صباح أمس وعلى شارع النيل ومن داخل قاعة سرالختم الخليفة بوزارة التربية والتعليم، كان مجموعة من تلاميذ مرحلة الأساس يتحركون في همة ونشاط، وهم يستعرضون على شاشات العرض نتائج بحثهم العلمي في مؤتمرهم العلمي الثامن . نعم… تلاميذ في مرحلة الأساس وليس طلاب جامعات، أكبرهم لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر، ولكنهم يحملون عقولا متفتحة وذكاء خارقا وتميزا بائنا يبز طلابا في الجامعات. أولئك التلاميذ قدموا ثلاثة بحوث علمية متكاملة: الأول تحدث عن الطاقة النظيفة، والثاني حمل عنوان السودان مهد الحضارات، والثالث طرق بقوة على قضية الوجود الاجنبي في السودان . الحماس والشجاعة والتقديم القوي والشفافية في تناول تلك القضايا كان السمة الأساسية في تلك العروض، حيث لم يترك أولئك الأطفال شاردة أو واردة إلا أحصوها . أسلوب التناول كان خليطاً من الدهشة والمغامرة التي تم تقديمها على قاعدة السهل الممتنع، البحوث كانت عميقة؛ الأرقام والإحصائيات لا تكذب، استنطاق الخبراء وتضمين الإفادات والاستقصاء والجمع والتحليل كان ديدن الباحثين الصغار. أولئك التلاميذ كانوا ثمرة لمدارس الموهبة والتميز والتي تضم أميز وأفضل التلاميذ، الذين تم اختيارهم وفق شروط معينة تتضمن التميز الأكاديمي وارتفاع معدل الذكاء وقوة الملاحظة، والكثير من الاختبارات التي تميز الأطفال الأكثر مهارة. التلاميذ الذين قدموا تلك العروض هم من فروع المدارس بالخرطوم وبحري وأم درمان.. وبالمناسبة تلك المدارس وحسب قواعدها يجب أن مجانية، لا ينبغي أن يدفع أولياء الأمور أي مبالغ من أجل تعليم الأبناء، أو ترحيلهم من وإلى المدرسة، أو التفاصيل الخرى من زي وكتب وأدوات. تلك المدارس وفي كل العالم الذي تطبق فيه تجربة مدارس الموهبة والتميز لا يتم إلزام التلميذ بأي التزامات مادية أو عينية تجاه المدرسة، بل يجب على المدرسة توفير كل شيء له حتى الرفاهيات. ولكن نحن هنا في السودان دائماً ما تكون تجربتنا فطيرة وينقصها الكثير للإتقان والفلترة وإزالة الشوائب وترسيخ الفكرة. ما حدث أن تلك المدارس تقع مباشرة تحت رعاية الدولة، وهو ما ينبغي أن يكون سبباً أساسياً لتوفير كُلِّ مُعينات العملية التربوية والتعليمية لأولئك التلاميذ النوابغ. ولكن مع الأسف يدفع أولياء الأمور في رحلتَي الشتاء والصيف لتلك المدارس “رسوم تسيير، رسوم زي، رسوم ترحيل، رسوم كورس صيفي، رسوم كورس إثرائي”… إلخ. حسناً… أين الرعاية؟، وأين واجب الدولة تجاه أميز وأذكى أبنائها؟. إذا علمتم أن تلك المدارس في كل ولاية الخرطوم عبارة عن ستة فروع فقط تشمل الأساس والثانوي البنين والبنات، وإذا علمتم أن هناك فصولاً عدد التلاميذ بها لا يتجاوز العشرة، فهذا يعني أن العدد برمته ليس بالكبير والذي يثقل كاهل الدولة وميزانيتها. وحتى ولو كانت الميزانية كبيرة، أيهما أوْلى الانفاق على قادة المستقبل وصناع الغد أم صرفها على الفارغة والمليانة؟ خارج السور: الثروة القومية الحقيقية توجد داخل العقول، وليست داخل آبار النفط ومناجم التنقيب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة