الهزيمة الوجودية في رواية «منتجع الساحرات» لأمير تاج السر

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 09:15 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2017, 09:11 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الهزيمة الوجودية في رواية «منتجع الساحرات» لأمير تاج السر

    08:11 PM February, 11 2017

    سودانيز اون لاين
    زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
    مكتبتى
    رابط مختصر

    "http://al3aby4yy.com/"


    يتابع أمير تاج السر في روايته «منتجع الساحرات» الصادرة عن دار الساقي في بيروت بناء عالمه الخاص، الذي تغلب عليه صفة البدائية والتخلف، وليس صفة الواقع السحري.
    فلو نظرنا لسلسلة المصائر المحلية التي تهبط على شخصياته، وإذا حاولنا فك ألغاز هذه الشخصيات الكرنفالية العجيبة، سنلاحظ أنها لا تنتمي إلى دائرة المبالغة والتضخيم (ديدنه في إيبولا و366) ولكن إلى الجانب التهكمي والساخر من مجتمعات التخلف.
    كانت الواقعية السحرية، منذ بداياتها في روايات الصيني لو شين وحتى ذروة نضجها في أعمال ماركيز، تغطي كل ما له علاقة بالهزيمة والتراجع والسقوط، من دون أي إشارة إلى المضحك، وإذا استعملنا لغة الإغريق إنها متخصصة بالمأساة وأخلاق نبلاء البروليتاريا الاجتماعية، ولم تقترب مطلقا من الكوميديا التي يربطها المسرح اليوناني بالرعاع. وهذا هو وجه الخلاف الأساسي، فالرواية من ألفها إلى يائها تدور بين الرعاع ولا توفر فرصة، دون السخرية منهم.
    فالحبكة هي قصة غرام من طرف واحد بين عبد القيوم دليل وأببا الحسناء التي هربت من حرب إريتريا، ولكن كما يقول الناشر في كلمة الغلاف: كان لا بد لعبد القيوم الأخرق أن يتآمر مع القدر لينتهي الحب بجريمة، وبين البداية، الحب من أول نظرة، والنهاية، القتل غيلة وغدرا، يضع تاج السر عينات من مجتمع الأطراف تحت المجهر، ويركز على نقاط مفصلية.
    ويمكن أن نرد حقنة الغواية التي يحقن بها أعماله لواحد من ثلاثة: الجهل والارتجال والعوز.
    فشخصياته معوزة مثل مجتمعاته، وينقصها التعليم والدراية، حتى أن الفيلسوف ومنبع الحكمة سقراط يأخذ هنا دور لاعب كرة قدم. أما الأستاذ الذي يعلم الناس القراءة والكتابة فهو أيضا تاجر عملة مزورة ومحجوز في السجن بعقوبة لا تعرف طولها بالضبط.
    إن الرواية تتوسع في مشكلة المعرفة، وتحاول أن تقارنها مع الخبرة التجريبية، ولكن دائما تكون هذه المعادلة سلبية:
    فجهل+ تخلف= شر
    بينما: معرفة + تخلف= عمل
    والفرق واضح بين اقتصاديات المجتمعات النامية التي تحاول التعالي على شرطها الوجودي. والمجتمعات الأحفورية والإثنية التي تجمدت في مرحلة سابقة من سلم التطور التاريخي
    ويميل اعتقادي إلى أن أمير تاج السر يذهب بعيدا مع النصف الثاني من الحياة، ويدعم هذه الفلسفة بعدة أساليب وحيل فنية، إنه يحول المبكي إلى مضحك، وينتقل من استراتيجية الندب، وهي صفة من صفات الوعي المتأخر والمقاومة (كما هو حال جزء لا يستهان به من الجماعات التي تنتشر في جنوب العراق ولبنان)، إلى استراتيجية الارتجال. فانتماء هذه الشخصيات ليس اختياريا ولكنه تحصيل حاصل وبحكم الواقع، وتغلب عليه اللامبالاة والعبث وردات الفعل، إنها شخصيات تعيش بغريزتها غير المهذبة، ولذلك لا يمكن لها أن تجد الخيط الرفيع الذي يفصل ما بين المبكي والمضحك. يقول عن نساء حي الصهاريج: إنهن يضحكن بصوت مجلجل ولكن ليس من قلوب راضية ومطمئنة. والنساء المخصصات للمتعة هن خامات للتعاسة وبؤر البؤس كما يقول أيضا. وفي اعتقادي إن هذه اللاأبالية لا تنجم عن وعي اجتماعي بميتافيزيقا الجنس البشري وعلاقته مع الإلهيات، فهذه الموضوعات غير متبلورة في أذهان هذا السرب من البشر الذين سقطوا من سلم المعرفة، وأصبحوا جزءا من دائرة اللاوعي، بالمعنى الفرويدي والمبسط والساذج للكلمة، فحياتهم مجرد مساحة يحتلونها في الواقع، وهو واقع يدخل في عداد الأشياء غير العاقلة، فمقياس الرقي في حي الصهاريج، وهو مكان مفضل في الرواية، ليس الأبراج المشيدة وإنما توفير الماء في المواسير. الحب مثلا بلا عاطفة تنبع من القلب، ولكنه عبارة عن رغبة جنسية، والطعام لا يهدف لتوفير الطاقة وإنما لإشباع مبدأ اللذة، وقل نفس الشيء عن الاستجمام، إنه يتحول إلى مرادف للكسل، وهذا ينطبق على الوعي الغريزي بالنساء، فالفاتنة أببا هي صورة تحرك الإحساس بالضرورة عند الرجال.
    ويترتب على هذا الوعي النفسي المتخلف أيضا وعي وجودي قاصر، فالكبار لا تختلف قواهم العقلية عن إدراك الطفل، إنهم لا يفهمون معنى الخصوصية، كل شيء مباح لتلبية الرغبات العاجلة، والرغبة لا تزيد على نزوة عابرة، وبمجرد امتلاكها تموت وتفقد ما يسمى بالقدرة على الإغواء، وأعتقد أن هذه البنية المبسطة للمجتمع تقود تاج السر لإضفاء طابع البداوة على الحياة كلها.
    وباعتبار أن مسرح الأحداث لم يكن في بيئة صحراوية ولكن في ضواحي ضربتها النزاعات والحروب، لذلك أصبحت الصورة وكأنها قريبة للمشاع، إنه اقتصاد تبادل سلعي، وهذا ينسحب على السلوك والعادات والأخلاق، حيث أن القانون الذي يتحكم بالجميع هو قانون العضلات وتبادل المنافع، ما لا يمكن أن تأخذه طواعية تغتصبه بقوة الذراع أو بالحيلة والخداع.
    لقد وضع أمير تاج السر أسس مثل هذا المجتمع الغابوي البدائي في عدة روايات قصيرة سابقة، جاءت بعد أهم أعماله المركبة وهي: أرض السودان وزحف النمل وصائد اليرقات وقلم زينب. وبرأيي تلك هي أعمال مربعه الذهبي لو استعرنا المصطلح الأخير من قصي الشيخ عسكر، ففي تلك الرباعية يوسع تاج السر المعنى الاجتماعي للدول النامية وما تحمله من نماذج إنسانية.
    إنها نماذج تدرك شرطها البشري وإن كانت لا تفهم مجال النشاط المعرفي. فهي تتحدى قانون المجتمع لتتحكم به، بينما في «منتجع الساحرات» لا يوجد أصلا قانون، ولا حتى حدود، ولذلك كل الشخصيات تتداخل وتكرر نفسها في دورة لامتناهية من العنف والفوضى الخلاقة (وأضع هذا التعبير السياسي بين قوسين).
    فهي شخصيات لا تستطيع أن تبتكر شيئا، إنها تأخذ من دون أن تعطي، وتستهلك من دون أن تدرك ضرورة الإنتاج، ولذلك إنها شخصيات مالتوسية تزيد من إحساسنا بالفاجع، من دون أن ندرك ماهيته، ولا يمكن أن تجد مثلها إلا في أدبيات الرومانسية السوداء التي غلبت على أدب العصر القوطي وما نجم عنه مثل أشعار بودلير ورامبو ولو تريامون، فتمجيد الجحيم والتغزل بالموت والاعتراف بخصلة الشر الأصيلة هي جزء من التفسير الطبيعي لنصف بنية الموجود البشري. وهذا الوعي الجزئي بالحياة لا يختلف برأيي عن وعي المثليين بالمنظور والعواطف، فهم لا يدركون غير نصف الحقيقة، وبتعبير آخر، إن هذه الشخصيات لا تفهم معنى الفاجع ولكن تعمقه، والسخرية المريرة التي تنطوي على الانتقاد والهجاء لا تساعدك في الاحتفاظ بمسافة عن أسباب الانحطاط، بالعكس ربما تقربك من مكامن الشر والجريمة، باعتبار أنها نوازع أصيلة عند البشر، حتى أن شعار مدينة الملاهي (واسمه منتجع الساحرات، عنوان الرواية كلها) هو وجه شيطان أسود له عدة قرون وأنياب.
    ورجل الإلهيات الوحيد الذي يحمل لقب الدرويش (بمعنى المتصوف في لغة الدواوين الرسمية) هو صديق للعالم السفلي وليس لأهل الملأ الأعلى.
    ولا ينحو أمير تاج السر باللائمة على هذا الجو، كذلك هو لا يبرر، إنه يكتفي برسم الجوانب الساقطة من حياتنا، وربما لهذا السبب ينهي روايته بجريمة قتل ولا يضع القاتل خلف القضبان. وإذا كان الشيء يعرف بعكسه (بما ليس هو، وهذا مبدأ بنيوي يعود لسوسير وإميل بينفينيست) فإن التهكم التراجيدي عند أمير تاج السر يناظر التهكم السياسي عند التركي عزيز نيسين، كلاهما يرسم الحياة بطريقة كاريكاتيرية تدعو للشعور بالعقدة أو الأزمة التي تنطوي عليها، لكن نيسن تجاهل الحدود بين العاقل وغير العاقل، لتمرير حكمة سياسية تدل على رفضه للواقع الاجتماعي، بينما تاج السر تجاهل الحدود بين الشعور واللاشعور ووضعهما في مستوى واحد لتمرير مقولة وجودية تدل على رفض واقع إنساني تساوى فيه معنى الالتزام مع الذنب والخطيئة.

    ٭ ناقد سوري
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de