|
Re: كل شيء إلا هذا.... (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
كانت خطاي المترددة الخائفة تخطو أولى خطواتها إلى ذلك المبنى.كنت أنا اردد في سري و دون وعي مني: كل شيء الا هذا...يا رب استر.
حينما دخلت كانت اللافتة الصغيرة فوق الطاولة ،هي أول ما لفتت نظري. فوق الفوطة القماشية البيضاء تربض اللافتة الصغيرة. مكتوب عليها (إذا مرضت فهو يشفين). ذكرتني ببعض الأقوال و المأثورات التي لم تكن تستوقفني و كنت أمر عليها مر السحاب .. من شاكلة (الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء) ،( ..من بات آمنا في سربه)و ( الا ليت الشباب يعود..).
.إلا هذه الأخيرة اتحاشى أن اقولها أو استشهد بها...
.. أمامي يجلس حوالي ستة أشخاص، رجل و أمراتان. القاعة الصغيرة صامتة إلا من أصوات حركة الأقدام أو زفرات ملّت الانتظار أو عيون معلّقة بين شاشة التلفاز الصغيرة و الباب المؤدي للداخل... .لحظات الانتظار مملة و مثيرة للضجر و أيضا باعثة لشعور مبهم بالخوف. و من المجهول . هو شعور غير محدد المعالم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كل شيء إلا هذا.... (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
جلت ببصري في الجالسين. شكلي يبدو غريبا بينهم .كنت أنا أصغرهم سنا....هذه الملاحظة اراحتني قليلا.. فأنا.لا أحب في هذه الدنيا كلمات الشيخوخة و كبير السن و عجوز .رغم انها مرحلة لابد منها و رغم أنني أوٌقّرهم( ليس منا من لا يرحم ...و يوقّر...)...
.......... و لكني لا أحب الكلمات التي تحمل معاني: العجز ..الاستسلام ...الخمود...الضعف ...الذبول..التلاشي.. .
.كذلك لا أحب حتى مجرد التفكير في هذا الموضوع. فالتفكير فيه يجعلني أشعر بالإحباط...و ال################ و انسداد الأفق.
هذه وجهة نظري الخاصة و لكم وجهات نظركم..اتفقنا؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كل شيء إلا هذا.... (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أربعين دقيقة مرت ببطء شديد .و فجأة كان ظهور موظفة الاستقبال و إيماءتها لي للدخول كفيلا بتبديد سحابات الملل و القلق. نهضت دون تفكير و دخلت إلى داخل الحجرة. دخلت و أنا مستسلمة، في منزلة بين الخوف و الرجاء و الأمل.
أصعب شيء أن تجد نفسك تحت رحمة الطبيب .أقصد تحت أجهزة فحصه..و عيونه الراصدة و هو يضعك تحت الرصد و الفحص و الشخيص.. يمكنك أن تتوقع كل شيء. و يزيد الوضع قلقا إذا كان الطبيب من ذلك النوع الجاد أو صارم القسمات و الذي لا تعرف الابتسامة إلى محياه طريقاً و هو يتفحصك فيجعلك تحس كأنك متهم تحت الاشتباه..
منذ الصغر تكونت في دواخلي صورة يصعب اقتلاعها حتى لو كان الطبيب في وسامة (مهند). هي صورة غير ايجابية رسمتها الأيام و الأحداث و الأخبار و التعليقات التي يتداولها الناس.. عن زيارة عيادات الأطباء و عن مقابلة الأطباء.
و بالنسبة لي شخصية فقد صارت تلك الصورة صورة (اسكوب) حسب التعبير السينمائي أو فلنقل صورة بانورامية تشمل كل ما له علاقة بالعلاج و المعالجين.. و مساعديهم.. بالتالي امتد الخوف المشوب بالقلق ليشمل مختبرات الفحص و الصيدليات و غرف القياس و الأشعة و التحاليل و حتى لحظات انتظار النتيجة وبالطبع لحظات الانتظار لمقابلة الطبيب .لذلك كنت مترددة للذهاب للطبيب منذ البداية.
و كنت دائما استغرب كيف ان (م) ابنة عمي تذهب للطبيب حتى لو شعرت بألم في اليد أو صداع أو أي شيء من الأوجاع أو الالام البسيطة التي قد لا يلقي لها الشخص بالا..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كل شيء إلا هذا.... (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
قليلة هي المرات التي وضعت نفسها تحت أيدي الطبيب.. لا تحب الذهاب للمستشفيات و لا عيادات الأطباء.. و لكن هذه المرة كانت مضطرة.. منذ فترة بدأت تلاحظ أن الحروف صارت غائمة عند محاولة قراءة الصحف أو الأوراق في المكتب..
كانت تحاول مدارة ذلك في باديء الأمر و لكن صار الجميع يلاحظون ذلك. حتى شريط الأخبار في شاشة التلفاز صارت شبه هلامي. و صارت الكلمات تتراقص امامك وسرعان ما تختفي. نعم لم يعد الأمر كما كان من قبل. و صار التعرف على الكلمات من الصعوبة بمكان.
و أخيرا لم يعد من البدِّ بدٌ، فصرت تحجزين مقعدك قريبا من التلفاز.
نعم لقد تأخرتي كثيرا في اتخاذ القرار بمقابلة الطبيب. بالرغم من أن ما تحسين به لم يحدث ذلك فجأة بل ظهر تدريجيا منذ حوالي سنتين.
لكنك كنت تحاولين أن تتناسينه أو تتجاهلينه. و في النهاية كانت زيادة الاعراض و وضوحهها هو ما أجبرتك في النهاية للذهاب للطبيب. ب
و ذلك بعد أن خشيت أن يزداد الأمر سوء أو أن يلاحظه الجميع، خاصة هو.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كل شيء إلا هذا.... (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
و الآن رجاءً لا تلومين نفسك كثيرا لأنك تأخرت في الذهاب للطبيب. فإنها في النهاية خطوة متقدمة.. و كما يقولون (أن تأتي و لو متأخرا... خير من أن لا تأتي).فها انت أتيت أخيراً. فكونك تخافين من الذهاب للطبيب بطبعك. هذه حقيقة لا جدال فيها. و لكن المضحك في الأمر أنك دائما تفسرين خوفك من الطبيب لوجود العامل الوراثي.
ثم تستشهدين في ذلك بجدتك (أم الخير).التي لم تسلِّم نفسها لفحص طبي إلى أن توفّت..
و حتى عندما اجتاح ذلك الوباء منطقتكم تدافع الجميع للتطعيم إلا هي. و لم تستسلم لحقنة اللقاح إلا بعد أن جاء المسئول الصحي المحلي. و بعد لأيٍ قدمت يدها للتطعيم و هي تولول وسط ضحكات و سخرية الحاضرين. فكيف يكون العامل الوراثي هو الوحيد المسئول و بقية افراد الأسرة يذهبون للطبيب كلما شعروا بوعكة او آلام؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كل شيء إلا هذا.... (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
اخيرا خرجت من العيادة. خرجت كأنها خرجت من الأسر أو من كهف مارد . خرجت و هي تحمد الله، رغم ما سمعته قبل دقائق . و طوال الطريق كانت تستعيد تلك اللحظات . اللحظات التي كانت فقدت فيها احساسها بالكون و بالحياة و بكل ما حولها. هو احساس غائم.غير محدد الملامح. إحساس لا هو بالخوف و لا هو بالارتباك . و لكنه عبارة عن استسلام تام فقدان للإحساس بأي شيء أو ربما تسليم في انتظار المجهول.. لم تتوقف لتسأل نفسها كيف تم ذلك، إذ لم تكن تعرف كيف حدث .و لكنها هنّأت نفسها في سرها بأن ذلك ما حدث.
حاولت أن تستعيد ما حدث كأنها تود أن تتأكد أن ذلك فعلا هو ما حدث. تذكرت الطبيب بابتسامته البشوشة و ابروله الناصع البياض اشاعا في دواخلها الالفة للحظات. و لكنها سرعان ما توارت و قد لفت نظرها جهاز فحص النظر و هو يرنو إليها.. تحوّلت بنظرها عنه، و في تردد وقفت.
لا زالت ابتسامته المشجعة ماثلة في خيالها. شعرت بأنها ابتسامة حقيقية غير متكلفة كأنه كان يعرف أنها خائفة. اشار لها بالجلوس على الكرسي.. ثم اشار لها بأن تضع رأسها و وجهها داخل جهاز الفحص، ففعلت. مرات دقائق لم تتوقف الأنفاس و لا القلب عن الخفقان بشدة.. ثم أمرها بأن تنهض و تجلس على الكرسي. ثم تلك القطرات الباردة من قطرة التي جعلتها تجفل. ثم الإشارة لها بالانتظار قليلا ثم ليعاود الفحص.
بعد أن أجرى الفحص الثاني ازاح النظارة من وجهه..ثم قال: - بسيطة.... مياه بيضاء... - مياه بيضاء؟ فقال بلهجة حاول أن تبدو مخفِّفة: - مياه بيضاء...لكن لسه في طور التكوين. - لا حول و لا قوة الا بالله - استخدمي هذه القطرة.. و من الافضل استخدام نظارة شمسية.ثم عودي إلينا بعد شهرين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: كل شيء إلا هذا.... (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أحيانا و قبل أن تبدأ الكتابة في قصة او موضوع ما تعتقد أنك تملك كل مفاتيح الموضوع...و لكن بمجرد أن تبدأ تحس بالعجز...
فهل هذا شيء يمر على الجميع ؟
أم أن السبب قد يكون نعكاس للحالة العامة من اللايقين أو من (القرف) آسف للكلمة..أو الغثيان أو السأم من شيء ما .شيء غير محدد ..
و بعيدا عما ذكرت.. برضه تذكرت الصبح قرأت مداخلة من أحد الأعضاء في بوست ما( ليس بوست بريمة) احستني فعلا بالغثيان و القرف و جعلني اتساءل ليه البعض يحاول يمرمط كرامة الآخر لماذا
الاستئساد على الآخرين و محالة إثبات الذات من خلال الاغتيال المعنوي للآخر؟
منتهى عدم الإنسانية.. لا حول و لا قوة إلا بالله ..
آسف هذه الجزئية الأخييرة جاءت عفوا دون تدبير بل حتى الموضوع بأكمله. لاني فقطت أن أفكر بصوت عالي..
| |
|
|
|
|
|
|
|