قراءة في الانتخابات الامريكية ٢٠١٦-الصادق الزين

سودانيز اون لاين
سيف اليزل برعي البدوي-
مكتبتى
رابط مختصر

قراءة في الانتخابات الامريكية ٢٠١٦

انطلقت الانتخابات الأولية للرئاسة الامريكية في مارس ٢٠١٥ عندما أعلن السناتور تد كروز في مؤتمر صحفي بولاية تكساس ترشيح نفسه، ستستمر هذه المنافسة الي ٣ نوفمبر ٢٠١٦ حيث بسدل عليها الستار في عملية هي الأطول زمنا من بين رصيفاتها وتعد في حد ذاتها فترة تدريبية للشخص الذي سيشغل المنصب الاول في العالم وذلك لما تتخللها من مناظرات سياسية تبث مباشرة عبر الفضائيات وغربلة وتحقيقات عن السيرة الذاتية ولا يسلم من ذلك حتي مكان الميلاد.

فقد احتدم صراع السباق الرئاسي في مراحله الوسطي بين الجمهورين علي رأسهم رجل الاعمال دونالد ترامب عن مدينة نيويورك والسانيتور تد كروز عن ولاية تكساس وحاكم ولاية أوهايو جون كيسيك من جهة والديمقراطين صاحبت الحظوظ الأوفر هيلاري كلنتون السانيتور ووزيرة الخارجية الأسبق والسانيتور برني ساندرز عن ولاية فرمونت من جهة اخري.

المتقدم الجمهوري الحالي دونالد ترامب في السباق الرئاسي اثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية داخل وخارج الولايات المتحدة الامريكية سيما بين الجمهوريين ورغم انه الحاصل حاليا علي اعلي أصوات الناخبين الأمريكان مما مكنه ان يكون الخيار المفضل للناخبين خصوصا بعد انسحاب المترشحين اصحاب النفوذ الاقوي أمثال كريس كرستي حاكم ولاية نيوجرسي وجيب بوش حاكم ولاية فلوريدا الأسبق الشقيق الأكبر للرئيس السابق للولايات المتحدة ونجل بوش الأب، وكذلك انسحاب السانيتور ماركو روبيو عن ولاية فلوريدا والذي ينحدر من أصول كوبية، فاسحين المجال للظاهرة الانتخابية ترامب وتد كروز، الا انه لم يكن مرغوبا من قبل الجمهورين.

قد اثرت التصريحات السالبة للمترشح دونالد ترامب عند اعلان برنامجه الانتخابي الذي ركز فيه علي محاربة الأقليات سيما المسلمين وتعهده بترحيلهم من الولايات المتحدة في حالة فوزه بالرئاسة بالاضافة الي عزمه بناء حائط عازل بين الحدود الامريكية والمكسيكية لمنع تدفق المهاجرين المكسيكان الغير قانوني للولايات المتحدة والتي يتواجد بها حاليا حوالي ١٢ مليون مهاجر غير قانوني معظمهم من أصول مكسبكية وإسبانية اخري من جزر الكاريبي المحيطة، اثرت هذه السياسات علي سير حملته الانتخابية، لان هذه السياسات المعلنة ستخصم من رصيد الولايات المتحدة والتي انفردت في التاريخ المعاصر بكفالة الحريات سيما حرية الأديان وحماية حقوق الأقليات من كل الأنواع فضلا عن الانفتاح علي الآخرين.

اول المعارضون لبرنامج ترامب الانتخابي هم الجمهورييون أنفسهم وقد وصفوه بالمتشدد الذي يشوه من صورة الولايات المتحدة ويتهموه أيضاً بانه ليس جمهوريا محافظا وانما استغل ظروف هزيمة المترشحين للرئاسة من الجمهوريين السابقين السانيتور جون ماكين عن ولاية اريزونا وحاكم ولاية ماستيوشستز السابق مد رامني اللذان انهزاما علي التوالي امام الرئيس الديمقراطي الحالي باراك أوباما الذي ينحدر من أصول كينية. المدهش رغم الهجوم الكاسح الذي ووجهت به حملة دونالد ترامب الانتخابية الا انه ظل يحرز انتصارات متعددة في الانتخابات الأولية التي جرت تقريبا حتي الان في حوالي ٢٩ ولاية حيث فاز في مجموع ١٨ ولاية مقابل تسعة ولايات فاز بها تد كروز وفوز واحد لكل من جون كاسيك الذي فاز في ولايته أوهايو وكذلك ماركو روبيو الذي فاز في ولاية منيسوتا قبل انسحابه من السباق الرئاسي.. المؤسسة الجمهورية العتيقة تناقش الان إمكانية إيقاف ترشيح دونالد ترامب بحجة انه ليس جمهوريا وانه يثير العداء ضد الولايات المتحدة ويشوه سمعتها، تاريخيا هنالك عشرة مؤتمرات للحزب الجمهوري لم يحصل فيها المترشحون علي الرقم المطلوب الذي يمكن احدهم من حسم السباق وهو السناريو الذي يجري اليوم حيث يتحتم علي دونالد ترامب الحصول علي عدد ١٢٣٧ موفد قبل انعقاد المؤتمر في يونيو القادم بكليفلاند أوهايو، الشاهد ان ازدياد منافسة كروز وكسيك ربما لا يمكننان ترامب من الوصول الي هذا الرقم قبيل انعقاد المؤتمر، وربما كان خيارهم الثاني هو المترشح الحالي تد كروز الذي ياتي في المرتبة الثانية بعد دونالد ترامب، رغم ان في حالة عدم تمكن احدهم من حسم السباق لصالحه فان المؤتمر يصبح غير مقيد بإعلان اي منهما ويمكنه ان ياتي بمترشح اخر من بين صفوف عضوية الحزب بناءا علي قاعدة الأقدر علي تمثيل مصالح الحزب، وقد يفكرون في موالاة جيب بوش. حدث سناريو مشابه في الماضي في العام ١٨٦٠ وكذلك في العام ١٩٥٢ بين الرئيس أيزنهاور ووليامز حاكم ولاية منسيوتا آنذاك عندما قل الأخير بفارق ٩ أصوات من منافسة أيزنهاور الذي وقف المؤتمر الي جانبه وقاد البلاد فيما بعد للانتصار في الحرب العالمية الثانية. كذلك حادثة ووترقولد في ١٩٦٤ ورونالد ريفان. في ١٩٧٦ ضد جرينالد فوردهم. المسالة تبدو دستورية وسط موجة الاحتجاجات العارمة التي تنتظم صفوف الحزب وقياداته.. في المقابل هدد دونالد ترامب من احتمال اثارة الشغب من قبل مناصريه في حالة إيقاف الحزب الجمهوري لترشيحه وهو يشير الي حالة الصخب والفوضي التي حدثت من قبل المحتجين علي سياساته مع مناصروه وذلك في مخاطبة جماهيرية بمدينة شيكاغو ولاية إلينوي وسط الولايات المتحدة الامريكية، الحدث الذي يلقي فيه اللوم علي دونالد ترامب باعتبار ان سياساته وموجة الكراهية التي يثيرها ضد الأقليات احدثت انقساما وسط الأمريكان وأثارت حفيظة الأقليات ضده الشيي الذي يهدد وحدة الولايات المتحدة التي عاشت فترة من الوحدة الوطنية والمساواة في الحقوق عقب ثورة الحقوق المدنية التي قادها في مستهل الستينيات القديس مارتن لوثر كنج جونيور ورفاقه... ربما يفكر أيضاً دونالد ترامب في الترشيح مستقلا عن الحزب الجمهوري في حالة تم إيقافه معتمدا علي القاعدة العريضة من المستقلين التي تناصره ما يسمون بالتيي بارتي وهم مجموعة من المحافظين المتشددين تقف علي راسم سارة بيلان حاكم ولاية ألاسكا الأسبق والمترشحة لمنصب نائب الرئيس في البطاقة الرئاسية مع جون ماكين ضد باراك أوباما.. اذا قدر ان يترشح ترامب مستقلا فقد تعزز هذه الخطوة من فرص الوزيرة هيلاري كلنتون للفوز بالرئاسة لان هذه الخطوة ستقسم الجمهورين وتشتت أصوات ناخبيهم وبالتالي تضعف من نفوذهم في المنافسة امام الديمقراطيين.

الحزب الديمقراطي هو الاخر يعيش أنصاره حالة من الانقسام بين تأييدهم لهيلاري كلنتون التي تعتمد علي اسم الشهرة وتاريخ واسع من الخبرة السياسية فهي فضلا عن انها كانت السيدة الأولي بالبيت الابيض من ١٩٩٣-٢٠٠١ وزوجة اكثر رؤساء الولايات المتحدة الديمقراطيين قبولا وهو الرئيس بيل كلنتون فهي أيضاً شغلت منصب السانيتور عن ولاية نيويورك لمدة ثمانية سنوات ثم خاضت انتخابات الرياسة في حزبها ضد الرئيس أوباما وكانت منافسة شرسة ثم انتهي بها المقام وزيرة للخارجية في إدارة أوباما للفترة الأولي.. هيلاري تحظي أيضاً بتأييد ومباركة الرئيس أوباما وعدد واسع من الليبراليين الديمقراط وأنها أيضاً مفضلة وسط الأقليات كافة سيما الأفارقة الأمريكان والإسبانيين الأمريكان وكذلك المسلمين .. تقود حملتها ابنتها النجمة السياسية الصاعدة جلسي كلينتون صاحبة النفوذ وسط الشباب.. تتبني هيلاري شعار مواصلة الإصلاحات التي بدأها الرئيس أوباما والمحافظة عليها خاصة في مجالات التأمين الصحي، التعليم محاربة البطالة، العلاقات الخارجية ونظام الطاقة الشمسية.. في المقابل السانيتور برنيي ساندرز الذي قاد حملة انتخابية قوية ومؤثرة خاصة في أوساط الشباب وهو من الاشتراكيين الليبرال داخل الحزب الديمقراطي وقد رفع شعارات ضرورة المساواة في الأجور بين المستخدمين ومحاربة الطبقة الرأسمالية الغنية من رجال اعمال الوول استريت الذي يصفههم بأنهم ١٪ يتمتعون بثروات الولايات المتحدة بينما تعاني البقية الغالبة الحرمان كذلك رفع شعارات مجانية التعليم العالي للطلاب وقد لاقي برنامجه قبولا كبيرا وسط الشباب والطلاب فحقق نتائج طيبة في المنافسة مما شكل إزعاجا مستمرا لهيلاري كلنتون التي كثفت من حملتها الدعائية واضطرت ان تعلن تبنيها فيما بعد لسياسات مساواة الأجور وتوفيق أوضاع المهاجرين الغير قانونيين.. برني ساندرز ربما يعلن انسحابه قبل مايو في حالة فشله في الفوز بولاية بنسلفانيا التي يعول عليها ويعود لتوحيد صفوف الديمقراطيين لمواجهة مرشح الجمهورين القوي دونالد ترامب خاصة اذا تمكن من حسن سباق الجمهورين قبيل انعقاد المؤتمر، رغم ان بعض الديمقراطيين يرون انه الأنسب في منافسة دونالد ترامب وهو يستطيع الفوز وسط المستقلين الذين يدعمون ترامب بينما هيلاري لا تحقق هذا الفوز بل يتركز تأييدها الأكبر وسط الأقليات.

الصادق الزين