|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
عدت بالأمس من السفر في إجازتي السنوية حيث أعمل بإحدى دول الخليج. استيقظت مبكراً كما تعوّدت بحكم عملي. آه ما أحلى هواء الوطن! و ما أحلى رائحة الأعزاء الذين نبتعهد عنهم مكرهين! فقد ارتبطنا بهم منذ أن انفصلت حبالنا السرية عنهم و إن كان ذاك الحبل كأنه لا زال معقوداً و لم ينقطع. و لا زلنا مقيّدين إليهم بإسار حبّ متين. نسافر عنهم و نبتعد و نتغرّب. و لكننا نأخذهم معنا في حقائبنا و في نفوسنا في حلنا و ترحالنا، في صحونا، و نومنا، و في أحلامنا؟ فأين ما توجهنا فثم وجوههم الحبيبة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
مهما نكبر و مهما لانرتقي في مدارج العمر نظل نحتاج لمن يهتم بنا أو نهتم به( إلى متى؟). صحوت مبكراً ذلك اليوم ذهبت إلى والدي في الحوش و أنا أحمل صينية الشاي و خزين أشواقي و محبتي . وودت أن إلقي عليه التحية الصباحية القديمة التي كنت معتاداً عليها و لأروي بعض أشواقي الذي أفلحت أن اداريها ( خجلاً لربما أو لغير ذلك، لا أدري). منذ أن عدت قبل خمسة أيام لاحظت أن هناك اعتلالاً في صحته اعتلالاً لم أعهده قبل أن أسافر لآخر مرة قبل تسعة أشهر. بمجرد وصولي لاحظت بل هالني أن ملامح أبي لم تكن كما كانت فقد تغيّرت بشكل ملحوظ عما تركته عليه. لم استطع أن أكتم دهشتي و قلقي لذلك التغيير الذي تفاجأت به في والدي:.بطء في الحركة... تورم في القدمين(بسيط لكنه أقلقني)...زاد اشتعال الرأس شيباً.و هو الذي كنت أظنه لن يكبر أو هكذا كنت أودّ( يا لضلال الأبناء و جهلهم).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
بضع ساعات مرت قضيتها فرحاً بملاقاة الاصدقاء و الجيران و استقبالهم. ثم جزء من النهار انقضى ثم انطلق في تقديم واجبات العزاء و المواساة. عدت بعد ذلك لأمتّع نفسي بقربي من انفاس أعزائي الثم الهواء الذي يلامس خدودهم :الوالدة الحنون الإخوة الأعزاء... شقيقتي الوحيدة و الشقيق الذي كان يدير شؤون المنزل في غيابي. الوالدة ما فتئت تشغل نفسها بتذكر من يجب أن أذهب إليهم للتهنئة أو للعزاء أو لعيادة مريض و هي تصدر الأوامر في انتشاء ( و فخر داخلي بنتاج تربيتها).. جلست أمام والدي و هو ينظر خفية إلى ملامحي في شفقة و حنان رغم أننا كبرنا و نضجنا و لكنه ما يزال يمارس عادة لم يستطع التخلي عنها). تساءلت بيني و بين نفسي كيف لم أشعر طيلة تلك السنين بحنان والدي؟ كيف لم أحس برقة مشاعره و حُنوّه إلا بعد ما كبرت؟ ... و خاصة بعد أن سافرت للخارج. أتذكر الآن كيف كنت أرى صورة أبي دائماً في صورة الطود الأبي... قوة لا تنكسر و شدة لا تلين، كيف انحنت و دانت تلك القوة و الشدة لسطوة الزمن( و آه منه الزمن).. سبحان الله! و الآن بعد أن كبرت انقلبت الخشية من الأب إلى عطف عليه. الآن تتدفق شلالات من عواطف شتى نحوه... شلالات تتدفق ملؤها الشفقة ..ملؤها العطف و الحنو و ملؤها ميل غريب و غامض لذلك الشيخ الذي وهن الآن عظمه و أشتعل رأسه شيباً و أصبح من بعد قوةٍ ضعيفاً. تذكّرت... و لطالما أتذكر في أسى، كم قاسى ذلك الأب في حياته... فقد كان يحكي لنا أنه نشأ يتيماً ..و حكى لنا كيف ذاق فقد الأم في صغره. حكى كم قاسى و ضحى لتربية نفسه بنفسه و تربية أشقائه و كم تكبّد من أجل ذلك( هي أشياء خاصة و لكنها أيضاً عامة).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
ضِيق النفَس؟ هذه علةُُ جديدة لم تكن لديه من قبل. كذلك ظهر لديه ما يشبه (الفوبيا) من النوافذ المغلقة التي تحجب مرور الهواء. فقد صار يلح دوماً في فتح النوافذ حتى يعوّض ضيق الصدر. كما لاحظت أن كمية الأكل التي يتناولها لم تعد كما كانت قبل. ياربي! هذه الإجازة ليست كسابقتها...هكذا أحس. سألت عن الورم أسفل الرجلين فقال شقيقي المتابع : لقد طمأننا الطبيب و قال ان نتيجة الفحص عادية (و لكن لم أطمئن أنا).. في ذلك المساء أخذت والدي للفحص من جديد حتى أطمئن.و كيف يطمئن من رأى.
في الصباح عدت لأخذ نتيجة الفحص ..كانت المفاجأة أن الدم نسبته أقل من 45% . شعرت ببعض القلق . لكنه لم يكن قلقاً ممضّاً. في المساء قررت أخذه للطبيب بنفسي. لبس الأب جلبابه الذي يحبه و يرتديه دوماً و أخذ عصاه و تعطّر و ركب بجواري أنا. أكاد أجزم أن أبي كان يشعر حينئذٍ و هو بحنو غير عادي نحو ابنه العائد ... يشعر باهتمامه و عطفه عليه ( لكنه اعتاد أن يكتم مشاعره). أعرف انه قاسى أكثر بسبب فقدانه ابنائي الصغار الذي اعتاد على مداعبتهم . حتى ابنائي الصغار صاروا يحملون نفس مشاعري .. فهم ينجذبون نحوه ...يلهون معه ....حولي يجلسون على ركبته و يتقافزون فوق ظهره في لهو طفولي (عصيّ على الإنتهار و التأنيب)، مثل ما كنت أفعل يفعل حينما كنت في مثل سنهم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
جلس بجواري في السيارة التي كنت أقودها و ذهبنا للطبيب. نظر الطبيب لنتيجة الفحص و أدخله وراء الستار . و حينا ازاح الستار عاد و قد و ضع في وجه مسحة جدٍ مفزعة ولدت داخلي قلق بالغ . ثم ألقى قنبلته في وجوهنا: - لا بد من أخذه بسرعة للمستشفى حالاً. ....هناك ماء في الرئة ...و ضعف شديد في عضلة القلب. ثم اضاف في لهجة آمرة: - إذهبوا به للمستشفى الآن!..الآن!.. حينها تدافعت إلى ذهني سلسة من الأسئلة المحيّرة: كيف أخبر باقي الأسرة؟ ماذا أفعل و ليس معي إلا شقيقتي الوحيدة ؟ هل اذهب للمنزل أولاً؟ هل أخبر شقيقي الذي يسكن بعيد؟ هل المستشفى تستقبلنا الآن و قد تجاوزت الساعة العاشرة مساء؟ هل تستقبلنا المستشفى بنفس الاهتمام و الجدية التي نتوقعها؟ هل و هل؟؟ جلست في السيارة و أنا أنتظر أن يركب والدي. الذي كان يسير ببطء ليجلس في الجهة المقابلة.. ...لاحظت أن أنفاسه متهدجة و أكثر ثقلاً و أعلى صوتاً من ذي قبل ....و كذلك حركته.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
جلس الوالد بصعوبة في طرف المقعد و لم يغلق باب السيارة بعد . الأنفاس تعلو و تهبط بصوت عال. و فجأة خرجت منه آهة ألم طويييلة ثم.... انكفى على عليّ. باغتني المشهد المفاجيء كما باغت شقيقتي.
كان رأسه مملقىٍ بالكامل على كتفي...و لاحظت أن عنق أبي صار متصلباً... و لكن ما طمأنه أن جسمه دافيء. أسأل الله أن يكون إماء تعقبه إفاقة . هل مات؟ كيف وقع ذلك على شقيقتي الاصغر التي تجلس في المقعد الخلفي؟ قررت أن أذهب إلى المستشفى حتى نتأكد من وضعه و حتى تمتص شقيقتي الصدمة تدريجيا إن كان قد توفيَ......و في المسشتفى عرفنا كل شيء. .....فقد الأب العزيز حياتنا ..هكذا فجأة و لم يمض أسبوع على إجازتي و أنا الذي كنت أمني النفس بلقاءات و لقاءات معه. فقد فارق الحياة في تلك اللحظة التي صدرت منه تلك الآهة الأليمة في السيارة. مرّت الأمور بسرعة.... اتصلت بشقيقي بالهاتق لأنقل إليه الخبر المزلزل ليخطر الوالدة و بقية الأسرة. ثم عدت إلى المنزل بصحبة جثمان أبي صامت بلا حياة و بذكرى دقائق أليمة و بصحبة شقيقة مكلومة مرت بموقف عصيب. وصلنا المنزل و من أول الشارع استقبلنا العويل الحزين... و زغاريد النسوة فقد عرفوا الخبر و انتشر. و قبل نصل إلى باب المنزل اندفعت إلينا جموع الرجال و الشباب و ولولة النساء معلنين تأكيد الفاجعة الأليمة التي كنت رغم حضوري لها ما بين مصدقٍ و مكذبٍ. في وقت وجيز تمت إجراءات تحضير الجثمان .أقسم من كان داخل الغرفة مشاركاً في غسل الجثمان أنهم لم يروا مثل ذلك المنظر فقد لون الجسم ذهبياً لم يروا و البشرة مضيئة و هكذا بشرونا فخففوا عنا ألم الفراق و توقف انثيال الدموع من المآقي و من القلوب لينتصب داخلا حزن مقيم. و هكذا انطوت صفحة حميمة من تاريخي و من حياتي و لكنه لم يغب من الذاكرة و التذكر و لم يغب عنه صدق الدعاء.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: ولياب)
|
الأخ ولياب شكرا جزيلاً و هكذا هي الدنيا و سنة الله في الكون زوال كل شيء في الدنيا. كتر خيرك على المجاملة و إنت إنسان كلك إنسانية. و الله يرحم الوالدين و والدين الوالدين و جميع أمواتكم و أمواتنا و أموات المسلمين. و أكرر شكري لشخصك الوفي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أسـأل الله أن يغـفـر لوالدك و يـرحـمـه و يكـرم نـزلـه و أن يـدخـله الـجـنة
و أن يــجـعـل الـبركـة فى ذريته و أهـلـه و ذويـه و أن يـلهـمـهـم
جـميـل الـصــبر والـســلـوان ....
خـالـص الـعـزاء لك و لإخوانك و لجميع أهلك الكرام .....
فقد الوالدين لا يضاهيه أي ألم ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: غيمة حزن كثيف- في وداع الأحبة (Re: احمد حمودى)
|
الأخ أحمد جزاك الله خيراً و أحسن اليك رحم الله أمواتنا و أمواتكم و أموت المسلمين هذه الوفاة كانت من سنوات و لكن ساقتني بعض الأحداث و الظروف لتذكرها و بالتالي الكتابة عنها و نشرها .فالمرؤ يحتاج للمشاركة الوجدانة حيث أن ذلك يخفف عنه الكثير.
| |
|
|
|
|
|
|
|