إراقة الدماء لا تتوقف في دارفور، حتى وإن هدأت الأوضاع العسكرية بين الحكومة والحركات، إلا أن الأمن الاجتماعي تلاشى تماماً.. فكلما تباهت الحكومة بأنها قضت على قوات الحركات المسلحة ولم يتبق لها إلا جيوب، باغتتها حوادث القتل العشوائية التي لا تفرق بين متمردين يشهرون السلاح ورعاة يبحثون عن الماء والكلأ.. أمس نقلت الأخبار مقتل ما لا يقل عن 20 شخصاً وإصابة عشرات يوم الثلاثاء بشرق جبل مون، ولاية غرب دارفور على الحدود مع دولة تشاد، وبحسب (سودان تربيون) فإن مسلحين هاجموا رعاة من الرحل في منطقة (مارا) وقتلوا منهم 14 شخصاً بينما قتل 4 من المسلحين.
وفي يوليو الماضي، مسلحون يقتحمون منزلاً بمدينة نيالا بجنوب دارفور في محاولة سطو، الأسرة حاولت المقاومة حفاظاً على ممتلكاتها، فشلت المقاومة، المسلحون قتلوا سيدة المنزل ووقع إبنها جريحاً، لكن كما هو معتاد، فإن مثل هذه الحوادث تنتهي بعبارة واحدة (الجناة فروا ولم تتمكن السلطات من القبض عليهم).
صحيح فإن العمليات العسكرية بين الحركات المسلحة والحكومة تكاد تكون منعدمة، لكن ما يجري الآن في دارفور أسوأ آلاف المرات من صراع مسلح بين طرفين معلومين، وإن كانت الحكومة تهلل دائماً بإعلانات نهاية التمرد وحملات الصيف الحاسم، فإن هذا الصيف تضاعفت سخونته على الأمن الاجتماعي في الإقليم، انتشار السلاح مع غبن متعاظم في نفوس الناس، يقابله غياب لافت لسلطة الدولة ليحل محلها سلطة السلاح ومن يحمله.
لكن حينما نرجع قليلاً إلى قرارات مثل تلك التي أصدرها والي شرق دارفور أنس عمر يوليو الماضي والتي قضت بمنح عفو عام عن جميع المتفلتين والمطلوبين لدى الجهات العدلية، المتهمين بارتكاب جرائم بالولاية.. مثل هذه القرارات التي تطأ العدالة.. وهكذا تتنقل الجريمة إلى فعل مقبول، والمجرم يكافأ بالعفو وإسقاط العقوبة، ثم يموت الضحية مرتين.
ما يحدث في دارفور ليس فقط ما تُطلق عليه السلطات تفلتاً وخروجاً على القانون من بعض الأفراد، هو تعويم للحرب مع تعدد أسبابها، الحرب تتنزل من فوق إلى تحت ليتحول الإقليم إلى حالة دم لا تجف.. ليس معقولاً أن نحتفي بحوار وطني في الخرطوم بينما الحرب في دارفور دخلت إلى غرف المنازل.. انتشار السلاح والمليشيات الحاملة له، والاستقواء بالسلطة لن يورد ما تبقى في الإقليم مورد الهلاك، بل سوف يصل ذلك إلى أكثر نقطة آمنة حالما انفجر الوضع، ولن يكون قاصراً على دارفور.. الأرواح التي تهدر بلا مبالاة الآن سوف تهدر أضعافها غداً وبعد غد. شمائل النور/ التيار
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة