ما فتِئ السودان يدور في فلك الشيخ حسن عبدالله الترابي حيا وميتا ... فمنذ اواخر عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري مرورا بدالديمقراطية الثالثة وانتهاء بتمرحلات إنقلاب الإنقاذ عبر 28 عاما عجافا من الإنحطاط الوطني البالغ في شتى مناحي الحياة, كان الترابي حاضرا في موقع صدارة المشهد الوطني.
ما من شخصية سودانية كما حسن الترابي قد إمتد تأثيرها الفكري والسياسي بذات الزخم والقوة التخريبية الهائلة طوال اربعة عقود من عمر السودان الحديث الى أن انتقل الي رحمة الله العام 2016 .. رحل الرجل عن هذه الدنيا ولم تنقضي عجائبه بعدٌْ أو ينتهي تاثيره (السالب كما أرى) على مجمل الحياة السياسية والفكرية السودانية..
وأنا اقرأ في مخرجات (مخرجات الحوار) والتكرار مقصود هنا لأنه كان هناك حوار أولا. ثم كانت مخرجاته ثانيا .. ثم اٌخرجت المخرجات للناس كما شاء لها أهل السلطة والسلطان.. أقول, وأنا اقرأ في مخرجات (مخرجات الحوار).. لم يقفز لذهني الا ابتسامة (ساخرة كما أظنها) للشيخ حسن الترابي, وكأن الرجل يأبى الرحيل .. فلقد طرح الترابي رؤيته الجديدة (المنظومة الخالفة) في الاطار العام لعملية الحوار الوطني .. فكانت هذه الاطروحة بمثابة الاطار الفكري والرؤيوي لهذه العملية السياسية التي انتظمت الساحة السياسية السودانية اتفاقا واختلافا لتمضي نحو نهايتها التي صاغها الترابي بمنتهى الدقة .. فلقد اجتمعت في مخرجات (مخرجات الحوار) كافة التيارات الاسلامية التقليدية والطائفية والحركية ولم يتخلف منهم احد عدا حزب الامة القومي وزعيمه الصادق المهدي.. وحتى هذا الأخير كان حاضرا بشكل من الاشكال أو (بتعبير آخر) بإحدى قدميه وبفلذة من كبده وعدد من أبناء العمومه في هذا الاطار الرؤيوي للمنطومة الخالفة ..
هناك بالتاكيد مجموعات سياسية وعسكرية ذات خلفيات جهوية قلصت من إعتبارات الصراع الفكري لصالح الجهوية/القبلية في هذه المجموعات التي وجدت شيئا من مصالحها مع السلطة وكيفما كانت هذه السلطة. ولكن وبالرغم من ذلك فأن ما يحدث الآن في الحقيقة هو تمايز واضح للصفوف الوطنية بين قبائل اليمين الاسلامي/الطائفي/الدعوي/السلفي (تقرأ أهل القبلة) من ناحية.. وباقي المجموعات السياسية المنطلقة عن خلفيات فكرية تدور في فلك الديمقراطية والدولة المدنية من ناحية أخرى ..
هي منظومة خالفة تشكلت بحسب مخططات مهندسها الأول وشيخهم الراحل حسن عبدالله الترابي من أجل غاية واحدة تتمثل في محاولة ترميم الحركة الاسلامية واعادة الحيوية لمفاصلها المتيبسة وازالة الصدأ المتراكم الذي اعتراها عبر ثلاثة عقود من ممارسة الفساد وتراكم التجارب الفاشلة.
والسؤال في هذا يكون: هل يحتاج الأمر لعقود أخرى وحتى يثبت للناس جميعا فشل البعث الثاني لحسن الترابي بعدما شهد هو بنفسه فشل مشروعه الأول الذي جر الخراب على السودان وأهله؟! .. والسؤال يأتي بهذه الصيغة لأن الفشل نتيجة حتمية مافي ذلك شك .. فكل إناء ينضح بما فيه .. او بلغة أهل الكمبيوتر Garbage in, garbage out , ويرمز لها إختصارا ب GIGO
حسنا هل كانت ابتسامة ساخرة تلك التي تشيأتها ؟! أم أنها صفراء ؟!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة