|
جدارية ... محمود درويش
|
جدارية
محمود درويش
هذا هو اسمك / قالت امرأة وغابت في الممر اللولبي
أرى السماء هناك في متناول الأيدي ويحملني جناح حمامة بيضاء صوب طفولة أخرى ولم أحلم بأني كنت أحلم كل شيء واقعي . كنتُ أعلم أنني ألقي بنفسي جانبًا وأطير . سوف أكون ما سأصير في في الفلك الاخير وكل شيء أبيض البحر المعلق فوق سقف غمامة بيضاء واللا شيء أبيض في سماء المطلق البيضاء كنتً ولم أكن فأنا وحيد في نواحي هذه الابدية البيضاء جئت قبيل ميعادي فلم يظهر ملاك واحد ليقول لي ماذا فعلت ، هناك ، في الدنيا ؟ > ولم أسمع هتاف الطيبين ، ولا أنين الخاطئين ، أنا وحيدٌ في البياض أنا وحيد لا شيء يوجعني ، على باب القيامة لا الزمان ولا العواطف .لا أحس بخفة الاشياء او ثقل الهواجس . لم أجد أحدًا لأسأل : أين ( أيني ) الان ؟ أين مدينة الموتى ، وأين أنا ؟ فلا عدمٌ هنا في اللا هنا .... في اللا زمان ولا وجود
وكأنني قد متّ قبل الان أعرف هذه الرؤيا ، وأعرف أنني أمضي إلى ما لستُ أعرف . ربما مازلت حيًا في مكان ٍ ما وأعرف ما أريد سأصير يومًا ما أريد سأصير يومًا فكرة .. لا سيف يحملها إلى الأرض اليباب ، ولا كتاب كأنها مطرٌ على جبل ٍ تصّدع من تفتّح عشبةٍ ، لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد سأصير يومًا ما أُريد سأصير يومًا طائرًا ، وأسّلُ من عدمي وجودي كلما أحترق الجناحان اقتربت من الحقيقة ، وانبعثتُ من الرماد أنا حوار العالمين ، عزفتُ عن جسدي وعن نفسي أكمل رحلتي الاولى الى المعنى فأحرقني وغاب . أ،ا الغياب . أنا السماوي الطريد
سأصير يومًا ما أريد سأصير يومًا شاعرًا والماء ُ رهن بصيرتي . لغتي مجازٌ للمجاز، فلا أقول ولا أشير الى مكان فالمكان خطيئتي وذريعتي أنا من هناك ((هنا))ي يقفز من خطاي الى مخيلّتي انا من كنت أو سأكون يصنعني ويصرعني الفضاء اللا نهائي المديد سأصير يومًا ما أريد سأصير يومًا كرمةً فليعتصر ني الصيفُ منذ الآن وليشرب نبيذي العابرون على ثُريات المكان آلسُـّكري ! أنا الرسالة ُ والرسول أنا العناوين الصغيرة والبريد سأصير يومًا ما اريد
هذا هو اسمك / قالتِ امرأةٌ وغابت في ممر بياضها هذا هو اسمك فاحفظ اسمك جيدًا لا تختلف معه على حرف ولا تعبأ برايات القبائل كن صديقًا لاسمك الافقي جربّه مع الاحياء والموتي ودرّبه على النطق الصحيح برفقة الغرباء واكتبه على احدى صخور الكهف يا إسمي : سوف تكبر حين أكبر سوف تحملني وأحملك الغريب أخ الغريب سنأخذ الانثى بحرف العلة المنذور للنايات يا إسمي : أين نحن الان ؟. قل : ما الان ، ما الغد ؟ ما الزمان وما المكان وما القديم وما الجديد ؟ سنكون يومًا ما نريد لا الرحلة ابتدأت ، ولا الدرب انتهى لم يبلغ الحكماء غربتهم كما لم يبلغ الغرباء حكمتهم ولم نعرف من الزهار غير شقائق النعمان فلنذهب الى أعلى الجدارايات : أرض قصيدتي خضراءُ عاليةٌ كلام الله عند الفجر أرض قصيدتي وأنا البعيد وأنا البعيد في كل ريحٍ تعبتُ أمرأة بشاعرها خذ الجهة التي أهديتني الجهة التي انكسرت وهات انوثتي لم يبق لي الا التأمل في تجاعيد البحيرة واتركنا معا لا شيء بعدك ، سوف يرحل أو يعود - وخذي القصيدة ‘ن أردتِ فليس لي فيها سواكِ خذي ((أنا))كِ . سأكمل المنفى بما تركت يداك من الرسائل لليمام فأينا منا (( أنا)) لأكون آخرها ؟ ستسقط نجمة بين الكتابة والكلام وتنشر الذكرى خواطره : ولدنا في زمان السيف والمزمار بين التين والصبار كان الموت أبطأ ، كان أوضح . كان هدنة عابرين على مصب النهر أما الان فالزر الالكتروني يعمل وحده . لا قاتل يُصغي الى قتلي . ولا يتلو وصيته الشهيد
من أي ريح جئتِ ؟ قولي ما اسم جرحك أعرف الطرق التي سنضيع فيها مرتين ! وكل نبض فيكِ يوجعني ويرجعني الى زمن خرافي . ويوجعني دمي والملح يوجعني ويوجعني الوريد في الجرة المكسورة انتحبت نساء الساحل السوري من طول المسافة واحترقن بشمس آب . رأيتهن على طريق النبع قبل ولادتي وسمعت ُ صوت الماء في الفخّار يبكيهن : عُدن الى السحابة يرجع الزمن الرغيد
قال الصدى : لاشيء يرجعُ غيرُ ماضي الاقوياء على مسلاّت المدى ... ( ذه بيةٌ آثارهم ذهبيةٌ ) ورسائل الضعفاء للغد أعطنا خبز الكفاف وحاضرًا أقوى فليس لنا التقمصُّ والحلولُ ولا الخلود
قال الصدى : وتعبتُ من أملي العضال تعبتُ من شرَك الجماليات : ماذا بعد بابل ؟ كلما اتضح الطريق الى السماء ، وأسفر المجهول عن هدفٍ نهائيٍ تفشّى النثرُ في الصلوات وانكسر النشيد خضراءُ ، أرضُ قصيدتي خضراء عاليةٌ تطلُّ عليّ من بطحاء هاويتي غريبٌ أنت في معناك . يكفي أن تكون هناك ، وحدك ، كي تصير قبيلةَ غنيّتكي أزن المدى المهدور في وجع الحمامة لا لأشرح ما يقول الله للإنسان لستُ أنا النبي لأدعي وحيًا وأعلنُ أن هاويتي صعود
وأنا الغريب بكل ما أوتيت من لغتي ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف الضاد تخضعني بحرف الياء عاطفتي وللكلمات وهي بعيدةٌ أرض تجاور كوكبًا أعلى وللكلمات وهي قريبةٌ منفى ولا يكفي الكتابُ لكي أقول : وجدت نفسي حاضرًا ملْ الغياب وكلما فتشّتُ عن نفسي وجدتُ الآخرين وكلما فتشت عنهم لم أجد فيهم سوى نفسي الغريبة هل أنا الفرد الحُشُودُ ؟ وأنا الغريب . تعبتُ من ((درب الحليب )) الى الحبيب تعبت من صفتي . يضيقُ الشكل ُ .. يتسع الكلام . أفيضُ عن حاجات مفردتي وأنظر نحو نفسي في المرايا هل أنا هو ؟ هل أؤدي جيدًا دوري من الفصل الاخير ؟ وهل قرأتُ المسرحية قبل هذا العرض ، أم فُرضت عليّ ؟ وهل ؟أنا هو من يؤدي الدور أم أن الضحية غيّرت أقوالها لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما انحرف المؤلف عن سياق النص وانصرف الممثلُّ والشهود ؟ وجلستُ خلف الباب أنظّر ُ: هل أنا هو ؟ هه لغتي . وهذا الصوت وخز دمي ولكن المؤلف آخر أنا لستُ مني إن أتيت ولم أصل أنا لست مني إن نطقت ولم أقُل أنا من تقوُلُ له الحروق الغامضات أكتب تكن ! وأقرأ تجد ! وإذا أردت القول فافعل يتّحد ضداك في المعنى وباطنك الشفيف هو القصيد بحّارةٌ حولي ولا ميناء أفرغني الهباء من الإشارة والعبارة لم أجد وقتًا لأعرف أين منزلتي الهُنيهة ، بين منزلتين . لم أسأل سؤالي ، بعد ، عن غبش التشابه بين بابين : الخروج أم الدخول ولم أجد موتًا لأقتنص الحياة ولم أجد صوتًا لأصرخ : أيها الزمن السريع ! خطفتني مما تقول لي الحروف الغامضات : الواقعيّ هو الخياليُ الأكيد يا أيها الزمن الذي لم ينتظر لم ينتظر أحدًا تأخر عن ولادته دع الماضي جديدًا ، فهو ذكراك الوحيدة بيننا ، أيام كنا أصدقاءك لا ضحايا مركباتك . واترك الماضي كما هو ، لا يُقاد ولا يقود
ورأيتُ ما يتذكر الموتى وما ينسون هم لا يكبرون ويقرأون الوقت في ساعات ايديهم وهم لا يشعرون بموتنا أبدًا ولا بحياتهم . لا شيء مما كنتُ أو سأكون . تنحّلُ الضمائر كلها (( هو )) في (( أنا )) في (( أنت )) لا كلُّ ولا جزءٌ ولا حيُ يقول لميتٍ : كُنّي ! وتنحلُّ العناصر والمشاعر ُ . لا
و نواصل
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: جدارية ... محمود درويش (Re: bunbun)
|
بطاقة هوية
سجل ! أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف ! فهل تغضب ؟
سجل ! أنا عربي وأعمل مع رفاق الكدح في محجر وأطفالي ثمانية اسل لهم رغيف الخبر ، والأثواب والدفتر من الصخر .. و لا أتوسل الصدقات من بابك ولا اصغر أمام بلاط أعتابك فهل تغضب ؟
سجل ! أنا عربي أنا اسم بلا لقب صبور في بلاد كل ما فيها يعيش بفورة الغضب جذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تفتح الحقب وقبل السرو والزيتون وقبل ترعرع العشب
أبى .. من أسرة المحراث لا من سادة نجب وجدي ... كان فلاحا بلا حسب .. ولا نسب ! يعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتب وبيتي ، كوخ ناطور من الأعواد والقصب فهل ترضيك منزلتي ؟ أنا اسم بلا لقب !
سجل ! أنا عربي سلبت كروم أجدادي وأرضا كنت افلحها أنا وجميع أولادي ولم تترك لنا .. ولكل أحفادي سوى هذه الصخور .. فهل ستأخذها حكومتكم .. كما قيلا ؟!
إذن ! سجل .. براس الصفحة الأولى أنا لا اكره الناس ولا أسطو على أحد ولكني .. إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي حذار... حذار... من جوعي ومن غضبى !
محمود درويش 1964 كنت قد انزلتها قبل شهرين فى البورد
| |
|
|
|
|
|
|
|