سلام يا هشام،بطبيعة الحال: سنة الحياة تأبى أن تُكبت داخل هيكل نظامٍ قانوني قديم!
لذا فطوفان العصر قد غمر على أهل ديار الإسلام دورهم،
فلم يجدوا مناصاً من التناغم والانسجام معه،
بدون أن يشعروا بالتأثم أو الخطيئة!
بل ثمّة شعورٌ عميق:
أن ذلك من رحمة ربّي العزيز الغفور!
ويتعانق النص القرآني مع روح العصر
-شاء الأستاذ الأديب هشام آدم أم أبى-
فالنص القرآني ليس نصّاً قانونيّاً جامداً بارداً،
وروح العصر، هذا العصر، ليست هي روح العصر في الحقبة
النيوتينية الكوبرنيكية، نحن الآن في مرحلة ما بعد النسبية،
التي أعادت الاعتبار لكثير من المفاهيم الدينية التّليدة،
واحترمتها باعتبارها رؤية إلى الكون من منظور خاص،
ولكنك يا عزيزي متعلّق وعيك، بمرحلة سابقةٍ من تطور البشرية،
من الواضح أنك عبّأتَ وجدانك المُثخن بالجراح،
من أدبيات المرحلة الستالينية، وسقّفتَ على كدة،
(عندما أقرؤك أشعر بأني أقرأ لجورج بوليتزر)
بدليل أنك ذاتَ بوستٍ، أثبتَ أنك لا علم لك بالموقف الفلسفي
لإيمانويل كانط، وهل يتخذ إنسانٌ في هذا العصر، موقفاً
فلسفيّاً مثل موقفك، بدون أن يطّلع على إيمانويل كانط،
ويتّخذ من فلسفته (المثاليّة) موقفاً موضوعيّاً متكاملاً،
ومع ذلك تخرج داعياً جماهير المسلمين إلى إعادة النظر
في إسلامهم وعقيدتهم!؟
إنها في نظري -مع احترامي لك- عملية هروب، أو تهرب
عن دفع مستحقات الموقف الذي اتّخذته،
بل اعتزاز بإثمه، وتينٍّ لموقفٍ مغاير، تزيِّن به أو تبرّر به
مسلكك اللا عقلاني!
نصوص الإسلام صريحةٌ، في إثبات مواقف حدّيّة،
لا تهاوُن فيها: نعم، من الواجب قطع يد السارق،
وهو حكم كان يستمد مصداقيّـته من بيئة المجتمع نفسه،
وظل محتفظاً بمصداقيّته، ولكن عند النظر إليه من منظار
منهجي، يراعي جملة النصوص الشرعية، سنجد أنه
يتقيّد بحيث لا يكون قطع يد السارق واجباً ولا أخلاقيّاً،
إلا عندما يكون هذا السارق محترفاً، وقد تهيأت له كلّ
وسائل الإصلاح، وبيئة اجتماعيّة طيبة، وتيسير لحاجاته
الضرورية، فلم يرعوِ رغم ما أُتيح له من التربية والتأهيل،
فعندئذٍ إذا سرق، كان في ذلك دليلٌ على
أن الإشراط السلوكي بين يده وأملاك الناس، قد بلغ مبلغاً
عميقاً من التجذر في وعيه، وصارت يده عضواً فاسداً،
يستحق القطع والاستئصال، فنحن يا عزيزي بصدد حالةٍ
مرضية، لم يجد الطبيب النطاسي البارع إلا أن تقطع يد
هذا المجرم، حتى يتهيأ له، أن يحيا حياةً إنسانيّة تستحق
بذل الجهد من أجلها!
ثم إن الإسلام في جوهره رؤية عقائديّة، تدعو الفرد
إلى الإذعان لخالقه العليم الحكيم، ألبرّ الرّحيم،
وفق منهجٍ أخلاقيٍّ تربويّ، وتلك التشريعاتُ التي تستفظعها
بإحساسٍ رومانسيٍّ، لا يلزم صاحبه بالنظر إلى الوجه الآخر
من المشهد، وهو مشهد القاتل أو المجرم الذي استحلّ
مالي ودمي- تلك التشريعات ليست سوى موجةٍ ضمن موجاتٍ
عقائدية وأخلاقية تطغى عليها!
هذا مع توكيدي بأنّ عملية تأويل النصوص الشرعيّة،
عملية منضبطة، ولا ينبغي أن تخضع للهوى والمزاج
والرغبة، فلذا تجدني ضد دعوة محمود محمد طه، لأنه يخترق
النصوص الشرعية، بعناصر غريبة عنها، ويعيد تفسيرها
وفقاً لرؤية انهزاميّة، تظن أن الدين لا يصلح لهذا العصر،
إلا إذا حذفنا منه بعض الأحكام!
الدين الإسلاميّ ليس هو فقط ما تنص عليه نصوص
الكتاب والسنة، وفي حدود وعي المسلمين والتزامهم بها،
الدين الإسلامي هو مسيرة التاريخ قاطبةً، التي تمضي
بإرادة الله عز وجلّ وحكمته، فالمسلم يعيش في كونً خلقه
الله تعالى، ولم تخلقه أمريكا ولا أوربا، ومن ثمّ فإن تطوّر
البشريّة الحضاري والتقني، يتعانق مع آيات القرآن الكريم
ونصوص السنة النبويّة، وليست بين المسلمين وبين الحضارة
مشكلة، إلا فيما يتعلق بالبعد الأخلاقي والعقائدي،
فالمسلمون يؤمنون بثبات العنصر الإنساني الأخلاقي،
وأنه غير قابل للتطور، لكنه ميدان مفتوح لارتقاء البشرية
في مدارج القيم الإنسانية، أو تدهورها وانحطاطها،
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق))!