محادثة تلفونية قبل سنوات بيني و بين المرحوم عوض عريبي، عليه الرحمة. انا: السلام عليكم أخي عوض. عوض بصوت مفعم باليقين: وعليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته، منو معاي؟ انا: معاك أخوك المعز عبد المتعال، من ولاية كونيتيكت. عوض هاشاً ، باشاً من خلال نبرات صوته: يا سلام ياخي، مرحب بيك، و بي كونيتيكت، بتعرف الطيب من كونيتيكت، انا: بعرفوا ، عوض: دا بلدياتنا، من ناس شبشة. انا: التحية ليك و ليه، في الحقيقة، لقيت تلفونك في سودانيز أونلاين، حبيت أتعرف بيك و اطمئن عليك، انشالله انت كويس. عوض: انا أحسن منك، قالها ضاحكا، وهو الذي قضى سنوات طويلة جدا على فراش المرض، اندهشت جدا لرده، لم أتوقع ردا يجبرني على احترامه و ابتلاعه لهمه بهذا الشكل، قلت له من خلال دهشتي: اتمنى ان تكون أحسن مني، فصوتك ممتلئ باليقين و الصبر. قال لي ضاحكاً و بجرأة و صبر: هل سألت نفسك، لماذا قلت لك أنني أحسن منك؟ قبل ان أجيب عليه، استطرد بحماس مشبعا بالإيمان العميق ، يظن الكثيرون أنني في ضيق و الم بسبب المرض، و الله يا اخي معز، أنني في نعمة كبيرة لا يعلمها الكثيرون، قد تكون أكثر من نعم الله عليك. شردت قليلاً ، تحسسّت إيماني، و نعم الله الكثيرة، مقابل عجزه و ضعفه و مرضه الشديد، قلت لنفسي الامارة بالتساؤل، كيف يقارن نعمه وهو المريض، بنعمي و انا السليم، و يعلن أنه في حال أحسن من حالي؟ انتبهت سريعا أنه لم يقصد من مقارنة النعم، الا خيرا لي و له، و انه يحاول تذكيري بنعمة الله علي، و أنه رغما عن مرضه الشديد لا يزال يشكر الله على بقية نعمه، تملكني الرعب من فكرة تجاهلنا لنعم الله، و من سيطرة الشكوى حين يصيبنا أدنى مكروه، عرفت حينها أنني أواجه ملكاً متوّجاً بالإيمان في عرش الصبر العظيم. قلت له و قلبي ينفطر ألماً و حزناً: أدام الله عليك نعمه. حدثّني بعدها بقصته، روى لي الكثير عنه و عن أسرته، كيف أنه قضى اكثر من عشرون عاماً نزيلاً في المستشفى، و كيف عبر نهر الحزن تحته بهدوء. تدافعت اشجاني و انا بين حزني لفجيعته، و دهشتي لصبره ، قلت لنفسي ، أي رجل هذا الذي يقاوم الألم بضحكة شديدة العذوبة؟ من اي امشاج تكونت خصائصه التي بهرتني بهذا الشكل؟ كيف لنفس تواجه الموت يوميا و لمدة تجاوزت العشرون عاما ان تبتسم و تنتصر. قلت له ملاطفاً و أنا المهزوم بمتاع هذه الدنيا، مقابل بطلاً يقاوم المرض: هل تشتهي اي شئ؟ طعاماً معين، او اي شئ يمكنني ان أقدمه له؟ قال لي متوسلاً: نعم ، لدي طلب، طلب مهم، أتمنى ان تنفّذه لي: قلت بفرح غامر: ماهو؟ قال لي: اسألك الدعاء لي، و ان تسأل من تعرفه ان يدعوا لي. قلت له و العذاب يشق صدري لنصفين: سأدعوا لك ما يشاء كفي و قلبي، ، استودعته الله و صبره الذي لا تضيع ودائعه و أنهيت المكالمة، و دخلت بعدها في انفعالات شتى، و حزن بحجم الجبال هائل. أخوتي الكرام، انها وصيته لي و لكم، عوض لم يطلب مالاً، او طعاماً، او زيارة، عوض لم يشتهى متاع الدنيا الزائل،، ولا سحرها الزائف، لم يعاتبني في أحد، ولم يبكي لألمه او يحزن ، لم يطلب مني غير الدعاء له، و ان يوصيني بكم لهذا الدعاء، لو كنت قصّرت في حقه حيّا، دعوني بكم و معكم ان ندعوا له بالرحمة، ارجوكم ان تجعلوا من صلواتكم لهذا اليوم دعاء له. عوض عريبي لم يكن إنساناً عادياً حتى يمر يوم رحيله دونما دعاء، لو الموت انتزعه منا، فالدعاء له هو أقصى امانيه، عوض كان صبرا يتجسد في هيئة إنسان قلبه عامرا بالإيمان. عوض هزم الموت بابتسامة عذبة، مصدرها بئر إيمانه العميق، شهر ابتسامته ضد المرض، حمل سيف ضحكته و صوّبه نحو لقاء ربه، ياله من فارس جسور، و ياله من امتحان، و يالها من حكمة لو تعلمون كبيرة. اللهم ارحمه بقدر صبره، اللهم بدّله دارا خيرا من داره، و ارحمه ، انت خير الراحمين. المعز عبد المتعال سر الختم نيو بريتن، كونيتيكت، التاسع من سبتمبر، 2017
09-10-2017, 00:24 AM
احمد حمودى
احمد حمودى
تاريخ التسجيل: 01-11-2013
مجموع المشاركات: 4364
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة