عندما اعصر ذاكرتي محاولا الوصول إلى ابعد نقطة فيها، هناك حيث لا يمكنك استعادة الصور والذكريات إلا على شكل نتف ومقاطع غائمة قد تتداخل فيها الاحداث وتختلط الوقائع اجد أن جريدة الصحافة تشكل علامة مهمة وقاسما مشتركا في معظم ما يمكن استعادته. فتحت على الدنيا لاجد والدي يعمل في اعلانات جريدة الصحافة وتحديدا كرئيس لقسم الاعلانات وهو كان قد سبق له أن تولى مسؤولية القسم التجاري بنفس الصحيفة إلا أن تلك فترة لا اذكر عنها اي شئ. قسم الاعلانات كان في مقر منفصل عن "الدار" كما كان والدي و من معه يطلقون عليها. الدار كانت في شارع على عبد اللطيف ومكاتب الاعلانات كانت في شارع الطيار مراد في وسط الخرطوم. قسم الاعلانات هذا كان في الأصل مقر جريدة الرأي العام لصاحبها اسماعيل العتباني وهو المكان الذي ابتدأ فيه والدي رحمه الله مشوار عمله في عالم الصحف. يخبرني والدي أنه كان يقوم بعدة ادوار في الرأي العام، كان محاسبا وصرافا و مسؤولا عن الاعلانات وقد يشرف على الطباعة او يكون مسؤولا عن المشتروات. كان دائما يعتبر أن علاقته باسماعيل العتباني رحمها الله جميعا لم تكن علاقة مخدم و مستخدم بل هي اقرب لعلاقة الوالد وابنه او على الأقل هذا ما كان والدي يصف به علاقته بالعتباني. مكاتب اعلانات الصحافة هذه كانت في الناصية، عندما تقف امامها موليا وجهك ناحية بابها فعلى يمينك عبر الشارع مدرسة الخرطوم شرق الابتدائية والتي صارت برجا للبركة فيما بعد وامامها في الناصية الاخرى عمارة فندق اراك. خلفك عمارة انتقلت اليها اعلانات الصحافة في وقت لاحق. على شمالك ملاصقة لمكاتب اعلانات الصحافة مغسلة النيل الأزرق وخلف المبنى كله كانت دار الأيام للطباعة والنشر المنافس الوحيد لدار الصحافة للطباعة والنشر وكلتيهما كانتا من ممتلكات ما كان يعرف بالاتحاد الاشتراكي. بمجرد دخولك ستجد على يمينك مكتب الأستاذ حسن نجيلة وعلى شمالك جزء من مكاتب اعلانات الصحافة حيث أن بقية المكاتب كانت توجد في الداخل وفي الطابق العلوي من المبني. بصراحة حتى هذه اللحظة لا اعرف ماذا كانت العلاقة بين حسن نجيلة وجريدة الصحافة ولعل المرحوم والدي كان قد اخبرني ونسيت ولكن على كل حال فالاستاذ حسن نجيلة كان هناك كل يوم. أذكر أن والدي عادة كان يحضر إلى المكتب حوالي التاسعة صباحا وقد كنت بمعيته مئات المرات ولم أره يوما تخلف عن عادته في المرور على مكتب حسن نجيلة محييا إن كان موجودا. أذكر في مرة كنت في مكتب والدي وهو كان قد خرج لأمر ما وتركني هناك، جاء الاستاذ حسن نجيلة وسألني عنه فقلت له أنه خرج فطلب مني أن اطلب له رقما على التلفون فقلت له أنني لا اعرف كيفية استعمال التلفون وكنت فعلا لا اعرف وهو كان يعاني من مضاعفات مرض ما في اصابعه لعله الروماتويد فكان لا يستطيع أن "يضرب" الرقم بنفسه فطلب مني أن اذهب لأنادي شخصا آخر للقيام بالمهمة بدلا عني وانا على كل حال كنت صغيرا لم ادخل المدرسة بعد ولكني أذكر هذه الحادثة جيدا.
04-18-2018, 03:56 AM
محمد الأمين موسى
محمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة