|
Re: الخلاص..عندما يحين قطافه(صور جديدة) (Re: معاوية عبيد الصائم)
|
إذا كان للشعوب فرصة او نقطة تحوُّل نحو تغيير واقعها الي الابد، فقد آن اوان هذه اللحظة او المرحلة المفصلية، التي تفرض علي الشعب السوداني اخذ اختياراته ب(ضراعه) او قول شئ قاطع في شؤونه واحواله! أي اصبحت المبادرة او الكرة في ملعب الشعب ليحدد وجهته ومصيره. بمعني آخر، اجبرنا التدهور والانحطاط والاحتقار علي سلك درب اللاعودة، وتاليا اما انتصار الشعب واخذ اسباب نهوضه بيده، واما الاندثار والفناء، بعد تدهور الدولة وتفكك المجتمع وتحلل القيم. وهي عموما لحظة تأخرت كثيرا، الشئ الذي فاقم من حالة التردي والتراجع ونقصان البلاد والثروات من اطرافها. وهو ما يشير بدوره الي حجم التحدي، سواء علي مستوي إزالة منظمومة الانقاذ المافيوية من الوجود، او علي مستوي البناء والتعمير والتأسيس لوطن حر ديمقراطي. ولكن هل يمكن التغيير بذات العقليات والآليات والاساليب، التي رافقت كل هذا الدمار كتفا بكتف؟! ام ان اللحظة هي نفسها لحظة مكاشفة ومصارحة للنفس (افراد وجماعات واحزاب ومنظمات) اي كبداية تأسيسية لاحداث تغييرات جوهرية في بناءها وعمرانها، علي هدي ان محور التحول هو النفس واحوالها، سواء عبر رد الثقة اليها او من خلال تفجير طاقاتها. وهو ما لن يتأتي إلا عبر مواجهة حقيقة نقائصها ونقائضها، وبما فيها الخروج من سجن الانا المتورمة والانا السالبة المنكسرة والانا المنظرة الحالمة، الي وسع الحرية والمسؤولية، والتخطيط والتنظيم، والعمل والكدح، اي برد الاعتبار لبذل الجهد والانجاز، او قيمة العمل. وبكلمة مختصرة، إستبدال ثقافة التبطل والسمسرة والتطفل، او سلوك ومسالك الفساد، كمحصلات للمشروع الحضاري الزائف، او التجلي العملي للعقلية الكسيحة والمناهج العاطلة والانحرافات الفردية والتنظيمية والسلطوية، بثقافة مغايرة تعلي من شأن تحمل المسؤولية وإحترام القانون ومقاومة نزعات الاستهلاك او الاسراف في الملذات علي حساب الموارد الشحيحة والاضرار بالبيئة. بمعني، التحول المطلوب هو تحول شامل، يتخطي التخلص من الانقاذ كهدف مرحلي، الي التخلص من العوامل والمسببات التي مهدت لظهور الانقاذ، علما بان الاخيرة تمثل تعبير واقعي عن حالة التشوه في منظومة القيم والمؤسسية والديمقراطية، هذا من جانب! ومن الجانب الآخر، التوجه نحو الاخذ باسباب الحداثة والتقدم والتحرر بشكل جذري ودون تباطؤ او تردد. وليس سرا، ان اهم مطلوبات التحوُّل، هي التنظيم والانضباط في حدود الواجبات والمهام، علي حسب تقسيمات العمل وحاجات التخصص، وبما يخدم الاهداف العامة او المصلحة العامة. وهو ما يعني بدوره انخراط الفرد في المنظومة، بالقدر الذي يحول المجتمع الي مستعمرة خلايا من الوظائف المتكاملة. وتاليا، صنع جدار حماية او وضع سياج ضد حالة الغرور والتضخم التي تصيب بعض اصحاب المواهب والقدرات الخاصة! اي كرد عملي يسمح بالسيطرة علي وضعية الامتيازات المجانية التي تحصل عليها النخبة من جهة، ومنح أصغر المهن وممتهنيها المكانة التي يستحقانها، اي كجزء اساس في عمل المنظومة وسلامة اداءها. وبكلمة واحدة، وحدة بناء المجتمع والدولة هي الفرد، وتاليا وظيفة الدولة هي رعاية وحماية وتنظيم حياة الفرد، وبما يساعده علي تفجير طاقاته وتطوير مهاراته، وهو ما ينعكس علي الدولة مزيد من التقدم والرقي. وعليه، اي مشاركة في التغيير الجماعي ستصبح غير ذات جدوي، إن لم تنطلق من التغيير الفردي. بمعني، المشاركة في التغيير الجماعي وبما فيه التصدي لسلطة الانقاذ كمقدمة له، تبدأ من تغيير الفرد لقناعاته واستعداده النفسي، لرؤية ذاته في إطار المجموعة او المؤسسة/الجهد المشترك. وهو ما يعني ايضا ان المسؤولية الفردية تتعدي ازاحة منظومة الانقاذ الي تحمل مسؤوليات ما بعدها. وذلك من خلال التأسيس لعقد اجتماعي او عقد مواطنة، يساوي بين الجميع من الغفير الي المدير، وليس لاحد ان يسعفه شئ سوي التزامه بذاك العقد وبذل الجهد واستغلال مهارته لخير المجموعة. اي ما يمنع بروز نخب او اوليغارشية او اهل حل وعقد، يملكون ان يكتبوا انفسهم سعداء ونبلاء وعقلاء، علي حساب الآخرين، الذين لا يصدف انهم الغالبية قبل ان يكونوا وقود التغيير؟! ونزولا لارض الواقع، نجد الانقاذ بقدر ما هي كارثة بكل معني الكلمة، فضلا علي انها تمثل عقبة كأدا امام التغيير، إلا انها من ناحية اخري، تشكل هدف واضح وصريح لإجتماع مكونات الشعب علي كلمة سواء، ليس لهدف إقتلاعها من جذورها فقط، ولكن لقطع الطريق امام الدعاوي الخلاصية بصفة عامة، علي اعتبار ألا خلاص في الدنيا إلا بادوات الدنيا، وبمواجهة تحدياتها بما يناسبها من جهود ورؤية وارادة. في هذا الاتجاه تمثل الانقاذ نفسها، اختبار لمدي قدرة الشعب علي التخطيط والعمل الجماعي او علي مدي قابليته للمأسسة، التي تمثل حجر الزاوية لبناء دولة حديثة، تخرج المجتمع وافراده من غياهب التراجع المطرد، الي رحابة التطور علي كافة المستويات. وبما ان المسألة ذات صلة بالمؤسسية، فالمؤكد ان ادواتها ترتبط بالتحليل العلمي ومعرفة الامكانات وافضل السبل لتوظيفها لانجاز اقصي الغايات او حصاد افضل النتائج. وهذا بدوره لا يعني الانتظار وإفلات الفرص، ولكن كذلك لا يعني الارتجال، الذي يمثل بدوره اهدار للفرص من خلال سوء استغلالها! وتاليا إدارة الزمن وكيفية إستثماره، تصبح هي راسمال النجاح او القاعدة الاساس لتحقيق الانجازات. في هذا المعني، يصبح يوم 19/12 القادم، هو فرصة ذهبية لإعلان الاستقلال الثاني (والاصح الحقيقي؟!) من جانب الجماهير. وبغض النظر عن كيفية التعامل مع هذا اليوم، إلا ان اهم ما يؤكده الحراك المرتقب، هو بداية مشروع التحرر الفردي والجماعي، والاعلان الرسمي عن سقوط منظومة الانقاذ الاحتلالية/الاحتيالية شعبيا، وتاليا قطع الصلات مع هكذا طغمة انقلابية فاشية فاسدة، وذلك بناءً علي طبيعة ذاك الحراك ومداه. ولكن في كل الاحوال ومنذ إطلالة اليوم 19/12 يبدأ مشروع الحصار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، علي منظومة الانقاذ كمؤسسات وافراد، والذي يستمر في التصاعد حتي إعلان النهاية الحتمية، لهكذا كارثة عصرية بامتياز. اي ما بعد 19 /12 ليس كما قبله، سواء علي مستوي ما تكسبه الجماهير من ثقة وآليات واهداف تسعي لانجازها بكل الوسائل، او علي مستوي القطع مع ثقافة الخوف والسلبية والحذر، والتسليم بالقضاء والقدر، اي التعايش مع هكذا منظومة استبدادية، غض النظر عن تلوناتها وتمويهاتها! اي ما بعد 19 /12 هو ميلاد الفرد الامة الوطن، وذلك بعد استرداد روح المبادرة، وخروج مارد الحرية والكرامة وارادة الحياة بمستوي لائق، من قمقم الصمت علي المفاسد والقبول بالفتات! اي ما بعد19 /12 هو ان نضيف لحياة الفرد والمجتمع والدولة معني، وجدارة وجود، واحترام للحياة، وفرص للبحث والاكتشاف والمغامرة، اي توافر شروط ان نكون بشر ولدنا احرارا وسنظل احرارا، لنا كامل اهلية التحكم في احوال وتصاريف حياتنا الفردية والجماعية، وان نشكلهما كيفما نشاء. اي ما بعد 19 /12 هو ببساطة يوم الاعلان الوطني عن عهد او ميثاق حقوق الانسان السوداني، كفرد ضمن منظومة حقوقية عالمية اسمي مكانة، وليس كجزء من قطيع او مجرد رقم بارد وباهت في سجلات شرذمة انقلابية، لا يصدف انها مجردة من القيم والاخلاق قبل المروءة والانسانية! واخيرا، يكفي انه يوم 19 /12 وكفي. آخر الكلام او ( من شارع الثورة الخلاص التغيير) ما بعد 19 /12 هي مرحلة (القطع الناشف) مع مؤسسات ورموز النظام ال(اكسبيرد) اي منابع ايراداته المالية كالوقود والاتصالات والكهرباء والدقيق..الخ وكذلك انشطته الرياضية والثقافية والاجتماعية، ككرة القدم والقنوات الفضائية والحفلات الغنائية، وبما فيها الشخوص الدائرة في فلكها من اساطين الفساد، وخاصة الذين يلبسون لبوس حاتم الطائي ويتنكرون في زي الاناقة والرقي والتحضر، لاخفاء ولوغهم في مستنقعاته، كجمال الوالي؟ وايضا رفض محاورة النظام او قبول اي تنازلات تتقاصر عن ذهابه الي مزبلة التاريخ، وو..الخ من اساليب حصار ادوات سلطته وتجفيف مصادر قوته، والمفضية جميعا الي الموت او الزوال المحتوم. وذلك لان ارض الاحرار لا تقوي علي احتمال نجاسة الاستبداد ولا طاقة لها للصبر علي جرائم ومفاسد الاشرار. اما اهم اسلحة المرحلة القادمة، غير التنظيم والتماسك فهي امتلاك وسائل الدعاية والنشر والتأثير والوصول لاكبر قدر من الجماهير المكتوية بنار البؤس والشقاء والمستقبل الكالح. وختاما، الخلاص والتغيير واجبات لا تستحق الشكر او قبض الثمن، ولو انها تثير الغبطة والافتخار لدي النفس والغير. اما الاهم من ذلك، هو ان التغيير المطلوب سيرورة بناء وثقافة عمران، اكثر من كونه استراحة محارب او ثقافة حصاد عاجل. ودمتم في رعاية الله، ولغد مشرق لاحت تباشيره من خلف الضبا
عبدالله مكاوي
| |
|
|
|
|