مرت عدة سنوات على رحيلك أماه عن دنياي قاسيت خلالها مرارة الفراق وألم البعاد عن من كانت تؤنس وحشتي وتغمرني بحنانها المتدفق .. أظلمت دنياي واسودت بعد فراقك وازلهمت علي الخطب والمصائب بعد رحيلك المفاجيء دونما إخطار بالعودة . أماه : أنتي يا أماه أغلى وأطهر وأجمل مخلوقه على وجه الأرض .. أرسل لك رسالتي هذه بعد أن عبأت مدادي من محبرة أدمعي التي تتهاطل كالمطر .. رسالة حرفها همسي وبروازها قلبي .. رسالة من قلب ملتاع إكتوى بنار البعد .. أكتب إليك كليمات هي اقل ما يقال عنك معبراً عن شجني وشوقي إليك يا أطهر مخلوقة ... .. لكن يبدو أماه أن كلماتي حائرة في وصف شوقي لكِ . أماه .. مالي أرى يدي ترتجف وترتعش وأنا أخط هذه الرسالة فقد عجزت أناملي وخارت قواها عند الإمساك بالمداد لكتابة هذه الرسالة .. ما لي أرى السطور تتوه من عيني وأنا أصيغ لك هذه الرسالة .. ما الذي دهاني فالكلمات تنفر مني وكأنها غزال جامح تتهدده الوحوش ، ما لهذه الأحرف التي أصيغها تنزف عرقاً حتي تصير جافة بلا معني . أماه : كلي شوق إلى كلماتك التي تخرج من ثغرك ومن فيك الذي وأيم الله لم ينطق بنميمة أو ما يغضب الله .. فقد كان لسانك رطباً من ذكر الله .. فلطالما لهج بحب الباريء ولطالما ذكر الله في جوف الليل متبتلة دامعة العينين بين يدي الله تعالى ولصدرك أزيز كأزيز المرجل تطلبين عفوه ورضاه جل وعلا .. وأبشري أماه فالعيون التي تبكي من خشية الله لا تمسها النار كما أخبر الصادق المصدوق رضوان الله وصلواته عليه .. أماه : افتقدت سماع صوتك المتهدج في الهزيع الأخير من الليل وأنتي تلهجين بالدعاء لي ولأخوتي فرداً فرداً بأن يحفظنا الله من إحن ومصائب الزمان ، وكم عرفت قيمة ذلك الدعاء وأن دعاء الوالد لولده مستجاب بعد بعد رحيلك فأيقنت أن الله يحفظنا ويكلؤنا بعنايته بسبب دعائك لنا في جوف الليل . أماه : مثلما افتقدناك نحن إفتقدك الجيران والأقارب فالكل يعدد مناقبك التي لا تنتهي فقد كنت مثالاً يحتذى به في السماحة والأخلاق الفاضلة ، نعم أماه مرت حياتك بفضل من الله تعالى والكل يشهد لك بالخير ويعرف الجميع أدبك الجم وتواضعك الذي ينم عن سمو أخلاقك في الأعالي .. نعم أحبك الجميع الصغير والكبير .. لم تغضبي جارة يوماً ما ولم ترفعي صوتك على أحد كان السمت صفتك والوقار زينتك والحكمة ديدنك ودأبك ... أماه : كم أحس بالفخر والإعزاز حينما يذكرك الجميع بكل خير فتجدني حينها أطير بين السحاب . أماه : أشتاق إلى كلماتك التي هي مفتاحي في هذه الحياة...وإلى نصائحك التي كانت ولازالت تضيء دربي ... أشتاق أماه إلى إلى تقبيل يديك الناعمتين...وضمك لى إلى صدرك الحنون ... وسؤالك لي ما بي...اشتقت إلى التأمل في وجهك وأنت نائمة تشبهين الملاك...أشتاق إلى الدردشة معك... التي كنت لا أشبع منها ... اشتقت إلى أن أناديك بكلمة ( يا أمـي ) فها قد حرمت منها إلى أبد الآبدين ... أماه .. ياروحي الغالية .. كم أشتاق لكِ .. كم أحتاجك يـأمي .. كم أحتاج إلي دفئك.. أمي من لي سواك في هذه الحياة .. معك كنت أحمل العالم كله بين يدي .. وكانت رمال الصحاري والقفار وأشجار البراري تشهد بحبي لك.. نعم أحبك وسأظل أحبك إلى أن ألقى الله تعالى . أماه : متى ستعودين من السفر كي نلتقي مجدداً فأنا كل يوم أتوق للقياك وأتوقع سماع صوتك الممتلئ بالحنان وأنتي تضميني وتغمريني بحنانك اللامحدود .. .. لعلي بصبري وقوة حبي يـأمي القاكي يوماً مافقد طال الانتظار وأنا أتوقع بين كل حين وآخر ساعة أوبتك التي لم ولن تحن بعد .. أوواه ربي فربما ستطول المدة كي ألتقيك وأنعم وأرفل في ثوب حنانك الذي طالما غمرتيني به . كيف لي أن أنساكي وقد عشقت وجودك .. كيف لي أن أنساكي وقد تعلق قلبي بصفاء روحك الطاهرة النقية نقاء الثوب الأبيض من الدنس ؟ أماه تأكدي أنني لن أنساك مهما طال الزمن أو قصر .. كيف يتسنى لي أن أنسى أمي الرؤوم الحنون التي وهبتني حياتها وحبها وعطفها ؟ !!! كيف لي أن أنسى أول من يستيقظ وآخر من ينام .. كيف لي أن أنساك يا أمـي؟!!!!... أسوأ خبر ما تلقيته في حياتي هو خبر وفاتك وانتقالك إلى الرفيق الأعلى ... وأفضل ما حصل لي في هذه الحياة أنك أنت أمـي وأنني أشكر الله على نعمة كونك أمي . أماه : لن أنس جموع المعزين وتوافدهم إلى منزلنا المتواضع فقد بكاك الجميع بالدمع السخين .. أوواه ربي سحنات من البشر لا يعرفها أحد جاؤوا وهم يذرفون الدمع مدراراً وحينها ارتاب الجميع وأهل بيتك في مقدمة المرتابين من هؤلاء الأغراب ؟ نحن لا نعرفهم !!! .. أتدرون من هم .. لا تكن عزيزي القارئ في عجلة من أمرك سأخبرك .. إنهم ضعفاء كانت تقوم هذه المرأة الصالحة أمي الغالية بالإحسان إليهم وتجزل لهم العطاء بالسر والخفاء وتتعهدهم بالصدقات طيلة حياتها في أروع صورة لإخلاص العمل لله تعالى .. لكن أبى الله إلا أن يبين جزء يسير من محاسن ومناقب أمي بعد وفاتها بظهور هؤلاء الناس الذين بينوا كم كانت تجود عليهم ... أماه : صعدت روحك إلى بارئها وأنتي تلهجين بشهادة التوحيد أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. ومن كان آخر كلامه من الدنيا شهادة ألا إله إلا الله دخل الجنة كما في الحديث الشريف .. ((من كان آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة )) أماه : ها قد لفظتي أنفاسك الأخيرة وأنتي تؤدين ركن من أركان الإسلام وهو الصوم .. فقد لاقيتيه وأنت صائمة وستبعثين يوم القيامة صائمة كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن المرء يبعث على مامات عليه .. أماه : لو كان الماضي يعود لأدرت ساعة الزمن للوراء كي ألتقيك ثانية وأغترف من حنانك السرمدي وأنهل من معين حبك الصافي . لك الرحمة أمي الغالية وأسأل الله أن يوسع مرقدك وينير قبرك ويجعله روضة من رياض الجنة وأن يغسلك بالماء والثلج والبرد وأن يجعلك في عليين في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأن يلهم أسرتك المكلومة على فراقك الصبر والسلون .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة