ما يُربِك المرء ويجعله يشُدْ شعره بعد ظهور نتيجة "المُخرجات" وإقامة كل هذه الزيطة والكرنفالات: ما الذي كان يختلف عليه المتحاورون حتى يُصابوا بكل هذا العُسر في "الإخراج" ويستلزِم منهم حولين كاملين !! فكل حرف ورد في الوثيقة كان موجودأً أصلاً في نصوص الدستور والقوانين ومن قبل أن تُبنى قاعة الصداقة !!
هذا تغيير للبردعة وهي على نفس الحصان الذي عجِز عن الركض وتحقيق نتيجة، فما معنى أن يتفق المتحاورون - مثلاً - على مبدأ المساواة بين المواطنين في تولّي الوظائف العامة، وهو نص كان موجوداً في صلب الدستور حينما ميّزت الإنقاذ أبنائها وإحتكرت لهم الوظائف دون سائر خلق الله، بحيث أن الواحد منهم كان يستطيع (في وجود النص على المساواة) أن يتنقل من وظيفة حكومية إلى أخرى كما يتنقل العصفور بين فروع الأشجار، فيما تكون غاية حلم أقرانه من العوام العطالى وهم بنفس المؤهل وأفضل منه أن يضعوا أقدامهم على أول السلم الوظيفي، أنظر - مثلاً - إلى حظوظ شاب مثل ياسر خضر (درس في المغرب) الذي جرى تعيينه قبل أيام من صدور المخرجات وكيلاً لوزارة الإعلام (وهي ليست وظيفة سياسية) بعد أن ترك عمله سفيراً بالخارجية، ومثله الإنقاذية سناء حمد وهي شابة تخرجت في الجامعة عام 1995 وأول وظيفة وضعت عليها قدمها كانت مدير إداري بشركة سيدكو العالمية (شركة حكومية)، ثم عملت مدير إدارة بالتلفزيون ثم سفيراً بالخارجية (حالياً ببريطانيا)، وقبل ذلك عملت مديراً لمركز المعلومات بوزارة الاعلام، كما شغلت منصب مدير التخطيط بالاتحاد العالمي الاسلامي، ورئيس تحرير صحيفة المسيرة، وعضو مجلس ادارة قاعة الصداقة، ومدير مركز المرأة لحقوق الانسان بوزارة الرعاية الاجتماعية. حدث كل ذلك في وجود نص بالمساواة بين المواطنين.
كل المبادئ التي نصّت عليها المُخرجات مثل إستقلال القضاء وإستقلال المحكمة الدستورية والفصل بين السلطات وحرية الصحافة والتعبير وحرية العمل الحزبي ..إلخ موجودة سلفاً في نصوص الدستور الحالي، فكيف يُنتظَر من الأشخاص الذين وطأووا هذه المبادئ بأقدامهم أن يقوموا بتطبيقها والإلتزام بها الآن لمجرد أن أشخاص مثل أبوقردة وأبوصالح وعبود وسوار الذهب ..إلخ قد أوصوهم بإتّباعها.
ما معنى النص في "المُخرجات" على أن يكون شغل مناصب الولاة بالإنتخاب ويُعهد بتطبيقه لنظام يستطيع فيه الرئيس أن يصدر قرار من سطرين بإلغائه كما حدث في السابق!! وما معنى النص على تحديد أقصى ولاية لرئيس الجمهورية بفترتين ويُنتظر من رئيس أكمل نصف دستة من الولايات المُتعاقبة مع وجود نص حالي يمنع من ذلك ويُنتظر منه أن يلتزم بتطبيقه وعدم الخروج عليه !!
