عشرُ مسائل فى التنوير الديموقراطىإستهلالهذه المسائل هى بطبيعة الحال خلاصات ونتائج توصلتُ إليها من خلال المقالات التى شاركتم شاكرين فى قراءتها والتعاطى معها بالنقاش. فقد رأيتُ تجميعها هنا فى مقال واحد بسيط، خاصةً أنَّ ما كتبتُه من مقالات إتسم بالطول والطابع الأكاديمى الجاف؛ فأرجو أن تروق لكم الفكرة.مــــتن1- أيها السودانى النبيل؛ كُنْ ما تشاء، فقط لا تكُن عاطلاً عن الوطن.2- توشكُ الحريةُ والديموقراطيةُ أنْ تكونا من شروط صِحة التَّديُّن.3- الثورة الوطنية الديموقراطية هى ترسيخ قواعد الديموقراطية تربوياً وثقافياً وسياسياً، وبالتالى مؤسسياً ومدنياً؛ بالقدر الذى لو اعتلى سدةّ الحكم فصيلٌ عقائدىّ، فإنَّه يتعفَّف عن تسخير الدولة لجهة تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية لصالح المعتنقين لعقائده وأيديولوجياته.4- "العلمانية صفة للدولة"، ومن الخطأ أن ننعتَ شخصاً ما بأنَّه علمانى: إنَّ من الأخطاء المنهجية الشائعة المُتَعَمَّدة من قِبَل الإسلام السياسى، أنْ يَصِفَ شخصاً ما بأنَّه علمانى. فالعلمانية هى وَصْفٌ للدولة لا للأشخاص (كما يقول د. عزمى بشارة)، ولكن يحقُّ لنا أن نُّسمِّى الأشخاص الذين يُدافعون عن علمانية الدولة بدعاة الدولة العلمانية. خاصةً أنَّ من بين دعاتها أُناسٌ متديِّنون غاية التَّديُّن، وبالتالى نعتهم بالعلمانيين (أى المُبتَعِدين عن الدين) من قِبَل الإسلام السياسى مسألة غير دقيقة، مغروضة، تكفيرية، وإقصائية فى نهاية التحليل.5- إنَّ الدولة التى تقوم على الجبرِ والقهر، ولا تقوم بذاتها الديموقراطية فى المناخ الديموقراطى، غير قابلة للحياة مهما امتدَّ أجلُها. فالتطور الذى يشُقُّ طريقه حتف الأنوف، سيجعل أبناءَ الطغاةِ وأحفادَهم أكثر إستنارة من أسلافهم (وإنْ كانتْ إستنارتُهُم بمالٍ مسحوت(. وسيتلاشى الجبرُ والقهر، ووقتها فقط سيعلم الأخْلافُ المستنيرون، كم كان خصومُ أسلافِهم متقدمين فى الفكر والوعى، وكم كان تخلُّفُ آبائهم مُكْلِفٌ، وكم كانت استنارتُهُم مُكْلِفة. 6- توجد فى الإسلام سياقات فكرية تستوعب الممارسة الديموقراطية بمعناها المؤسسى الراسخ الآن. أمَّا لماذا لم تُمارس الديموقراطية المؤسسية من قبل، فذلك لأنَّ سياقها التاريخى لم يَحن بعد. وقد تَحَسَّبَ الصحابة رضوان الله عليهم لمقبل الأيام، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يفعلون فيما لم يرد فيه نص من كتابٍ أو سُنَّة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "سلو الصالحين واجعلوه شُورى بينكم"، وفى رواية أُخرى قال: "تشاور الفقهاء والعابدين، ولا تمضوا فيه رأىَ خاصَّة".فالشورى بمعنى الإسترشاد واستطلاع الرأى كانت سائدة فى ظل نمط الإنتاج الخراجى، غير أنَّها لم تعد كافية لتلبية مقتضيات نمطَىْ الإنتاج الإقطاعى والرأسمالى. وهنا علينا الرجوع للكتاب والسنة؛ هل ثمة آية (أو حديث) تحمل معنى الديموقراطية بمعناها المؤسسى السائد اليوم وظلَّتْ تبحث عن السياق التاريخى الذى يُفسِّر ذلك المعنى؟ أقولُ نعم توجد الآية؛ فقد قال الله تعالى فى سورة النمل: (قالت يا أيُّها الملأُ أفتونى فى أمرى ما كنتُ قاطعةً أمراً حتى تشهدون). وعن هذه الآية يقول الإمام القرطبى فى المسألة الأولى من بين ثلاث مسائل متعلقة بشرحها: "الملأُ أشرافُ القوم ... قال ابن عباس: كان معها ألفُ قَيْل، وَقَيْلٌ: إثنا عشر ألف قَيْل، مع كلِّ قَيْل مائة ألف. والقَيْلُ الملكُ دون الملك الأعظم. فأخذت في حسن الأدب مع قومها، ومشاورتهم في أمرها، وأعلمتهم أنَّ ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض، "ما كنتُ قاطعةً أمراً حتى تشهدون"، فكيف في هذه النازلة الكبرى. ... قال قتادة: ذُكِرَ لنا أنَّه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً هم أهل مشورتها، كلُّ رجل منهم على عشرة آلاف".فهل الملأُ هنا إلاَّ أعضاء البرلمان (نوَّاب الدوائر)، وهل القَيْلُ إلاَّ وُلاةُ الأقاليم بنوابِ دوائرهم! فهذه الآيات تعكس بجلاء حالاً من التمثيل النيابى (حتى تشهدون)، وفى تقديرى المتواضع هى آيات الديموقراطية، ولكنَّها ظلَّت بعيدة عن التناول حتى بعد حلول سياقها التاريخى؛ وذلك إمَّا لأنَّ القائمين على الأمر فى بلداننا لا يريدون تغييراً يمسُّ أوضاعَهم الراهنة، أو لأنَّنا لم نستوعبها، وهذا أمرٌ مستبعد. 7- عدلُ الحاكم الشخصى مرتبطٌ بورعِهِ، أمَّا عدل دولتِهِ ومجتمعِهِ فيرتبطان بمؤسسات الديموقراطية والشفافية. إذْ لا يكفى أن يكون الحاكمُ وَرِعاً لتكون دولتُهُ ومجتمعُهُ عادليْن وديموقراطِيَيْن. ولكن بمقدور المؤسسات الديموقراطية أنْ تخلُقَ حاكماً ورِعاً، ودولةً ورِعة، ومجتمعاً ورِعاً؛ وإن لَّم يكونوا كذلك.فالخلفاءُ الرّاشدون (رضوانُ اللهِ عليهم) كانوا عُدولَ وَرَع، لا عُدول مؤسسات ديموقراطية (كانت تلك المؤسسات جنينية أبّان هيمنة الأيديولجى فى زمن سيادة نمط الإنتاج الخراجى). لذلك لم يدُم عدلُهُم زماناً طويلاً.وهب أنَّ ذلك العدل كان مؤسَّسِيّاً، كذاك الذى كان للنجاشى وخاليوت بن بعانخى فى دولة كوش بالجوار، لكان اليوم عندنا إسلام من نوع آخر: إسلام العقل الحر والتفكير الحر، لا إسلام داعش ولا طالبان، ولا النصرة ولا الأخوان. ... واللهُ وحده المستعان. 8- العمال والعملية الإنتاجية أكثر إنتفاعاً من ديموقراطية العملية الإنتاجية، إذا ما قورنت بديكتاتورية البروليتاريا. وفى ظل ديكتاتورية البروليتاريا فإنَّ شريحة الدولة هى التى ستلعب دور الرأسمالى فى الشئون الداخلية (كالتوظيف وغيره) والخارجية (التبادل مع العالم الرأسمالى)، وبالتالى هى من سيجنح للديكتاتورية لا البروليتاريا/العمال. وإذا علمنا أنَّ شريحة الدولة هى بالأساس تنتمى للطبقة البورجوازية فى التصنيفات الحديثة، إذاً يتعذر قيام ديكتاتورية بروليتاريا، وستنهض مكانها ديكتاتورية رأسمالية أشرس من الرأسمالية فى ظل نظام ديموقراطى. وهنا تنتفى الحاجة والمسعى إلى ديكتاتورية البروليتاريا، إذ الأصلح للبروليتاريا هو الثورة الوطنية الديموقراطية.9- لقد ثبت لنا من إستقصائنا لواقع التشكل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان، أنَّ أحزاب الشرائح الرأسمالية: الأمة، الإتحادى، الجبهة (خاصة الشريحة ذات الهيمنة) غير معنية بالديموقراطية من الناحية العملية. إذ ما نالته بالديكتاتورية، لم تنله بالديموقراطية؛ تلك التى تزيد من الحركة المطلبية للعمال والقوى الحديثة، وتزيد من إمكانية حدوث توازن فى العملية الإنتاجية لمصلحة جميع شركاء العملية الإنتاجية، وبالتالى يُقلِّل ذلك من الأرباح وعمليات تراكم رأس المال.وفى واقعٍ كهذا، فإنَّ تحالف أحزاب البورجوازية الصغيرة المرحلي مع الشرائح الرأسمالية لإنجاز قضايا العمال/التوازن فى العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية (لا مع الشرائح العمالية والقوى الحديثة المنتفعة من الديموقراطية، والمغيبة عمداً فى المشهد السياسى السودانى) هو عين التَسَيُّبِ السياسى، ويأتى بنتائج عكسية؛ يُكرِّس للديكتاتورية، يُفرِّخ اليأس، ويُعشى النَّاسَ عن البديل. 10- وحدُهُ الطيْر، المُخوَّلُ بالحديث عن الحريةِ فى هذا الوطن الذى إسمه السودان.خاتمة قوموا لثورتكم يرحمكم الله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة