علاء الدين الدفينة يروي تجربة اعتقاله ... (ذهبان).. جدلية العرش والشيطان.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 10:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-10-2017, 07:31 AM

Hassan Farah
<aHassan Farah
تاريخ التسجيل: 08-29-2016
مجموع المشاركات: 9141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
علاء الدين الدفينة يروي تجربة اعتقاله ... (ذهبان).. جدلية العرش والشيطان.

    06:31 AM November, 10 2017

    سودانيز اون لاين
    Hassan Farah-جمهورية استونيا
    مكتبتى
    رابط مختصر

    11-02-2017 01:18 PM
    (1)
    مقدمة :
    (ذهبان هو اسم اسوا المعتقلات السياسية والعقائدية الموجودة في الشرق الاوسط.... ويقع خارج مدينة جدة السعودية على شاطئ البحر الاحمر ويتواجد بداخله الالاف من المعتقلين السياسيين من كل دول العالم...وهو اقرب للقلعة العسكرية من كونه معتقلا سياسيا...كما يتواجد به معتقلين من الجنسين واطفال بصحبة امهاتهم في النصف الذي يخص النساء... وكسائر المعتقلات والسجون السياسية التي دخلتها وتنقلت فيها داخل السعودية فانك تعرف مدى البشاعة ومستوى الظلم من اصوات الرجال الذين يصرخون ليلا ونهارا بعد ان تنهار اعصابهم نتيجة الضرب والتعذيب النفسي والبدني...
    في هذا السجن الكئيب فان الشمس الوحيدة التي تراها هي شمس يقينك بالله...في هذا السجن تعشش بداخلك شمس يقينك بقضاياك... هنا تخامر شمس الحرية وتعاقر شمس الانسانية...
    سياتي سرد تفصيلي لما يجب ان يعرفه العالم مما يدور خلف اسوار هذه القلاع الشيطانية...)
    .........
    عرش ابليس :
    في تمام الثامنة والنصف صباح الاثنين 26 ديسمبر 2016 توقفت بجانبي عدة سيارات فارهة من صنع امريكي وترجل منها العديد من جنود القوات الخاصة السعودية وقوات الطوارئ والامن والاستخبارات وبعض عساكر الشرطة الذين وصلوا على متن دوريات الامن.. تم تطويق المنطقة التي اوقفت فيها سيارتي واحاط بي بعض الجنود الملثمين والمدججين بالسلاح وسلاحهم مصوب نحوي...لم يكن يظهر منهم غير عيونهم..رجال تتدفق القسوة والشراسة من عيونهم..ذوي اجساد فارهة في الطول وابدان ممتلئة مفتولة العضلات.. يضعون اصابعهم على الزناد وينظرون نحوي بحذر مصحوب بتاهب تام.. وتحت حماية بنادقهم تقدم نحوي احد الضباط وبيده قيود حديدية امريكية الصنع..وبسرعة شديدة وضع يده على الباب حتى لا افتحه بينما امرني بوضع اليدين في مقود السيارة.. امتثلت لامره بهدوء.. قام بتقييد يدي وفتح باب السيارة وامرني بالخروج منها بهدوء.. وكمن كان يساعدني على الترجل من سيارتي وضع يده اليمنى على رقبتي بينما كان يمسك يدي المقيدتين بيده اليسرى.. وما ان وطات قدمي الارض حتى التف حولي الجنود المدججين بالسلاح في نفس الوقت الذي اقتربت فيه مني سيارة امريكية ذات حجم كبير يقودها جندي ملثم وعلى المقعد المجاور له جندي اخر يجلس ووجهه نحو المقاعد الخلفيه وسلاحه مصوب نحوي..صعدت السيارة وجلس جنديين عن يميني ويساري...
    سبق ذلك مكالمة هاتفية من رقم مجهول افادني فيها المتصل انه موظف بمكتب بريد (الزاجل) وان لي طردا بريديا من شركتي... ذلك بعد ان استوثق من اسمي...
    لفت نظري من المكالمة انه حدد جهة البريد الوارد وهي مدينة نجران السعودية التي تقع في الحدود الجنوبية مع اليمن حيث رئاسة شركتي...ونجران تعتبر جبهة مواجهة عسكرية شرسة مع الحوثيين وعلي عبدالله صالح وتتلقى بشكل راتب عشرات الصواريخ والقذائف المدفعية الحوثية... وكنت قبل الاعتقال باسبوع قد انهيت زيارتي لها وهي الثانية خلال شهر لاجتماعات مجلس ادارة الشركة التي كنت اتولى فيها مهام استشارية وبحثية ومهام تتعلق بالاستثمارات والمشاريع...لذا فليس من الطبيعي ان استقبل طردا او رسالة بريدية من نجران التي كنت فيها اصلا...كما ان اي ارسالية تخص العمل لا يتم ارسالها الا بتوجيه مني... ومما لفت نظري ايضا ان المتصل افاد بان الطرد البريدي من مكتب اسمه الزاجل...وهذا الاسم بالتحديد هو الذي استخدمه في الرسائل التي اوجهها ضد جهاز الامن السوداني ورئيسه محمد عطا وكانت بعنوان (رسائل الحمام الزاجل) ومنها الرسائل التي صدرت ابان العصيان المدني... لذا فقد كان واضحا لي ان هناك شيئا يحدث خصوصا وانني كنت اتوقع الاعتقال ونبهت له اسرتي التي هيأتها لذلك وناقشني في ذلك بعض الاقارب والاصدقاء الذين طلبوا مني مغادرة السعودية والتوجه لاي دولة عدا السودان...ولكن كان قد فات الاوان.
    (2)
    مكة المكرمة.
    حينما القي على القبض كنت بمكة المكرمة في حي العمرة جوار صيدلية ابوعمار...وقتها كنت متوجها من شقتي للعمل وبحسب برنامج ذاك اليوم فقد كان مقررا ان اتوجه لمدينة جدة برفقة الصديق بكري الطيب عيسى وذلك بعد ان اذهب للمكتب... اتصل بي بكري قبل ان يتصل بي الامن السعودي وطلبت منه ان ياتيني في الشقة ليذهب معي لمكتبي ومنه نتوجه لجدة...وبينما ذهبت لمقابلة ضابط الامن السعودي والذي ادعى انه يمثل مكتب بريد الزاجل كان بكري قد وصل للشقة وظل بسيارته منتظرا حضوري...وقتها كنت انا فعليا في قبضة الاستخبارات السعودية المدعومة باجهزة اخرى.
    صعدت لسيارة الامن وجلست في المقعد الخلفي متوسطا فردين من الجنود الملثمين... وجلس في المقاعد الامامية اثنين اخرين احدهما هو السائق... وتقدم احد الجنود الفنيين من سيارتي وبدا بتفتيشها تفتيشا دقيقا...بينما انهمك الضابط في تفتيش محتويات جيوبي التي صادروها بما فيها جوالي وبطاقات هويتي وبطاقة الصراف الالي والتامين الصحي وبطاقات واوراق اخرى من ضمنها كرت عمل لمرافق خاص من مرافقي احدى الاميرات من ال سعود...وجدوا في السيارة بطانية جديدة ملفوفة بعناية كنت قد اشتريتها ضمن اغراض اخرى لاسرتي التي غادرت للسودان قبل اعتقالي بتسعة ايام فقط... وكنت قد نسيتها في جيب السيارة الخلفي... تعاملوا معها على انها جسم يشكل خطورة وظنوها متفجرات...واصيبوا بالاحباط حينما اكتشفوا انها بطانية... لم يعثروا على شي في السيارة سوى اوراق تخص العمل وبعض مخططات المشاريع... وبطاقات عمل وعنوانين داخل مكة اصابتهم بالازعاج واستغرقت لاحقا وقتا طويلا في الاستجواب والتحريات.
    بقينا وقتا طويلا في مكاننا هذا وكانت السيارات المارة تبطئ من سرعتها وهي تستكشف انتشار جنود القوات الخاصة وقوات الطواري في المنطقة... تظن لوهلة ان المكان استحال لمنطقة عسكرية تعج بالجنود الملثمين والمدججين باسلحتهم... حينها كنت مكبل اليدين... كانوا بانتظار احد ما... سالتهم عن هويتهم واجابني احد الضباط (راح تعرف)... كنت على يقين ببراءتي من اي جرم...لم تسجل ضدي ولا مخالفة مرورية... وعملي كان ذو ارتباط بوزارة الداخلية السعودية وكنت حذرا تمام الحذر فيما يخص القوانين السعودية... كما كنت على يقين تام ان نظام البشير يقف وراء هذه العملية الدنيئة اذ كان في الاذهان الموقف المماثل الذي تعرض له المناضل البطل الاستاذ وليد الحسين مؤسس موقع الراكوبة الحر والمحترم... مرة اخرى سالت الضابط الذي على يميني هل لنظام البشير علاقة بهذه العملية؟ فاجابني (انت معارض للبشير؟)... اجبته بالايجاب ثم ابتسمت واردفت بعبارة اعتز وافتخر بها ما حييت (تاخرتم كثيرا...فعلنا ما يجب فعله)..وكنت اعني العصيان المدني الذي زلزل عرش البشير وارعب الطغيان وهز اركانهم هزا... طلب مني الضابط الا اسال...وسالني ان كنت بحاجة لماء اشربه...ثم ناولني قنينة مياه صحية... شربت منها قليلا وامسكت بالقنينة في يدي.
    بعد قرابة ساعة ونصف تحركوا للشقة بهدف تفتيشها...كان المصورون يوثقون في كل شي تصويرا فتوغرافيا وفيديو... خارج العمارة التي كنت اقطنها توقفت سيارة صديقي بكري...وحينما وصلوا قريبا منه توجسوا منها ونزل نحوه بعض الجنود وطلبوا منه مغادرة المكان...والذين توجهوا نحوه كانوا من جنود القوات الخاصة السعودية... وهؤلاء من اشرس جنود المملكة وافضلها تدريبا... وبالفعل تحرك بكري بعيدا عن الموقع...دخلوا الشقة وقاموا بتفتيشها تفتيشا دقيقا شمل كل ركن منها...كانوا يبحثون عن شي ما...تركيزهم انصب على اجهزة الاتصال التي ظلوا يسالوني عنها باستمرار... ولم يجدوا اي شي...سالوني كيف اتواصل مع العالم... اجبتهم (بالموبايل)... لم يصدقوا..واعادوا التفتيش الذي وصل مرحلة نزع فرش الارض والبحث تحته...صادروا مني جوالين وبعض المستندات الخاصة وذواكر رقمية...ولم يتركوا شيئا دون توثيق مصور... حينها كنت اجلس في الارض حسب توجيههم بينما اسلحة اثنان منهم مصوبة نحوي... غادروا الشقة بعدها وطلبوا مني ان اتصل بمن يستلم مفاتيح السيارة والشقة...اجبتهم بان الرجل الذي طردوه هو من ااتمنه على ذلك...سالوا عن رقمه في الجوال وطلبوا مني ان اطلب منه الحضور فقط دون اي توضيح اخر...ثم اتصلوا به...وطلبت منه ان يحضر... وبالفعل حضر وهو في غاية الانزعاج وسلموه المفاتيح وطلبوا منه الانصراف... ولو لم يكن بكري بالجوار لما عرف العالم اين ذهبت...اذ عرف الجميع باعتقالي بواسطته.
    ........
    مرة اخرى طال انتظاري بسيارتهم وهم ينتظرون حضور شخص ما... وبعد فترة وصلت سيارة تتبع للامن العام السعودي... ترجل منها ضابط صف يرتدي زي الامن العام المميز لي...قام بالتوقيع على بعض الاوراق وسلمهم بعضها ثم غادر وهو يحمل البعض الاخر...بعدها تحركنا في رحلة طويلة تتقدمنا فيها بعض سياراتهم ومن خلفنا اخرى...كانوا ينطلقون بسرعة جنونية... حينها كمموا عيوني بكمامة سوداء يطلقون عليها اسم (غمة)... بعد زمن بدات السيارة تهدي من سرعتها حتى توقفت... ونزلوا منها ثم عادوا واوثقوا رجلي بقيود حديدية وانزلوني من السيارة ثم اقتادوني لاحدى الزنازين...جلست على الارض وكنت مكبل اليدين والرجلين...سحبوا مني حزام بنطال الجينز الذي كنت ارتديه...ثم فتحوا الزنزانة وسالوني عن بعض المعلومات الاولوية التي تخص بطاقتي الشخصية ...ومن ثم اخذوا عينة من دمي...ومرة اخرى طلبوا مني ان اخرج...خرجت برفقة بعضهم وتوجهت للخارج وانا اجرجر القيود الحديدية ووصلت لسيارة تبينت بصعوبة انها سيارة اسعاف...ساعدوني على صعودها ثم اغلقوني داخلها...وتركوني فيها فترة طويلة وكانت دون تكييف في وقت اشتدت فيه الحرارة وارتفعت درجاتها... ثم انطلقنا بعد فترة في رحلة استغرقت وقتا طويلا قبل ان يتوقفوا توقفا تاما ويفتحوا لي الباب... انزلوني منها واقتادوني لاحدى الزنازين... حينها كان الليل قد دخل...طلبت منهم ان يسمحوا لي بالصلاة...وبينما كنت في طريقي للحمام طلب مني مرافقي ان اذكر الله واتذكر ما تعرض له الامام احمد من سجن وظلم...قلت له تتذكرون مظلمة الامام احمد وتنسون ظلم من ظلمه؟؟؟...صمت الرجل ولم ينطق بعدها بكلمة...توضات في قيدي...وبه صليت... ثم اخذوني من الزنزانة لمكتب وجدت بداخله احد الضباط وامامه بعض الاوراق ودفتر للتحري...نزعوا الغمة عن عيوني وطلبوا مني الجلوس في احد المقاعد المقابلة للضابط... رحب بي بتهذيب تام وسالني (انت وين؟)..قلت له لا اعرف... سالني مرة اخرى (ليش قبضنا عليك؟) واجببته (لا اعرف)... قال لي انت في قبضة الامن السعودي وقد صدر قرار بالقبض عليك وايداعك السجن لفترة غير محددة...ولم يحدد التهمة.
    من هنا ابتدات رحلة السجن الطويل و التحريات السقيمة...
    (3)
    الدعارة السياسية.
    حينما ادخلوني لاول غرفة تحقيق كنت موقنا بانني برئ من اي تهمة تخص الدولة السعودية... وكنت على يقين تام بان نظام البشير سلمني للامن السعودي... وقبل الاعتقال تلقيت عدة تحذيرات من الاسرة والاصدقاء والاهل برفاعة وكلها تحمل تنبيها عاليا بضرورة مغادرة السعودية ومن ضمن هؤلاء السادة محمد فول وعثمان الجمل واشرف فاروق والزين الامين وعادل الفادني وغيرهم.
    غرفة التحقيق تقع في الطابق الارضي...مطلية بلون ابيض وتطل من سقفها كاميرات مراقبة واجهزة تسجيلات صوتيه... تحتوي على طاولة ومقعدين مثبتين على الارض و ستة مقاعد جانبية جميعها من الاستيل... لها بوابة واحدة وثلاث نوافذ مغلقة باحكام ومظللة تظليلا كاملا بحيث لا تستطيع ان ترى شبرا خارجها... ومن بعض الاثار الموجودة على الجدران علمت بان هذه الغرف ستشهد يوما ما امام الله على من تلظى بداخلها من رجال.
    رمقني المحقق بنظرة تساؤلية فاحصة وهو يسالني سؤالا مباشرا (ايش مشكلتك مع عمر البشير؟)... واجبته بسؤال (هل البشير هو سبب وجودي هنا؟)... فاجابني بوضوح (طالبت حكومتك بالقبض عليك وتسليمك وتلقينا عبر سفارتك طلبا رسميا بذلك).. ثم طلب مني ان اتحدث.
    اطمان قلبي طمانينة لم احس بمثلها في حياتي... وذلك لعدة اسباب... اولها ان سبب اعتقالي لا يمت بصلة للوضع داخل السعودية...وان القضية الاساسية في ذلك ترتبط بقناعات اعيش بها ولها وهي حرية هذا الشعب العظيم وتحرير وطننا من عصابات الارهاب البشيري.
    اصبحت التهمة واضحة لي...وهي شرف اتمرغ تحت قدميه... كان المحقق ينظر في عيني نظرة فاحصة وهو ينتظر افاداتي... كنت انظر نحوه مبتسما ومتسائلا عما يريد ان يعرفه...وقررت ان اكون مباشرا في اجاباتي وان تكون افاداتي واضحة ومبسطة...كما قررت ان ادير التحقيق وامسك بزمام المبادرة...ان اسوا ما يمكن ان يقع فيه اي سياسي هو ان يسيطر المحقق على مجريات التتحقيق...القاعدة الاساسية في اي تحقيقات تعرضت لها في حياتي هي ان اسيطر على التحقيق واديره واوجهه حيث اريد لا حيث يريد المحقق ... ثم ا هؤلاء القوم لا يعرفون معنى الشعوبية ولا ينتمون للوطنية والحرية باي صلة...تربيتهم نشات على الانصياع لال سعود والسجود لقصورهم...تربيتهم اساسها الاستسلام لعبودية القصور والحكام...
    قلت له اسالني واجيبك... قال لي حدثني عن الاحداث الاخيرة في السودان... فسالته عما يقصده من احداث...قال لي (الاعتصام اللي صار عندكم)... قلت له لم يحدث اي اعتصام في السودان...قال لي (ايش في عندكم...قولي اللي صار).. قلت له حدث (عصيان مدني)... قال لي (ايش يعني عصيان مدني)... قلت (حركة مقاومة مدنية... جماهيرية...سلمية...شاملة... صامتة...قرر بموجبها الشعب ان يواجه نظام البشير عبر البقاء داخل المنازل لفترات زمنية محددة ومعلنة ومتفق عليها ويشمل ذلك عدم الذهاب للعمل او الدراسة او ممارسة اي نشاط حيوي مما يعني تعطيل كل اوجه الحياة وارسال رسالة لنظام البشير مفادها ان للشعب وسائله السلمية الرادعة والمجربة والكفيلة باسقاط النظام)... ثم اردفت ...العيان المدني قرار شععب كامل وليس افراد...وهو مسبب واقتضته عدة ظروف اقتصادية ومعيشية...
    نظر نحوي طويلا ثم قال لي (بس الخروج على الحاكم حرام)... هنا علمت انه يستدرجني نحو ملعبه هو...ملعب الدين... وهذه كارثة حقيقية... عبارته تحمل ابعادا خطيرة جدا ذات صلة بالفكر التكفيري وهذا ميدان الصراع الطويل داخل المنطقة وهو (علاقة الدين بالدولة)... قلت له (الدعوة للعصيان المدني لا تحمل فكرة خروج...بل دخول) قال لي (كيف يعني)... قلت (العصيان يعني ان يلتزم الناس بيوتهم لا ان يخرجوا منها...فكيف يكونوا قد خرجوا؟)... سالني...انت دعيت للعصيان ضد البشير؟ اجبته : (انا ايدت دعوة جمعية تبناها شعب كامل مفادها التزام المنازل لثلاثة ايام وعدم ممارسة اي عمل او نشاط خلال هذه الفترة في رسالة للبشير بان الشعب يستطيع ان يقول لا باكثر من وسيلة وطريقة واسلوب)... سالني مرة اخرى عن الاسباب وتلوت عليه كتابا كاملا عن معاناة شعبنا في ظل نظام البشير ابتداء من الخدمات مرورا بالضائقة المعيشية وانتهاء بالحقوق القانونية والسياسية والدستورية.
    نظر نحوي طويلا وهو يمسك بملف التحقيق ويقلب في بعض الاوراق... ثم سالني (انت معارض للبشير؟) اجبته (نعم)... سالني بعدها عما وجدوه معي اثناء القبض علي وعلى بعض ما عثروا عليه عند تفتيش السيارة والشقة...ما من شي ذو اهمية الا جوالي وما يحتويه...ثم قال لي : سوف يتم سجنك بتهمة (الدعوة للعصيان المدني ضد البشير)... وكتب ذلك في الغلاف الخارجي لدفتر التحقيقات... وقد شملت الاسئلة جوانبا اخرى حول الاسم والعنوان والعمر والمهنة والهوية والحالة الاجتماعية والعنوان بالمملكة والسودان وغيرها من معلومات ذات صلة.
    خرج من غرفة التحقيق بعد حوالي ساعتين وجلست فترة طويلة قبل ان يدخل احد الجنود ويضع الغمة السوداء على عيوني ويقتادني مرة اخرى لمسافة طويلة عبر ممرات متعرجة وانا اجرجر في القيود الحديدية التي تكبل خطواتي بينما اليدين مصفدين بقيود قاسية تضغط على المعصمين.
    ادخلوني لصالة فسيحة تنتشر فيها عدة مقاعد حديدية معدة للانتظار كما ينتشر بداخلها عشرات الحراس... جلست في انتظار مرافقي الذي مضى لتخليص بعض الاجراءات... حضر بعد فترة واقتادني لاستديو داخل السجن تم تصويري فيه من كل الزوايا ثم اخذوا بصماتي... كانت تلك مرحلة التفييش... جاءني احد الجنود بملابس جديدة عبارة عن ثوب وملابس داخلية وطلب مني ان ارتديها... ثم قال لي ان هذه هي الملابس الموحدة للسجن وانهم لن يردوا لي ملابسي عند خروجي منه... واعطوني رقما بدل اسمي وكان الرقم هو (8/946).. ومنذ تلك اللحظة اصبحت انا الرقم (8/946) واختفى اسم علاء الدين الدفينة... ثم اقتادوني لصالون حلاقة داخل السجن وحلقوا لي راسي...بعدها ذهبوا بي لمستشفى داخل السجن وسحبوا من وريدي دما للمرة الثانية خلال هذا اليوم... وخضعت لكشف طبي عام... ومرة اخرى اقتادوني في رحلة طويلة عبر ممرات متداخلة ومتعرجة قبل ان يفتحوا احدى الزنازين ويضعوني داخلها...وقتها كنت على اعتاب فجر اليوم الثاني.
    اصبحت هذه الزنزانة بيتي الجديد...تحمل الرقم 12 في الجناح رقم 3'... جناح التحقيقات...وما ادراك ما جناح التحقيقات... في معتقل وسجن ذهبان... وما ادراك ما معتقل وسجن ذهبان.
    علاء الدين الدفينة.
    https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-290510.htmhttps://www.alrakoba.net/news-action-show-id-290510.htm




















                  

11-10-2017, 07:36 AM

Hassan Farah
<aHassan Farah
تاريخ التسجيل: 08-29-2016
مجموع المشاركات: 9141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاء الدين الدفينة يروي تجربة اعتقاله ... (� (Re: Hassan Farah)

    11-04-2017 02:17 PM
    (4)...
    التحقيق.
    قبل ان يغادر المحقق غرفة التحقيقات اخبرني بانني اصبحت موقوفا لدى الامن السعودي قيد التحقيق بتهمة الدعوة للعصيان المدني ضد حكومة عمر البشير ... في البدء كنت اعتقد ان الامر لن يتجاوز اياما او بضع اسابيع...لم اتوقع ان يطول الامر لثمانية شهور ونصف من العذاب المرير...وبما انها لم تكن التجربة الاولى لي في الاعتقالات فقد كنت متماسكا بعض الشي... ولكن ذلك لا يعني ان الهموم كانت بمناى عني... فالسمعة السيئة والقبيحة عن الامن السعودي ومعتقلاته كانت تعشعش في ذهني...وكانت تراودني اهوال سبعة اعتقالات مررت بها من قبل لدى الامن البشيري مع ثمانية عشر استدعاء في ظروف متفرغة خلال حكم البشير الظلامي البغيض... كل ذلك مر بخاطري في شريط ماساوي مرير.
    ادخلوني الزنزانة رقم 12 في جناح التحقيات الانفرادي رقم 3 ... كان ذلك في فجر اليوم الثاني من الاعتقال... نادى حارسي باعلى صوته (يا عسكري...يا رقيب... افتح)... وجاوبه صوت خشن (ادخله رقم 12)... لم اكن ارى شيئا...وكنت في قمة التعب والارهاق والجوع والعطش... اوقفوني مقابل بوابة الزنزانة...سمعت تكة خفيفة ثم صوت مفتاح يدار في القفل...وقبل دخولي للزنزانة نزعوا عني عصابة العينين كما فكوا القيود عن يدي ورجلي...وامروني بالدخول...تركت القيود القاسية اثارا مؤقتة على جسدي...واحسست براحة عظيمة عند نزعها.
    الزنزانة متسعة...وهي عبارة عن جدران وسقف وارضية كلها من الخرسانة المسلحة...ذات بوابة كهربائية سميكة مغلقة اغلاقا تاما...تتوسطها نافذة صغيرة جدا ذات مزلاج يتم فتحها للطعام والشراب والادوية... وعلى الجدار سماعة للتخاطب مع غرفة التحكم المركزية لكل الجناح...ومن السقف تنبعث اضاءة قوية جدا مسلطة على النزيل كل الوقت كما تطل كاميرا للمراقبة تنبئك كل لحظة انك لست وحيدا...وفي مؤخرة المكان حمام جيد الاعداد يضم مغسلة من الاستيل.
    وضعوني بداخلها وانصرفوا...هممت بالنوم في درجة تكييف عالية... اسمع من حين لاخر بعض الاصوات...بعضها لمساجين يناجون الله باعلى صوتهم... كانت عبارات ياااا رب وياااا الله تزلزل المكان وتهز الصمت هزا وتبعث الطمانينة في النفوس وترعب الحراس... وتخبرك عن اسود كاسرة تضمها هذه الزنازين... و اصوات اخرى للعساكر الذين يتبادلون الحديث في امور متفرغة تنبعث من اماكن متفرقة من حين لاخر.
    بعد فترة سمعت وقع خطوات قرب الباب... وصوت ينادي بفتحه... كنت استند على الجدار حينما دخل احد الجنود الملثمين وبصحبته عامل اسيوي بائس يحمل مرتبة ضخمة واغراضا تشمل ثيابا اخرى وفرشاة اسنان ومعجون وصابون سائل وشامبو وسجادة صلاة... وضع الجندي امامي ورقة بالمحتويات وطلب مني ان ابصم باستلامها...وفعلت ذلك... طلبت منه ان ياتيني بما اشربه ومصحف ... واجابني (اطلب من الخدمات)..ثم انصرف...ولم اشرب الا بعد ساعات... ولم استلم المصحف الا بعد مرور اسبوعين وبعد طلبات متكررة...كانت اجابتهم الثابتة (اطلبه من مكتبة السجن).
    رحت في سبات عميق ايقظتني منه اصوات عالية وحركة دؤوبة هي اصوات وحركة المناوبة الصباحية.
    فتحوا نافذة الباب الصغيرة وناولوني الافطار والشاي ثم اغلقوها في مكانها... لم اتناول منها سوى الشاي... وطلبت منهم ماء اشربه جاءوني به بعد فترة... فتحوا النافذة مرة اخرى وطلبوا منى اخراج الزبالة...وبما انها الليلة الاولى لي فلم يكن ثمة شي القيه في الخارج...لذا بقيت في مكاني قبل ان يعاودوا اغلاق النافذة...وبعد حوالي نصف ساعة فتحوا الباب وامروني بالخروج.
    اقتادني احد الجنود خارج الزنزانة في ممر طويل... في هذه المرة لم يعصب عيوني...تبينت صالة طويلة وارقاما على زنازين متقابلة في ممر طويل...خرجت من البوابة الرئيسية للجناح وهي بوابة صلبة ذات تحكم الي وتواجهها غرفة التحكم المركزية للجناح وبداخلها ثلاث جنود مكشوفي الاوجه لم يتجاوز اكبرهم الثلاثين من العمر بحسب وجوههم... قبالة غرفتهم غرفة صغيرة جدا ادخلوني لها وبداخلها سماعة تلفون وطلبوا اجراء محادثتين الاولى مع فرد من الاسرة على ان يكون من الدرجة الاولى والثانية مع السفارة اخبرهم فيها بانني مسجون في سجن ذهبان التابع للامن السعودي بشرط الا احدد التهمة والا اتحدث مطلقا عن قضيتي او اي شي ورد في التحقيق والا اذكر اي اسم لاي شخص... وان يكون نص المحادثة (انا علاء الدين الدفينة تم سجني بواسطة الامن السعودي بسجن ذهبان في جدة)... ولا ازيد.
    وافقت على الاتصال باسرتي ورفضت الاتصال بالسفارة... سالني بتعجب واستغراب (ايش تقول؟)... اجبته مرة اخرى (اوافق على الاتصال باسرتي وارفض الاتصال بالسفارة السودانية)...سالني مرة اخرى (ليش ترفض تتتصل بسفارتك؟)... اجبته (هذه السفارة لا تمثلني بل تمثل نظام البشير)... وضع العسكري السماعة من يده واخرج ورقة من درجه وطلب مني ان اكتب بانني رفضت الاتصال...اجبته بانني لا ارفض الاتصال...بل ارفض اتصال السفارة... اجرى مكالمة مع طرف اخر يبدو انه رئيسه واخبره بموقفي... ثم وضع امامي ورقة وطلب مني ان اكتب انني ارفض الاتصال بالسفارة وابصم عليها... وفعلت...لم يسمحوا لي بمكالمة الاسرة واعادوني للزنزانة...في الطريق همس لي العسكري (انصحك لو سالوك عن السبب ان تقول لا يوجد سبب)... ادخلي للزنزانة وانصرف تاركا لي اطنانا من الافكار... جلست متوسطا المرتبة وانا افكر فيما اقدمت عليه...وعزمت على التزام موقفي...بعد قليل فتحوا الباب ودخل بضع جنود وبرفقتهم احد الضباط وكان مكشوف الوجه...كان احدهم يحمل كاميرا فيديو ويوثق في المقابلة...سالني الضابط عن رقمي في السجن ورقم هويتي وجنسيتي واجبته... سالني هل ترفض مكالمة سفارتك؟ اجبته...نعم... سالني عن السبب واجبته بسؤال اخر (ليه اتصل بالسفارة؟) قال لي لانها سفارتك... قلت له هي لا تمثلني...هذه السفارة وطاقمها وسفيرها تمثل نظام البشير ومن يؤيده كما ان اخبارهم بانني تم القبض علي وايداعي السجن بواسطة الامن السعودي ليس الا تحصيل حاصل... سالني (كيف يعني تحصيل حاصل)...اجبته بانني وبحسب ما تم شرحه لي رسميا تم اعتقالي وفق امر وتوجيه نظام البشير وسفارته وهذا يعني انهم على علم باعتقالي لانهم هم الذين طلبوا منكم ذلك واخباري لهم بانني قيد الاعتقال يعني ان الامر تحصيل حاصل ولا يخرج عن كونه (بشارة) لهم بان تم لهم مرادهم...سالني الضابط (عندك اضافة؟) قلت له لا...حينها انصرف هو وجنوده...ولم يسمحوا لي ان اتصل بالاسرة الا بعد مرور 28 يوما...

    علاء الدين الدفينة.
                  

11-10-2017, 07:46 AM

Hassan Farah
<aHassan Farah
تاريخ التسجيل: 08-29-2016
مجموع المشاركات: 9141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاء الدين الدفينة يروي تجربة اعتقاله ... (� (Re: Hassan Farah)


    11-10-2017 04:59 AM
    التعذيب النفسي

    وجدت نفسي في زنزانة انفرادية قاسية... انيسي فيها خير انيس وهو مصحف وصلني بعد فترة طويلة من طلبي له... ختمت سوره مرات عدة... بالزنزانة قرية نمل اتتبع نملها واطعمه... الطعام ممتاز وتحت اشراف اخصائي تغذية... ولكني لا آكل منه الا ما يحفظ حياتي... ثلاث وجبات فاخرة ومتنوعة وتشمل حتى التحلية... خضعت للتحقيق حوالي عشرة مرات... والبحث الاجتماعي مرة والجلسات العلاجية ثلاث مرات... وزارتني لجنة حقوق الانسان السعودية مرة واحدة.
    ممنوعة عني الصحف ووسائل الترفيه الاخرى بما فيها التلفاز... ممنوع ان اتحدث لأي احد او استمع لاي حديث ما عدا الضباط المحققين... ممنوع ان اقتني قلامة اظافر باستثناء واحدة جماعية تتبع للسجن اتحراها ما بين اسبوعين او ثلاثة اسابيع وكنت استخدمها مجبرا خوفا من نقل عدوى بعض الامراض كالتهاب الكبد الوبائي والايدز وامراض اخرى مشابهة... ممنوع اقتناء اي انية للطعام او الشراب واكتفي بالاكل في الاكياس والشرب في كوب ورقي استعمله في بعض الاحيان لمدة اربعة او خمسة ايام حتى يتغير لونه ويهترئ ورقه... ولا يسمحوا لي ان اسال عن مصيري او قضيتي او مسار التحقيق... ان السؤال عن ذلك مخالفة تستوجب العقوبة... التحدث مع السجناء في الزنازين الاخرى عقوبة... رفع الصوت عقوبة... والعقوبة لا تطال الصامتين... وهل من عقوبة اكبر من الصمت؟.

    كنت ارى الشمس لفترة لا تتجاوز العشرة دقائق مرة كل اسبوعين او حينما يتم اخذي مغمض العينين للمستشفى او التحقيق... والمستشفى يقع داخل السجن ويشمل كل التخصصات... متاح لك...ولكنني اعاني احيانا من الالم لدرجة ان اصاب بهبوط في الدورة الدموية اقتضى يوما ان يتم نقلي بواسطة الطوارئ عبر مقعد للمقعدين... ممنوع ان اسال الطبيب عن مرضي او اناقشه... ممنوع حتى السؤال عن الدواء واستطبابه... كانوا يسحبون عينة من دمي كل فترة ولم يخبروني يوما عن السبب... يبدو لك انه اهتمام بصحتك... ولكني اعلم ان مثلنا من المساجين يمكن ان يتم استخدام خلاياهم بغرض الدراسات والبحوث في مسائل ترتبط بالبحوث العلمية في دولة تعرف معنى مزارع الخلايا وبحوث الخلايا الجزعية... كنت كغيري من المعتقلين الذين بلغوا في هذه الفترة 5037 معتقلا ومعتقلة اخضع مجبرا لتناول عقاقير منومة ومهدئة تجعلني انام نصف اليوم... وقد كنت في امس الحوجة لها وانا اعاني اطنانا من الهموم والافكار والتكهنات حول مصيري وبذاكرتي دوما انني مسجون في دولة قانونها يستند على مزاج الشيخ (القاضي) الذي سيقرر مصيري.
    بعد عدة جلسات من التحقيق القاسي والمضني طلب مني المحقق ان ابصم على تهمتي وهي (انا علاء الدين دفع الله الامين الحاج سوداني الجنسية احمل الهوية رقم 2347233724 اقر بانني خلال فترة وجودي بالسعودية قد دعوت للعصيان المدني مرتين ضد حكومة عمر البشير في السودان وقد كان ذلك في نوفمبر وديسمبر 2016م وقد تم ذلك بصورة فردية عبر صفحتي الخاصة بالفيس بوك ودون علم السلطات في المملكة العربية السعودية)... تلك كانت تهمتي التي اعتز واتشرف بها ما حييت... وخلال التحقيق وجدت نفسي انطق بالمصطلح ثم اشرح معناه لضباط لا يعرفون ما الفرق ما بين العصيان المدني والاضراب السياسي والاعتصام الجماهيري... ويخلطون ما القضايا المناطقية والدوائر الجغرافية... وتتداخل عندهم الفوارق بالفروقات ولا يدركون ان الفيدرالية ليست من جنس العلمانية وان الحرية اساس للديمقراطية... كنت تحت رحمة قوم يخلطون بين الغباء والقبا... ويجزمون ان الاغبياء من فصيلة الاقبية... وان ذلك شرك بالله.
    .......
    خلال ثمانية اشهر ونصف عشت اقسى انواع الحبس الانفرادي ثلاث مرات منها 79 يوما بسجن ذهبان في جدة... ويوم كأنه عام في سجن الحائر بالرياض... وخمسة واربعين يوما في معتقلات الأمن السياسي بموقف شندي في الخرطوم بحري... اما بقية الفترة فقد تنقلت فيها بين الزنازين المزدوجة والجماعية بسجون جدة وعسير بينما قضيت يوما انفراديا بمكة.
    لم اكن اعرف الوقت ان كان ليلا او نهارا... لم اكن اعرف ان كان صبحا او عصرا... التوقيت الوحيد الذي اتحرى به الوقت هو الصلاة والوجبات... كنت اعرف الوقت من الاذان... ولكني لا اعرف توقيت الزمن... بعدفترة ضاعت مني الايام ثم ضاعت مني الشهور... ولم اتبيّن ذلك الا بعد ان تم نقلي للزنزانة المزدوجة حيث رافقت معتقلا لبنانيا لثمانية وثلاثين يوما ثم زنزانة جماعية اخرى بها خمسة معتقلين من جنسيات سورية وفلسطينية وباكستانية ولبنانية وسوداني من اصل عراقي ثم شخصي... في هذه الزنزانة الجماعية قضيت اكثر من خمسين يوما قبل ان يتم نقلي جوا بواسطة طيران الاستخبارات السعودية لسجن عسير حيث قضيت حوالي شهرين بزنزانة جماعية مع خمسة معتقلين سوريين ينتمون لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بعضهم امراء حرب من منطقة الرقة السورية وبعضهم تفجيريين تم القبض عليهم اثناء محاولتهم تفجير انفسهم بحزام ناسف وبعضهم تمويليين وانغماسيين مهمتهم الانغماس القتالي في صفوف الجيوش المناوئة لهم.
    في الحبس الانفرادي عانيت معنى الحرمان وعشت الحرمان وعرفت ما الحرمان وتوصلت الى ان من اراد ان يحارب الظلم فعليه ان يعيش الظلم... في الحبس الانفرادي عشت معنى الذل والاستعباد والقهر والتسلط... وادركت ان الفارق ما بين الفكرة والاحساس هو التجربة... ان من يتحدث عن الظلم لا يمكن ان يكون اصدق ممن عاشه... عرفت ما الفرق ما بين عز القبور وذل القصور وتذوقت الطعم الحقيقي للصمود... هنا عرفت احساس من يعيش نازحا في معسكرات النزوح... واحساس من فقد اسرته وعاش الحرمان... الحرمان من الام والابن والاخ ومن الامن... عرفت تماما ما الفرق بين ان تنام هانئا في فرش وثير او تتوسد رمل الهموم... هنا وهنا فقط ادركت بانه قد ان الاوان لندرك ان شعب دارفور في حنايانا وبين احشاءنا شعوب المنطقتين... هنا وهنا فقط قررت ان امضي في طريق لا طريق غيره يحقق لهذا الشعب تطلعه لحياة كريمة اساسها المسكن والملبس والماكل والمشرب والصحة والتعليم والامن... ويحقق له ذاته ورفاهيته... هنا عرفت ما معنى ان اكون الاخر... واحس الاخر...واعيش ما يعيشه الاخر... هنا بحثت في هدوء عن انجع السبل لتحقيق ذلك.... وقرات كل الظروف... وبحثت في كل الممكن... وتوصلت ان الطريق لذلك لن يكون الا بثورة عظيمة يقررها ويقودها ويحققها ويحرسها شعبنا الابي ثم يطورها ويتطور بها... ثورة تكشط كل السخف السياسي الذي يسحقه... وتؤسس لسودان يسع الجميع.


    (كؤوس الدم)
    بتاريخ 18 نوفمبر الحالي وعند الحادية عشر ظهرا سيرقص البشير رقصة الموت على مذبح الطفولة برفاعة...
    سيقفز قفزات المصروع على نعوش الاطفال الذين ارتفعت ارواحهم وهي تئن مرتفعة نحو الذي برأها من عدم عائدة اليه لترفع كتابها الناصع الا من شكواها على عمر.. ونظام عمر.. ومؤسسات عمر.. وظلمه ذو الارقام القياسية...
    بهذا التاريخ وفي هذا التوقيت وذا الزمن سيشهد البشير شهادته المتقدمة امام الله... والمقدمة امام الله عن ارواح عزيزة علينا فقدناها بمستشفى الاطفال برفاعة وهي تستجدي جرعة دواء وتستنطق الجبال عن ذرة اوكسجين ضنت بها الدولة البشيرية عليهم واعمارهم تتراوح بين الدقائق الاولى في الحياة والشهور الاولى من الدنيا... بصمت اتوا للحياة... وبصمت اكبر تركوها له ولنظامه وللمجرمين من حثالة الفاقد الانساني ببلادنا المنكوبة.
    في هذا اليوم سنستكتب التاريخ عن الانفس المفقودة والارواح المهدرة نتيجة العبث الرسمي لنظام البشير بحياة هذا الشعب...
    وفي هذا التاريخ سنستوقف البشير ليسال نفسه... كيف يفتتح مستشفى كان قد افتتحه قبل عقد من الزمان... ثم اعيد افتتاحه قبل نصف عقد... ثم ها هوذا يعيد افتتاحه للمرة الثالثة في ظاهرة (فتحية) (وافتتاحية) لا تحدث الا في زمن الصبينة السلطوية والعبث التسلطي والانظمة المتسلطة.
    في هذا التاريخ سنتذكر بوضوح تام الا فضل لهذا النظام في هذا الامر الا فضل تهريج مهرجه الاول وهو يتراقص ببهو هارون الرشيد... اغاني وغواني... وبئس السقوط... وبئس المعاني.
    بدعم ذاتي تاسس مستشفى الاطفال برفاعة على نفقة طيب الذكر السيد فريد احمد نصرالله وقفا لروح والده... وتم الافتتاح حوالي 2009...
    وبعد شهور من افتتاح البشير له ولانعدام التمويل تم تحويله من مستشفى تخصصي للاطفال الى (قسم) للاطفال بمستشفى رفاعة...
    وظللنا نفقد في الاطفال... انهم يدخلون... لكنهم لا يخرجون... يعانون... ويعزي بعضهم بعضا باهات وانين... دموع وبكاء ونحيب... وصرخات تجاوبها صرخات... ثم يمضون بهدوء شديد يودعهم نحيب امهاتهم واهات اباءهم...
    وتكونت لهم مقبرة باسمهم تجاور المستشفى هي (مقابر الاطفال برفاعة)...
    ........
    بعد ان تآمروا عليه واحالوه لقسم مهجور بدلا عن مستشفى تخصصي مرة ثانية يعاد افتتاح المستشفى في 17 /7 /2011 بعد كارثة وفاة مجموعة من الاطفال منهم طفلتي الشهيدة تاليا... اذ فارقت الحياة في يوم الاربعاء 1 /6 /2011 وهي تبحث عن جرعة اوكسجين...
    وبعد صراع قانوني وتصعيد اعلامي وضغط جماهيري صدر قرار خجول وصامت من وزير صحة الجزيرة انذاك دكتور الفاتح باعادة افتتاح المستشفى... ومرة اخرى تركوه للمجهول...لا معينات ولا دعم ولا ميزانية ولا اطباء ولا فنيين الا بضع افراد لا تقل معاناتهم عن معاناة من يطببونهم...بحياء... وذاك جهد المقل امام جهل الجاهلين.
    وبعد تدخل قوي ومشهود وباقي للتاريخ تدخلت رفاعة عبر شبابها ممثلين في منظمة شباب النهضة الخيرية... رفاعة عبر منظمتها الشبابية حسمت رؤيتها وقررت تولي مهامها بعيدا عن سقوط الساقطين ونهب الناهبين وانحطاط المنحطين وسرقات لصوص لم يراعوا لله محرمة ولم يرعوا للشعب مرحمة... رفاعة دفعت بلفذاتها وقدمتهم كاعز ما تملك واثمن ما تدخر حين ادركت ان الاقدار قادتها فعليا (ليوم كريهة وسداد ثغر) اذ لهذا اليوم انجبتهم وربتهم وادخرتهم...ولهذا اليوم ارضعتهم العز والشرف والشموخ والاباء...
    .........
    بجهد شعبي خالص الا من (دعم رسمي بائس) استطاعت منظمة شباب النهضة وبتكلفة قاربت ال9 مليار جنيه (قديم) ان تشيد مستشفى من 3 طوابق خصصته للاطفال وجهزته بكل المعدات الحديثه وتعكف على عدة مستشفيات اخرى ومؤسسات صحية وتعليمية اضافة لمشاريع خدمية واجتماعية متعددة سيرد ذكرها في مقالات منفصلة...وظلت المدينة تترقب الاذن بمباشرة العمل في هذا الصرح لاكثر من عام ونصف وسط تلكؤ رسمي وتعطيل متعمد شمل حتى تجفيف الكادر الطبي... ولما ان اكتمل كل شي بجهد ودعم رفاعة وشبابها عبر منظمة شباب النهضة قرر البشير ان يفتتح المستشفى للمرة الثالثة....
    .............
    نسعد ايما سعادة بمباشرة هذا المبنى للعمل وتقديم خدماته للمحتاجين...وناسف لما وصل له حال البلد من بؤس يجعل رئيسه يستجدي رقصة مفضوحة يسبح فيها داخل (كؤوس الدم) ويستعرض سقوطه متكئا على نزيف الاطفال ومتوكئا جهد شباب انفقوا لوطنهم ولم يستبقوا شيئا...
    .......
    ليرقص البشير ما شاءت المسارح...
    وليبشر برقص تزغرد له المشانق...
    فانا ورب الشهداء عازمون على مواصلة المسير...
    .............
    علاء الدين الدفينة.
    https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-291109.htmhttps://www.alrakoba.net/news-action-show-id-291109.htm
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de