كتب الصادق الرزيقي: ** ربح البيع وكسب الوطن ..** ببزوغ فجر هذا اليوم وشروق شمسه، يُكتب للسودان تاريخ جديد، وعافية مجيدة ومكاناً بين الأمم القادرة على تجاوز خلافاتها وبناء نهضتها وتوحيد إرادتها الوطنية، ومغالبة أهواء السياسة والفرقة والانقسامات التي لا تزيد إلا خبالا ًعلى خبال!. لم يكن أحد يتصور أنه في الساعات الأخيرة من موعد الحوار، تتداعى الأمة السودانة على منهل الحوار الوطني زرافات ووحدانا، وتلتقي الأحزاب والتنظيمات والقيادات المختلفة المشارب الفكرية والسياسية على صعيد واحد، ميمِّمة وجهها شطر الوطن ووجه البهي الساطع.
فاليوم سيجتمع القادرون على صناعة المستقبل وتحصين الأمة وحماية ترابها، ليقولوا كلمة واحدة أن الأوطان لا تُبنى إلا بالتفاهم والتعاضد ونكران الذات والاهتداء إلى ما يجمع الصف ويوحد الكلمة، ولن يتم ذلك إلا في حالة واحدة هي أن يُقام وسط الناس التحاور بالحسنى والجدال بها ويثق كلٌ في أخيه.
هذا الحوار الذي يختتم اليوم بعد عام من عمل اللجان في محاورها الست، هو قنطرة السودانيين للعبور فوق أزماتهم وحروبهم ودماءهم التي سالت أنهاراً، فلو لم تأت ِهذه اللحظة التاريخية الحاسمة وتتجلى بكل معانيها وما تحتويه من إشراق لظل السودانيون في ظلام الشقاق يعمهون. لقد أراد الله بهذا الوطن خيراً فهدى أهله الى ما فيه الخير ويسَّر لهم سبيل الرشد والصواب، فلو لم تكن فكرة الحوار حاضرة أناخت ركائبها في العقل السياسي السوداني، لكان وضع بلادنا الآن في أسوأ الحالات والأوضاع ستُضرم نار الحرب أكثر وتشتعل ويعلو لهيبها حتى تقضي على الأخضر واليابس وتختفي بلادنا من الخارطة ونكون مثل الشعوب التي تمزقت وحدتها وانفرط عقدها وتناثر، ولأصبحنا إما لاجئين أو نازحين نهيم على وجوهنا نتسول ونتوسل العيش بأي ثمن.
فمن لطف الله بالسودان والسودانيين، أنه هداهم الى الحوار، وأنار بصائرهم به، وجعله لهم قنديلاً وشعلة في الطريق الطويل الطويل. لقد كانت بلادنا تقف في مهب الريح، تتناوشها رياح الأعداء من كل جانب وتسري في أطرافها الحرائق ويفيض الموت والحزن في مناطق النزاعات والحروب والخراب، حتى أتاها داعي الحوار، فإذا بها تتنادى وتتهاتف وتتجمع وتلتقي وتتحاور وتتناصر، فتوحدت كما لم تتوحد من قبل على فكرة بسيطة وسهلة وميسورة، وهي التحاور فيما بيننا لننهي خلافاتنا، ونغفر لبعضنا زلاتنا وأخطائنا ثم لنمضي في الدرب الطويل كلٌ يعمل على شاكلته من أجل وظن معافى وتراب تحميه الأنفس الذكية والمهج الصادقة والأرواح. لقد ظن البعض أن الحوار ما هو إلا خدعة وملهاة سياسية فزهدوا فيه، وظنه البعض حالة مزاجية طرأت على الحزب الحاكم وأراد بها أن يلعب على حبال الوقت، واعتقد البعض أنه وإن تم فيه تحاور ونقاش واستخلاصات، فتذهب مع الريح في أقرب فرصة يجد فيها الحزب الحاكم نفسه في منأى من الالتزامات والتعهدات، وينزع حبلها من حول رقبته ويعود الى قديمه ..!!! لكن بإرادة السودانيين وعزيمتهم المخلصة وحرصهم القوي، مضى الحوار وسار حتى منتهاه كأكبر عملية سياسية تُطلق في البلاد منذ فجر الاستقلال، وتيقن كل سوداني أن قضية الحوار لم تكن تكتيكاً سياسياً ولا ألعوبة يتفنن فيها أهل السياسة والحكم، ولا نفقاً لولبياً يتوه فيه كل من سار مشياً أو عدواً، مبصراً أو أكْمَه ..! فإرادة الحوار كانت غالبة وعزيمته كانت أصلب من الحديد والصخر والفولاذ.. وظننا من كثرة ما سمعنا من مناهضي الفكرة ومقاطعي الحوار، أن هذا القطار سيتحرك ومقاعده وعرباته خالية، فها نحن نرى الناس بأحزابهم وقواهم الاجتماعية وتنظيماتهم يتدافعون إليه ويزاحمون في أبوابه ومداخله ونوافذه، لأنهم وجدوا فيه المخرج الوحيد والملاذ الأوحد والشفاء من كل أدواء الحرب وعدم الاستقرار. بالأمس انخرط نفر كريم من أهل السودان ومن مقاطعي الحوار الى هذا المشروع الوطني الكبير، وسيكون المشهد صباح اليوم حاشداً ومؤثراً وتاريخيا ًلم نشهده من قبل، لقد ربح البيع وكسب الوطن .. نعم ..لقد ربح البيع وكسب الوطن..
10-10-2016, 02:44 PM
حمد إبراهيم محمد
حمد إبراهيم محمد
تاريخ التسجيل: 08-20-2009
مجموع المشاركات: 5198
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة