هناك مبدأ دستوري راسخ وهو مبدأ الفصل بين السلطات ، أي الفصل ما بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ، وانبنى على هذا المبدأ مبدأ استقلال القضاء ، واستقلال القضاء يعني ألا تتدخل السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية في عمل السلطة القضائية ، وفي المقابل ألا تتدخل السلطة القضائية في عمل السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية ، وألا تكون السلطة القضائية أداة أو مطية لإحدى السلطتين التشريعية أو التنفيذية ، ولكن الواقع في السودان يقول بغير ذلك ، فقد درجت السلطة التنفيذية على التدخل في عمل السلطة القضائية تعيينا وفصلا وعزلا ، وفي المقابل كانت السلطة القضائية مطية لتنفيذ سياسات تخص السلطة التنفيذية ولا علاقة لها بالقانون من بعيد أو قريب ، ومن هذه السياسات التي نعنيها : ( القرار الصادر من لجنة القواعد التابعة للسلطة القضائية والقاضي بتنظيم وضبط أعمال التوثيقات لسنة 2000م وذلك فيما يتعلق بوثيقة التصرف الخاصة بالعقارات والأراضي والعربات بحيث لا تتم كل التصرفات الناقلة للملكية في الأراضي والعقارات والمركبات إلا عن طريق الشيكات المصرفية وفقا لأسس وضوابط يلتزم بها جميع الموثقين والجهات ذات الصلة .) وذلك بحسب ما أوردته صحيفة الانتباهة في عددها الصادر يوم الجمعة 2 نوفمبر 2018 م . يتعجب المرء من أن يصبح الحال في السودان بهذه الصورة ، لقد اختلط الحابل بالنابل وما عندنا نميز بين الأشياء..!! فأيهما هو السلطة القضائية وأيهما هو السلطة التنفيذية ، الله وحده اعلم ..!! الواضح أن الحكومة أرادت أن تعيد المواطن إلى بيت الطاعة في تعاملاته المالية وفقا لما تهوى وتريد ، ولكن الحكومة كانت دوما كمن ( جا يكحلها عماها ) ، ففي مسعى من الحكومة للحد من تجارة العملة عمدت إلى تقييد التعاملات المصرفية للمواطنين بتحديد سقف معين للسحب من البنوك ، فما أودعه المواطن في المصارف من أموال اكتسبها بجهده وشقائه وعرق جبينه ، واودعها طائعا مختارا ، يجد العنت والمشقة في سحبها ، فكان حاله كما قال اسماعيل حسن ( انا استاهل .. وضعتك في مكانا ما مكانك .. انا استاهل .. العملتو كان بايدي ..) ، أو كما قال ابو قطاطي ( برأي سويتها في نفسي ) . لقد فقد المواطن الثقة في المصارف نتيجة لتلك السياسات العشوائية الرعناء غير المدروسة والتي طبقت بليل بهيم غير ابهة بالنتائج و المألات .. فكان أن هربت الأموال من المصارف والبنوك وخرجت ولم تعود حتى الآن ولن تعود ..!! واذكر انني قد ذكرت من قبل في مقال عن السياسات النقدية التي تنتهجها الحكومة ، أن هذه السياسات ستفقد المواطن الثقة في البنوك ، وقد كان ..!! فالمواطن السوداني بطبعه لا يحبذ التعامل مع المصارف والبنوك ، فالكتلة النقدية في البنوك لا تتعدى ال 1 % من الكتلة النقدية بالبلاد على احسن الفروض .. والمتعاملين مع البنوك لا يتجاوزون ال 10 % من جملة السكان ، فالحكومة بدلا عن العمل على تحبيب المواطن في التعامل مع البنوك لزيادة عدد المتعاملين مع البنوك ، نجدها كرهته في التعامل مع البنوك وتمت الناقصة بسياستها الرعناء ( عايرة وادوها سوط ) . ففقدت البنوك حتى هذه النسبة الضئيلة من المتعاملين معها .. وها هي الحكومة تعود من جديد لإلزام المواطن بالتعامل مع البنوك لتحد من تصرفاته المالية ، ولكنها اتته هذه المرة من باب السلطة القضائية ، وإلا ما علاقة السلطة القضائية بتعاملات المواطن أيا كان تعامله بالدين أو بالشيك أو بالنقد أو بالمقايضة او المبادلة أو غيره من العوض أو المقابل أو حتى بدون مقابل ..؟!! إننا نفهم أن تتدخل السلطة القضائية في ضبط التوثيقات للحد من التلاعب والتزوير واكسابها الثقة المعقولة حتى تكون محل احترام للجميع وتجد حجيتها في الاثبات ، وذلك بأن تكون التوثيقات أمام محام موثق ( أي منح تفويضا من القضائية لممارسة سلطة التوثيق ) ومجدد لترخيصه وفي حضور شاهدين بمستندات محددة كبطاقات الأجهزة العدلية (قضاء - نيابة - محاماة ) اوبطاقات القوات النظامية ( الشرطة - الجيش - الأمن ) او البطاقة القومية او الجواز الساري المفعول، وأن يكون التوثيق بأوراق ذات علامات مائية صادرة من مطبعة العملة بأرقام متسلسلة ، وأن يتم مراجعة توثيقات المحامين سنويا ، كل هذا مفهوم ، لكن غير المفهوم هو: ما علاقات التوثيقات بالمقابل أو العوض في التعاملات المالية ..؟!! إن التعاملات المالية تقوم على حرية الإرادة والرضا ، ومبدأ حرية التعاقد ، (فالعقد شريعة المتعاقدين) كما نص قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 على ذلك ، فالمتعاقدين هما اللذين يحددان ما يريدان وفقا للقانون وليس وفقا لما يريد القضاء ..!! لقد ضربت القضائية بكل هذه المبادىء القانونية عرض الحائط ..!! فليس هناك في القانون ما يمنع البائع أو المشتري من أن يختار المقابل الذي يريده من تعاقده ، سواء أن كان هذا المقابل عاجلا ام آجلا ، ام بالتقسيط ام بالصك ام بالنقد ام بالعوض أو حتى بالذهب والدرهم والفضة والدينار وإن شئت قل الدولار .. فالعبرة فيما تراضا عليه واتفقا ( أي المتعاقدين ) طالما كان هذا المقابل جائز شرعا وقانونا ، وقد جاءت كل نصوص القانون لتؤكد مبدأ حرية التعاقد .. ثم لماذ البيع بالشيك كما جاء في قرار لجنة القواعد التابعة للسلطة القضائية .. هل صارت النقود غير مبرأة للذمة .. ام أن كل البيوع قد انقضت ولم يعد هناك سوى البيع بالشيك أو الصك على وجه أصح ..؟!! إن ما قالت به القضائية لا يستقيم منطقا ولا عقلا ولا قانونا ..!! اذ لا يعقل أن يسلم البائع للمشتري عربة أو عقار مقابل أن يسلمه شيكا رغما عن انفه ، لا لشيء سوى أن القضائية قالت بذلك .. فيستمتع المشتري بالمبيع عقارا كان أو عربة بينما يتسول البائع في ابواب البنوك اعطوه ماله أو منعوه ..!! من أين يرتاح المواطن في السودان .. أمن الحكومة ام من القضاء .. ؟!! فالحكومة كرهت المواطن في الحياة ، وها هي القضائية تقتفي آثار الحكومة ، وتحذو حذوها حذو النعل بالنعل ، لتجيء قرارتها وقع الحافر على الحافر .. لتتم الناقصة ..!! على القضائية أن تهتم بتطبيق القانون لا أن تهتم بتطبيق سياسات السلطة التنفيذية ، فلتترك السلطة القضائية سياسات السلطة التنفيذية للسلطة التنفيذية ، فالسلطة التنفيذية هي المعنية بالسياسات المالية عبر بنك السودان و وزارة المالية .. ولتهتم السلطة القضائية بتطبيق القانون لا أن تخالف حتى صريحه ..!! فعندما تتحول السلطة القضائية إلى سلطة تنفيذية او تتبنى سياسات السلطة التنفيذية فعلى الدنيا السلام ..!! على السلطة التنفيذية أن تتبنى من السياسات ما يعيد إلى البنوك الثقة فيها ، وذلك بالسياسات المشجعة والمحفزة والجاذبة وليس من شاكلة ( يا تشرب ولا نكسر قرنك ) .. كما جرت العادة دوما ..!! ويبقى السؤال لماذا يكره المواطن على كل شيء ، حتى في بيعه وشرائه فهو مكره ليس له الخيرة في أمره..؟!! لقد صار المواطن مسلوب الإرادة لا يملك من أمره شيئا حتى فيما يملكه ..!! لباطن الأرض خير من أعاليها ..!! ارحمونا يرحمكم الله ..!! ** فلتكن يا عام عام الإنصهار .. بالذي أدعوه قلبي بالحبيبةِ ، بالقريبةِ للوطن .. ولتكن يا شعب ضد الإنكسار .. وليكن ما قد دفعنا من دماء لانبلاج الفجرِ مََهراً أو ثمن ... نحن أقسمنا على صدر عموم الشهداء الفقراء أن نسوِّيه بروحٍ وبدنْ .. ونقوِّيه على سوق النهار "ونضوِّيه" وطنْ .. فلتكن يا عام عام الانتصار للجماهير على بؤس الزمن .. قد كفاها ما دحاها من محار من عذابٍ ومحنْ .. فلتكن يا بحر بحراً ، للبحارْ التي تنضحُ سلماً دون مَن .. ... ... عاشت الأرض لنا لافتةً ولأعداءِ العصافير كَفَنْ ..
خالد السعيد الخرطوم 3 نوفمبر 2018
11-05-2018, 07:00 AM
MOHAMMED ELSHEIKH MOHAMMED ELSHEIKH
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 11825
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير عثمان حمد
MOHAMMED ELSHEIKH
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست