|
السودان وخذلان الصفوة
|
السودان وخذلان الصفوة، منصور خالد يحاكم بناة الاستقلال، المحجوب في الميزان مفكراً وسياسياً ورجل دولة
ترجمة الكلمة التي القاها باللغة الانجليزية المفكر والسياسي والكاتب د. منصور خالد وزير خارجية السودان الاسبق في افتتاح المؤتمر الذي انعقد في مركز جامعة كمبردج بلندن بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل السياسي والاديب الشاعر محمد احمد محجوب رئيس وزراء السودان الاسبق.
في مناسبة كهذه لابد من ان نقدم تحية اجلال وتقدير لرئيس الوزراء السابق محمد احمد محجوب فقد كان في نبله كرجل قلباً كبيراً من الرقة والسماحة، اما المحجوب الدبلوماسي، كما جاء في الاعلان عن هذا المؤتمر فهو الذي شيد صرحاً للحكمة في العديد من المؤتمرات، والمحجوب كناقد ادبي حاذق وشاعر بارع وكاتب حصيف قد سما عن العوام وكان الفارس اللامع الدروع في حلبة الثقافة السودانية.
ونزيد عاش المحجوب كفرد عادي حياة تعد انموذجا للمواطن السوداني في اعلى درجات الصفاء والاحترام، كما كان للمحجوب كمناضل من اجل الحرية مساهماته البارزة في النشاط الوطني منذ الاستعمار وفي خطوات السودان حتى نيل استقلاله وفي ميلاد تقاليد برلمانية نابضة بالحياة، وفي هذا السياق يستحق المحجوب الانحناء تقديرا واحتراماً. اننا ندين للمحجوب ورفاقه بميلاد السودان المستقل وقيام دولة السودان، وكل ما سبق ذكره ما هو إلا نذر يسير عن شخصية المحجوب، وهناك المحجوب السياسي المفكر ومحامي المحامين، لكن بعض هذه الملامح في شخصية المحجوب تستدعي لنقل، فحصاً واعادة نظر ولعل ما يثير الشعور بالحرج ان يكون من يفكك هذه النسيج الانساني الرائع متشابك الخيوط، شخص كان له شرف تعلم الكثير تحت اقدام المحجوب.
ولكن قبل ان آخذ على عاتقي هذه المهمة الشاقة دعوني في البدء اهنيء منظمي هذا المؤتمر على احتفائهم بذكرى احد رموز الانجاز في السودان، فقد ظللنا لوقت طويل ننظر الى هؤلاء الافذاذ من خلال منظار مشوش بالفوارق والتباين الايديولوجي والتنافر والكراهية السياسية.
ولعل الواجب هو انه مهما كانت الخلافات بيننا يتعين علينا ان نضع احتمالات الشك التي تحملنا على التردد في قبول التصنيفات الجاهزة للناس. فقد حقق المحجوب ونفر من ابناء جيله نجاحات كثيرة يستحقون عليها التقدير، لكنهم ارتكبوا اخطاء ايضا، ونحن بحاجة الى قدر من المساحة لاطراء ما حققوا من نجاحات والى قدر من تفتح الذهن للتثمين الايجابي لاخطائهم.
و ان منظمي المؤتمر بدعوتهم لنا الى تفحص دقيق لفترة ما قبل النزاع قد اثبتوا بعداً في النظر الى ما يمكن ان تحمله الايام، والاحزاب السياسية السودانية ابدا والى يومنا هذا تنحصر نظرتها في ما بعد الانتخابات المقبلة. اما الصفوة غير المنشغلة بالحزبية فسوى توزيع اللوم على الاحزاب ليس لها إلا القليل لتقوله عن الهموم التي تقبض بخناق البلاد.
مع اخذ كل ما تقدم في الاعتبار وبادراك تام لرغبة منظمي المؤتمر في تقديم الانجازات الماضية وتعريف دور المثقفين السودانيين وتحديد اهمية مساهماتهم مقارنة وتناقضا مع مفاهيم الجيل الجديد، نود ان نقدم نقداً تحليليا لمساهمة المحجوب المفكر، رجل الدولة والسياسي.
بناء الدولة
لا جدال في ان المحجوب لعب دوراً في جهود بناء دولة امة، لهذا وفي محاولة لتعريف او ربما وزن اللبنات التي اسهم بها محمد احمد المحجوب في بناء الامة يتعين علينا اجراء مسح للخلفية والبنية السياسية لموقع البناء، ان فهم البيئة شرط اساسي لفهم تناقضات الساحة السودانية، وفي هذا الاطار تقفز الى الذهن امور ثلاثة، للاشارة اليها لا يتخذ المرء من موضوعات هذا المؤتمر وافكاره وحدها دليلاً بل يسترشد كذلك بتأكيدات المحجوب نفسه عليها كمؤرخ سياسي وابرازه لها سواء عبر معالجته لها فكريا كمؤلف او ممارستها عمليا كرجل دولة:
اولا: هناك موضوع الوحدة الوطنية فقد ظل بناء سودان موحد الهدف المشترك للانتلجنسيا الشمالية منذ فترة ما قبل الاستقلال وايام مؤتمر الخريجين وابعد من ذلك بعد ان ورثوا مقاليد السلطة في عام 1956، ولتلك الغاية اختاروا انشاء نظام ديمقراطي رغم انه كان مسرفاً في مركزيته، واستبعدت فكرة اللامركزية باعتبارها نهجا ينطوي على التقسيم وخطوة مبكرة في اتجاه تفتيت البلاد، كان ذلك موقف المثقفين السودانيين رغم ان تجربة الهند كانت ماثلة امامهم، وهي دولة سعوا لمحاكاتها.
ثانيا: رغم التزامها المزعوم باحترام التنوع الثقافي في السودان، الا ان تلك الانتلجنسيا رأت في التعدد الديني والثقافي في البلاد خطراً يهدد الوحدة، ولذلك لم تأل جهداً في القضاء عليه، لقد افترضوا ان العروبة الاسلامية هي الشيء الوحيد الذي يتحكم بالوحدة الوطنية، وفي ظل الضغط التاريخي سياسياً واقتصادياً للجماعات المهمشة، خاصة من غير المسلمين وغير العرب، رأت هذه الجماعات في تلك الفرضية ما يرقى الى هيمنة عنصرية ثقافية. وهذا المثال هو الشبح الذي ظل يطارد السودان ومازال. ورغم ان المحجوب على المستوى الثقافي، كان مؤمنا راسخ الايمان، بالديمقراطية وكان مدافعا غيوراً عن المساواة والعدالة، لكنه كان ايضا المدافع الناطق بوضوح عن الاستراتيجية الشمالية الشائعة وهي اسلمة وتعريب الجماعات الافريقية غير المسلمة في السودان كي تتم الوحدة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|