|
Re: هل عشميق الأصم أسطورة؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
(2) * كتابة بروفيسور عبدالله علي إبراهيم في رده على دكتور حسن عالبدين *
عبد الله ود جاد الله والمكميك جنى هكسي .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم التفاصيل C نشر بتاريخ: 28 تموز/يوليو 2018 < الزيارات: 114
كتب الدكتور حسن عابدين كلمة خلال الأسبوع الماضي استنكر فيها روايات شفوية متداولة في أوساطنا تنسب صفات البطولة وقيم الجود إلى زعامات سودانية وهي، في آخر التحليل، لا تضفي عليهم، باختلاقها، سوى بطولات زائفة. وضرب مثلاً بهذه الروايات المختلقة بتلك المروية عن الشيخ عبد الله ود جاد الله زعيم شعب الكواهلة في شمال كردفان والنيل الأبيض في العقد الأول من القرن العشرين. فالمروي عنه أنه، وفي سياق نزاع مع الكبابيش حول المراعي، كسر قلم هارولد ماكمايكل، مفتش بحري كردفان، لأنه وقع ترتيباً للمراعي في 1907 جار فيه على الكواهلة 1907. وتجسدت الرواية في أغنية الحماسة المشهورة: "عليك بجر النم". وجاء فيها ذكر حادثة كسر القلم التي قال حسن بزيفها كما يلي:
يا عيد الضحية الفتحولو البيت رايو مكملو كسار قلم مكميك يؤسفني القول أن حيثيات حسن التي نفى بها وقوع حادثة تكسير قلم ماكمايكل بيد عبد الله ود جاد الله ليست ضعيفة وحسب بل غير موفقة: فقال إنه اطلع على تقرير لقلم المخابرات عن كردفان عام 1908 ولم يجد فيه ذكراَ للحادثة. ولما كانت حادثة تكسير القلم قد جرت في 1907 فليس نتوقع لتقرير مكتوب بعد الحادثة بسنة أن يذكرها أو يسترجعها. فتقارير من مثله تعرض لمجريات السنة بشكل رئيس.
وقال حسن إن ود جاد الله لو كسر قلم ماكمايكل "لما نجا من الحساب والعقاب سيما وأن "سياسة الإنجليز في السودان عقب الاحتلال وهزيمة ومجزرتي كرري وأم دبيكرات كانت قمع كل محاولات المقاومة والتمرد مسلحاً كان أو أقوالا تحريضية أو حتى إظهار مشاعر التعاطف مع المهدية أو الدعوة لإحيائها". ولقي ود جاد الله في واقع الحال صنوف الأذى التي قال دكتور حسن إنه نجا منها لأنه لم يكسر قلم المفتش. وسنعرض في موضعه لما لقيه ود جاد الله من مكميك من التربص والأذى.
وكان حسن، من الجهة الأخرى، شديد التحكمية في نفي الواقعة ناظراً إلى مرجعين ليسا حجة قطعية مع وجود مصادر أولية لم يتوافر له غشيانها. فقال إن الواقعة لم ترد في "كتاب ماكمايكل عن قبائل وسط وشمال كردفان وبه فصل كامل عن قبيلة الكواهلة وناظرها ود جاد الله". ولا أتفق مع حسن أن ذكر كسرة القلم مما شغل الرجل. فما ورد ذكر الكواهلة حتى هجس ود جاد له. كما أيد حسن نفيه للواقعة بقوله إن ريتشارد هيل لم يأت بذكرها في ترجمته لود جاد في قاموسه المعروف للشخصيات السودانية. وهي ترجمة جاءت في سطور أربعة لم تتجاوز فصل ود جاد الله من نظارة الكواهلة في 1916 (والصحيح 1910) وزواجه من ابنة المهدي لا غير. وهي فتيل ما بشيل كثير.
لو صح عزم حسن حقاً لنفي واقعة كسر قلم ماكمايكل لقصد مرجعين لا غنى عنهما.
أولهما رواية الكواهلة للواقعة من أفواه رواتهم أو من دونها عنهم. أما المرجع الثاني فهو مكتوبات الدولة الاستعمارية المحفوظة بدار الوثائق القومية وبخاصة تلك المعروفة بسجل السكرتير الإداري. وهو السجل الذي يحوي المحررات الإدارية المتبادلة بين مفتشي المراكز، ومديري المديريات، والسكرتير الإداري في قمة الهرم الإداري حول إدارة "القبائل".
وقد وجدت الباحث الأنثربولجي الألماني كورت بك رجع إلى المرجعين كليهما في كتابه بالألمانية وعنوانه "الكواهلة في كردفان" (1988). ولم يأت كورت بك بواقعة كسر قلم مكمايكل فحسب بل عرضها في سياق تاريخي وسياسي وطنها في كامل جراءة ود جاد الله على مكمايكل.
قال كورت بك إن ود جاد الله صار أسطورة سودانية مهيب المظهر ذاع أنه لا يرهب هارولد ماكمايكل مفتش بحري كردفان. فكان لا يملص نعلاته ولا سيفه حين يدخل عليه في خيمته. وكان لا يطأطئ له بمخاطبته ب"يا جنابو" نازعاً عنه بذلك علوه الكبير طالباً للندية. وتحير ماكمايكل في ذلك وسأله عن سوء خطابه ذاك. فرد: " ألم تسمك أمك مكميك. كيف لي مخاطبتك بغير ما سمتك أمك". وقال كورت بك إن الكواهلة يتفاءلون بود جاد الله فيدعو الواحد للآخر بقوله: "الله يجعل أولادك متل عبد الله وجاد الله الكسر قلم مكميك ورماه تحت قدميه". وقال كورت بك إن كسرة القلم ربما حدثت في 1907 حين رسم المفتش حداً فاصلاً للرعي بين الكواهلة والكبابيش. وغير واضح إن كان جرى سجنه مباشرة بعد الحادثة أو جرى ذلك لاحقاً. فقد ظل ود جاد الله شوكة في جنب ماكمايكل. فتربص به وألبسه تهمة أنه "أكل الطلبة" التي جمعها من أهله، أو قيل أنه أعطاها للسيد الإمام عبد الرحمن حباً وكرامة. ففصله ماكمايكل من النظارة في 1910 بموافقة سلاطين باشا، مفتش عموم السودان، وسافيل مدير مديرية كردفان. واعتقلوه قريباً من بلدة سودري. وجرت محاكمته في الأبيض في يناير 1911 وسجنوه حتى توسط الإمام عبد الرحمن فأطلقوا سرحه. ولكنهم كانوا قد صادروا سعيته. ومن أطرف ما جاء في كيد ماكمايكل لود جاد الله قوله إنه "عبادي" وليس كاهلياً حقيقياً لتكون له الزعامة عليهم. وزاد بأن فرع العبابدة في الكواهلة لا يدفع في الطلبة عشر معشار ما يدفعه فرع عيال حامد الذي جاء منه أحمد الإعيسر، الذي اصطفاه ماكمايكل ورعرعه خلال خصومته لود جاد الله، حتى جعله ناظراً على جماعته.
ومما ضاعف من شقاء ماكمايكل بود جاد الله أنه كان أنصارياً قحاً صريحاً. ولم يخف محبته لآل المهدي أبداً. فتروج أم سلمة بنت المهدي عليه السلام في 1905 في وقت كان شبح المهدية وانبعاثها مجدداً يقض مضاجع الحكومة الجديدة. ومما أزعج الحكومة أيضاً علاقة ود جاد الله بالأمير على دينار في دارفور وكانا معاً ضمن ملازمية الخليفة عبد الله. بل شَكَت الحكومة أنه سيكون حليفاً لتركيا وألمانيا عن طريق رفيقه على دينار وسنوسي ليبيا متى قامت حرب بين البلدين وإنجلترا وفرنسا. وهذا ما وقع في الحرب العالمية الأولى (1913-1919) ولكن كان ود جاد الله وقتها منزوع الزعامة مقيد الإقامة بأم درمان.
لم يأت كورت بك بنص يفيد بوقوع حادثة كسر القلم من تقارير الإدارة الاستعمارية، وبخاصة الموسوم "إدارة الكواهلة"، في سودري، وتقارير السكرتير الإداري بالخرطوم، وما اطلع عليه بمجموعة السودان بدرهام. ولكنه لم يستبشعها ككذب صراح، "كبطولات زائفة متخيلة" ندعيها بغناء مادح متفاخر زائف كما فعل حسن. ولم يصرف كورت بك الواقعة ككذبة كما فعل حسن مجاملة. لقد قبلها عن سعة نظر في المصادر الأولية التي قطع لها أكباد الأبل (ربما حرفياً) بينما استنكرها حسن على ضآلة مراجعه وثانويتها. لقد وطن كورت بك الحادثة في سياق صراع طويل بين ماكمايكل وود جاد الله لا يستبعد المرء فيه أن يعتدي فيه ود جاد الله على قلم اشتط في ظلمهم والظلم ظلمات. وكسرت الأقلام ولم تجف اصحف.
(استخدمت قوقل في ترجمة الصفحات التي تناولت عبد الله ود جاد الله وهارولد ماكمايكل في كتاب كورت بك من الألمانية إلى الإنجليزية. وهذا تنبيه للعذر متى ساقني قوقل إلى خطأ ما) (بعد فراغي من كلمتي هذه وجدت كلمة مخدومة علمياً بقلم فتح الرحمن موسى على بعنوان "محاولة لفهم موقف الشيخ عبد الله ود جاد الله. فاطلعوا عليها): https://www.facebook.com/alkohla/posts/1125687360861063:0https://www.facebook.com/alkohla/posts/1125687360861063:0
[email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل عشميق الأصم أسطورة؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
تحياتي أ الشقليني
يقول ع ع ا
Quote: وقد وجدت الباحث الأنثربولجي الألماني كورت بك رجع إلى المرجعين كليهما في كتابه بالألمانية وعنوانه "الكواهلة في كردفان" (1988). ولم يأت كورت بك بواقعة كسر قلم مكمايكل فحسب بل عرضها في سياق تاريخي وسياسي وطنها في كامل جراءة ود جاد الله على مكمايكل. |
ثم يعود في آخر المطاف
Quote: لم يأت كورت بك بنص يفيد بوقوع حادثة كسر القلم من تقارير الإدارة الاستعمارية، وبخاصة الموسوم "إدارة الكواهلة"، في سودري، وتقارير السكرتير الإداري بالخرطوم، وما اطلع عليه بمجموعة السودان بدرهام. ولكنه لم يستبشعها ككذب صراح |
من الغريب, ومن النادر الى حد ما, قراءة هذا التناقض عند عبدالله على ابراهيم ..
فان كان استاذ ع ع ا في معرض تعقيبة, يهدف لاقامة الحجة على واقعية القصة وصحتها .. كان ينبغي عليه الاستطراد بخلفية المرجعين .. واما الاستشهاد برجوع كورت للمرجعين ثم تكون الخلاصة ان كورت لم يأت بنص يفيد وقوع الحادثة .. ففي ذلك خفة في التناول مع ملاحظة التناقض البين بين المقتبس الاول والثاني.
مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل عشميق الأصم أسطورة؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
تحيات للشقليني والمشرف،
Quote: فان كان استاذ ع ع ا في معرض تعقيبة, يهدف لاقامة الحجة على واقعية القصة وصحتها .. كان ينبغي عليه الاستطراد بخلفية المرجعين .. واما الاستشهاد برجوع كورت للمرجعين ثم تكون الخلاصة ان كورت لم يأت بنص يفيد وقوع الحادثة .. ففي ذلك خفة في التناول مع ملاحظة التناقض البين بين المقتبس الاول والثاني. |
في قراءتي قليلة الحيلة، لم أر تناقضا كما أشار المشرف.. لا أعتقد أن مقتضى نقد ع.ع إبراهيم (هنا بالذات لمبحث د. حسن عابدين هذا) كان سعيا منه لإثبات واقعية القصة وصحتها من عدمه.. بل هو وأولا؛ نقدا لطريقة د. حسن عابدين في مقاربة الدرس الفولكلوري (لم يقطع له أكباد الأبل وأهمل مصادره الشفوية)، وثانيا؛ مراجعة لطريقته في مقاربة المصادر التاريخية مكتفيا منها بوثيقة من تقرير مخابراتي، قال ع. ع إبراهيم عنه، إنه ما كان له أن يتضمن الحادثة أصلا، فيما يبدو وكأنه تذكير بـ(بداهة تاريخية لمن يتحرى وثائق العهد) متفق عليها أكاديميا.. أي وكأن ع.ع.إبراهيم يقول عن طريقة د. حسن عابدين في البحث، إنها طريقة متعجلة لحصول على نتائج، لدرجة أن لم تتحر في تلك الوثيقة؛ إنها بطبيعتها لا يمكن أن تتعلق زمانيا بتلك الواقعة...
الشاهد؛ لا أعتقد أن هموم هذا الرد من ع.ع. إبراهيم متعلقة بإثبات صحة الحادثة (كسر القلم)، بقدر ما هي وأساسا؛ في السعي إلى (فلكرة) عشميق الأصم، حيث يتراجع التاريخ ليتقدم الترميز.. وثم تأتي بالجانب منه، هذه المراجعة لمنهجية الدرس الفولكلوري والتاريخي عند د. حسن عابدين..
لو تواصل الحوار بينهما، فلربما سنستمتع بمعركة فكرية وأكاديمية عن المناهج التاريخية والفولكلورية وحول تقييم المصادر الصالحة لكلا المبحثين..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل عشميق الأصم أسطورة؟ (Re: هاشم الحسن)
|
نرفق مقال الأستاذ / محمود موسى مابو، يورد مقولة أخرى تدعم أغنية عشميق الأصم لكم جميعاً للقراءة والتفاكر :
(كسار قلم مكميك) - حقيقه الرواية .. بقلم: محمود مادبو التفاصيل C نشر بتاريخ: 29 تموز/يوليو 2018
تعرض سعادة السفير د .حسن عابدين في مقاله المعنون ب (تحقيق الروايات الشفاهية: ود جاد الله.. كسار قلم "مكميك"؟ ! ..رواية .. منحولة. . مصنوعة) والمنشور بتاريخ (23 يوليو 2018).. تعرض للحادثة الشهيرة التي كسر فيها الشيخ عبدالله ود جاد الله قلم الإداري البريطاني ونائب مفتش بارا بمنطقة شمال كردفان .. هارولد ميكمايكل .. واصفاً الحادثة ذاتها بأنها محض إختلاق بلا أسانيد أو مصادر تدعم صحتها . ومضى الدكتور عابدين لأبعد من ذلك حين تحدث عن تفاصيل النزاع حول آراضي المرعى بين الكواهله والكبابيش التي ادت لعزل الشيخ عبدالله ود جاد الله من نظارة الكواهله - ليخلص إلى أن الرواية التي تناقلها السودانيون في هذا الشأن هي روايه مصنوعه يمكن تصنيفها في سياق الشائعة التي تم تناولها عبر الأجيال في مجتمعاتنا من خلال أدب الحكاية الشعبي والتراث الغنائي المحلي . و قد لخص الدكتور عابدين أسباب رفضه للحقائق التي قدمنا لها فيما يلي :
١- أن الإداري ماكمايكل في كتابه (قبائل شمال ووسط كردفان) الذي نشر في عام 1912, لم يذكر الحادثه رغم انه كتب عن قبيلة الكواهله وذكر زعيمهم عبدالله ود جاد الله .
٢- أشار د .عابدين إلى أنه في بحثه عن الروايه لم يجد مصدرا موثقاً يساند ما حدث عن روايه كسر القلم .
٣- ذكر د. عابدين أن ريتشارد هيل في كتابه (معجم تراجم اعلام السودان) قد ذكر سيرة الشيخ ود جاد الله دون أن يشير لحادثه كسر القلم.
٤- أشار د . عابدين أن عبدالله ود جاد الله نتيجة لولائه للمهدية والامام المهدي.. فقد قام المهدي بتزويجه احدى بناته .
والذي لا شك فيه هو أن الدكتور حسن عابدين قد أخطأ بوضوح فيما ذهب إليه . و قد رأينا أنه من الأصوب تحليل تلك الأسباب التي أوردها وتبيين خطأ الإعتماد عليها في نفي واقعة تاريخية معروفة و مثبتة بعدة مصادر كحادثة المواجهة الباسلة لشيخ قبيلة الكواهلة مع المفتش الانجليزي ماكميكل والتي كسر فيها الشيخ عبدالله قلم الأخير و قذف به الى الأرض رافضاً جبروت السلطة الاستعمارية الانجليزية .
فلنبدأ بما قاله الدكتور عن إهمال ماكمايكل لحادثة كسر القلم في كتابه (قبائل شمال ووسط كردفان) وبالتالي افتراضه ان تلك الواقعة لم تحدث . فالذي لم يتطرق اليه د .حسن عابدين هنا هو أن الأوراق الخاصة بماكمايكل و المحفوظة بإرشيف جامعه درم البريطانية تحتوي على مقال عن وفاه الشيخ عبدالله جاد الله في سنه 1959. و هو ذات المقال المكتوب للإداري جون هاميلتون في سنه 1959م (عمل كمساعد لمفتش بارا في نهاية العشرينيات) المفهرس تحت الرقم SAD.586/5/71 .. وفيه أشار كاتب المقال الى تلك الحادثة قائلاً : "إكتسب عبدالله جاد الله الشهرة عبر لقبه (كسار قلم مكميك ) - الرجل الذي كسر قلم مكمايكل. . في سياق مشاجرة مع السير هارولد مكمايكل، عندما ضرب القلم في الطاوله حتى انكسر؛ مما ادى الى سجن الشيخ عامين وعزله من النظارة". ولا شك أن هذا المصدر يثبت بوضوح أن واقعة القلم تلك.. تناولتها أقلام انجليزية وبالتالي يتأكد أن ما إستند اليه الدكتور حسن عابدين في تكذيب تلك الحادثة لم يكن دقيقاً .
وبالرجوع الى ما ذكره ماكمايكل نفسه بهوامش النسخة الانجليزية من كتابه بالصفحة رقم ٢٠١ والتي أورد فيها عزل ود جاد الله .. يتضح لنا أكثر أن عدم ذكر ماكمايكل لحادثة كسر القلم يرجع لما لقيت سلطته الاعتبارية كإداري انجليزية من إهانة بسبب تلك المواجهة الشجاعة التي واجهه بها الشيخ عبدالله وبدلاً عن ذلك اتجه ماكمايكل نحو الإقرار بذلك ضمناً في أوراقه الخاصة المودعة بدرم . وكان الأجدى بالدكتور عابدين كباحث هنا هو الاطلاع على كافة المصادر بخصوص ما أراد أن يكتب عنه قبل أن ينجرف نحو إنكار هذه الحقائق جملة وتفصيلاً .
وقد يكون من المهم ايضاً الإشارة لما أضافه المؤرخ السعودي بروفيسر طلال اسد الذي خصص دراسته عن قبيلة الكبابيش حين ذكر أن موقف عبدالله ود جاد الله مع الادارة البريطانية أكسبه اعجاباً وتقديراً بين السودانيين على الرغم من التكلفة العالية التي دفعها نظير مواقفه الصارمة تجاه الحكم الاستعماري مما أدى لخسارته لمنصب النظارة على المستوى الشخصي . (The Kababish Arabs: Power, Authority and Consent in a Nomadic Tribe . صفحه 169-170)
أما عما قاله ريتشارد هيل .. فإن أي متتبع دقيق لتاريخ تلك الفترة سيلحظ ما احتوى عليه كلام هيل من أخطاء تصل لمستوى المغالطات أحياناً .. إذ انه لم يذكر حتى التاريخ الصحيح لعزل الشيخ بل قال انه عزل من النظارة في عام 1916 . و الصحيح ان الشيخ عزل عام 1910م مباشرة بعد الحادثة. و اشار هيل في نفس كتابه إلى ان الشيخ توفى في عام 1922 . تلك كانت معلومة تاريخية أخرى جانبت الحقيقة .. لأن الشيخ عبدالله و د جادالله بقي على قيد الحياة بعد عزله من الزعامه بين منطقه الشقيق والجزيرة ابا وكان وكيلاً للسيد عبدالرحمن المهدي في الدويم-القطينه كما ورد في كتاب (الامام عبدالرحمن المهدي - مداولات الندوة العلميه للاحتفال المئوى، صفحه 140). وفي نفس الإتجاه ، أشار بروفيسر موسى عبدالله حامد إلى ان الشيخ عبدالله جاد الله كان من الحاضرين ومن قادة فرسان الانصار في زيارة الحاكم العام السير جيفري ارشارد الى الجزيرة ابا في فبراير 1926م (إستقلال السودان بين الواقعية والرومانسية ، صفحه 52). كل هذا يثبت عملياً ان عبدالله ود جاد الله قد عاش بعد عام 1922 وبالتالي يثبت غفلة هيل ومن بعده الدكتور حسن عابدين عن حقائق تاريخية في غاية الأهمية .
أما عن واقعة تزويج الإمام المهدي لإبنته من الشيخ عبدالله ود جاد الله التي أشار إليها الدكتور عابدين مخطئاً .. فإن الصحيح هنا .. أنه عندما قامت الثورة المهدية كان عبدالله ود جاد الله دون الخامسة عشرة عمراً . وبالتالي كان يتعين على الدكتور أن يعلم أن زواج الشيخ عبدالله من بنت المهدي قد حدث بعد وفاة المهدي وبالتحديد بعد سقوط الدوله المهدية حينما تزوج السيدة ام سلمة بنت الامام المهدي (ارملة الامير عثمان-شيخ الدين ابن الخليفة عبدالله). لذلك يبقى من المهم هنا الإشارة إلى القول بأن المهدي زوج بنته للشيخ عبدالله في حياته _ كما قال الدكتور _ ليس صحيحاً.
ولكن بالعودة لحادثة كسر القلم فإن عدد من المصادر التاريخيه و منها تقرير حكومه السودان المسمى "كردفان ومنطقه غرب النيل الابيض بتاريخ 1912م" (بعد عامين من الحادثه) ، اشارت الى ان عزل الشيخ كان نتيجه لخلاف حول حقوق ملكية حفير مياه حول ارض كانت مصدر نزاع بين قبيلتي الكبابيش والكواهلة ويبدو أن وجود عبدالله ود جاد الله كطرف في هذا النزاع بتاريخ مواجهاته مع البريطانيين منذ معركة كرري التي قاتل فيها فارساً ضد قواتهم .. قد عزز الخلاف ، حيث لم يستطيع الشيخ الصبر على استفزازات ماكمايكل له حين استجوبه الأخير و جاء رده سريعاً بإنتزاع القلم من يد الخواجة و كسره عنوة أمام جميع الحاضرين . على العموم أشار ذلك التقرير بوضوح لتدخل الحكومة بعد ذلك لعزل ود جاد الله و تعيين احمد عبدالقادر الاعيسر ناظراً للكواهلة. ويبدو أن سياسه الحكومه لم تختلف مع السنوات حيث يشير المؤرخ البريطاني جستين ويليس انه رغم استقلاليه ادارة الكواهلة من الكبابيش الا ان حكومة السودان قد استمرت في سياستها المعادية تجاه القبائل الموالية تاريخياً للثورة المهدية مثل الكواهلة . و أشار ويليس أيضاً انحياز السلطة الاستعمارية الانجليزية في منطقه شمال كردفان للشيخ علي التوم ناظر الكبابيش؛ حينما ساندته في الثلاثينات لتأسيس محكمه رئيسية لإدارة الكبابيش ووعدته بالسلطه الكاملة على ما حوله من القبائل وذلك عن طريق اضافه محاكم القبائل المجاورة مثل الكواهلة الى محكمته لتكون له الكلمة العليا في شؤونهم . (حكم: كريولية السلطة في السودان الثنائي، صفحه 40).
لقد كانت عملية كسر عبدالله ود جاد الله لقلم الاداري ماكمايكل (الذي كان يمثل بريطانيا العظمى) في جوهرها هي إسقاط واضح لهيبة و مهابة كلل بها ماكمايكل سلطته الاستعمارية طويلاً مما أدى لإهانته امام جميع اعوان السلطه والقبائل مما استدعى البروفيسر عبدالله علي ابراهيم للأشارة لأبيات الشاعرة في الاغنية (عشميق الاصم) و التي وثقت لشجاعه ود جاد الله وحادثه كسر القلم : عليك بجر النم يا دقر الحرائق أصبحت كاتم السم عشميق الأصم شدولو ركب فوق اصهبا وحشي رايو مكملو وكلامو ما هبشي اديتكم أمانه متقنعه وتمشى عاشقانى الامانه ضيف الهجعه يتعشى علكيكا كبير ماكميك جنى هكسى
ان مصطلح هكسى المستعمل يشير الى الجنرال البريطاني ويليام هيكس الذي لقى هو وجيشه حتفهم في معركه شيكان التاريخيه بسلاح الثورة المهدية ؛ وقد حلل عبدالله علي ابراهيم ابيات الشاعرة مستورة بت كوكو حين ذكر مقارنة كلماتها لتحدي عبدالله ود جاد الله لماكمايكل وكسره لقلمه بعملية كسر الانصار لجيش هيكس في معركة شيكان.
خلاصة القول ، أن واقعة كسر قلم المفتش البريطاني بواسطة الشيخ عبدالله ود جاد الله قد شكلت في مضمونها رمزية مهمة لأدب المقاومة الشعبية عند السودانيين في مراحل الاستعمار البريطاني الأولى .. لذلك جاء تناقلها عبر الأجيال المتتابعة مناسباً و موازياً لما شكلته تلك الواقعة من أثر عميق في الوجدان الشعبي الوطني ، استند على وقائع تاريخية حقيقية جزمت بصحتها عدد من المصادر المحلية والأجنبية .
28 يوليو 2018
بريد إلكتروني : [email protected]
--------------------------------------------------------------------------------
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل عشميق الأصم أسطورة؟ (Re: عبدالله الشقليني)
|
تحياتي وسلامي ومعزتي استاذنا الشقليني هذا ماكتبته في بوست مجاور بصفحة بروف عبدالله
القصة ثابتة وعاصرنا المعمرين من الكواهلة والكبابيش اخبرني الثقاة امثال شيخ موسي وحاج كاروشا واخرون ان الشيخ علي التوم بعد أن جرّ الشيخ عبدالله قلم مكمايكل قال الشيخ علي التوم معجبا بشجاعته ومتعجبا من جرأته علي المفتش الانجليزي: (الزول دي والله ماعرفتو فارسا عَنَزَة ولا بليدا عنز) بل اضاف الحاج كاروشا لي قصة اخري عن العمدة تابت عمدة بني جرار وقصة العمدة تابت حصلت في مشرع ام بادر (ضحي اللّعلم) وصل المفتش لام بادر والاضاة (زر ابوها من الابل) وبعد أن اراد المفتش التحرك وجد العمدة تابت جالسا في المقعد الامامي (صاح المفتش: عمدة تابت انزل اركب ورا ) ليرد العمدة تابت:(نركب وري اني جراب) يصيح المفتش:(دي قانون..يركب قدام ناظر ودالتوم وناظر الاعيسر) يرفض العمدة تابت قائلا: (ودالتوم وودالاعيسر صبيان شباب) يغضب المفتش:(العمدة تابت اني برفدك من عمودية) فيرد العمدة تابت:(كان رفدتني من العمودية..بترفدني من بنات الاشيقر) وبنات الاشيقر ابل العمدة تابت رحم الله الشيخ علي التوم ورحم الله الشيخ عبدالله ودجادالله فكانا رغم الصراع حول الارض وتحديدا المناهل لكن كانا لا(يدسان حسب بعضهما) اي نفل بعضهم من شجاعة وكرم تاريخ الحادثة لم يكن ببعيد والان المعمرين من الكبابيش والكواهلة عاصروا كبارهم ممن شهد الحادثة. * (فارساً عنزة) اهل البادية أكثرهم لايقولون : (أشجع من...) بل يقولون (أفرس من... )(شجاع /فارس) (العَنَزَة) بفتح العين والنون والزين، أي اشجع من العنزة، والعنزة وردت في شعرنا الشعبي (مضربا للشجاعة ) (عنزة وقرونا سنان) والعنزة أظنها وحيد القرن،لأنني أستبعد(تور الجواميس)، لأنه ورد صراحة في الغنا الشعبي (تور جاموسا بسُك قرنو علي سرحايا تور بقر الجواميس العليك الرك) وهنا الشيخ علي مادَسْ حسب الشيخ عبدالله ووصفه أنه (فارس متل العَنَزة) وإلي يومه أهل البادية عندهم اشجع حيوان(العَنَزَة) *بالمناسبة ،بخصوص تواصل الشيخ عبدالله مع السلطان علي دينار،أيضا في فطنة مضادة،الشيخ علي التوم تواصل مع السلطان علي دينار، حيث أرسل له ساعده الأيمن أخاه الأكبر الشيخ محمد ودالتوم والقصة مشهورة وفيها هدايا من السلطان (خيل/وزمل/ومال وبني آدم) ولقد شاهدنا ماتبقي من الكتلة!! حادثة الشيخ ودجادالله والمفتش، كان النزاع حول (أضاة كجمر) وهي مورد شهير ولقد تطرق الساعور في مطولاته تلميحا وصراحة للنزاع. بالمناسبة حتي رئيس الوزراء محمدأحمد المحجوب،في نزاع الكبابيش والهواوير الشهير،والمحجوب وقتئذ،كان محامي الكبابيش،المحجوب من نباهته، إستشهد بمطولة من غنا الشاعر الساعور:(وعلي بيُّوض بشوف طنَاش عيال هوار) أي مدامرهم ونجوعهم (ببيوضة)و(غادي) ولقد حكم المفتش لصالح الكبابيش . ولقد (لمَح) بتشديد الميم،الشاعر الساعور للصراع السابق بين الكواهلة والكبابيش حول الأراضي ونظارة العموم (البطيخ بلا عِرقو..إن بسوي كبار) معزتي للجميع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل عشميق الأصم أسطورة؟ (Re: عبيد الطيب)
|
يا شلقيني قالوا: اجمل الشعر أكذبه
المبالغات في الشعر مثلها ومثل المبالغات في الكراكتير هي التي تعطى هذا النوع او ذاك من الفنون القها.
ودونك قصايد المدح والذم للمتنبيء
| |
|
|
|
|
|
|
|