القاهرة ـ لا تزال السيطرة على اهتمامات الأغلبية الشعبية هي لبدء امتحانات الثانوية العامة، وعدم وجود حالات غش باستثناء خمس أو ست حالات، وامتحانات الجامعات. وكذلك الاهتمام الكبير بالمسلسلات والبرامج التلفزيونية وعرض حلقاتها وشرحها، ومعظمها تعرض للهجوم والانتقادات العنيفة بسبب التطويل والمط والألفاظ السيئة، وكثرة الإعلانات بين فقرة وأخرى في المسلسل. وكان أعجب هذه الاعلانات هي إعلانات شركات الاتصالات، التي تصل إلى مئات الملايين من الجنيهات، لأنها تحشد فيها أعدادا كبيرة من النجوم والنجمات، بدلا من أن تتبرع بهذه المبالغ الخرافية للمستشفيات التي تعالج المواطنين بالمجان، وأحدها مستشفى لعلاج السرطان، 500 ـ 500 الذي يتم تشييده ليكون أكبر مستشفى لعلاج السرطان بالمجان في العالم، وستتم إدارته بالأساليب الأمريكية. كما امتلأت صفحات الصحف المصرية الصادرة أمس الاثنين 5 يونيو/حزيران كلها بذكرى هزيمة مصر في حرب يونيو 1967، وتوافقها مع ذكرى العاشر من رمضان، حيث عبر الجيش المصري قناة السويس. وهاجم البعض الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر بسبب مسؤوليته عن الهزيمة، وهذه حقيقة يستحيل تبريرها، وهو نفسه اعترف بمسؤوليته عنها، وقدم استقالته، لكن الجماهير نزلت للشوارع وأجبرته على التراجع، وبدأ في إعادة بناء الجيش على أسس احترافية، وخاض حرب الاستنزاف، ثم حدث العبور في عهد السادات، وهو ما يحسب له بالتأكيد، رغم الاعتراضات على سياساته الداخلية أو الخارجية، فهو صاحب قرار الحرب. أيضا اشتعلت الصحف بالمعارك بسبب حلقات الجزء الثاني من مسلسل «الجماعة» الذي يكتبه وحيد حامد، وبالعلاقات بين مصر والسودان، وتصريحات لوزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور عن أنه لا مشكلة بين الشقيقتين. لدرجة أن رسام «الأهرام» أنس الديب رسم مصر والسودان على هيئة فتاتين في غاية الجمال. كما أهتم أخرون بمأساة ميل عمارة حي الأزريطة، والفساد المنتشر في المحليات، وزيارة وزير الخارجية السعودي لمصر. وإلى ما عندنا من أخبار متنوعة.
معارك مسلسل «الجماعة»
والبداية مع بعض مشاهد في الحلقة الثانية من مسلسل «الجماعة» الذي يكتبه وحيد حامد، والمعارك الحامية التي تتعلق بوقائع تاريخية، منها غضب الوفديين من مشهد أن الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس باشا، بعد فوز الحزب الكاسح في انتخابات ديسمبر/كانون الأول عام 1949 وتشكيله الوزارة في يناير/كانون الثاني 1950 برئاسة النحاس، كان أول طلب له عندما قابل الملك فاروق أن يسمح له بتقبيل يده الكريمة، وقال عن ذلك الرئيس الشرفي لحزب الوفد أحمد عز العرب في «الوفد»: «مختلق القصة هو الصحافي الراحل مصطفى أمين، ألد أعداء الوفد عندئذ، وكان هدفه الواضح هو تشويه صورة الزعيم الخالد، ودفعه إلى إصدار بيان لإنكارها، مما كان سيخلق جواً من العداء يفوق العداء القائم فعلاً بين الوفد وحزب الأغلبية الشعبية الكاسحة، ولكن الوفد رد على الأكذوبة بواقعة ثابتة ثبوت الشمس، أذكرها في ما يلي، كانت لحزب الوفد وقتها جريدتان، إحداهما ملكه هي «صوت الأمة» والأخرى ناطقة بلسانه هي «المصري» المملوكة لأسرة أبوالفتح الوفدية، وكان رد الوفد المفحم على الأكذوبة هو نشر صورة المليك في لقائه الأول مع الزعيم الخالد في الأسبوع الأول من يناير 1950 بطول وعرض الصفحة الأولى في الجريدتين وتحتهما عنوان: «اللقاء الأول بين الملك والزعيم الجليل» وقف الرجلان منتصبين كالطود، وعلى وجهيهما ابتسامة مجاملة، وقد تشابكت أيديهما الأربع، وأقسم بالله تبارك وتعالى أن الزعيم الخالد لم ينحن أمام الملك مجرد انحناءة. والصورتان موجودتان في دار الكتب عن هذا اللقاء في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 1950 لمن يريد التأكد من الحقيقة. إنني أعرف وحيد حامد كاتباً وروائياً شريفاً، وأدعوه إلى أن يتأكد بنفسه مما أقول، وأعلم مقدماً أنه في هذه الحالة لن يتردد في تصويب هذا الخطأ في حق زعيم وطني شريف، لم يكن لينحني، وهو زعيم أمة، أمام طاغيتها. ويكفي النحاس شرفاً أنه عندما انتقل إلى جوار ربه 1965 بعد ثلاثة عشر عاماً من الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 1952 ونشر الخبر في أربعة أسطر على عمود واحد في «الأهرام» يومها خرجت القاهرة في جنازة من نصف مليون مواطن لتشييعه إلى مقره الأخير، وكان تعليق عبدالناصر لمرافقيه يومها والغل يملؤه أن هذه الجنازة قد شطبت ثلاثة عشر عاماً من عمر الثورة».
عبد الناصر والإخوان
والمعركة الثانية عن القضية نفسها تناولها المؤرخ صلاح عيسى في مقاله الأسبوعي في الصفحة الأخيرة من «المصري اليوم» وهو يناقش اعتراض صديقنا سامي شرف مدير مكتب الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر للمعلومات على ما أورده وحيد حامد من أن عبد الناصر كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين وعلق عيسى قائلا: «الواقعة للأسف صحيحة، وإذا كان من حق سامي شرف أن يشكك في شهادة بعضهم، لأنهم لم يكونوا على معرفة كافية بعبدالناصر خلال هذه المرحلة من عمله السياسي، فإن من حق وحيد حامد أن يشكك في اعتراضه للسبب نفسه، لأن علاقته بعبدالناصر لم تكن قد بدأت بعد، ومن حقنا أن نقول إن وحيد حامد استند في روايته للواقعة وفي مناظرته مع سامي شرف إلى شهود ثانويين، بينما تجاهل الشاهد الرئيسي على صحتها، وهو خالد محيي الدين، الذي رواها في مذكراته، وفيها يقول إن عبدالمنعم عبدالرؤوف – عضو الجناح العسكرى للإخوان المسلمين – كان هو الذي عرّفه – في آواخر عام 1944 – بجمال عبدالناصر، ثم عرّف كلاً منهما على حدة بالصاغ الرائد محمود لبيب – مسؤول هذا الجناح، وأنهما انضما معاً إلى مجموعة عسكرية تضم العديد من الضباط، ولأنهما كانا يثيران مناقشات حول رؤية الجماعة غير المحددة لتحرير مصر من الاحتلال البريطاني تثير القلق داخل المجموعة، فقد رتب لهم لقاءً بالمرشد العام حسن البنا، الذي لم يستطع رغم ما كان يتمتع به من قدرة على الإقناع أن يبدد غموض هذه الرؤية، فأوصى بنقلهما من الجناح العسكرى إلى النظام الخاص، الذي كان يقوده عبدالرحمن السندي فأقسما على المصحف والمسدس على الطاعة للمرشد العام في المنشط والمكره، وصحة الواقعة لا تنفي تماماً الشكوك التي دفعت سامي شرف لتكذيبها، ومن بينها أن دوافع معظم ضباط الجيش الذين انضموا إلى الجناح العسكري للجماعة كانت وطنية بالأساس ولأنهم لم يسمعوا من الإخوان ما يؤكد أن لديهم رؤية واضحة لتحرير مصر من الاحتلال البريطاني، فقد انفضوا عنهم، وكان من بينهم خالد محيي الدين وجمال عبدالناصر اللذان لم يستمرا في عضوية النظام الخاص سوى فترة قصيرة لا تكاد تصل إلى فترة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام».
صديق الأمس عدو اليوم
أما في «الوفد» فإن رئيس تحريرها السابق حمدي سرحان وجه ضربة موجعة للرئيس الشرفي للحزب بقوله في عموده «لله والوطن» في الصفحة السادسة بعنوان «هل تأخون عبد الناصر؟» قال فيه: «ألم نقل لكم بالأمس القريب: انتظروا واتفرجوا؟ فهكذا أصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم، وانقلب إخواننا الناصريون على وحيد حامد «كاتبهم الكبير» الذي كانوا يستأسدون منذ أيام دفاعاً عنه، واحتفاء بافتراءاته وإساءاته للزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس، وحجتهم أنه «لا ينطق عن هوى» وأنه ما كتب عن «تقبيل النحاس يد الملك فاروق» إلا بعد أن قرأ ودرس ورجع إلى عشرات المراجع، ولذلك فهو لم ولا يخطئ! قلنا لكم: انتظروا ما سيقوله حامد في «الجماعة 2» عن علاقة جمال عبدالناصر والضباط الأحرار، لنرى رد فعل الناصريين وتغير رأيهم، وهو ما يحدث الآن بالفعل، وبقدرة قادر أصبح كاتبهم الكبير «تافهاً» كما يصفونه حالياً وكاذباً، ويردد تاريخاً مزيفاً صنعه الإخوان، ومع ذلك نعود ونؤكد أننا مثلما دفعنا عن الزعيم النحاس ذلك الاتهام الباطل الذي نقله «عمياني» من «شهادة زور» لشخص كاره وموتور، فإننا نعلم أيضا أن عبدالناصر لم يكن إخوانياً حقيقياً، وأيضا الكثيرون من قيادات 23 يوليو/تموز لم يكونوا كذلك، لكن من الثابت تاريخياً أيضا أن ذلك لا ينفي مساندة الإخوان للثورة، حيث تعددت الشهادات التاريخية حول «تأجيل ساعة الصفر لتحرك الجيش من 21 إلى 22 يوليو لحين الحصول على موافقة مرشد الجماعةـ حسن الهضيبي آنذاك- على مشاركة عناصر «النظام الخاص» المسلحة في تأمين تحركات الجيش مقابل، تعهد الضباط بتطبيق الشريعة الإسلامية، في حال نجاح الثورة. ما نود تأكيده هو أننا نتفق مع إخواننا الناصريين في أن عبدالناصر لم يكن ينتمي فكرياً لتنظيم الإخوان، لكنه «تأخون» أي انتمى تنظيمياً للإخوان في فترة تنقل خلالها بين عدة تيارات سياسية، اعتقاداً منه بوطنيتها، وهذا طبيعي لشاب كان في مقتبل العمر في ذلك الوقت وصاحب خلفية عسكرية وغير متمرس في العمل السياسي، فأراد أن يكتشف نفسه ويكتشف طبيعة هذه التيارات، وكانت تلك إحدى سمات مرحلة الثراء والتعدد الديمقراطيين التي مرت بها البلاد في ذلك الوقت».
التاريخ لا يكتب بأمزجة السياسيين
وإلى وحيد حامد الذي أثار كل هذه الزوبعة، حيث نشرت له «المصري اليوم» يوم الأحد حديثا على كامل صفحتها الرابعة عشرة أجراه معه شريف عارف، تناول فيه عدة قضايا منها هذه الزوبعة فقال: «إخوانية عبدالناصر كانت مرحلة ضمن مراحل في حياته، ولا أحد يستطيع نكرانها، فقد انضم إلى عدة تنظيمات سياسية ومنها على سبيل المثال، الشيوعيون ومصر الفتاة وكان له اسم حركى هو «موريس»، وهذا الكلام موثق وذكر في مراجع عديدة. للحقيقة لا أعرف الإخوة الناصريون «زعلانين ليه؟» عبدالناصر كان عضواً في الإخوان في الفترة من 1944 وحتى 1948، وعندما أسس تنظيم الضباط الأحرار عام 1948 كان السيد سامي شرف في سن 16 سنة، ولم يكن يعرفه، أو لم تكن بينهما أي علاقة، ولكن دعني أتحدث عما هو أهم، فالزعماء ليسوا «أنبياء» الكل يخطئ ويصيب، التاريخ لا يكتب بـ»أمزجة السياسيين» أنت أمام وقائع وعشرات الوثائق التي تتناول حدثا واحدا من مختلف الزوايا، عبدالناصر ترك الإخوان وأسس تنظيم الضباط الأحرار بشروط محددة وردت في المسلسل، وهى أن الانتماء للوطن وليس لأحزاب أو جماعات. الإخوة الناصريون غاضبون و»جعلون مرشداً للإخوان» دون أن ينظر أحد بعين الحيدة، وفي الوقت نفسه لن يستطيع أحد «جرجرتي» إلى معارك جانبية، والمسلسل قادر على الدفاع عن نفسه لدينا الوثائق الدالة على كل مشهد».
وحيد حامد: لست في خصومة مع الوفد
أما عن الوفديين وغضبهم من ذكره أن النحاس باشا بعد أن تولي الوزارة عام 1950 وقابل الملك فاروق طلب منه أن يسمح له بتقبيل يده الكريمة فقال وحيد عنها: «عقب المشهد اتصل بى الأستاذ فؤاد بدراوي وتحدث معي عن المشهد، وعلمت أن هناك غضبا وفديا منه، وقال لي «إننا كذبنا» من قبل هذه الوقائع، وطلبت منه أن يعطيني مرجعاً بذلك وأنا أنتظر من أي من الإخوة الوفديين أي مراجع تشير إلى عكس هذا الكلام، أنا لست في خصومة مع الوفد أو زعمائه الواقعة مذكورة في روايتين. والحقيقة أن هذه الرواية ذكرها حسين سري باشا أمام المحكمة العسكرية التي كان يرأسها قائد الجناح عبد اللطيف البغدادي، وهي إحدى المحاكم التي كانت تحاكم عددا من السياسيين قبل ثورة يوليو/تموز، وكان الزعيم الذي تتم محاكمته فؤاد سراج الدين، وقال حسين سري أن الملك عندما علم أن النحاس سيقابله طلب منه، أي من حسين سري، أن يكون حاضرا، لأنه لا يطمئن للنحاس ماذا يمكن أن يفعل، فاختبأ سري وراء ستارة في الغرفة وقال، إن النحاس عندما دخل على الملك طلب منه أن يسمح له بتقبيل يده وقال سراج الدين للمحكمة ساخرا حسين سري ضخم الجثة وبالتالي فإن الستارة لن تخفيه فهل لم يره النحاس بلاش هل لم ير حذاءه ؟ فضحك البغدادي وأعضاء المحكمة».
قتل المسيحيين
وفي ما يمكن اعتباره ردا غير مباشر على مقالتين لعباس الطرابيلي في عموده اليومي في «المصري اليوم» لكل المصريين مع اتهام عبد الناصر وثورة يوليو/تموز باضطهاد الأقباط فقام عضو مجلس النواب الدكتور عماد جاد «قبطي» بالرد عليه في عموده اليومي «درة الشرق» في «الوطن» وكان العنوان «حدود دور وقدرة الكنيسة»، حيث اتهم السادات ببدء هذه المرحلة ومما قاله: «مرت علاقة الدولة بالكنيسة بمراحل عدة منذ ثورة يوليو 1952 ففي مرحلة ما بعد الثورة ومع تبلور دور جمال عبدالناصر، كان يجلس على كرسي «مار مرقس» البابا كيرلس السادس، وبعد مرحلة ضبابية نشأت علاقة إيجابية بينهما، جرى عبرها حل المشاكل التي كانت تظهر أولاً بأول وساعدت شخصية البابا كيرلس السادس الهادئة المتواضعة الروحانية، على تمتين العلاقة مع رأس الدولة. رحل جمال عبدالناصر وبعد تنيُّح البابا كيرلس السادس مباشرة، تولى السادات رئاسة مصر، وجلس البابا شنودة الثالث على كرسى مار مرقس، جاء السادات فاقداً الكاريزما فبدأ في خلط الدين بالسياسة وخطط لاستخدام الجماعات الإسلامية التي شكّلها ضد التيارين الناصري واليساري في الجامعات المصرية وهي الجماعات التي حصلت على دعم السادات المادي والمعنوي، بما في ذلك السلاح بكافة أنواعه، وقد بدأت هذه الجماعات في مرحلة تالية العمل ضد الأقباط، سواء في الجامعات لا سيما في صعيد مصر، أو ضد تجمعات الأقباط في بعض مدن الصعيد وقراه، تزامن ذلك مع أسلمة المجال العام، واستخدام مؤسسات الدولة في التضييق على الأقباط، الذين لجأوا إلى الكنيسة طلباً للحقوق وبحثاً عن الحماية، وهو ما تعامل معه البابا شنودة الثالث برؤية سياسية كاملة، فباتت الكنيسة ملجأ الأقباط وملاذهم الآمن، بدأت تعبر عنهم وعن مطالبهم وهمومهم، وكلما تعرضوا للاعتداء من قبَل الجماعات المسلحة، التي شكّلها النظام وواجهوا سياسات التمييز التصقوا بالكنيسة أكثر، واحتموا بأسوارها وانعزلوا عن المجتمع. انفرد البابا شنودة الثالث بالتعبير عن الأقباط دينياً وتمثيلهم سياسياً أمام الدولة، وعمل بكل قوة على منع ظهور نخبة مدنية قبطية يمكنها انتزاع هذا الدور أو تمثيل الأقباط. سياسياً ارتاحت الدولة والكنيسة لهذه المعادلة، فقد كان نظام السادات يعرف عنواناً واحداً لتمثيل الأقباط وهو المقر البابوي في الكاتدرائية المرقسية في العباسية. انتهى الأمر بالصدام بين السادات والبابا، فكانت قرارات سبتمبر 1981 التي شملت اعتقال المئات من الرموز المصرية من كافة الاتجاهات السياسية والتيارات الفكرية، والتحفظ على البابا شنودة الثالث في دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون. قبل مرور ستة أسابيع على قرارات الاعتقال قُتل السادات على يد الجماعات التي أنشأها وأراد توظيفها لخدمة مشروعه السياسي. جاء مبارك من بعده وترك البابا متحفَّظاً عليه قرابة أربع سنوات، فلم يخرج البابا من الدير إلا في يناير/كانون الثاني 1985 خرج ووجد معادلة السادات قائمة كما هي، فقد حافظ مبارك على معادلة السادات وواصل توظيف الخوف من التيار الديني وجماعة الإخوان للضغط على الأقباط من أجل الارتماء في حضن الدولة تماماً في الوقت الذي تواصلت فيه سياسات التمييز والظلم بحق الأقباط».
لن نهاجر
وإلى جريدة «وطني» القبطية يوم الأحد التي نشرت في صفحتها الثالثة عمود «نور في الظلمة» للأب رفيق جريس راعي كنيسة القديس كيرلس في الكوربة ورئيس المكتب الصحافي للكنيسة الكاثوليكية في مصر. والكوربة منطقة مشهورة في حي مصر الجديدة في القاهرة وأكد أن جرائم المنيا وغيرها لن تدفع الأقباط للهجرة من مصر، كما حدث في بلدان عربية أخرى قال: «جريمة المنيا على طريق دير الأنبا صموئيل جريمة شنعاء أودت وأصابت الكثيرين، خاصة الأطفال، ولكن هي ترسل لنا عدة رسائل أو بالأحرى تؤكد على رسائل صارت معروفة، أولها هو الرد على خطاب الرئيس القوى ضد الإرهاب في مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأمريكية، الذي انعقد في السعودية منذ أسبوعين. وثانيها هو العمل على إسقاط الدولة كما قالها الرئيس بنفسه ورسالته إلى شعب مصر عقب الجريمة، وذلك من باب الفتنة الطائفية، ظانين أنهم يستطيعون تقسيم الشعب المصري على أساس طائفي، فيوجهون بعضهم ضد بعض، كما حصل في دول أخرى، فتتفكك الدولة وتسقط. وهذا السيناريو فشل بل زاد الشعب تماسكًا، ولكن ما زال الإرهابيون ومن وراءهم يواصلون العمل على هذه النقطة. ثالثها والمقلق حقًا هو عملهم الحثيث من خلال الأعمال الإرهابية المتكررة ضد المسيحيين، وهو العمل على تطفيش المسيحيين من وطنهم وأرضهم باحثين عن الأمان في بلاد أخرى، وإخلاء المنطقة العربية الإسلامية منهم، وقد نجح هذا المخطط ولو جزئيًا في بعض الدول، وتشتت مسيحيوها في بعض بلاد الغرب بعيدًا عن أرضهم وجذورهم وتقاليدهم إلى الآخر، لذا علينا شعبًا وحكومة أن نعي جيدًا هذه المخططات الإجرامية، وندافع عن أرضنا وقيمنا يدًا بيد مع إخواننا المسلمين الوسطيين، شركاء الوطن، وعدم السماح لهذه الخطط الشيطانية ومن هم وراءها من تنفيذها، بل تماسكنا هو أبلغ رد على هؤلاء المجرمين».
الربيع العربي
وحظيت ثورات الربيع العربي وفشلها باهتمام ثلاثة كتاب الأول فهمي هويدي الذي قال مدافعا عن هذه الثورات في مقاله أمس الاثنين في الصفحة الأخيرة من «الشروق»: «إن مسؤولية الربيع العربي عن الخراب الحاصل، أكذوبة كبرى روجتها قوى الثورة المضادة التي مازالت تصر على اغتيال الحلم وإزالة آثاره، ذلك أنه من الثابت أن الثورات التي حدثت بدءا من تونس وانطلقت في مصر وسوريا واليمن كانت كلها سلمية، وبعضها ما كان يطمح لأكثر من تحقيق الإصلاح السياسي، لكن العنف انطلق حين تصدت لها الأنظمة وقمعتها بالشبيحة والسلاح، فكان الرد من جنس العمل وتحولت المطالب السلمية إلى دعوات إلى إسقاط النظم المستبدة، خصوصا أن قوى الثورة المضادة الممثلة في الأجهزة الأمنية وشبكات المصالح، هي التي تملك القوة المادية والمنابر الإعلامية والسلاح، في حين أن المواطنين العزل لم يكونوا يملكون سوى حلم التغيير المستند إلى القوة الحقوقية والأخلاقية فقط. وما عاد سرا أن تجليات الربيع تعرضت في الوقت ذاته لحرب شرسة من تحالف الثورة المضادة في العالم العربي، الذي لا يزال حتى هذه اللحظة يسعى جاهدا لملاحقة دعاة التغيير والإصلاح (الدور الإسرائيلي ليس واضحا بعد) إن الذين يحاولون إقناعنا بأن حلم الناس بالحرية والكرامة والعيش الكريم مؤد إلى الفوضى والخراب وخطيئة ينبغي ألا تتكرر، لا يحاربون قوى التغيير فقط، ولكنهم يحاربون النواميس وسنن الكون الحاكمة للتقدم والرقي، لكن المشكلة أن الحلم الكبير باهظ التكلفة في حين أن مجتمعاتنا أضعفت وأنهكت بحيث أصبح الثمن المطلوب يفوق طاقتها على الاحتمال».
اليأس لا يصنع إصلاحا
والثاني الذي دافع عن ثورة الربيع العربي، واتهم الحكومة بأنها السبب لا الثورة في ما نحن فيه من بلاوي ومصائب، كان الأستاذ في كلية الإعلام في جامعة القاهرة ومستشار جريدة «الوطن» الدكتور محمود خليل وقوله في عموده «وطنطن» أمس الاثنين: «المسؤولون أيضاً لا يفتأون يتحدثون عن الواقع المرير الذي نعيشه، كلام كثير سمعناه عن الفقر الذي نعيشه والحالة المتردية التي وصلنا إليها هل هذا الكلام واقعي؟ مؤكد أنه كذلك لكنّ فارقاً كبيراً بين أن تشرح معالم الظرف للمواطن تمهيداً لتحميله أعباء الإصلاح، وبين أن تكاشف الجميع بالحقيقة كخطوة تعقبها خطوات إصلاحية يتحمل عِبْأها الجميع. «اليأس» وحده لا يصنع إصلاحاً أفهم أن يعترف المسؤول بالواقع المتردي، على أن يشفع ذلك بخطط للتغيير بمواقيت معلومة خطط تمنح الشعب أملاً في المستقبل. الشعب الذي وقف في يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 وفي يوم 30 يونيو/حزيران 2013 هو ببساطة شعب قادر على تغيير واقعه وإعادة صياغته. ظني أن المنجى الوحيد لهذا الشعب من ثقافة النكسة التي تعشش في دروب تفكيره، يرتبط بتذكر ماضيه القريب وأحداث رحلته التي بدأت في يناير 2011، حين خرج باحثاً عن واقع أفضل ومجتمع أكثر إيماناً وتفعيلاً لقيم المواطنة، ودولة أكثر متانة وتماسكاً. السلطة الحالية تنشد بناء دولة قوية وهذا الهدف لن يتحقق إلا بشعب يتمتع بثقة عميقة في ذاته وبأمل قوى في مستقبله».
لم نجن إلا الخيبة
والثالث كان الدكتور نصر محمد عارف الذي هاجم فيه هذه الثورات في الصفحة العاشرة من «أهرام» أمس الاثنين بقوله: «وأخيراً جاءت اللعبة الثالثة: الخريف العربي المشؤوم الذي كنا نظن أنه ربيع عربي يؤذن بالخير والنماء، جميعنا هللنا لثورات الربيع العربي، جميعنا ذبنا حباً في شباب طاهر نقي وقف في وجه الفساد والاستبداد، جميعنا كنا نظن أن هذه الثورات ستنقلنا إلى عالم جديد نموت في ظله مرتاحي البال على مستقبل بلادنا، ولكن لأننا في الموقع الأدنى علميا وفكريا وسياسيا وحضاريا، كان هناك من يجلس فوق التل يراقبنا بدقة شديدة، ثم يلقي خيوطه على من يعرف منا ويربطهم بعصا «الماريونيت» ثم يحركهم كيفما يشاء، فانتهت أحلامنا بكوابيس فشل سياسي وقيادات ساذجة وحكم جماعات دينية مريضة بكل عقد التاريخ وسيطرة هواة مقامرين بلا خبرة، ثم إرهاب وعنف وتفجير لكل تاريخ العيش المشترك وحروب أهلية تفكك المجتمعات وتدمر المدن وتقضي على الدول وتعيدنا للوراء قرونا».
مصر والسودان
وعن العلاقات المتأزمة بين مصر والسودان كتب عماد الدين حسين في «الشروق» قائلا: «ظهر يوم السبت الماضي قال البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية السوداني، خلال مؤتمره الصحافي مع السفير سامح شكري وزير الخارجية، إن العلاقات بين مصر والسودان مقدسة، ورد عليه شكرى بتعبيرات مماثلة. أدري أن كلام الوزير السوداني وراءه حسن النية، وكذلك كل المسؤولين المصريين، لكن وعلى حد علمي لا توجد علاقات مقدسة حتى بين الأزواج أحيانا، فما بالكم بين الدول؟ كنت سعيدا بزيارة الوزير السوداني لأنها ستضع حدا للتدهور الذي طال علاقات البلدية في الشهور الأخيرة، وكاد يصل بها إلى نقطة خطيرة. لكن السعادة شيء، ومواجهة أصل المشكلة شيء آخر. التناقض ما بين الأقوال والأفعال هو أحد سمات العلاقات العربية، وما لم نتخلص من هذه الآفة، فسوف نظل غارقين في الدوامة نفسها. قبل التهدئة وزيارة وزير الخارجية وصلت العلاقات لمرحلة حرجة، تمثلت فى خروج الرئيس البشير لانتقاد مصر علنا في أكثر من محفل، آخرها اتهامه بأنها تسلح متمردي دارفور، في حين أن الغضب المصري الرسمي من الحكومة السودانية متنوع، ويبدأ من استضافة كوادر إخوانية متهمة بالعنف والإرهاب، نهاية بمساعدة المتطرفين في ليبيا، مرورا باتخاذ إجراءات عقابية بحق المصريين في السودان وفرض تأشيرات دخول عليهم وحظر دخول المنتجات المصرية. كان هناك أيضا شعور مصري بأن الحكومة السودانية تستقوي بقطر لمكايدة مصر، بل وتنسق مع إثيوبيا وتوقع معها اتفاقيات أمنية، في اللحظة التي ما تزال فيها أديس أبابا تعاندنا في ملف سد النهضة وتأليب بقية دول حوض النيل على عدم الاستجابة للمطالب المصرية، في ما يتعلق باتفاقية عنتيبي. بالطبع تنكر الحكومة السودانية كل هذه الاتهامات والشكوك، وبغض النظر عن الحقيقة، فنحن هنا نتحدث عن الآليات التي يفترض أن تحكم العلاقات بين البلدين. أصل المشكلة أن هناك خلافات حقيقية بين البلدين في العديد من الملفات، وبالتالي فإن وزير الخارجية السوداني قد جانبه الصواب تماما حينما قال إنه يتمنى من الإعلام والإعلاميين أن يكونوا جنود خير، وأن يحافظوا على العلاقات. ما قاله غندور كرره مسؤولون مصريون في اكثر من مناسبة. لكن الحقيقة هي الإعلام ليس سبب الأزمة، بل هو عاكس لها. قد تكون هناك أصوات إعلامية منفلتة هنا وهناك، لكن سبب الأزمة الفعلي هو الخلافات بشأن بعض السياسات والتوجهات. والإعلام لم يجبر الرئيس البشير مثلا على الخروج والإدلاء بحوارات تلفزيونية يتهم فيها مصر باتهامات متعددة، والإعلام لم يكن متجنيا حينما نقل تصريحات وزير الإعلام السوداني بأن الأهرامات سودانية، وأن أصل الحضارة الفرعونية سوداني. الإعلام ينقل الأخبار ولا يصنعها. وحتى التسريبات التى ينشرها يكون مصدرها السياسيون وليس العكس، وبالتالي فإلقاء المشكلة كلها على شماعة الإعلام لن يحلها بل قد يفاقمها للأسف. مرة أخرى جيد أن يزورنا الوزير السوداني إبراهيم غندور. وجيد أن يقال كلام كثير عن طى صفحة الخلاف والتوتر. وقد استمعت بالفعل إلى كلمات طيبة وعاقلة من السفير السوداني في القاهرة عبدالمحمود عبدالحليم قبل نحو أسبوع خلاصتها أن العلاقات سوف تتحسن، لأن البلدين لا يملكان ترف الخلافات، وكان يتمنى وقتها أن تنعقد كل اللجان المشتركة خصوصا الأمنية لإنهاء كل المخاوف المصرية في هذا الصدد. المهم علينا أن نتعلم آداب الخلافات وألا نسمح لأنفسنا في مصر والسودان بوصول العلاقات إلى مرحلة الخطر. إذا حدث ذلك فسوف يكون ضارا ومدمرا للبلدين، ولن يخرج أحد كاسبا. علينا أن نحصر الخلافات بين الحكومتين ونناقشها بالعقل، وألا ننغمس نحن الشعوب في خلافات الحكومتين على طريقة «داحس والغبراء». علينا أن نتعلم أن نكون منطقيين ونتوقف عن ترديد كلمات مثل مقدسة و«أزلية». وعلى حد تعبير أحد الأصدقاء المتابعين لملف العلاقات المصرية السودانية فإن تفسير كلمة «أزلية» الآن على أرض الواقع هى «أذى لي وأذى لك»!. فمتى نوقف ايذاء أنفسنا؟»
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة