بعض من غيث حزب الامة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 03:12 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2002م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-31-2003, 03:27 PM

سونيل


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بعض من غيث حزب الامة

    ظلت مسيرة السياسة السودانية تفتقر للتوثيق والنشر بصورة لا تتناسب مع ثراء تلك المسيرة وغنى مفرداتها من حيث تعاقب الأنظمة الديكتاتورية والديمقراطية وما استتبعه ذلك من ابتداع آليات للمقاومة الشعبية والحزبية، والحراك الاجتماعي السياسي المصاحب.
    ساهم حزب الأمة منذ تأسيسه في عام 1945م مساهمات أساسية في الحركة السياسية السودانية، ولا زال يمثل الرقم الشعبي الأكبر. وقد رفد الحزب المكتبة السياسية بجزء كبير من أدبياتها، ولكن تلك الأدبيات لم تطبع أو تنشر جميعها على النحو المطلوب.
    في الفترة ما بين 1989-2000م استفاد الحزب من وجوده المعارض بالخارج، حيث قام بطبع كتب عديدة منها: "الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة" 1989م، "تحديات التسعينيات" 1990، "السودان وحقوق الإنسان" 1999م وهذه كاتبها السيد الصادق المهدي. أيضا كتاب : "وثائق المؤتمر الرابع للحزب" 1998م- إعلام حزب الأمة، و"الخطابات المتبادلة بين المهدي وقرنق" إعداد وتقديم إخلاص مهدي 2000م. هذا علاوة على طبع العديد من المحاضرات والأوراق في شكل كتيبات.
    هذه المطبوعات وغيرها من الكتب التي طبعت بالسودان أو في الخليج لم تجد فرصا جيدة للنشر والتوزيع بل غالبا ما وزعت بصور ودية، أو بقي جزء منها بدور الحزب يسامر الأرفف! وربما أكثر مطبوعات الحزب حظا كان "كتاب العودة: من تهتدون إلى تفلحون" الذي كتبه السيد الصادق المهدي متزامنا مع رجوعه للبلاد في نوفمبر 2000م، فارتباطه بحدث العودة المثير –مع عوامل أخرى في اختلاف آليات التوزيع- جعله يحظى بانتشار أكبر وسط الشارع السوداني بعمومه، وليس فقط الكوادر الحزبية.
    هذا الوضع أسوأ حالا بالنسبة للمحاضرات والأوراق والكتيبات التي لم تطبع للتوزيع والنشر على نطاق واسع. أو الخطابات والمذكرات التي كتبها الحزب ليقود بها موقفا سياسيا معينا ولم يوزعها إلا في نطاق محدود. وهكذا تبقى هذه الإسهامات –على أهميتها لقراءة تطور الحزب والسياسة السودانية عموما- محفوظة في خزائن أولئك الذين وصلتهم الأوراق أو المذكرات أو البيانات المعنية، أو موزعة بين صفحات الصحف اليومية التي غالبا ما يطالها الدمار.
    في هذا الكتاب نقوم في مكتب رئيس الحزب بتجميع الأدبيات في الفترة ما بين يونيو 1989م وحتى 2001م وذلك فيما يخص:
    رؤية الحزب تجاه السلام.
    رؤيحزب تجاه الحل السياسي الشامل.
    تمثل هذه الوثائق مرجعا هاما للفكر السياسي للحزب إبان فترة "الإنقاذ".
    في هذه المقدمة يجري تتبع الوثائق التي تتضمن رؤية الحزب تجاه قضيتي السلام والحل السياسي الشامل، والإشارة لتطور تلك الرؤية. وقبل ذلك، يتم التطرق لأهم خواص عملية التفكير السياسي في حزب الأمة.
    أهم خواص عملية التفكير في حزب الأمة:
    يعيب البعض على حزب الأمة استناده على رئيسه –السيد الصادق المهدي- في عملية التنظير والكتابة. أي محاولة لإنكار هذه الحقيقة مغالطة تفتقر إلى الموضوعية –ليس في ذلك شك- والرأي أن أسباب ذلك كثيرة، أهمها سببان:
    · زيادة الجفوة بين عالمي الفكر والثقافة من جهة، وعالمي السياسة والأحزاب خاصة الشعبية منها من الجهة الأخرى في السودان. فقد ابتدأت حركة الخريجين (الوعاء الذي ضم المثقفين السودانيين إبان معركة الاستقلال) وفيها معالم لتلك الجفوة وإن كان العديد من قيادات الخريجين قد انتظموا في سلك الأحزاب السودانية الشعبية، ومع الأيام ازدادت تلك الجفوة حتى كادت تصل حد القطيعة. ولا يخفى ما يمكن أن يقوم به المثقفون من دفع عملية التنظير والكتابة في المجال السياسي. بل يمكننا القول إن وجود المثقفين في الأحزاب الصفوية نفسه لم يسهم في دفع عملية التنظير للفكر السياسي لتلك الأحزاب. إذ تعاني من فقر وضبابية، ولكنه طور إمكانيات تلك الأحزاب الإعلامية والفنية.
    · رئيس حزب الأمة الآن مفكر مرموق على النطاق العربي والإسلامي والإفريقي [1]. هذه صدفة أن يجمع شخص بين عالمي الفكر والسياسة بهذه الطريقة النادرة. مما يجعل لإسهاماته الفكرية في مجال السياسة قوة مضاعفة تتوارى أمامها اسهامات الكثيرين من زملائه في الحزب أو في السياسة السودانية أو في الإقليم.
    آليات الكتابة والتفكير:
    ما قلناه عن محورية الدور الذي لعبه الرئيس في عملية التنظير السياسي يجب ألا يدفعنا لغمط أدوار الآخرين. فالآليات التي يتبعها الرئيس في كتابة الأدبيات التي تتعلق بالفكر السياسي تتم صياغتها عبر وسائل مختلفة منها:
    · استكتاب الآخرين ومناقشة الآراء:
    يوزع الرئيس بصورة غير دورية خطابا داخليا للمكاتب القيادية ولقيادات الحزب بالداخل والخارج. هذه الخطابات عبارة عن نشرات تنويرية بمناشط القيادة، وتناقش في بعض الأحيان أمورا تخص الحزب مثل التنظيم- الهياكل القيادية- المستجدات السياسية والرأي بشأنها..الخ. وفي مثل هذه الحالات فإنها كثيرا ما تطلب الرأي بشأن قضية معينة وتحدد تاريخا لاستلام الردود.
    تتم مناقشة مقترحات الرئيس والردود الواردة عبر اجتماعات لمكاتب (أو مجالس) قيادية حسب الاختصاص. ثم يتم الوصول لتوصيات معينة. وفي بعض الأحيان يستنير الرئيس بتلك العملية والأدبيات الناتجة عنها ليقوم بكتابة مذكرة أو صياغة مفهوم. خير مثال لذلك "التوصيات والقرارات الناتجة عن اجتماع القمة في فبراير 2000م" . تلك الوثيقة أعقبت اجتماعات الحزب في القاهرة في فبراير 2000م. سبق ذلك توزيع خطاب داخلي من الرئيس بتاريخ 16 يناير 2000م واستلام ردود من مكاتب الحزب في الخرطوم، ومسقط، والرياض، واليمن، وغيرها.. علاوة على العديد من القياديين الموزعين عبر العالم. كتب السيد رئيس الحزب كلمة تحدد أجندة الاجتماع وتشتمل على الآراء التي وصل لها بعد دراسة الأوراق المرسلة، وزعت الكلمة ومعها الوثائق مجتمعة لقياديي الداخل والخارج المدعويين لاجتماع فبراير، فناقشوها وصدرت توصيات معينة. بعد ذلك تمت صياغة القرارات التي حملت في طيها مجهودات الجميع. هناك أيضا "منشور البيان السياسي" والذي كتبه الرئيس عقب اجتماعات يوليو/أغسطس 2000م في القاهرة، يظهر جليا أنه وإن كان بقلمه، إلا أنه انبنى على آراء ومناقشات وتوصيات شارك فيها العشرات من قياديي الحزب.
    · لجنة المراجعة:
    يشارك الرئيس في العديد من المنتديات الفكرية، وينشر كتبا ومقالات بصفته مفكرا وليس سياسيا. لكنه، خاصة في الأدبيات التي تدخل في مجال الفكر السياسي، يختار لجنة لمراجعة النص المراد نشره أو المشاركة به، من جميع المهتمين بالعملية الفكرية وسط قيادات الحزب.
    تقوم تلك اللجنة ليس فقط بتنقيح العمل من ناحية الأخطاء المطبعية، بل تناقش الأفكار الواردة وترفع توصياتها للرئيس. والملاحظة الأساسية لنا في مكتب الرئيس- بصفة المكتب الجهة التي تشرف على أعمال اللجنة وتقوم برفعها وإدخال التعديلات التي يعتمدها الرئيس- أن السيد الصادق يحاول أن يتبع توصيات اللجنة ما أمكن. هذه العملية جرت في كتابات مثل ورقة كمبالا في فبراير 1999م بعنوان Second Birth of Sudan و"كتاب العودة" 2000م، وغيرهما.
    · المساعدة البحثية:

    يساعد الرئيس في بحوثه فيما يخص الكتابة السياسية وحدة معلومات الحزب المكونة من أفراد ومكاتب موزعين عبر العالم. فعبر التنسيق مع مكتب الرئيس يتم الحصول على الوثائق التي يطلبها الرئيس فورا. وفي بعض الأحيان، يكون الرئيس لجنة تعمل كمساعد باحث، يعطيها موجهات البحث، ويستفيد من تقريرها النهائي في صياغة خطاب أو مذكرة. مثال لذلك ردود السيد رئيس الحزب على دكتور جون قرنق. فبينما اشترك العديدون من الحزب –داخل القاهرة وخارجها- في مناقشة الردود، وتوثيق المعلومات المطلوبة، وجد فريق الحزب الذي ذهب ليفاوض فريق مماثل من الحركة الشعبية في كمبالا- فأثار قضية الخطابات والاتهامات التي ساقها د. جون على الحزب- وجد ولدهشته أن الأخوة المفاوضين لا يعلمون أصلا بأمر خطاب من رئيس حزب الأمة لقائدهم، ولا برد الأخير عليه!.فنوروهم بما كان وأمدوهم بالخطابات!
    من هذه الحقائق، يظهر دور المؤسسة الحزبية في العملية الفكرية والتنظيرية. فبالرغم من أن السيد الصادق يقود المبادرات في هذه العملية، إلا أنه عبر الاستكتاب واستجلاء الآراء، وعبر لجان المراجعة أو البحث، لا يتعالى أن يستفيد من آراء الآخرين.
    المبادرة:
    وهذه من أهم خواص التفكير السياسي لحزب الأمة. فهو لا ينتظر بروز الأفكار من غيره ثم يكون ردة الفعل المناسبة تجاهها، بل يقوم هو بالمبادرة وشق طريق جديد والترويج له. هذه الخاصية ناتجة من اتصال لصيق بنبض قواعده والشارع السوداني عامة، وممارسته للسياسة باعتبارها أكثر الحقول ديناميكية كونها أكثرها التصاقا بحياة الناس ومواقفهم المتغيرة. وقد جرت هذه الخاصية للحزب الكثير من المشاكل فالكثيرون لا يفكرون في الفعل السياسي وإنما ينتظرونه ليعارضوا موقفه. ولكنها في المقابل جعلته يقود الرأي السياسي السوداني في حالات كثيرة نحو أفكار تكونت لديه، غير آبه إلا بما رآه الطريق الأسلم: "أصم عن غضب في حوله ورضا". وكثير من ذلك الغضب يظل أصيلا لا يمنحي حتى ولو غير أصحابه الرأي تجاه القضية مثيرة الغضب، وكثيرا ما حدث ذلك: فيما يخص دعوة الاتفاق على برنامج مستقبلي بين جميع فصائل المعارضة التي رفضت بادئ الأمر ثم اتبعت فتم الاتفاق على مقررات أسمرا 1995م، ودعوة توسيع الإيقاد التي رفضت ثم استجيب لها، وغيرهما.
    التطور:
    السياسة كغيرها من المعاملات متبدلة، فهي إن استندت على مبادئ مثل الشورى والحرية والعدل والمساواة وغيرها، وراعت مقاصد مثل المصلحة ورفع الضرر، تتغير بحسب المستجدات. وفي بلد متنوع الأديان والإثنيات والثقافات كالسودان، تطورت الرؤى السياسية مع تطور الوعي بواقعنا، وتغيرت مفاهيمها عبر النقاشات المستمرة بين مختلف أطراف الطيف السياسي، وتأطرت مفرداتها عبر التجارب العملية بحيث تم الوصول لبعض القناعات وتحديد بعض الرؤى عبر عملية ديناميكية استطاعت بها القوى الحية في المجتمع أن تسعى نحو الأفضل. التطور عن فكرة لأخرى بالتالي لا يعني بالضرورة أن الموقف المتطور عنه كان خاطئا أو مبنيا على قراءات خاطئة، بل كان الأكثر استجابة لوضعه الآني الذي تحول لاحقا مما استتبع تطورات في الرؤى. أمثلة التطور في رؤية حزب الأمة الفكرية كثيرة، منها رؤيته للتنوع الثقافي ومستقبله، ومنها رؤيته لحق تقرير المصير، وغيرهما. سنفرز مساحة أكبر لمناقشة التطور في هذه الرؤى فيما يخص وثائق السلام، والحل السياسي الشامل.
    التطور فيما يخص الرؤية تجاه السلام:
    رؤية حزب الأمة موثقة في العديد من الأدبيات. وقد حدثت تطورات في هذه الرؤية خاصة فيما يخص: الموقف تجاه تقرير المصير- قضية الدين والدولة- والرؤية للتنوع الثقافي. نتطرق هنا لتفصيل ذلك:
    · الرؤية تجاه تقرير المصير:
    إبان العهد الديمقراطي الأخير كان الحديث عن حل قضية الحرب الأهلية في الجنوب لا يتطرق لتقرير المصير. ولكن بعد يونيو 1989م تفاقمت القضية بتركيز "الإنقاذ" على الهوية العربية الإسلامية للسودان وإعلان "الجهاد" في الجنوب.
    كانت قيادة الحزب على اتصال مستمر وحوار مع القوى السياسية الجنوبية، وفي 1992 وضع الحزب مشروع "السلام العادل في السودان".
    أول بروز لمطلب تقرير المصير كان نتاج مناورة قامت بها الجبهة الإسلامية في اتفاق فرانكفرت في 25 يناير 1992م مغرية فصيلا منشقا عن الحركة الشعبية بتقرير المصير. هذا أدخل الفصائل الجنوبية مجتمعة في مزايدة حول تقرير المصير.
    وفي أوائل 1993م تم اجتماع بين قيادة الحزب وقادة الحركة السياسية الجنوبية بالداخل في منزل السيد هلري لوقالي طرح فيه مشروع السلام العادل. ولكن الحاضرين الخمسة عشر من القيادات الجنوبية عبروا عن الرغبة في الانفصال عبر تقرير المصير.

    وفي أكتوبر 1993م دعا رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي السناتور هاري جونستون كل الطيف السياسي الجنوبي السوداني إلى ندوة في واشنطن حضرها الساسة وحملة السلاح من الجنوبيين وشخصيات مستقلة وجرت مناظرة حول القضية السودانية. كان مناخ الندوة مفعما بالمرارة الشديدة وصار واضحا أن الجنوبيين من ساسة وقادة عسكريين وأكاديميين فقدوا الثقة تماما في الشمال وعبروا عن ذلك بوضوح في خطبهم[2]. نتج عن تلك الندوة إعلان واشنطن الذي جاء فيه: حل القضية أن يقرر الجنوب مصيره. وقع على ذلك الإعلان جميع الحاضرين.

    كنا في حزب الأمة نكره الحديث عن تقرير المصير حرصا على الوحدة، ولكن كان لا بد لنا من أن نخاطب هذه المستجدات بجدية، ونعمل جهدنا أن يتم حل القضية سلميا وبإعطاء الوحدة أكبر فرصة ممكنة، لذلك قمنا في أوائل 1994م بكتابة دراسة حول "تقرير المصير في السودان".

    قاد الحزب بعد ذلك الرأي السياسي الشمالي نحو القبول بتقرير المصير. ففي أبريل 1995م حرر الحزب "البيان الديمقراطي"، هذه الوثيقة احتوت على الأفكار الرئيسية التي قادت مؤتمر أسمرا يونيو 1995م نحو الأفكار التي أجمع عليها، حتى لم تعد قضية تقرير المصير محل خلاف بين فصائل المعارضة السودانية.

    لاحقا، وحينما ظهر تحفظ المبادرة المشتركة حول هذا المطلب قاد الحزب حملة دبلوماسية وخاطب دولتي المبادرة للمصادقة على كل ما يتفق عليه السودانيون. ثم أوقف أي ردة محتملة للحكومة عن هذا المطلب عبر توقيعه "نداء الوطن" مع النظام، وأهم بنود السلام فيه الاتفاق حول تقرير المصير للجنوب. هذه الوثائق –مخاطبات دولتي المبادرة ونداء الوطن- يأتون ضمن وثائق الحل السياسي الشامل.

    إن الحزب لم ينقلب على نفسه اعتباطا. ولكن القراءة الصحيحة للواقع الجنوبي تؤكد أن أي حديث عن حل لا يستتبع حق تقرير المصير لن يؤدي إلى السلام، بل لمزيد من فجوة الثقة، ومزيد من الاقتتال. وأن كل ما نستطيع عمله لدعم الوحدة هو اشتراط أن يتم تقرير المصير في ظل احترام حقوق الإنسان والحريات العامة والتعددية، وبعد فترة انتقالية يتم فيها تصحيح أخطاء الماضي وبناء الثقة. وهذه أول أوجه التطور في رؤية الحزب للسلام.

    · الرؤية تجاه قضية الدين والدولة:
    من أهم ملامح نهج حزب الأمة هو الحرص على التحديث في إطار الأصل. واقع الحزب كمؤسسة غالبيها من المسلمين، مع تميز الإسلام بفرض مبادئ معينة يستهدي بها المسلمون في الحكم وتقرير تشريعات لهم يجعل الحزب يتحدث عن التأصيل الإسلامي. وفي ظل التنوع الثقافي والديني الماثل في السودان فإن التطلع للتأصيل لا يقتصر على دين أو ثقافة بعينها، بل لقد أثبت تقرير مفوضية الثقافة والتنمية التي كونتها الأمم المتحدة واليونسكو، أثبت ذلك التقرير في 1995 أن كل محاولات التنمية التي تمت بدون اعتبار الثقافة باءت بالفشل[3]، وأعطى ذلك التقرير الثقافة أهمية قصوى في انجاح عمليات التنمية والتطور.
    في فترة الديمقراطية الثالثة ركز الحزب على مسألة التأصيل الديني استجابة لقراءته المستنيرة للدين، ولمطالب القاعدة الشعبية الإسلامية –وهي الأكبر من بين بقية القواعد- والتي تتوق للتأصيل عبر التشريع الإسلامي. فذهب في نهج الصحوة 1986م إلى أن : "الإسلام لم يضع نظاما ميعنا للحكم والاقتصاد بل وضع مبادئ عامة وأحكام وكل نظام سياسي أو اقتصادي يلتزم بتلك المبادئ ويطبق تلك الأحكام هو نظام إسلامي".[4].
    لاحقا، فصل الحزب مفهومه للنظام الإسلامي، بالقول بأن الدولة في الإسلام مدنية. ولتحديد أمر التشريع الإسلامي، فإن الأساس -في بلد متنوع الأديان والثقافات كالسودان- الذي يحكم علاقة الدين بالدولة هو: المواطنة كأساس للحقوق والواجبات الدستورية- المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تتضمن في الدستور- احترام التعددية الإثنية والثقافية والدينية- ألا يقوم أي حزب على أساس ديني.
    على أن تحسم قضية التشريع الخيار الديمقراطي الذي يلتزم بتلك المبادئ، وبهذا فإن ما جاء في نهج الصحوة من أن "الإسلام هو أساس وجودنا وهويتنا المستقلة في الصراع الفكري والثقافي"[5]، تطور نحو الحديث عن حزب يسعى للتأصيل المصاحب للتحديث، على أن تحسم العملية الديمقراطية قضية التأصيل مع ما لا يتعارض مع المبادئ المذكورة أعلاه. هذا بالطبع لا يعني التخلي عن الشعار الإسلامي، فاستبعاد الدين عن الدولة كالعنقاء لم يوجد على ظهر البسيطة وإنما يعني إعطاءه بعدا غير إقصائي للآخرين غير المسلمين، وتحديده بمبادئ لا تمس.
    ولقد ظهرت هذه الأطروحة جلية في المحاضرتين التي ألقاهما رئيس الحزب في نيجريا في أواخر يونيو 2001م، حيث حاضر عن :الدين والوحدة الوطنية، وعن :الدروس المستفادة من تطبيقات الشريعة المعاصرة. في المحاضرة الأولى تساءل عن إمكانية ضمان المواطنة كأساس دستوري، والحرية الدينية، ومنع التمييز بين الأديان، وفتح الكيانات السياسية لجميع المواطنين دون تمييز وألا تقوم تلك الكيانات على أسس دينية.. هل يمكن كفالة كل هذا دون أن يتعارض ذلك مع الالتزام الإسلامي الصحيح؟ فأقرها استنادا على أن هامش الالتزام الاسلامي عريض وأن الموقف الصحيح في هذا الهامش هو الذي تتحقق فيه مصلحة الإسلام والمسلمين في الزمان والمكان المحددين، وخلص إلى أنه في العصر الحديث "العلاقات الداخلية بين المواطنين بمختلف ولاءاتهم يجب أن تقوم على اتفاق تعاقدي يضمن في الدستور ولا بديل لذلك"[6].
    · الرؤية للتنوع الثقافي:
    يعد كتاب مسألة جنوب السودان فاتحة كتب السيد الصادق المهدي المنشورة، فقد نشر في أبريل 1964م وهو شاب لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره بعد. يظهر هذا مدى الأهمية التي أولاها لقضية الجنوب. في ذلك الكتاب وعي بالأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية والتنموية للمشكلة. يعد هذا الكتاب مهما في تطور القضية لأن الأوساط السياسية قبل ذلك كانت تتعامل معها ببعدها العسكري والأمني فحسب. كما كان بالكتاب وعي بالتنوع الديني والثقافي في الجنوب "أطلق عليه الكتاب لفظ التباين"، ربما سبق وعي الكثيرين من الساسة بل وحتى من المثقفين.
    ولهذا فإن ما ذكره السيد الصادق المهدي لاحقا في فبراير 1999م من أن وعي المثقفين بالبعد الإفريقي في مكونات الذاتية السودانية قد سبق وعي السياسيين، ينطبق فقط على الوعي الرأسي بمكونات إنسان الوسط. ولكن المثقفين الذين أشار إليهم- المنتظمين في مدرسة الغابة والصحراء في الستينيات لم يعنوا بالوعي الأفقي بالثقافات السودانية ولا بإنسان الجنوب ولا تفكروا فيه بل نظروا له كـ "بدائي نبيل" متحول لاحق لإنسان "سنار".
    الشاهد أن كتاب "مسألة جنوب السودان" وهو يشير للتباين في الجنوب، يقول "إن القبائل في الجنوب لها معتنقاتها الدينية ولكنها معتقدات تفتقر إلى الوحدانية وإلى الاعتقاد بإخاء الإنسان، وإلى غرس نهج من المعاملات والأخلاق له قداسته وبعد اثره وفعاليته في الوصول إلى المستوى الإنساني اللائق بالكرامة الإنسانية"، ويشير إلى انتشار الإسلام في إفريقيا إذا أتيحت حرية الأديان[7]. وهي نظرة فيها التبشير بالتحول نحو الإسلام كبديل للثقافات الموجودة.. ولكن الوعي اللاحق بضرورة دعم "التنوع البشري الخلاق"، وما لمسه من غبن بين الجنوبيين الذين ناقشهم من هذا الاتجاه الذي يتجه نحوه الساسة في الشمال، جعل الحزب يطور موقفه، ويدعم التنوع الثقافي ويعترف للثقافات الأفريقية بخواص تستطيع أن ترفد بها الثقافة العالمية، كما أن الدعوة للتغيير لم تعد أحادية الإتجاه، بل صارت: "الثقافات على تعددها وتنوعها ينبغي أن تتفاعل مع غيرها لتزيد ثراء وإبداعا. الاعتراف بالهوية الثقافية والاهتمام بها لا يعني منع التلاقح ولا رفض الوافد. هنالك قيم إنسانية عظيمة: الديمقراطية ، والعدالة الاجتماعية، والمعرفة، والنهج العلمي، وكافة القيم المشتركة بين الحضارات. وهناك قيم خلقية عالمية مثل الحكمة، والعفة، والصدق، والإيثار.. القيم المذكورة والقيم الخلقية ينبغي أن تسعى الثقافات السودانية باختيارها لاقتباسها وغرسها تربويا في الأجيال".[8]
    أدى الوعي بالتنوع أيضا إلى مناقشة أشياء كانت تعد من المسلمات مثل انتماء السودان لمنظمة الوحدة العربية، ومنظمة الدول الإسلامية. وإلى الحديث عن الأفريقانية بمفهوم جغرافي ديناميكي وغيرها من المفاهيم.[9]
    هذا التحول نحو الموقف من التنوع أدى لصياغة "الميثاق الثقافي".
    وبهذا فإن وثائق السلام التي تم ذكرها أعلاه تشمل
    مشروع نحو سلام عادل 1992م[10]- مذكرة تقرير المصير في السودان 1994- اتفاقية شقدوم 12/12/ 1994م بين حزب الأمة والحركة الشعبية لتحرير السودان- ومذكرة: الخطوة الأخيرة لمشوار السلام في السودان- ثم البيان الديمقراطي أبريل 1995. ثم الميثاق الثقافي 1999م.
    التطور في رؤية الحل السياسي الشامل:
    الاتجاه نحو الحلول السلمية والسياسية من أهم ملامح نهج حزب الأمة منذ تكوينه على يد الإمام عبد الرحمن. نعم حاول البعض إلصاق تهمة السعي للعنف على الحزب، وتساق شواهد مثل حوادث مارس 1954م، وانتفاضة يوليو 1976م للتدليل على ذلك، ولكن القراءة الموضوعية لتلك الحوادث لا تراها معزولة عن سياقاتها التي بادر فيها آخرون باستخدام القهر والعسف على جماهير الحزب. ولكن ذلك النهج يتضح جليا بالرؤية لأسلوب الحزب في مواجهة النظام الحالي. سنتتطرق هنا للمراحل التالية: الموقف حتى 1997م- من 97-1999م- من 99 وإلى الآن.
    · منذ مطلع الإنقلاب وحتى تهتدون ديسمبر 1996م:
    في هذه الفترة كان الحزب يدعو لحكومة قومية تحقق الديمقراطية والسلام، تدعو لها النظام، وتجبره على قبولها عبر آليات سلمية.
    سلم رئيس الحزب لمعتقليه في 7 يوليو 1989م مذكرة لرئيس الجمهورية وجدت معه، في تلك المذكرة يدعو فيها السلطة الجديدة لتجنيب البلاد المواجهات والاتفاق على حل قومي وفترة انتقالية ينفذ فيها برنامج معين. لم ينظر النظام في المذكرة وعدها من فضول الكلام. واعتقل قيادات الحزب، والقيادات السياسية السودانية جميعا في سجن كوبر العمومي. في الاحتفال باكتوبر من نفس العام –1989- اتفقت القيادات السودانية على تكوين التجمع الوطني الديمقراطي –بالداخل- لمعارضة النظام. وقد شارك الحزب في صياغة ميثاق ذلك التجمع والتأمين على بنوده، واتفقوا على مخاطبة النظام من داخل السجن أن الإرادة السودانية اجتمعت حول مبادئ الديمقراطية والسلام، وأنها تدعو النظام لتكوين فترة انتقالية تجري فيها إصلاحات قومية وتعقبها انتخابات حرة. ولكن النظام لم يلق لكل ذلك بالا.

    كان السيد مبارك المهدي وهو من قيادات الحزب قد أفلح في الإفلات من قبضة النظام والخروج سرا إلى ليبيا، وكون جناح حزب الأمة المعارض بالخارج. تبعه العديد من القيادات على رأسهم الدكتور عمر نور الدائم. وأفلحوا في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي بالخارج. وفي ضم الحركة الشعبية إلى التجمع لاحقا.

    . الناس ثلاثة أموات في أوطاني

    والميت معناه قتيل
    قسم يقتله أصحاب الفيل
    وقسم تقتله إسرائيل
    وقسم تقتله عربائيل
    وهي بلاد تمتد من الكعبة للنيل
    والله اشتقنا للموت بلا تنكيل
    والله اشتقنا واشتقنا
    أنقذنا يا عزرائيل
    ***************
    آنا لا أدعو
    إلى غير الصراط المستقيم
    أنا لا أهجو سوئ كل عتل وزنيم
    وأنا ارفض أن أرى ارض الله غابه
    واري فيها العصابة
    تتمطى وسط جنات النعيم
    وضعاف الخلق في قعر الجحيم
    هكذا أبدع فني
    غير آني
    كلما أطلقت حرفا
    أطلق الوالي كلابه

    **************

    يمشي الفقير وكل شي ضده
    والناس تقلق دونه أبوابها
    وتراه ممقوتا وليس بمذنب
    يلقي العداوة لا يري أسبابها
    حتى الكلاب إذا رأت رجل الغني
    حنت إلية وحركت أذنابها
    وإذا رأت يوما فقيرا ماشيا
    نبحت عليه وكشرت أنيابها
    ******************

    [email protected]








                  

02-01-2003, 02:18 AM

omdurmani

تاريخ التسجيل: 06-22-2002
مجموع المشاركات: 1245

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بعض من غيث حزب الامة (Re: سونيل)

    this is really good job but...
    i will raise some points regarding what you wrote later...
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de