هذا نظام لا تُوقِفه نصوص دستور ولا قانون، ويستطيع أن يطوي النصوص ويسير عليها كما تسير المركبة على الطريق المُعبّد، قل لي: ألم يكن هناك نص في الدستور على إستقلال القضاء حين قام النظام بفصل معظم القضاة بالسلطة القضائية وإستبدالهم بآخرين موالين له !! ألم ينتهك إستقلال القضاء بتعيين رؤساء قضاء من قياديين حزبيين من أتباعه وفعلوا بالقضاء ما فعلوا (عبيد حاج علي وحافظ الشيخ الزاكي وجلال محمد عُثمان)، هل كان الدستور يفتقر للنص الذي يمنع من تعيين حزبي في منصب رئيس القضاء !! وما معنى أن تُزف البشرى للشعب ببداية سودان جديد لأن أصحاب "المُخرجات" قد إتفقوا على نص يقول بمساواة جميع المواطنين أمام القانون وكأنه نص جديد ولم يكن موجوداً بالدستور الحالي !! ففي وجود هذا النص كان النظام يُميّز في معاملة المواطنين أمام القانون، فقد جعلوه - القانون - يطال أبناء وبنات العوام ويُحكم عليهم ظُلماً في أفعال مُختَلف على كونها جرائم (عدم سداد فاتورة الماء، مصادرة أدوات كسب العيش ..إلخ) فيما يمتنع النظام عن تقديم أنصاره للمحاكمة وفي جرائم أكثر خطورة مثل قتل المُتظاهرين والتأثير على سير العدالة (وزيرة الدولة بوزارة العدل) والضلوع في تعذيب مواطن (مدير مكتب الرئيس) والتعدي على المال العام ..إلخ.
الذي كان يُنتظر من هذه "المُخرجات"، أن تتضمن الطلب من النظام أن يعترف بالأخطاء التي إرتكبها ومواطِن الفشل الذي تحقق على يديه وإنتهى بالوطن إلى هذا المصير، كأن يعترف النظام بتفشي الفساد بين رموزه ويُعلن عن إستعداده لتقديمهم للمحاسبة، وأن يقوم بنشر قوائم بممتلكات المسئولين من واقع سجلات إقرارات الذمة (تطبيق لقانون موجود) وبما يُتيح للجمهور الطعن فيها من واقع معرفتهم بحال أصحابها قبل تولّي الوظائف، وأن تتضمن المخرجات توصية بإعادة بناء جميع أجهزة الدولة على أساس قومي، وتقديم توصية جديّة لإنهاء الحرب التي يدفع ثمنها أبرياء خارج نطاق التغطية، وأن تتعهد الحكومة بتحقيق القصاص من المجرمين الذي تسببوا في مقتل شهداء الوطن في كجبار ومجزرة العيلفون وشهداء سبتمبر وشهداء أحداث بورتسودان (للمفارقة أن حاتم الوسيلة الذي كان والياً على البحر الأحمر عند وقوع أحداث بورتسودان قد جرى تعيينه قبل أسابيع من صدور المخرجات والياً على ولاية نهر النيل). ليس هناك قيمة لأن يُقال بأن هذه "المُخرجات" قد إتفق عليها أكثر من (90) حزب وهي في حقيقتها حزب واحد إختارت كل مجموعة منه أن تُسمّي نفسها كما تُسمّى البصّات السفرية، ومن بينها ما تزيد عضويته وتنقص بقدر عدد المناصب الدستورية التي يحصل عليها الحزب، فما جرى بين المُتحاورين كان حديث النفس للنفس، فالذين تحاوروا لم يكن بينهم خلاف في شيئ حتى يتوصلوا لإتفاق حوله، ولو أنهم كانوا أمناء مع أنفسهم لجلسوا كلهم على كنبة واحدة في مقابل أخرى يجلس عليها الذين أضِيروا من مشاركتهم في إهدار المبادئ وتغييب الحقوق التي تتحدث عنها هذه الوثيقة، فقد شارك أرباب هذه الأحزاب بالعمل وزراء وولاة وأعضاء بالمجالس التشريعية وقت حدوث الفشل الذي دعى لقيامهم بإصدار المُخرجات.
ثم تعال هنا، كيف يقول خطاب الحكومة أنه لا مجال بعد اليوم للتعبير بالعنف وكأن الذين إختاروا هذا الطريق قد أخذوا منها الإذن بذلك، فالذي يُوقف العنف ويمنع الذين إختاروا المواصلة في إنتهاج الطريق السلمي للتعبير من اللحاق بهم هو أن يقبل النظام بالوصول إلى حل حقيقي لمشكلة الوطن والتصالح مع المختصمين معه لا العناق مع أصدقائه الذين كانوا يزينون له الباطل. سيف الدولة حمدناالله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة