دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم
|
مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! مقال نشر بصحيفة السوداني الأحد 29/7 عيسى إبراهيم * المعركة التي يدور رحاها بين جماعة أنصار السنة المحمدية بشقيها "الهدية" و"أبوزيد"، والتي تمحور اختلافها (ابتساراً) حول قبول المشاركة السياسية للجماعة من جهة ورفضها من الجهة الأخرى، والتي تزيد أوارها اشتعالاً الصحف الآن، أدت إلى الفصل والفصل المضاد للقيادتين، وإلى ادعاء الشرعية من قبل المجموعتين المتصارعتين، كل يدعي أنه الممثل الحقيقي للجماعة، هذه المعركة تقودنا للنظر من زاوية مغايرة لطبيعة المشكلة ولفت الانتباه لمأزق الفكر الاسلامي المعاصر تجاه قضايا التراث والمعاصرة، وعلاقة الاتفاق والاختلاف بين الشورى والديمقراطية!. إعادة انتاج الأزمة من جديد * صراع جماعة أنصار السنة بكيفيته الماثلة، يعيد إلى الأذهان أحداث الفتنة الكبرى، ومقتل سيدنا عثمان بن عفان، والأسئلة الصعبة المترتبة على تلك الأحداث، مثال: هل يمكن عزل الخليفة (أمير الجماعة هنا)، ومن يحق له ذلك، في مواجهة الآيات القرآنية الحاثة على السمع والطاعة "...أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم..." وكذلك الأحاديث النبوية "اسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم الصلاة" و"اسمعوا وأطيعوا وإن وُلِّيَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه ذبيبة" وما الموقف من مقولة سيدنا عثمان: والله لا أخلع قميصاً ألبسنيه الله!. الشورى ما هي؟! * الشورى عند جمهور المسلمين بالمعنى الاصطلاحي المعروف "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" أي أن النبي صلى الله عليه وسلم على الخيار في الأخذ بشورى أصحابه حين يشيرون أو الترك، فاذا عزم برأي مخالفاً فيه رأيهم مضى فيه متوكلاً على الله وفق منطوق الآية الكريمة "...فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"، وحينما اعترضت هذه الإشكالية طريق الجبهة الإسلامية الموحدة قبل الإنقسام خرجت من المشكل بإلزامية الشورى، وبجعل سلطة المكتب التنفيذي فوق سلطة الأمين العام (المرشد)، مما عرضهم للفصل من حركة الأخوان المسلمين العالمية بحجة "أخذهم بخطة في الشورى لا يرون لها مستنداً فيما يقرأون ويعلمون" (أمين حسن عمر ـ أصول فقه الحركة ـ سلسلة رسائل الحركة الإسلامية الطالبية). بين الشورى والديمقراطية * الشورى وصاية رشيدة وفيها تدريج وتأهيل ومساوقة من النبي المصطفى المعصوم للأمة من حالة قصورها البادي إلى مراسي كمالها المنشود، أنظر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن رأي النبي صلى الله عليه وسلم: "يأيها الناس إن الرأي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مصيباً لأن الله كان يريه، وانما هو من الظن والتكلف، السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة". " إذ كان قد روي فيما ورد أن كاتباً لسيدنا عمر بن الخطاب كتب في فتيا لعمر "هذا ما رأى الله ورأى عمر" فقال له: "بئسما قلت، هذا ما رأى عمر فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر" ثم قال" السنة ما سنه الله ورسوله لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة". أما الديمقراطية كما هو معروف فهي حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية وهي اجتهاد بشري وصلنا عبر تجارب طويلة للإنسانية وعبر الدماء والدموع وقد استقرت الآن عبر أنماط مختلفة في الشكل متحدة في المضمون، مباشرة "مثل سويسرا" وبرلمانية "مثل وست منستر البريطانية" و"المزاوجة بين المركزي والولائي مثل ما يجري في ألمانيا"، وغيرها الكثير!. أبوزيد بين الشورى والديمقراطية * طلب أبوزيد محمد حمزة، في زمان مضى، قبيل المفاصلة بين الطرفين وفصله من الجماعة، طلب من قيادة الجماعة، المتمثلة في الهدية، إعمال المؤسسية وتوفير الشفافية، والمؤسسية والشفافية وفق الرأي الشرعي المعتمد تمضي وجوداً وعدماً مع أمير الجماعة المعتمد، وهو في هذه الحالة الهدية، وكان على أبوزيد أن ينصاع للرأي الصادر من أمير الجماعة. ولحكمة تلتمس في تغير المحيط الزمكاني "ودوام الحال من المحال" رفض أبوزيد الانصياع ومضى في طريقه شاقاً عصا الطاعة ومفرقاً للجماعة بالمنظور الشرعي التقليدي، وهو بذلك انما يخالف الشريعة المبنية على قواعد الشورى، وفي نفس الوقت يتوافق مع الديمقراطية الداعية إلى تحكيم رأي الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية، وليس بعيداً عن الأذهان تلك المعركة المماثلة التي دارت في اطار الشورى بين مجموعتي القصر والمنشية والتي انتهت إلى المفاصلة بين مجموعة الترابي ومجموعة البشير وأنتجت حزبي الوطني والشعبي، ولم تُكشف للناس توصية مجموعة الترويكا "القرضاوي، الزنداني، فتحي يكن" بعد أن تم لها المحاولة في تليين مواقف الطرفين المتصارعين، وأعلنت فشلها، والتي لو كُشفت ـ في اعتقادي ـ لأجْلت موقف التراث من المنشقين باعتبار البشير زعيماً للجماعة. المشكل السياسي في إطار الشورى * بعد أن اتضح أن الشورى "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" للنبي (صلى الله عليه وسلم)، المعلم يستشير أصحابه ليدرجهم في طريق التربية مترفقاً بهم، وهو الرحمة المهداة، العافي عن الناس ليِّن الجانب، موطأ الأكناف، الذي يألف ويؤلف، والذي ما عرفه غير ربه، فبعد أن التحق هذا المثل الحي مجسد الكمالات بالرفيق الأعلى، مَنْ مِنْ الناس يمكن أن يملأ هذا المقام، يشاور الناس في الأمر، فإذا عزم برأي أخذ به وإن خالف رأيه الأغلبية متوكلاً (في ذلك) على الله؟!!. * المشكل السياسي إذن في الإطار الشوري، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، اختاره ربه في الأصلاب الطاهرة من الأصلاب الطاهرة، فهو خيار من خيار من خيار، شق صدره، واستخرجت من قلبه العلقة السوداء وطرحت، وغسل قلبه وبطنه بالماء والثلج والبرد حتى أنقيا، ثم أدبه ربه فأحسن تأدبيه، فأصبح على خلق عظيم، وأعد عبر الزمن لتحمل الأمانة، بإلقاء القول الثقيل عليه، ثم هو بعد كل هذا الإعداد مشفوع بالوحي يصححه إن أخطأ فهو النبي المصطفى المعصوم، فمَنْ مِنْ الناس في زماننا هذا يمكن أن يملأ هذا المقام اليوم!؟ فهل الشورى هكذا هي، قمة المشكل السياسي؟ أم هي مرحلة نحو الديمقراطية، والشورى قطعاً غير الديمقراطية ؟!. وبعدُ!! * قدم الأستاذ محمود محمد طه رؤية واضحة عن تطوير التشريع الاسلامي من نص فرعي في القرآن الكريم خدم غرضه أجل خدمة حتى استنفده إلى نص أصلي مدخر لحياة الناس اليوم، واعتبر الشريعة الاسلامية في مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع هي المدخل على الدين وليست الدين، حسب الآية الكريمة "وأنزلنا إليك الذكر (القرآن كله) لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم (القدر من القرآن الذي تطيقه الأمة؛ "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم") ولعلهم يتفكرون" (وهو المعلول وراء العلل والمقصود بعد انقضاء المقاصد)"، ما بين الأقواس الكبيرة من وضعنا، ولا يغيب عن ذهن القارىء الفطن الاختلاف بين مادتي "أنزلنا" و"ما نُزِّل" في الآية المذكورة آنفاً وفي العربية: كل زيادة في المبنى تتبعها زيادة في المعنى، وفض محمود بذلك التعارض البادي بين التراث والمعاصرة، ونحن الآن ندعو جماعة أنصار السنة المحمدية ومن ورائها كل الجماعات الاسلامية المعاصرة إلى إعادة قراءة الأستاذ محمود محمد طه بروية وتدبر لعل وعسى بعد أن جاء هذا المثال الحي الصارخ في مفارقة الشريعة من أكبر الجماعات السلفية المعاصرة، والله من وراء القصد!!.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم (Re: سيف الدين حسن العوض)
|
السؤال الذي يطرح نفسه : الى متى يختلف الاخوان والاشقاء في السودان وسؤال آخر يطفو الى السطح : هل الاختلاف بين ابناء الحزب الواحد او المذهب الواحد نعمة ام نغمة من قبل قد انقسم الاخوان المسلمين وتبعهم انقسام الجبهة الاسلامية ومن ثم انقسم المؤتمر الوطني ومن قبل ذلك انقسم حزب الامة والاتحادى والشيوعى والبعث العربى ... وغيرها من الاحزاب حتى الحركة الشعبية لم تسلم من هذا الانقساميا اخ دينق ... وايضا انقسمت مواقع الكترونية كانت واحدة بين دوت كوم ودوت اورج ... فهل هذا التقسم مقصود ومدبر له ام صدفة هكذا قد حدث
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم (Re: Elbagir Osman)
|
الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد تعقيب على ورشة عمل الانصار"نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."
الحلقة الثالثة
(9)[/align:396c1dbad5] بدأ السيد الصادق حديثه عن نظام الحكم ، بقوله (إن في الاسلام مبادئ سياسية واحكاماً ولكن ليس فيه شكل معين لدولة...) ولقد أكد هذا المعنى بقوله (إن حقائق الاسلام وحقائق التجربة التاريخية لا تقول بوجود دولة إسلامية معينة ملزمة للمسلمين انما توجد مبادئ سياسية اسلامية كالشورى والعدالة والحرية ..الخ)!! إن هذا التقرير العجيب يعني أحد أمرين: أما ان النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يقم أي دولة ، أو انه أقام دولة ولكنها لم تكن دولة اسلامية!! أكثر من هذا!! الى ماذا يدعو السيد الصادق ، حفيد الأمام المهدي ، ما دام الاسلام أساساً ليس فيه نظام دولة؟! وماذا يأخذ السيد الصادق المهدي على العلمانيين ، الذين ما دعوا لترك الاسلام ، الا حين ظنوا ا كما ظن هو، انه ليس فيه نظام دولة؟ وهل يؤمن السيد الصادق بان الدين الاسلامي قد نظم حياة الفرد ، ورسم له كيفية ادارتها في كافة نواحيها ثم أهمل موضوع كيفية أقامة نظام الدولة؟! على ان السيد الصادق نفسه ، لا يلتزم بتصريحه هذا دائماً ، فهو يقول (الحكم الراشد قيمة يتطلع اليها الانسان عبر العصور وهو يقوم على اربعة اركان: المشاركة – المساءلة – الشفافية – سيادة حكم القانون . هذه القيم كلها توجد في النصوص القطعية الاسلامية) فعن وجود المشاركة يقول (الشورى هي المبدأ المنصوص عليه في القرآن لتحقيق مشاركة المسلمين) وعن وجود المساءلة وسيادة حكم القانون يقول (قال ابوبكر "رض" وليت عليكم وليس بخيركم فان احسنت فأعينوني وان اخطأت فقوموني" .. هذا مناخ فيه المخاطبون احرار) وعن وجود الشفافية يقول: (والنصوص الاسلامية تؤكد مبدأ الشفافية) .. فاذا صح كل هذا، وان المبادئ التي ذكر السيد الصادق ان الحكم الراشد يقوم عليها ، موجودة في النصوص القطعية الاسلامية ، فان السؤال هو: هل طبق الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم هذه المبادئ واقاموا عليها حكوماتهم؟! بل هل طبقها النبي صلى الله عليه وسلم؟! فاذا كانت الاجابة نعم ، فلماذا صرح السيد الصادق بانه ليس في الاسلام شكل لدولة اسلامية؟ إن هذه الدولة التي انكر السيد الصادق وجودها ، ثم عاد واشاد بها ، هي نفسها التي تدعو لها الجماعات الاسلامية ، وتحاول اعادتها بديلاً عن الحكم الحديث ، ففيم يختلف السيد الصادق معهم ، ولماذا يسميهم "الانكفائية"؟! يقول السيد الصادق عن الدولة الاسلامية ، كما وصفها علماء السلف: (هذه النظرية حددت معالم الدولة الاسلامية قياساً على تجربة الخلفاء الراشدين . نظرية فصلها على اختلاف في التفاصيل الامام الشافعي في كتابه "الأم" وابن قتيبة في كتابه "الامامة والسياسة" والماوردي في كتابه "الاحكام السلطانية" . الخليفة الذي يقود هذه الأمة هو خليفة النبي في حراسة الدين وسياسة الدنيا وينبغي ان تتوافر فيه مؤهلات أهمها ان يكون عالماً مجتهداً شجاعاً سليم البدن والحواس قرشي النسب وان يختاره للخلافة أهل الحل والعقد وهم خيار الأمة بقياس الشرع من الرجال العدول) .. ألم يكن من الاجدى بدلاً من ان يعدد لنا السيد الصادق ، الكتب التي اطلع عليها ، ان يخبرنا أين يختلف مع هؤلاء العلماء حين ذكروا وجود الدولة الاسلامية وعددوا مواصفاتها؟! ولا يغني السيد الصادق ، ان يرفض مجرد وجود الدولة الاسلامية في التاريخ ، لأن الامويين أقاموا سلطانهم على البطش والقهر .. اسمعه يقول (هذه الآراء حظيت بقبول واسع لدى أهل السنة ولكنها لم تطبق ولم تقم بموجبها مؤسسات بل ظلت محض نظرية لان الحكام منذ الخليفة معاوية بن ابي سفيان أقاموا سلطانهم على القوة)!! فماذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وماذا عن الخلفاء الراشدين ، وعلى ماذا أقاموا سلطانهم ؟! ثم هل حكم معاوية بن ابي سفيان كان خلافة اسلامية ، حتى ينفي الصادق بسببه وجود الخلافة الاسلامية؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم "الخلافة ثلاثون عاماً ثم تصبح ملكاً عضوضاً"؟!
[align=center:396c1dbad5](10)[/align:396c1dbad5] لقد أنىّ للمسلمين ان يعلموا أن في الاسلام نظامان للحكم . نظام لم يطبق في الماضي ، رغم وجود نصوصه في القرآن، وهذا سنفصل فيه لاحقاً، ونظام طبق في الماضي ، وكان نموذجه دولة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، ثم من بعده ، دولة الخلفاء الراشدين أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .. ففي أخريات نظام عثمان ، نشبت الفتن والصراعات ، التي هزت نظام الحكم ، وقسمت المسلمين ، حتى اذا جاء علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، لم يستطع رد الامر الى ما كان عليه سلفه ، فانقسمت الدولة بينه وبين معاوية ، وبانتصار معاوية انتهت الخلافة ، وبدأ الملك .. ولقد قام نظام الخلافة ، على نصوص واضحة من الشريعة ، فصلها علماء السلف ، في مئات المصنفات ، التي اشار السيد الصادق الى بعض المشهور منها . في الدولة الاسلامية الاولى ، التي قامت على الشريعة ، يمثل الخليفة السلطة الروحية والسلطة الزمنية، ويجمع في يده كل السلطات . والخليفة لم ينتخب ، بواسطة اغلبية الشعب، وانما اختارته سلطة روحية ، او اختارته صفوة ، ثم وافق عليه بعد ذلك ، معظم أهل المدينة .. اذ لا تشارك الامصار عادة في اختيار الخليفة ، ولا ياتي كل اهلها للبيعة. فهو في نهاية الأمر، قد املاه فرد ، أو افراد ووافقت عليه اقلية ، اذا اعتبرنا كافة افراد الدولة الاسلامية ، ممن لا يسكنون المدينة . وهو لم يختار في الاساس الا بسبب مكانته الدينية .. فحين اختلف المهاجرون والانصار، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، في سقيفة بني ساعدة حول الخلافة ، روي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد ان يبايع أبو عبيدة بن الجراح وقال "ابسط يدك ابايعك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انك أمين هذه الأمة". قال ابوعبيدة "كيف تبايعني وفينا ثاني أثنين؟!" ، يشير الى ابي بكر الصديق رضي الله عنه ، فرجع عمر لنفسه وبايع ابابكر .. وحين مرض ابوبكر، وشعر بدنو اجله ، قال "وليت عليكم عمر بن الخطاب . فاسمعوا واطيعوا"!! وكان ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم ، يذكره دائماً بعده . وحين طعن عمر قال "لو كان ابوعبيدة حياً لوليته ولو كان سالم مولى حذيفة حياً لوليته فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ابي عبيدة انه أمين هذه الأمة وعن سالم انه رجل يحبه الله" . واذ لم يجد عمر هؤلاء ، جعل الخلافة في الستة ، بقية العشرة المبشرين بالجنة ، وهم: علي بن ابي طالب ، عثمان بن عفان ، الزبير بن العوام ، طلحة بن عبيد الله ، سعد بن ابي وقاص وعبد الرحمن بن عوف . ومنع عبد الله ابنه ، من ان يرشح ، وسمح له بحضور مجلس المختارين . وحين اعترض الناس على عثمان رضي الله عنه ، وطلبوا منه ان يترك الخلافة ، قال "والله لا اخلع ثوباً البسني اياه الله" وأصر على ذلك حتى قتل دونه .[1] فاذا كان ما سردنا ، هنا ، صحيحاً وهو ثابت في كل كتب التاريخ الاسلامي ، فان عبارة السيد الصادق (إن مبادئ الاسلام السياسية تجعل المسلمين مسئولين عن اختيار الحاكم وهم المسئولون عن محاسبته أي انه حاكم مدني مفوض أمره للجمهور) ، لا تعدو ان تكون تضليلاً موبقاً، وتزويرا لحقائق التاريخ!! هذا النظام ، الذي يقوم على حكم فرد ، مدعوم بقداسة دينية ، يسمى في التعريف الحديث نظام ثيوقراطي .. والنظام الثيوقراطي ، في حقيقته نظام ديكتاتوري ، وهو يزيد على الدكتاتورية العادية ، بالقداسة الدينية ، التي تجعل معارضة الحاكم معارضة لله ورسوله!! ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، صاحب تحقيق رفيع في مراقبة الله ، وعلى قدر كبير من التحقيق الاخلاقي ، والسلوك الانساني الرفيع ، ولما كان الخلفاء من بعده قد تأسوا به ما استطاعوا ، فإن دكتاتورية نظام الخلافة ، قد كانت الى حد كبير ، ملطفة بالاخلاق ، التي ساوت بين الراعي والرعية ، فلم تحجب العدالة .. وحين جاء المتأخرون ، قصرت بهم قامتهم الاخلاقية ، فتحولت نظم الحكم الاسلامي ، الى نماذج للبطش والظلم والقهر والفساد .. غير ان ضعف الكفاءة الفردية ، لم يكن العامل الوحيد ، لفشل الحكومات الاسلامية ، التي تلت الخلافة الراشدة الى يومنا هذا ، وانما تعقد الحياة ، وتطورها ، وتشعب مشاكلها ، واتساع طاقاتها ، اصبح اكبر من ان تستوعبه نفس التشاريع ، التي نهضت بحل مشاكل المجتمع في القرن السابع الميلادي ، ومكنت اؤلئك الرجال الافذاذ ، من بسط العدل ، على قدر ما سمحت به طاقة نظام حكمهم .. وفي نظام الخلافة الاسلامية ، لم يكن هناك استقلال للقضاء ، لأن الخليفة هو الذي كان يختار القضاة وحده ، كما يختار حكام الامصار والاقاليم ، وهو يملك ان يعزلهم ، كما يعزل الولاة ، ثم ان احكامهم يمكن ان ترفع اليه فيعطل منها ما شاء ويمضي منها ما يريد .. لهذا فان قول السيد الصادق (ومبادئ الاسلام السياسية تقبل الفصل بين سلطات الدولة . قال القاضي ابو يعلى في كتابه الاحكام السلطانية "القاضي اذا ولاه الامام صار ناظراً للمسلمين لا عن من ولاه فيكون القاضي في حكم الامام في كل بلد" هذا مبدأ استقلال القضاء) مبالغة لا تجوز على أحد!! لأن القاضي لا يحل محل الحاكم ، فهو لا يحكم الا فيما يرفع اليه من قضايا ، واذا سلمنا جدلاً بانه يحل محل الحاكم في الاقاليم ، فماذا عن القضاة في نفس المدينة التي بها الحاكم؟! هل هم سلطة موازية له ، أم هم بالنسبة له من ضمن الرعية؟ فاذا كانوا من ضمن الرعية ، فكيف يحوز رصفاؤهم في الاقاليم وضعاً افضل؟! ورغم ان السيد الصادق ، قد حدثنا هنا، فيما نقل عن احد علماء السلف ، عن وجود استقلال القضاء ، فانه قد عاد وناقض نفسه ، كاهو دأبه في هذه الورقة العجيبة فقال (ضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد ان يجمع في يده كل السلطات مثلما فعل الخلفاء في الماضي) ويقول أيضاً (التطلع لامام واحد بالتعيين الالهي أو لخليفة واحد بصلاحيات الخلافة التي عددها الماوردي يجمعا في ايديهما كل سلطات الدولة ويمارسانها على كافة الشعوب الاسلامية تطلع يناسب الظروف التاريخية الابوية ولا يناسب النظم المؤسسية الحديثة في ادارة الشأن العام)!! ومع ان هذا الكلام يعتبر محمدة، اذا قاله مثقف معاصر، الا انه عندما يصدر من السيد الصادق فهو مذمة .. وذلك لانه يناقض تراثه ، وتاريخة ، وما ظل يردده طوال حياته . فلقد اشاد الصادق بالمهدي وقال (إنها دعوة لإمام القرن الذي كلفه الله ورسوله بسد فراغ القيادة التي شغرت بخلو كرسي الخلافة عن المصطفى). [2] أليس هذا هو التعين الالهي الذي رفضه واعتبره لايناسب واقع العصر؟! فاذا كانت المهدية لا تناسب النظم الحديثة فعلى ماذا يقوم كيان الانصار الذي نظم هذه الورشة؟ ولماذا قبل الصادق بيعتهم كأمام للانصار، والامر الذي هم انصار له قد أصبح في ذمة التاريخ؟ ان نظام الخلافة ، بما فيه من صلاحيات للخليفة ، كما فصلها الماوردي ، قد ورد بنصوص قطيعة الورود والدلالة ، وحتى كون الخليفة من قريش ، ورد بحديث صحيح . والصادق عندما يرفض هذه النصوص ، يناقض ما ظل يردده من ان الاجتهاد يجب الا يكون فيما ورد فيه نص قطعي الورود والدلالة. ولو ان السيد الصادق اكتفى برفض النصوص ، لصنف بواسطة الاسلاميين على انه علماني ، وهو اتهام لا يحتمله الصادق ، بعد ان بنى زعامته على جماهير لا تصوت له ، الا لانه حفيد الامام المهدي!! كما انه في نفس الوقت ، لا يحتمل ان يتبنى كل الفهم السلفي التقليدي ، فيفقد وضعه بين المثقفين ، ويصنف من القوى الدولية كمتطرف ، مما يباعد بينه وبين السلطة .. هذا الوضع المزري ، لم يترك للرجل خياراً، غيران يبحث عن نصوص دينية تدعم الحرية والديمقراطية ، وتتسق مع حقوق الانسان!! لنرى ماهي النصوص التي وجدها ، يقول الصادق (لا معنى للشورى اذا لم تتوفر معها ثلاثة اسس مساندة لها وهي الحرية: اذ لا فائدة من شورى مكرهين مرعوبين "لا اكراه في الدين" الحرية تكفلها نصوص اسلامية ناصعة "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر")!! ولكن هذه الآيات منسوخة ، ولو لم تنسخ لما قام الجهاد. والصادق لا يختلف عن بعض قادة الجماعات الاسلامية ، الذين كلما تحدثوا عن سماحة الاسلام أوردوا آية "لا اكراه في الدين"!! جاء في تفسير الآية (وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء ان هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل اذ بدلوا الجزية. وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال وانه يجب ان يدعى جميع الامم الى الدخول في الدين الحنيف دين الاسلام فان أبى احد منهم الدخول ولم ينقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يقتل وهذا معنى الاكراه).[3] ان الصادق المهدي ، حين يدعو للآيات التي ذكرها ، إنما يدعو لبعث القرآن المنسوخ ، شعر بذلك او لم يشعر .. وبعث القرأن المنسوخ ، يعني بالضرورة نسخ القرآن الناسخ ، لان الحكمين المتعارضين لا يقومان معاً.. فلو ملك الصادق قليلاً من الامانة الفكرية ، وقليلاً من الشجاعة ، ودعا صراحة لنسخ النصوص ، التي يقوم عليها نظام الخلافة ، واستبدالها بالنصوص التي تقوم عليها الديمقراطية والحرية ، لاخرج نفسه من هذا التناقض.. ذلك لان جوهر الدين ، يجب ان يحقق كرامة الانسان ، وان (ضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد ان يجمع في يده كل السلطات....) كما قال . لو فعل ذلك يكون قد وفق للاجتهاد الحقيقي ، الذي يصادم النصوص القطعية ، ويرتفع منها الى نصوص احسن منها استجابة للامر الالهي "واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون"!! ان المشكلة التي تواجه السيد الصادق ، هي ان الايات التي أوردها ، والفهم الذي يشرح انها تحوي الديمقراطية والحرية ، والدعوة لتحكيمها لانها اصل الدين ، ولانها التي تحقق كرامة الانسان ، قد فصله الاستاذ محمود محمد طه في اكثرمن ثلاثين كتابا ، واقام عليه دعوته المؤسسة لتطوير التشريع الاسلامي ، قبل ان يبلغ الصادق الحلم . ولم يمهل الصادق نفسه ليطلع على هذه الفكرة ، وسارع برفضها ، ولما يفهمها بعد ، وسماها "الطاهوية" استهزاء ، وسخرية ، والحقها بالبهائية والقاديانية تشويها واستعداء للبسطاء عليها!! والآن!! عندما اراد الصادق ان يقدم نفسه كشخصية اسلامية عالمية مجتهدة تريد ان تدعو العالم الاسلامي الى مخرج يفرق بين الاسلام والارهاب ، ويقدم فهماً يقبل حقوق الانسان ، لم يستح ان (يسرق) هذه الفكرة التي وصفها بذميم الصفات ، وظن- في ذلك الوقت - جهلاً وغروراً ، انه يمكن ان يتجاوزها ثم يأتي بشئ ذي بال!!
[align=center:396c1dbad5](11)[/align:396c1dbad5] بدأ السيد الصادق حديثه عن الشورى بقوله (الشورى هي المبدأ الديني المنصوص عليه في القرآن لتحقيق مشاركة المسلمين فيما يليهم من أمور. وقيل انه استشارة أهل الرأي ثم اتباع ما يشيرون به . "وامرهم شورى بينهم" ولكن اختلف حول هذا الأمر هل الشورى معلمة أم ملزمة؟ ومن هم أهل الرأي؟) ثم قال (أقول الشورى هي اشراك الآخرين في الامر الخاص والعام ، انها مبدأ المشاركة ، وهي مبدأ خلقي سياسي كالعدالة ، وهما ضمن مبادئ اخرى يمثلان منظومة مبادئ الاسلام السياسية كالوفاء بالعهد والقيادة الرشيدة والرعاية الاجتماعية ، وهلم جرا)!! أليس هناك فرق بين ان يقال ان الشورى هي اشراك الآخرين في الامر الخاص والعام ، والقول بان الشورى هي استشارة أهل الرأي؟! فان كان هناك اختلاف فلماذا يريدنا الصادق ان نقبل كلا التعريفين؟! أما المفسرون الأوائل ، وسائر الفقهاء ، فقد فهموا من النصوص ، ومن واقع التطبيق ان الشورى لا تلزم المُشاِور ولكنها تطيب من خاطر المستشار .. قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم ، واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ، فاذا عزمت فتوكل على الله) .. فبعد ان وصفت الآية النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، باللين وعدم الغلظة ، واوضحت ان هذا من اسباب التفافهم حوله ، دعته لتجاوز اخطاءهم ، والاستغفار لهم ، ومشاورتهم في الامور ، وكل ذلك بغرض اشعارهم بانسانيتهم ، وتطيب خواطرهم .. ولكن امر اتخاذ القرار متروك له وحده ، وليس لهم ، ولذلك قال (فاذا عزمت فتوكل على الله) أي نفذ ما عزمت عليه ، ولم يقل (فاذا عزمتم فتوكلوا على الله)!! جاء في تفسير الآية التي اوردها السيد الصادق ، وهي قوله تعالى (وامرهم شورى بينهم) (أي لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها كما قال تبارك وتعالى "وشاورهم في الأمر" ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم)!![4] ولأن الشورى غير ملزمة ، فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يشاور اصحابه ويوافقهم ، ويشاورهم ويخالفهم .. ومن أمثلة مخالفته لهم ، في أمر كان شديد الوضوح ، ما حدث في صلح الحديبية . فقد كان الصلح في نظر الاصحاب مجحفاً، فنفرت منه نفوسهم أيما نفور، ولقد عبر عمر بن الخطاب عن اعتراضهم ، وراجع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينته حتى صاح به ابو بكر رضي الله عنه (ألزم غرزك)!! ولقد شاور ابوبكر رضي الله عنه ، الاصحاب حين ولي الخلافة ، في امر مانعي الزكاة ، فاستنكروا ذلك وقالوا "كيف تقاتل اناس يشهدون ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله"؟! فقال "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه"!! واصر على موقفه ، ونزل الاصحاب عند رأية ، لعلمهم بانهم لا يستطيعون ان يثنوه مهما كثر عددهم لأن الشورى ليست ملزمة . وحتى يجوز السيد الصادق ، على المثقفين من اتباعه ، موضوع الشورى ، صورها وكأنها الديمقراطية ، فقال (لا معنى للشورى اذا لم تتوافر فيها ثلاثة اسس مساندة لها: الحرية ...... منع الانفراد بالسلطة ........ الاعتراف بمشروعية تعدد ...) ولقد ذكر الصادق نفسه ، ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمارس الشورى ، في دولة المدينة ، فهل كانت هناك حرية لغير المسلمين في تلك الدولة؟! أم ان الحكم قد كان قتال المشركين ، حتى يسلموا وقتال اهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، عن يد وهم صاغرون؟! ألم يكن في دولة المدينة رقيق؟! ألم يكن بعض هؤلاء العبيد مؤمنين ، ولم يمنعهم ذلك ان يظلوا عبيداً؟! فلماذا هذا التضليل ،ولماذا القول بانه لامعنى للشورى اذا لم تكن هناك حرية؟ وهل تمنع الشورى الانفراد بالسلطة؟! ان الشورى بطبيعة الحال آلية تعين الحاكم الفرد ، بل نحن لا نحتاج لها أصلاً لو لم يكن الحاكم منفرد بالسلطة ، لان نظام حكم الجماعة بنفسها ، أو بواسطة ممثلين منتخبين ، هو الديمقراطية وليس الشورى . وليس في الشورى تعدد ، وليس في الدولة الاسلامية ، احزاب بالمعنى الحديث ، ولا تقبل الاحزاب بمعنى التجمعات ، لأن الشريعة لا تعترف الا بحزب واحد هو حزب الله!! قال تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه أؤلئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون) . ولما كانت محاولة الربط بين التعددية والشورى ، محاولة توفيقية ، متعسفة فقد كان تبرير السيد الصادق ، غاية في الضعف والالتواء ، فقد قال (الاعتراف بمشروعية تعدد "استفت نفسك وان افتاك الناس وافتوك") فهل هذا الحديث ، رغم عدم علاقته بموضوع الشورى ، يدل على الفردية ام التعددية؟! ويواصل الصادق فيقول (وقال "اذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله اجران واذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر")!! أين التعددية هنا؟ من يتحدث عنه الصادق ، حاكم فرد ، يمارس الخطأ والصواب ، وحده ، ويحصل على الاجر في كلا الحالين وحده!!
[align=center:396c1dbad5](12)[/align:396c1dbad5] يحدثنا السيد الصادق ، عن محاولات تطبيق الشريعة الاسلامية ، في العصر الراهن ، فيقول عن تجربة نظام نميري (لقد استهل نميري تطبيق الشريعة بالقانون الجنائي واسرف في تقطيع الايادي حتى بلغت مأتي حالة في ستة أشهر 83- 84 حينما كان السودان يمر بمجاعة)!! وعن التجربة الباكستانية (لقد حكم ضياء الحق بشرعية ضعيفة للغاية لذلك وعد باجراء انتخابات حرة خلال ثلاثة اشهر ولكنه لم يف بذلك ، وكذلك اخلف هذا الوعد مرتين لاحقتين . فأخذ يبحث عن الشرعية من خلال تطبيق الشريعة واعد برنامجاً لتطبيق الشريعة واجرى عليه استفتاء شعبياً واشترط بان اذا صوت المواطنون لتطبيق الشريعة فسيكونون تلقائياً قد صوتوا له ليحكم خمس سنوات اخرى.. هذا هو الضرر الاساسي الذي سببه للاسلام وهو ان يربط بين الاسلام بالدكتاتورية)!! ويقول عن التجربة الافغانية (أغلقت الحركة مؤسسات التعليم المدني وحظرت التصوير الفوتغرافي واغلقت محطات التلفزيون واعتبرت الفنون الجميلة رجساً منكراً، والزمت النساء المنازل ومنعت خروجهن واخيراً عوضت نضوب ايرادات الدولة بانتاج 400 طن من الافيون في السنة مشوهة اسم الاسلام اكثر)!! وحتى التجربة الايرانية التي اشاد بها كثيراً قال عنها (ولكن الفشل في استيعاب الاخر قاد لتواصل جولات العنف)!! وبعد ان ذكر لنا فشل كل هذا التجارب ، حدثنا عن الدروس المستفادة ، من هذا الفشل المتنوع فقال: (1- تطبيق الشريعة ملزم شرعياً للمسلم 2- تطبيق الشريعة في النطاق الخاص والشخصي أمر يتعلق بالمجتمع المتدين)!! ان الصادق المهدي متجاذب ، بين فهمه السلفي للدين ، وبين دعاوى الحداثة ، التي ما ادعاها الا ليجاري الواقع ، ويمد من عمر رئاسته لحزبه . فلو كان مثقف عادي ، لخلص من دراسة فشل محاولات تطبيق الشريعة ، الى فصل الدين عن الدولة .. ولو كان مفكر ديني واعي ، لخلص الى ضرورة تطوير التشريع . واكبر الادلة على هذا التناقض اشادة الصادق بنظام الشورى تارة ، ونقده باعتبار عدم صلاحية ان يجمع الفرد في يده كل السلطات تارة أخرى ، ثم الاشادة بالديمقراطية ، ومحاولة الرجوع مرة أخرى للشورى ، والقول بانه لا فرق كبير بينها وبين الديمقراطية!! ولما كان السيد الصادق يستعيض بالكلمات عن الفكر ، تحدث عن تطبيق الشريعة في النطاق الخاص ، مع ان هذا ليس موضوع الخلاف ، بين دعاة تطبيق الشريعة ومعارضيهم ، ولا هو السبب في فشل التطبيق، الذي كان يتحدث عنه .. ومهما يكن من امر، فلا يمكن لشخص ان يقول ان التطبيق الشخصي للشريعة ، يتعلق بالمجتمع المتدين ، لان الفرد المتدين ، هو مدار التطبيق الشخصي ، وليس المجتمع ، ذلك ان الفرد يمكن ان يكون متديناً ، في مجتمع لا علاقة له بالتدين.. أما في النطاق العام ، فان السيد الصادق ، يرى ان تغير الزمان والمكان ، يجب ان يؤثر على تطبيق الشريعة ، ويقول: (3- ولكن في النطاق العام هناك جوانب يجب مراعاتها مثل: تغير الزمان والمكان – حقوق غير المسلمين – احوال المجتمع الدولي وغيرها . وعلى المسلم ان يعي بانه في مثل هذه الامور فان هامش التطبيق واسع يجعل بعض الالتزامات ضرورية في حالات معينة وبعضها اقل ضرورة واخرى غير ضرورية لانها تضر بمقاصد الشريعة النهائية . ان نص الاسلام الموحى – القرآن يسمح للمسلم في بعض الاحيان بالتصريح بالكفر وقلبه مطمئن بالايمان . وفي احيان أخرى يتوقع منه اتباع كل المبادئ والتعاليم . والقرآن يشير الى تقوى الله ما استطعنا وكذلك الى تقواه حق تقاته . ويتحدث عن: كفوا ايديكم واقيموا الصلاة في مكة ، وعن مواجهة الظلم في المدينة ، وهكذا .)!! ماذا يعني الصادق بمراعاة تغير الزمان والمكان؟ وماذا يعني بمراعاة احوال المجتمع الدولي؟! هل تجعلنا هذه المراعاة ،لا نطبق نص قطعي لان الزمن قد تغير؟ فان كان يعني ذلك فلماذا لا يقوله صراحة ، ويحدد لنا النصوص التي لن نطبقها ، فيما يخص حقوق غير المسلمين؟ ثم هل حقاً يسمح الاسلام للمسلم ، في بعض الاحيان ، بالتصريح بالكفر أم انه يسمح بذلك فقط ، لمن اكره وخشى على نفسه الهلاك؟ أما خطأ السيد الصادق ، في فهم آيتي "اتقوا الله حق تقاته" و "اتقوا الله ما استطعتم" فقد سبق ان اوضحناه ، كما اوضحنا خطأه في آية "كفوا ايديكم واقيموا الصلاة" ، فهي مدنية وليست مكية ، كما قرر، فهي الآية 77 من سورة النساء .. ثم انها لا تختلف عن أيات المدينة ، التي دعت الى مواجهة الظلم ، ثم دعت اخيراً الى قتال المشركين ، فالآية في تمامها هي "ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو اشد خشية!! وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال؟! لولا أخرتنا الى أجل قريب ، قل متاع الحياة الدنيا قليل!! والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً" فهي تنعى على المسلمين ، انهم كانوا يتطلعون للقتال ، وهم في مكة ، حيث أمروا بان يكفوا ايديهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة .. ولما جاءوا الى المدينة وكتب عليهم القتال ، خاف بعضهم من الكفار، وطلبوا ان يؤخر عنهم الامر بالجهاد ، وقد نعى الله عليهم التقاعس ، وفي ذلك حث لهم على الجهاد .. أما حديث السيد الصادق ، عن الديمقراطية ، فسنناقشه في مقال منفرد ، ونربطه بممارسته ، في الفترات التي حكم فيها ، ذلك لان خلل الممارسة ، انما هو انعكاس للتخبط الفكري ، وضعف الفهم الديني الذي يرزح تحته الرجل ، منذ ان ظهر لأول مرة ، في اول وظيفة له في الحياة العامة ، كرئيس وزراء حكومة السودان!!
د. عمر القراي - نواصل –
[1] - راجع تاريخ الطبري –المجلد الثاني ص 244 وما بعدها . [2] - الصادق المهدي: يسالونك عن المهدية ص 70 [3] - تفسير ابن كثير-الجزء الاول ص 294 [4] - تفسير ابن كثير –الجزء الرابع ص 120
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم (Re: عبدالله عثمان)
|
الحلقة الرابعة
(13)[/align:46c2d9f056] بدأ السيد الصادق حديثه عن الديمقراطية ، وختمه دون ان يشرح ما هي الديمقراطية !! ولم يشر من قريب ، أو بعيد الى انه يقدم فهماً مختلفاً لها ، عما عرفته تجربتها القديمة في اثينا ، أو تجربتها الحديثة ، في اوربا وامريكا. فهو يقول (باستثناء تجربة اثينا فان الحكم في العالم القديم قام على الوراثة و الاستبداد . والنظام السياسي الأوربي الحديث نشأ مع صلح وستفاليا ثم الثورتين الامريكية والفرنسية ما اسفر عن كل ذلك ادى للدولة الوطنية والنظام الديمقراطي والنيابي والنظام الرأسمالي الحديث. واجه النظام الديمقراطي التحدي الفاشي ثم التحدي الشيوعي الذي انتهى في عام (1991)) .. ولوكان السيد الصادق ، يلقي خطبة أمام جمهور في وقت محدد ، لما طالبه احد بان يفصل في أمر الديمقراطية ، ولكن هذه ورشة عمل ، ينبغي ان يطرح فيها كافة آراءه النظرية ، التي يعتمد عليها ، في دعوته للتجديد ، والتي سيدعو لها علماء العالم الاسلامي . فاذا كان السيد الصادق لا يملك فهماً محدداً للديمقراطية ، ولا رأياً عتيداً في دعهما ، واظهار تفوقها ، فلماذا لا يقرأ آراء غيره ، وينقلها من مصادرها ، ويستعين بها على موضوعه ، خاصة اذا كانت هذه الآراء صحيحة ، وتنطلق من الاسلام نفسه .. يقول الاستاذ محمود محمد طه : ولدت الديمقراطية في بلاد الاغريق، وفي أثينا بالذات. وقد كانت أثينا أرقى مدن الاغريق ثقافة. وكانت كل مدينة من تلك المدن حكومة قائمة بذاتها.. ولما كانت الدول الاغريقية التي تمثلها المدن صغيرة فقد كان من السهل على الشعب أن يمارس الحكم مباشرة عن طريق اجتماع أفراده، وكانت ديمقراطيتهم بذلك الديمقراطية المباشرة التي لا تحتاج إلى مجلس نيابي، ولا إلى مجلس تنفيذي، على النحو الذي عرف مؤخرا، وهي لم تكن تقوم على موظفين دائمين، وإنما كان الموظفون ينتخبون كل عام.. وكثيرا ما كان الانتخاب يجري بالاقتراع، وكان أهل أثينا يعتقدون أن الاشتراك في مناقشة، وسياسة الشئون العامة، حق لكل مواطن، وواجب عليه، (لم يكونوا يعتبرون النساء والعبيد من المواطنين)، وكان بركليس أعظم الخطباء المتكلمين باسم الديمقراطية الأثينية، وفي خطابه المعروف باسم خطبة الجنازة، التي ألقاها في مناسبة الاحتفال الشعبي بدفن الذين قتلوا في الحرب ضد اسبارطة عام 430 قبل الميلاد، قال في تصوير هذه الديمقراطية: (إنما تسمى حكومتنا ديمقراطية لأنها في أيدي الكثرة دون القلة وإن قوانيننا لتكفل المساواة في العدالة للجميع، في منازعاتهم الخاصة، كما أن الرأي العام عندنا يرحب بالموهبة ويكرمها في كل عمل يتحقق، لا لأي سبب طائفي، ولكن على أسس من التفوق فحسب، ثم إننا نتيح فرصة مطلقة للجميع في حياتنا العامة، فنحن نعمل بالروح ذاتها في علاقاتنا اليومية فيما بيننا. ولا يوغرنا ضد جارنا أن يفعل ما يحلو له ولا نوجه إليه نظرات محنقة، قد لا تضر، ولكنها غير مستحبة). (ونحن نلتزم بحدود القانون أشد التزام في تصرفاتنا العامة، وإن كنا صرحاء ودودين في علاقاتنا الخاصة. فنحن ندرك قيود التوقير: نطيع رجال الحكم والقوانين، لا سيما تلك القوانين التي تحمي المظلوم، والقوانين غير المكتوبة التي يجلب انتهاكها عارا غير منكور. ومع ذلك فإن مدينتنا لا تفرض علينا العمل وحده طيلة اليوم. فما من مدينة أخرى توفر ما نوفره من أسباب الترويح للنفس - من مباريات وقرابين على مدار السنة، ومن جمال في بيئتنا العامة، يشرح الصدر، ويسر العين، يوما بعد يوم، وفوق هذا فإن هذه المدينة من الكبر والقوة بحيث تتدفق عليها ثروة العالم بأسره، ومن ثم فإن منتجاتنا المحلية لم تعد مألوفة لدينا أكثر من منتجات الدول الأخرى.) (إننا نحب الجمال دون اسراف، والحكمة في غير تجرد من الشجاعة والشهامة، ونحن نستخدم الثروة، لا كوسيلة للغرور والمباهاة، وإنما كفرصة لأداء الخدمات. وليس الاعتراف بالفقر عيبا، إنما العيب هو القعود عن أي جهد للتغلب عليه.) (وما من مواطن أثيني يهمل الشئون العامة لإغراقه في الانصراف إلى شئونه الخاصة. والشخص الذي لا يعنى بالشئون العامة لا نعتبره (هادئا وادعا) وإنما نعتبره غير ذي نفع.) (وإذا كانت قلة منا هم الذين يرسمون أية سياسة، فإنا جميعا قضاة صالحون للحكم على هذه السياسة. وفي رأينا أن أكبر معوق للعمل، هو نقص المعلومات الوافية - التي تكتسب من النقاش قبل الاقدام - وليس النقاش ذاته). هذا ما قاله بركليس في تصوير الديمقراطية الأثينية وهو تصوير طيب.. ولقد أخذت الديمقراطية من أيام أثينا تنمو وتتطور وتتباين في ذلك في مختلف أرجاء العالم، ولكنها تنبع في كل مكان من مبادئ تحاول أن تبينها بوضوح كنهج متميز وفذ من مناهج الحياة.. نهج للحياة يعترف بكرامة الإنسان، ويحاول أن يقيم تصريف الشئون الإنسانية وفق العدل، والحق، وقبول الشعب.. ولقد وصلت مرحلة تطوير الديمقراطية الحديثة إلى مبادئ يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:- 1) الاعتراف بالمساواة السياسية بين الناس. 2) قيمة الفرد فوق قيمة الدولة. 3) الحكومة خادمة الشعب. 4) حكم القانون. 5) الاسترشاد بالعقل، والتجربة، والخبرة. 6) حكم الأغلبية، مع تقديس حقوق الأقلية. 7) الاجراءات أو الوسائل الديمقراطية تستخدم لتحقيق الغايات في الدولة الديمقراطية. فليست الاجراءات ولا الأجهزة الديمقراطية غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة إلى غاية وراءها.. فليست الديمقراطية أن تكون لنا هيئة تشريعية، وهيئة تنفيذية، وهيئة قضائية، وإنما جميع أولئك وسائل لتحقيق كرامة الانسان.. فإن الديمقراطية ليست أسلوب حكم فحسب، وإنما هي منهاج حياة، الفرد البشري فيه غاية، وكل ما عداه وسيلة إليه، ولا يجد أسلوب الحكم الديمقراطي الكرامة التي يجدها عند الناس إلا من كونه أمثل أسلوب لتحقيق كرامة الانسان. وفي النهج الديمقراطي الحاضر خطأ هو أقل من الخطأ الذي تورطت فيه الشيوعية الماركسية بكثير، ولكنا رغم ذلك لن نسترسل في استقصائه هنا وإنما نتركه إلى حينه في سفر (الإسلام ديمقراطي اشتراكي). وإنما تجئ كرامة الانسان من كونه أقدر الأحياء على التعلم والترقي، وإنما تجئ كرامة الديمقراطية من كونها، كأسلوب للحكم أقدر الأساليب لاتاحة الفرص للانسان ليبلغ منازل كرامته وشرفه، وإنما يتعلم الإنسان من أخطائه، وتلك هي الطريقة المثلى للتعليم..[1]
يقول الصادق المهدي (ضج القرن العشرين بالاضطرابات ثم انتهى الى أهمية الحكم الصالح وافضل وسائله الديمقراطية كما جاء في اعلان الامم المتحدة للالفية الثالثة ) .. ولم يخبرنا الصادق ما هو الحكم الصالح ؟! وما هي وسائله الاخرى ، بالاضافة الى الديمقراطية ، بل لم يشر الى اي اختلاف بينه ، وبين ما يطرحه العالم الغربي فيما عبرت عنه الامم المتحدة في ذلك الاعلان . ان نظام الحكم الصالح ، هو النظام الذي يقوم على العدل و يختفي فيه الظلم ، والاستغلال ، والجريمة ، وتتوفر فيه شروط الحياة الكريمة التي تعتمد على المساواة لكل مواطن . فهل نظم الحكم الغربية اليوم ، والتي ابدى السيد الصادق اعجابه بها ، يمكن ان تمثل نظام الحكم الصالح ؟ يقول الاستاذ محمود محمد طه عن الحكم الصالح : والمجتمع الصالح ، هو المجتمع الذي يقوم على ثلاث مساويات : المساواة الاقتصادية ، وتسمى في المجتمع الحديث الاشتراكية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في خيرات الأرض . والمساواة السياسية ، وتسمى في المجتمع الحديث الديمقراطية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في تولي السلطة التي تقوم على تنفيذ مطالب حياتهم اليومية . ثم المساواة الاجتماعية ، وهذه ، الى حد ما ، نتيجة المساويتين السابقتين ، ومظهرها الجلي محو الطبقات ، واسقاط الفوارق التي تقوم على اللون ، او العقيدة ، أو العنصر ، أو الجنس من رجل وإمرأة . فانه يجب الا يكون هناك تمييز بين الافراد ، يقوم على اعتبار من هذه الاعتبارات. فالناس لا يتفاضلون الا بالعقل والخلق. ومحك ذلك العدل في السيرة بين الناس ، والنصح ، والاخلاص للمواطنين في السر والعلن ، وروح الخدمة العامة ، في كل وقت ، وبكل سبيل . والمساواة الاجتماعية تستهدف محو الطبقات ، ومحو الفوارق بين المدن والارياف ، وذلك باتاحة الفرص المتساوية للتثقيف والتمدين ، حتى يكون التزاوج بين جميع الافراد في المجتمع أمراً عادياً .. وهذا هو المحك الصادق في مبلغ المساواة الاجتماعية. والمجتمع الصالح ، بعد ان يقوم على هذه المساويات الثلاث، التي يتكفل القانون بتنظيمها ، ورعايتها، يقوم أيضاً على راي سمح لا يضيق بانماط السلوك المختلفة ، لدى النماذج البشرية المتباينة ، ما دام هذا السلوك لا يعود الا بالخير والبركة على المجتمع .[2] والسبب في ان الديمقراطية ، وحدها ، لا يمكن ان تقيم حكماً صالحاً هو ان الرأسمالية تجهض الديمقراطية . فما دام المال بيد قلة ، وان الكثرة تكدح ، وتشقى ، لتزيد من ثراء هؤلاء الافراد المسيطرين على وسائل ومصادر الانتاج ، فان الشخص المتوهم بانه حر ، ليس كذلك ، وانما مستعبد للرأسمال . هنا تصبح الانتخابات والمؤسسات الديمقراطية جميعها ، بما في ذلك الاعلام ، ادوات في يد الرأسمالي ، ليدعم بها نفوذه وسيطرته. ولقد اشار الاستاذ محمود الى هذا حين قال: إن الانسان المعاصر يرى ان الديمقراطية ، والاشتراكية ، يمثلان معاً الحقوق الاساسية له – حق الحياة وحق الحرية .. ويرى ان الاشتراكية وسيلة لازمة لتحقيق الديمقراطية .. ففي حين ان الديمقراطية هي الحرية السياسية ، فان الاشتراكية هي الحرية الاقتصادية . فمن غير المعقول ان يطلب الى الانسان التنازل عن حريته الديمقراطية ، لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية ، كما تريد الماركسية ، او يطلب اليه ان يحقق حريته الديمقراطية في ظل نظام اقتصادي تستأثر فيه القلة بالثروة ، كما تريد له الرأسمالية .. اما النظام الماركسي فهو نظام ديكتاتوري ، لا يمارس الديمقراطية أصلاً ، وانما يزيفها ، فسيميها دكتاتورية البورليتاريا – العمال والمزارعين- وماهي ، في الحقيقة الا دكتاتورية المثقفين على العمال والمزارعين .. وأما النظام الراسمالي الغربي فانه يمارس الديمقراطية ، ولكنه يتسم بقصور الممارسة ، حيث تسعى القلة الرأسمالية للسيطرة على السلطة ، حتى تخدم مصالحها الراسمالية ضد مصلحة طبقات الشعب الاخرى .. فلا تتحقق الديمقراطية مع الراسمالية.[3] في وقتنا الحاضر، اصبح دفع الرأسمالية للديمقراطية لتناقض مبادئها ، من اجل زيادة رأس المال واضحاً جلياً . فقد خاضت امريكا حرباً ضد العراق ، زعمت انها قامت بها كرد على عدوان الارهاب ، الذي استهدف مواطنيها ، ولان صدام حسين يملك اسلحة دمار شامل يهدد بها امنها .. وبعد ان انتهت الحرب ، ومات الآلاف من العراقيين ، والمئات من الامريكيين والبريطانيين ، صرح مسؤولون في قمة الادارة الامريكية ، بان صدام حسين لا علاقة له باحداث سبتمبر 11 ، وانه لم يكن يملك اسلحة دمار شامل !! ووضح ان الغرض من حرب العراق، هو مصالح الشركات الضخمة ، التي يملكها من يؤثرون في القرار، والتي تريد ان تحصل على البترول ، بلا مقابل ، وتمتلك عطاءات اعادة تعمير العراق بعد تحطيمه . هذه التجربة الصارخة ، والتي اغفلها الصادق المهدي ، وهو يحدثنا عن النظام الديمقراطي ، المرتبط بالنظام الراسمالي الحديث ، يجب الا يهملها من يريد ان يطبق الديمقراطية في أي دولة من دول العالم اليوم ، ذلك ان حذو ديمقراطية الغرب الراسمالي ، لا يحقق الحرية ، وانما يسوق الى الاستغلال والحروب والدمار. إن صمام الأمان للديمقراطية هو الاشتراكية . فما لم يملك الشعب مصادر ووسائل الانتاج ، فانه لا يمكن ان يملك قراره ، او تقرير مصيره ، لمجرد انه شارك في الانتخابات . ونحن حين ندعو للاشتراكية ، لا نعني الماركسية ، حتى يدفع في وجهنا بفشل التجربة السوفيتية . فالماركسية مدرسة من مدارس الاشتراكية لها ايجابياتها وسلبياتها ، ولا يعني فشل التجربة السوفيتية فشل الاشتراكية كفكرة ، كما ظن كثير من المثقفين ومنهم بكل اسف بعض الشيوعيين انفسهم .. ان الاشتراكية الحقيقية ، هي ملكية الشعب لمصادر الانتاج ، ووسائل الانتاج ، على صورة جمعيات تعاونية ، في كل مرفق ، وفي كل عمل. والشعب بطبيعة الحال ، لن يُملك مصادر ووسائل الانتاج ، ما لم تكن في يده السلطة السياسية ، وهكذا تكمل الاشتراكية والديمقراطية بعضهما البعض ..
[align=center:46c2d9f056](14)[/align:46c2d9f056] ولما كانت الديمقراطية ، عزيزة المنال ، فانها لم تطرح بصورة نظرية تجعل تطبيقها ممكناً ، الا فيما أورده الاستاذ محمود محمد طه ، ولقي اعتراضاً من جماعات دينية ، وجماعات علمانية على حد سواء .. اما ممارساتها في مختلف التجارب ، فقد كانت غاية في التزييف والتخبط . ولعل السبب الاساسي لفشل التجارب المختلفة هو قصور القامات التي تتصدى للقيادة ، عن مستوى التربية المطلوب لافراد الشعب في النظام الديمقراطي الحقيقي . وعن مفارقة دعاوى الديمقراطية يقول الاستاذ محمود : ولما كان حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، من الناحية العملية ، مستحيلاً ، فقد جاء ، الحكم النيابي ، ونشأت الاحزاب السياسية .. وفي الحكم النيابي قلة قليلة جداً هي التي تباشر ، نيابة عن الشعب ، السلطة التشريعية ، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية .. والمفترض ان الشعب يراقب هذه القلة حتى يطمئن الى انها ، انما تدير دولاب السلطة لمصلحته هو ، لا لمصلحتها هي .. وهذا أمر يقتضي وعي الشعب ، ويقتضي وعي القلة التي تباشر السلطة أيضاً .. وليس هناك شعب من الشعوب ، الى وقتنا الحاضر ، استطاع ان يكون في مستوى الوعي الذي يمكنه من مراقبة اداء من يتولون ، نيابة عنه ، إدارة مرافقه بصورة تقرب ، ولو من بعيد من مستوى الحكم الديمقراطي بمعنى الكلمة . وليست هناك ، الى وقتنا الحاضر ، قلة ، في أي شعب من شعوب الأرض ، استطاعت ان ترتفع فوق مطامعها ، وانانيتها ، وجهلها ، لتحكم شعبها حكماً ديمقراطياً صحيحاً.. فالقلة إنما تحكم الشعب لمصلحتها هي ، لا مصلحته هو.. ويصدق في كل قلة حاكمة اليوم ما قاله أبو العلاء المعري منذ وقت طويل : مل المقام فكم اعاشر أمة أمرت بغير صلاحها أمراؤها!! ظلموا الرعية واستباحوا كيدها وعدوا مصالحها وهم اجراؤها!! أما نحن السودانيين فقد بلونا أسوأ ألوان الحكم النيابي ، في محاولتنا الاولى ، في بدء الحكم الوطني ، وفي محاولتنا الثانية ، بعد ثورة أكتوبر 1964 .. فقد كانت أحزابنا السياسية طائفية الولاء ، طائفية الممارسة ، فهي لم تكن تملك مذهبية في الحكم .. والطائفية نقيض الديمقراطية .. ففي حين تقوم الديمقراطية على توسيع وعي المواطنين ، تقوم الطائفية على تجميد وعيهم .. وفي حين ان الديمقراطية في خدمة مصلحة الشعب ، فان الطائفية في خدمة مصلحتها ، هي ، ضد مصلحة الشعب .. ومن هنا جاء فساد الحكم النيابي الأول عندنا .. فكانت اصوات الناخبين توجه بالاشارة من زعيم الطائفة ، كما كانت تشترى !! وكان النواب يشترون أيضاً !! وذلك في جو من الصراع الحزبي الطاحن على السلطة أدى الى تهديد سيادة البلاد واستقلالها .. فقد كانت الحكومة إئتلافية بين حزب الأمة وحزب الشعب – حزبي الطائفتين ذواتي الخصومة التقليدية ، طائفة الأنصار ، وطائفة الختمية .. ودخلت البلاد في أزمة سياسية من جراء عدم انسجام الوزارة ، وبروز الاتجاه للالتقاء بين الحزب الوطني الأتحادي ، الذي كان في المعارضة ، وحزب الشعب ، عن طريق وساطة مصر .. فسافر رئيسا الحزبين ، السيد إسماعيل الأزهري ، والسيد علي عبد الرحمن الى مصر لهذا الغرض.. ولقد نسب لرئيس الوطني الاتحادي تصريح ، بمصر ، يعترف فيه باتفاقية 1929 التي كانت حكومة السودان الشرعية قد ألغتها .. (وهي الاتفاقية التي أبرمت في الماضي ين دولتي الحكم الثنائي ، بريطانيا ومصر ، بينما كان السودان غائباً ، تحت الاستعمار ، فأعطت السودان نصيباً مجحفاً من مياه النيل ، بالنسبة لنصيب مصر) وكان ذلك الاعتراف بالإتفاقية بمثابة مساومة مع مصر لتعين الحزب على العودة للحكم ، كما صرح رئيس حزب الشعب ، بمصر ، بان حزبه يقف في المعارضة!! (انباء السودان 15/11/1958 – الرأي العام 19/11/1958) في هذا الجو السياسي الذي يهدد استقلال البلاد ، وسيادتها ، بالتدخل الاجنبي ، سلم السيد عبد الله خليل ، رئيس الوزراء الحكم للجيش (أقوال الفريق عبود في التحقيق الجنائي حول الانقلاب بعد ثورة أكتوبر- التجربة الديمقراطية وتطور الحكم في السودان للدكتور ابراهيم أحمد الحاج) .. فكان انقلاب 17 نوفمبر 85 بمثابة انقاذ للبلاد .. وحكم الحكم العسكري ست سنوات ، صادر فيها الحريات الديمقراطية .. وبرغم انه حقق شيئاً من التنمية الاقتصادية ، الا انه آل الى صور من العجز عن الاصلاح ، والفساد ، أدت الى قيام ثورة 21 أكتوبر 1964 .. ولقد تمثل في تلك الثورة الشعبية ، السلمية، إجماع الشعب السوداني الكامل على الرغبة في التغيير ، وان لم يكن يملك المعرفة بطريقة التغيير .. فتخطى الشعب الولاءات الطائفية ، وهو ينادي بعدم العودة لماضي الحزبية الطائفية .. ولكن سرعان ما اجهضت الاحزاب الطائفية تلك الثورة ، وصفّت مكتسباتها .. فقد ضغطت بالارهاب السياسي ، على رئيس حكومة أكتوبر الثورية حتى استقال ، وشكل حكومة حزبية برئاسته .. ثم عادت الاحزاب الطائفية للسلطة ، عن طريق الأغلبية الميكانيكية الطائفية ، في الانتخابات .. وقامت حكومة ائتلافية من حزب الأمة والوطني الاتحادي .. وتعرضت الديمقراطية في هذه التجربة النيابية الثانية ، لاسوأ صور المسخ ، علاوة على المسخ الذي تعرضت له الديمقراطية من جراء فساد القلة ، ومن جراء قصور وعي الشعب .. فقد عدل الدستور مرتين لتمكين الحكم الطائفي من الاستمرار: مرة ليتمكن أزهري من ان يكون رئيساً دائماً لمجلس السيادة ، في اطار الاتفاق بين الحزبين على اقتسام السلطة .. ومرة أخرى لحل الحزب الشيوعي ، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية .. فقد عدلت الجمعية المادة 5/2 من الدستور ، والتي تعد بمثابة روح الدستور ، وهي المادة التي تنص على الحقوق الاساسية ، كحق التعبير وحق التنظيم .. ولما حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية ذلك التعديل (مجلة الاحكام القضائية 1968) أعلن رئيس الوزراء آنذاك ، السيد صادق المهدي "ان الحكومة غير ملزمة بان تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية" (الرأي العام 13/7/1966) .. فتعرض القضاء السوداني بذلك لصورة من التحقير لم يتعرض لها في تاريخه قط!! ولما رفعت الهيئة القضائية مذكرة الى مجلس السيادة تطلب فيها تصحيح الوضع بما يعيد للهيئة مكانتها (الرأي العام 27/1/1966) وصف مجلس السيادة حكم المحكمة العليا بالخطا القانوني (الأيام 20/4/1967) فاستقال رئيس القضاء السيد بابكر عوض الله ، وقد جاء في استقالته "إنني لم اشهد في كل حياتي القضائية اتجاهاً نحو التحقير من شأن القضاء ، والنيل من استقلاله كما أرى اليوم .. انني أعلم بكل أسف تلك الاتجاهات الخطيرة عند قادة الحكم اليوم ، لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب ، بل لوضعه تحت إشراف الهيئة التنفيذية" ( الكتاب المشار اليه آنفاً) .. هذه صورة لفشل التجربة الديمقراطية النيابية في بلادنا ، مما حولها الى دكتاتورية مدنية ، فهدد الاستقرار السياسي ، حتى جاءت مايو بمثابة انقاذ للبلاد !! إن قصور تجربتنا الديمقراطية مرده الاساسي الى قصور الوعي – وعي الشعب ، ووعي القلة التي تحكم الشعب ، مما أفرغ مدلول كلمة الديمقراطية من محتواه – هذا وفشل الديمقراطية في كل البلاد المتخلفة ادى الى الانقلابات العسكرية في كل مكان ، في النصف الاخير من هذا القرن .. وليس في الانقلابات العسكرية حل ..[4]
[align=center:46c2d9f056](15)[/align:46c2d9f056] ولكن السيد الصادق ليس مشغولاً بفهم عميق للديمقراطية ، ولا هو مشغول بمشاركته في تجاربها الفاشلة ، وانما يرفع شعاراتها كوسيلة يصل بها للسلطة . أكثر من ذلك فإن الصادق يريد ان يحد من سلطة الديمقراطية ، ويفرغها من محتواها ، حتى لا يتزعزع حكمه ، وتتحول الديمقراطية ، تحت حكمه ، الى دكتاتورية مدنية ، فهو يقول: (و لكن أهم مشاكل الديمقراطية هي الديمقراطية ذاتها ، ليه؟ لانو الديمقراطية بتلزم القوى السياسية بان تراعي سيادة القانون ، وتراعي استقلال القضاء حتى اذا كان عندي حق انا على قناعة بان زيد من الناس يعمل عمل للاطاحة بالديمقراطية لا استطيع ان اعمل أي شئ اذا ما عندي وثائق ودلائل على انو بيعمل هذا العمل كافية لادانتو امام القضاء... فالديمقراطية نظام محتاج ان تكون الاطراف المختلفة محترمة لهذا النظام ومقدرة له والا تستطيع أي مجموعة ان تتآمر ضد الديمقراطية لان نقاط الضعف الموجودة في الديمقراطية كثيرة ... انا كتبت في الكتاب الكتبتو انو نحن محتاجين لمفهوم للديمقراطية يراعي كل العوامل دي وعشان كدا سميتها الديمقراطية التعاقدية انا ارى انو بدون مراجعة هذه الاشياء عشان نقنن وننظم ممارسة الحريات الاساسية اعداء الديمقراطية حيستغلوا الثغرات المتاحة اصلاً في ظل النظام الديمقراطي للتآمر ضدها للاطاحة بها...)[5]
ولقد علقت على حديث السيد الصادق هذا بقولي: ان الصادق المهدي يعتقد ان أهم مشاكل النظام الديمقراطي هي ان السلطة لا بد ان تراعي سيادة حكم القانون واستقلال القضاء ، فلا تستطيع التسلط على المواطنين وتوقيع أي عقوبة عليهم الا بعد ادانتهم بوثائق واضحة أمام القضاء !! لعمري ان هذا الذي يشكو منه الصادق هو الديمقراطية نفسها .. أليس الحق والعدل يقتضي هذا الوضع الذي يعتبره الصادق المشكلة ؟! أما العلاج لهذه السماحة التي يستغلها اعداء الديمقراطية فيطيحوا بها فان الصادق يقترح له قيام صورة (تعاقدية) تتفق فيها الاطراف التي تمثل السلطة (الاحزاب الحاكمة) على تجاوز هذه الثغرات كأن يجدوا طريقة لادانة المتهم دون وثائق تكفي لادانته أمام القضاء. وذلك بحجة حماية النظام الديمقراطي من تـآمر المتآمرين !! فهل يمكن ان يعتبر مثل هذا النظام ديمقراطي ولو اتفقت عليه الاغلبية أم انها دكتاتورية مدنية تهدر فيها حقوق الاقليات ؟ والصادق المهدي هنا لا يتحدث عن نظرية جديدة ، وردت في كتابه كما احب أن يوهم المستمعين ، وانما هنالك تجربة حدثت بالفعل ابان أزمة حل الحزب الشيوعي السوداني1965 فقد (تعاقدت) الاحزاب الطائفية ، وجبهة الميثاق الاسلامي، على تعديل الدستور بتغيير المادة 5/2 التي تتيح الفرصة لحرية التعبير والتنظيم ، ليستثنى من ذلك الحزب الشيوعي ، ويطرد نوابه المنتخبين من الجمعية التاسيسية .. وحين حكمت المحكمة العليا ، بان هذا التعديل غير دستوري ، وامرت بابطال حل الحزب الشيوعي ، رد السيد الصادق وهو حينذاك رئيس الوزراء ، بان قرار المحكمة العليا غير ملزم للحكومة !! وحين اصر الشيوعيون على فتح دورهم ، وممارسة حقهم الديمقراطي الذي كفله لهم القانون ، هرعت مليشيات الانصار، والمجاهدين من جماهير الجبهة الاسلامية ، لتعتدي عليهم في دورهم ، وتجبرهم بالقوة على التنازل عن حقهم القانوني !! هذه هي الديمقراطية (التعاقدية) التي يريدها الصادق المهدي ، حيث تتفق الاحزاب على تجاوز سيادة حكم القانون ، واستقلال القضاء ، لتنفذ مؤامرتها على مصادرة الحرية باسم الديمقراطية .. ألم يعلن الصادق المهدي في سذاجة مؤسفة بان مشكلة الديمقراطية هي انها (تلزم القوى السياسية بان تراعي سيادة القانون واستقلال القضاء) ؟! وليس حقاً ان ( نقاط الضعف الموجودة في الديمقراطية كثيرة ...) كما قال الصادق ، ولكن الضعف في نفوس الزعامات الطائفية ، التي تعودت على السيادة ، ونشات وسط الخدم والحشم ، مما افقدها فرصة التربية الذاتية ، التي تعين الفرد على التواضع ، الذي يؤهله لممارسة الديمقراطية .. والصادق يريد الديمقراطية (التعاقدية) كوسيلة لقمع النقابات ، التي يعتقد انها من اسباب الاطاحة بالنظام الديمقراطي ، وذلك لان: (كثير من النقابات تصرفت في اثناء الديمقراطية بما لا يميز بين المطلبية المشروعة وما بين استغلال سياسي للحركة النقابية أدى الى عدم استقرار والاخوة لو يذكروا كيف آخر اضراب كان اضراب اتحاد المزارعين مع انو اتحاد المزارعين دا نحنا كنا بنعاملو معاملة مفضلة جداً .. للأسف في آخر ايام الديمقراطية كان عندهم قيادات عندها مؤثرات مايوية وكانت بتمهد لاضطرابات في البلاد عشان يحصل انقلاب يتصوروا انو مايوي ولذلك عملوا اضراب حقيقة هو سياسي) ..[6] هذا ما قاله الصادق ، ولكن الحقيقة هي ان الحكومة كانت قد فشلت في كل المجالات ، حتى ان الصادق نفسه ادان حكومته وقام بحلها ، وعقد تحالفات جديدة اكثر من مرة ، بعد ان فاحت رائحة الفساد المالي ، واستقال ابو حريرة من وزارة التجارة ، بسبب ضغوط حزبه عليه، ليسمح بالتلاعب في الرخص التجارية ، ولم يعزل مبارك الفاضل من الوزارة ، رغم اتهامه وتشكيل لجنة للتحقيق معه!! في هذه الظروف ، التي انشغلت فيها الاحزاب السياسية بسرقة المال العام ، تدهور الاقتصاد ، ورفعت الحكومة الاسعار ، مما ادى للمظاهرات واضراب النقابات . وكانت الحكومة تناشد النقابات الصبر والتحمل ، لأن خزينة الدولة لا تحتمل زيادة المرتبات ، بينما تصرف بسخاء على تعويضات آل المهدي !!)[7]
[align=center:46c2d9f056](16)[/align:46c2d9f056] يحدثنا السيد الصادق ، عن نظم الحكم في العالم العربي ، وكيف انها اعتبرت بواسطة الامم المتحدة ، مدانة ، لانها لا تطبق الديمقراطية . وهو يرى ان هناك اربعة مقولات تدفع تلك الادانة هي (المقولة الاولى : مقولة هجومية ترى ان الديمقراطية جزء من غزو فكري وثقافي دخيل . وهي مرفوضة إسلامياً بل الدعوة اليها دعوة للخروج من الدين. هذا هو موقف حركات الغلو الاسلامي التي صار يمثل صوتها الأعلى جماعة القاعدة وطالبان ) .. والصادق المهدي يصر على الشريعة الاسلامية ، فهو حين اقترح قيام هيئة تشريعية قال عنها (على ان تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من ان تشريعاتها لا تعارض أصلاً قطعياً من اصول الشريعة الاسلامية )!! وهو مع ذلك يرفض المقولة الهجومية هذه ويقول عنها (من حيث المبدأ فان رفض المفاهيم والنظم بحجة انها آتية من مصادر غير اسلامية موقف ينافي مبادئ الاسلام ...) ولكنه يعترف بان (معاملة الغرب للمسلمين عامة وللعرب خاصة سلسلة من إهانات أسوأ من "فرساي" لذلك فرخت غضباً هو الكامن وراء حملات الاحتجاج الواسعة النطاق) .. هذه الجماعات التي تزعم انها متمسكة بالشريعة ، ترى نفس رأي الصادق في سوء معاملة الغرب للمسلمين ، ولهذا رفضت ان تستعير نظمه بما فيها الديمقراطية . ثم هي نظرت للتاريخ ، فوجدت ان اليهود والنصارى كانوا اعداء للمسلمين ، ووجدت النصوص التي تحث على قتالهم ومعاداتهم . ثم هي في نفس الوقت ، لا ترى ان المسلمين في حاجة الى الديمقراطية لان عندهم الشورى ، التي قال عنها السيد الصادق (الديمقراطية تتفق مع الشورى في نقاط عديدة: منع الانفراد بالحكم ، وايجاب حقوق الانسان واحترام سيادة القانون وغيرها من المبادئ) !! والشورى تزيد على ذلك انها ذكرت في القرآن .. فبماذا يعيبهم الصادق لرفضهم للديمقراطية واستمساكهم بالشورى مع انه يتفق معهم؟؟ وعن المقولة الثانية ، التي تدفع إدانة الامم المتحدة للدول العربية ، يقول السيد الصادق (المقولة الثانية تبريرية ترى ان الديمقراطية لا تناسبنا . وعندنا الشورى وهي افضل منها واكثر ملاءمة لاحوالنا . هذا ما تقول به اكثرية نظم الحكم في البلدان العربية) وفي رده على أصحاب هذه المقولة يقول (نعم الشورى مبدأ سياسي عظيم كالعدالة . ولكن العدالة لا تتحقق الا عبر مؤسسات القضاء المستقل . فما هي المؤسسة المماثلة للشورى؟ كل الحديث عن أهل الحل والعقد وعن استشارتهم حديث عام لذلك الذين ينادون بأفضلية الشورى يجدون متسعاً للمناداة بها دون الالتزام بضوابط معينة) !! فالصادق هنا يرفض دعوة الداعين للشورى ، بحجة ان الشورى ليست بها مؤسسات لتحقيق العدل ، مثل القضاء المستقل ، الموجود في الديمقراطية!! ولكنه في موضع آخر، من ورقته هذه العجيبة ، يقارن بين الشورى والديمقراطية فيقول (كلاهما يوجب الاعتراف بكرامة الانسان ...كلاهما يمنع الانفراد بالسلطة . كلاهما يوجب احترام استقلال القضاء وسيادة حكم القانون)!! فإن صح هذا ، فلماذا يرفض رأي المصرّين على الشورى اذا كانت تحقق ما يراد من الديمقراطية ثم انها اقرب لتراثنا ؟! وعن المقولة الثالثة يقول (مقولة اعتذارية ترى ان الديمقراطية غير مجدية في مجتمعات جاهلة ومسكونة بالولاءات الطائفية والقبلية فهي لا تفهم معنى الديمقراطية وتسوقها ولاءات وعصبيات مو######## . وبلداننا محتاجة لنظم مستقرة وفاعلة لتحقيق أهدافها الوطنية مثل التنمية والتحديث والعدالة والتأصيل . هذا ما تدفع به النظم الانقلابية التي تفرض وصاية يسارية "التنمية والتحديث والعدالة" أو نظم يمينية "التأصيل والتنمية" ) !! وفي رده على هذه المقولة التي سماها اعتذارية يقول (هذه الحجة استخدمتها انقلابات عسكرية استولت على السلطة وفرضت سلطتها بالقوة منفردة أو متحالفة مع تيار فكري شمولي يساري أو يميني أو قومي . هذه الاطروحة كامنة في مبررات كثير من النظم العربية ، ومن فرط ما استخدمت في السودان جعلته اشبه بحقل تجارب عرف النسخة اليسارية منها والنسخة اليمينية. إن حالة التردي التي آل اليها السودان الآن وبعد ان خضع لحكم استبدادي في 75 % من عمر حياته المستقلة تعود بلا نزاع للشمولية والايدولوجية بوجهها اليساري واليميني . أصدرت في عام 1989 كتاباً بعنوان "الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة" إستعرضت في الكتاب أداء ثلاثة نظم ديمقراطية وعمرها القصير ، واداء ثلاثة نظم دكتاتورية وعمرها الطويل وقارنت بينهما ، وقدمت الدلائل على ان النظم الديمقراطية مع هشاشتها كانت أفضل اداء في معالجة قضايا الوطن والمجتمع من النظم الديكتاتورية . واوضحت ان النظم الديمقراطية عجزت عن الدفاع عن نفسها لالتزامها بحقوق الانسان وسيادة القانون بينما النظم الديكتاتورية استطاعت حماية نفسها مهدرة سيادة القانون وحقوق الانسان ) !! هذا حديث الرجل الذي رفض حكم المحكمة العليا عندما كان رئيس الحكومة ، ثم لا يتردد الآن وهو يحدث الناس عن استقلال القضاء وسيادة حكم القانون!! فهل كان في وضعه ذاك ديمقراطياً ام ان المفاضلة في التجربة السودانية هي بين الدكتاتورية العسكرية ، والدكتاتورية المدنية التي كان هو على رأسها؟! أما نحن ، فقد ذكرنا كيف ان الفساد ، والقصور في النظم التي تدعي الديمقراطية ، هو السبب المباشر في زوالها ، وان الانقلابات العسكرية لم تكن الا اثراً من آثار فساد تلك النظم التي تزعم انها ديمقراطية !! ولكنني لا احب ان ازايل هذا المقام ، قبل ان اقف عند عبارة السيد الصادق (النظم الديمقراطية عجزت عن الدفاع عن نفسها لالتزامها بحقوق الانسان وسيادة القانون بينما النظم الديكتاتورية استطاعت حماية نفسها مهدرة سيادة القانون وحقوق الانسان) !! فهي شديدة الدلالة على مبلغ عدم فهمه للديمقراطية ، وعدم ثقته بها ، وسعيه الحثيث للتحايل عليها وتزييفها .. فهو يرى ان الالتزام بحقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، هو الذي ادى لزوال النظم الديمقراطية في السودان ، وهو يعني بها بالتحديد حكمه ، فكأنه يريد ان يقول لنا اننا اذا اردنا للديمقراطية ، ان تستمر ولا تفشل أبداً ،ً فعلينا ان نسمح لها ببعض التجاوز عن حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، حتى تستطيع الديمقراطية ان تحمي نفسها !! وهذا هو نفس رأيه ، الذي قاله قبل سنوات في ندوة واشنطن ، ورددنا عليه بما نقلناه أعلاه .. ولكنه بعد اسطر من هذا الحديث ، يحدثنا عن نجاح الديمقراطية في الهند واندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش والسنغال وبنين فلماذا نجحت الديمقراطيات في جميع هذه الدول ولم تنجح في السودان؟ وكيف استطاعت هذه الدول ان تراعي حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، ومع ذلك لم تسقط حكوماتها ، كما سقطت حكومة الصادق المهدي ، اكثر من مرة؟! خلاصة الأمر ان السيد الصادق ، لم يستطع دفع المقولات التي تصورها ، واخذ يعارضها ، دون ان يفلح في نسبتها الى جهة محددة . وحتى لو كانت هذه المقولات صحيحة ، واستطاع هو ان يفندها ، ويعزز بذلك النظرية الديمقراطية ، فان هذا كله لا يعني تاييده للديمقراطية ، بل لا يعني مجرد فهمه لها ، ما دام يعتقد انها لن تحافظ على نفسها الا بمفارقة جوهرها المتمثل في حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، وليس هنالك دليل ابلغ من الواقع ، وهذا الواقع يقول بانه حين حكم في ما بعد اكتوبر، عدل الدستور، ليحرم حزب من ممارسة حقه الديمقراطي ، ثم بعد عشرين عاماً حكم مرة اخرى بعد مايو ، وكان يسعى الى تحكيم القوانين الاسلامية التي تعارض الديمقراطية ، وإئتلف مع الجبهة الاسلامية ، التي كانت وراء قوانين سبتمبر، التي قال عنها انها لا تساوي المداد الذي كتبت به !! ولكن الجبهة تنكرت له وانقلبت عليه ، فادعى المعارضة ، وسعى الى المصالحة ، ولا يزال يتراوح بينهما ، ثم هاهو يعقد المؤتمرات ليحدث الناس عن الديمقراطية وسيادة حكم القانون !! -نواصل-
عمر القراي
[1] - محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية من الاسلام . ص 172-173 [2] - المصدر السابق . [3] - محمود محمد طه (1984) الديباجة ص 3 [4] - محمود محمد طه ( 1984) الديباجة . ص 1-3 [5] - من شريط فيديو لندوة عقدت بواشنطن يوم 25/5/1997 [6] - المصدر السابق . [7] - مقال نشر بجريدة الرأي الآخر التي كانت تصدر في الةلايات المتحدة بتاريخ 15/8/1997
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم (Re: سيف الدين حسن العوض)
|
هناك تيار ينادي بالشورى ويكفر بالديمقراطية ... والى مسافة منه هناك تيار لا يرى تفاوتا بين الشورى والديمقراطية ... والى جانبهما تيار ثالث ينادي بالديمقراطية ويتنكر للشورى. من هنا يتبين لنا، ان المشكلة ليست اشكالا في اللفظ، فلو كانت كذلك لكان حلها سهلا، ان المشكلة تكمن في التداخل (المفهومي) بين الشورى والديمقراطية، وقد مر زمن طويل في عمر هذا التداخل حتى اصبح يشكل تحديا فكريا يستدعي المواجهة الفكرية من قبل الباحثين، فعملية الفصل بين الشورى والديمقراطية، وتحديد ما لكل منهما من مساحة، هو من الاعمال الفكرية المركزة التي تستوجب مراجعة مختلف مفاصل البحث، من لغة، ونصوص مستمدة من مصادر الفكرتين (الشورى والديمقراطية)، وتاريخ كل منهما حتى يمكن ارجاع كل لفظ منهما الى مضمونه الاصلي.
| |
|
|
|
|
|
|
|