حدّثتني الطبيبة الصغيرة (آمنة دحوم)، أنها خرجت من مستشفى (أحمد قاسم) بصحبة طفلة رضيعة لم يتجاوز عمرها الأربعين يوماً بغرض إجراء رسم قلب لها وذلك لأن الرضيعة كانت تُعاني من مشكلة في القلب. سيارة الإسعاف الخاصة بالمستشفى كانت مُعطّلة فتقرّر أن يستقلوا واحدة من سيارات المستشفى الخاصة والتي تُستخدم في الشؤون الإدارية وتصليح الأعطال وجلب المرتبات وخلافها ، أي أنّها ليست سيارة إسعاف بمُواصفاتها. صعدت الطبيبة ومعها السائق وأم الطفلة إلى السيارة ومعهم أسطوانة أوكسجين محمولة (Portable) وهي أسطوانة تُستخدم في الحالات الحرجة والتي تتطلّب انتقال المريض بصحبة أوكسجين.
ما حدث أنه وعقب خروجهم بعد أمتار وبينما كان جهاز التنفس موضوعاً على أنف الصغيرة والتي تحوّل لون جسدها بالكامل إلى اللون الأزرق..... فجأةً توقفت الأسطوانة عن العمل وذلك لأنّها لم تكن مُمتلئة، بل كانت شبه فارغة ومقياس القراءة بها مُعطّل..
طلبت الطبيبة من السائق العودة بسُرعة إلى المُستشفى واتصلت بموظف أسطوانات الأوكسجين طالبةً منه تحضير أسطوانة أخرى ومُقابلتهم بها أسفل بوابة المستشفى للإسراع في محاولة إنقاذ حياة الرضيعة.
هذا سيناريو صغير يُوضِّح كيف يُمكن أن ينهي الإهمال والتقصير حياة أحدهم دون أن يرمش جفنٌ لوزارة الصحة...... الطفلة في رحلة الـecho كانت مُعرّضة لفقدان حياتها بسبب (الدابة) التي تم استقلالها للوصول إلى مركز الأشعة وبسبب الأسطوانة الفارغة مُعطّلة القراءة وبسبب ضعف الإسعاف وقلة الرعاية وهواننا على الناس.
مثل قصة تلك الرضيعة تتكرّر يومياً وفي كل المُستشفيات مع اختلاف السيناريوهات والتفاصيل والأبطال.. ويظل كاتب السيناريو واحداً... وزارة الصحة.
إنّ الوطن الذي يعيش في حالة موت سريري يصبح فيه المال فقط هو سيد الموقف ؛ لو كان لديك مالٌ فيُمكنك أن تتعالج في مُستشفى خاص مع أسطوانة أوكسجين محمولة دون أن تعاني إحساس الفراغ في الأسطوانة.. وطنٌ تبدأ فيه المُعاناة من سعر الحقنة وحتى قيمة السرير.. ولا عزاء للفقراء!!
خارج السور:
غداً أحكي لكم عن يوم في مستشفى خاص.. وحتى ذلك الحين اعلموا أنّ الفشل اسمه وزير الصحة..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة