاماً بين مكونات عجينته ، ليُغلب العنصر العسكرىَّ منها فى "الاعتبار العملى"، بينما يُبقى على العنصر اللاهوتى لأغراض التلهِّى اللفظى فى "الاعتبار الأخلاقى" (!) ويتمظهر ذلك ، أكثر ما يتمظهر ، فى أنه ، وفى الوقت الذى تواصل فيه الصواريخ الأمريكية قصف الملايين من المدنيين العُزل فى أفغانستان ، ثم فى العراق لاحقاً ، وتواصل فيه الترسانة الحربية الإسرائيلية ، بدعم أمريكى مشهود ، دك البيوت والمدارس والمستشفيات ودور العبادة على رءوس البشر الفلسطينيين فى مدن الضفة الغربية وقراها ، بمن فيهم العجزة والمسنون والأطفال الرضع ، فإن الرئيس الأمريكى لا يكفُّ عن التمتمة بتسابيحه اللاهوتية الهادئة: "ثمة أوضاع إنسانية يتوجب علينا أن نقلق بشأنها فى أوقات الحرب (!) ثمة منظومة من قيم الحرية ، والأوضاع الانسانية ، وحب الأمهات لأطفالهن لا يمكننا المساومة عليها ، لأنها ليست من صنع الولايات المتحدة ، بل هى هبة من الرب (!) ومن المهم جداً لنا، ونحن نمارس سياستنا الخارجية من خلال دبلوماسيتنا وعملياتنا العسكرية ، ألا تبدو هذه القيم أبداً وكأنها من صنعنا ، أو كأننا نحن مؤلفوها .. فكلنا عيال الرب" (المصدر نفسه). ولعل أخطر آثار هذا الخلط الذى تدار به الأمور فى البيت الأبيض ، بين النزعة العسكرية القصدية وبين "الهواجس" اللاهوتية المشوبة ، بطبيعتها ، باللهوجة والغموض والتشويش ، ما استخلصه وودورد ، فى ختام مؤلفه المشار إليه ، والصادر قبل حرب العراق ، من أن "رؤيا" رئيس الادارة الأمريكية الحالى تشمل مشروعاً طموحاً لإعادة ترتيب الكون ، من خلال عمليات غزو واحتلال لا يهم ما إذا توفرت أو لم تتوفر لها شرعية دولية ، طالما أنه مقتنع بجلال هدفه المتمثل فى تقليل المعاناة وجلب السلام (المصدر ، ص 341).
    (2/6) وإذن ، "فسلام السودان" ، الذى تكبد أبونا المبجل القمص فيلوثاوس فرج مشقة السفر إلى واشنطن للصلاة لأجله خلف كاردينالات البيت الأبيض ، ما هو غير ما يدعونه Pax Americana ، وقد جاء شرحه فى بيان سبتمبر الدورى ، العام الماضى ، بأن القائمين على أمره ، وهم ذات أولئك الكاردينالات ، لا يحفلون إلا بإرادة أمريكا المنفردة ، المتجاوزة ، إن استدعى الأمر ، لإرادة المجتمع الدولى بأسره (!) ولقد قدر للعالم أن يشهد بأم أعينه وجهاً لتطبيقاته فى أفغانستان ، وفى العراق ، وما يزال عرضه مستمراً!

    (3)
    (3/1) لم يؤدِ نهج الادارة الأمريكية الحالى إلى تشققات فى جبهة التحالفات السياسية الغربية القديمة ، فحسب ، وإنما أيضاً إلى تباين واسع فى ما يتصل بتقديرات هذا النهج من زاوية النظر المسيحية. فقد ظل البابا يوحنا بولس الثانى وأهم معاونيه يعبرون ، منذ البداية ، عن معارضتهم لمشروع الحرب الأمريكية ضد العراق. كما بادر البابا بدعوة كل المسيحيين فى العالم إلي الصلاة من أجل تجنب الحرب في الشرق الاوسط ، وذلك أثناء حديثه ، أواخر يناير الماضى ، إلي أعضاء لجنة مشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية ومختلف الكنائس الأرثوذكسية في الشرق ، إجتمعوا في الفاتيكان لاستعراض الحوار الديني بين الكنيستين ، مشدِّداً على أن "جهدنا المسكوني يستهدف علي الدوام ارساء حضارة الحب علي اساس العدالة والمصالحة والسلام". وأكدت مجلة اليسوعيين الايطاليين سيفيلتا كاتوليكا (الحضارة الكاثوليكية) المقرَّبة من أمانة سر الفاتيكان ، في المناسبة نفسها ، أن مبدأ شن "الحرب الوقائية" هو موضع إدانة أخلاقية إلا في حال حرب دفاعية. ووصفت الأسباب التي تتمسك بها الولايات المتحدة بأنها تفتقر إلى المصداقية. وأكدت خصوصا أنه اذا كان من الصحيح ان العراق انتهك عدة مرات قرارات الامم المتحدة ، فيجب عدم نسيان أن هذه القرارات انتهكت بإجمالي 91 مرة ، بينها 59 مرة من قبل حلفاء الولايات المتحدة ، مثل اسرائيل وتركيا.
    (3/2) ثم عاد البابا مجدَّداً لإدانة أى حرب محتملة فى المنطقة ، مستبشعاً الحرب ، بخاصة ، ضد العراق ، واصفاً إياه بأنه "أرض الانبياء" ، ومشيداً بشعبه الذى "امتحن بقوة لأكثر من 12 عاما من الحصار" ، ومحذراً من أن حرباً ضد هذا البلد وشعبه ستكون ، حال وقوعها ، "هزيمة للبشرية".
    (3/3) وفى ندوة حول السلام بروما إعتبر وزير خارجية الفاتيكان شن أى حرب منفردة علي العراق دون موافقة الامم المتحدة "جريمة بحق السلام".
    (3/4) أما إذاعة الفاتيكان فقد انتقدت الادارة الامريكية أكثر من مرة ، وبشدة ، متهمة إياها بالغطرسة. وقال مديرها الأب باسكوالي بورغوميو أنه ، وفي الوقت الذي يدعو فيه الفاتيكان الي التعقل وتشجيع العمل الدبلوماسي والتمسُّك بالقانون الدولي ، نري في الجانب الآخر قوة عظمي تقودها ادارة خولت لنفسها مهمة انقاذية ، واتخذت لهجة ومواقف صليبية (الاذاعة ، 19/2/2003م).
    (نواصل)


    --------------------------------------------------------------------------------
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de